رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 561 الى صـ 565 الحلقة (111) القول في تأويل قوله تعالى: [222] ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين . ويسألونك عن المحيض وهو الدم الخارج من الرحم على وجه مخصوص في وقت مخصوص. ويسمى الحيض أيضا. أي: هل يسبب ويقتضي مجانبة مس من رأته؟: قل هو أذى أي: الحيض شيء يستقذر ويؤذي من يقربه، نفرة منه وكراهة له فاعتزلوا النساء في المحيض أي: فاجتنبوا مجامعتهن في زمنه. قال الراغب: في قوله تعالى: هو أذى تنبيه على أن العقل يقتضي تجنبه، كأن قيل: الحيض أذى وكل أذى متحاشى منه. ولما كان الإنسان قد يتحمل الأذى ولا يراه محرما، صرح بتحريمه بقوله: فاعتزلوا النساء روى الإمام أحمد ومسلم عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: أن اليهود كانوا إذا حاضت [ ص: 561 ] المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت. فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى إلى آخر الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اصنعوا كل شيء إلا النكاح » . فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول! إن اليهود تقول كذا وكذا، فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما. فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما. ولا تقربوهن حتى يطهرن تأكيد لحكم الاعتزال، وتنبيه على أن المراد به عدم قربانهن، لا عدم القرب منهن، وكنى بقربانهن، المنهي عنه، عن مباضعتهن. فدل على جواز التمتع بهن حينئذ فيما دون الفرج. ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض. وفيهما عنها أيضا قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض، ثم يقرأ القرآن. وروى مسلم عنها أيضا قالت: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 562 ] فيضع فاه على موضع في فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في. وفي الصحيحين - واللفظ لمسلم - عن ميمونة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض. وفي لفظ له: كان يضطجع معي وأنا حائض وبيني وبينه ثوب. وقوله: حتى يطهرن بيان لغاية الاعتزال. وقد قرئ في السبع: بفتح الطاء والهاء مع التشديد، وبسكون الطاء وضم الهاء مخففة. والقراءة الأولى تدل صريحا على أن غاية حرمة القربان هو الاغتسال، كما ينبئ عنه قوله تعالى: فإذا تطهرن إلخ. والقراءة الثانية وإن دلت على أن الغاية هو انقطاع الدم - بناء على ما قيل: إن الطهر انقطاع الدم، والتطهر الاغتسال - إلا أنه لما ضم إليها قوله تعالى: فإذا تطهرن صار المجموع هو الغاية ; وذلك بمنزلة أن يقول الرجل: لا تكلم فلانا حتى يدخل الدار، فإذا طابت نفسه بعد الدخول فكلمه! فإنه يجب أن يتعلق إباحة كلامه بالأمرين جميعا، وكذلك الآية - لما دلت على وجوب الأمرين - وجب أن لا تنتهي هذه الحرمة إلا عند حصول الأمرين، فمرجع القراءتين واحد كما بينا. وقد روى مسلم عن عائشة: أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض؟ فقال: [ ص: 563 ] « تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر، فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها - والفرصة بالكسر: قطعة من صوف أو قطن أو غيره - تتبع بها أثر الدم » . ثم آذن تعالى أن التطهر شرط في إباحة قربانهن، لا يصح بدونه، بقوله سبحانه: فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله أي: فجامعوهن من المكان الذي أمركم الله بتجنبه في الحيض وهو القبل، ولا تتعدوه إلى غيره إن الله يحب التوابين من الذنوب: ويحب المتطهرين أي: المتنزهين عن الفواحش والأقذار، كمجامعة الحائض والإتيان فيغير المأتى. وفي ذكر التوبة إشعار بمساس الحاجة إليها - بارتكاب بعض الناس لما نهوا عنه - وتكرير الفعل لمزيد العناية بأمر التطهر. القول في تأويل قوله تعالى: [223] نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين . نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم روى الشيخان عن جابر قال: كانت اليهود تقول: إذا أتيت المرأة من دبرها في قبلها ثم حملت كان ولدها أحول. قال: فأنزلت: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم [ ص: 564 ] وعند مسلم عن الزهري: إن شاء مجبية، وإن شاء غير مجبية، غير أن ذلك في صمام واحد. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: هذه الزيادة يشبه أن تكون من تفسير الزهري، لخلوها من رواية غيره من أصحاب ابن المنكدر، مع كثرتهم. والمجبية كملبية: المنكبة على وجهها، والصمام الواحد: الفرج، وقوله تعالى: حرث لكم الحرث: إلقاء البذر في الأرض، هذا أصله ; والكلام إما بحذف المضاف، أي: مواضع حرث، أو المصدر بمعنى المفعول، أي: محروثات. وإنما شبهن بذلك لما بين ما يلقى في أرحامهن وبين البذور من المشابهة. من حيث إن كلا منهما مادة لما يحصل منه. ولما عبر تعالى عنهن بالحرث عبر عن مجامعتهن بالإتيان كما تقدم، فقال: فأتوا حرثكم أنى شئتم أي: فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم، لا تحظر عليكم جهة دون جهة. والمعنى: جامعوهن من أي جهة شئتم ولا تبالوا بقول اليهود. وفي تخصيص الحرث بالذكر تعميم جميع الكيفيات الموصلة إليه. قال الزمخشري: وقوله تعالى: هو أذى فاعتزلوا النساء -: من حيث أمركم الله -: فأتوا حرثكم أنى شئتم من الكنايات اللطيفة، والتعريضات المستحسنة. وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة، على المؤمنين أن يتعلموها، ويتأدبوا بها، ويتكلفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم. وقد ورد - في سبب نزول هذه الآية - رواية أخرى أخرجها أبو داود والحاكم عن ابن عباس قال: كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم. وكان من أمر أهل الكتاب أنهم لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة. فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم. وكان هذا الحي من قريش [ ص: 565 ] يشرحون النساء شرحا منكرا، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات. فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار. فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك، وإلا فاجنبني، حتى سرى أمرهما. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد. تنبيه: ما ذكرناه من الروايات هو المعول عليه عند المحققين. وثمة روايات أخر تدل على أن هذه الآية إنما أنزلت رخصة في إتيان النساء في أدبارهن. قال الطحاوي: روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم قال: ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها، ثم قرأ: نساؤكم حرث لكم ثم قال: فأي شيء أبين من هذا؟ هذه حكاية الطحاوي نقلها ابن كثير. وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي: قال ابن القاسم: ولم أدرك أحدا أقتدي به في ديني يشك فيه، والمدنيون يروون فيه الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم. يشير بذلك إلى ما روي عن ابن عمر وأبي سعيد. أما حديث ابن عمر فله طرق. رواه عنه نافع، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر، وزيد بن أسلم، وسعيد بن يسار، وغيرهم. أما نافع فاشتهر عنه من طرق كثيرة جدا، منها: رواية مالك، وأيوب، وعبيد الله بن عمر العمري، وابن أبي ذئب، وعبد الله بن عون، وهشام بن سعد، وعمر بن محمد بن زيد، وعبد الله بن نافع، وأبان بن صالح، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة. https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 576 الى صـ 580 الحلقة (114) وقد ذم الله تعالى من أكثر الحلف بقوله: ولا تطع كل حلاف مهين وقال تعالى: واحفظوا أيمانكم والعرب كانوا يمدحون المرء بالإقلال من الحلف كما قال كثير: قليل الألايا حافظ ليمينه وإن سبقت منه الألية برت والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان: أن من حلف في كل قليل وكثير بالله، انطلق لسانه بذلك. ولا يبقى لليمين في قلبه وقع. فلا يؤمن إقدامه على اليمين الكاذبة. فيختل ما هو الغرض الأصلي في اليمين. وأيضا، كلما كان الإنسان أكثر تعظيما لله تعالى كان أكمل في العبودية. ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية. وأما قوله تعالى بعد ذلك: أن تبروا وتتقوا فهو علة للنهي. أي: إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا، لأن الحلاف مجترئ على الله، غير معظم له، فلا يكون برا متقيا، ولا يثق به الناس، فلا يدخلونه في وساطتهم وإصلاح ذات بينهم، والله أعلم. [ ص: 577 ] القول في تأويل قوله تعالى: [225] لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم . لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم أي: لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية - إذا لم تقصدوا هتك حرمته - وهي التي لا يقصدها الحالف، بل تجري على لسانه عادة من غير تعقيد ولا قصد إليها. كما ينبئ عن ذلك قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان وهو المعني بقوله عز وجل: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم أي: تعمدته قلوبكم فاجتمع فيه، مع اللفظ، النية. يعني: ربط القلب به لفوات تعظيم أمره، ولهتك حرمته بنقض اليمين المقصودة. روي عن عائشة أنها قالت: أنزلت هذه الآية في قول الرجل: لا والله، وبلى والله! أخرجه البخاري ومالك وأبو داود، وهذا لفظ البخاري. وقد نقل ابن المنذر نحو هذا عن ابن عمر، وابن عباس، وغيرهما من الصحابة والتابعين. ولفظ رواية ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: إنما اللغو في المزاحة والهزل وهو قول الرجل: لا والله! وبلى والله! فذاك لا كفارة فيه. إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله. [ ص: 578 ] ويروى في تفسير لغو اليمين: هو أن يحلف على الشيء يظنه، ثم يظهر خلافه. ويروى: أن يحلف وهو غضبان: ويروى غير ذلك، كما ساقها ابن كثير، مسندة. وقد ظهر - للفقير - أن لا تنافي بين هذه الروايات، لأن كل ما لا عقد للقلب معه من الأيمان فهو لغو بأي صورة كانت وحالة وقعت. فكل ما روي في تفسير الآية فهو مما يشمله اللغو. والله أعلم. والمراد من المؤاخذة: إيجاب الكفارة. كما بين ذلك في آية المائدة: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته والله غفور يعني: لعباده فيما لغوا من أيمانهم فلم يؤاخذهم به: حليم يعني في ترك معاجلة أهل العصيان بالعقوبة تربصا بالتوبة. والجملة تذييل للحكمين السابقين. فائدته الامتنان على المؤمنين، وشمول مغفرته وإحسانه لهم. القول في تأويل قوله تعالى: [226 - 227] للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم . للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم اشتملت هذه الآية على حكم الإيلاء، وهو لغة: الامتناع باليمين، وخص في عرف الشرع: بالامتناع باليمين من وطء الزوجة. ولهذا عدى فعله بأداة من تضمينا له معنى، يمتنعون من نسائهم: وهو أحسن من إقامة " من " مقام " على ". وجعل سبحانه للأزواج مدة أربعة أشهر يمتنعون فيها من نسائهم بالإيلاء، فإذا مضت فإما أن يفيء وإما أن يطلق. [ ص: 579 ] وقد اشتهر عن علي وابن عباس رضي الله عنهم: أن الإيلاء إنما يكون في حال الغضب دون الرضا، كما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه وظاهر القرآن مع الجمهور. وقد تناظر في هذه المسألة محمد بن سيرين ورجل آخر. فاحتج على محمد بقول علي كرم الله وجهه، فاحتج عليه محمد بالآية فسكت. وقد اتفق الأئمة على أن المولى إذا فاء إلى المواصلة لزمته كفارة يمين، وإنما ترك ذكرها هنا ; لأنها معلومة من موضع آخر في التنزيل العزيز. فعموم وجوب التكفير ثابت على حالف. قال العلامة صديق خان في " تفسيره ": اعلم أن أهل كل مذهب قد فسروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم، وتكلفوا بما لا يدل عليه اللفظ ولا دليل آخر، ومعناها ظاهر واضح، وهو أن الله جعل الأجل لمن يولي أي: يحلف من امرأته أربعة أشهر ثم قال مخبرا لعباده بحكم هذا المولي بعد هذه المدة: فإن فاءوا أي: رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح: فإن الله غفور رحيم أي: لا يؤاخذهم بتلك اليمين، بل يغفر لهم ويرحمهم ; وإن عزموا الطلاق أي: وقع العزم منهم عليه والقصد له: فإن الله سميع لذلك منهم: عليم به. فهذا معنى الآية الذي لا شك فيه ولا شبهة. فمن حلف أن لا يطأ امرأته - ولم يقيد بمدة، أو قيد بزيادة على أربعة أشهر - كان علينا إمهاله أربعة أشهر. فإذا مضت فهو بالخيار: إما رجع إلى نكاح امرأته، وكانت زوجته بعد مضي المدة كما كانت زوجته قبلها، أو طلقها، وكان له حكم المطلق لامرأته ابتداء. وأما إذا وقت بدون أربعة أشهر: فإن أراد [ ص: 580 ] أن يبر في يمينه اعتزل امرأته التي حلف منها حتى تنقضي المدة. كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين آلى من نسائه شهرا. فإنه اعتزلهن حتى مضى الشهر. وإن أراد أن يطأ امرأته قبل مضي تلك المدة التي هي دون أربعة أشهر حنث في يمينه ولزمته الكفارة. وكان ممتثلا لما صح عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: « من حلف على يمين فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه » . قال الحرالي: وفي قوله تعالى: فإن الله سميع عليم تهديد بما يقع في الأنفس والبواطن من المضارة والمضاجرة بين الأزواج في أمور لا تأخذها الأحكام، ولا يمكن أن يصل إلى علمها الحكام، فجعلهم أمناء على أنفسهم فيما بطن وظهر. ولذلك رأى العلماء أن الطلاق أمانة في أيدي الرجال، كما أن العدد والاستبراء أمانة في أيدي النساء. فلذلك انتظمت آية تربص المرأة في عدتها بآية تربص الزوج في إيلائه. قال الإمام ابن كثير: وقد ذكر الفقهاء وغيرهم - في مناسبة تأجيل المولي بأربعة أشهر - الأثر الذي رواه مالك عن عبد الله بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني إلا خليل ألاعبه https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/36.jpgفوالله! لولا الله، أني أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 596 الى صـ 600 الحلقة (118) فصل وقال الإمام ابن القيم - أيضا - في " أعلام الموقعين ": إن المطلق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وزمن أبي بكر، وصدرا من خلافة عمر، كان إذا جمع الطلقات الثلاث بفم واحد جعلت واحدة. كما ثبت ذلك في الصحيح عن ابن عباس. فروى مسلم في " صحيحه" عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر: طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة. فلو أمضيناه عليهم ; فأمضاه عليهم. وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني مطلب امرأته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا. قال: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقها؟ قال: طلقها ثلاثا، قال: فقال: في مجلس واحد؟ قال نعم. قال: فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت، قال: فرجعها. كان ابن عباس يرى: إنما الطلاق عند كل طهر. وقد صحح الإمام أحمد هذا الإسناد وحسنه. ثم إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يخف عليه. أن هذا هو السنة، وأنه توسعة من الله لعباده إذ جعل الطلاق مرة بعد مرة. وما كان مرة بعد مرة لم يملك المكلف إيقاع كله جملة واحدة. كاللعان فإنه لو قال: أشهد بالله أربع شهادات إني لمن الصادقين، كان مرة واحدة. ولو حلف في القسامة وقال: أقسم بالله خمسين يمينا إن هذا قاتله، كان يمينا واحدة. ولو قال المقر بالزنا: أنا أقر أربع مرات أني زنيت، كان مرة واحدة. فمن يعتبر الأربع لا يجعل ذلك [ ص: 596 ] الإقرار إلا واحدا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « من قال في يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» . فلو قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يحصل له هذا الثواب حتى يقولها مرة بعد مرة. وكذلك قوله: « من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمده ثلاثا وثلاثين وكبره ثلاثا وثلاثين» .. الحديث، لا يكون عاملا به حتى يقول ذلك مرة بعد مرة، لا يجمع الكل بلفظ واحد.. وكذلك قوله: « من قال في يوم لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي» . لا يحصل هذا إلا بقولها مرة بعد مرة. وهذا كما أنه في الأقوال والألفاظ فكذلك هو في الأفعال سواء. كقوله تعالى: سنعذبهم مرتين إنما هو مرة بعد مرة. وكذا قول ابن عباس: رأى محمد ربه بفؤاده مرتين، إنما هو مرة بعد مرة. وكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: [ ص: 597 ] « لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» . فهذا هو المعقول من اللغة والعرف. فالأحاديث المذكورة، وهذه النصوص المذكورة وقوله تعالى: الطلاق مرتان كلها من باب واحد ومشكاة واحدة. والأحاديث المذكورة تفسر المراد من قوله تعالى: الطلاق مرتان فهذا كتاب الله، وهذه سنة رسوله، وهذه لغة العرب، وهذا عرف التخاطب، وهذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة كلهم معه في عصره، وثلاث سنين من عصر عمر رضي الله عنه، على هذا المذهب، فلو عدهم العاد لزادوا على الألف قطعا. ولهذا ادعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم، ولم تجمع الأمة - ولله الحمد - على خلافه. بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنا بعد قرن، وإلى يومنا هذا. فأفتى به من الصحابة ابن عباس والزبير وابن عوف. وعن علي وابن مسعود روايتان، ومن التابعين عكرمة وطاوس. ومن تابعيهم: محمد بن إسحاق وغيره. وممن بعدهم داود إمام أهل الظاهر، وبعض أصحاب مالك، وبعض الحنفية، وأفتى بعض أصحاب أحمد - حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عنه - قال: وكان الجد يفتي به أحيانا. والمقصود أن هذا القول قد دل عليه الكتاب والسنة والقياس والإجماع القديم. ولم يأت بعده إجماع يبطله. ولكن رأى أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه، أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق، وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة، فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم، ليعلموا أن أحدهم، إذا أوقعه جملة، بانت منه المرأة وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، نكاح رغبة يراد للدوام لا نكاح تحليل، فإنه كان من أشد الناس فيه، فإذا علموا ذلك كفوا عن الطلاق. فرأى عمر هذا مصلحة لهم في زمانه. ورأى أن ما كانوا عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصديق وصدرا من خلافته - كان اللائق بهم، لأنهم لم يتتابعوا فيه. وكانوا يتقون الله في الطلاق. وقد جعل الله لكل من اتقاه مخرجا. فلما تركوا تقوى الله وتلاعبوا بكتاب الله وطلقوا على غير ما شرعه الله ألزمهم بما التزموه عقوبة لهم. فإن الله سبحانه إنما شرع الطلاق مرة بعد مرة. ولم يشرعه كله مرة واحدة. فمن جمع الثلاث في مرة واحدة فقد تعدى [ ص: 598 ] حدود الله، وظلم نفسه، ولعب بكتاب الله. فهو حقيق أن يعاقب ويلزم بما التزمه، ولا يقر على رخصة الله وسعته، وقد ضيعها على نفسه. ولم يتق الله ويطلق كما أمره الله وشرعه له، بل استعجل فيما جعل الله له الأناة فيه، رحمة وإحسانا. واختار الأغلظ والأشد. فهذا ما تغيرت به البلوى لتغير الزمان، وعلم الصحابة رضي الله عنهم حسن سياسة عمر وتأديبه لرعيته في ذلك، فوافقوه على ما ألزم به، ثم قال: فلما تغير الزمان، وبعد العهد بالسنة وآثار القوم، وقامت سوق التحليل ونفقت في الناس، فالواجب أن يرد الأمر إلى ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته من الإفتاء بما يعطل سوق التحليل ويقللها ويخفف شرها. وإذا عرض على من وفقه الله وبصره بالهدى وفقهه في دينه. مسألة كون الثلاث واحدة ومسألة التحليل، ووازن بينهما - تبين له التفاوت، وعلم أي المسألتين أولى بالدين وأصلح للمسلمين. ثم قال عليه الرحمة: ويمتنع في هذه الأزمنة معاقبة الناس بما عاقبهم به عمر رضي الله عنه من وجهين: أحدهما: أن أكثرهم لا يعلم أن جمع الثلاث حرام، لا سيما وكثير من الفقهاء لا يرى تحريمه، فكيف يعاقب من لم يرتكب محرما عند نفسه؟ الثاني: أن عقوبتهم بذلك تفتح عليهم باب التحليل الذي كان مسدودا على عهد الصحابة رضي الله عنهم. والعقوبة - إذا تضمنت مفسدة أكثر من الفعل المعاقب عليه - كان تركها أحب إلى الله ورسوله. ولا يستريب أحد في أن الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق وصدر من خلافة عمر أولى من الرجوع إلى التحليل، والله الموفق. [ ص: 599 ] فصل وأما طلاق الغضبان ففي " أعلام الموقعين " ما نصه: إن اللفظ إنما يوجب معناه لقصد المتكلم به. والله سبحانه رفع المؤاخذة عمن حدث نفسه بأمر بغير تلفظ أو عمل، كما رفعها عمن تلفظ من غير قصد لمعناه ولا إرادة. ولهذا لم يكفر من جرى على لسانه لفظ الكفر سبقا من غير قصد، لفرح أو دهش أو غير ذلك، كما في حديث الفرح الإلهي بتوبة العبد، وضرب مثل ذلك: من فقد راحلته عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة فأيس منها ثم وجدها فقال: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، ولم يؤاخذ بذلك وكذلك إذا أخطأ من شدة الغضب لم يؤاخذ. ومن هذا قوله تعالى: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم قال السلف: هو دعاء الإنسان على نفسه وولده وأهله في حال الغضب، لو استجابه الله تعالى لأهلكه وأهلك من يدعو عليه، ولكنه لا يستجيبه لعلمه أن الداعي لم يقصده. ومن هذا رفعه صلى الله عليه وسلم حكم الطلاق عمن طلق في إغلاق. قال الإمام أحمد رضي الله عنه في رواية حنبل: هو الغضب. [ ص: 600 ] وبذلك فسره أبو داود. وهو قول القاضي إسماعيل بن إسحاق - أحد أئمة المالكية ومقدم فقهاء أهل العراق منهم - وهي عنده من لغو اليمين أيضا. فأدخل يمين الغضبان في لغو اليمين وفي يمين الإغلاق. وحكاه شارح أحكام عبد الحق عنه - وهو ابن بريرة الأندلسي - قال: وهذا قول علي وابن عباس رضي الله عنهم وغيرهما من الصحابة: أن الأيمان المنعقدة كلها في حال الغضب لا تلزم. وفي " سنن الدارقطني " بإسناد فيه لين من حديث ابن عباس يرفعه: لا يمين في غضب، ولا عتاق فيما لا يملك. وهو، إن لم يثبت رفعه، فهو قول ابن عباس. وقد فسر الشافعي (لا طلاق في إغلاق) بالغضب، وفسره مسروق به. فهذا مسروق والشافعي وأحمد وأبو داود والقاضي إسماعيل كلهم فسروا الإغلاق بالغضب. وهو من أحسن التفسير. لأن الغضبان قد أغلق عليه باب القصد لشدة غضبه. وهو كالمكره. بل الغضبان أولى بالإغلاق من المكره، لأن المكره قد قصد رفع الشر الكثير بالشر الذي هو دونه، فهو قاصد حقيقة. ومن ههنا أوقع عليه الطلاق من أوقعه. وأما الغضبان فإن انغلاق باب القصد والعلم عنه كانغلاقه عن السكران والمجنون. فإن غول العقل يغتاله الخمر بل أشد. وهو شعبة من الجنون، ولا يشك فقيه النفس في أن هذا لا يقع طلاقه. ولهذا قال حبر الأمة - الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، بالفقه في الدين: إنما يقع الطلاق من وطر. ذكره البخاري في صحيحه، أي: عن غرض من المطلق في وقوعه. وهذا من كمال فقهه رضي الله عنه، وإجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له ; إذ الألفاظ إنما تترتب عليها موجباتها لقصد اللافظ بها. https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/36.jpg |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
الساعة الآن : 10:25 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour