ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشعر والخواطر (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=30)
-   -   القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد" (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=263088)

ابوالوليد المسلم 28-07-2021 03:05 AM

رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"
 
وقال أيضًا:



"يَا رُبَّ حَرْبٍ بِغَيْرِ الْعِلْمِ مَا اتَّقَدَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَرُبَّ جَيْشٍ بِغَيْرِ الْعِلْمِ مَا صَالاَ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فِي الْمَاءِ وَالْجَوِّ آلاَتٌ مُسَخَّرَةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تُصَوِّرُ الْمَوْتَ أَلْوَانًا وَأَشْكَالاَ"[62] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








وهذه حقيقة واضحة ملموسة، أليست الحروبُ منبتة في مُعظم أرجاء المعمورة، تطحَنُ البشر طَحْنَ الرَّحَى للحَبِّ؟ أليس العالَمُ كله مُهدَّدًا بضغطة زر أحمر؟ أليست المئات من الأرواح الإنسانية تَصْعَد لربها شاكيةً له ظلم العباد؟



وثالث الأدلة أنَّ: الحضارة شَكَّلت أحزابًا مناوئة للدين، وهل قامت هذه الحضارة إلاَّ على أنقاضِ الكنيسة في فرنسا؟ فأصبح ينظر إلى الدين - بسبب تصرُّفات رجال الدين الخاطئة - نظرةَ ازدراء وتَهكُّم، ولم تقصر هذه النظرة على الكنيسة وَحْدَها، وإنَّما على كل ما يطلق عليه اسم "الدين".



وانتقلت هذه النظرة إلى الأوطان الإسلامية كذلك، وشمخ زَيْفُ الحضارة على يد المبهورين بها، وعلى حساب الدين؛ قال غنيم:



تَحَضَّرَ النَّاسُ حَتَّى مَا لِمَكْرُمَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قُدْسٌ لَدَيْهِمْ وَلَكِنْ قَدَّسُوا الْمَالاَ[63] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








وقال:



يَدُ السِّيَاسَةِ بِالْأَخْلاَقِ قَدْ عَبَثَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَقَوَّضَ الْعِلْمُ صَرْحَ الدِّينِ فَانْهَالاَ[64] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








المطلب السادس: بين الشرق والغرب:

وإذ قد تبينت حقيقةُ هذا البريق الزَّائف، الذي يُدعى "حضارة وتقدمًا"، فماذا عسى يكون موقف المسلمين من الغرب، هل هو موقف المنادَدَة والمنافسة، أو أنَّ الشرقَ أبدى ضعفَه وانبهاره وانقيادَه، فانبطح أمام هذا البريق الزائف؟



لا شكَّ أن الواقع مؤلم للغاية، فالغفلة قد أطبقت على الشرق، مع معرفتهم بأنَّ العدوَّ الذي يُبجِّلُونه يَحتال لهم في كُلِّ آونة، ويدبر لهم من الخصومات والاستفزازات - ما تبرهن عليه هذه الحروب التي نشاهدها تدور رَحاها بين المسلمين أنفُسِهم؛ قال:



الشَّرْقُ مُضْطَرِبُ الْجَوَانِحِ ثَائِرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالْغَرْبُ يَهْدِرُ كَالْخِضَمِّ الْمُزْبَدِ[65] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ويقتطف الشاعر لقطةً يُحسها كل مسلم في عصرنا الحاضر، ويَحياها في كل حين، وهي هذا "الغزو الحضاري" الدَّخيل، الذي تسرب إلينا حتى في أيسر الأمور، وأدق العادات من مأكل ومشرب وملبس؛ يقول:



"إِنِّي رَأَيْتُ جُيُوشَهُ لَمْ تَغْزُنَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فِي الْحَرْبِ بَلْ فِي مَشْرَبٍ وَطَعَامِ"[66] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ثم يثور على التقليد، ناعيًا على الشرق ومؤنبًا، فقد أوشك هذا التقليد أنْ يُصبح عبادةً للغرب؛ لأنه تقليد مطلق، من دون مقاييس ولا نظام؛ يقول:



"يَتَوَسَّمُونَ الْغَرْبَ حَتَّى أَوْشَكُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَنْ يَعْبُدُوهُ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




مَا قَلَّدُوهُمْ مُبْصِرِينَ وَإِنَّمَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تَبِعُوا نِظَامَهُمُ بِغَيْرِ نِظَامِ"[67] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








وكيف لا يَجرؤ على مثل هذه الصيحات، وهو يعلم عِلْمَ اليقين أنَّ للشرق عاداتِه المميزةَ، ودينَه الذي لا يُساميه دين؛ لأنَّه دين ربِّ العالمين الذي لا يعزب عنه شيء؟ كيف لا يثور وفي الشرق متبجحون، يلهجون باسم "أوروبا"، ويَجعلونها قبلتهم الأولى؟



ولعلَّ لفتةَ الشاعر هاتِه تُؤكِّد مدى "الهوس" الفكري الذي كان الشرقُ يضجُّ به، و"الهيستيريا" التي أصابت بعضَ أنصاف المثقَّفين من الكتاب ورائدي الفكر، فرَدَّت أقلامَهم حبيسةَ الثناء على الغرب، وحضارته البراقة، وتقدمه المزيف.



ولذلك نجد أنَّ هذه القضية كانت تُقِضُّ مضجعَ "غنيم"، ونراه يرصد قلمَه للحديث عنها كُلَّما عنَّت له مناسبة، وها هو ذا يُؤكد من جديد أنَّ رسالةَ الغرب لم تَجُرَّ على المسلمين سوى الخِذْلان والإذلال، والتبعية والهوان:



"رِسَالَةُ الْغَرْبِ لاَ كَانَتْ رِسَالَتَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كَمْ سَامَنَا بِاسْمِهَا خَسْفًا وَإِذْلاَلاَ"[68] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ولا يرى "غنيم" بُدًّا من أن يَجهر بتأليبِ الشرق ضِدَّ الغرب، ويدعوه لمُعاداتِه ومُقاطعته، ففي ذلك فلاحُه ونَجاحُه، ورجوعه إلى منبعه الرَّشيد، وأصله العتيد، بادئًا بالدَّعْوة إلى مُقاطعة المنبهرين بالغرب؛ فإن ضررهم أشد، ووقعهم أنكى؛ فهم كالسوس الذي ينخر المجتمع من الدَّاخل؛ يقول:



"إِنِّي أُعِيذُ الشَّرْقَ مِنْ مُتَمَسِّحٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بِالْأَجْنَبِيِّ لِقَوْمِهِ هَدَّامِ"[69] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ثم يرتفع صوتُه بالتحذير من الغرب المستخرب، ومن مكايده ضد "العربية"، وضد العادات الإسلامية الراسخة، ناهيًا عن أن نثقَ فيهم بمستحدثاتهم:



"لاَ تَأْمَنُوا الْمُسْتَعْمِرِينَ فَكَمْ لَهُمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

حَرْبٌ تَقَنَّعَ وَجْهُهَا بِسَلاَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




حَرْبٌ عَلَى لُغَةِ الْبِلاَدِ وَعَادِهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَيْسَتْ تُشَنُّ بِمِدْفَعٍ وَحُسَامِ"[70] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



يتبع


ابوالوليد المسلم 28-07-2021 03:06 AM

رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"
 




وتطرح قضية أخرى يُصَوِّرُها "غنيم" أعظمَ تصوير، ويُجليها للناس بما يزرع في نفوسهم روحَ الثورة، والمسارعة إلى إيجاد كِيان إسلامي مُستقل، يستمد جذوره من ثوابت الإسلام الخالدة، وتعاليمه السامية المتألقة، وهب افتتان الشرق في الإشادة بمبتكرات الغرب، والتصفيق لـ"معجزاتهم" دون أن يَنْبِسوا بحَرَاك، أو تُوقِظُهم غيرة، بل مَكثوا لا يَملكون سوى السمع والنظر، والإطراء والإعجاب:



"فِي كُلِّ يَوْمٍ نَرَى لِلْغَرْبِ خَارِقَةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَلَيْسَ لِلشَّرْقِ إِلاَّ السَّمْعُ وَالنَّظَرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




الْقَوْمُ يَبْتَكِرُونَ "الْمُعْجِزَاتِ" لَنَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَنَحْنُ نَفْتَنُّ فِي إِطْرَاءِ مَا ابْتَكَرُوا"[71] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








وَلَم ينسَ "غنيم" أن يتطرق بالحديث إلى هذه النظريات الحديثة، التي انبهر بها الكثير من مُدَّعي العلم والفكر من المسلمين، ورأى أنَّ أعظمها تأثيرًا ورواجًا في مُجتمعه هي نظرية: "النشوء والارتقاء" "لدارون"، فنَبَّه إلى مُخالفتها، واستهزأ من خرمها وتناقُضها وعجزها، مقسمًا الناسَ تُجاهها إلى مُبصرين متفقهين، تَهكموا في وصف النظرية وازدروا بها، وإلى مُتَهَوِّكين معتوهين مُقلدين، جعلوا "دارون" صنمًا مقدسًا:



"لَيْتَ شِعْرِي أَضَلَّ "دَارُوِنُ" بَحْثًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

حِينَ آخَى الوُحُوشَ وَالْأَنْعَامَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




قَالَ قَوْمٌ: هَلاَّ شَهِدْنَا ذُبَابًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فِي الْحَيَاةِ ارْتَقَى فَصَارَ ذُبَابَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وَغَلاَ آخَرُونَ فِيهِ فَقَالُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كَانَ فِي مَذْهَبِ "النُّشُوءِ" إِمَامَا"[72] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ونرى "غنيمًا" يُزري بهذه "الحضارة"، عن طريق الدَّعوة إلى حياة الفطرة دون تكلُّف أو تعقيد، فكَمْ مِنَ الأمور اليسيرة حَمَّلها أدعياءُ التطور والتقدُّم من "الحواشي" والزيادات ما جعلها مُعقدة مشكلة:



"إِنِّي أَرَى النَّاسَ مَا زَادُوا رَفَاهِيَةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فِي الْعَيْشِ زَادُوهُ تَعْقِيدًا وَإِشْكَالاَ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




كَمْ هَانَ أَمْرٌ فَقَلَّدْنَاهُ طَائِفَةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مِنَ الْحَوَاشِي وَحَمَّلْنَاهُ أَثْقَالاَ"[73] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








وَيَزْدَاد بُغض الشاعر للتكلف والتعقيد والاعتناء بالقشور والمظاهر، على حين ازدادَ حُبُّه للطبيعة بما فيها من أنهار وجبال وبِحَار ورمال ذهبية متألقة... يقول:



"أَقْسَمْتُ مَا نَظَرَتْ عَيْنِي بِحَاضِرَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كَالرَّمْلِ أَصْفَرَ أَوْ كَالرَّمْلِ سَلْسَالاَ"[74] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ومُتيقنًا أنَّ الآباء والأجداد عاشوا في ظلِّ الطبيعة، في الأرياف، وفي الجبال والصَّحاري، ومع ذلك كانوا أحسن منا حالاً، وأكثر راحةً للبال؛ لأَنَّهم لم يعرفوا هذا التعقيد باسم النظام والقانون، حتى أصبحت أوقات الواحد منا مُجزأة بحسب الأعمال الكثيفة الوافرة؛ يقول:



"يَا طَالَمَا حَدَّثَتْنِي النَّفْسُ قَائِلَةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَنَحْنُ أَنْعَمُ أَمْ أَجْدَادُنَا بَالاَ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




كَانَتْ حَيَاتُهُمُ تُضْفِي بَسَاطَتَهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عَلَيْهِمُ مِنْ هُدُوءِ الْبَالِ سِرْبَالاَ" https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ثم يقول:



"قَدَّرْتُمُ الْوَقْتَ تَقْدِيرَ الشَّحِيحِ بِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَكِدْتُمُ تَمْلَؤُونَ اللَّيْلَ أَعْمَالاَ"[75] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








والحاجِيَّات تطرح نفسَها، فتقضي بذَهاب بَعضِ الناس إلى "أوروبا" أو "أمريكا"، وهنا يَجب التحصُّن بالفكر السديد، والتشبُّع بالعقيدة السليمة، حتى يزدادَ هذا "البعض" نظرًا ثاقبًا، وحصاة نافذة، وأنْ يُحافظ على مكوناته العقدية، وطباعه الإسلامية السليمة، وهذه هي الازدواجية الكفيلة بتحقيق الشخصية المثالية التي تَجمع بين أصالةِ الشرق وحداثة الغرب؛ يقول:



"قَرَوِيٌّ لَمْ يَغْرِسِ الْغَرْبُ فِيهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

غَيْرَ عَقْلٍ مُثَقَّفٍ وَحَصَاةِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يتبع


ابوالوليد المسلم 28-07-2021 03:08 AM

رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"
 
وَرَدَ الْغَرْبَ ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بِ سَلِيمَ الطِّبَاعِ وَالْعَادَاتِ"[76] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







ويريد أن يكون العلم المستفاد منهم علمًا نافعًا، قادرًا على القضاء على الخرافات، وإن لم يرتفع شأنه عن كونه معضدًا بحجج مُعينة، وطرق جيدة تضاف إلى الرصيد الذي دل عليه الإسلام؛ قال:



"قَضَتِ الْعُلُومُ عَلَى الْخُرَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَاتِ الْقَضَاءَ الْمُبْرَمَا"[77] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








وهنا يطرح "غنيم" الحلَّ للنهوض من هذه الكبوة التي أصابت المسلمين، ويراه كامنًا في الاعتماد على النفس في بناء المجد، واستمداد القوى كلها من الإسلام، الذي هو مصدر قُوانا، وسبيل رفع هذه العالة عنا؛ يقول:



"فَقُلْ لِشَبَابِ النِّيلِ قِيلَةَ نَاصِحٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تَعَافُ لَهُ أَخْلاَقُهُ أَنْ يُوَارَبَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




إِذَا مِصْرُ لَمْ تَرْفَعْ قَوَاعِدَ مَجْدِهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بِسَاعِدِهَا لَمْ تَقْضِ مِنْهُ الْمَآرِبَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وَإِنْ نَكُ فِي كُلِّ الْمَرَافِقِ عَالَةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عَلَى غَيْرِنَا عِشْنَا بِمِصْرَ أَجَانِبَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




أَمَا مِنْ سَبِيلٍ لِلْحَيَاةِ وَغَيْرُنَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَرَى سُبُلاً شَتَّى لَهَا وَمَذَاهِبَا؟"[78] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







المطلب السابع: المرأة:
من خلال استقراءِ بعض الدَّوَاوين، يُعْلَم أنَّ المرأةَ غالِبًا ما تُحدث بعضَ التغيير في المجرى العادي، حِيَالَ الموضوعات الأخرى، سواء من حيث المضمون، أم من حيث الشكل، وغنيم واحد ممن اجتذبهم حُسْنُ المرأة وجمالِها، فانطلق شعرُه يتحدث عنها، غاضًّا الطرفَ عن المقومات الأساسية التي تضبط التصور، وتحدُّ من انطلاقة الشعور والوجدان.

وفي بعض قصائده - في الديوان - نرى "غنيمًا" ينهج منهج الشعراء العاديين، لكن ليس بمثل ذلك التبجح بالأوصاف الخليعة، والتنقيب عن خفايا الأمور، وإنَّما إعجاب ووصف عاديان، تفاعلت معهما النفس في مرحلة من المراحل، وترجم هذا التفاعُل شعرًا، كتب له أن يعمم في الديوان، على أنَّ نظرته العامة للمرأة نظرة تكريم وتبجيل، فهو يقف في وجه مَن يريد الاستنقاص منها، أو الازدراء بها، فالمرأةُ لها كِيان، ولَها شعور، ولها دَوْرها المشهود في الحياة؛ يقول:
"وَلاَ تَقُلْ هَذِهِ أُنْثَى وَإِنْ ضَعُفَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَمَا يُدَبِّرُ مُلْكَ النَّحْلِ أُنْثَاهُ"[79] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ولكَمِ اعْتَزَّ بامرأةٍ أبدت استعدادَها لطبع ديوان أحد أصدقائه الشعراء! واعتبر ذلك مروءة تميزت بها هذه السيدة، وفاقت بها كثيرًا من الرجال:
"أُنْثَى تَفِيضُ مُرُوءَةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جَعَلَ الرِّجَالَ لَهَا فِدَا"[80] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ولعل مناط إعجابه، واعتزازه بها - أنَّ مَعروفها اقترن بمجالِ الأدب والشعر، وهو حرفة صاحبنا، فخلد ذلك في شعره قائلاً:
"زَيْنَ النِّسَاءِ بَقِيتِ لِلْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَدَبِ الْمُصَفَّى مَوْرِدَا"[81]https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ويقول:
"بَصُرْتُ سَيِّدَةً تُقَدْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
دِرُهُ وَلَمْ أَرَ سَيِّدَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ضَرَبَتْ لَنَا الْأَمْثَالَ عَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نِيَةً فَمَنْ شَاءَ اقْتَدَى"[82]https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهو يرى أنَّ المرأة عنصرٌ من العناصر الأساس الباعثة على الشعر وجودته؛ لأَنَّها مصدرُ الجمال والحسن، كما قال:
"الْحُسْنُ يَمْلِكُ حَبَّاتِ الْقُلُوبِ فَإِنْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لَمْ يَمْلِكِ الْحُسْنُ قَلْبًا فَهْوَ صَفْوَانُ





يتبع


ابوالوليد المسلم 28-07-2021 03:09 AM

رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"
 
لَوْلاَ الْجَمَالُ لَمَا كَانَ الْخَيَالُ وَلاَ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَوْحَى إِلَى شَاعِرٍ بِالشِّعْرِ شَيْطَانُ"[83] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ويقول:
"لاَ تَقُولِي الشِّعْرَ بَلْ أَوْحِي بِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَنْتِ خِصْبٌ لِلْخَيَالِ الْمُجْذَبِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إِنَّمَا الشِّعْرُ مُحْبِطٌ فَاسْلَمِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَدَعِي أَمْوَاجَهُ تَقْذِفُ بِي"[84] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهو - إضافة إلى كل ذلك - يَجعل المرأة أداةً سالبة للُبِّ العاقل، مُحركة لكوامن الشاعر مُرهف الحس، فينطلق شعره في وصف مَحاسنها، وإظهار مَفاتنها، وذلك ما فعله في قصيدته "راقصة"، حين أعجب بامرأة "مصرية" تفوز في مسابقة عالمية للجمال، فسجل هذا الإعجاب في قصيدته "عرش الجمال".

وها هنا تتدخل مبادئ "الإسلامية"؛ لتُعْلِنَ حكمها في هذا المنحى الشِّعْري؛ مِمَّا سنفصل فيه القول في حينه - إن شاء الله.

المطلب الثامن: المشاعر الأسرية والتنازعان العاطفي والنفسي:
إن من شيم المسلم الحق أنْ تتحَرَّك عاطفتُه نَحْوَ كُلِّ ضَعيف ومُحتاج إلى حنان وإشفاق، وتَزداد هذه العاطفة تأجُّجًا واتِّقادًا في مَوقف العَلاقة بين الأب وابنه، أو الأم وابنها، أو بين الأخ وأخيه، والزَّوج وزوجته، ثم ما يتصل بهذه العلاقات من التنازُع النفسي والعاطفي، فإنَّه يتوقد عند فِقدان أحد الأحبة، أو عند اقتراب وقت وداعٍ أو رَحيل؛ حيث تجد هذه اللحظات الصَّارمة "ذات مساس صادق بأغوار النفس، ونبض الحس، فتنعكس على صفحة الشعر، تَحمل ذوبًا عاطفيًّا، وشحنات نفسية دافقة بالمحبة"[85].

وأول ما يواجهنا في شعر "محمود غنيم" - ونَح بصدد معالجة هذه القضية - هذه العاطفة الإسلامية الصادقة إزاء "ابنيه"، اللذين اعتبرهما من أعزِّ وأغلى ما يطيب له، فأفضل ساعة عنده وأطيبها، هي التي يَخلو فيها إليهما، فيداعبهما، ثم يرى الصغير "الفطيم" يهتف: "أبي، أبي"، والرضيع يَحبو نحوه، مستشعرًا حنان أبيه، وفرحًا بقدومه:
"وَأَطْيَبُ سَاعِ الْحَيَاةِ لَدَيَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عَشِيَّةَ أَخْلُو إِلَى وَلَدَيَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إِذَا أَنَا أَقْبَلْتُ يَهْتِفُ بِاسْمِي الْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَطِيمُ وَيَحْبُو الرَّضِيعُ إِلَيَّا"[86] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ثم يُجلِس الرضيعَ في حنان ووداعة إلى جانبه، ويداعب الفطيمَ، فيُجلسه على رُكبتيه في إشفاق ولين:
"فَأُجْلِسُ هَذَا إِلَى جَانِبَيَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَأُجْلِسُ ذَاكَ عَلَى رُكْبَتَيَّا"[87] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ويتمثَّل تلك اللحظةَ الصَّافية الوديعة، وهو في فصل الشتاء، حينما يبسُط راحتيه على موقد فحم، يدفع به قَرْسَ البَرْد، لكنَّ حنان الأبوة واستشعارَه السرورَ والفرحة - وهو في هذه الحالة - يَجعله يَنْسى مَتاعِبَ الحياة، وكَدَّ العمل، كأنه لم يتعب ولم يكد
"وَأَغْزُو الشِّتَاءَ بِمَوْقِدِ فَحْمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَأَبْسُطُ مِنْ فَوْقِهِ رَاحَتَيَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

هُنَالِكَ أَنْسَى مَتَاعِبَ يَوْمِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كَأَنِّيَ لَمْ أَلْقَ فِي الْيَوْمِ شَيَّا" https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



والشاعر الفقير البائس يرى الجمالَ في كُلِّ شيء، والمتعةَ في كل حركة، إنَّه يرى نفسه "ملِكًا"، ويرى كوخَه المتواضع قصرًا شامِخًا، بفعل هذا التفاعل العاطفي الذي يُحِسُّه تُجاه ابنيه، فهما السعادة الحقيقية، وهما المتعة المنصفة، بل إنَّ الشاعرَ يُحِسُّ أكْثَرَ من ذلك، يُحِسُّ ابنيه يُغْنيانِه عن كل شيء، حتى عن الطعام والشراب:
"وَأَحْسَبُنِي بَيْنَ طِفْلَيَّ "شَاهًا" https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَأَحْسَبُ كُوخِيَ "قَصْرًا عَلِيًّا" https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَكُلُّ طَعَامٍ أَرَاهُ لَذِيذًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَكُلُّ شَرَابٍ أَرَاهُ شَهِيَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَمَا حَاجَتِي لِغِذَاءٍ وَمَاءٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بِحَسْبِيَ طِفْلاَيَ زَادًا وَرِيًّا"[88] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




إنَّها العاطفة الأبوية الحَقَّة المستمدة جذورها من تعاليم الإسلام السمحة، إنَّه الانسجام المطلق، وتَحقيق المودة المطلوبة، وتأتي لحظة المتعة العظيمة، لحظة تَحقيق الكمال العاطفي، والتفاني في الحنين، عندما يقول الأب: "ابني"، ويقول الابن: "أبي"، إنها لحظة السمو بالنفس، وتهذيب الأحاسيس:
"وَأَيَّةُ نَجْوَى كَنَجْوَايَ طِفْلِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يَقُولُ "أَبِي"، وَأَقُولُ "بُنَيَّا؟" https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يتبع


ابوالوليد المسلم 28-07-2021 03:10 AM

رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"
 


وهكذا يهون كل فعل يصدر من الابن في عين الأب، ولو كان فيه إتلاف، ولو كان فيه تضييع، فالطفل له منزلة سامقة، وهو باني جيل المستقبل، فلندعُ له اللهَ بالحفظ والبقاء؛ لأَنَّه فلذة الكبد، بل إنَّه في نظر الأب مقلته التي يبصر بها:
"أَيَا ابْنَيَّ أَحْبِبْ بِمَا تُتْلِفَانِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَأَهْوِنْ بِمَا تَكْسِرَانِ عَلَيَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَصُونُكُمَا اللَّهُ مِنْ حَادِثَاتِ الزْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
زَمَانِ وَيُبْقِيكُمَا لِي مَلِيَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَيَكْفِيكُمَا اللَّهُ شَرَّ الْبُكَاءِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَيَحْفَظُ مِنْ وَقْعِهِ أُذُنَيَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَمِنْ كَبِدِي أَنْتُمَا فَلْذَتَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نِ أَمْ أَنْتُمَا حَبَّتَا مُقْلَتَيَّا"[89] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ونجد "غنيمًا" يقوم بترجمة شعرية لمقطوعة نظمها "جبران خليل جبران" بالإنجليزية، بعد أنْ ترجمها نثرًا "أنطونيوس بشير"، وهي وإن كانت تُمثِّل شريحةً إنسانية مُعينة، لوسط غير الذي عاش فيه الشاعر "غنيم"، إلاَّ أنَّ العمل على ترجمتها شعرًا، وإيرادها في هذا الديوان - دليلٌ واضح على تبني الفكرة، وإيمان منه أن هذه الشريحة الإنسانية نفسها قد عرفها المجتمع المصري، أو على الأقل تَمثلت في بعض جوانبه.

والقطعة فيها تخيل لهمس الأم مع ابنتها في الخفاء، فترجم الشاعر الإحساس الذي يُمكن أن يعتري كلاًّ منهما عند الحوار، وكيف تريد كلُّ واحدة أن تثبت حَقَّها في الوجود، فالأم كرهت ابنتها، وجعلتها سببًا في اكتهالها، وانتقاض قواها، ودفعتها غيرتُها إلى أن تحاول سلب ما اجتزأته من عافيتها وفِكْرِها وسهرها في تربيتها، مُعْتبرة ذلك كُلَّه سَعْيًا في نُمُو هذه البنت على حساب صِحَّتها وجهدها، ويبلغ بها الانفعال درجةً تَجعلها تتمنى لو وأدتها، فتخلصت من مزاحمتها:
"قَالَتِ الْأُمُّ: يَا بُنَيَّةُ تَبًّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لَكِ تَبًّا مِنْ حَيَّةٍ رَقْطَاءِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَنَا لَوْلاَكِ مَا اكْتَهَلْتُ وَلَكِنْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كُنْتُ فِي عُودِ كَاعِبٍ عَذْرَاءِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَكِ رُكْنٌ تَبْنِينَهُ بِانْهِدَامِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَحَيَاةٌ تَفْنِينَهَا بِفَنَائِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ وَأْدَكِ حَتَّى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَحْتَسِي مَا احْتَسَيْتِهُ مِنْ دِمَائِي"[90] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ثم ينتقل الحوار إلى البنت؛ لتعبر عن شعورها وإحساسها إزاءَ الألم، فتُعيرها بكبر سِنِّها، ودَمامَتِها، وترميها بالأنانية والاستئثار بالعيش، واعتبرتها قيودًا تُكبلها، وتَحجبها عن الانطلاق والالتذاذ بالحياة، ويصل بها الانفعال - هي الأخرى - درجةً تتمنى لو تتخَلَّص فيها من أُمِّها بوَأْدِها، فتستريح:
قَالَتِ الْبِنْتُ: يَا أُمَيْمَةُ تَبًّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لَكِ شَمْطَاءَ ذَاتَ وَجْهٍ دَمِيمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كَمْ تُرِيدِينَ أَنْ أَعِيشَ كَمَا كُنْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تِ تَعِيشِينَ فِي الزَّمَانِ الْقَدِيمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَنْتِ غُلٌّ فِي أَخْمُصَيَّ ثَقِيلٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَحِجَابٌ بَيْنِي وَبَيْنَ النَّعِيمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَيْتَنِي أَسْتَطِيعُ وَأْدَكِ يَا أُمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَاهُ حَتَّى أَشُمَّ رِيحَ النَّسِيمِ[91]https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



يتبع

ابوالوليد المسلم 28-07-2021 03:11 AM

رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"
 

وهكذا يدور الحوار في "اللاَّوعي"، ويدور صراع خفي، في تَحييز الواحدة للأخرى في دائرة ضيقة، بِحُبِّ تَحقيق الاستقلالية الذَّائبة، واستشعار الكِيان الفردي، المنبثق عن الكيان الآخر، لكنَّه عند حالة الوعي والصَّحْوة تتلاشى هذه الحوادث، ويحضر الحنان الأبوي الخالص؛ ليزيلَ كل عقبة تقف في وجه العاطفة الصادقة، وتزيح كلَّ صخرة تريد إعاقةَ المجرى الطبيعي لبدهِيَّات الأمور، وانتبهت الأمُّ من سباتها، وسُرعان ما اندثر الإحساس الخفي؛ لتحل محله الحقيقة الواضحة، التي تجد مستندًا لها في "العقيدة"، وفي ربط العلاقات الأسرية، انتبهت لتعانقَ ابنتها، ولتعترف أنَّها روحها وراحتها، وأنَّه لولا إحداهما، لَمَا كانت الأخرى:
"صَحَتِ الْأُمُّ بَعْدَ ذَاكَ فَقَالَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يَا ابْنَتِي يَا حَمَامَتِي عَانِقِينِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عَانَقَتْهَا فَتَاتُهَا ثُمَّ قَالَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَنْتِ رُوحِي وَرَاحَتِي قَبِّلِينِي"[92]




https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



والنفس بطبعها نَزَّاعة إلى الهوى، تذهب بصاحبها كُلَّ مَذهب، ولا يُحجمها إلاَّ العقل والفطانة، والاتِّزان والاستقامة، وهي أكثرُ ثَوْرَةً وعنفوانًا في حالة فَقْدِ مَن يَصْعُب فراقهم من الأقرباء والأصدقاء، ولكَمْ تَحدث الشعراء في هذا الإطار! فأبدى بعضُهم تذمُّرَه من القضاء، وتضجره من الموت الذي يسلب - في نظر هذا البعض - الأحباب سلبًا، ويُرديهم إلى عالَم الفناء والصَّمْت، وما درى هؤلاء - لضعف الوازع الديني - أنَّ مِن مُستلزمات الإسلام الإيمان بالقضاء والقدر، والرِّضا بما يرتضيه الخالق المدبر، ثم تراهم من جهة أخرى ينساقون وراء النفس السافلة؛ ليُحيوا المآثم في أشعارهم، وكتاباتِهم، وتُحِسُّ في سطورهم صليلَ الندم، وحشرجات البكاء والعويل، وعلامَ كل ذلك، والعلم يقين بأن يدَ الردى سوف تكتنفُ الجميع، حتى لا يبقى إلاَّ الخالق سبحانه؟ ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: 26 - 27].



وشاعرنا قد تشرب هذه الحقيقة، وجعل شِعْرَه رادعًا لكل من سَوَّلت له نفسه التضجر والجفوة من القدر، ويدعو إلى توجيه العواطف الإيمانية وجهتها الصَّحِيحة، وهو بهذا يكون قد حَقَّق بأداته الشِّعرية، ما رسمناه نظريًّا في بداية هذا البحث، من كون "الأديب في نظر الإسلام مسؤولاً مسؤولية تامة عن فكره الذي يلتزم به، وقيمه التي يتغنَّى بها، وآماله وأهدافه التي يدعو إليها؛ لأَنَّ للأدب الإسلامي رسالةً تبدأ بتربية ذَوْق المسلم تربيةً جمالية مُهَذَّبة، وتنتهي بتشكيل عقله ووجدانه تشكيلاً موافقًا لعقيدة الإسلام، في شمول تصورها، وإيجابيته، وواقعيته"[93].



وكذلك فعل "غنيم" في تعزيته لصديقٍ في فقْده شقيقًا له، فكتب له بعضَ أبيات تسليةً وإخمادًا للوعة الرحيل، ساق فيها مُجمل المعاني السامية التي يَجب على المسلم أن يتمثل بها في هذه الحالة الحرجة، التي تتطلب كاملَ التعقل، وفارط الاتِّزان، ومن ذكاء "غنيم" أنَّه بدأ بطرحِ قضيته الخاصة، في أنه يعيش كآبةً مُرَّة؛ بسبب طباع المجتمع الفاسدة، وعاداته المتخلفة الساذجة، إضافةً إلى حرمانه وعوزه:




"تَرَى هَلْ أَسُوقُ إِلَيْكَ الْعَزَاءَ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَكَيْفَ يُعَزِّي حَزِينٌ حَزِينَا"[94] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







وهذه كافية في إزاحة كابوس الألم والكدر، وقادرةٌ على أنْ تشعر بالتسلية، لكنَّ الشاعر يبيِّن أنَّ المفقود لم يكن له ليخلد في هذه الحياة، فإنَّ جبريل - الروح الأمين - وهو المتقدم على سائر الملائكة سوف يلقى - بإرادة من الله - المصير نفسه، فعلامَ إذًا هذه المسحة من الحزن، واعتصار هذا الألم؟ مع أن ما توافر لهذا المفقود من حسن سريرة، ورجاحة عقل، واستقامة دين، جعل الاطمئنان عليه واردًا:



"إِذَا مَا أَلَمَّ "بِجِبْرِيلَ"[95] خَطْبٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَإِنَّ لِجِبْرِيلَ عَقْلاً وَدِينَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وَهَلْ كُنْتَ تَرْجُو خُلُودَ أَخِيكَ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ "رُوحًا أَمِينَا"؟"[96] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







على أنَّ منطلق البُكاء والندب، يفرض علينا - وقد جعلناه عدتَنا في كلِّ تَعزية - أنْ نبكي طولَ الدهر، وأن نقضي هذه الحياة الظرفية المحدودة في أنين وحزن وشهيق؛ لكثرة الأحبة المغادرين، والأعزاء الراحلين، أليس العشرات - بل المئات - من الأبرياء يلفظون أنفاسهم في كل يوم؟ وعدد لا يُحصى من الدُّعاة الأوفياء تعصف بهم يَدُ الرَّدَى كلَّ يوم؟ أليس عدد من الأطفال والشيوخ يذوقون حرارةَ الموت في كل حين؟ فعلامَ الجزع إذًا؟



"إِذَا نَحْنُ فِي إِثْرِ كُلِّ عَزِيزٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بَكَيْنَا قَضَيْنَا الْحَيَاةَ أَنِينَا"[97] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








المبحث الثالث: القضايا الوطنية:

لعل فيما تقدم من مواقفَ اجتماعية تَمَيَّز بها "غنيم" عن أترابه من شُعراء عصره، والتي استقطبت بعضَ الأسس الإسلامية في التحليل والمعالجة، لعل ذلك كفيلٌ بتحديد رؤية "غنيم" لبلده "مصر" ولباقي الأقطار العربية والإسلامية، والحق أنَّها كانت نظرة شديدة الارتباط بنفسية المسلم الذي يرى واجبًا أنْ يَعيش أحداثَ عصره، ويتفاعل معها كأنَّها جزء من كيانه، أو كأنَّها أسرةٌ صغيرة تولَّى هو - بنظره الثاقب، وفكره النافذ - توجيهَهَا، وإيضاحَ المسلك الرَّشيد الذي يراه كفيلاً بنجاحها، وانتصارها على المناوئين من أعدائها، وكأني به يستحضر قول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، وقول الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المسلم للمسلم كالبنيان؛ يشد بعضه بعضًا))[98].



ثم في إطار الدَّعوة إلى الوحدة والتضامُن، لم يقصر الطرف على بلده مصر وحسب، وإنَّما استطالت نظرته؛ لتشملَ واقعَ المسلمين ككل، ويَخص بالذكر "العرب"، الذين كان لهم ماضٍ مُحدد معروف، كانت لهم حضارة متميزة باسطة أردانَها على مُعظم المعمورة.



أما فيما يتصل بالإطار الخاص - أي الحديث عن مصر - فأول ما يواجهنا أنَّ الديوانَ قد زخر بذكر مصر، وكيف لا؟ واجتماعيته كانت في مُعظمها تَختص بعلاجِ أمراض مصر، وسِمَة بعض عاداتها، كما اختصت بتمجيد ماضي مصر، والإشادة ببعض مَحاسِنِها، فهذه "الإسكندرية"، هذا الثَّغْر المجيد، قد اجتذبت أحداثُ الحرب العالمية الثانية الشاعرَ للحديث عنها؛ لما أصابها من ويل تلك الحروب الطاحنة، وجعلها ثغرًا لا يبتسم، وفيه دليلٌ على أنَّ "الإسكندرية" كانت ثغرًا دَائِمَ الابتسامة، مستديمَ الإشراق والمجد، فينطلق إزميل الشاعر؛ ليحدثنا عن حال هذه الزاوية الجميلة، قائلاً:



"الشَّطُّ دَاجٍ وَالسُّكُونُ مُخَيَّمٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مَا بَالُ ثَغْرِ الثَّغْرِ لاَ يَتَبَسَّمُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




عَهْدِي بِهِ طَلْقًا صَبِيحَ الْوَجْهِ إِذْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَجْهُ الطَّبِيعَةِ عَابِسٌ مُتَجَهِّمُ"[99] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







وكذلك قال في قصيدة أخرى، نظمها في فاجعة الإسكندرية سنة 1941م:



"الثَّغْرُ أَيْنَ مَضَى رِوَاؤُهْ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَوَلَمْ يُفَارِقْهُ شِتَاؤُهْ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




كَانَتْ تَمُوجُ ظِبَاؤُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مَا بَالُهُ نَفَرَتْ ظِبَاؤُهْ؟"[100] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif







وهو إذْ عاش مرارةَ الحرب، صَوَّرها في فاجعة الإسكندرية، وإن كان في الواقع يعبِّر عن فاجعة النفوس، وفي مقدمها نفسه الأليمة المكدورة، من جَرَّاء التدمير الذي يَجتاح عددًا ليس باليسير من الأقطار والمدن والقرى، فلا يجد بُدًّا - وهو يتحدث عن الإسكندرية - أن يعرج على هذه الأحداث:



"وَجَلاَ الشَّرَارُ ظَلاَمَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

حَتَّى غَدَا كَدِرًا صَفَاؤُهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




يَرْمِيهِ بِالنِّيرَانِ سَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

حِلُهُ وَتَرْجُمُهُ سَمَاؤُهْ"[101] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




يتبع





ابوالوليد المسلم 28-07-2021 03:12 AM

رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"
 




وفي إطار الحديث عن "مصر"، نرى الشاعر يُشيد بها في كل مناسبة، ويقرن مَجدها بمجد أبنائها، فها هو ذا يعجب بالأديب الوزير "إبراهيم دسوقي أباظة"، ويهنئه بارتقائه إلى مَرتبة الباشوية، ثم انتظر سؤالاً فيه نوع عتاب عند امتداحه له، فيجيب بأنَّ في تكريمه تكريمًا لبلاده، وأن مصر بمثابة الأم التي تتيه ميسًا عند انفتاح كل برعومة، تنسمت عبيرَ الحياة الألقة:



"قَالُوا تُكَرِّمُهُ فَقُلْتُ فَتًى إِذَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كَرَّمْتُهُ كَرَّمْتُ فِيهِ بِلاَدِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ابْنٌ لِمِصْرَ تَتِيهُ مِصْرُ بِبِرِّهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَالْأُمَّهَاتُ يَتِهْنَ بِالْأَوْلاَدِ"[102] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








وعلى الواجهة الأخرى، نرى "غنيمًا" يتحدث عن الجانب المظلم الذي عانته مصر من جراء الحروب، في قصيدة اختارَ لها عنوانَ: "الهلال الأحمر"؛ أي: إنَّه مصبوغ بالدماء، وهو انعكاس نفسي لكثرةِ الدِّماء التي وقعت عليها عَيْنُ الشاعر، يذكر فيها غارات الإيطاليِّين على مصر في عهد "موسوليني"، ولا يَجد مردًّا في إبداء حزنه على هذا البلد العتيد الذي عرف مجد الحضارة، وسُمُوقَ التقدم، إلى جانب حاضرها الزَّاهر، وأكثر ما يشد الشاعر لبلده ما عرفته من ديانات قديمة أبدت قَدْرَ مصر، فقد كانت مسرحًا للنصرانية، واليهودية، والإسلام، وفتحت ذراعيها مُرَحِّبة بكل ذلك، مبدية قدرتَها على التحدي، وثباتها في الأمور:



"عَتَبَتْ بِمِصْرَ فَرَوَّعَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

هَا كَفُّ شَيْطَانٍ مَرِيدْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




لَمْ تَرْعَ مَاضِيَهَا وَلَمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَحْفِلْ بِحَاضِرِهَا الْعَتِيدْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




بَلَدُ الشَّرَائِعِ وَالْهُدَى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَكِنَانَةُ اللَّهِ الْوَدُودْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فَرَّتْ بِمِصْرَ خِلاَفَةُ الْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إِسْلاَمِ مِنْ عَهْدٍ عَهِيدْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وَمَشَى الْمَسِيحُ بِهَا وَمُو https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

سَى فِي ثَرَاهَا الطُّهْرُ عِيدْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




مَا ضَاقَ ذَرْعًا بِالنَّصَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رَى رَحْبُهَا أَوْ بِالْيَهُودْ"[103] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








أمَّا من حيث الإطار الخارجي، فإنَّ "غنيمًا" أثبت رسوخَ قدمه في اعتنائه بأُمورِ المسلمين، وتَتَبَّع مُعظم الحالات التي عادت على الأقطار العربية بأسوأ عائد، فانظر كيف يعدُّ "العراق" - مثلاً - جزءًا لا يتجزأ من كيان الأمة الإسلامية، وأنَّه يَحِنُّ إلى أهله حنينَه إلى أهل وطنه، بل جعلهم من معشر الآل والأصحاب، وإن لم يكن اطِّلاعه على العراق أو اتِّصاله بأهله إلاَّ عبر الكتب:



"حَيَّيْتُ فِي شَخْصِ "الْجَمَالِي"[104] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بَلَدًا حَوَى شَطْرَ الْجَمَالِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




بَلَدًا أَحِنُّ لِسَاكِنِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

هِ كَأَنَّهُمْ صَحْبِي وَآلِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




إِنْ كُنْتُ لَمْ أَزُرِ الْعِرَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قَ وَلَمْ أَشُدَّ لَهُ رِحَالِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فَلَكَمْ أَقَلَّتْنِي إِلَيْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

هِ الْكُتْبُ فِي جُنْحِ اللَّيَالِي"[105] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يتبع


ابوالوليد المسلم 28-07-2021 03:13 AM

رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"
 




ثم لا يفتأ يتغنى بالحضارة العظيمة التي عرفها العراق، والتي تبعثُ على الاعتزاز بهذا القُطر الذي كانت له مكانتُه العظيمة من حيث الثَّقافة والمعارف:



"بَلَدٌ إِلَى أَحْضَانِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

آوَى الْحَضَارَةَ مِنْ ضَلاَلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




نَظَمَ الْمَعَارِفَ تَاجُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

نَظْمَ الْفَرِيدِ مِنَ اللَّآلِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




أَدَّى إِلَى الْجِيلِ الْجَدِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

دِ رِسَالَةَ الْأُمَمِ الْخَوَالِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




إِنْ يَتَّصِلْ طَرَفَا الثَّقَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَةِ فَهْوَ حَلْقَةُ الِاتِّصَالِ"[106] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ويتحدث "غنيم" عن علاقة مصر ببعض الدُّول الشقيقة، ويَمزج ما بين إعجابه ببلده، وإعجابه بهذه الأقطار الإسلامية الأخرى، فهو يَجعل - مثلاً - مصر والسودان كالدولة الواحدة، التي لا تفرق بينها جدران سياسية أو جغرافية، بل إنَّه يثور على هذا التقسيم، ويَعُدُّ النيلَ صِلَةَ الْوَصْل بين البَلَدين، فلماذا هذه التفرقة، وهذه الحيطان التي تفصلهما؟



"يَا جِيرَةَ النِّيلِ حَيَّ اللَّهُ مَقْدِمَكُمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَسْنَا نَعُدُّكُمُ فِي مِصْرَ ضِيفَانَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




لَقَدْ نَزَلْتُمْ بِرَهْطٍ مِنْ عَشِيرَتِكُمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَزُرْتُمُ بَدَلَ الْأَوْطَانِ أَوْطَانَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




لَمَّا نَزَلْتُمْ عَنِ الْفُصْحَى بِدَارَتِهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كَادَتْ تُرَحِّبُ آسَاسًا وَجُدْرَانَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




إِنَّا نُكَرِّمُ فِي أَشْخَاصِكُمْ وَطَنًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَوْ صُوِّرَتْ مِصْرُ عَيْنًا كَانَ إِنْسَانَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




النِّيلُ قَدْ وَحَّدَ الرَّحْمَنُ وَادِيَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَفِيمَ نَقْسِمُهُ مِصْرًا وَسُودَانَا"[107] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ويعبر عن التضامن الذي تعرفه بعضُ الدول، والذي يَجب أن يَكْسُوَ كُلَّ البقاع الإسلامية، ويستشعره كل فرد من أفرادها، حتى إذا أَنَّ ذُو شَجَن في الشام، علم به من في المغرب، ومن تأوه في العراق، آساه من في السودان:



"كَمْ بِالْعِرَاقِ وَكَمْ بِالْهِنْدِ ذِي شَجَنٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

شَكَا فَرَدَّدَتِ الْأَهْرَامُ شَكْوَاهُ"[108] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ويمعن في هذه القضية حين يَعُدُّ أنَّ الأمصار الإسلامية ما هي إلا مصر، وإن تعدَّدت أسماء جنباته، ويرد على الذين يستعذبون نسبةَ أنفسهم إلى بلد دون بلد في شَكْلٍ من التحيُّز والجغرافية؛ مِمَّا يعين على التفرقة، ويقرب الطريق أمام المستعمر:



"قَالُوا الْعِرَاقُ وَمِصْرُ قُلْنَا بَلْ هُمَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مِصْرَانِ بَلْ مِصْرٌ مِنَ الْأَمْصَارِ"[109] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








وهذه قصيدته الخالدة "وقفة على طلل"، التي لهجت بها الألسن في كل مكان، حتى قيل: "لو أنه ليس لغنيم إلاَّ قصيدته هاتِه، لكفتْه"، هذه القصيدة التي قالت فيها جريدةُ "طرابلس الغرب اليومية": "ولعل قصيدته "ما لي وللنجم يرعاني ويرعاه" - تقصد قصيدةَ "وقفة على طلل" - أصبحت أعلق بأذهانِ الناطقين بالضاد من "قفا نبك" التي ضُرِبَ بشهرتها المثل"[110]؛ لأَنَّها كانت تُمثل أنينَ كل عربي مسلم، وتترجم أحاسيسَ كلِّ من له أحاسيس، وفيها تتجلى القضايا الوطنية بارزة؛ حيث وصف الواقع المؤلم الذي يعيشه المسلمون، وبين ميزات الماضي الذي:



"كُنَّا نَعِيشُ عَلَى أَنْقَاضِهِ أُمَمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَنَسْتَمِدُّ الْقُوَى مِنْ وَحْيِ ذِكْرَاهُ"[111] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يتبع

ابوالوليد المسلم 28-07-2021 03:14 AM

رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"
 




وربط فيما بين الماضي والحاضر والمستقبل، كل ذلك في صورةٍ جَلِيَّة، لا تقبل التسامُح في الوصف، أو المداهنة في تقرير الحقائق؛ ذلك أنَّه عندما يذكر ميزات كل قطر، التي عرفها في الماضي، فهذا يعني أن هذه الأقطار قد تخلت عن تلك المَيْزَات، وعليها أن تتدارك وضعها، وتسترد مَجدها، فهو يَعُدُّ هذه الأقطار أسرة واحدة، تصلها روابط العمومة:



"بَنِي الْعُمُومَةِ إِنَّ الْقَرْحَ مَسَّكُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَمَسَّنَا نَحْنُ فِي الْآلاَمِ أَشْبَاهُ[112]" https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








وهو يتذكر فاجعة الأندلس، التي كانت معقلاً شامِخًا من معاقل المسلمين، ويندب حَظَّ المسلمين في ذهابه، فأين ذلك العز الذي عرفته "الحمراء"؟ وأين الجاه الذي كان يضرب به المثل؟



"بِاللَّهِ سَلْ خَلْفَ بَحْرِ الرُّومِ عَنْ عَرَبٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

باِلْأَمْسِ كَانُوا هُنَا مَا بَالُهُمْ تَاهُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فَإِنْ تَرَاءَتْ لَكَ الْحَمْرَاءُ عَنْ كَثَبٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَسَائِلِ الصَّرْحَ أَيْنَ الْعِزُّ وَالْجَاهُ؟"[113] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ثُم يعرج على دمشق، ويستحضر "المسجد الأموي" الذي طارت شهرته:



"وَانْزِلْ دِمَشْقَ وَسَائِلْ صَخْرَ مَسْجِدِهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عَمَّنْ بَنَاهُ لَعَلَّ الصَّخْرَ يَنْعَاهُ" https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ويذكر مجد بني العباس بالعراق، وما خلدوه من أعمالٍ جليلة، ومآثرَ محمودة:



"وَطُفْ بِبَغْدَادَ وَابْحَثْ فِي مَقَابِرِهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عَلَّ امْرَأً مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ تَلْقَاهُ" https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








وهو إذ يذكِّر الشعوبَ بما مضى، لم ينسَ أو يسلس لهم القياد، ويُمَهِّد أمامَهم العقبات؛ ليتداركوا، وقد اختار لذلك أن يذكرهم بسبب انتصارِ الدَّولة الإسلامية أيامَ كان أفرادها معدودين، وأيام بدا الإسلامُ غريبًا يجد المعارضة من كل جانب، ومع ذلك لم يَملك الناس إلا أن يسلموا، ويظهر لهم سماحة الإسلام وعدله جليين واضحين:




"وَرَحَّبَ النَّاسُ بِالْإِسْلاَمِ لَمَّا رَأَوْا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَنَّ الْإِخَاءَ وَأَنَّ الْعَدْلَ مَعْزَاهُ"[114]




ثم يذكرهم "بعمر" - رضي الله عنه - الذي لم يكن قوتُ يومه لِيزيدَ عن الزيت، ومسكنه ليستنكف عن الكوخ، ومع ذلك هابته الإمبراطوريَّتان العظيمتان: فارس والروم:
"يَا مَنْ رَأَى عُمَرًا تَكْسُوهُ بُرْدَتُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَالزَّيْتُ أُدْمٌ لَهُ وَالْكُوخُ مَأْوَاهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَهْتَزُّ كِسْرَى عَلَى كُرْسِيِّهِ فَرَقًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مِنْ بَأْسِهِ وَجُيُوشُ الرُّومِ تَخْشَاهُ"[115] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



إنه الإيمان القوي، والتمسك الشديد بالإسلام، وقوانينه وشرائعه، لا مهادنة ولا مواربة، وبهذا يتضح للشعوب أنَّ سببَ ضعفِهم وانهيارهم ما هو إلاَّ عزوفهم عن تعاليم الإسلام، واستبداله بغيره من النظم الوضعية، حتى أصبح الإسلامُ غريبًا في داره، وبين أبنائه، مقصوص الجناح، لا يَملك حَرَاكًا:
"أَنَّى اتَّجَهْتَ إِلَى الْإِسْلاَمِ فِي بَلَدٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَجِدْهُ كَالطَّيْرِ مَقْصُوصًا جَنَاحَاهُ"[116] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وتتأكد وطنية "غنيم" بكثرة تَردادِه لفظَ العروبة ومشتقاته؛ إظهارًا لشدة حرصه على إعادة العرب إلى منبعهم الأصيل، واجتماعهم على الكلمة الواحدة، وتضامنهم في مُواجهة الأعداء وتَحقيق النصر؛ إذ الإشادة بالعروبة عند "غنيم" تعني الإشادة بأمجادهم وحضارتهم، وقد تكرَّر اللفظ في قصيدة: "وقفة على طلل" وحدها عَشْرَ مَرَّات، لكن كثيرًا ما ذكره مقرونًا بسبب عِزَّةِ العرب ومَجدهم، وهو الدين؛ ولذلك وردت هذه الكلمة وما في معناها في القصيدة نفسها إحدى عشرة مرة، وهذه معادلة ترفع الأولى إلى درجة الثانية؛ لشدة الأهمية، كأنَّ "غنيمًا" يرى أنَّ العرب في الإسلام، ويرى الإسلام في العرب، حتى وصل به ذلك إلى شيء من المغالاة[117] حين قال:
"إِنِّي لَأَعْتَبِرُ الْإِسْلاَمَ جَامِعَةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لِلشَّرْقِ لاَ مَحْضَ دِينٍ سَنَّهُ اللَّهُ"[118] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وفي الجملة، فإنَّ هذه القصيدة دُرَّة من دُرَرِ الشعر العربي الخالدة، وهي واضحة في اعتناء "غنيم" بشؤون العالم الإسلامي كله، مكسرًا بذلك حدودَ الذاتية، وهذا ما استنتجه "دسوقي أباظة" حين قال: "من أهم خصائص هذا الشاعر - يقصد غنيمًا - أنه امتدادٌ للخالدين من عمالقة الشِّعْر العربي، فليس شعره ذاتِيًّا يدور في فلك حياته الخاصة، أو محليًّا يتغنى بالأرض التي درج عليها، وإنَّما هو شعر ينتظم آفاقَ الوطن العربي الكبير"[119].

وغالبًا ما يتصل الحديث عن "العروبة" بالحديث عن العربيَّة، التي سبق أن حدَّد "غنيم" أنَّ سِرَّ انتصار المسلمين كامن في دينهم ولغتهم الضاد، وهو حين يقول:
"أَنَا بِالْعُرُوبَةِ وَاثِقٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ثِقَتِي بِوَحْدَةِ ذِي الْجَلاَلِ"[120] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ليس معناه أنَّ حُبَّ العرب هو حب لذاتِهم، وإنَّما لما حباهم به ربُّ العالمين من مَيْزَات في دِقَّة لُغتهم التي جلها بجلال القرآن، وحفظها بحفظه له؛ ولذلك تراه يتذَمَّر ويَمتلئ حزنًا لما أصاب هذه اللغة من تحريفات، ودخيل من العامية واللغات الأجنبية:
"أَوَمَا كَفَاهَا مَعْشَرٌ مِنْ أَهْلِهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَرَكَ الْعُرُوبَةَ جَانِبًا وَاسْتَعْجَمَا





يتبع


ابوالوليد المسلم 28-07-2021 03:15 AM

رد: القضايا الأساسية والصور البيانية في شعر محمود غنيم، من خلال ديوان "صرخة في واد"
 
وَتَخَاذَلَ الْأُسْلُوبُ لَيْسَ بِمُفْهِمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَعْنًى وَلاَ نَطَقَ الْجَمَادُ فَأَفْهَمَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

حَسِبَ الرَّطَانَةَ حِلْيَةً لِبَيَانِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَسَرَى إِلَيْهِ لُعَابُهَا فَتَسَمَّمَا"[121] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ثم يأتي دور التأكيد الصارم في أنَّ اللغةَ تعبر عن ارتقاء أصحابِها بارتقائها، أو انحدارهم بانحدارها:
"إِنْ تَرْتَقِ اللُّغَةُ ارْتَقَى أَبْنَاؤُهَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَإِذَا هَوَتْ فَأَقِمْ عَلَيْهَا مَأْتَمَا"[122] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وبعد هذا، فيحق لنا أن ننعت غنيمًا بأنَّه شاعر الإسلام والعروبة.

المبحث الرابع: قضايا الجهاد:
ما من شَكٍّ في أن الجهادَ من أهم الدعائم التي أسس الإسلامُ بُنيانَها، وعمل على تَحبيبها في نفوس المسلمين، وما تكوين الدولة الإسلامية، مع وضع قوانين مُعينة لحمايتها، إلاَّ مظهر من مظاهر الدِّفاع عنها، وحمايتها من ظلم الآخر، وإذا كان دور العلماء يتجلى في التوعية، وجلاء الصدى عن العقول الضَّعيفة، وتفقيه الناس بأمور دينهم ودُنياهم، فإنَّ دَوْرَ الحكام حمايةُ هذه الأسس، والذود عنها، فالعالم أُسٌّ، والحاكم حارس.

وركائز الجهاد في الإسلام تنطلق من موقعين أساسِيَّيْن: موقف الدفاع عند سطوة العدو، وموقف الفتوحات من أجل نشر الدين، بالقواعد والضَّوابط التي تفتح القلوب لتقبل الدين الجديد.

ويتضح من خلال هذه الخطاطة أنَّ المراد بالجهاد الجهادُ الفعلي الذي يتقَدَّمه السيف، إمَّا لدفاع، وإمَّا لنشر المبدأ، وإلاَّ فديوان "غنيم" كلُّه جهاد، بل كل كلمة فيه تتآزر مع أُخْتِها إحساسًا بالمسؤولية التي يَجب أن تؤديها، من نصح وتوجيه، ودفع إلى فعلِ الخيرات، والأخلاق الحسنة... إلخ.

ومِمَّا يلفت النظرَ جرأة "غنيم" في الدعوة إلى مُحاربة المستخرب، وهو وجه الجهاد الذي ساد في عصره، فقد عاش مرارةَ الحرب العالميَّة الأولى، ثم توهج أنينه وتذمُّره بمأساة الحرب العالمية الثانية، التي ذاقت مصرُ ويلاتِها، فالصِّرَاعُ إذًا دائرٌ بين المسلمين وبين الغرب المستخرب، هذا الغرب الذي يُحب الدماء، ويتسلى بجماجم أعدائه:
"بِسِوَى الدَّمِ الْمَسْفُوحِ لاَ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُرْوَى لِظَمْآهُمْ أُوَامُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَأَحَبُّ مَا وَقَعَتْ عَلَيْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هِ عُيُونُهُمْ جُثَثٌ وَهَامُ"[123] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



نعم، إنه شديد الحقد، وشديد الفتك، ولا يَفُلُّ الحديدَ إلاَّ الحديدُ، وإذا أردنا المجد، فإنَّه لا يُبْنَى بالطين والماء، فليس الأمرُ بالهين اليسير، وإنَّما لا بُدَّ من التضحية بالمال، بالنفس، بالفكر؛ لذلك جأر "غنيم" بصوته داعيًا ينشد أمرين مُهمَّين: أولهما: أنَّ حقيقةَ الجهاد تقتضي التفاني كاملاً في تَحقيق المقصود منه:
"الْمَجْدُ لاَ يَبْنِيهِ بَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نِيهِ بِطِينٍ أَوْ بِمَاءِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يُبْنَى بِأَشْلاَءِ الضَّحَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يَا ثُمَّ يُطْلَى بِالدِّمَاءِ"[124] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وثانيهما: هو التآزُر بين المسلمين، واجتماعُهم على الكلمة الموحدة، فقد انتصر المسلمون في أوَّلِ عهدهم باتِّحادهم حول كلمة "الله أكبر" بحقها، وكل ما يتعلق بها، وفي مقدمتها الاستهانة بكل عزيز في سبيلِ إعلائها:
"قُلْ لِلْمُبَشِّرِ بِالسِّلاَحِ وَحَدِّهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لَيْسَ السِّلاَحُ وَسِيلَةَ الْإِقْنَاعِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

"اللَّهُ أَكْبَرُ" وَهْيَ بِضْعَةُ أَحْرُفٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
دَكَّتْ بِنَاءَ مَعَاقِلٍ وَقِلاَعِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لَوْ أَنَّ فَتْحَ السَّيْفِ جُرِّدَ وَحْدَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فِي مَدِّهِ مَا امْتَدَّ قَيْدَ ذِرَاعِ"[125] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهذه الكلمةُ وَحْدَها كفيلةٌ بتحقيقِ النصر، إذا المسلمون اجتمعوا حَوْلَها، وعرفوا حقيقتها، وأيقنوا بأَزْرِ الخالق ووعده بالنَّصر، فالخير كلُّه في هذا الاجتماع حول هذه الكلمة؛ لأَنَّها الخير المطلق:
"هَلْ يَجْمَعُونَ لِذِي الْخُطُوبِ أُمُورَهُمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَالْخَيْرُ كُلُّ الْخَيْرِ فِي الْإِجْمَاعِ" https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهو يذكِّر المسلمين بسالف أيَّامهم، يَحثُّهم على التمعن في الشرائع الإسلامية التي كانت سببًا في قُوَّتِهم وحضارتهم، ويركز على الشرائع التي تؤكد الوحدة والترابُط، والاجتماع على هدف واحد، والخضوع لإمام واحد:
"الْمُسْلِمُونَ عَلَى شَتَاتِ دِيَارِهِمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَرَضَ الْإِلَهُ خُضُوعَهُمْ لِإِمَامِ


يتبع



الساعة الآن : 04:41 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 109.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 109.31 كيلو بايت... تم توفير 0.51 كيلو بايت...بمعدل (0.46%)]