تغمُرُ (الغُوطَتَيْنِ) بِشْراَ وزَهْواً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مثلَما يَغْمُرُ النُّفُوسَ الحُبُورُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وعلى صوتها الطُّيُورُ تَغَنَّى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ولقد يُطرِبُ الطُّيوُرَ الخرِيرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




عَشِقَتْ لَحْنَهُ، وللماء لحنٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يُسْكِرُ السَّمْعَ جَرْسُهُ المخمورُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




حيث تغدو يُلْهِيكَ منها سَماعٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ومن الرَّوْض مُؤنِقٌ منضورُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




عُرُسٌ.. قام للطَّبيعَةِ فيها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَسْتَخِفُّ الإنْسانَ وَهْوَ وَقُورُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




تَهْزِجُ الطَّيْرُ والأنَاسِيُّ فيه، https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ويَمُور السَنا، ويذكو العَبِيرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif










وبعد هذا الوصف المترف لجنات دمشق وأنهارها، وغناء طيورها، يقف الشّاعر لحظة، ويقول:





قِفْ تَمَتَّعْ ممّا تَراهُ قليلاً، https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وقليلٌ مِمّا تَراهُ كثيرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




للأنوفِ الشَّذا أريجاً، وللِسَّمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عِ الأغاني، ولِلّحاظِ البُدورُ! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif











وحين كانت (أعراس الشّام) سنة 1947، بعد أن مضى عام كامل على جلاء المستعمر عن ثراها الطّيّب، أحبّ شاعرنا الكبير أن يهنيء (دمشق) في أعيادها، ويشكر لأبنائها حفاوتهم به، فأعدّ خريدته (دِمَشْقُ في ذكرى الجلاء)[19]، وأنشدها في (دار المجمع العلميّ العربيّ):



غَفَرْتُ للدَّهْر أيّاماً.. سَلَفْنَ له https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لمّا أتانيَ في (الفَيْحاءِ) يُشْكِيني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




لي في خمائِلها الخُضْر الّتي حَسُنتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عُلْيا المَقاصِير من سُكْنَى الميامينِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




من تحتها (بَرَدىَ) نَشْوانُ مُطّرِدٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بدافقٍ من رَحِيقِ الخُلْد مضنوني[20] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




كأنَّهُ، وشُعاعُ الشَّمْسِ ضاحَكَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فِرِنْدُ سيفٍ صقيلِ الوجهِ مسنونِ



يتبع

تَنضَّرَتْ حولَهْ الدُّنيا به، وزهت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بزُخْرُفٍ من لباس الحسن موضُونِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ما أجْمَلَ الأيْكَ في شَطَّيْهِ حانيةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

من الحفاوة في أثوابِها الغِينِ! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




تلك المفاتنُ.. شاقت كُلَّ ساجعةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَهَيَّجَتْها بألْحانٍ أفانينِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




أكْرِمْ به مُنْبِتاً زَهْراً، وفاكهةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

شَتَّى، ومُسْدِيَ خَيْراتٍ وماعونِ! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif










ثمّ تساءلَ الشّاعر عن مفاتن (دار النعيم) الّتي لا تخلو منها (دمشق) قائلاً:





يا دارَ (مروانَ).. دام البِشْرُ مؤتلقاً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

على جَبِينِكِ لمَاحَ التَّلاوِينِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




كَرَّمتِ مَجْدَكِ أنْ لم تعقِدي عَلَماً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إلا على فَرْقِ بَرٍّ منكٍ ميمُونِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




ستذكُرُ الدَّولةُ الرَّعْناءُ مُعْتَركاً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تَعَضُّ مِنه يَدَيْ نَدْمانَ محزونِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




خَرَجْتِ منه كنَصْلِ السَّيْف منصلتاً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يزهو، وباءَتْ بِخْذلانٍ وتوهينِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




يا ليتَ عَيْنِيَ، لمّا أجْلِيَتْ، شَهِدَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بِشْرَ الْجِنان بإجْلاء الشَّياطينِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




من كُلِّ أصْهَبَ.. كان الكِبْرُ شارتَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يرمي بَنِيكِ بطَرْفٍ منه مسنونِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فنَكّس الله بالإذلالِ هامَتَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وعادَ خَزْيانَ يمشي مَشْيَ موهونِ! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




لا يَرْفَعُ اللَّحظَ إلا وَهْوَ يَخفِضُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أعجِبْ بلحظٍ.. بخّدِ الأرض مقرونِ! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




يتبع

وأنهى الشّاعر قصيدته مخاطباً (دمشق)، داعياً إيّاها إلى التَّمَسُّك بعروبتها وإسلامها، لتَصُونَ جمالها الّذي يفتديه بنفسه، قائلاً:





وأينَ في (الشام) «غورو» في جَحافِلهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يُغيِرُ وَهْوَ يَدُكُّ الَّسِلْمَ تذليلا؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




بل أين في (القدس) «أللنبي» وقدرَعَبَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رُعُودُهُ جَنَباتِ «القُدْس» توهيلا[23] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




نَشْوانُ من صَلَفٍ، مَلآنُ من حَنَقٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يجُرُّ سيفاً على الغَبْرِاءِ مصقولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




يا شاهِرَ السَّيْفِ مَزْهُوّاً بباطلِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وعارضَ الجيشِ بعدَ الجيشِ تحفيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




خَلِّ الغُروَر. فإنَّ الحَقَّ ما بَرِحَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

شَباهُ تَرْجِعُ حَدَّ الَّسيْفِ مفلولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




قضى له الله بالعُقبْى.. إذا صَحِبَ ال https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إيمانَ والصَّبْرَ، وَعْداً منه مكفولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




يَرْمي به باطلاً منه فَيَدْمَغُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يا.. طالما دَمَغَ الحَقُّ الأباطيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




إنّ الحُرُوبَ سِجالٌ بَيْنَنا أبَداً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كَأنَّها الدَّيْنُ في الَّلأواءِ ممطولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




إنْ لم تكونوا لنا سِلَمْاً، نكن لكُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

حَرْباَ.. تبادرُكم بالموت تعجيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




إنَّا سنُلْحِقُ بالماضِين حاضِرَكُمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مِمَّنْ يَجِيءُ حَنِيقَ الصَّدْرِ مثكولا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




لَنَصْبِرَنَّ، كآباءٍ لنا صَبَرُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

صَبْراً.. يُعيدُ سَوادَ الليل تحجيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




نحن الجواهِرُ.. ما هانت معادِنُنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

على الزَّمانِ كُماةً أو مَعازِيلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif











هذا هو الشّاعر البغدادّي الكبير، الّذي مَحَضَ (دمشق) الخالدة الحُبَّ كُلّه، وهذه هي (دمشق) بجمالها ومفاتنها تَزينها غِلالة من حبّ الشاعر وإعجابه.







إنّ (شعر الأثريّ) نموذج حديث للشّعر الأصيل في ألفاظه المنتقاة، ولغته المشرقة، وأسلوبه القويم، وجَرْسه المطرب. وشعره في (دمشق) خير دليل على ما حبا الله الشاعر من رَهافة الحسّ، ورِقَّة الُّشعُور، وتذوُّق للجمال، ودليل ناصع على ما يملكه الشّاعر من أدوات استطاع معها الإبداع في وصف الجمال وتصوير ما يفعله في نفوس المحبين.







حفظ الله (شاعرنا الكبير) ذُخْراً للضّاد أمّ اللُّغَى.







وحفظ الله (دِمَشّقَ) مصدراً للحُبّ والإلهْام.







[1] ظهر الديوان في أواخر عام 1974 عن (الهيئَة المصرية العامة للكتاب)، وهو من منشورات (وزارة الثقافة) في (جمهورية مصر العربية) بتوصية من (لجنة الشعر بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية)، وقد كتب مقدمة رائعة له رئيس اللجنة شاعر مصر الكبير وفقيد العربية الأستاذ (عزيز أباظة).




[2] القصيدة في ثمانية وثلاثين بيتاً، وهي مثبتة أيضاً بدءاً من الصفحة 263 من الديوان.




[3] القصيدة في 46 بيتاً، وهي منشورة بدءاً من الصفحة 84 من الديوان.




[4] الأباء (الثانية): بفتح أولها: القصب، وهو سريع الاحتراق.




[5] أنى: حان وقته.




[6] ألفاو: بلدة في أقصى الجنوب من العراق.




[7] القصيدة تبلغ 35 بيتاً وهي منشورة بدءاً من الصفحة 93 من الديوان.




[8] وصف للسجن الذي سدت نوافذه.




[9] تبلغ أبيات هذه القصيدة الثمانين، وهي منشورة بدءاً من الصفحة 97 من الديوان.




[10] القصيدة في 21 بيتاً، وهي منشورة بدءاً من الصفحة 114 من الديوان.




[11] القصيدة طويلة في 78 بيتاً ومنشورة بدءاً من الصفحة 249 من الديوان.




[12] أوفدت الحكومة العراقية الشاعر إلى مصر، ليدرس قوانين الأوقاف ومناهج الأزهر الشريف التعليمية، وسلكته في الوقت نفسه في سلك وفد النواب، ووفد الطلاب، ليكون من ألسنتها في المحافل وفي الصحافة..




[13] القصيدة في 43 بيتاً منشورة بدءاً من الصفحة 186 من الديوان تحت عنوان «أمة وحدت هوى وسبيلا».




[14] القصيدة في الصفحة 190 من الديوان.




[15] من قصيدة طويلة عنوانها (ملحمة الانقلاب الشعوبي) أنشدها في احتفال كبير مشهود، أقامَهُ الساسة المخلصون ببغداد في سنة 1937، بعد أن دال الحكم الشعوبي الذي دهم العراق في أواخر عام 1936، وشاركت فيه ـ إلى جانب ساسة العراق وخطبائه الوطنيين - وفود رسمية وشعبية من الأقطار العربية، بينها نفر من أعيان الخطباء وكبار الشعراء والقصيدة في 121 بيتاً، وقد نشرت في الديوان بدءاً من الصفحة 73.




[16] مسعار: شجاع يسعر الحرب دفاعاً عن قومه.




[17] في سنة 1931.




[18] القصيدة منشورة في الديوان بدءاً من الصفحة 324.




[19] القصيدة منشورة في الديوان بدءاً من الصفحة 192.




[20] مضنوني: نسبة إلى «مضنونة»، وهي بئر زمزم في بيت الله الحرام بمكة.




[21] اللطيمة: وعاء المسك. - دارين: فرضة «ميناء» بالبحرين، يجلب إليها المسك من الهند.




[22] من قصيدة طويلة جاوزت 150 بيتاً، عنوانها: «حرب حزيران 1967»، وهي منشورة في الديوان بدءاً من الصفحة 231 (ديوان الأثري ج 1).




[23] أللنبي: قائد الجيش الانكليزي الذي فتح القدس في الحرب العالمية الأولى، وقد قال في معرض الفخر: «اليوم انتهت الحروب الصليبية».