ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى العلمي والثقافي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=54)
-   -   موسوعة الشفاء للإعجاز العلمي فى القران والسنه .. بالإضافه الى اخر المقالات المنشوره (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=38570)

القلب الحزين 18-01-2008 06:20 PM

وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً





http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...militiaman.jpgد. محمد السقا عيد
ماجستير وأخصائي طب و جراحة العيون
عضو الجمعية الرمدية المصرية
جبل الله الإنسان على الضعف، كما قال تعالى: ( وخلق الإنسان ضعيفا) ( النساء 28)
وهذا الضعف يشمل الضعف النفسي، والضعف البدني ... والمصدق لقول خالقه والعالم به إذا نظر متفكرا في نفسه والناس من حوله لتأكد من حقيقة مكنون شعور الضعف بنفس الإنسان... فالإنسان على يقين بينه وبين نفسه من حقيقة قلة " ... بل ربما انعدام "... حوله وقوته أمام وفي مواجهة ما يحيط به من آيات وجنود الله كالسماء والأرض والجبال ... وكالزلازل والبراكين ... وكالرعد والبرق والريح ... وكالأعاصير والصواعق وفيض الماء... بل أمام وفي مواجهة ما يبدو أصغر مثل العقر واللدغ والافتراس ... الخ.
قال تعال(يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) (النساء: 28).
هكذا يقرر الله تعالى هذه الكلية العاملة الشاملة لكل إنسان، إن كل إنسان خلق ضعيفاً....
خلق ضعيفا في نشأته قال تعال: ( من أي شيء خلقه من نطفة خلقه) نطفة صبابة من الماء المهين.
وخلق ضعيفاً في علمه: قال تعال(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (الإسراء:85).
فعلمه قليل ومحفوف بآفتين جهل قبل العلم ونسيان بعده فهو لا يعلم المستقبل حتى في تصرفات الخاصة:
قال تعال(وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) (لقمان:34 ).
وخلق ضعيفا في تصرفه وإدراكه فقد يتصور البعيد قريبا والقريب بعيدا والنافع ضارا والضار نافعا ولا يدرك النتائج التي تتمخض عن تصرفاته. (الشيخ محمد بن صالح العثيمين)
إن الضعف الإنساني سمة تلازم الإنسان من لحظة البداية في خلقه … هل تَذكَّر الإنسان ذلك؟ هل فكر الإنسان في أصل تكوينه ؟ إنه تراب الأرض! هل أدرك الإنسان أنه خُلق من عدم ولم يكن شيئاً ؟ هل فكر الإنسان بالقدرة التي أوجدته من العدم وكَّونته من التراب ؟ هذا هو الأصل الإنساني الضعيف! هل فكر الإنسان لحظة واستشعر مراحل ضعفه ووهنه ؟
الإنسان هذا المخلوق العجيب هو صنعة الله تعالى المحكمة الدقيقة هذا الإنسان الذي يبدو للوهلة الأولى في منتهى البساطة مشتمل على كل أشكال التعقيد، إنه يبدو قوياً مخيفاً مع أنه في حد ذاته ضعيف في كل جانب من جوانب شخصيته ضعفاً لا يوازيه شيء سوى ما يدعيه من القوة والعزة والسطوة.
وقد لخّصت لنا هذه الكلمات القرآنية الثلاث جوهر الإنسان، لكن دون أن تضع لنا الإصبع على مفردات ذلك الضعف ومظاهره ليظل اكتشافها التدريجي عبارة عن دروس وعظات مستمرة تذكر الإنسان بحقيقته، وسوف ينفذ العمر دون أن نحيط بحقيقة أنفسنا.
ومن مظاهر ضعفنا:
-أن التقدم المعرفي الكبير مازال محدوداً إلى يوم الناس هذا، فهناك أجزاء من أجسامنا مازالت مناطق محرّمة، فعلم الدماغ مازال علم إصابات أكثر من



لا يزال في الدماغ مناطق مجهولة لحد الآن لا يعرف ما هي وظائفها


أن يكون علم وظائف وتشريح، ومركبّات الأنسجة والسوائل المختلفة في أجسامنا وتفاعلها مع بعضها مازال الكثير منها مجهولاً، فإذا ما دلفنا إلي مناطق المشاعر والإدراك وصلاتها وتفاعلاتها بالجوانب العضوية، وجدنا أن كثيراً مما لدينا ظنون وتخرصات أكثر من أن يكون حقائق
فإذا ما خطونا خطوة أخرى نحو العالم الوجداني والروحي وجدنا أنفسنا في متاهات وسراديب، حتى إن الفردية لتطبع كل ذرة من ذرات وجودنا المعنوي، مما يجعل إمكانات الفهم ووضع النواميس والنظم العامة أموراً قليلة الفاعلية محدودة النجاح.
-إن الباحثين في مجالات علوم الإنسان يجدون الطرق متشعبة ملتوية كلما تقدموا نحو الأمام، على حين أن الباحثين في علوم الطبيعة يستفيدون من أنواع التقدم المعرفي الأفقي في إضاءة ما بقي مظلماً من مسائل الطبيعة والمادة. وتقدّس الله تعالى إذ يقول: ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (الإسراء: 85).
ويزداد ظهور ضعف الإنسان حين يدخل الإنسان في صراع بين عقله ومشاعره حيث يجد نفسه عاجزاً عن دفع مشاعره والخلاص من وساوسه والتغلب على مخاوفه أو معرفة مصدرها في بعض الأحيان، ليدرك المرة تلو المرة أنه مع طموحه إلى السيادة على الأرض وغزو الفضاء قاصر عن السيطرة على نفسه
إن فاعلية كل رأي ودقته ينبعان من مجموعة العمليات التي يستند إليها فحين تكون تلك العمليات ظنية وعائمة فإن آراءنا الطبية والنفسية سوف يظل كثير منها هشاً ونسبي الصواب
- هذا الإنسان الضعيف لا يستطيع أن يجزم بشيء مقطوع من حوادث المستقبل، فمهما أدرك المرء الظروف والعوامل والمؤثرات التي تحيط به لم يستطع أن يعرف ماذا سيحدث له بعد شهر أو يوم أو ساعة، وأعظم أطباء الدنيا لا يستطيع ضمان استمرار حياته أو حياة غيره ساعة من زمان، ومن ثمّ فإن القلق والخوف من المستقبل هما الهاجس الجاثم فوق صدر الإنسان الحديث الذي فقد الإيمان (1).
إذا كان الإنسان على ما ذكرنا من العجز والقصور فإن عليه أن يخضع لقيوم السموات والأرض خضوع العارف بضعفه المدرك لعظمة خالقه متخذاً من ذلك باباً للأوبة والتوبة الدائمة.
الإنسان جسد ضعيف محدود القدرات والإمكانيات، حواسه مقيدة محدودة، فهو ذو بصر محدود، إذ لا يمكنه الرؤية إلا في حدود مكونات الضوء



لا يمكن للعين الرؤية إلا في حدود مكونات الضوء الأبيض


الأبيض وهي الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي، وما ينتج عن اختلاطها ببعضها من ألوان متعددة، أما ما تعدى حدود ذلك من موجات ضوئية فلا يستطيع الإنسان أن يميزها، فالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية ( أشعة إكس ) وأشعة جاما وغيرها لا تدركها العين البشرية، بينما تستطيع بعض الطيور والحيوانات أن ترى الأشياء عن طريق الأشعة تحت الحمراء مثلاً، مما يمنحها القدرة على الرؤية في الظلام الدامس.
له عينان فقط وبالمقارنة بالحيوانات والحشرات والطيور فإن المعروف أن عدد عيون الحيوانات تتراوح بين عينين إلى عدة آلاف، فالعنكبوت مثلاً له ثمانية عيون، ومع ذلك فبصره ضعيف جداً بالنسبة لغيره.
وأما بالنسبة للسمع فإن الأذن البشرية ذات إمكانيات محدودة، حيث لا تستطيع الأذن البشرية تمييز الأصوات ذات التردد أو الذبذبات التي تقل عن حوالي عشرين ذبذبة في الثانية، أو التي تزيد عن حوالي عشرين ألف ذبذبة في الثانية، كما أن قوة الصوت أو شدته تؤثر تأثيراً ضاراً على أذن الإنسان إذا تعدت حدوداً معينة.
وتستطيع معظم الحيوانات أن تسمع الأصوات التي يكون كثير منها خارج المدى المسموع بواسطة الأذن البشرية، فالكلب مثلاً يستطيع أن يسمع الأصوات ذات التردد المنخفض بواسطة أجزاء حساسة عند الخطوط الجانبية من جسمه، وتستطيع الأسماك في الأحواض الزجاجية أن تسمع صدى حركتها منعكساً على زجاج الحوض فلا ترتطم به.



للخفاش قدرة على استقبال الموجات الصوتية ذات الترددات العالية


كما تتميز الطيور عموماً بسمع حاد قوي، أما الخفاش فلديه قدرة خاصة على استقبال الموجات الصوتية ذات الترددات العالية (ultrasounds) بواسطة أذنيه الكبيرتين، واللتين تتحركان في مختلف الاتجاهات بصورة مستمرة كأنها جهاز رادار يبحث عن تلك الموجات الصوتية. (2)
إن الإنسان هو أضعف المخلوقات من حيث القوة العقلية والجسمانية، يحس بهذه الحقيقة في قرارة نفسه وحين يستعرض مشوار حياته منذ خلقه من الماء المهين مروراً بالحمل والمخاض وخروجه طفلاً ضعيفاً يستمد العون والمساعدة من غيره. أنظر جريدة " العالم الإسلامي " السعودية – العدد (1383).
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم : 54]).
في الآية الكريمة يشير الحق سبحانه وتعالى إلى صفة الضعف تلك الصفة التي تلازم الإنسان طوال حياته وهى السمة المميزة للإنسان في مقتبل العمر وفى خريف حياته.
وسبحان الخالق العظيم جعل مشوار حياة الإنسان يبدأ بالضعف وينتهي به حتى وإن كان في ريعان شبابه وقمة عنفوانه فهو ضعيف.
إنه صريع أمام دوافع النوم (الموتة الصغرى) لا غلبة له عليه يطرحه أرضاً حتى وإن كانت قوة تصارع وتقهر العتاة.
أليس الإنسان ضعيفاً حتى في أوج قوته، وها هو المرض في أوهن أشكاله ومسبباته يقهر الإنسان ويوهن صحته ويحد من نشاطه وقد ينال من جسده ويضعف من قوته فيصبح عاجزاً لا يقوى على رعاية نفسه ؟ أليس المسلم ضعيفاً أخي المسلم حتى في لحظات ومراحل القوة والغطرسة التي قد تخدع أكثر الناس وتحيد به عن سواء السبيل ؟.
ونحن نتأمل صفة الضعف التي تلازم الإنسان فإننا لا نرى سوى سبيل واحد فريد هو مصدر كل قوة حقيقية وهو مبعث كل طمأنينة. وهو المصدر المنيع الذي يدافع عن النفس ويحميها من كل خطب وضلال وهوان. إنه الإيمان بالله.. فهو القوة الحقيقة في النفس البشرية ومادون ذلك فهو ضعف وهوان وإن كان ظاهره القوة.
تأمل أخي المسلم مرحلة الطفولة لحظة خروج الإنسان للحياة ثم طفلاً رضيعاً يستمد الغذاء والعون من أمه.
إنها لحظات الضعف والوهن الغامر الذي مر به كل مخلوق وأولهم الإنسان.
تذكر أخي الشاب المسلم هذه اللحظات وأرجع شريط مسيرة حياتك وتخيل كيف كنت لا تقوى على الحركة والجلوس والمشي ولا تقدر على التعبير والنطق ولا تدرك أسباب الحياة وحركتها...
تفكيرك محدود وقوتك ضعيفة وعزمك واهن وإرادتك تابعة وتطلب العون والمساعدة ثم تدرجت في قدراتك وتطور نموك وارتقت مفاهيمك واتسع إدراكك واشتد عودك وانتصب قوامك والتفت عضلاتك وتكونت شخصيتك وأصبحت رجلاً يتمتع بالقوة وتحتل مكانة وتتبوأ مركزاً مرموقاً أو تتحمل أعباء وتدير حركة الحياة وتعمر الأرض.
هل فكرت أخي المسلم كيف كنت ؟ وإلى أين أصبحت ؟ وهل استحضرت حقيقة كيف كنت ؟ وأين أصبحت ؟
أخي المسلم عليك أن تستلهم من مسيرة حياتك وتأخذ العبرة من لحظات الضعف التي كنت بها قبل أن تصبح رجلاً قوياً. فتكرس قوتك وتسخرها لعبادة الله وطاعته وتنتهز لحظات القوة لكي تؤدى واجب الطاعة والعبادة للخالق الذي أمدك بالقوة ووهبك العقل والفكر والبصيرة.
فلا تضيع قوتك التي سوف تزول لا محالة في هوى النفس وشهواتها ولا تفنى هذه القوة في معصية الله وفى غير ما أُهلت له.
تذكر أخي المسلم أن لحظات حياتك عجلة دائرة فأنت بين ضعف وقوة وعجز وقدرة. (جريدة " العالم الإسلامي " – السعودية – العدد "1389" ).
خلق الله تعالى آدم من تراب من عناصر الأرض... من الحديد والكالسيوم والماغنسيوم والكربون وغيرها. واختار له الصورة التي أراده عليها وبث فيه الحياة وزوده بمواهب وطاقات تساعده على إعمار الأرض واستخراج مكنوناتها. وزوده بالعقل والسمع والبصر وشرع له المنهج الذي تستقيم به حياته وأمره بالسير في هذا الطريق وتجنب إغراءات الشيطان ونزعات النفس حتى لا يضل.
ولنرجع إلى جسم الإنسان لنرى ما قالت وما أثبتت المعامل:
إن جسم الإنسان العادي يحتوى على مائة وأربعين رطلا من الماء ومن الدهون ما يكفي لصنع سبع قطع من الصابون ومن الرصاص ما يكفي لصناعة ستة آلاف قلم رصاص ومن الملح ما يملأ ملعقة صغيرة ومن الفسفور ما يكفي لصناعة ألفين ومائتي عود ثقاب ومن الماغنسيوم ما يكفي لجرعة من الأملاح الملينة. ومن الحديد ما يكفي لصنع مسمار طويل ومن البوتاسيوم ما يكفي لقدح زناد مدفع من مدافع الأطفال ومن السكر ما يملأ زجاجة عادية.
هذا هو الإنسان. خلق من تراب فإذا مات عاد إلى الأرض وتحلل جسمه إلى هذه العناصر ودخل في تركيب أجسام أخرى حيوانية ونباتية(3).
وهكذا يُولد الإنسان متجها إلى نهايته. فكل دقيقة تمر تدنيه من أجله لا ينحرف عن هذه الغاية أبداً ولا يتخلف عن موعدها. أنفاسُُ معدودة وخطواتُُ محدودة فإذا اكتمل العدد كانت النهاية... ويُسدل الستار على إنسان كان...

لمراسلة المؤلف
[email protected]

الهوامش
(1) موقع صيد الفوائد من مقال( وخلق الإنسان ضعيفاً ) أ.د. عبدالكريم بكار-بتصرف
(2)موقع موسوعة الاعجاز العلمى فى القرآن والسنة من مقال-محدودية حواس الانسان-بتصرف
(3) من مقال –وفى أنفسكم أفلا تبصرون- للدكتور محمد السقا عيد

القلب الحزين 18-01-2008 06:32 PM

الروح بين عالم الخلق وعالم الأمر


http://www.55a.net/firas/ar_photo/1180901322kaba.jpgدكتور / محمود السيد خطاب
استشاري الجراحة بمستشفى السنبلاويند
وصاحب العديد من المؤلفات في مجال الدعوة الإسلامية.
تظل الآية رقم /85/ من سورة الإسراء.. { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } [الإسراء: 85]... من يوم نزولها وهي مثار تساؤلات من عامة المسلمين وخاصتهم عن معناها ومثار آراء متباينة من المفسرين: من حيث المراد من قول الله عن الروح وعن أمره وعن موضوع العلم القليل الذي يؤتاه المخاطبون بالآية... ومثار بحث العلماء عن مصدر العلم الكثير الذي يشبع رغبة الإنسان إلى المعرفة ويكافئ حبه لاستطلاع الغيب ودأبه لكشف المجهول...
وتظل الروح – من قبل نزول الآية ومن بعد – مثار تساؤلات حائرة بين الناس عن أصلها وحقيقة وجودها وعن آثارها وماهيتها وعن مصيرها بنهاية الحياة الدنيا وعن موقعها في دار القرار...
ونحن من جانبنا في هذا اللقاء سنجلي – بعون الله وتوفيقه – بعض دقائق ذلك إذ تجد في الكتاب – الذي أنزله الله تبياناً لكل شيء – بيان ما غاب عنا وغمض على أفهامنا واستعصى عن البيان شريطة الإقبال على مأدبة الله... مؤمنين بكل حرف فيه وكل كلمة وآية...
وقد وجدت في كتاب الله... أن علوم الإنسان كلها مكتسبة لقول الله... { وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } [النحل: 87]. وأن العلوم بعد ذلك تصل إلى قلب الإنسان بطرق ثلاث:
* الطريق الحسي للحصول على العلم المادي.. المكتسب عن طريق الحواس:
والعلم من هذا الطريق متاح للحيوان والإنسان فور الخروج إلى الحياة الدنيا ويجب التذكير بأن الحيوانات تقبل التعلم على اختلاف بينها في درجة التحصيل فمنها الصقر القناص والكلب المعلَّم وكلاب الحراسة.
ولكن الطريق الحسي ضيق ومحدود … ضيق لأنه يتعلق بالماديات فقط دون موجودات عالم الغيب والملكوت وضيق لأنه يتعلق بالظواهر والمظاهر دون الماهيات والحقائق … وضيق لأنه يتوقف على الحواس ثم إنه مفيد ومحدود بدقة الحواس وطاقاتها ومدى كل منها وغير ذلك مما هو موضوع دراسات علم وظائف الأعضاء في الحيوان وفي الإنسان …
فنحن نعلم أن عين الإنسان وأذنه (1) – بل كل حواسه – تستجيب لمتغيرات بيئية ذات شدة معينة بحيث لا تحس المؤثرات التي تقل عن ذلك أو تتجاوز مداه وشدته.
ثم إن الثقة في العلم المتحصل عن طريق الحواس: محل شك العلماء والفلاسفة وذلك لاختلاف الناس في إدراكاتهم الحسية ولتعرض أعضاء الحس وأدواته للمرض ( فقد لا ترى العين ضوء الشمس من رمد)... فوق أن العلم الحسي يتعرض بطبيعة الحصول عليه لظواهر الزيغ والطغيان فيما يصفه المختصون بظاهرة (خداع الحواس) وأثبته القرآن لكل من هم دون مرتبة الأنبياء والرسل: إذ نفاه عن خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم... { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى } [النجم: 17].
وفوق ذلك فليس للحيوان علم من غير طريق الحواس وقد قرر القرآن الكريم في ذلك قولاً فصلاً: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [الأعراف: 179].
لأن شأن الحواس أن تيسر مع الروح للإنسان طريقاً أوسع إلى علوم عقلية ومعارف قلبية لا يتحصل الحيوان عليها. رغم أن بعض أنواع الحيوان يفوق بني الإنسان في بعض نواحي العلم الحسي... فمن الحيوانات ما هو أحد بصراً أو أرهف سمعاً أو أدق شماً... ومنها ما يتحسس الزلازل والعواصف والبراكين.. قبل وقوعها... !!
ولكن علم الحيوان يقف عند حد العلم المادي لا يتخطاه إلى ما بعده لأن الحيوان لا يملك ما يكسب به علماً فوق ذلك ومنه الطريق الثاني للعلم..
* العلم عن طريق الاستدلال العقلي:
لاكتساب علوم ومعارف تتجاوز طاقات الحواس وتتخطى قدرات الحيوان لأن العلم بالاستدلال يتحصل للناس باستنباط نتائج وعلاقات غير محسوسة من مقدمات محسوسة فهو استدلال بالمشهود على الغائب.
ورغم أن هذا الطريق للعلم متاح لكل بني الإنسان إلا أن الفائدة منه تعظم لكل من يحسن استخدام آلاته … فمن الناس من يحسن الاستدلال عقلاً ومنهم من لا يتخطى المعلومة الحسية والمثل المشهور على أهمية هذا الطريق للإنسان وعلى فضل من يحسنون السعي خلاله: هو استنباط أن الأرض كروية وذلك بعد طول اعتقاد راسخ بكونها مسطحة وأن حافتها تنتهي إلى بحر الظلمات… وغيره من الخرافات !!
فقد استدل بعض الناس ببعض المشاهدات الحسية المتاحة للجميع على أن الأرض الممتدة أمامهم لا يمكن أن تكون مسطحة – بحسب التصور السائد وقتها – وأن الشكل الكروي، يتوافق مع المشاهدة العديدة مثل: ظاهرة الأفق وما نراه عند نهاية البصر … من انطباق السماء على الأرض. ثم ما نراه من امتداد الأفق.. كلما سرنا في اتجاهه وظهور خط أفق جديد.. لا ينتهي إلى حافة الأرض المسطحة..
ومن المشاهدات أيضاً: ظاهرة ظهور أعالي السفن القادمة إلى الموانئ قبل أسافلها واختفاء أسافل السفن الراحلة قبل أعاليها … ومشاهدات أخرى عديدة.. تجمعت هذه المعلومات حتى أصبحت كروية الأرض معلومة عقلية.. دل عليها النظر السليم واستنباط معلومة غير مشهودة … ( لا تدركها الحواس مباشرة).. من مقدمات وشواهد مادية بسيطة.
ثم ثبت بعد ذلك صحة الاستدلال على كروية الأرض وتحول التصور عن ذلك من معلومة عقلية إلى معلومة حسية … شاهدها رواد الفضاء بأعينهم في رحلاتهم إلى الفضاء الخارجي إذ وجدوا الأرض كرة معلقة في السماء ورأينا نحن صورها.
فيمكن للإنسان – بهذه الملكة – أن يحّكِم عقلاً.. بوجود ما لا تدركه الحواس وأن يحّكِم عقلاً – ضد ما تدركه الحواس: القاصرة بطبعها -: يكون السراب سراباً.
والمثل الذي أورده القرآن: أشد وضوحاً ودلالة – وهو حركة الظلال – يقول الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } [الفرقان: 45-46]. فكل منا يحكم – دائماً – أن ظل الأشياء يتحرك رغم أن العين لا تبصر له مداً ولا قبضاً. ولكنه الحكم بالاستدلال.. استنباطاً ! من جمع مشاهدتين أو أكثر.. عن موضع الظل – في أوقات متلاحقة..
ولكن الاستدلال والاستنباط يتوقف على موجودات مادية: هي المقدمات والشواهد التي يتبنى عليها ويتوقف على من يحسن الاستدلال... ويتوقف على سلامة الاستدلال وتحريف الواقع.
وقد بث الله آيات كونية.. لتدل الناس عليه: (سبحانه وتعالى) وعلى وحدانيته ولكن كثيراً من الناس.. معرضون فلا يستدلون بالظواهر والآثار على الجواهر والحقائق ولا يعتبرون بالوقائع ولا يتذكرون ما ورائها من مقاصد ودوافع { وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [يوسف: 105]. وهؤلاء بالطبع محرومون من سبيل واسع إلى علم يفيدهم.. دنيا وآخرة.
وقد مدح الله الذين يستدلون بآيات كونه ويستنبطون من آيات قرآنه علوماً كثيراً اكتسبوها هم من الشواهد المتاحة لكل الناس: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83]. فالذين يقدرون على الاستنباط يكتسبون وحدهم علماً لا يكسبه غيرهم.. من ذات البيانات والآيات والمشاهدات المتاحة.
* طريق النبأ والخبر الصادق:
أما الطريق الثالث فهو الطريق الأوسع للعلوم والمعارف الإنسانية التي تكتسب عن طريق النبأ والخبر الصادق.. مسموعاً ومقروءاً ووحياً إذ يتعلق بالعلم عن الماضي، وإن تلاشت آثاره وشواهده: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 6-8] … وبالغيب الحاضر.. مكاناً وزماناً: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } [الطلاق: 12]… وبالغيب الآتي حتماً: { يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } [الأنبياء: 104].
فقد حددت الآية نهاية الكون على سبيل اليقين في مقابل ظن العلماء وتخميناتهم عن التوسع اللا نهائي له أو نهايته بالانسحاق العظيم أو عن طريق نظرية الأكوان المتجددة … إلى ما لا نهاية ويتعلق كذلك بالغيب المطلق: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11].
والإنسان لا يكتسب هذا العلم إلا بثقة في المخبر به حيث لا دليل على صحة الخبر إلا صدق المخبر والمنبئ وهذا هو الإيمان فمن آمن بكلام الوحي: فقد كسب علماً يقينياً واسعاً لا طريق له غيره وهو لا يتاح لغير المؤمن ومن ذلك علم المؤمنين عن الملائكة واليوم الآخر وعن الميزان والصراط وكتاب الأعمال وعن العرش والكرسي واللوح المحفوظ والقلم وعن الجنة والنار وعن الواحد القهار سبحانه وتعالى …
وعلم الناس بالروح:لا يقع إلا من هذا الطريق فهي لا تدرك ذاتاً بالحواس ولا تقاس إنما فقط توصف بآثارها التي وردت في نصوص الوحي المعصوم.. قرآناًً وسنة.
والعلم عن طريق النبأ والخبر الصادق يتيح للمؤمن علماً لا شكّ فيه في مقابل الاستدلال والعلم عن الطريق الحسي الذي لا يتيح إلا ظناً واحتمالات وذلك لطبيعة الحواس وما يظهر لها من الأشياء لا يقين للناس فيها { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } [الروم: 7]. فلا يمكن الوقوف بعلم عن الروح.. بعيداً عن الوحي المحفوظ. فمن آمن بكلام الوحي عنها فقد كسب بإيمانه علماً.. لا طريق له غيره ولا طريق لغيره إليه إلا إذا آمن بما آمن به وذلكما عبر عنه القرآن بالآية: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } [الإسراء: 85].
ولا يُفهم من الآية إلا أنها تحمل الرد على سؤال وجه إلى الرسول عن الروح فنزلت الآية تحمل خبر السؤال وتحمل الرد لا تحمل النهي عن البحث فيها والرد محصور ولا شك في كلمات القرآن: { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [الإسراء: 85] إضافة إلى ما يفهم ضمناً عن قناعة المتحاورين بالرد وأن الذي يعلمه الإنسان قليل قليل: نسبة إلى ما لا يعلمه.. { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف: 76].
من ثم نبحث في كلمة القرآن: { أَمْرِ رَبِّي } إيماناً بها واهتداء بقرآن الله إلى العلم في آياته وكلماته لنجد أنها تشير إلى عالم مستقل عن الموجودات هو عالم الأمر ولنجد في آيات القرآن – كذلك – فارقاً فاصلاً بين عالم الخلق وعالم الأمر.
وأوضح مثال لتأصيل الفرق بينهما هو ظاهرة الليل والنهار التي تنتج عن دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس … فالأرض والشمس أجرام مخلوقة من مادة ذات تركيب وكثافة وحجم وكتلة … وقد خلق كل منهما على مراحل – أما الدوران الذي ينتج عنه الليل والنهار فهو أمر الله للأرض أن تدور حول نفسها أمام الشمس … فالليل والنهار – على ذلك – من موجودات عالم الأمر وهي موضوع علم أوسع كثيراً من العلم عن عالم الخلق والشهادة: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً } [الإسراء: 85].
ويقع عالم الأمر ويتحقق وجوده في الواقع من لا شيء وفي لا زمن وإنما فقط بكلمة الله.. (كن) والتي تعني إيجاداً بالأمر.. لكائنات وإيقاعاً.. لأحداث وظواهر: لا تصنف ضمن موجودات عالم الخلق والشهادة.
وقد جمع الله الخلق والأمر وباين بينهما – كعوالم مختلفة – في آية الأعراف.. { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف: 54]… والروح أحد كائنات عالم الأمر.. { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي }.
والمتدبر لآيات القرآن الكريم يجد التعبير عن عالم الأمر واضحاً – على مرّ الآيات والسور – بكلمات لا تعني الخلق على مراحل من مادة كالتصوير والتشكيل والتحويل.. خلقاً من بعد خلق – وإنما تعني الإيجاد المباشر بالأمر مثل: جعل أنشأ كتب سخر..
والآيات كثيرة منها قول الله تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً } [الملك: 15]… بعد أن خلقها بما قدره فيها من ظروف مناخية مواتية وما جعله لها من عوامل فيزيائية وكيماوية وجغرافية.. تقع في مستوياتها المثلى فتكون الأرض زلولاً لبني الإنسان وكذلك الآية: { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالاً … } [النحل: 81]. بأمره للضوء أن يسير في خطوط مستقيمة … ويجعل بعض المخلوقات كثيفة المادة تحجب الضوء فتكون ظلالاً.. ومثل الآية: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً … } [الروم: 21].
وبمثل ذلك عبر القرآن عن حدث إطلاق الروح في بدن الإنسان المعدّ لها بكلمات … {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي … } [الحجر: 29]. { وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ … } [السجدة: 9]. وفصلت ذلك آية (سورة المؤمنون) وبإعجاز لا يدرك الناس منتهاه: { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 14].
ونجد مثله في حديث ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يجمع أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يأمر الله ملكاً فينفخ الروح فيه ) متفق عليه.
الروح:إذن من عالم الأمر وعنصر وجودها هو النور... والروح نور على نور ولكنها تعمل في الإنسان من خلال بدنه المظلم الكثيف.. زمن وجوده في الحياة الدنيا: { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ } [الزمر: 6].
ولقد كان للروح وجود أسبق ككائن حي مستقل الوجود قبل نفخها في البدن – وتلك مرحلة الذرّ من أطوار الإنسان –. فقد كانت تعي الوجود وتدرك الإيمان وتشهد الوحدانية وتفهم الشرك وتنكره بل شهدت لربها وآمنت به رباً وإلهاً واحداً.. { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا... } [الأعراف: 172].
ولها بعد حياة البدن في الدنيا وجودها المستقل عن البدن طوال مرحلة البرزخ حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نسمة المؤمن معلقة في قناديل تحت العرش ) ويقول: (أرواح الشهداء في حواصل طير خضر )... ويقرر القرآن: { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران: 169].
لقد جمع الله في كل إنسان – طوال حياته الدنيا – بين عالم الخلق.. فمثلاً في بدنه المكون من ذرات عناصر الأرض وبين عالم الأمر... بنفخة الروح التي حلت نوراً من أمر الله ونفخة من روحه في البدن المخلوق طيناً.
تلهم الإنسان معرفة ربه وتدله على الغاية والمنتهى وتقوده بالتقوى إلى بلاد الأفراح في دار القرار إذ ألهم الله كل نفس – بالروح – تقواها فتشهد بـ ( لا إله إلا الله)... ما ليس غريباً عليها إذ شهدت قديماً يوم أقرت: { بَلَى شَهِدْنَا... } [الأعراف: 172].
ومن يعيش حياته الدنيا مهملاً جانب النور فيه – ملبياً غرائز النفس وشهواتها الأمارة بالسوء، فإنه وأمثاله يقضي حياته الدنيا: { يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } [محمد: 12]. إذ أهمل نور روحه وطغت نفسه الأمارة وطغى بها وآثر الحياة الدنيا من ثم... { فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى } [النازعات: 39]. { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } [النازعات: 40]... من ثم ندعو بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم آتي نفسونا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ) رواه مسلم.
اللهم علمنا من القرآن ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله لنا حجة يا رب العالمين...
دكتور / محمود خطاب

الهوامش:
(1) العين البشرية: لا تري الأشعة تحت الحمراء فما دونها ولا الأشعة فوق البنفسجية فما فوقها والأذن البشرية لا تسمع ترددات موجات الصوت الأقل من 20 ذبذبة في الثانية ولا تسمع التي تتجاوز تردداتها.. (30. 000) وحدة في الثانية.

القلب الحزين 18-01-2008 06:44 PM

فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد


http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...28wince%29.jpgبقلم البروفسور بلخير حموتي
عضو الهيئة المغربية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
العين هي آلة الإبصار، ومن خلالها نكتشف العالم حولنا. وبها تتم القراءة والعمل ومشاهدة الأفلام والتلفاز، وممارسة الألعاب، إلخ... ويبلغ قطر مقلة العين البشرية حوالي 25 ملم فقط، ومع ذلك تستطيع العين رؤيةالأجسام البعيدة جدًا، مثل النجم أو الأجسام متناهية الصغر، مثل حبة الرمل. وفيإمكان العين تعديل بؤرتها بسرعة بين النقطة البعيدة والقريبة. وتتجه العين صوب أيجسم بدقة حتى لو كان الرأس في حالة حركة. والعين لا ترى الأجسام حقيقة، ولكنها ترى الضوء المنعكس أو الصادر منها. ويمكن أنترى العين في الضوء الساطع وفي الضوء الخافت، لكنها لا ترى في الظلام التام. وتنفذالأشعة الضوئية إلى العين من خلال نسيج شفاف. وتحول العين الأشعة إلى إشاراتكهربائية، ثم ترسل هذه الإشارات إلى الدماغ الذي يفسرها على شكل صور مرئية[1].
وقد هيأها البارئ جل جلاله فقط لاستقبال الضوء المرئي من اللون الأحمر إلى اللون البنفسجي (visible light) وهي الألوان التي نراها في قوس قزح رغم الأنواع الكثيرة للضوء الكهرومغناطيسي والتي تتميز بطول الموجة أو التردد.
http://www.55a.net/firas/ar_photo/1180318827eeeee.jpgالشكل التالي يبين أطوال الموجات الضوئية التي تراها عين الإنسان
لهذا تغيب عنا كثير من الأشياء الضوئية (النورانية) التي لا ندركها إلا من خلال الكشف المخبري عبر الآلات، فمثلا لا ندرك الأشعة السينية، ونحن أمام التقني في المختبرات الطبية، ولا نشعر بالأشعة التي تحمل الأخبار للهواتف النقالة، ولا تلك التي تغزو عالمنا عبر الأقمار الصناعية، والتي لا ندركها إلا من خلال استقبال جهاز "الريسفر" عبر شاشات التلفزة.
إنها العين التي صممت بهذه الدقة الرائعة، والتي ترى فقط الجزء اليسير والمسموح به من النور، والكثير الممنوع هو ما لا ندركه.
لهذا يشير قول الله عز وجل مخبرا عن الشيطان: "إنه يراكم هو وقَبيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُم" سورة الأعرافالآية 27. وقد جاء في تفسير مفاتيح الغيب، التفسير الكبير للإمام الرازي (ت 606 هـ): أن الله تعالى يقوي شعاع أبصار الجن ويزيد فيه، ولو زاد الله في قوة أبصارنا لرأيناهم كما يرى بعضنا بعضاً ...
وكذلك لما عرّف العلماء الملائكة بأنهم مخلوقات نورانية لا نراها وتدخل في أركان الإيمان، ونحن أيضا لا نرى الملكين: رقيب وعتيد اللذين يلازماننا، ولا الملائكة السيٌارين الذين يلتمسون حِلَقَ الذِّكْرِ، ولا كثيرا ممن يحيط بنا، وكل يوم يدرك الإنسان أنه قاصر القوى، ضعيف في بصره وسمعه وقوته... وكل هذا من الغيب الذي نؤمن به ويستشعره المؤمن الذي وصفه الله بقوله في كثير من المواضع في كتابه العزيز:{ ... والذين يؤمنون بالغيب... }.
لذا قال الحق تبارك وتعالى مخبرا عن الموت وأهواله وحالة الاحتضار في سورة ق { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } الآية 22.
وقد جاء في تفسير مفاتيح الغيب أيضا قوله: "والخطاب عام، أما الكافر فمعلوم الدخول في هذا الحكم، وأما المؤمن فإنه يزداد علماً، ويظهر له ما كان مخفياً عنه، ويرى علمه يقيناً، رأى المعتبر يقيناً، فيكون بالنسبة إلى تلك الأحوال، وشدة الأهوال كالغافل... والغفلة شيء من الغطاء كاللبس وأكثر منه، لأن الشاك يلتبس الأمر عليه، والغافل يكون الأمر بالكلية محجوباً قلبه عنه وهو الغلف.
وقوله تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ}أي أزلنا عنك غفلتك {فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ}وكان من قبل كليلا،أي ضعيفاوإليهالإشارة بقوله تعالى. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الناس في غفلة فإذا ماتوا انتبهوا" الحلية لأبي نعيم.
وهذا لعوام الناس، أما أصحاب النفوس الزكية فقد رسخ الإيمان عندهم، وفي هذا المقام قال السيد الضرغام الأمير الهمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "لو كُشف الغطاء ما ازددت يقينا" كما جاء في تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن للبقلي (ت 606 هـ).
وهذا غيض من فيض مما قاله المفسرون والعلماء جزاهم الله خيرا.
وتبقى العين المحبوسة في المسموح حتى يمدد لها في اللامسموح لترى جزءا منه، وحالة الاحتضار وما بعده، عندما يرى المرء مكانه في الجنة والنار، ويرى عمله على هيئة رجل، فإذاكان محسناً في الدنيا مطيعاً لربه، مسارعاً في الخيرات، يأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: منأنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح."مسند أحمد،ص389/4.
وأما إن كان مسيئاً في الدنيا عاصياً لربه، مسارعاً في المحرمات،يأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومكالذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث."مسند أحمد ، ص389/4.
والنتيجة أن الله تعالى قد زودنا بأجهزة إبصار تعمل في مجال محدد وقد اختار الله لعمل هذه الأجهزة أي العيون مجالاً محدداً لأن الله تعالى يريد أن يجنبنا الإشعاعات الضارة التي لا نراها، ولو كنا مثلاً نرى الأشعة تحت الحمراء لن نرى أي جسم رؤية واضحة بل سنرى هالات حمراء تحيط بكل الأجسام، ولذلك فمن رحمة الله أنه حدد لنا مجال الرؤيا بحيث نكون في أفضل الحالات، وهذه نعمة لن ندركها حتى ينكشف عنا الغطاء الذي حجب الله به رؤية كثير من الإشعاعات، وهذا سيكون يوم القيامة، والله تعالى أعلم.
Prof. B. Hammouti
Lab. Chim. Appliquée & Environnement
Faculté des Sciences

القلب الحزين 18-01-2008 06:45 PM

مواقيت الصلاة..والساعة البيولوجية


http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...773muslim2.jpgد. حسني حمدان
أستاذ علوم الأرض في جامعة المنصورة
الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين. هكذا علمنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وهي راحة عبر عنها رسولنا الكريم حينما أمر سيدنا بلال قائلاً: "أرحنا بالصلاة يا بلال" وحينما قال "جُعلت قرةُ عيني في الصلاة. وهي مِعراج المسلم يناجي فيها ربه. وتسمع النداء في الأذان يتردد: الصلاة خير من النوم. والصلاة لوقتها. وخير أوقات الصلاة هي بداية وقتها. وخير صفوفها الصف الأول. وهي أي الصلاة كانت علي المؤمنين كتاباً موقوتا. والجوانب الإيمانية والروحية في الصلاة يعرفها علماء الدين أكثر مني. ولكني هنا أشير إلي الراحة في الصلاة من جانبها المادي.. راحة البدن من خلال مقالتين قرأتُهما في مجلة الإعجاز العلمي التي تصدرها الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسُنة برئاسة أ.د عبد الله بن عبد المحسن التركي وأمينها العام د. عبد الله بن عبد العزيز المصلح جزاهما الله خيراً علي ما يقدمانه لخدمة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة. والمبحث الأول عن أثر الصلاة علي كفاءة الدورة الدموية بالدماغ للدكتور/ علي عبد الله محمد نَصْرت. والبحث الثاني عن هدي الإسلام وإيقاع الساعة البيولوجية.
أولاً: الصلاة ودورة الدم بالدماغ
يقول تعالي: "قد أفلح المؤمنون ہ
الذين هم في صلاتهم خاشعون" "المؤمنون 1-2".
ويقول أيضاً: "والذين هم علي صلواتهم يحافظون ہ أولئك هم الوارثون" "المؤمنون 9-10".

والصلاة إقامة كما تشير معظم آيات القرآن التي ترد فيها كلمة الصلاة. وقد لوحظ أن المحافظين علي صلواتهم الدائمين عليها يحتفظون ببنيان جسمي وعقلي سليم إلي حد بعيد وحتى عمر متقدم.. وكأن الحكمة تقول لكي تستمتع بشيخوخة سعيدة حافظ علي صلاتك من صغرك. وانظر حولك وقارن بين درجة التمتع بالصحة العامة لمن يحافظون علي صلواتهم وبين المفرطين في الصلوات. وستجد النتيجة في صالح الفريق الأول» فقد داوموا علي صلاتهم منذ الصغر فحفظ الله شيخوختهم في الكبر.
وقد خلصت الدراسات العلمية المتعلقة بالدورة الدموية بالدماغ إلي الآتي:
أولاً: وجود دورة دموية احتياطية تعمل عند الضرورة بجانب وجود نظام تلقائي يعمل علي ضمان ثبات سريان الدم إلي الدماغ تحت الظروف المختلفة. ولحركات الصلاة من سجود وركوع وقيام تأثير عظيم علي دورة الدم في الدماغ. ويبدو ذلك التأثير جلياً حيث:
1- يتدفق الدم بيسر وسهولة إلى المخ أثناء السجود بفعل ميل الرأس إلى أسفل
. كما أن انطواء الجسم أثناء السجود يساعد علي توجيه الدم إلي الأعضاء الداخلية وإلي المخ.
ثانياً: يزداد معدل ثاني أكسيد الكربون في الدم
أثناء ميل الرأس إلي أسفل أثناء السجود وذلك نتيجة ضغط الأحشاء علي الرئتين. وزيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون تعتبر أحد العوامل التي تتحكم في تدفق الدم إلي الدماغ ومن هنا تتضح علة النظر إلى موضع السجود أثناء الصلاة وعدم رفع الرأس لأعلي أثناء الوقوف في الصلاة.
ثالثاً: المحافظة على نظام التوازن التلقائي للدورة الدموية بالمخ عن طريق تكرار ميل الرأس إلي أسفل أثناء الركوع والسجود ثم ارتفاع الرأس أثناء القيام والجلوس حتى لا يبلي هذا النظام بسرعة مع تقدم العمر.
رابعاً: تنظيم عمل دورة الدم حيث انه عند بداية السجود
يعاند النظام التلقائي تدفق الدم إلى الدماغ وهنا يمارس النظام الاحتياطي دورة ثم يلي ذلك نشاط النظام الأساسي الذي يعمل علي تدفق الدم إلي المخ. اذن فالسجود يحفظ النظام الاحتياطي من ان يبلي.
خامساً: جميع الرياضات قد تسبب ضرراً بالجسم نتيجة قلة ثاني أكسيد الكربون في الدم الناتج عن زيادة مرات التنفس أثناء التدريب وممارسة الرياضة. وتؤدي قلة ثاني أكسيد الكربون في الدم إلي قلة تدفق الدم في الدماغ. ولهذا سمعنا عن لاعب كرة مثلاً يموت فجأة في الملعب. وممارس رياضة ما يصاب بالإجهاد الشديد أثناء التدريب أو اللعب أما الصلاة فهي علي العكس من ذلك تماماً عظيمة الفائدة للجسد.
ثانياً: مواعيد الصلاة والساعة البيولوجية
حينما ينادي المؤذن لصلاة الفجر قائلاً: الصلاة خير من النوم. فليعلم المسلم انه مع أول ضوء للصبح علي موعد مع ثلاثة أحداث هامة:
أولاً: الاستعداد لاستقبال الضوء في موعده
مما يخفض من نشاط الغدة الصنوبرية وينقص الميلاتونين. وتنشيط العمليات الأخرى المرتبطة بالضوء.
ثانياً: نهاية سيطرة الجهاز العصبي
اللا ارادي "غير الودي" المهدئ ليلا وانطلاق الجهاز الإرادي "الودي" المنشط نهاراً.
ثالثاً: الاستعداد لاستعمال الطاقة
التي يوفرها ارتفاع الكورتيزون صباحا.
"الصلاة خير من النوم" فلا تكن كسولا خاملاً .
تعاند الساعة التي أودعها ربك في جسدك قم فأنت علي موعد مع فالق الاصباح الذي يقول:
"فالق الإصباح وجعل الليل سكناً.." "الأنعام 96". قم واستمع إلي قوله تعالي: "هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون" "يونس 67" وقم إلي صلاة الفجر فقد ذهبت احدي العورات الثلاث التي ذكرها الله تعالي في قوله: "يا أيها الذين آمنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء.." "النور 58" سبحانه سبحانه خصص الليل للسكون والراحة. والنهار للسعي والرزق. وجعل البركة في البكور. والبكور يبدأ مع صلاة الصبح: "الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن الله لذو فضل علي الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون" "غافر 61".

ش

القلب الحزين 18-01-2008 06:55 PM

أثر بحوث الإعجاز العلمي في بعض القضايا الفقهية





http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178323676adb1.jpg
أطوار خلق الإنسان


بقلم الدكتور عبد الجواد الصاوي
الباحث في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
شاع فهم بين كثير من علماء المسلمين السابقين والمعاصرين على أن زمن أطوار الجنين الأولى : النطفة والعلقة، والمضغ، مدته مائة وعشرون يوما ؛ بناء على فهم منطوق حديث جمع الخلق الذي رواه الإمام البخاري وغيره ؛ عن عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وهو الصادق المصدوق ) قال : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا يؤمر بأربع كلمات ويقال له : اكتب عمله ورزقه، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح ( 1 ) وبما أن الحديث قد أشار إلى أن نفخ الروح في الجنين يحدث بعد انتهاء زمن طور المضغة الذي ينتهي بنهاية الأربعين الثالثة حسب هذا الفهم، فعليه أفتى بعض علمائنا الأجلاء بجواز إجهاض الجنين وإسقاطه خلال الشهور الأربعة الأولى من عمره، بلا ضرورة ملجئة، لأن حياته في هذه الفترة حسب فهمهم حياة نباتية، لم تنفخ فيها الروح الإنسانية بعد، وقد ترسخ هذا الفهم عند البعض حتى أصبح كأنه حقيقة شرعية مسلمة. لكن هذا المفهوم لزمن أطوار الجنين الأولى وأنها تقع في ثلاثة أربعينات ؛ قد ثبت يقينا اليوم أنه يتعارض مع الحقائق العليمة المعتمدة في علم الأجنة الحديث مما جعل غير الراسخين في العلم من المسلمين يرددون مثل هذه الأحاديث ويشككون في صحتها، كما توهم بعض المحاربين للإسلام أن هذا الموضوع يعد خنجرا بأيديهم يمكن أن يطعنوا به سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
ولذلك أعد هذا البحث لبيان الحقيقة في هذه القضية، واعتمد في منهجه على ثلاثة أسس :
1- الدراسة الموضوعية لجميع نصوص القرآن والسنة الواردة في هذا الموضوع .
2- وصف أطوار الجنين من خلال فهم الدلالات اللغوية وأقوال المفسرين للألفاظ والآيات القرآنية، ثم للحقائق العلمية في علم الأجنة البشرية .
3- نفخ الروح في الأجنة يجب أن يخضع فهمه أساسا للنصوص الشرعية حيث تمثل الدليل القطعي فيها، أما الجوانب العلمية المتعلقة بها - إن وجدت - فهي أمر ثانوي ودليل ظني لا تقوم به حجة قاطعة في هذه القضية .
وقد أثبت البحث أن الوصف القرآني لأطوار الجنين الأولى وشرح المفسرين لهذه الأطوار، والتحديد الزمني الدقيق لها في السنة النبوية، تتوافق والحقائق العلمية في علم الأجنة الحديث . وأن أطوار النطفة، والعلقة، والمضغة، تقع كلها في أربعين يوما واحدة فقط . كما أجاب البحث على سؤال : متى تنفخ الروح في الجنين ؟ أبعد أربعين واحدة أم بعد ثلاثة أربعينات ؟.
ولذلك تمت معالجة البحث ضمن النقاط التالية :
أولا : الوصف الدقيق لأطوار الجنين المطابق للواقع في القرآن الكريم :
وصف القرآن الكريم أطوار الجنين، وصفا دقيقا من خلال إطلاق مسمى على كل طور له بداية ونهاية محددة، حيث يصف المظهر الخارجي للجنين، ويعكس عمليات التخلق الداخلية له في فترات زمنية متعاقبة.
قال الله تعالى :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " ( المؤمنون : 12، 14 ).
وسأذكر ملخصا للدلالات اللغوية وأقوال بعض المفسرين في كل طور ومطابقة ذلك للحقائق المستقرة في علم الأجنة الحديث .
أ- طور النطفة :

http://www.55a.net/firas/ar_photo/6/eggg.jpg
صورتان تبينان بداية انقسام البيضة الملقحة



تطلق النطفة على الماء القليل ولو قطرة وفي الحديث ( وقد اغتسل ينطف رأسه ماء ) رواه مسلم وقد أطلقها الشارع على مني الرجل ومني المرأة و في الحديث :(من كل يخلق من نطفة الرجل ونطفة المرأة ).
أ) رواه مسلم : قال الألوسي: والحق أن النطفة كما يعبر بها عن مني الرجل يعبر بها عن المني مطلقا.( 2 )
وقال ابن كثير : ثم صيرنا النطفة وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة .(3) كما أطلقها الشارع أيضا على امتزاج نطفتي الرجل والمرأة وسماها النطفة الأمشاج في قوله تعالى :" إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ " ( الإنسان : 2 ). وقد عرف المفسرون النطفة الأمشاج بأنها : النطفة المختلطة التي اختلط وامتزج فيها ماء الرجل بماء المرأة .(4) وهذه هي البيضة الملقحة بتطوراتها العديدة والتي لا تزال تأخذ شكل قطرة الماء ولها خاصية الحركة الانسيابية كقطرات الماء تماما . وينتهي هذا الطور بتعلق الكيسة الأريمية ببطانة الرحم في نهاية الأسبوع الأول من التلقيح ؛ وهي الصورة الأخيرة للنطفة الأمشاج والتي ما زالت تحافظ على شكل قطرة الماء بالرغم من تضاعف خلاياها أضعافا مضاعفة . وحينما يفقد هذا الطور حركته الانسيابية ويتعلق ببطانة الرحم يتحول إلى طور جديد هو طور العلقة .

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178323739adb2.jpg
الشكل يبين مراحل تطور البيضة الملقحة إلى أن تصل إلى أن تعلق بالرحم عند ذلك تسمى بالعلقة


ب- طور العلقة :
لهذا الطور عدة أشكال من بدئه وحتى نهايته . وكلمة علقة كما يقول المفسرون : مشتقة من علق وهو الالتصاق والتعلق بشيء ما(5). وهذا يتوافق مع تعلق الجنين ببطانة الرحم خلال الأسبوع الثاني. كما يطلق العلق على الدم عامة وعلى شديد الحمرة وعلى الدم الجامد ( 4).

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178323772adb3.jpg
مرحلة الإنغراس أو العلقة


وهذا يتوافق مع شكل الجنين في هذا الطور حينما تتكون لديه الأوعية الدموية المقفلة والممتلئة بالدماء خلال الأسبوع الثالث (شكل: 3) حيث يظهر نطفة دم حمراء جامدة .
والعلقة : دودة في الماء تمتص الدم، وتعيش في البرك، وتتغذى على دماء الحيوانات التي تلتصق بها والجمع علق. وقد وصف ابن كثير هذا الطور فقال : أي صيرنا النطفة علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة . (3/251)
فالجنين في نهاية هذا الطور كما يقول المفسرون : يكون على شكل علقة مستطيلة لونها شديد الحمرة لما فيها من دم متجمد . وهذا يتوافق مع الشكل الأخير لهذا الطور حيث يأخذ الجنين شكل الدودة التي تمتص الدماء
وتعيش في الماء ويشترك الجنين معها في قوة تعلقه بعائله والحصول على غذائه من امتصاص دمائه، والمدة الزمنية لهذا الطور هي من بداية الأسبوع الثاني وحتى نهاية الأسبوع الثالث من التلقيح .


http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178323960adb4.jpg
الجنين في على علقة مستطيلة تعتمد في غذائها على مص الدم من غشاء الرحم





http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178324021adb5.jpg
مرحلة المضغة



جـ . طور المضغة :

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178324493adb6.jpg
جنين عمره 35يوماً


وفي بداية الأسبوع الرابع وبالتحديد في اليوم الثاني والعشرين يبدأ القلب في النبض وينتقل الجنين إلى طور جديد هو طور المضغة . وقد وصف المفسرون هذا الطور وصفا دقيقاً: فقال ابن كثير: مضغة : قطعة كالبضعة من اللحم لا شكل فيها ولا تخطيط قدر ما يمضغ الماضغ
تتكون العلقة (3/251). وقال الألوسي : قطعة لحم بقدر ما يمضغ لا استبانة ولا تمايز فيها (10/21). وهذا ما يتوافق مع الجنين في أول هذا الطور حيث يتراوح حجمه من حبة القمح إلى حجم حبة الفول ( 5.3 مم ) وهو القدر الذي يمكن مضغه، ويبدو سطحه من الخارج وقد ظهرت عليه النتوءات أو الكتل البدنية والرأس والصدر والبطن كما تتكون معظم براعم أعضائه الداخلية، ومع احتفاظه

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178324529adb7.jpg
جنين عمره من 38ـ 40يوماً


بالشكل الخارجي المشابه لمادة ممضوغة يصدق عليه أنه مخلق وغير مخلق. وها هو الوصف القرآني يقرر هذه الحقيقة قال تعالى :" ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ " (الحج : 5) . قال ابن كثير : مضغة قطعة كالبضعة من اللحم لا شكل فيها ولا تخطيط، ثم يشرع في التشكيل والتخطيط فيصور منها رأس ويدان وصدر وبطن وفخذان ورجلان وسائر الأعضاء . ولهذا قال تعالى :" ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ " أي كما تشاهدونها .(3/216) وقال الألوسي : والمراد تفصيل حال المضغة وكونها أولا قطعة لم يظهر فيها شيء من الأعضاء ثم ظهرت

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178324552adb8.jpg
جنين عمره 13 أسبوع وتظهر عليه عضلات الفخذ والساق بوضوح


بعد ذلك شيئا فشيئا (10/173). لذلك فالوصفان (مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) لا بد أن يكونا لازمين للمضغة. قال ابن عاشور : قوله تعالى :" مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ " صفة " مُّضْغَةٍ " وأن هذا تطور من
تطورات المضغة، وإذ قد جعلت المضغة من مباديء الخلق تعني أن كلا الوصفين لازم للمضغة (6). ويؤكد ذلك الرازي بقوله : يجب أن تحمل " مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ " على من سيصير إنسانا لقوله تعالى في أول الآية ( فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم ) (7). وفي هذا النص دلالة على أن التخليق يبدأ في هذا الطور وهو ما أكدته حقائق علم الأجنة في أن التخليق يبدأ من أول الأسبوع الرابع . وينتهي هذا الطور قبيل نهاية الأسبوع السادس حيث يبدأ الطور التالي في التخليق .

د. طور العظام :

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178324592adb9.jpg
الهيكل العظمى الغضروفى لجنين عمره ثمانية أسابيع


وذلك بتشكيل الجنين في هذا الطور على هيئة مخصوصة وإزالة صورة المضغة عنه واكتسابه صورة جديدة ؛ حيث يتخلق الهيكل العظمي الغضروفي، وتظهر أولى مراكز التعظم في الهيكل الغضروفي في بداية الأسبوع السابع، فيتصلب البدن وتتميز الرأس من الجذع وتظهر الأطراف.
قال ابن كثير في قوله تعالى " فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا " : يعني شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها (3/251). وقال الشوكاني : أي جعلها الله سبحانه وتعالى متصلبة لتكون عمودا للبدن على أشكال مخصوصة (3/483). وقال الألوسي : وذلك التصيير بالتصليب بما يراد جعله عظاما من المضغة وهذا تصيير بحسب الوصف ؛ وحقيقته إزالة الصورة الأولى عن المادة وإفاضة صورة أخرى عليها (10/21) ثم يبدأ الجنين الطور الأخير من التخليق وهو كساء العظم باللحم وفي هذا الطور يزداد تشكل الجنين على هيئة أخص . قال ابن كثير في قوله تعالى : " فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا " : أي جعلنا على ذلك ما يستره ويشده ويقويه . وقال الشوكاني : أي أنبت الله سبحانه على كل عظم لحما على المقدار الذي يليق به ويناسبه وكذا قال غيرهم(8).

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178324620adb10.jpg
مراحل تطور شكل الجنين


وهذا يتوافق مع ما ثبت في علم الأجنة من أن العظام تخلق أولا ثم تكسى بالعضلات في نهاية الأسبوع السابع وخلال الأسبوع الثامن من تلقيح البيضة وبهذا تنتهي مرحلة التخليق والتي يسميها علماء الأجنة بالمرحلة الجنينية . هذا وقد أكد علم الفحص بأجهزة الموجات فوق الصوتية أن جميع التركيبات الخارجية والداخلية الموجودة في الشخص البالغ تتخلق من الأسبوع الرابع وحتى الأسبوع الثامن من عمر الجنين، كما يمكن أن ترى جميع أعضاء الجنين بهذه الأجهزة خلال الأشهر الثلاثة الأولى .
ثم يبدأ الجنين بعد الأسبوع الثامن مرحلة أخرى مختلفة يسميها علماء الأجنة بالمرحلة الحميلية، ويسميها القرآن الكريم : مرحلة النشأة خلقا آخر . ولذلك يعتبر طور كساء العظام باللحم الحد الفاصل بين المرحلة الجنينية والحميلية .
هـ . مرحلة النشأة خلقا آخر :
تبدأ مرحلة النشأة في الأسبوع التاسع حيث ينمو الجنين ببطء إلى الأسبوع الثاني عشر ثم ينمو بعد ذلك بسرعة كبيرة . وتستمر هذه المرحلة حتى نهاية الحمل.
خصائص مرحلة النشأة:
تختص هذه المرحلة بعدة خصائص أهمها : تطور ونمو أعضاء وأجهزة الجنين وذلك بتهيئتها للقيام بوظائفها . كما تختص بنفخ الروح فيها عند جمهور المفسرين . قال ابن كثير: ثم نفخنا فيه الروح فتحرك وصار خلقا آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب (3/251). وقال الألوسي : أي مباينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعل حيوانا ناطقا سميعا بصيراً ( 10/22). كما تحدث أثناء هذه المرحلة التغيرات في مقاييس الجسم ويكتسب الجنين صورته الشخصية. وهو ما أشارت إليه الآيات :" الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ " الانفطار 8.7 وكلمة " سَوَّاكَ " تعني جعل الشيء مستويا ومستقيما ومهيأ لأداء شيء محدد . والتعديل في اللغة تعني التقويم وتعني كلمة " فَعَدَلَكَ " تغير الشكل والهيئة لتكوين شيء محدد . وكلمة صورة تعني هيئة أو ( شكل:9) وما ذكره القرآن الكريم هو ما قررته حقائق علم الأجنة ؛ فالتسوية تبدأ عقب عملية الخلق في المرحلة الحميلية أي بعد الأسبوع الثامن، حيث يستقيم الجنين وتتهيأ الأعضاء لأداء وظائفها، ويتخذ الجنين المقاييس الطبيعية ( التعديل ) . كما تتغير مقاييس الجسم وتتخذ ملامح الوجه المقاييس البشرية المألوفة، ويكتسب الجنين الصورة الشخصية له " التصوير" (10).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178324656adb11.jpgتتغير مقاييس الجسم وتتخذ ملامح الوجه المقاييس البشرية المألوفة، ويكتسب الجنين الصورة الشخصية له " التصوير
ثانيا : نصوص السنة تحدد زمن أطوار الجنين الأولى :
1. روى الإمام مسلم بسنده عن عبد الله ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال : أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح . ويؤمر بأربع كلمات : يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ). رواه مسلم
2. روى الإمام مسلم بسنده عن أبي حذيفة بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا مر بالنطفة اثنان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكا، فصورها وخلق لها سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال يا رب أذكر أم أنثى ؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ). رواه مسلم
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول أن الجنين يجمع خلقه في أربعين يوما، فما هو هذا الجمع للخلق ؟ تعني كلمة ( جمع ) في اللغة جمع الشيء عن تفرقة (11)، قال ابن حجر : والمراد بالجمع ضم بعض الشيء إلى بعض بعد الانتشار(12) . فما هو الشيء المنتشر المفرق الذي يضم بعضه إلى بعض لتحقيق تكون الخلق ؟

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178324694adb12.jpg
جنين عمره 13 أسبوع


إن هذه العبارة النبوية غاية في الدقة العلمية ؛ حيث يمكن استنتاج أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بها إلى انقسام وتكاثر الخلايا الجنينية الهائل والسريع في اتجاهات متفرقة، وعلى تمايز هذه الخلايا في طور العلقة، ثم تجمع خلايا كل عضو من أعضاء الجنين ليتم تكوينه وتخلقه في طور المضغة في صورة براعم أولية، ولا تنتهي الأربعون يوما إلا وخلايا جميع أعضاء الجنين المختلفة قد تمايزت وهاجر ما هاجر منها وتجمعت في أماكنها المحددة لها بعد أن كانت متشابهة وغير متمايزة في مرحلة التكاثر الهائل والسريع للخلايا الجنينية الأولية في الأسابيع الأولى .
كما أخبر ( في نفس الحديث أن أطوار الجنين الأولى ؛ العلقة والمضغة تبدأ وتكتمل أوصافها وتنتهي خلال هذه الأربعين . فالحديث يتكلم عن التحديد الزمني لقضيتين : الأولى جمع الخلق لخلايا أعضاء الجسم في صورة براعم أولية، والثانية : زمن أطوار الجنين ؛ العلقة والمضغة نصا والنطفة لزوما ؛ لأنه لا وجود لكلمة النطفة في الروايات الصحيحة .
والحديث بهذا اللفظ للإمام مسلم يختلف عن حديث الإمام البخاري في زيادة عبارة ( في ذلك ) والتي صححت الفهم وأظهر التطابق التام مع حقائق علم الأجنة الحديث فأزالت شبه الزائغين وردت كيد أعداء السنة والإسلام إلى نحورهم .

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1178324723adb13.jpg
جنين عمره 9 أسابيع


بناء على هذه الرواية للحديث فخلق الجنين يجمع خلال الأربعين يوما الأولى من عمره .
وأطوار النطفة والعلقة والمضغة تقع وتكتمل كلها في خلال هذه الأربعين ؛ لأن لفظ ( في ذلك ) يعود إلي الوقت، أي إلى الأربعين يوما، أما اسم الإشارة في قوله ( مثل ذلك )، فلا بد أنه يعود إلى شيء آخر غير الوقت، ,أقرب شيء إليه هنا هو جمع الخلق . والمعنى إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما . ثم يكون في ذلك ( أي في ذلك العدد من الأيام ) علقة ( مجتمعة في خلقها ) مثل ذلك ( أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين )، ثم يكون في ذلك ( أي في نفس الأربعين يوما ) مضغة ( مجتمعة مكتملة الخلق المقدر لها ) مثل ذلك، ( أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين يوما ) . وذلك من ترتيب الإخبار عن أطوار الجنين لا من ترتيب المخبر به .
كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني أن الجنين قبل اليوم الثاني والأربعين لا يمكن تمييز صورته الإنسانية ولا تخلق أجهزته بصورة تامة إلا بعد هذا التاريخ، فالحديث يشير بوضوح إلى أن تشكيل الجنين بتصويره وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظامه
وتمايز أعضائه الجنسية لا يحدث إلا بعد اليوم الثاني والأربعين .

يتبع


القلب الحزين 18-01-2008 06:57 PM

أثر بحوث الإعجاز العلمي في بعض القضايا الفقهية

ثالثا: حل الخلاف في فهم الحديث:
كان للشيخ عبد المجيد الزنداني وهو على رأس الباحثين في الهيئة فضل السبق في التوفيق بين الأحاديث الواردة في هذا الموضوع وحل الخلاف في فهمها والانتصار لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان أوجه الإعجاز العلمي فيها.
وقد اتضح بالأدلة الشرعية والحقائق القطعية بأن القول بأربعين لكل طور من أطوار النطفة والعلقة والمضغة قول غير صحيح للأدلة التالية:
1. روى حديث ابن مسعود السابق كل من الإمامين البخاري ومسلم ولكن رواية مسلم تزيد لفظ ( في ذلك ) في موضعين قبل لفظ ( علقة ) وقبل لفظ ( مضغة ) وهي زيادة صحيحة تعتبر كأنها من اصل المتن جميعا بين الروايات . وعلى هذا تكون الرواية التامة لألفاظ الحديث كما هي ثابتة في لفظ مسلم(10).
2. ذكر القرآن الكريم أن العظام تتكون بعد طور المضغة، وحدد النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة أن بدء تخلق العظام يكون بعد ليلة الثانية والأربعين من بدء تكون النطفة الأمشاج ؛ وبالتالي فالقول بأن العظام يبدأ تخليقها بعد مائة وعشرون يوما يتعارض قطعا مع ما أثبته حقائق علم الأجنة الحديث من أن تكون العظام يبدأ بعد الأسبوع السادس مباشرة، وليس بعد الأسبوع السابع عشر مما يؤيد المعنى الواضح الظاهر لحديث حذيفة (10).
وقد نبه على هذا التعارض الواضح مع الحقائق العلمية الواقعة لأطوار الجنين علماؤنا الأجلاء السابقون فقال ابن رجب الحنبلي : بعدما أورد حديث ابن مسعود برواية الإمام أحمد والتي تشبه رواية البخاري فضعف متنه وسنده حيث قال : ورواية الإمام أحمد تدل على أن الجنين لا يكسى إلا بعد مائة وستين يوما، وهذا غلط لا ريب فيه، وعلى ابن زيد هو ابن جدعان لا يحتج به (13).
وقال في موضع آخر : وظاهر حديث ابن مسعود يدل على أن تصوير الجنين وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظامه يكون في أول الأربعين الثانية، فيلزم من ذلك أن يكون في أول الأربعين الثانية لحما وعظما(13).
3. التعارض مع الوصف القرآني لأطوار الجنين حيث لا ينطبق التفسير للوصف القرآني مع الطور الموصوف ؛ فالجنين في اليوم العشرين أو التاسع والثلاثين لا يمكن وصفه كقطرة الماء ويختلف في شكله وحجمه عنها على وجه القطع .
والجنين في اليوم الستين أو السبعين لا يمكن وصفه بأنه على شكل الدودة التي تعيش في البرك وتمتص الدماء أو أنه يظهر على شكل قطعة دم جامدة حيث يكون الجنين في هذه الفترة قد تشكل وتطور وتم خلق جميع أعضائه . والجنين بعد اليوم الثمانين وإلى اليوم المائة والعشرين لا يمكن وصفه بحال مضغة لا شكل فيها ولا تخطيط وأنه مخلق وغير مخلق حيث تكون أجهزة الجنين نفسه في منتهى الحيوية والنشاط ويمارس جميع حركاته وانفعالاته.
2. رواية الإمام مسلم تحل الخلاف :
إنه لما كان اسم الإشارة في قوله " مثل ذلك " لفظا يمكن صرفه إلى واحد من ثلاثة أشياء ذكرت قبله في الحديث، وهي : جمع الخلق، وبطن الأم، وأربعين يوما ؛ فهو لفظ مجمل يحمل على اللفظ المبين للمقصود من اسم الإشارة في قوله، والذي يبين لنا ذلك حديث حذيفة الذي يمنع مضمونه أنه يعود اسم الإشارة على الفترة الزمنية ( أربعين يوما ) لأن النص المجمل يحمل على النص المبين حسب قواعد الأصوليين ولا يصح أن يعود اسم الإشارة على ( بطن الأم ) لأن تكراره في الحديث لا يفيد معنى جديدا وسيكون حشوا يتعارض مع فصاحة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا كان اسم الإشارة في الحديث لا يصح إعادته إلى الأربعين يوما الأولى، ولا إلى بطن الأم، فيتعين بناء على ذلك أن يعود اسم الإشارة في قوله ( مثل ذلك ) على جمع الخلق، لا على الأربعينات، وهو ما توصل إليه وحققه ابن الزملكاني في القرن السابع الهجري واستنتج من ذلك أن النطفة والعلقة والمضغة تتم خلال الأربعين يوما الأولى(10 ).
قال ابن الزملكاني : ( وأما حديث البخاري فنزل على ذلك، إذ معنى يجمع في بطن أمه، أي يحكم ويتقن، ومنه رجل جميع أي مجتمع الخلق . فهما متساويان في مسمى الإتقان والإحكام لا في خصوصه، ثم إنه يكون مضغة في حصتها أيضا من الأربعين، محكمة الخلق مثلما أن صورة الإنسان محكمة بعد الأربعين يوما فنصب مثل ذلك على المصدر لا على الظرف . ونظيره في الكلام قولك : إن الإنسان يتغير في الدنيا مدة عمره ثم تشرح تغيره فتقول : ثم إنه يكون رضيعا ثم فطيما ثم يافعا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا ثم هرما ثم يتوفاه الله بعد ذلك . وذلك من باب ترتيب الإخبار عن أطواره التي ينتقل فيها مدة بقائه في الدنيا .
ومعلوم من قواعد اللغة العربية أن ( ثم ) تفيد الترتيب والتراخي بين الخبر قبلها وبين الخبر بعدها، إلا إذا جاءت قرينة تدل على أنها لا تفيد ذلك مثل قوله تعالى :" ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ثم آتينا موسى الكتاب .. ) ومن المعلوم أن وصية الله لنا في القرآن جاءت بعد كتاب موسى، ف( ثم ) هنا لا تفيد ترتيب المخبر عنه في الآية . وعلى هذا يكون حديث ابن مسعود : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك ( أي في ذلك العدد من الأيام ) علقة ( مجتمعة في خلقها ) مثل ذلك ( أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين ) ثم يكون في ذلك ( أي في نفس الأربعين يوما مضغة مجتمعة مكتملة الخلق المقدر لها ) مثل ذلك أي مثلما اجتمع خلقكم في الأربعين يوما (14)1هـ
وعلى هذا يتضح أن معنى ( في ذلك ) في حديث عبد الله بن مسعود لا يمكن أن يكون مثلية في الأربعينات من الأيام . فينبغي فهم حديث ابن مسعود برواية البخاري بما ينسجم مع رواية مسلم ومع الأحاديث الأخرى المتعلقة بالموضوع . وينبغي التنبيه على أن هناك كلمة أدرجت في رواية البخاري عمقت المفهوم الخاطيء لأطوار الجنين وهي كلمة نطفة في الجمل الأولى من الحديث : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة .. الحديث ) فكلمة نطفة غير موجودة في رواية البخاري فضلا عن عدم وجودها في أي رواية صحيحة .
رابعا : متى تنفخ الروح في الجنين ؟ أبعد أربعين واحدة أم بعد ثلاثة أربعينات ؟
إن هذه القضية كما قلنا لا يفصل فيها العلم الحديث ولكن تفصل فيه النصوص الشرعية . ولا يوجد فيما أعلم نص صريح وصحيح إلا حديث جمع الخلق الذي رواه البخاري و مسلم وغيرهما عن عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وهو الصادق المصدوق ) أن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ). رواه مسلم
وقد اتفق علماء المسلمين أن الجنين تنفخ فيه الروح بعد اكتمال طور المضغة، بناء على هذا النص النبوي الصريح . وبما أنه قد ثبت أن زمن المضغة يقع في الأربعين يوما الأولى، بنص رواية الإمام مسلم لحديث جمع الخلق، وحديث حذيفة بن أسيد ( إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون يوما ... الحديث وتوافق حقائق علم الأجنة الحديث مع هذه الأوصاف الشرعية لأطوار الجنين ؛ إذا فالروح تنفخ بعد الأربعين الأولى من عمر الجنين ليس قبل ذلك – بيقين . لكن متى يحدث ذلك بالضبط ؟ أبعد شهرين أم ثلاثة أم أربعة أو اقل أو أكثر ؟ لا أظن أن أحدا يستطيع أن يحدد موعد نفخ الروح على وجه الجزم واليقين في يوم بعينه بعد الأربعين يوما الأولى ! حيث لا يوجد فيما أعلم نص صحيح في ذلك .

لكن يمكن أن يجتهد في تحديد الموعد التقريبي استئناسا بقول الله تعالى : " ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ " (السجدة: 9) حيث يمكن أن يفهم منه أن الروح تنفخ في الجنين بعد التسوية، وبما أن التسوية تأتي بعد الخلق مباشرة لقوله تعالى :" الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ " . الانفطار فيمكن القول بأن الروح تنفخ في الجنين بعد مرحلة الخلق أي بعد الأسبوع الثامن من عمره أي في مرحلة النشأة خلقا آخر وهو استنتاج معظم المفسرين الذين قالوا إن طور النشأة خلقا آخر هو الطور الجنيني الذي تنفخ فيه الروح والتي لا يكون إلا بعد طوري العظام وكسائه باللحم كما نصت الآية الكريمة . ويعضد ذلك حرف ( ثم ) الذي يفيد التراخي في حدوث الفعل حينما ذكر مع نفخ الروح في حديث جمع الخلق حيث ورد ( ثم ينفخ فيه الروح كما في البخاري أو ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح كما في مسلم ).
وحيث أنه لا ينتهي الأسبوع الثامن إلا وجميع الأجهزة الرئيسية قد تخلقت وانتهى طور المضغة في الأربعين يوما الأولى من عمر الجنين وتميزت الصورة الإنسانية وسوى خلق الإنسان خلال هذه الفترة أو بعدها بقليل ؛ فعليه يمكن للروح أن تنفخ في الجنين بعد انتهاء عملية الخلق في الأسبوع التاسع أو العاشر أو بعد تميز الأعضاء التناسلية في الأسبوع الثاني عشر أو بعد ذلك ! والله أعلم .
لكن هل توجد علامات تدل على أن الجنين قد نفخت فيه الروح ؟ نعم يمكن أن يكون نوم الجنين علامة على نفخ الروح فيه قياسا على النائم الذي يتمتع بالحياة رغم أن الروح قد قبضت منه مؤقتا . أخذا من قول الله تعالى :" اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " الزمر: 42 .
كما يمكن أن تكون الحركات الإرادية دليلا على وجود الروح . وقد أشار لذلك بن القيم في وصفه الجنين قبل وبعد نفخ الروح فقال : كانت فيه حركة النمو والاغتذاء كالنباتات، ولم تكن حركة نموه واغتذاءه بالإرادة، فلما نفخت فيه الروح انضمت حركة حسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه (15).
وقد أثبتت الأجهزة الحديثة رؤية حركات جسم الجنين في وقت مبكر ؛ حيث يمكن أن تصور عند الأسبوع الثامن عندما يبلغ كيس الحمل 3 سم أو يبلغ طول الجنين حوالي 15 مم . كما يمكن أن ترى الحركات الجنينية التي تعبر عن حيوية الجنين مثل حركات التنفس وحركات الأطراف العليا وضربات القلب وحركات عدسة العين والبلع وحركات الأمعاء الدودية . كما رصدت الحركات التي تعبر عن نشاط الجنين مثل البلع وحركة اليد إلى الفم والمضغ وحركات اللسان وحركة اليد إلى الوجه ومص الأصابع ؛ والتي يمكن أن ترى عند الأسبوع السادس عشر ؛ أي قبل مائة وعشرين يوما فتأمل ! .
وتعتبر هذه الحركات انعكاسا غير مباشر لحالة الجهاز العصبي المركزي ؛ فكلما كانت هذه الحركات موجودة ومتوازنة، كلما كانت حالة الجهاز العصبي نشطة وسليمة .
وهكذا أثبت علماء الأجنة بهذه الأجهزة الدقيقة هذه الحقائق التي تؤكد في مجملها أن أطوار الجنين الأولى من النطفة والعلقة والمضغة، تحدث كلها خلال الأربعين يوما الأولى، ويجمع في كل منها خلق أعضاء الجنين وأجهزته في صورته الابتدائية خلال الأربعين يوما الأولى من عمره، وأن حركات الجنين الإرادية وبدء عمل وظائف الجنين الرئيسية تحدث في الأربعين يوما الثانية من عمره .
وعليه القول بأن مدة الأطوار الأولى للجنين من النطفة والعلقة والمضغة مائة وعشرون يوما ؛ فقول غير صحيح مناقض للحقائق العلمية بكل وضوح .
وبناء على كل ما سبق يمكننا القول بأن الجزم بعدم نفخ الروح إلا بعد أربعة أشهر قول ليس عليه دليل قطعي من النصوص الشرعية، بل مبني على فهم لحديث ظني الدلالة هو : رواية الإمام البخاري لحديث ابن مسعود ثم جاءت حقائق علم الأجنة الحديث معارضة لمفهوم هذه الرواية ومؤيدة لرواية أخرى لنفس الحديث ونفس الراوي رواها الإمام مسلم بزيادة بسيطة في المتن بينت القضية بوضوح لا لبس فيها وهذا يبطل الاحتجاج برواية البخاري في تحديد زمن أطوار الجنين الأولى .
وبالتالي يبطل الاحتجاج بالجزم بعدم نفخ الروح في الجنين قبل أربعة اشهر .
وعليه فإمكانية نفخ الروح في الأجنة قائمة في أي وقت بعد الأربعين يوما الأولى، في نهاية الأسبوع السابع، أو الثامن أو التاسع، أو حتى بعد أربعة أشهر وإن كان الراجح من النصوص أن الروح تنفخ بعد الأسبوع الثامن من التلقيح لدلالة النصوص الصريحة والصحيحة على ذلك . ولعدم وجود حديث واحد صحيح أو حسن، يصرح بأن الروح لا تنفخ في الجنين إلا بعد أربعة أشهر . ومما يؤكد ذلك الحقائق العلمية الثابتة في علم الأجنة ومن أهمها رؤية مراحل الجنين المختلفة منذ بداية تكونه، واكتمال خلقه وتصويره وقيام معظم أجهزته بوظائفها ورصد حركته الذاتية أو أنشطته البدنية قبل أربعة اشهر على وجه القطع .
وينبني على ذلك حرمة الإجهاض بعد الأربعين ؛ لأن الإجهاض محرم عند جمهور الفقهاء بعد نفخ الروح، ونفخ الروح يكون بعد طور المضغة , وطور المضغة يبدأ ويكتمل وينتهي خلال الأربعين يوما الأولى بيقين ؛ فعليه يرجح القول بحرمة الإجهاض بعد الأربعين يوما الأولى من بداية تلقيح البيضة وتكون النطفة الأمشاج . وتشتد الحرمة بعد مرحلة التخليق، أي بعد ثمانية أسابيع، وهي أشد بعد الشهر الثالث أو الرابع . والله أعلم
خامسا : أوجه الإعجاز العلمي في النصوص الشرعية:
1. وجه الإعجاز في حديث الأربعين :
يدل ظاهر الحديث أن خلق الإنسان يجمع في الأربعين يوما الأولى فلا تكاد تمر إلا وقد تمايزت وتجمعت خلايا كل عضو من أعضاء الجنين وتخلقت في صورة براعم، واجتمعت كلها في حيز لا يزيد عن سنتيمتر واحد . ثم يذكر الحديث وصف طوري العلقة والمضغة في هذه المدة من الزمن : ( ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ) . أي ثم يكون علقة مكتملة الخلق المقدر لها مثل ما اكتمل جمع خلايا خلق الإنسان في الأربعين يوما الأولى .
ويقرر العلم الحديث أن الجنين فيما بين اليوم الثامن والواحد والعشرين يأخذ صورة العلق المختلفة من تعلق شيء بشيء ومن ظهوره كقطعة دم جامد، حتى تكتمل صورته كصورة العلقة التي تسبح في البرك وتتعلق بالماشية في نهاية الأسبوع الثالث . ( ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ) حيث يأخذ الجنين شكل المضغة المستديرة المميزة بعلامات تشبه طبع الأسنان عليها . وبسطح غير منتظم، وتنتج الفراغات بين الكتل البدنية شكلا أشبه بالمادة الممضوغة . ويتجلى الإعجاز في التطابق بين الاسم والمسمى، مع أن الجنين من الصغر بحيث لا يزيد طوله عن قدر أنملة، والفترة الزمنية بين الأطوار قصيرة، وتقدير عمر الجنين قبل اكتشاف البيضة وارتباط دورة الحيض بها أمر غاية في الصعوبة . كما أن النطفة، والعلقة، والمضغة، التي ذكرها القرآن الكريم لم تكن معروفة أصلا في تلك الأيام . كذلك فإن الأعضاء الأساسية للجنين في الداخل تبدأ في التمايز والتخلق، وبالتدريج يأخذ الجنين شكل المضغة المخلقة وغير المخلقة (10).
2. وجه الإعجاز في حديث اليوم الثاني والأربعين :
هذا الحديث النبوي الشريف يتحدث عن خلق أعضاء السمع والبصر والعضلات وأعضاء الذكورة والأنوثة والتصوير الآدمي للجنين، ويحدد زمانها بيوم يبدأ بعده خلق أو استكمال خلق هذه الأجهزة لا قبله وهو ما أكدته الحقائق العلمية في علم الأجنة .
3. إشارة النصوص إلى مرحلتي التخليق والنمو :
تعتبر مرحلة تكون الأطوار الخمسة الأولى من طور النطفة الأمشاج، وحتى طور كساء العظم باللحم في المرحلة الأساسية في التخليق، والتي تسمى في المراجع الطبية بالمرحلة الجنينية . وقد أشار إليها حديث جمع الخلق في الأربعين يوما الأولى، وحديث اليوم الثاني والأربعين . كما يمكن بناء على هذين الحديثين أيضا تقسيم مرحلة التخليق زمنيا إلى قسمين : الأول : الأسابيع الستة الأولى بعد التلقيح وفيها تقع الأطوار الثلاثة الأولى وتتخلق أثناءها براعم أعضاء وأجهزة الجسم وذلك بتجميع خلايا الأعضاء وبداية عمل الخلق . والثاني : اكتمال خلق أجهزة الجسم في صورتها المعهودة حيث لا يتم ذلك إلا بعد الأسبوع السادس من عمر الجنين .
وأما مرحلة النمو واكتمال وظائف الأعضاء المخلقة، فهي التي تتميز بوجود علامات ترجح نفخ الروح، وتبدأ هذه المرحلة من أول الشهر الثالث وحتى نهاية الحمل، وتعرف في المراجع الطبية بالمرحلة الحميلية، وأشار إليها نص سورة المؤمنون :" ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ".
وقد أثبت علم الأجنة أن مرحلة التخليق تكون في الأسابيع الثمانية الأولى من عمر الجنين، ويتكون خلالها معظم أجزاء الأجهزة والتركيبات الجنينية المختلفة . وقسمها العلماء إلى طورين : طور انقسام وتمايز الخلايا الجنينية، وزمنه في الأسابيع الثلاثة الأولى أي : ( زمن طوري النطفة والعلقة ) وطور تكون وتشكل أعضاء الجنين وزمنه من الأسبوع الرابع وحتى نهاية الأسبوع الثامن ( زمن أطوار المضغة والعظام والكساء باللحم ) ولا تنتهي هذه الفترة إلا وقد تشكلت الملامح الأساسية للجنين .
وقد تطابقت المعلومات العلمية والدراسات الجنينية الحديثة، بعدما أصبحت حقائق مشاهدة مع ما ورد في القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم . فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم بكل هذه الحقائق ؟ ومن كان يجرؤ من البشر في زمنه عليه الصلاة والسلام، بل وبعد زمنه بعشرة قرون، أن يحدد تاريخا . باليوم . من عمر الجنين يفصل به بين مرحلتين مختلفتين تمام الاختلاف، بل ويذكر فيه تفاصيل لم تعرف إلا بعد أبحاث مضنية، وبعد تقدم وسائل المعرفة واختراع المجاهر الدقيقة !
قال تعالى :" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ " فصلت 53،54 .
المصدر : نص المحاضرة بحث أعده الدكتور عبد الجواد الصاوي وألقاه في مؤتمر الإعجاز العلمي في القرآن والسنة الذي عقد في الكويت عام 2006.
الهوامش والمراجع :
1. فتح الباري شرح صحيح البخاري 6/10303 كتاب بدء الخلق , باب ذكر الملائكة . رقم الحديث 03208 و6/363
2. الألوسي ( أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود ) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، المجلد العاشر، ص 172، 1414هـ / 1994م, دار الفكر –بيروت .
3. ابن كثير ( أبو الفداء اسما عيل بن كثير ) تفسير القرآن العظيم . المجلد الرابع ص 483 دار المعرفة – بيروت .
4. ابن كثير 4/ 483 والألوسي 16/ 262 .
5. لسان العرب 10/268267، الجوهري 4/529، مقاييس اللغة 4/125.
6. الشوكاني ( محمد بن على ) فتح القدير 1983م المجلد 3 ص442 دار الفكر، بيروت .
7. الطاهر بن عاشور. التحرير والتنوير ( 1984م). الدار التونسية للنشر.
8. الرازي ( الفخر )، التفسير الكبير . 12/9 دار الباز . مكة المكرمة . ابن كثير 3/251 والشوكاني 3/483 والمراغي 18/9 والألوسي10/21 .
9. المعجم الوسيط ص 588و 528 .
10. كيث مور وعبد المجيد الزنداني ومصطفى أحمد . وصف التخلق البشري طور العلقة والمضغة، بحث مقدم للمؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة،( 1408هـ 1987م، من كتاب علم الأجنة في ضوء القرآن والسنة، ط أولى، مطابع رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة .
11. لسان العرب لابن منظور 8/53
12. العسقلاني ( أحمد بن على بن حجر )، فتح الباري في شرح صحيح البخاري 11/488. دار المعرفة بيروت .
13. ابن رجب الحنبلي ( زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين احمد ) جامع العلوم والحكم،ص 55 تحقيق الدكتور يوسف البقاعي ( 1995) ط1 المطبعة المصرية، بيروت .
14. البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن لابن الزملكاني ص 275
15. التبيان لابن القيم ص 339و 351
16. شرف القضاة، متى تنفخ الروح في الجنين،( 1990م) ط أولى، دار الفرقان للنشر والتوزيع، الأردن .
17. صالح عبد العزيز كريم، المدخل إلى علم الأجنة الوصفي والتجريبي، (1990م)،ط أولى دار المجتمع للنشر والتوزيع، جدة .
18. مسلم ( أبو حجاج بن الحجاج القشيري ) صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي
المراجع الأجنبية :
19. E. Albert Reece & others (1994): Fundamental of Obstetric &Gynecology Ultrasound international ED. Prentice –Hall international Inc .U.S.A.
20. F. Gary Cunningham, Pc .MacDonald & others (1993) William s Obstetrics .19th ED .prentice .hall int. Inc.
21. J. P. Green Hill & Others (1989) Modern practice of Obstetrics .3rd ED. W. B. Saunders Company. Philadelphia.
22. John McMahan (1994): Medical Embryology 1st E publishing comp. Addison –Wesley
23. Keith L. moors (1985): Developing Human with Islamic Edition 3rd ED .Dar Qiplah. Jeddah
24. Moore & persuad. (1998): Before We Are Born 5th .ED. W.B. Saunders Company.
25. Marjorie A. England (1987): A color Atlas of Life before Birth Wolj Medical publications Ltd.
26. Peter J. Ruselt (1992): Genetics 3rd Ed. Harper Collins publishers. U.S.A
27. Steven Gobbe & Others (1991) Obstetrics 2nd ED. Churchill living Stone Newyork.
28. Salder (1990), William s & loon s don s medical Embryology .6th 60-ED. Wikins.

القلب الحزين 16-03-2008 03:55 PM

الإعجاز العلمي في السرابيل من منظور القرآن الكريم



http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...399781-001.jpgحسن يوسف شهاب الدين أستـاذ فيزيـــاء
[email protected]
أولاً-مقدمة:
هذا البحث يعرض الإعجاز العلمي والبياني في قول الله تعالى:﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ﴾.
وذلك من خلال توضيح دور السرابيل في الوقاية من ظروف الجو( الحار والبارد )، والوقاية من الأمراض الجسمية والنفسية, والوقاية من أخطار السلاح القديم والحديث, والاستفادة من السرابيل في البحث العلمي عند الدراسة الجيدة للظروف الجديدة، وكيفية التعامل معها انطلاقًا من المبدأ القائل( الوقاية خير من العلاج ).
فسبحان الذي أنزل القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم باللغة العربية في عصر البلاغة والفصاحة متحديًا الشعراء والبلغاء أن يأتوا بمثله، أو بسورة من مثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا. وأكد سبحانه وتعالى أنهم لن يستطيعوا, لضعفهم مهما بلغوا من علوم اللغة وغيرها. والقرآن الكريم كتاب فيه من كل شيء مثل موصوف بتعبير دقيق وإيجاز وإعجاز مبهر.
لذلك كان لزامًا علينا عند قراءة الآيات القرآنية الوقوف عندها وقفة المتأملين المتفكرين؛ لنفهم معانيها، ونتعلم منها ما غاب عن عقولنا، ونحصل على الحياة الهنيئة في الدنيا، والسعادة الأبدية في الآخرة.
ثانيًا-المعنى اللغوي للسرابيل والوقاية:
السرابيلمن ( سربل )جمع: سِرْيال. والسِّرْبالُ- كما في لسان العرب- القميص، والدِّرْع. وقيل: كُلُّ ما لُبِسَ فهو سِرْبالٌ. وقد تَسَرْبَلَ به، وسَرْبَلَه إِياه. وسَرْبَلْتُه فَتَسَرْبَل. أَي: أَلبسته السِّرْبالَ.. وتَسَرْبَلَ هو: لبس السِّرْبال. قال لبيد بن أبي ربيعة العامري:

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي *** حتى اكتسيت من الإسلام سِرْبالا


وقال الراغب الأصفهاني: السربال: القميص من أي جنس كان. قال الله تعالى:


﴿سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ)(إبراهيم : 50 )

وتطلق السَّرابيلُ على الدروع، ومنه قول كعب بن زهير:
شُمُّ العَرانِينِ أَبْطالٌ لبَوسُهُمُ ***من نَسْجِ دَاوُدَ، في الهَيْجا سَرابِيلُ
وقد جمع قوله تعالى:﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ المعنيين: القمصان والدروع {2}.
والوقاية من ( وقى )، ومعناها: حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره. يقال: وَقَيْتُ الشيءَ، أقيه، وِقايةً، ووِقاءً. أي: حفظته حفظًا. قال تعالى:
﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً( الإنسان: 11 ).
﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾( الدخان: 56 ).
ثالثًا-قال الله تعالى في القرآن الكريم:﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ*وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ( النحل: 80- 81 ).
من نعم الله سبحانه وتعالى أنه خلق الأنعام وسخرها لخدمة الإنسان لكي يستفيد منها وتؤمن له الراحة والأمان والطمأنينة والسكون, فمن جلودها يصنع بيوتًا خفيفة الوزن، تحمل على ظهورها يوم الرحيل، وتؤمن الراحة والظل، الذي يكون أقل حرارة مما حوله في تلك الأرض ذات المناخ الحار, ونستطيع التعرف على هذه الحالة بالتجربة والبرهان عليها بالمعاينة.
لنأخذ مقياسا للحرارة ولنسجل درجة الحرارة في الظل المتشكل, ونقيس أيضًا درجة الحرارة بدونه, فنلاحظ أن الحرارة في الظل تكون أقل ضمن شروط المادة، التي شكلت الظل. ولملاحظة الفرق بين هذه البيوت، والبيوت المصنوعة من المواد ذات الموصلية الجيدة، التي تمتص الأشعة, سنأخذ بيتًا مصنوعًا من الحديد مثلاً, فنلاحظ أن الحرارة في ظله المتشكل ستكون أعلى من سابقتها وكأنه فرن حراري.
والآية الكريمة تخبرنا عن البيوت المصنوعة من جلود الأنعام ووظيفتها, فهي تحمينا من الحر؛لأنها تحجب بدورها أشعة الشمس من الوصول إلى داخلها مكونة الظل. ولأن جلود الأنعام وأصوافها وأوبارها وأشعارها تتمتع بموصلية رديئة للحرارة، يكون البيت أقل حرارة من الوسط المحيط، وواقيًا من أشعة الشمس المحرقة، التي يقوم على تشتيتها، فيوفر لساكنيه الراحة والطمأنينة والسكون, وتحمينا من البرد أيضًا؛لأنها تحفظ الحرارة داخلها، وتحول دون تسربها وفقدانها.
ومن حكمة الله تعالى وتكرمه علينا أنه سخر لنا هذه الأنعام؛ لنستفيد منها بصنع الأثاث والبيوت واللباس، الذي يحمينا من أيام البرد وأيام القيظ.
الملابس التي تقي الإنسان من ظروف الجو:
كيف لهذه الملابس (السرابيل) أن تحمينا في أيام البرد وأيام الحر؟
قال الله تعالى:﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ
الملابس (السرابيل)هي موصل رديء للحرارة؛ حيث تعرقل وصول الحرارة من الجسم إلى الوسط الخارجي، وبالعكس.
ففي أيام البرد عندما يكون الجو باردًا، تكون درجة حرارة الجسم أعلى من درجة حرارة الجو؛ لذلك يشعر الإنسان بالبرد. ولكن عندما يرتدي معطفًا مصنوعًا من الصوف، أو الفرو مثلاً، فإن الأخير يعمل على فصل جسمه عن الوسط المحيط به، وبذلك يقوم المعطف بحفظ حرارة الجسم، ويحول دون نقلها وتسربها؛ لأنه لا يستطيع ذلك.
أما في حالة الحر فإن المعطف (السربال) يقوم بنفس العمل، الذي قام به عندما لبسناه في حالة البرد: لأنه موصل رديء يمنع وصول أشعة الشمس المحرقة من الوسط الخارجي إلى الجسم، الأمر الذي يحفظ للجسم حرارته.
ومن هنا نستطيع القول: إن السرابيل لا تدفئ الجسم، ولا تبرده؛ وإنما تعمل على حفظ حرارته.
ولكن التجربة خير دليل على ما سبق أسوة بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، رائد العلم النظري والتجريبي عندما قال:ليس الخبر كالمعاينة{4}.
التجربة الأولى:
لنأخذ مقياسًا حراريًا، ونقرأ درجة حرارة الوسط (الغرفة)، ثم نضعه بمعطف الفرو، ونعود إليه بعد ساعات، وعندما نقرأ درجة الحرارة بعد ذلك، سنتأكد من عدم ارتفاعها، ولو بمقدار ضئيل؛ إذستبقى درجة الحرارة على ما كانت عليه سابقًا دون تغيير. وهذا دليل أن المعطف (السربال) لا يدفئ.
التجربة الثانية:
لنأخذ كيسينفيهما جليد، نترك الأول مفتوحًا ومكشوفًا على الوسط الخارجي, ونضع الثاني بمعطف من الفرو (سربال)، وكلاهما ضمن نفس الشروط الفيزيائية في جو الغرفةً، وعندمايذوب الجليد الموجود في الكيس الأول، نرفع معطف الفرو عن الكيس الثاني، فنرى أن الجليد، الذي في داخله لم يبدأ بالذوبان بعد. وهذا يعني أن معطف الفرو (السربال) لم يدفئالجليد، بل عمل على حفظ حرارته، فجعله يتأخر في الذوبان.
إذا السرابيل هي مصدر وقاية للإنسان من ظروف الجو، وحاميًا له من الأمراض الناتجة عن البرد والحر{5}.
السرابيل الواقية من الأمراض:
- أثبتت الدراسات الحديثة أن الملابس تعكس وتشتت موجات الأشعة فوق البنفسجية الضارة؛ لتقي الإنسان من الإصابة بكل أنواع سرطانات الجلد، مثل السرطان القاعدي، والحرشفي، والقتامي. كما أثبتت الدراسات أن سرطان الجلد عادة يصيب الأجزاء الأكثر عرضة لأشعة الشمس؛ كالوجه والقدمين والصدر وغيرها, مما جعل العلماء في جميع أنحاء العالم المتقدم يحذرون من التعرض لأشعة الشمس، وينادون بارتداء الملابس الساترة للجسم{6}.
ومن هنا نجد الحكمة في التشريع الإلهي من اللباس الشرعي بالمعنى الحسي, والكل يعلم الأثر النفسيوالأضرار الناتجة عن عدم التقيد بهذا اللباس على مستوى الفرد والجماعة.
هل كل السرابيل تقي من الحر والبرد؟
قال الله تعالى في القرآن الكريم:﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ *سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىوُجُوهَهُمْ النَّارُ *لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾( الأنبياء: 49- 51 )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جَرَب. رواه مسلم.{7}.
والقطران مادة قابلة للاشتعال، وموصلة جيدة للحرارة، لا تستطيع رد الأشعة، ولا تقي من الحر.
السرابيل الواقية من السلاح بنوعيه( القديم والجديد ):
قال الله سبحانه وتعالى:﴿وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ
فهي الملابس الواقية، التي يرتديها المحارب وقت البأس (الحرب)؛ لتحصنه من سلاح عدوه، سواء كان هذا السلاح قديمًا كان، أم حديثا.
ملابس الحرب القديمة:
وهي الملابس التقليدية، ال
http://www.55a.net/firas/ar_photo/1177794530wa.jpgملابس الحرب القديمة التي كان تقي الإنسان من السهام وضروب السيوف والنبال
تي يلبسها الفارس وقت الحرب؛ فمنها الدروع، التي تقي الصدر والظهر. ومنها ما يوضع على الساعدين والقدمين. ومنها القلنسوة، التي توضع على الرأس لحمايته. ومن فضل الله تعالى أنه علم نبيه داود- عليه السلام- التعامل مع الحديد، وصناعة الدروع، فهو أول من صنعها, بعد أن كانت قبله صفائح، وهو أول من سردها وحلقها؛ لتكون لصاحبها حصنًا، ووقاية من سلاح الأعداء. قال الله سبحانه وتعالى:
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ*أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾( سبأ: 10- 11 )
وقال الله تعالى:
﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ( الأنبياء: 80 )
فامتن عليه سبحانه داود بأن آتاه منه فضلاً ( حكمًا وعلمًا )، وسخر له الجبال، والطير يسبحن معه، وعلمه صنعة اللبوس. وفي ذلك دليل على فضل هذه الصنعة؛ إذ أسند تعليمها إياه إليه تعالى﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ. والمعنى: علمناه صنع الدروع لأجلكم. أو علمناه ذلك كائنًا لكم.
فالتعليم في الظاهر لداود عليه السلام، ولكنه في الحقيقة لأجلنا، أو كائن لنا؛ ولذلك امتن سبحانه علينا بها بقوله:﴿ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ.أي: لتكون وقايةلكم في حربكم، وسببًا للنجاة من عدوكم.﴿فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴾.وهو استفهام يتضمن الأمر. أي: اشكروا الله على ما أنعم به عليكم.
واللبوس في أصل اللغة هو اللباس. وصيغ على وزن: فعول بمعنى مفعول للمبالغة. ويطلق ويراد به أحد معنيين:
أولهما: ما يلبس من ثوب، أو غيره.
والثاني: ما يتحصَّن به من درع، أو غيرها من السلاح.
والمراد من الآية الكريمة: علمناه صنعة الدروع. قال قتادة: كانت الدروع قبل ذلك صفائح، فأول من سردها، وحلَّقها داود عليه السلام، فجمعت الخفة والتحصين. وقيل: داود أول من صنع الدروع، التي تسمَّى: الزرد. وقيل: إن الله تعالى ألان الحديد له، يعمل منه بغير نار؛ كأنه طين. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:
﴿ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ( سبأ: 11 )
وقال الشاعر :

عليها أسود ضاريات لبوسهم*** سوابغ بيض لا يخرّقها النبل

وقرأ الجمهور:﴿ لِيُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ، بياء الغيبة، فالضمير عائد إلى اللبوس؛ لأنه في اللفظ مذكر. وقرأ ابن عامر وحفص والحسن وسلام وأبو جعفر وشيبه وزيد بن علي:﴿ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ، بتاء الخطاب، فالضمير عائد إلى الصنعة، أو اللبوس على معنى الدرع. ودرع الحديد مؤنثة.[8].
ولكن هذه الملابس كانت في العصر القديم, فكيف لنا أن نستفيد منها اليوم في عصر التقدم والثورة التكنولوجية ووجود السلاح الناري؟
يتبع
..
.

القلب الحزين 16-03-2008 03:58 PM


يتبع ... موضوع ...>>> الإعجاز العلمي في السرابيل من منظور القرآن الكريم
ملابس الحرب الحديثة:
من صنعة اللبوس، التي علمها الله سبحانه وتعالى لنبيه داود- عليه السلام- والتي من خلالها صنعت الدروع وآلات الحرب، التي تواكب ذلك العصر، وما يحتاجه من مقتضيات تذليل المعادن لخدمة الحرب، والوقاية من السلاح بكافة أنواعه. لهذا عندما نقرأ الآية الكريمة ونتأمل لغويًا معانيها، نجد أن الله سبحانه وتعالى علم الصنعة لسيدنا داود- عليه السلام- بمفرده؛ ليعلمنا إياها بعد ذلك، ونستفيد من هذا العلم التخصصي في علم المعادن، وتسخيره لنا نحن بني البشر، وكيفية التعامل معه بمرور الأيام، ومتطلبات كل عصر؛ ليكون لنا حصنًا وحرزًا منيعًا في وجه كافة تطورات السلاح التكنولوجية.
هذا بالنسبة لعلم المعادن وكيفية الاستفادة منه؛ ولكن ظهرت في هذه الأيام أنواع جديدة من الأسلحة؛ مثل السلاح الناري، وأسلحة التدمير الشامل؛ مثل السلاح الكيميائي، والسلاح النووي، فكيف للملابس أن تقينا من أخطار هذه الأسلحة. قال الله تعالى:
﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ﴾( الأنبياء: 80 )
المعدات والملابس الواقية من الطلقات والانفجارات:
منذ وقت ليس ببعيد، تم صنع السترات الواقية من الرصاص، التي تحمي الجسم من اختراقه؛ حيثيمكن ملاحظة نوعين رئيسين لطرق عمل هذه السترات؛ وهما :
1 – عكس الرصاصة وانزلاقها بعيدًا عن الجسم.2 – امتصاص الطاقة الحركية للرصاصة؛ لتتحول هذه الطاقة إلى عمل، وتستقر في نسيج السترة، فلا تصل إلى الجسم. أو يقل تأثيرها فتصل إلى الجسم، وتحدث جرحًا طفيفًا مما يكفل الحماية والوقاية.
بعض أنواع الدروع الحديثة:
1 – الدروع المعتمة:هي الدروع المصنوعة من المعدن. أو الدروع البلاستيكية المضغوطة، ودروع السيراميك، وغيرها من الدروع الواقية.
2 – الدروع الزجاجية:يعتبر الزجاج من المواد الشفافة، التي تكفل الوقاية والحماية من طلقات الرصاص بعد تعديلها بمواد تزيد من ممانعته.
3 - الدروع البلاستيكية الشفافة:ومن أهمها الدروع المصنوعة من ألواح( البولي كربونات)، فهي عندما تكون سميكة، فإنها توفر حماية ملحوظة ضد الطلقات ذات السرعة البطيئة.
ويمكن استخدام المواد السابقة لصناعة أنواع من الملابس (السرابيل)، التي توفر الحماية والوقاية من الرصاص.
4 – السترات البالستية.
5 – الكيفلار Aramid - Para: وهي مادة (البارا – أراميد) البالستية، التي تشكل حماية ووقاية ذاتية للأفراد ضد الرصاص الحي، عند استخدامها في صنع الخوذات والسترات الواقية. وتقي هذه السترات الواقية من الرصاص الحي وشظايا الانفجارات وغيرها[9].
الملابس الواقية من السلاح الكيميائي:
صنعت الملابس المطاطية؛ لتواكب التطور الكيميائي، وتحمي مرتديها من خطر التلوث بالمواد الكيميائية السامة، ومن المنتجات الأساسية في حقل الوقاية. والتدابير المتعلقة بالسلاح الكيميائي، تبرز بصفة خاصة الألبسة المصنوعة من مواد محددة. وأقنعة التنفس، التي تراعي متطلبات ومقاييس الوقاية والأمان، مع توفير أسباب سهولة الاستخدام، من مثل خفة الوزن، ومرونة التجهيز؛ لأنها مصممة لتجهيز العسكريين والمدنيين ضمن ظروف، لا يمكن التحكم بها مسبقًا.
هناك إذاً ملابس (سرابيل) خاصة معدة للحماية من المكونات الكيميائية والبيولوجية بما في ذلك السموم والجراثيم، وبالطبع تعتبر أقنعة التنفس مكملة لها.
صفات الملابس الواقية من السلاح الكيميائي:
1 - إن الأقمشة المستعملة في هذه الملابس، تتميز بمقاومة عالية للدفع الحراري الناتج عن عامل نووي أو كيميائي أو جرثومي.
2 - عدم القابلية للاشتعال، مما يساعد على الأمان المطلوب.
بعض أنواع هذه الألبسة:
الألبسة الوقاية من فئة "Safguard 3002" ( كاشر ).
الألبسة الوقاية البريطانية من طراز(MKIV) ( إنتا ).
الألبسة الوقاية الباكستانية (PMKINBC) صنع شركة ( مارك كوربوريشن ).
السرابيل الواقية من السلاح النووي:
ويرتدي من يعمل في المختبرات والمفاعلات النووية سرابيل خاصة، تقيهم وتحميهم من خطر التلوث الإشعاعي، خوفًا من تأثيره، الذي يؤدي لأمراض السرطان، وغيرها من الأمراض المستعصية. واللباس الواقي مفيد لصد أنواع من الأشعة، وليس كلها.والتلوث الإشعاعي هو أشعة ضارة، تشعها مواد إشعاعية؛ كاليوانيوم. وهذه الأشعة هي أشعة ( إلفا – بتا – غاما ), وهي على الترتيب ذرات الهليوم، وإلكترونات سريعة، وأشعة كهرطيسية، وهي أخطرها.
ملابس خاصة لغزو الفضاء:
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...ronaut-eva.jpgملابس رواد الفضاء التي تقيهم من الأشعة الكونية الضارة ومن انخفاض درجة الحرارة في خارج الغلاف الجوي للأرض
من أهم المشاكل، التي يعانيها رائد الفضاء خارج نطاق الأرض، مشكلة انعدام الجاذبية. ولأجل هذا الغرض، تم اختراع لباس رائد الفضاء الخاص.
الأخطار التي يقي منها هذا اللباس:
إن انعدام الجاذبية يؤدي إلى تباطؤ شديد في حركة الدورة الدموية الكبرى ( حركة الدم من القلب إلى الأطراف وبشكل خاص الطرفين السفليين )، بينما تبقى حركة الدورة الدموية الصغرى ( حركة الدم من القلب إلى الدماغ ) طبيعية تقريبًا. وهذا يؤدي إلى زيادة نسبية في حجم الدم على مستوى الدماغ، مما يؤدي إلى حدوث احتقان دموي في الجيوب الدماغية الوريدية. وهذا يؤدي إلى الشعور بالصداع الشديد. وآلية ذلك أن الدم يذهب إلى الدماغ تحت تأثير ضخ العضلة القلبية، ويصب في الجيوب الوريدية، التي تنفرغ تحت تأثير الجاذبية عادة، وفي هذه الحالة يحدث تباطؤ في الانفراغ الوريدي، مما يؤدي لحدوث الاحتقان الدماغي. وتحدث تلك الظاهرة عند بداية الدخول في الفضاء الخارجي؛ ولكن الجسم يتعود على ذلك، ويزول الصداع. ومن ناحية أخرى تعود مشكلة الجاذبية الأرضية عند عودة رائد الفضاء، وقد تكون المشكلة أقسى وأشد. ولأجل هذا الغرض، تم اختراع لباس رائد الفضاء الخاص.
ملابس للوقاية من العدوى:
يرتدي الأطباء ثيابًا خاصة معقمة، وقفازات مطاطية، تحول دون دخول الجراثيم إلى المريض عند إجراءات الفحص، والعمل الجراحي والعكس.
السرابيل المعنوية:
لباس التقوى:

﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾( الأعراف:26 )

لباس التقوى هوى لباس الإيمان والعمل الصالح والتقرب إلى الله تعالى، والعمل بما أمر سبحانه من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بدءًا بأنفسنا ورعيتنا, لنقيأنفسنا وأهلينا نار جهنم؛ لأنه أقوى وأفضل أنواع الوقاية.
فبالتقوى يرتقي الإنسان من عالم الماديات إلى عالم أخر، يحس فيه بالنشوة عند ذكر الله تعالى؛ لأن نفسه البشرية ارتقت عبر سلم درجاتها؛ لتصل آخر المطاف إلى النفس المطمئنة. فبالتقوى نقي ونحمي أنفسنا، وبالإيمان والورع تعتق رقابنا من النار. جعلنا الله تعالى ممن يلبسون لباس الإيمان والتقوى والورع إنه سميع مجيب.
أوجه الإعجاز:
قال الله تعالى:﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ
عبر القرآن الكريم في هذه الآية عن الدور الرئيسي للسرابيل بأنواعها, وبينت دورها في وقاية صاحبها، الذي يرتديها من الآفات والأمراض في وقت السلم، ومن الجروح والطعنات في وقت الحرب بكلمة واحدة، وهي كلمة ( تقيكم ). ومنها تعلمنا أن السرابيل المصنوعة من القطن والصوف والكتان وغيرها من المواد ذات الموصلية الحرارية الرديئة الوقاية فقط ؛ فهي لا تدفيء، ولا تبرد؛ وإنما تحفظ حرارة الجسم الذي بداخلها. ودور بعض الألبسة الحديثة، التي تقوم بحماية الإنسان من أخطار سلاح التدمير الشامل.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من علم الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هذه الحقائق، وكيف علم أنواع السرابيل، وكيفية عملها ؟ إنه بلا شك ما كان إلا رسولاً كريماً, أرسله الحليم العليم، وأيده بسلطان مبين؛ ليكون رحمة للعالمين وشفيعا للمسلمين.
هذا والله أعلم
أرجو الدعاء لوالدي
المراجع:
1- القرآن الكريم
2 – لسان العرب لابن منظور.ومفردات ألفاظ القرآن, للأصفهاني.
4 –الجامع الصغير.للعالم الجليل جلال الدين السيوطي/ج5/ رقم الحديث(7574).‏
5 - كتابالفيزياءالمسلية لياكوف بيربمان: ج/1- ص: 147.
6 – مقال بعنوان ( وسرابيل تقيكم الحر ) للدكتورة سميحة بنت علي مراد.
7 - رياض الصالحين للإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي, رقم الحديث: (1664).
8 - مساعدة الأستاذ الفاضل: محمد إسماعيل عتوك.
9 - مقالة بعنوان( المعدات والملابس الواقية من الطلقات والانفجارات )
بقلم المهندس: حشمت أمين عامر.
10 – مجموع فتاوى ابن تيمية / ج15/ لشيخ الإسلام ابن تيمية.
المواقع:
مجلة الحرس الوطني

القلب الحزين 16-03-2008 04:00 PM

الهم والهرم من منظور القرآن الكريم والسنة النبوية

حسن يوسف شهاب الدين
http://www.55a.net/firas/ar_photo/1176452724anger.jpg
لقد نها النبي صلى الله عليه وسلم عن الغضب
أستـاذ فيزيـــــاء
[email protected]
مقدمة
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم آيات جلية تتحدث عن الاضطرابات النفسية وأثرها على الصحة الجسدية موضحة العلاقة بين النفس والجسد, وحذرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الانفعالات النفسية الحادة ليضمن لنا حياة ملؤها الصحة والسعادة.
وهذا الموضوع يتطرق إلى تأثير الاضطرابات النفسية على الجسد وعلاقة الهم والحزن بالهرم والشيخوخة من منظور القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
الاضطرابات النفسية وتأثيرها على الأجزاء العضوية.
للنفس البشرية خصائصها التي أودعها الله تعالى فيها بتقدير منه وحكمة بالغة لما تحمله من مظاهر طبيعية مثل الحزن والفرح والخوف والجزع والكآبة و الهم والغم وغيرها من الشعور بالأسى لمدة محدودة تجاه الحوادث المؤلمة التي يصادفها الإنسان في حياته لتحدث تغيرات فيزيولوجية تظهر على جسمه مثل تغير لون الوجه وتصبب العرق والضحك والعبوس وغيرها من المعالم التي تدل على الشعور الذي يحس به, وقد يكون التغير داخليا يحس به الشخص نفسه مثل تسرع نبضات القلب وضيق النفس وغيرها من الأعراض.
قال الله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء{125}).سورة الأنعام.
وقال سبحانه وتعالى في سورة النحل (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم{58})
ولكن كل شيء زاد عن حده انقلب ضده, فعندما تطول هذه المدة أكثر من المألوف يصبح الإنسان كئيبا مثقلا بالهموم والآلام.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر).[2] صحيح البخاري.
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب بقوله:(لا تغضب), وليس المقصود بالغضب هنا الغضب العادي (حالة عابرة) وإنما الغضب المتكرر الذي يتعدى الحد المقبول لأنه يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بشرايين القلب واحتمال الإصابة بأزمات قلبية قاتلة وخلل في جهاز المناعة الذي سببه العلاقة بين الانفعال الحاد والغدد الحيوية في الجسم التي تتقلص و تفرز عصارتها تحت تأثير أزمات نفسية خطيرة لتتعرض المواد الفعالة المنطلقة من إحدى هذه الغدد للضعف الشديد مما يؤدي إلى احتمال تحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية في غياب النشاط الطبيعي لجهاز المناعة. [3].
الناحية العلمية
أكد العلماء أن العديد من الاضطرابات النفسية تؤثر على الجسد، فالأمراض النفسية والضغوط الاجتماعية المزمنة تؤثر على مناعة الجسد ومقاومته للأمراض, وأن الضغوط النفسية قد تسهم في نشوء أمراض عضوية كالسكر والسرطان وأمراض القلب والجلطات، وغيرها من أمراض الغدد الصماء والاضطرابات الهرمونية والشيخوخة والهرم.
يقوم الجهاز العصبي بالتحكم في بعض وظائف الأعضاء في الجسم كضربات القلب وضغط الدم وعمليات الهضم وجهاز المناعة والغدد الصم وتتصل معها اتصالا مباشرا وعندما يحدث أي خلل في عمل الجهاز العصبي بسبب الانفعالات النفسية سيؤدي إلى خلل في الأجهزة الأخرى مسببا الأمراض العضوية.
أهم الأمراض الناتجة عن الإجهاد النفسي
الانفعالات النفسية واضطرابات الدماغ
إن الضغط النفسي يؤدي لظهور اضطراب بين كيمياء المخ والموصلات العصبية حيث أن الضغط النفسي يؤدي إلى إفراز هرمون الكورتيزول (قاتل التركيز) من الغدة الكظرية الموجودة فوق الكلى, الذي يؤدي إلى زيادة إفراز هرمون الأنسولين ويمنع منطقة قرن آمون في المخ المسؤولة عن الذاكرة من استعمال السكر وبالتالي نقص الطاقة الذي يؤدي إلى نقص كفاءة المخ كيميائيا في عمليات تخزين معلومات جديدة واسترجاع المعلومات المخزنة,مما يؤدي إلى النسيان وضعف الذاكرة.
تأثير الاضطراب النفسي على جهاز المناعة
حيث تفرز الغدد الصماء هرمونات تزيد عن حاجة الجسم الطبيعي إليها أثناء الاضطراب النفسي مثل (الأدرينالين) من الغدة النخامية و(النورابنيفرين) من نخاع غدة الأدرينال (جار الكلوية), و يقوم الإجهاد النفسي بصرف المدخرات التي كانت مخصصة لعمليات البناء في الجسم واستخدامها للدفاع عنه عند الحاجة مما يؤدي إلى ضعف في مناعة الجسم.
كما يزيد الضغط النفسي من نفوذية الشعيرات الدموية في المخ الذي يسمح بمرور الكثير من المواد الكيماوية إلى داخله مسبباً أعراض لا تحدث إلا بنفاذها مثل الصداع والغثيان والدوخة.
والإجهاد المتكرر يسبب ارتفاع ضغط الدم ومع الزمن يؤدي إلى زيادة سمك الشرايين التي تحمل الدم إلى النصف الأمامي من المخ, الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث الجلطة أو سكتة دماغيه.
أمراض جهاز الهضم
قد يؤدي تكرار حدوث الانفعالات النفسية غير السارة إلى تعطيل وظائف جهاز الهضم مثل سوء الهضم وخلل في إفراز العصارة المعدية التي تعمل على تسهيل عملية الهضم, بل تؤدي أحيانا إلى تلف أنسجة الجسم كما هو الحال في القرحة الهضمية مثل قرحة المعدة وقرحة الإثني عشر والتهاب القولون.
ومن هنا نجد تأكيد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عن الحزن والهم لضمان سلامة الإنسان النفسية والجسدية بقوله: (التدبير نصف المعيشة، والتودد نصف العقل، والهم نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين). [4].
التخريج (مفصلا): القضاعي عن علي الديلمي في مسند الفردوس عن أنس رضي الله عنه.
تصحيح السيوطي: حسن
ومن اصطلاح الحديث وشروط روايته (الصحيح) وهو ما اتصل سنده بنقل الضابط عن مثله وسلم عن شذوذ وعلة, والشذوذ أن يرويه الثقة مخالفا لغيره.
و(الحسن) ما لا في إسناده متهم ولا يكون شاذا ويروى من غير وجه نحوه.
عــــلاج الـــهم
- النشاط الذهني
أثبتت الدراسة أنه يمكن علاج هذه الحالة بعملية النشاط الذهني كالتفكر في خلق الله مثلا, ولحفظ الإنسان من أعراض النسيان وضعف الذاكرة, ولتنشيط عملية التذكر أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتفكر والتدبر في الخلق.
قال الله تعالى في القرآن الكريم: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار{191} ) سورة آل عمران.
وقال العزيز العليم في سورة النحل: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون {44}).
وقال سبحانه وتعالى في سورة الحشر: ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون {21}).
هذا هو القرآن الكريم فيه كل ما يريد الإنسان ليرتقي إلى درجات عالية من العلم والمعرفة والأخلاق الفاضلة, وبالتطبيق الصحيح لما أمر الله تعالى والابتعاد عن كل ما نهى عنه نعيش حياة رغيدة ملؤها السعادة والمحبة متنعمين بالصحة النفسية والجسدية نعيش حياة الشباب فرحين بما آتانا الله من فضله مقتنعين برزقنا وعمرنا وصحتنا ومؤمنين بقضاء الله تعالى وقدره.
لأن القرآن الكريم كتاب من عند الله تعالى أنزله على رسوله الكريم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذنه.
قال الله سبحانه وتعالى: ( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد {1}) سورة إبراهيم.
وقال سبحانه وتعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمه وبشرى للمسلمين {89}) سورة النحل.
وحضّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم على التعلم والتفكر والتدبر عندما قال: ( تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله، فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك).[5].
- النشاط البدني (ممارسة الرياضة)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, وفي كل خير, استعن بالله ولا تعجز, وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل, فإن لو تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم.[6].
أكدت الدراسة أن النشاط الجسماني والتمرينات الرياضية هي إحدى الطرق التي تخفف الضغوط النفسية, وهي مفيدة لصحة القلب والشرايين حيث أن الرياضة تساعد على إفراز هرمونات إيجابية في الجسم و تساعد الرياضة على تقوية الجهاز المناعي, وبعض التمرينات الهوائية تؤدي إلى زيادة تروية المخ بالدم, وتُحفز نمو الخلايا العصبية.
كظم الغيظ والحلم والتسامح والعفو عند المقدرة-
قال الله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين {134}) سورة آل عمران.
وقال سبحانه (عز وجل): (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة, ادفع بالتي هي أحسن, فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {34} وما يلقاها إلا الذين صبروا, وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم {35}) سورة فصلت.
وقال الله تعالى: (ولمن صبر وغفر, إن ذالك من عزم الأمور {43})سورة الشورى.
ونستنتج مما تقدم أن التخلص من الصفات السلوكية السيئة مثل العداوة والمنافسة الحادة وغيرها من الصفات التي تؤدي إلى الإجهاد النفسي هو أمر من الله سبحانه وتعالى ليحفظ به نفوسنا وصحتنا لنكون كما أراد لنا أن نكون نتمتع بالقوة والصلابة وفي نفس الوقت بالحلم والتسامح.
- ذكر الله تعالى والاستقامة والدعاء

قال الله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب {28}) سورة الرعد.
متى تكون النفس سليمة؟ وكيف يمكننا المحافظة عليها مطمئنة نقية, لا تهزها الأزمات والمحن, وترضى وتتقبل مصابها بصدر رحب وصبر جميل.
طبعا عندما تكون هذه النفس راضية ومؤمنة ومستقيمة تعلم أن الخير من الله تعالى والشر إما أن يكون (بلاء) أو أن يكون (ابتلاء), وواجب على الإنسان في حالة النعم الوافرة الشكر وزيادة العمل الصالح اعترافا منه بهذا الفضل, وفي حالة المصائب فيعلم أن الله تعالى إذا أحب العبد امتحنه واختبر درجة الإيمان في قلبه, وإما ليُكَفِّرَ عنه ما مضى من خطاياه ليعيش حياة الآخرة في جنات عرضها السماوات والأرض.
وقال سبحانه وتعالى ( إنّ الّذين قالوا ربنا الله ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون.{30}) سورة فصلت.
وبالدعاء إلى الله تعالى وإحساسك الدائم أنك بحاجة لكرمه وتفضله عليك, وشكره سبحانه على نعمه الظاهرة والباطنة يولد نفسا غنية مطمئنة متفائلة,
وهذا الشعور يبعد عنك الهم والحزن وأسباب المرض النفسي والجسمي.
قال الله تعالى: ( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَنَ إن ربنا لغفور شكور {34}) سورة فاطر.
هذا والله أعلم.
أرجو الدعاء
المراجع
1 – القرآن الكريم
2 - صحيح البخاري ج2 كتاب الجهاد والسير. باب مل يتعوذ من الجبن. رقم(2668)
3 - )الإعجاز العلمي في الإسلام والسنة النبوية) للأستاذ محمد كامل عبد الصمد.
4 - الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي, ج3, فصل المحلى بأل من حرف التاء, رقم الحديث(3399).
5 - كتاب كنز العمال للمتقي الهندي, المجلد الثالث رقم الحديث(5704).
6 - رياض الصالحين للإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي رقم الحديث(100) باب المجاهدة.
المواقع
http://www.islamicmedicine.org/eyedrop.htm
BBCArabic.com | علوم وتكنولوجيا | الاكتئاب ...
مرض الاكتئاب ... أسبابه وسبل العلاج ...
كنانة أونلاين - najjarforever -الحصن النفسى
جودة الحياة، الضغوط، امراض القلب ...
أثار الضغوط لنفسية علي صحة القلب

القلب الحزين 16-03-2008 04:02 PM

محاضرة لفضيلة الدكتور محمد دودح بعنوان تركيبة الجلد بيئة علمية

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1176429183428.jpgمحاضرة لفضيلة الدكتور محمد دودح بعنوان تركيبة الجلد بيئة علمية ألقيت في أثناء المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة والذي عقد في الكويت تحت إشراف الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
المحاضرة عبارة عن ملف فيدوا (14ميكا بايت)
لتحميل المحاضرة أضغط هنا
المصدر : موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنه

القلب الحزين 16-03-2008 04:04 PM

الإعجاز العلمي في حديث الأبهر


http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...dioa4aorta.jpg
شكل توضيحي للشريان الأبهر

الأستاذ الدكتور/ مجاهد أبو المجد
دكتوراه الأمراض الباطنة ـ أستاذ الباطنة والسكر ـ والغدد والكلى ـ كلية طب المنصورة
[email protected]
[email protected]
في البداية والنهاية للإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي
قال البخاري رواه عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاه فيها سم.
وقد قال الإمام أحمد حدثنا حجاج ثنا ليـث عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى هريرة قال لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاه فيها سم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اجمعوا لي من كان هنا من اليهود" فجمعوا له، فقال لهم النبي "هل أنتم صادقي عن شيء إذا سألتكم؟"
فقالوا: نعم يا أبا القاسم
فقال: "هل جعلتم في هذه الشاه سماً؟"
فقالوا: نعم
قال: "ما حملكم على ذلك؟"
قالوا: "أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك وإن كنت نبياً لم يضرك".

وفى الصحيحين من حديث شعبه عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجئ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك قالت أردت لأقتلك فقال
"ما كان الله ليسلطك علي" أو قال: "على ذلك"
قالوا: ألا تقتلها
قال: "لا"
قال أنس: فمازلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقال الزهري عن جابر واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفى منه فقال: (مازلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر، حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري) فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً.
قال ابن هشام الأبهر العرق المعلق بالقلب
قال فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة.
لسان العرب لابن منظور:
الأبهر: عرق في الظهر مستبطن الصلب والأبهر عرق إذا انقطع مات صاحبه والأبهر عرق مستبطن في الصلب والقلب متصل به فإذا انقطع لم تكن معه حياة.
التلخيص:
(1) أن امرأة تدعى زينب بنت الحارث قدمت شاه مصْلِيَّة مسمومة للرسول صلى الله عليه وسلم فأكل منها.
(2) أن الذراع أخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة.
(3) أن الرسول أخبر في مرضه الذي توفى فيه أن هذا أوان انقطاع الأبهر منه صلى الله عليه وسلم من أثر الشاة المسمومة.
(4) إن كثيراً من علماء الأمة وسلفها يرون أن الرسول مات شهيداً وأن الله أنعم عليه بالشهادة بجانب النبوة.
(5) الأبهر: عرق يتصل بالقلب ويمر بالصلب والأبهر هو ما نسميه طبياً الأورطى.
يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أن النبي بقى بعد هذا الحادث ثلاث سنين حتى قال في وجعه الذي مات فيه: مازلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاه يوم خيبر فهذا أوان انقطاع الأبهر منى.
قال الزهري: فتوفى صلى الله عليه وسلم شهيداً.
من استعراض القصة في كتب السيرة تبرز لنا عدة أسئلة؟
السؤال الأول:
هل نستطيع أن نعرف نوع السم الذي وضعته زينب بنت الحارث للرسول صلى الله عليه وسلم في الشاة؟
هذا السم:
(1) يستخدم من آلاف السنين ومعروف في الجزيرة العربية.
(2) يظهر أثره في اللهوات كما قال أنس رضى الله عنه.
إذن ما هو السم الذي استخدم من آلاف السنين وتظهر علامته على اللهوات؟
اللهوات: قالت عائشة رضى الله عنها "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم" صحيح مسلم
اللهوات: جمع لهاة وهى اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك قاله الأصمعي.
وفى فتح الباري للإمام ابن حجر العسقلاني في التعليق على حديث وفاة الرسول وقصة الشاة المسمومة التي قدمت للرسول صلى الله عليه وسلم بخيبر – يقول ابن حجر أما قول أنس فمازلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم "فاللهوات جمع لهاة وهى اللحمة المعلقة في أصل الحنك وقيل هي ما بين منـقطع اللسان على منقطع اصل الفم وهذا هو الذي يوافق الجمع المذكور.
ومراد أنس رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتريه المرض من تلك الأكلة أحياناً وهو موافق لقوله في حديث عائشة "ما أزال أجد ألم الطعام".
ويقول ابن حجر ويحتمل أن يكون أنس أراد أن يعرف ذلك في اللهوات بتغيير لونها أو بنتوء فيها (قاله الطبري)
وفى صحيح مسلم بشرح النووي وأما اللهوات فبفتح اللام والهاء: جمع لَهات بفتح اللام وهى اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك "قاله الأصمعي" وقيل اللحمات اللواتي في سقف الفم.
وقوله (مازلت أعرفها) أي العلامة كأنه بقى للسم علامة وأثر من سواد أو غيره.
من المعلوم طبياً في علـم السموم أن السم الذي يترك أثراً على أصل الحنك واللثة هو المواد الثقيلة (Heavy ****ls) مثل الزرنيخ (Arsenic) والقصدير (Lead).
فهل استخدم الزرنيخ أو القصدير (Arsenic - Lead) منذ سنوات عديدة كسم زعاف – وهل يترك كلاهما أثراً على اللهوات؟
في: Human Health fact sheet
ANL, November 2001
Arsenic has been recognized from ancient times be poisonous.
الزرنيخ منذ العصور القديمة يستخدم كمادة سامة.
هل يترك القصدير أو الزرنيخ أثراً على اللهوات؟
* Brit. Med. J 3(5666) 336-7, 1969
(Lead poisoning in soldiers in Hong Kong)
clinical finding include blue lines on the gum.
ظهور خط أزرق في اللثة بالفم نتيجة التسمم بالقصدير.
* Journal of the society of Occupational Medicine, Vol 40, No. 4 pages 149-152, 28 references, 1990
Arsenic trioxide could cause gingival ulceration and gum discoloration.
الزرنيخ يؤدى إلى التهاب وتغير في لون اللثة.
يتضح بعد هذا التفصيل أن القصدير والزرنيخ تؤدى إلى تغير في لون اللثة واللهاة كما تؤدى إلى التهابات بالفم واللثة واللهاة.
بعد هذا الشرح نستنتج الآتي:
(1) من المرجح أن يكون الزرنيخ أو القصدير أو كليهما قد استخدم في تسميم الشاة المصلية التي قدمت للرسول صلى الله عليه وسلم بخيبر.
(2) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تناول السم فعلاً.
السؤال الثاني:
هل يؤثر التسمم بالزرنيخ أو القصدير على الشريان الأبهر؟
* Bulletin of Environmental contamination and toxicology Vol. 31, No. 3 pages 267-270, 1983.
The accumulation of arsenic (AS) compounds was studied in human tissues. The highest mean total AS concentration occurred in the aorta.
* Journal of Nutrition, Vol. 96, No. 1 pages 37-45, 1968.
Large amounts of AS accumulated in tissues especially red cells and aorta.
كمية كبيرة من الزرنيخ تتجمع في الأبهر.
Toxnet web site:
During exposure to lead the concentration is relatively high in soft tissues especially aorta.
أي أن القصدير أيضاً يتجمع بنسبة عالية في الشريان الأبهر.
ومن هذا يمكننا أن نستنتج بوضوح أن كلاً من القصدير والزرنيخ يتركزان بكمية كبيرة في الشريان الأبهر.
السؤال الثالث:
هل تتشابه أعراض المرض الذي توفى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع انقطاع الأبهر؟
بدأ المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم في مطلع شهر ربيع الأول وبدأ بأن اشتكى بوجع في رأسه – قالت عائشة رضى الله عنها رجع عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول وارأساه قال "بل أنا وارأساه": قال: (ما ضرك لو مت قبلي فغسّلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك) رواه أحمد وابن ماجه.
وكانت عائشة رضى الله عنها تحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعدما دخل بيته واشتد وجعه "هريقوا على من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلى أعهد إلى الناس" رواه البخاري ومسلم.
قالت عائشة ما رأيت رجلاً أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم (البخاري ومسلم).
وقال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكاً شديداً فمسسته بيدي فقلت يا رسول الله – إنك لتوعك وعكاً شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم" البخاري ومسلم
وعن أنس رضى الله عنه قال لما ثقل المرض على النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة واكرب أباه، فقال لها "ليس على أبيك كرب بعد اليوم" رواه البخارى
يقول العباس رضى الله عنه: "وكنت إذا لمسته ضربتني الحمى"
ومن استعراض هذه الروايات يتضح لنا الآتي:
(1) أن الرسول صلى الله عليه وسلم أصيب بحمى وارتفاع شديد في درجة الحرارة.
(2) أنه كان يوعك وعكاً شديداً ويتألم ألماً شديداً.
(3) كان يتصبب عرقاً من شدة ارتفاع درجة الحرارة.
(4) كان صلى الله عليه وسلم يغشى عليه لما ثقل عليه المرض.
العلامات والأعراض الإكلينيكية لانقطاع الأبهر:
Signs and symptoms of Aortic dissection:
1. chest pain آلام في الصدر
sudden, severe, stabbing tearing حادة - شديدة
2. decreased movement صعوبة الحركة
3. pallor اصفرار الوجه
4. profuse sweating عرق شديد
- لاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوعك وعكاً شديداً.
- وكان يحمله العباس وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما.
الخلاصة:
أن أعراض مرض وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تتشابه مع أعراض انقطاع الأبهر إلى حد كبير.
السؤال الرابع:
أ- هل عرف النبي صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله؟
ب- منذ متى عرف مرض انقطاع الأبهر؟
ج- من الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المرض؟
أ- بشر النبي صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله في آيات عدة من القرآن الكريم منها قولـه تعالى "إنك ميت وانهم ميتون" الزمر30 وقوله سبحانه "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون * كل نفس ذائقة الموت" الأنبياء 34،35.
"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" آل عمران 144 وقوله "إذا جاء نصر الله والفتح ...) سورة النصر.
عن ابن عمر رضى الله عنهما قال "أنزلت هذه السورة "إذا جاء نصر الله والفتح" على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق وعرف أنه الوداع ) سنن البيهقي.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن عمر رضى الله عنه سأل الصحابة عن قوله تعالى "إذا جاء نصر الله والفتح" قالوا فتح المدائن والقصور قال: ما تقول يا ابن عباس؟ قال "أجل أو مثل ضرب لمحمد صلى الله عليه وسلم ينعي له نفسه" البخاري.
وعن عائشة رضى الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشى كأن مشيتهاً مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم "مرحباً يا بنيتي" ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثاً فبكت فقلت لها لم تبكى؟ ثم أسر إليها حديثاً فضحكت فقالت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت ما كنت لأفشي سر النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها فقالت أسر إلى "أن جبريل كان يعارضني القرآن مرة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي ، وأنك أول أهل بيتي لحاقاً بي" فبكيت فقال "أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين" فضحكت لذلك (البخاري ومسلم).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: "إن الله خيَّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله" قال "فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه وكان أبو بكر آنذاك أعلمنا" البخاري ومسلم.
وتقول عائشة رضى الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول "إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا أو يخير" فلما اشتكى ورأسه على فخذ عائشة غشى عليه فلما أفاق شخص ببصره نحو سقف البيت ثم قال "اللهم الرفيق الأعلى" فقلت إذاً لا يجاورنا فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح" البخاري
ب- وهكذا يتضح لنا في نهاية هذا المبحث أن الرسول كان يعلم قرب أجله وأنه خيّر بين الخلد في الدنيا ولقاء الله فاختار صلى الله عليه وسلم لقاء ربه وأن الله أخبره بأن السم الذي دس له في شاة زينب بنت الحارث اليهودية قد سبب انقطاع الأبهر.
الخلاصة:
(1) أن الله حقق للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة مادية بأن جعل الذراع يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مسموم.
(2) أن الله حقق للنبي صلى الله عليه وسلم معجزة علمية شاهـدة على صدق نبوته وعلى أنه لا ينطق عن الهوى.
الإعجاز العلمي في الحديث:
1- معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم لمرض انقطاع الأبهر بأكثر من ألف عام لمعرفة العلماء لهذا المرض.
2- إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم أن التسمم يسبب مرضا للأبهر وهذا لم يعرف إلا حديثاً ومازال لا يذكر في معظم كتب أمراض القلب.
3- أن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بقرب أجله وأخبره بسبب الوفاة إذ لم يعرف هذا المرض بصورة قاطعة إلا في القرن التاسع عشر.
4- احتجام الرسول بعد أن طعم السم من ذراع الشاة يحتاج إلى بحث عن تأثير الحجامة على علاج بعض السموم.


القلب الحزين 16-03-2008 04:08 PM

حديث القرآن و السنة عن الحامض النووى فى الأمشاج


http://www.55a.net/firas/ar_photo/1173566503dna1.jpg
شكل توضيحي لجزيء (DNA)
بقلم الدكتور محمود عبد الله إبراهيم نجا
مدرس مساعد بقسم الفارماكولوجيا الاكلينيكيه- كلية طب- جامعة المنصورة - مصر
إن الحمد لله تعالى نحمده سبحانه و نستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا. من يهده الله فهو المهتدى و من يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. و أشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا عبده ورسوله. و بعد....
يتناول هذا البحث قضية الجينات التي تمثل الجزء الأساسي من خلق و تصوير ذرية آدم في الأصلاب و في الأرحام. و مع أن كل الكائنات الحية مختلفة في الأشكال و الصفات إلا أنها بالإجماع تعتمد على وجود الحامض النووي في كل خلاياها مما يدفعنا إلى الاستنتاج بأن من أوجد هذه الكائنات لابد وأن يكون واحداً. و مع ذلك فقد خرج علينا من زعم بأن الحياة نشأت صدفة, و حتى الآن لم يستطع هؤلاء الْمُضِلِّينَ أن يقدموا دليلا واحدا على أباطيلهم. فالخلق والتصوير من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ والأرض وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}الكهف51. و الله قد شهد لنفسه بالوحدانية و بأنه خلق كل ما في الكون {قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}الرعد16, و لا يدعى الخلق إلا من علم سر المخلوقات {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء. هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}آل عمران6,5. و حين ينسب الله التصوير في الأرحام لنفسه فانه بذلك يقدم دليلا عمليا على أنه يعلم سر المخلوقات بما في ذلك الحامض النووي الذي ينقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء عبر النطفة التي منها يتم تصوير و خلق الذرية في الأرحام. فالله قد أخبرنا أنه بدأ خلق الإنسان بخلق آدم من الطين {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ}السجدة7, و خلق حواء من آدم {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء}النساء1, فكأن الإنسان كله قد خلقه الله من الطين باعتبار مادة الأصل {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ}المؤمنون12, ثم جعل الله نسل آدم من الماء المهين {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ}السجدة 7, 8 , أي من الأمشاج الذكرية و الأنثوية التي تخلق و تصور في الأصلاب ثم تجتمع لتعطى ألنطفه (زيجوت = Zygot) فى الرحم {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ}المؤمنون 13,12, و نلاحظ أن الهاء في (جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً) عائده على الإنسان بكل صفاته. و في هذا الأخبار الرباني عن جعل الإنسان نطفه إعجاز علمي غاية في الدقة, إذ كيف تتساوى النطفة التي تمثل خليه واحده لا ترى بالعين المجردة مع الإنسان الذي يتركب من بلايين الخلايا. و هذا الإعجاز لم يعرفه العلم إلا منذ فتره بسيطة عندما فحص النطفة ليكتشف وجود إنسان كامل يعرف باسم الحامض النووي (دنا (DNA = لا يكاد يذكر في الحجم و لكنه يحمل شفره وراثية كاملة للإنسان و يمكن أن نسميه بالإنسان الجيني أو النطفة الأمشاج {هلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً. إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ}الإنسان 1 , 2. و النطفة هي المسؤله عن نقل البرنامج الوراثي (Genetic programming) من الآباء إلى الأبناء {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}عبس19.
و السؤال الآن, هل اكتفى الله بذكر المكان الذي تتكون فيه الأمشاج و هو الأصلاب كما في قوله تعالى (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) الطارق 6,5, 7 , أم أن الله قد بين لنا في قرآنه و على لسان نبيه كيفية خلق الأمشاج في الأصلاب على وجه التفصيل كما هو معلوم الآن في العلوم الحديثة. و الحقيقة أن المتدبر لآيات الله التي تتكلم عن الخلق و التصوير سوف يكتشف أن الله بهاتين الكلمتين قد وصف كيفية خلق الأمشاج في الأصلاب بدقة شديدة تفوق قدرة العلوم الحديثة, و لما لا و الله يقول عن نفسه (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) 1 هود.
تركيب الحامض النووي و كيفية التقدير الوراثي
DNA structure and Genetic Programming
وحدة بناء الإنسان هي الخلية التي تحوى صوره للإنسان تعرف باسم الحامض النووي (دنا = DNA) الذي يحمل الشفرة الوراثية لكل صفات الإنسان المرئية و غير المرئية (كاللون و الطول و العقل), و كأني بالله قد جعل للإنسان تمثالا (صورة) متناهي في الصغر يتكدس داخل نواة الخلية في حيز لا يزيد عن واحد على المليون من المليمتر المكعب ولكنه إذا فُرِدَ يزيد طوله على المترين. و في بعض مراحل الخلية نجد الحامض النووي مقسم إلى ستة وأربعين جسيم صبغي تعرف بالكروموسومات التي يشبه كل منها حرف اكس (X) وهى مرتبه في أزواج عددها ثلاثة و عشرين زوجا متماثل في الشكل ومختلف في التركيب الجيني. و الحامض النووي يتكون من حلزونيين ملتفين حول بعضهما و هو بدوره يحمل الجينات المسؤولة عن الصفات الوراثية الخاصة بكل إنسان. و كل جين يتركب من تتابع معين من القواعد الأمينية (Nucleotides) و التي تنحصر في أربعة أنواع وهى(ايه= A) و(جى= G) و(تى= T) و (سى= C) بحيث أن القواعد الموجودة على أحد الحلزونين تكون مكمله للقواعد الموجودة على الحلزون الأخر كما لو كان أحد الحلزونين يمثل صورة الحلزون الأخر في المرآة بحيث تكون القاعدة(ايه) مكمله للقاعدة (تى) و القاعدة (جى) مكمله للقاعدة (سى) (صوره 1).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/1173561018clip_17.jpg
(صوره 1: تركيب الحامض النووى)
ومن آيات الله أن كافة خلايا الجسد تحوى 46 كروموسوم فردى إلا خلايا الأمشاج فإنها تحوى نصف هذا العدد أي 23 كروموسوم فردى. و بعد التلقيح بين الذكر و الأنثى تلتقي الأمشاج في الرحم لتتكون النطفة التي تحمل الشفرة الوراثية للذرية مع العلم بأن نصف الصفة الوراثية يأتي من الذكر والنصف الأخر يأتي من الأنثى. و الشفرة الوراثية في النطفة هي المسؤله عن تكوين الذرية في الأرحام و ذلك من خلال تصوير كل جين في الشفرة الوراثية لخلق البروتين المماثل لذلك الجين. و كأن تمثال الشفرة الوراثية الموجود في النطفة يعمل كقالب لصب الذرية عليه في الأرحام.
التقدير الوراثي في القرآن و السنة
لاحظنا مدى دقة كلمة التصوير في وصف انتقال الصفات الوراثية من الخلايا الجسدية إلى الأمشاج و من النطفة إلى الجنين في الرحم. و عليه فان الآيات و الأحاديث التي تتناول التقدير الوراثي لابد و أنها تتحدث عن التصوير مقرونا بالخلق أو منفصلا عنه.
أولا: آيات التصوير بترتيب المصحف:
1. (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاءُ) 6 آل عمران.
2. (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ)11 الأعراف.
3. (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) 64 غافر.
4. (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسماء الْحُسْنَى)24 الحشر.
5. (هُوَبَصِيرٌ.خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) 2, 3 التغابن.
6. (يَا أَيُّهَا الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ.الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ .فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) 6, 7, 8 الانفطار.
ثانيا: أحاديث التصوير:
1. (خلق الله آدم على صورته) أحمد والبخاري ومسلم.
2. (إذا مر بالنطفة اثنتان و أربعين ليله بعث الله إليها ملكا فصورها و خلق سمعها وبصرها و جلدها و لحمها وعظامها ثم قال يا رب اذكر أم أنثى فيقضى ربك ما يشاء ويكتب الملك ) مسلم.
3. (اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين) مسلم و النسائي و الدراقطنى و البيهقى. و في رواية أخرى جاء الحديث بزيادة فأحسن صورته موافقة لما في القرآن (سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صورته ) مسلم و سنن أبى داود و النسائي. و في رواية أخرى جاء الحديث بزيادة فأحسن صوره (سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صوره ) مسلم و أحمد و ابن حبان و الدار قطني و أبو داود.
الهدف من البحث
1. إثبات إعجاز القرآن و السنة في وصف الحامض النووي و التقدير الوراثي بكلمتين هما الخلق و التصوير.
2. شرح دورة الخلية (cell cycle) وما يحدث فيها من انقسام منصف (ميوزى) أو تضاعفي (ميتوزى).
3. شرح كيفية تحسين النسل في أثناء تكوين الأمشاج و في أثناء التقدير الوراثي للنطفة.
4. شرح العلاقة بين الخلق و التصوير في الأصلاب و في الأرحام.
العلاقة بين الخلق و التصوير
إذا أخذنا بترتيب سور المصحف نجد أن أول مره يجتمع فيها الخلق مع التصوير في آية واحده هي (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11 الأعراف. و بالرجوع إلى كتب المفسرين نجد أنهم قد اختلفوا في تأويل هذه الآية, واختلاف العلماء في تفسير هذه الآية يرجع إلى اختلافهم في فهم الجمع في (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) هل هو لتعظيم آدم أم أنه جمع حقيقي يشمل آدم و حواء والذرية. أيضا اختلفوا حول زمان خلق و تصوير الذرية هل هو قبل السجود لآدم أم بعد السجود. كما اختلفوا أيضا حول مكان خلق و تصوير الذرية, هل هو في الأصلاب أم في الأرحام أم في الاثنين معا.
فذهب بعض العلماء كالطبري و ابن كثير إلى أن المقصود في هذه الآية هو آدم و أن التصوير حدث بعد الخلق لإيجاد الشكل الخارجي لآدم و قبل سجود الملائكة, فقال الطبري و ابن كثير نقلا عن الزجاج وابن قتيبة (خَلَقْنَاكُمْ) أي خلقنا آدم و(صَوَّرْنَاكُمْ) بتصويرنا آدم وإنما قيل ذلك بالجمع لأنه أبو البشر, فالعرب قد تخطاب الرجل بالأفعال تضيفها إليه والمراد في ذلك سلفه كما قال الله لليهود على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة) فالخطاب موجه إلى الأحياء من اليهود والمراد به سلفهم المعدوم, فكذلك (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) أى خلقنا أباكم آدم ثم صورناه.
و حيث أن أصحاب هذا القول لم يعرفوا ما وصل إليه العلم الحديث من أن التصوير الوراثي للأبناء يمر بثلاثة مراحل, الأولى في الأصلاب أثناء تكوين الأمشاج, و الثانية عند اجتماع الأمشاج لتكوين النطفة, أما الثالثة فهي تصوير الجنين من النطفة في الأرحام. و لما اقتصر علم أصحاب هذا القول على معرفة تصوير الأرحام {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ}آل عمران6, قالوا باستحالة أن يكون هناك تصوير للذرية قبل السجود لآدم و فات عليهم أن الإنسان قبل أن يخلق في الأرحام يخلق في الأصلاب ({فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ }الطارق7,6,5. و الأمشاج خلقت في صلب آدم و حواء من قبل السجود لآدم و منها أخذ الله الذرية حين الميثاق {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى}الأعراف172, و في الحديث (أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال: ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا) رواه أحمد و النسائي و صححه الألباني.
و اذا كان الإنسان على ضعف قدراته إذا أراد أن يبنى بيتا و اجتمعت لديه مقدرات البناء تكلم عن البيت قبل اكتمال البناء كأنه موجود, فيقول مثلا أنا ذاهب إلى البيت على اعتبار ما سوف يكون. فكيف بالله القادر لا يتكلم عن الذرية قبل السجود لآدم و هو قد خلق الأمشاج (أصل الذرية) في صلب آدم قبل السجود, و لا يعقل أن آدم كان بدون خصية و أمشاج قبل السجود و آدم قد خلق كاملا قبل السجود كما نص على ذلك حديث النبي صلى الله عليه و سلم (خلق الله آدم على صورته) و قول الله تعالى (فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).
و قد كنت أظن أنني أول من ذهب إلى أن الجمع في (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) قد يمتد ليدل على الجنس البشرى آدم و حواء و الذرية, و أن التصوير قد يمتد أيضا ليشمل تصوير الذرية من آدم. إلا أنني و بفضل الله قد وجدت أن هذا الرأي قد سبقني إليه بعض كبار المفسرين كالقرطبي و الشوكانى و أبو جعفر النحاس نقلا عن أقوال العديد من السلف الصالح:
1. عن ابن عباس {خَلَقْنَاكُمْ} آدم و {صَوَّرْنَاكُمْ} فذريته خلقوا في أصلاب الرجال و صوروا في الأرحام.
2. عن قتادة و السدي و الضحاك قال:{َقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} أي خلقنا آدم ثم صورنا الذرية في الأرحام
3. عن عكرمة و الأعمش {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} خلقناكم في أصلاب الرجال وصورناكم في الأرحام.
4. عن مجاهد {خَلَقْنَاكُمْ} قال : آدم و {صَوَّرْنَاكُمْ} قال: خلقناكم في ظهر آدم ثم صورناكم حين الميثاق
5. عن الحسن {خَلَقْنَاكُمْ} يريد آدم وحواء فآدم من التراب وحواء من ضلع من أضلاعه {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} ثم وقع التصوير بعد فالمعنى : ولقد خلقنا أبويكم ثم صورناهما.
فأقوال أصحاب هذا القول تدل على أن التصوير في {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} يمتد ليشمل الذرية. والاختلاف بينهم على مكان تصوير الذرية فمنهم من قال خلقوا و صوروا في الأصلاب و منهم من قال في الأرحام و منهم من قال خلقوا في الأصلاب و صوروا في الأرحام. قال القرطبي كل هذه الأقوال محتمل وأصحها ما يعضده التنزيل قال تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ} يعني آدم و {َخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} حواء {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } أي جعلنا ذريته نطفا خلقوا في أصلاب الآباء و صوروا في الأرحام. فيكون معنى الآية, بدأ الله خلقكم أيها الناس بآدم و حواء و خلقكم منهما بخلق الأمشاج التي تحمل التقدير (البرنامج الوراثي) لخلقكم و تصويركم في الأرحام ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم.
علاقة التصوير في القرآن و السنة بالحامض النووي
لكل كائن حي كالإنسان صورة مميزة عن باقي الكائنات ركبها الله وفق مشيئته (في أي صورة ما شاء ركبك). و العلم الحديث يقول بأن الصورة الشكلية للكائن لن تتركب إلا في وجود الحامض النووي (دنا) الذي يمثل الصورة الجينية (الشفرة الوراثية) للصورة الشكلية للكائن. و بإذن الله سوف نثبت في هذا البحث أن التصوير المذكور في القرآن و السنة يحمل في طياته إلى جانب الكلام عن الشكل الخارجي الكلام عن الحامض النووي و دوره في انتقال الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء و ذلك بالأدلة الآتية:
1. الخالق اسم عام و المصور اسم خاص
ذكر الله التصوير في الكلام عن الإنسان في ستة آيات فقط في مقابل العدد الكبير من الآيات التي تتحدث عن خلق الإنسان و غيره من المخلوقات. و كل المخلوقات الغير الحية كالسماوات والأرض والجبال و الشمس و القمر و النجوم لها صورتها الشكلية الخاصة بها, و لو كانت تأخذ صورتها باسم المصور لاقترن فعل التصوير بفعل الخلق في ايجادها كما حدث مع الإنسان. و مثال ذلك:
أ‌- حواء {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}النساء1
ب‌- الأنعام {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ }النحل5
ت‌- النبات {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الازْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض } يس36
ث‌- إبليس {َ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}الأعراف12
ج‌- الجان {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ }الحجر27
ح‌- السماء والأرض (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس) 57 غافر
خ‌- الطرائق {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ}المؤمنون17
و هذا يوضح لنا أن كل مصور مخلوق و ليس كل مخلوق بمصور, قال تعالى {قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}الرعد16. ومن المعلوم أن المخلوقات تنقسم إلى صنفين أحدهما له ذريه و الآخر ليس له ذريه. و كل ذريه هي صوره من أبائها و لا يحدث ذلك إلا عن طريق الجينات و القواعد الوراثية المعلومة. و عليه فعدم ذكر التصوير مع الجمادات لأنها لا تتكاثر بينما ذكر التصوير مع الإنسان لأنه يتكاثر وله ذريه على صوره أبيها آدم في كل التركيبات إلا أنها تختلف عنه في الشكل. و لما كانت القوانين التي تحكم تكاثر الكائنات الحية الأخرى مشابهة لقوانين تكاثر الإنسان فلم يذكر الله التصوير مع هذه الكائنات لأنه معلوم بالاستنباط من سنة النبي صلى الله عليه و سلم كما في البخاري (أتى رجلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ولد لي غلام أسود فقال النبي هل لك من ابل, قال نعم, قال ما ألوانها, قال حمر, قال هل فيها أورق, قال نعم, قال فأنى ذلك, قال لعل نزعه عرق, قال لعل ابنك هذا نزعه عرق).
2. تحدى الله الناس بإيجاد الذباب بالخلق و ليس بالتصوير
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}الحج73, و لو كان التحدي بالتصوير لفعلها الإنسان بالاستنساخ بأن يأتي بخليه من الذبابة بما تحتويه من كروموسومات تحمل صوره وراثية مطابقة للذبابة الأم و باستثارة هذه الخلية بطريقه معينه فنحصل على ذبابه طبق الأصل من الذبابة الأم و هذا ما قد حدث بالفعل مع النعجة دولي. و مع أن الاستنساخ ليس بمعجزه لأن الإنسان يستخدم فيه الحامض النووي المصنوع من قبل الله الا أن الله لم يتحدى البشر بالتصوير و لو تحداهم بالتصوير لأعجزهم لأنهم لن يستطيعوا صنع الحامض النووي. و لأن الله لا يريد الجدل بل يريد التعجيز فقد تحداهم بالخلق و ليس التصوير كما تحدى النمرود بأن يأتي بالشمس من المغرب و لم يجادله في إحياء الموتى.
3. معنى التصوير
قال القرطبي و الشوكانى أصل اشتقاق الصورة من صاره إلى كذا إذا أماله, فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة (أ.ه). و هذا التعريف يعطينا فكره عن لوازم التصوير و هي مصور وآلة تصوير والشئ المراد أخذ صوره له ومادة يتم التصوير عليها (الفيلم). و قد قال تعالى عن نفسه أنه المصور وآلة التصوير عنده كن فيكون. فما هو هذا الشيء المراد أخذ صوره له وما هي المادة التي يتم التصوير عليها (الفيلم)؟
بعد أن خلق الله آدم خلقا كاملا بصورته كما في الحديث المتفق عليه (خلق الله آدم على صورته) صار آدم هو الشيء الذي يتم أخذ صوره له و هذه الصورة قد أخذت على مادة يتم التصوير عليها. أقول وبالله التوفيق بأن هذه المادة التي تحمل صوره طبق الأصل من آدم هي الحامض النووي الموجود بداخل خلايا جسم آدم. و من المعلوم أن الحامض النووي هو صوره طبق الأصل من صاحبه وقد استخدمت هذه الحقيقة في عملية استنساخ الكائنات الحية من الخلايا الخاصة بها ومثال ذلك النعجة دوللي. ويدل على صحة هذا الفهم قول الله {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ}آل عمران 6 , فالله هو المصور وآلة التصوير كن و الصورة هي الذرية, و الشيء الذي تم تصوير الذرية منه في الأرحام هو الحامض النووي في النطفة {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ}المؤمنون 13,12. فالحامض النووي يمثل الوسيط في نقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء بحيث يكون الآباء هم الأصل و الذرية لهم صوره, قال تعالى واصفا الذرية بكلمة صوره {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}الانفطار8. و التصوير بهذه الكيفية يعطى الكمال لاسم الله المصور لأنه بذلك أوجد التقدير الوراثي لخلق الذرية من النطفة في الأرحام.
4. دقة كلمة التصوير في وصف انتقال الصفات الوراثية عبر الحامض النووي
لا يستطيع أي عالم من علماء الوراثة أن ينكر أن الحامض النووي في الخلية البشرية هو صورة (تمثال) الجسم البشرى و أن الجنين في الرحم هو صورة (تمثال) الحامض النووي في النطفة. و لذا سمى الله الجنين في الرحم صورة (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ) (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ). و كلمة التصوير المستخدمة في القرآن و السنة أدق من كلمة النسخ (Copy = Transcript) المستخدمة في اللغة الانجليزية لوصف انتقال الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء عبر الأمشاج, فالنسخ يقتضي النقل الحرفي بدون تغيير أي المساواة أو التكرار. والتكرار قد يحدث في التكاثر اللاجنسى في الكائنات الحية من أجل تضاعف عدد الخلايا و لكنه لا يحدث في أثناء انتقال الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء عبر الأمشاج و إلا لما كان هناك تحسين في النسل و لكان الأبناء مثل الآباء في الشكل و التركيب الوراثي. أما كلمة التصوير (التمثيل) لغة العرب فتدل على احتمالية حدوث تغير في الصورة عن الأصل حتى و لو كان التغيير في الاتجاه فقط كما يحدث لصورة الإنسان في المرآة أو في الصور الفوتوغرافية. كما أن التصوير قد يكون مطابق للأصل فيكون بمعنى النسخ. إذا فالتصوير قد يراد به التساوي أو الاختلاف.
و هذا الفارق الكبير بين النسخ و التصوير (التمثيل) ليس ابتداعا منى و لكنه معروف و مستخدم في لغة العرب و نجده كالأتى:
* معنى النسخ في لغة العرب:
في لسان العرب: يُراد به النقل، ومنه نسخ الكتاب: أي نقل صورته إلى كتاب آخر {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الجاثية29، أي ننسخ ما تكتبه الحفظة، فيثبت عند الله سبحانه.

يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
....

القلب الحزين 16-03-2008 04:14 PM

يتبع ... موضوع >>> حديث القرآن و السنة عن الحامض النووى فى الأمشاج

* معنى التصوير و الصورة في لغة العرب.
1. لسان العرب: المُصَوِّرْ هو الذي صَوَّر جميع الموجودات ورتبها فأَعطى كل شيء منها صورة خاصة يتميز بها على كثرتها. وقد صَوَّرَهُ صُورةً حَسَنَةً فتَصَوَّر (تشكل). و التَّصاوِيرُ : التَّماثيلُ.
2. مختار الصحاح: التِّمْثَالُ هو الصورة المصورة.
3. تاج العروس: الصُّورَةُ بالضَّمّ : الشَّكْلُ والهَيْئةُ والحقيقةُ والصِّفة. وقال المصنّف في البصائر : الصُّورَةُ ما ينتقش به الإنسان ويتميَّزُ بها عن غيره وذلك ضَرْبانِ : ضَرْبٌ محسوس يُدْركُها الإنسانُ وكثيرٌ من الحيوانات كصُورَةِ الإنْسَان والفَرَسِ والحِمارِ . والثاني : معقُولٌ يُدْرِكه الخاصَّةُ دونَ العَامَّة كالصُّورَةِ التي اخْتُصّ الإنْسَانُ بها من العَقْلِ والرَّويّضةِ والمَعَاني التي مُيِّزَ بها وإلى الصُّورتَيْن أشارَ تعالى (وَصَوَّرَكُمْ فأحْسَنَ صُوَرَكُمْ). وقد صَوَّرَهُ صُورةً حَسَنَةً فتَصَوَّر (تشكل).
* معنى التماثلُ في لغة العرب و علاقة ذلك بالتصوير.
1. في لسان العرب و تاج العروس: مِثل كلمةُ تَسْوِيَةٍ و الفرقُ بين المُماثَلةِ والمُساواةِ أنّ التساويَ هو التكافُؤُ في المِقدارِ لا يزيدُ ولا يَنْقُصُ وأمّا المُماثَلةُ فقد تكون على الإطلاق فمعناه أنّه يَسُدُّ مَسَدَّه وإذا قيل : هو مثلُه في كذا فهو مُساوٍ له في جِهةٍ دونَ جِهةٍ. وماثَلَ الشيءَ شابهه والتِّمْثالُ الصُّورةُ والجمع التَّماثيل ومَثَّل له الشيءَ صوَّره حتى كأَنه ينظر إِليه. والتِّمْثال اسم للشيء المصنوع مشبَّهاً بخلق من خلق الله وجمعه التَّماثيل وأَصله من مَثَّلْت الشيء بالشيء إِذا قدَّرته على قدره.
2. مختار الصحاح: مِثْلٌ كلمة تسوية و المَثَلُ ما يضرب به من الأَمْثَالِ و مَثَّلَ له كذا تمثِيلاً إذا صور له مثاله بالكتابة أو غيرها و التِمْثَالُ الصورة والجمع التَمَاثِيلُ
* علاقة التصوير و التمثيل بالحامض النووى و الكروموسومات
1. العلاقة بين الكائن الحي و الحامض النووي علاقة مماثله (تصوير) و ليست مساواة (نسخ) وذلك لاختلاف الحجم فهما غير متكافئين في المقدار اذ أن الحامض النووي في حجم الذر بالنسبة للكائن الحي. إلا أن الحامض النووي يحمل صوره للكائن تمثل الشَّكْلُ والهَيْئةُ والحقيقةُ والصِّفة بمعنى أنه يحمل الصفات المرئية و غير المرئية للكائن. فالحامض النووي يشبه الإنسان في جهة دون جهة.
2. الحامض النووي عبارة عن شفره وراثية مشابهه للكائن. و عليه فالحامض النووي هو اسم لشيء مصنوع مشبَّهاً بخلق من خلق الله وأَصله من مَثَّلْت الشيء بالشيء إِذا قدَّرته على قدره ويكون تَمْثيل الشيء بالشيء تشبيهاً به واسم ذلك الممثَّل تِمْثال.
3. الحامض النووي يسد مسد الكائن الحي فهو مِثلُه على الإطلاق في الصفات و بالحامض النووي يستدل على الكائن الخاص بذلك الحامض النووي اذ أن لكل كائن الحامض النووي الخاص به.
* تعريف اسم الله المصور:
هو قدرة الله على أن يجعل لكل كائن من الكائنات الحية صورة مميزة له عن الكائنات الأخرى مع أخذ صوره طبق الأصل من الصفات الشكلية للكائن على الحامض النووي بحيث يكون لكل صفه شكليه ((phenotype صفه جينية(Genotype) مقابله لها بكيفية لا يعلمها إلا الله, و بحيث يكون لكل كائن حي صورة وراثية خاصة به.
شرح آيات و أحاديث الخلق و التصوير(التقدير) الوراثي للإنسان
* يدور الكلام في هذا الباب على أربعة مراحل اساسيه:
1. خلق و تصوير آدم و حواء و الخلايا الجنسية المكونة لأمشاج الذرية
2. خلق و تصوير الأمشاج في الأصلاب
3. التلقيح و التقدير الوراثي في النطفة
4. خلق و تصوير الذرية في الأرحام
* و لكبر حجم الموضوع فسوف اكتفى في هذا البحث بشرح المرحلتين الأولى و الثانية مع ربطهما بالرابعة لتتم الفائدة, على أن يكون شرح المرحلتين الثالثة و الرابعة في بحث لاحق بإذن الله.
1- خلق و تصوير آدم و حواء و الخلايا الجنسية المكونة لأمشاج الذرية
قال تعالى عن الخلق الأول (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11 الأعراف
http://www.55a.net/firas/ar_photo/1173561127clip_18.jpg
معنى خلقناكم في الآية: (صوره 2)
خلق الجنس البشرى بالكامل ابتداء من خلق آدم بكل صفاته الشكلية المرئية و غير المرئية بما فيها الخلية الجنسية المكونة للمشيج الذكرى (Spermatogonium) في الخصية ثم خلق حواء من آدم (و خلق منها زوجها) بكل صفاتها الشكلية المرئية و غير المرئية بما فيها الخلية الجنسية المكونة للمشيج الأنثوي (Oogonium) في المبيض. و الخلايا الجنسية هي بداية خلق أمشاج الذرية في الأصلاب كما سنرى ذلك في المرحلة الثانية من مراحل التقدير الوراثي للإنسان. (صوره 2. معنى خلقناكم)
* معنى صورناكم في الآية: صورة 3
هذه الكلمة تدل على ثلاثة أنواع من التصوير الوراثي:
1. تصوير آدم : هو تصوير الصفات الشكلية المرئية وغير المرئية (phenotype)لجسد آدم على الحامض النووي في الخلية الجسدية و الجنسية بحيث لا توجد صغيره أو كبيره من صفات آدم الجسدية إلا ولها صوره طبق الأصل ممثله بعدد معين من الجينات (Genotyping).
2. تصوير حواء : وقد تم والله أعلم كتصوير آدم.
3. تصوير الذرية : بما أن كلمة صورناكم تتضمن تصوير الخلايا الجنسية لآدم و حواء و التي تمثل الأصل في تصوير أمشاج الذرية في الأصلاب, إذاّ فكلمة صورناكم تشمل تصوير الذرية في الأصلاب كما سنرى ذلك في المرحلة الثانية من مراحل التقدير الوراثي للإنسان.
2- خلق وتصوير الأمشاج في الأصلاب (gametogenesis)

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1173561339clip_5.jpg
(صوره 4. شكل الكروموسوم)


* بدأ الله خلق الذرية في الأصلاب بخلق الخلايا الجنسية (Germinal cells) المكونة للحيوانات المنوية في آدم (Spermatogonium) و المكونة للبويضات في حواء (Oogonium). و الخلايا الجنسية في الخصية و المبيض تحتوى على 46 كروموسوم فردى (23 زوج) مثل الخلايا الجسدية, و كل كروموسوم يتكون من خيطين متصلين بنقطه مركزيه(centromere) على شكل حرف اكس (صوره 4), و هذه الكروموسومات تظهر في الخلية في فترات انقسامها.
يتم خلق الأمشاج من الخلايا الجنسية كالآتي:
أولا: الانقسام التضاعفي = الميتوزى(Mitosis) .
الهدف منه زيادة عدد الخلايا الجنسية و تكوين مخزون للمستقبل. في هذا الانقسام يحدث انشطار لكل كروموسوم في الخلية الجنسية إلى نصفين بحيث تتحول ال 46 كروموسوم كامل في الخلية الجنسية الى 92 نصف كروموسوم. يتبع ذلك انقسام الخلية الجنسية إلى خليتين متماثلتين تحتوى كل منهما على 46 نصف كروموسوم. بعد الانقسام إلى خليتين يتم تصوير (نسخ) كل نصف كروموسوم في كل خليه ليعطى النصف المكمل له بحيث تتحول أنصاف الكروموسومات إلى كروموسومات كاملة (صوره 5).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/1173561464clip_20.jpg
(صوره 5 . الانقسام التضاعفي = الميتوزى)
ثانيا: الانقسام الاختزالي = الميوزى (Meiosis).
الهدف منه تحويل الخلية الجنسية في الأصلاب إلى الأمشاج و ذلك على مرحلتين:
1. الانقسام الاختزالي الأول = التنصيفى (الميوزى الأول): (صورة 6)
يهدف إلى اختزال عدد 46 كروموسوم فردى كامل (23 زوج) في الخلية الجنسية إلى نصف العدد في الأمشاج أى 23 كروموسوم فردى كامل. و فيه تنقسم الخلية الجنسية إلى خليتين كل منهما تحتوى على 23 كروموسوم فردى كامل و تسمى الخلية المشيجيه الأولية. مع العلم بأنه أثناء الانقسام التنصيفى الأول يحدث تبادل لبعض الجينات بين كل كروموسومين من الكروموسومات الزوجية المتماثلة في الشكل و هذا ما يعرف في الوراثة باسم التصالب (كيازما) أو العبور (CHISMATA = Cross over). و يعد التصالب المسؤول الرئيسي عن تحسين النسل حيث ينشأ عنه اختلاف في صفات الأمشاج الجينية عن بعضها البعض وعن الأصل بحيث أن الأبناء لا تشابه الآباء و بحيث يختلف البشر عن بعضهم البعض. و عملية التصالب لكي تحدث تمر بالخطوات الآتية (صورة 7):
أ‌- في كل زوج من الكروموسومات الزوجية المتماثلة يحدث ميل لأحدهما على الأخر
ب‌- التعانق بين كل كروموسومين من الكروموسومات الزوجية المتماثلة في الشكل
ت‌- تكثف بعض من أجزاء الكروموسومات المتعانقه ليتكون عليها عقد (loop = Knob) قريبة الشبه من شلة الخيط (Slooped skeins) المتصله بخيط رفيع أو رأس الإنسان على عنقه.
ث‌- تثاقل العقد على أطراف الكروموسومات المتعانقة (أو تثاقل الرأس على العنق إذا مالت جانبا)
ج‌- هذا التثاقل عند أطراف الكروموسومات المتعانقة يؤدى إلى حدوث توتر عند العنق لا يزول إلا بحدوث تشققات عند العنق (Craks) ينشأ عنها تقطع أطراف الكروموسومات المتعانقة إلى قطع صغيره مع تبادل القطع بين الكروموسومات المتعانقة لكي ينشأ تغيير في صفات الأمشاج الجينية عن بعضها البعض وعن الأصل.
http://www.55a.net/firas/ar_photo/1173561609clip_21.jpghttp://www.55a.net/firas/ar_photo/1173561568clip_8.jpg
(صوره 7. خطوات التصالب)
(صورة 6. الانقسام الميوزى الأول)
2. الانقسام الاختزالي الثاني = المتساوي (الميوزى الثاني): (صورة 8)
يهدف إلى تضاعف الخليتين المشيجييتين الأوليتين الناتجتين من الانقسام الميوزى الأول إلى أربع خلايا مشيجيه ثانوية لها نفس التركيب الجينى للخليه المشيجيه الأولية, أي انقسام بدون تحسين وراثي. و حاصل الميوزى الثاني في الذكر هو أربع حيوانات منوية كل منها يحتوى على 23 كر وموسوم فردى كامل, أما في الأنثى فبويضة واحدة و ثلاثة أجسام قطبيه كل منها يحتوى على 23 كروموسوم فردى كامل. و خطوات هذا الانقسام هي نفس خطوات الانقسام التضاعفي (الميتوزى) السابق شرحه (صوره 5).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/1173565437clip_2.jpg
(صورة 8. الانقسام الميوزى الثاني)
وصف خلق و تصوير الأمشاج في القرآن و السنة
1. وصف الانقسام التضاعفي = الميتوزى (Mitosis) الذي يؤدى إلى زيادة عدد الخلايا الجنسية
* لوصف هذا الانقسام نحتاج إلى الكلمات الآتية:
أ‌- الخلق لوصف الإيجاد و الزيادة في عدد الخلايا (خليه تتحول إلى خليتين)
ب‌- التصوير لوصف تحول أنصاف الكروموسومات إلى كروموسومات كاملة كالموجوده في الخلية الأم, أي أنه تصوير بدون تحسين.
ت‌- وصف العلاقة بين الخلق و التصوير بأنهما منفصلين, فنربط بينهما ب (ثم).
* هذه المواصفات تجتمع في (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11 الأعراف.
* و هذا النوع من التصوير حدث في أصلاب آدم و حواء و الذرية.
2. وصف الانقسام الاختزالي الأول = التنصيفى (الميوزى الأول) الذي ينصف الخلية الجنسية
* لوصف هذا الانقسام نحتاج إلى الكلمات الآتية:
أ‌- الخلق لوصف الإيجاد و الزيادة في عدد الخلايا (خليه واحده تتحول إلى خليتين)
ب‌- التصوير لوصف حدوث التصالب بين الكروموسومات و تبادل الجينات (وصف دقيق)
ت‌- ناتج عملية التصالب و هو حدوث تحسين في صور الأبناء عن الآباء
ث‌- وصف العلاقة بين الخلق و التصوير بالمصاحبه فنربط بينهما ب (الواو)
* هذه المواصفات تجتمع في آية {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأرض بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}التغابن2, 3. و في الحديث الصحيح الموافق للآية (سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صورته) و في رواية أخرى (سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صوره).
* و هذا النوع من التصوير حدث في أصلاب آدم و حواء و الذرية.
* قال المفسرون (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) أي الصورة الشكلية الحسنه. وإذا كان هذا هو المعنى فماذا نقول في القبيح و الأحدب و الذي ينقصه عضو أو يزيد عليه عضو أو تأتى أعضائه في غير مكانها الأصلي كأن يأتي القلب في اليسار مثلا وهذه الاختلافات الشكلية ليست بقليلة, فاللون الأسود تمثله أمة الزنوج و قصر القامة صفة الأسيويين. و الله يركب الإنسان في أي صوره شاء حسن أو قبيح {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}الانفطار8. و الأصل أن الله أحسن كل شيء خلقه و خلق الإنسان في أحسن تقويم بالنسبة لسائر الأجناس, و ما كان لنا أن ندرك عظمة الله في فعله إلا بوجود القبيح.
* اتفقنا على أن التصوير لا يخص الشكل الخارجي و إنما يخص الحامض النووي و التقدير الوراثي, و عليه (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ليس حسن الشكل. و بالرجوع إلى لسان العرب وجدت أن معنى (أَحْسَنَ) بتسكين الحاء و فتح السين و النون هو(حَسَّن) بتشديد السين بمعنى التحسين, و عليه فان الآية جاءت لتصف التصوير الوراثي المسؤول عن تحسين صور الذرية بحيث لا تشابه الآباء و الذي يحدث في الانقسام المنصف (الميوزى) الأول المشتمل على التصالب، و هذا القول تشهد له الأدلة الآتية:
1. الآية تخاطب الذرية و لا تخاطب آدم وحواء, وهذا ما لا يمكن أن يحدث في هذه الآية لأن آدم وحواء هما أصل الذرية و ليسا بصورتين يدخل عليهما التحسين, و لذا فان الخطاب في الآية صريح في كونه موجه للذرية فقط (خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ).
2. جاء الكلام عن التصوير في هذه الآية في سياق الكلام عن الخلق, فلابد أن الآية تتكلم عن التصوير أثناء عملية خلق ذرية آدم.
3. الفعل (صُوَرَكُم) على صيغة الماضي فلابد أن هذا الفعل حدث قبل الفعل (يُصَوِّرُكُمْ) المذكور في آية آل عمران (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ), و لو قال قائل بأن صيغة الماضي هذه أيضا قد تصف الجنين بعد إتمام تصويره في الرحم فنرد بأن التصوير هنا يتكلم عن التقدير الوراثي وليس عن وصف الصورة الشكلية. وطالما أن الفعل (صُوَرَكُم) سابق في الزمن للفعل(يُصَوِّرُكُمْ) فلابد أن الكلام في (صوركم) عن خلق الأمشاج في الأصلاب لأنها المرحلة السابقة للنطفة التي تتكون في الرحم.
4. كلمة (صُوَرَكُم) يلزمها وجود مصور و هو الله, و شيء يتم إعطاءه الصورة, و شيء يتم أخذ صوره منه, و الخطاب للذرية ب(صُوَرَكُم) يدل على أن الصورة سوف تعطى للذرية و بالتالي فان الصورة سوف تأخذ من الآباء. و انتقال الصورة من الآباء إلى الأبناء لا يكون إلا في أثناء خلق الأمشاج.
5. اقترن الخلق بالتصوير في الآيتين بحرف العطف الواو الذي يدل على المصاحبة و تبعهما وصف النتيجة الفورية للتصوير بقوله (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) لتدل على التحسين الوراثي الناتج عن التصالب و كأن الآية تكون هكذا (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ------------ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) 3,2 التغابن.
6. لا توجد كلمه على وجه الأرض لوصف أحداث عملية التصالب ككلمة (صُوَرَكُم) التي تأحذ عدة معانى يكمل بعضها بعضا من أجل وصف التصالب وصفا دقيقا لا يقدر عليه البشر. فالصورة مشتقه من الصَّوَرُ و هو الميل و ذلك ما نجده في معاجم اللغة العربية كلسان العرب و تاج العروس:
أ‌- الصَّوَرُ بالتحريك : المَيَل و صارَ الشيءَ صَوْراً : أَماله فمال وخص بعضهم به إِمالة العنق والرجلُ يَصُور عُنُقَهُ إِلى الشيء إِذا مال نحوه بعنقه و صارَ وجَهَهُ يَصُورُ : أَقْبَل به .
ب‌- ُوفي حديث عكرمة : حَمَلَة العَرْشِ كلُّهم صُورٌ هو جمع أَصْوَر وهو المائل العنق لثقل حِمْلِهِ .
ت‌- وصارَ الشَّيْءَ يَصُورُه صَوْراً : قَطَعَه وفَصَّلَه صُورَةً صُورَةً
ث‌- وفي التنزيل (فَصُرْهُنَّ إلَيْك)َ قال بعضُهم : صُرْهُنّ : وَجِّهْههُنّ و صِرْهُنّ : قَطِّعْهُنّ وشَقِّقْهُنّ.
ومجموع هذه المعاني السابقة هو ملخص التصالب الذي يحدث فيه ميل وتعانق للكروموسومات مع تشقق وتقطع لبعض أجزاءها لثقل الحمل على بعض أجزائها, ثم التحسين بتبادل الأجزاء المتقطعة بين الكروموسومات المتعانقة (صوره 5)
7. تخيل لو أن الله قال (وَصَوَّرَكُمْ) فقط ولم يقل (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) لكان المفروض وراثيا أن تكون الأبناء صوره طبق الأصل من الآباء. ولكن لما ذكر الله (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) دل هذا على حدوث تغيير معين في الصفة الجينية للأمشاج عن الصفة الجينية للآباء عن طريق التصالب. هذا التغيير في الصفة الجينية هو الذي يؤدى إلى الاختلاف العظيم الذي نراه في الصفات الشكلية للبشر كلهم. وهذا ما سجله العلم الحديث ليثبت عظمة القرآن وأنه ليس من كلام البشر فيقول العلم بأنه إذا فرضنا أن الخلية الجنسية تحوى زوج واحد من الكروموسومات فعند حدوث التصالب بينهما نحصل على نوعين مختلفين من الأمشاج, وإذا كانت الخلية الجسدية تحتوى على زوجين من الكروموسومات فان ناتج التصالب بينها هو أربع أنواع من الأمشاج المختلفة, و في حالة وجود ثلاثة أزواج يكون الناتج ثمانية أنواع من الأمشاج المختلفة وهكذا نسير حتى نصل إلى العدد ثلاثة وعشرين زوج من الكروموسومات وبعد حدوث التصالب بينها تكون الاختلافات بين الأمشاج الناتجة هو (232 ) وهذا العدد يقترب من ثمانية ملايين من الاختلافات بين الأمشاج ولذا فإننا ندرك عظمة قول الله (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) فالاختلافات بين البشر بالملايين فهي لا تقتصر على الناس في زماننا ولكنها موجودة منذ أن خلق الله آدم ومستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولذا نجد الخطاب في الآية (وَصَوَّرَكُمْ) موجه إلى كل ذرية آدم إلى قيام الساعة.

القلب الحزين 16-03-2008 04:24 PM

يتبع ... موضوع >>> حديث القرآن و السنة عن الحامض النووى فى الأمشاج

3 . الانقسام الاختزالي الثاني = المتساوي (الميوزى الثاني) الذي يهدف إلى تضاعف الخلايا المشيجيه
* وصف هذا الانقسام هو نفس وصف الانقسام التضاعفي = الميتوزى (Mitosis) الذي يؤدى إلى زيادة عدد الخلايا الجنسية حيث أن الميتوزى و الميوزى الثاني يحدثان بنفس الكيفية. فتنقسم الخلية المشيجيه الأولية التي تحوى 23 كؤوموسوم كامل إلى خليتين مشيجيتين ثانويتين بكل منهما 23 نصف كروموسوم, ثم بعد الانقسام يحدث تصوير لأنصاف الكروموسومات لتكوين كروموسومات كاملة. و لذا فانه يوصف بقول الله (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11 الأعراف.
* هذا النوع من التصوير يحدث في أصلاب آدم و حواء و الذرية.
خلاصة الكلام عن الخلق و التصوير في الأصلاب
تتكون الأمشاج في الأصلاب من الخلايا الجنسية بثلاثة أنواع من الانقسامات لكل خليه (صورة 9):
الانقسام الأول: هدفه تضاعف عدد الخلايا الجنسية و يحدث بالانقسام التضاعفي (الميتوزى) و هو الخلق الذي يتبعه التصوير (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ).
الانقسام الثاني: هدفه تحويل الخلية الجنسية إلى خليه مشيحيه أوليه مع تحسين الصفات الوراثية في الأبناء عن الآباء و يحدث بالانقسام الميوزى الأول و هو الخلق مصحوب بالتصوير (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) و حديث (خلقه وصوره فأحسن صورته).
الانقسام الثالث: و هدفه تضاعف كل خليه مشيحيه أوليه إلى مشيجين و بدون تحسين و يحدث بالانقسام الميوزى الثاني في الخلايا المشيجيه و هو الخلق ثم التصوير (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/1173561781clip_10.jpg

و أمام هذا الإبداع الذي لا نظير له لا أملك إلا أن أدع التعليق على هذا الإعجاز لله القائل عن نفسه {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ. أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ. أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}الواقعة59,58,57, و لذا فانه تحدى كل من دونه قائلا (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) لقمان11.


أخطاء العلم الحديث في وصف خلق و تصوير الأمشاج في الأًصلاب
استخدم العلم الحديث بعض المسميات التي لا تدل على مسماها بالقدر الكافي لوصف أحداث خلق و تصوير الأمشاج في الأًصلاب بما يدل على أنهم لا يملكون العلم المطلق بينما استطاع المولى تبارك و تعالى بعلمه المطلق من أن يصف أحداث خلق و تصوير الأمشاج في الأًصلاب وصفا دقيقا من خلال استخدام المسميات التي تدل على مسماها بالقدر الكافي و من أمثلة ذلك:
1- تكوين الأمشاج عند العلم الحديث (spermatogenesis & oogenesis) بدل خلق الأمشاج
* لفظة التكوين لا تدل على الخالق و كأن الأمشاج فاعله بإرادتها. كما أن هذه اللفظة لا تدل على وجود تقدير جيني و تصوير وراثي و هو الحدث الخفي الذي يتم في أثناء تكوين الأمشاج.
* أما لفظة خلق المنى فتدل على الخالق و تعنى في لغة العرب الإيجاد والتكوين كما أنها تعنى التقدير قال تعالى (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ).
2- الانقسام الخلوي عند العلم الحديث (Cell division) بدل التخليق في القرآن (Creation)
* الانقسام كلمه تدل على التنصيف بحيث أن جمع النصفين الناتجين يعطى الأصل و ذلك يستحيل الحدوث عند الكلام عن الأمشاج لسببين الأول هو حدوث التصالب الذي يغير تركيب الكروموسومات الجيني في الأمشاج عن الأصل و الثاني هو زيادة عدد الكروموسومات من 46 في الأصل إلى 92 في الأمشاج المتكونة.
* أما التخليق فهو تحويل مادة معلومة ذات صوره معلومة إلى مادة أخرى مغايرة للمادة الأولى في الشكل و التركيب بحيث يستحيل استرجاع المادة الأولى من المادة المخلوقة . و عليه فان جمع النصفين لا يعطى الأصل لحدوث تغيير في الكروموسومات تركيبا و عددا و ذلك متفق مع تعريف الخلق.
3- التصالب أو العبور Chiasma = Cross over بدل التصويري التحسيني
* التصالب لا يعنى إلا التعامد و لا يمكن أن يصف شكل حرف اكس (X) أما العبور فقد يصف التعامد و قد يصف شكل حرف اكس (X). و بما أن أطراف الكروموسومات المتماثلة تميل على بعضها و تتعانق في شكل حرف اكس فان كلا اللفظين غير دقيق لوصف شكل التلاقي بين الكروموسومات المتماثلة. كما أن كلا اللفظين لا ينص على كيفية حدوث التحسين الوراثي من خلال تبادل الجينات.
* أما التصوير التحسيني (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) فيصف عملية التلاقي بين الكروموسومات المتماثلة في الانقسام الميوزى الأول و الذي يحدث فيه ميل وتعانق و فو لا يكون إلا على شكل حرف اكس (X) ثم تشقق وتقطع لبعض أجزاء الكروموسومات لثقل حمل الرأس على العنق يترتب على ذلك التحسين بتبادل الأجزاء المتقطعة بين الكروموسومات المتعانقة. (صورة 10)

. http://www.55a.net/firas/ar_photo/1173561869clip_13.jpghttp://www.55a.net/firas/ar_photo/1173561954clip_12.jpghttp://www.55a.net/firas/ar_photo/1173561906clip_11.jpg
(صورة 10. الفرق بين التصالب و التعانق)


4. الانقسام التضاعفي و الاختزالي الثاني بدل (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ)
أطلق العلم الحديث مسميان مختلفين و هما الانقسام التضاعفي و الانقسام الاختزالي الثاني لوصف حدث واحد تتضاعف فيه أي خليه إلى خليتين بدون تحسين وراثي. بينما أطلق الله عليهما القرآن مسمى واحد و هو (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) لكونهما نوع واحد.
3- خلق و تصوير الذرية من النطفة في الأرحام
تتميز هذه المرحلة بحدثين مهمين:
الحدث الأول: تضاعف عدد خلايا النطفة و تطورها خلقا من بعد خلق
تنقسم النطفة ذات ال 46 كروموسوم في الأرحام بهدف تضاعف عدد خلاياها من واحده إلى اثنتين فأربع فثمانيه و يستمر التضاعف طوال الحمل حتى تتكون بلايين الخلايا(صوره 11). و مع كل انقسام تتحول النطفة إلى خلق جديد يختلف عما قبله و عما بعده أى أنها تتغير خلقا من بعد خلق (صوره 12) مع العلم بأن التركيب الوراثي للخلايا الناتجة من الانقسام المستمر في النطفة ثابت لا يتغير (أى بدون تحسين). و يحدث هذا التضاعف في النطفة بنفس الكيفية التي تتضاعف بها الخلايا الجنسية في الأصلاب أى بالانقسام التضاعفي أو الميتوزى (Mitosis), ومع كل انقسام ينشطر كل كروموسوم إلى نصفين ثم تنقسم الخلية إلى خليتين كل منهما تحتوى على ستة وأربعين نصف كروموسوم ثم يحدث تصوير لأنصاف الكروموسومات لتكوين كروموسومات كاملة (صوره 13).

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1173565388clip_3.jpg
(صوره 12. تطور النطفة خلقا من بعد خلق)
(صوره 11. تطور النطفة بالتضاعف)


الحدث الثاني: مرحلة التخليق في الرحم
و ذلك من خلال تمايز خلايا النطفة إلى أعضاء مع تصنيع البروتين الازم لتصنيع تلك الأعضاء ثم تركيبها في أماكنها الخاصة بها. و لأن الكلام عن هذه المرحلة يطول فسوف أؤجله للبحث القادم بإذن الله.
وصف القرآن لخلق و تصوير الذرية في الأرحام (تطور النطفة)
* لكي نصف مرحلة تضاعف عدد خلايا النطفة نحتاج الكلمات الآتية:
أ‌- الخلق ثم التصوير لوصف انقسام خلايا النطفة و تضاعفها
ب‌- عدم ذكر لفظة التحسين مع التصوير لأن التركيب الوراثي للخلايا الناتجة من الانقسام المستمر في النطفة ثابت لا يتغير
ت‌- كل انقسام في النطفة ينقلها إلى خلقه جديدة مختلفة عن الخلقة السابقة في التركيب
ث‌- الخلق في الفعل المضارع المستمر لأنه ممتد طوال فترة الحمل
* هذه الكلمات نجدها في آيتين من كتاب الله
الأولى: (خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ) الأعراف 11.
لوصف تضاعف النطفة بالانقسام الميتوزى و بدون تحسين وراثى (صوره 13).

http://www.55a.net/firas/ar_photo/1173561464clip_20.jpg
(صوره 13. التصوير التضاعفي فى النطفة)



الثانية: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ}الزمر6.
يخلقكم بالمضارع المستمر لتصف الزيادة المستمرة في النطفة و تغيرها خلقا من بعد خلق (صوره 11 , 12). و أثناء تطور النطفة خلقا من بعد خلق تتميز عند مراحل معينه لتعطى الأطوار {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }المؤمنون14, فالأطوار ما هي إلا مراحل معينه في (خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ).
العلاقة بين الخلق و التصوير في الأصلاب و في الأرحام
مما سبق يتضح لنا أن آية (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) 11 الأعراف, تصف الانقسام التضاعفي للخلايا الجنسية في الأصلاب كما تصف الانقسام التضاعفي لخلايا النطفة في الأرحام. أى أنها تصف خلق الذرية في الأصلاب و في الأرحام كما وصفت أيضا خلق و تصوير آدم و حواء. و عليه فكما قلت من قبل فان أصح الأقوال في تفسير هذه الآية هو ما ذهب إليه القرطبي من الجمع بين أقوال السلف الصالح للوصول إلى حل لغز هذه الآية مع التذكير بأن الله يحكى لنا في هذه الآية أنه أتم خلق و تصوير آدم و حواء و أمشاج الذرية في الأصلاب و أنه أنه وضع في الأمشاج التقدير الوراثي لخلق و تصوير الذرية في الأرحام ثم قال للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا.

و بهذا التفسير يتبين لنا أن الله هو صاحب العلم المطلق و الأقدر على وصف خلق و تصويرالإنسان من العلم الحديث, و يتأكد لنا الإعجاز اللغوي و البياني للقرآن و السنة من خلال وصف الحامض النووي والتقدير الوراثي بكلمتين معجزتين هما الخلق و التصوير.


المقترحات المبنية على البحث
1. إعادة تسمية الدورة الخلوية من القرآن و السنة
إن أبرز ما يميز الدورة الخلوية هو حدوث انقسام للخلايا مع نسخ للحامض النووي. و قد عبر القرآن عن كلمة الانقسام بكلمة الخلق و عن كلمة النسخ بكلمة التصوير. و قد رأينا كيف أن كلمتى الخلق و التصوير أدق من كلمتى الانقسام و النسخ و لذا فاننى أقترح إعادة تسمية الدورة الخلوية بالمصطلحات الإسلامية الدقسقة فتسمى بدورة الخلق و التصوير. كما أقترح استبدال مسمى الانقسام الميتوزى بمصطلح (الخلق ثم التصوير) و استبدال الانقسام الميوزى بمصطلح (الخلق و التصوير التحسيني). و أرجو أن يتم تعديل هذه المصطلحات في كتب الهندسة الوراثية التي تدرس للمسلمين مع السعي في محاولة إقناع العالم الغربي بصحة المصطلحات الإسلامية عن مصطلحاتهم الوضعية.
2. وضع ترجمة صحيحة لكلمة التصوير في التراجم الأجنبية للقرآن الكريم
الكلمة المستخدمة في اللغة الانجليزية كترجمة للتصوير هي (enshape) و هذه الكلمة تعنى التشكيل و الشكل الخارجي و لا يمكن أن تدل على تصوير شيء من شيء (بمعنى وجود أصل و صورة) و لذا فاننى أقترح تعميم استخدام كلمة (Image) و التي تعنى تصوير شيء من شيء كما تشير إلى ذلك قواميس اللغة الانجليزية.
الخاتمة
لا يسعني في نهاية هذا البحث إلا أن أرجو الله العلى القدير أن يجعل هذا البحث سببا في هداية الكثير من القلوب التي تاهت عن معرفة ربها فصارت تعبد آلهة من دونه لا يخلقون شيئا و هم يخلقون وتركوا عبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له و لا ولد الذي خلقهم و رزقهم و دبر كل أمرهم و صدق الله إذ يقول (واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا و هم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا و لا نفعا و لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا) 3 الفرقان. و لكن الإنسان كثيرا ما ينسى الخالق و يدين بالفضل لسواه (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين)4 النحل. ولأن القرآن نزل لهداية الناس كافه فقد خاطب العقول بأساليب شتى تتلاءم مع الكم العلمي لكل شخص فتارة تكون بسيطة لكي يفهمها العامة من الناس بعلمهم البسيط وتارة تكون ذات أساليب علميه معجزه تحتاج إلى البحث العلمي لمعرفة أسرارها. و حيث أن الكثير من أهل هذا الزمان صاروا لا يؤمنون إلا بالمادة فقد خاطب القرآن عقولهم بأسرار من العلوم الحديثة التي أثبتوها بعد جهد مضني ليفاجئوا بأن القرآن قد سبقهم بعدة قرون من الزمان إلى ذكر هذه الأسرار العلمية في وقت كان يستحيل فيه اكتشاف هذه الأسرار بعقول البشر ليثبت لهم أن هذه الآيات الجلية لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال من كلام البشر وصدق الله إذ يقول (سنريهم آياتنا في الأفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)53 فصلت. فآيات الله كثيرة و ما يعقلها إلا العالمون (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق و يهدى إلى صراط العزيز الحميد)6 سبأ.
ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم و تب علينا انك أنت التواب الرحيم. هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو نسيان فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه براء و أرجو الله العظيم أن يتقبل منى هذا العمل القليل و أن يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم . و إذا صح فهمي في هذا البحث فيمكن بعد ذلك مناقشة الأبحاث الآتية و التي تعتمد كلها على أن الخلق غير التصوير و على أن المقصود بالتصوير هو التصوير الوراثي و ليس الشكل الخارجي:
1. كيفية التقدير الوراثي في النطفة
2. كيفية خلق و تصوير الذرية في الأرحام
3. كيفية خلق عيسى في مريم و نفى إلوهية المسيح باتفاق القرآن و الإنجيل.
4. إثبات النشأة و الاختلاف مع بيان بطلان نظرية التطور عند كل من دارون و شاهين
5. هل كان آدم طوله ستون ذراعا في السماء و ما هي الطفرة الجينية التي أدت إلى نقصان
الطول في الجنس البشرى؟
6. إثبات البنوة باستخدام الحامض النووي في القرآن و السنة
7. متى يعد الإجهاض قتلا للنفس و ما هي أنسب وسيله لمنع الحمل ؟
8. تحدى الله لعلماء الهندسة الوراثية في باب الخلق و باب الخلد
9. كيف يتعرف الجسم على شقيه الأيمن و الأيسر ؟ بحيث لا تتبدل الأعضاء اليمنى مع الأعضاء اليسرى إلا في حالات نادرة جدا كأن يذهب القلب إلى اليمين أو الكبد إلى اليسار.

يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي: [email protected]
مصدر بعض الصور : http://en.wikipedia.org/wiki/Main_Page
المراجع
1. القرآن الكريم
2. تفسير ابن كثير
3. تفسير القرطبي
4. تفسير الطبري
5. تفسير البيضاوي
6. فتح القدير
7. معاني القرآن الكريم بتحقيق محمد علي الصابوني
8. مفردات القرآن
9. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسى
10. التحرير و التنوير
11. الكشاف
12.الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي
13.صحيح البخاري
14.صحيح مسلم
15.مسند الامام أحمد
16.فتح البارى
17.المستدرك للحاكم
18.المغرب في ترتيب المعرب
19.كتاب العين
20.المقصد الأسنى
21.أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب و السنة: د. محمود عبد الرازق
22.تأويل مختلف الحديث لمؤلفه : عبدالله بن مسلم بن قتيبة أبو محمد الدينوري
23.مختار الصحاح
24.لسان العرب
25.تاج العروس
26.المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم
27.علم الأجنه قى الكتاب و السنه. كيث مولر (طبعة الهيئة العالميه للاعجاز العلمى)
28.مدخل لدراسة الهندسه الوراثيه. ا. د. محمد حافظ (كلية طب المنصوره)
29. موقع الوراثه الطبية (شبكة الانترنت)
30.Breaking Point (Biomechanics of chiasma). By Adam Summers, is an assistant professor of ecology and evolutionary biology and bioengineering at the University of California, Irvine. American museum of natural history September 2005.
31.DNA structure and recognition 1994 (book), Neidle, Stephen. IRL press
32.Technology From Genes to Genomes.Concepts and applications of DNA. 2002. Dale , Jeremy W and others.
a33. Genetics.from genes to genomes 2000. Leland Hartwell and others
34.Genomes Modern Genetic Analysis 2002. Griffiths, Anthony J. F

القلب الحزين 16-03-2008 04:33 PM

هل يوجد علاج للهرم؟


http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...8006-001_2.jpg اكتشف العلماء حديثاً مورثة موجودة على شريط الـ DNAداخل خلايا الجسم، هذه المورثة سماها العلماء "التيليمير" وهي عبارة عن شريط له طول محدد ويتحكم بموت الخلايا وهرمهما. ومهمة هذا التيليمير صيانة الحامض النووي DNAبعد كل مرة ينقسم فيها لإنتاج خلايا جديدة.
ولكن هذا التيليمير يصبح أقصر بعد كل انقسام للخلية، وهكذا حتى يبلغ حدوداً حرجة لا يستطيع بعدها الاستمرار بمهامه، وهنا تهرم الخلية وتموت. وقد حاول العلماء إطالة عمر هذه المورثة الحيوي، فاكتشفوا إنزيماً يسمى تيليميريس يستطيع الحفاظ على مورثة الهرم وإبقاء الخلايا في حالة صحية لفترة أطول. ولكن كيف يمكن وضع هذا العنصر الجديد في كل خلية والجسم يحوي تريليونات الخلايا؟!
ولكن ظهرت مشكلة جديدة للعلماء وهي أن الخلية عندما تتجاوز عمراً محدداً ولا تموت فإنها تتكاثر بشدة مسببة السرطان الذي يؤدي إلى الموت في النتيجة! لقد أصبحت المشكلة أكبر في هذه الحالة، ولذلك فإن معظم العلماء يرون أن الشيخوخة والهرم هو أفضل وسيلة للنهاية الطبيعية للإنسان، وإلا فإن أي محاولة لإطالة العمر فوق حدود معينة سيكون لها تأثيرات كثيرة أقلها الإصابة بالسرطان، أعاذنا الله وإياكم منه.
http://www.55a.net/firas/ar_photo/1172746319bdna.jpgنرى في هذه الصورة رسماً للشريط الوراثي DNAوهذا الشريط يحوي جميع المعلومات حول حياتنا وحتى فيه المعلومات عن موتنا، وضمن هذا الشريط يوجد مورثة الهرم وهي عبارة عن جزء من هذا الشريط مسؤولة عن صيانة شريط ال DNA ولها طول محدد يقصر عند كل انقسام للخلية حتى تبلغ طولاً محدداً عنده تموت الخلية. وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (نحن قدّرنا بينكم الموت)، فالموت مقدر ومبرمج ومنظم، هذا ما أخبرنا به القرآن في القرن السابع الميلادي وهذا ما يراه العلماء اليوم في القرن الحادي والعشرين، فسبحان الله!
يقول البروفيسر لي سيلفر من جامعة برينستون الأمريكية: "إن أي محاولة لبلوغ الخلود تسير عكس الطبيعة فالموت ينسجم تماما مع التطور، إذ إننا نورث جيناتنا للأجيال القادمة، وإن لم نمت، فسنظل موجودين نصارع أطفالنا على الحياة، وهذا ليس أمرا جيدا لعملية التطور".
وعند هذه النقطة خرج العلماء بنتيجة ألا وهي أنه لا علاج للهرم في الوقت الحالي، ولكنهم مستمرون في أبحاثهم ومستمرون في إنفاق المليارات لعلاج الهرم وإطالة العمر ولكن دون أي فائدة. وليت هؤلاء العلماء قرأوا حديث النبي الكريم منذ البداية ووفروا على أنفسهم عناء البحث وإنفاق الأموال الطائلة!
يقول النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام: (تداووا يا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحداً: الهرم) [رواه أحمد]. نسأل الله تعالى أن يجعل القرآن شفاء لنا من كل داء، إنه سميع قريب مجيب.
ــــــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com

القلب الحزين 16-03-2008 04:41 PM

عجب الذنب اكتشافات جديدة
أد/ مصطفى عبد المنعم
أستاذ علم الأجنة والتشريح - كلية الطب - جامعة طيبة
1- قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما تنبت البقل وليس في الإنسان شيء إلا بلى إلا عظم واحد وهو عجب الذنب " أخرجه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وأبو داود والنسائي "
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب " أخرجه البخاري والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد في المسند ومالك في الموطأ .
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11..._12_resize.jpg
شكل1: العصعص هو مجموعة من الفقرات الضامرة في نهاية العمود الفقري
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم " وإن في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً فيه يركب يوم القيامة قالوا أي عظم يا رسول الله ؟ قال عجب الذنب . رواه البخاري والنسائي وأبو داود وابن ماجة واحمد في المسند وأخرجه مالك .
يستنتج من الأحاديث الصحيحة السابقة الحقائق التالية :
1- أن عجب الذنب مكون أساس خلق منه الجنين في مراحله الأولية .
2- عجب الذنب لا يبلى.
3- فيه يركب الخلق يوم القيامة.
إن ثبوت الاستنتاج الأول علمياً (عجب الذنب مكون أساسي يتركب منه الجنين في مراحله الأولية ) يكفى لقبول الاستنتاج الثالث (فيه يركب الخلق يوم القيامة) والذي هو قطعاً من الغيب الذي لا يمكن الخوض فيه، وفى ذلك أدلة على أمور عديدة منها:
1- دليل على أن البعث حق ومثال ذلك في القراَن الكريم قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }الحج5.
فلما ثبت ما أخبرت عنه الآيات من أمور كونية كانت غيباً في زمن التنزيل، لزم ثبوت ما أخبرت به من أمور ما زالت غيبياً من أمر الآخرة وبذلك ينتفى الشك في البعث.
2- الدليل على نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم لما ثبت من صدق حديثه.
3- الدليل على سلامة منهج سلف هذه الأمة في سلامة النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وصلت إلينا الأحاديث النبوية الشريفة كما أخبر عنها صلى الله عليه وسلم.
لقد بني علماء المسلمين في النصف الثاني من القرن العشرين فهمهم للإعجاز في هذا حديث عجب الذنب على قاعدتين علميتين أساسيتين هما:
1- أن العصعص هو ما تبقي من جزء أولى من الجنين يعرف باسم ( the Primitive streak) وهو جزء محوري عرف بأنه يظهر في أوائل الأسبوع الثالث وتمر منه خلايا من طبقة الإكتوديرم لتكون طبقة الميزوديرم ثم يتقلص ( the Primitive streak) وما يتبقي منه إلى أجزاء ضئيلة تكون ممثلة في الإنسان في فقرات العصعص (شكل1).
2- أن الدليل على أصل قدرة هذا الجزء على تكوين مختلف الأنسجة بالجسم هو أنه في حالة حدوث ورم في هذا الجزء لدى الطفل المولود (teratoma) فإن هذا الورم يحوى نماذج من جميع أنسجة الجسم المختلفة (شعر- أسنان- غدد- ......) (شكل2).

http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...2_resize_2.jpg
شكل2: ورم خارج من منطقة العصعص في طفلة مولودة ويحتوي على نماذج من جميع أنسجة الجسم المختلفة (Moore and Persaud, 1998, P: 66)

والنقطتين السابقتين سليمتين في مجملها ولكن ظهرت في السنوات الأخيرة دقائق مبهرة توضح تفاصيل هامة وتحمل دلائل إعجازي سنوجزها فيما يلي في صورة أربعة نقاط أساسية تمثل في مجملها الجديد في فهم تكون العصعص في المرحلة الجنينية :
1) النقطة الأولى:
أ‌) تبدأ البويضة المخصبة في انقسامات متتالية من بداية الإخصاب الذي يحدث في الطرف الخارجي لقناة فالوب مروراً بمراحل الخليتان والأربع والثمانية والستة عشر (بداية مرحلة التوتة التي تدخل إلى الرحم) ثم مرحلة البلاستوسست المكونة من طبقة خارجية من الخلايا ( التي تكون الأغشية المحيطة بالجنين والتي ستشارك مع بعض أنسجة من الأم في تكوين المشيمة) وكتلة داخلية من الخلايا (والتي ستكون مسئولة عن تكوين الجنين نفسه) (شكل4 و3).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...p_3_resize.jpg
شكل (3): يوضح التطورات الحادثة خلال الأسبوع الأول من الإخصاب والتي تشمل الإنفسامات المتتالية للبويضة المخصبة أثناء مرورها بقناة فالوب حتى المنطقة العليا من الرحم . ويوضح الشكل أطوار البويضة المخصبة والخليتان والأربعة والثمانية والستة عشر (بداية مرحلة التوتة) التي تدخل الرحم مع الانقسام المتكرر حتى طور (The blastocyst) .الذي يقوم بالإنغراس في بطانة الرحم (Moore and Persaud, 1998, P: 44)
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...4_resize_2.jpg
شكل 4: طور البلاستوسست المكون من طبقة خارجية من الخلايا (لتكوين أغشية الجنين) وكتلة داخلية من الخلايا (لتكوين الجنين نفسه) وهو طور الإنغراس (Moore and Persauaud, 1998, P:43)
ب‌) لم يعد الوصف القديم في تطور كتلة الخلايا الداخلية في مرحلة (Blastocyst) إلى طبقتي (Ectoderm& Endoderm) سارياً من الناحية العلمية . ولكن يتم التميز أولاً إلى طبقتين أوليتين عليا وسفلى تعرفان باسم (Epiblast & Hypoblast)وذلك في بداية الأسبوع الثاني (شكل-5).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...5_resize_2.jpg
شكل 5: يوضح الشكل تميز الطبقة الداخلية من خلايا البلاستوسست إلى طبقتين أوليتين عليا وسفلى تعرفان باسم Epiblast & Hypoblast) (Moore&Persauaud, 1998, P: 49)
ج‌) في بداية الأسبوع الثالث يظهر في طبقة (The Epiblast) تكوين جديد هو ال Primitive streak (شكل-6).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...p_6_resize.jpg
شكل (6): صورة توضح تكون (The primitive streak) في طبقة الإبيبلاست.في نهاية الأسبوع الثاني وبداية الأسبوع الثالث. Sadler, 2000, P: 62)
د‌) تتكاثر خلايا The Epiblast ويقل الترابط فيما بينها ثم تمر من خلال (The Primitive streak) لتحل أولا محل خلايا طبقة ( (The Hypoblastوتكون نسيج (The Endoderm) ثم تنتشر خلايا بينية لتكون نسيج (The Mesoderm) ويطلق منذ هذا التوقيت على طبقة الإبيبلاست اسم الإكتوديرم ((The ectoderm وبذلك تتكون الطبقات الثلات المعروفة للجنين وهي (Ectoderm, Mesoderm and Endoderm)من طبقة أولية واحدة هي طبقة (The Epiblast) ) ويكون الأساس في تكون خلايا الطبقات هو مرورها خلال (The Primitive streak). وهذا التوضيح الجديد يتوافق تماماً مع فهم الحديث الشريف أن الإنسان قد (خُلِقَ) من العصعص (او أصل العصعص) حيث أن الحديث في إطار مرحلة التكوين ويكون الأساس في تكون خلايا الطبقات هو مرورها خلال (The Primitive streak) (شكل-, 8, 97).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11..._13_resize.jpg
شكل-7: يوضح الشكل هجرة خلايا طبقة الإبيبلاست (The epiblast) من خلال (The primitive streak) حيث تحل خلاياها أولا في اليوم الرابع عشر والخامس عشر محل خلايا (The hypoblast) مكونة نسيج جديد هو الإكتوديرم The ectoderm) ثم في اليوم السادس عشر تملأ هذه الخلايا المهاجرة ما بين طبقتي (The epiblast and The endoderm) مكونة نسيج جديد يعرف باسم .Intraembryonic mesoderm) (Larsen, 1993, P:50)

http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...p_8_resize.jpg
شكل 8: يوضح الشكل الطبقات الجنينية الثلاثة بعد إنتهاء مرحلة هجرة الخلايا من طبقة الإبيبلاست (The epiblast) والطبقات الثلاث هى (Ectoderm, Mesoderm and Endoderm) ويكون الأساس في تكون خلايا الطبقات هو مرورها خلال.(The Primitive streak) (Sadler, 2000, P: 91)
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11...p_9_resize.jpg
شكل 9: يوضح الشكل الأنسجة الأساسية التي ستنتج عن انقسام وتمايز خلايا الطبقات الثلاث .Ectoderm, Mesoderm and Endoderm)
النقطة الثانية: عند مرور الخلايا من خلال (The Primitive streak) ، فإن كل خلية تمر من مكان معين منه أثناء عبورها لتكوين خلايا طبقة (The Mesoderm) تتجه إلى مكان محدد تماماً في هذه الطبقة الجديدة. وهو ما يمكن تفسيره بحدوث نوع من البرمجة للخلايا عند مرورها في (The Primitive streak) وهذا التقدير المسبق الدقيق مكن من رسم خريطة دقيقة لاتجاه الخلايا حسب مكان عبورها في (Primitive streak) وهي ما يعرف باسم خريطة المصير Fate map) ) (Sadler,2000). شكل-10 وهذا تأكيد آخر للحديث الشريف (منه خلق).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11..._10_resize.jpg
شكل-10: يوضح الشكل بوضوح حتمية مسار خط هجرة الخلايا حسب نقطة عبورها من Primitive streak) مما يوضح حدوث نوع من البرمجة أو تحديد المسار لكل خلية حسب نقطة عبورها لتتوجه إلى مكان محدد من الجنين ولتنقسم كل خلية منها بعد ذلك وتتميز لنوع محدد من الخلايا .(Sadler, 2000, P:64)
النقطة الثالثة : نقل (Blastopore) من جنين ضفدع إلى آخر، وهو تركيب مماثل لبعض أجزاء (Primitive streak) في الإنسان، ينتج عنه تكون جنين جديد آخر ملتصق مع الجنين الأول في صورة توأم سيامي (Complete Siamese) . وهذا تأكيد ثالث للحديث الشريف (منه خلق). (شكل-11).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11..._11_resize.jpg
شكل-11: يوضح الشكل تكون جنين كامل جديد ملتصق عند نقل منطقة Blastopore)من جنين الضفدع إلى آخر. Larsen, 1993, P: 89
النقطة الرابعة : عند الدراسة في عموم المراجع العالمية قد يصاب الباحث بالإحباط حين يرى إجماع هذه المراجع أن (Primitive streak) تختفي بنهاية الأسبوع الثالث أو منتصف الأسبوع الرابع لتطور الجنين مما يعنى نسف كل التصور الذي سبق. ولكن الحقيقة أن (Primitive streak) قبل اختفاءها تترك إبناً لها يعرف باسم (Caudal eminence) في منطقة (The Mesoderm ) ثم تختفي Primitive streak نفسها كلياً وبقاء شيئ من (Primitive streak) في منطقة الإكتوديرم من الواضح أنه هو الذي يؤدى إلى تكون الورم الخبيث المعروف باسم (teratoma) والذي هو أشهر ورم خبيث في الأطفال على الإطلاق.
وعلى عكس ما كان متعارف عليه سابقاً فإن هذا الجسم (Caudal eminence) هو المسئول عن تكوين ليس فقط عجب الذنب ولكن أيضاً الأجزاء الأساسية للعمود الفقري والحبل ألشوكي والأغشية المحيطة به تحت مستوى L2)). وهذا تأكيد رابع على صدق قوله صلى الله عليه وسلم (منه خلق). (شكل-12).
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11..._14_resize.jpg
شكل-12: يوضح الشكل تكون بروز طرفي سفلي caudal eminence سيكون مسئولاً قبل نهاية الأسبوع السادس عن تكوين عظمة العجز والحبل الشوكي والأغشية المحيطة به تحت مستوى L2)). (Larsan,1993, P: 76 )
إن كل نقطة من النقاط الأربعة سابقة الذكر تحمل على حده دليل صدق على الحديث المعجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بعجب الذنب، فما بالنا بها مجتمعة؟ ألا يحق لنا أن نقدم للعالم من خلال هذا الحديث دليلاً جديداً على صدق رسالته صلى الله عليه وسلم يقيم عليهم الحجة ( ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينه)؟
ورغم ذلك ففي النفس شعور جارف بأن عجائب هذا الحديث لم تنتهي بعد، ولعل ما لم نعرفه أكثر بكثير مما عرفناه.
لقد تم افتراض العديد من نقاط البحث المطلوب سبرها منها:
1) هل يبلى شيء من عظمة العصعص ؟
2) هل تقاوم عظمة العصعص العوامل الفيزيائية بصورة تخالف باقي العظام؟
3) هل هناك فرق في التركيب على أي مستوى يميز هذه العظمة عن باقي العظام (Biochermistry- molecular)؟
قد يكون صعوبة هذا البحث من ناحية الأخلاقيات الطبية إذ قد لا يكون إجراؤه مبرراً من الناحية الطبية. ولكن إذا ثبت شرعاَ أن هيئة البعث المذكورة تنطبق على الحيوانات كما تنطبق على الإنسان فإنه يمكن إجراء الأبحاث على حيوانات التجارب.
ولكن على الباحث في هذا المجال أن ينتبه إلى أن افتراض أن عظمة العصعص ستظل بكاملها بدون بلاء إنما هو فهم قد يوافق مقصود الحديث أو لا يوافقه. وقد يكون هناك قدر من العظمة (لا نعلم مقداره) هو الذي لا يختفي. فإن الحديث الشريف بلغة العرب وفيها علاقات كلية وجزئية وخصوص وعموم بين الألفاظ كما قال تعالى {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ }الأحقاف25 .أي كل شيء أمرها الله تعالى بتدميره وإلا فإنها لم تدمر الأرض والسموات والكواكب.
وفى جميع الأحوال، فإن وجود دلالة لتميز خلايا منطقة عظمة العصعص على غيرها من الخلايا يعتبر نتيجة إيجابية مباشرة في هذا المجال.
ومن بشائر ذلك ما أعلنه فريق بحثي من جامعة ميتشجان بالولايات المتحدة الأمريكية - يضم باحثين مسلمين وغير مسلمين – (Ben Chen and Ramzi Mohamad) - في مؤتمر الإعجاز العلمي في القراَن والسنة الثامن بالكويت في ذي القعدة 1427ه، من خلال بحث بعنوان :
MIRACULOUS DESCRIPTION ABOUT THE VREATION OF HUMAN BODIES (AND NOT SOUL ) FROM TAIL BONE IN THE DAY OF RESURRECTION.
من أنهم قد حصلوا على نتائج أولية بأن الخلايا الجذعية في منطقة العصعص لها خصائص مميزة عن غيرها من الجلايا الجذعية في مناطق الجسم المختلفة.
إن هذه النتيجة الأولية تفتح وراءها الباب لعشرات التساؤلات العلمية والتي بدأ هذا الفريق العلمي بالفعل التخطيط للقيام ببعضها.
إن الهدف هنا هو استثارة الحماس العلمي لأهل التخصص ليدلوا بدلوهم سواء من جانب جمع المادة العلمية الموثقة التي توضح مناط الإعجاز في هذا الحديث أو بعمل التجارب العلمية الموثقة والتي ينال الباحث بها.. إذا خلصت نيته.. السبق في الدنيا والآخرة بإذن الله.
References:
· Larsen J. William. Human Embryology. Churchill Livingstone. 1st ed., 1993.
· Moore L. Keith and Persaud T.V.N. Before we are born. Sanders Company.5th ed. 1998.
· Sadler T.W. Langman's Medical Embryology. Lippincott Williams & Wilkins. 8th ed., 2000.
أد/ مصطفى عبد المنعم
أستاذ علم الأجنة والتشريح
كلية الطب - جامعة طيبة
المدينة المنورة –ص ب:30001
[email protected]

القلب الحزين 16-03-2008 04:49 PM

الموت المبرمج: رؤية علمية وقرآنية

بما أن الموت يتم وفق برنامج موجود داخل كل إنسان، فهذا يعني أن الأمراض المؤدية إلى الموت هي أيضاً عبارة عن برامج ومعلومات موجودة داخل الخلايا، وهي المسؤولة عن موت هذه الخلايا، وهذا يعني أننا نستطيع تعديل هذا البرنامج، وإصلاحه في حال تعطله، أو إصابته بخلل ما، وذلك من خلال التأثير على الخلايا بمعلومات أخرى تستطيع التعامل مع هذا البرنامج وبالتالي ينتج الشفاء بإذن الله تعالى!

بعد أبحاث طويلة ومضنية اكتشف العلماء أن برنامج موت الخلية يخلق مع الخلية ذاتها، ولولا هذا البرنامج لم تستمر الحياة على الأرض، ويؤكد العلماء أن البرنامج الخاص بحياة الخلية مهم وكذلك البرنامج الخاص بموت الخلية مهم أكثر، لماذا؟

لأن عملية الموت المنظمة للخلايا والتي تسير وفق برنامج شديد التعقيد يمكّن الجسم من التخلص من الخلايا المصابة بعطل ما، ويمكن الجسم من إزالة الخلايا الزائدة وغير الضرورية[1]، لذلك يعمل برنامج الموت وبرنامج الحياة جنباً إلى جنب في جسم الإنسان والكائنات الحية[2].

والعجيب أن الموت المبرمج للخلية يلعب دوراً أساسياً في نظام مناعة الجسم، فلولا وجود برنامج الموت الخلوي لما استطاع الجسم مقاومة الأمراض، حتى إن هذا البرنامج للخلية يقوم بالسيطرة على عمليات الدفاع عن الجسم أثناء الإصابة بالالتهابات المختلفة، حيث يتخلص من الخلايا المعطلة والتي لو استمرت في الحياة لأدت إلى إهلاك الإنسان! كما يقوم بتنشيط الخلايا المسؤولة عن مقاومة الفيروسات والبكتريا الضارة، إذن هو لا يقل أهمية عن البرنامج الذي أودعه الله في الخلايا والمسؤول عن حياتها.

عزيزي القارئ يمكن أن نستخلص من هذه الاكتشافات العلمية أن الموت مخلوق مثله مثل الحياة، وأنه لولا وجود الموت لم توجد الحياة وكأن الموت هو الأصل. ولذلك نجد الحديث عن هذا الأمر في القرآن في قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك: 2].

ونرى في هذه الآية كيف يتحدث المولى تبارك وتعالى عن الموت قبل الحياة، ويخبرنا أن الموت مخلوق مثله مثل الحياة، وهذه الآية نزلت في عصر لم يكن أحد يعلم شيئاً عن حقيقة الموت أو الموت المبرمج، ولذلك فإن هذه الآية تمثل سبقاً علمياً في علم الطب.

نستطيع أن نستخلص من الحقائق الطبية التي رأيناها أن عملية موت الخلايا وبالتالي عملية الموت، هي عملية منظمة ومقدرة ومحسوبة، ولا يأتي الموت عشوائياً كما كان يُظن في عصر الجاهلية قبل الإسلام، إنما هنالك عملية دقيقة جداً أشبه ببرنامج كمبيوتر.

بل إن العلماء يؤكدون أن هذا البرنامج أي الخاص بموت الخلايا وبالتالي موت البشر، موجود في كل خلية من خلايا الجسم، وبدأ في النطفة التي خُلق منها الإنسان، فبرنامج الموت يبدأ مع أول خلية خلق منها الإنسان ويرافقه حتى يموت بنظام دقيق لا يختل أبداً، ولذلك فإن الله تعالى يقول: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)[الواقعة: 58-60].

وفي هذه الآية إعجاز أيضاً، فقد تحدث الله تعالى عن خلق الإنسان من نطفة وذكره بأصله ثم ذكره بأن الله هو من خلق هذه النطفة وأن الله هو من قدّر فيها الموت، فسبحان الله العظيم، أمام كل هذه الحقائق تجد من ينكر القرآن ويدعي أنه كتاب أساطير!

http://www.55a.net/firas/ar_photo/8/img_pdf_2.jpg
صورة لخلية بشرية موضح عليها العمليات الدقيقة التي تتم أثناء موت الخلية، ونلاحظ أن العملية تشترك فيها معظم أجزاء الخلية وفق خطوات مقدرة ومحسوبة. ويحتار العلماء كيف يمكن لخلية لا تعقل أن تقوم بهذه العمليات المنظمة والمعقدة دون أن تقع في خطأ واحد!! المصدر: www.biooncology.com
ويؤكد العلماء أيضاً أنه لا يمكن لأحد أن ينجو من الموت لأن الموت يُخلق من كل إنسان ويرافقه في كل خلية من خلايا جسده، ولذلك فقد كان العرب قبل الإسلام يظنون بأنه يمكنهم الهروب من الموت فأكد لهم القرآن أن كل الناس سيموتون ولن يبقى أحد إلا الله تعالى، يقول تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)[آل عمران: 185]. وقال أيضاً: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)[النساء: 78]. ويقول: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجمعة: 8].

ولذلك يا إخوتي فإن القرآن أكد أنه لا مفر من الموت لأنه موجود في داخل كل منا، وهذه الحقيقة أكدها القرآن في العديد من الآيات في زمن لم يكن أحد يستطيع أن يجزم أن الموت هو قدر جميع الخلائق.

في العصر الحديث هنالك محاولات كثيرة لإطالة العمر، ولكنها جميعاً باءت بالفشل، وذلك بعد أن أدركوا أن الخلايا ستموت لأن الموت موجود داخلها، وهذا ما حدثنا عنه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في قوله: (تداووا يا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاءً إلا داءً واحداً الهرم) [رواه أحمد]. فمن الذي أخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه لا علاج للهرم!! إنه الله تعالى الذي خلق الموت وخلق الحياة وأنزل القرآن وأودع فيه هذه الحقائق لتكون وسيلة نزداد بها إيماناً ويقيناً.

ـــــــــــ

بقلم عبد الدائم الكحيل

www.kaheel7.com
[1]Programmed cell death, www.wikimediafoundation.org

[2]Researchers discover new cell death program,The Rockefeller University, January 9, 2007.



القلب الحزين 16-03-2008 05:01 PM

الساعة الحيوية: آية من آيات الله

أخيراً بدأ العلماء باكتشاف حقيقة الساعة الحيوية الموجودة داخل أجسامنا، ووجدوا أن مثل هذه الساعة موجودة في كل خلية من خلايا جسمنا! فهنالك مورثات محددة داخل الخلية مسؤولة عن ضبط الوقت.
ففي القلب هنالك ساعة خاصة به لتضبط دقاته، وفي الكبد هناك ساعة تضبط عملية تصفية السموم، وفي الكلى ساعة خاصة لتنظيم عمليات التبول، وهكذا في كل جزء وفي كل خلية من جسمنا هنالك ساعة ضبط الوقت!
العجيب أن هذه الساعة موجودة عند جميع الكائنات مثل الفأر والنحلة والفراشة وجميع الحيوانات والأسماك، وموجودة كذلك عن النباتات، إذن كل شيء حي زوّده الله بساعة دقيقة لتضبط عملياته الحيوية.
لقد وجد العلماء حديثاً مورثات محددة في نواة الخلية تتحكم بالوقت في جسم الإنسان وتنظم عملياته الحيوية [1]، لذلك حتى عندما نعزل إنساناً ونضعه في كهف مظلم مثلاً، أي نغير الظروف الطبيعية فلم يعد يرى الضوء أو الشمس ولم يعد يعرف الوقت ليلاً أو نهاراً، وعلى الرغم من ذلك فإن أجهزة الجسم تقوم بدورها، فينام ويستيقظ باكراً حسب عادته.
إن هذه الساعة تمارس عملها في الفضاء أيضاً بغياب الجاذبية الأرضية، فتجد أن جسم رائد الفضاء يقوم بمهامه كاملة على الرغم من وجوده في ظروف فقدان الجاذبية. وتقوم أيضاً بتنظيم عملية النوم والاستيقاظ والشهية للطعام، وتعمل باستمرار على مدى 24 ساعة دون توقف،
وصدق الله عندما يقول:(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 1-2].
تبدأ الساعة الحيوية بممارسة مهامها منذ اللحظة الأولى لخلق الإنسان، ففي رحم الأم تبدأ النطفة بتلقيح البويضة وتبدأ دقات الزمن وتبدأ عمليات الانقسام الخلوي بخلية واحدة وتنتهي بعدة تريليونات من الخلايا وهو الإنسان، وكل ذلك يتم وفق نظام دقيق ومحسوب ومقدر، فسبحان الله!
القسم الأمامي من الدماغ
لقد وجد العلماء أن الساعة الحيوية هي عبارة عن مجموعة خلايا تقع في مقدمة الدماغ في منطقة الناصية خلف العينين، وهذه الساعة ترسل الإشارات بشكل دائم إلى الجسم ليقوم بعملياته بنظام محكم. ويقوم الباحثون في جامعة هارفارد بدراسة الآلية الدقيقة لهذه العملية [2].
إذن يمكن القول إن منطقة الناصية هي المسؤولة عن توجيه كل الكائنات الحية في حركتها وحياتها. فقد لاحظ الأطباء أن المنطقة الأمامية من الدماغ والتي يمكن أن نسميها الناصية، تتركز فيها العلميات العقلية الكبرى وتتحكم هذه المنطقة بالسلوك الاجتماعي، وهذه المنطقة تتحكم حتى بكثير من الأمراض النفسية، بل وتسيطر على العمليات المختلفة في أجزاء الدماغ.
وقد لاحظ العلماء على مدى أكثر من نصف قرن أنه إذا تم قطع بعض الأعصاب التي تصل الناصية بالمنطقة الخلفية من الدماغ، فإن بعض الأمراض تزول وتختفي أعراضها، وهذا يؤكد الدور المهم للناصية في توجيه كامل الدماغ للقيام بمهامه، وكأن هذه الناصية هي التي تتحكم بالإنسان [3].
يقول أحد العلماء حديثاً [4]:
Actually, brain imaging has shown that the frontal lobes may be divided into seventeen or more subregions, each responsible for a slightly different kind of work that the human performs. So a problem anywhere in this area will impact the way a child approaches and performs any task.
في الحقيقة تظهر الصور الملتقطة للدماغ أن المنطقة الأمامية (وهي الناصية) يمكن تقسيمها إلى سبع عشرة منطقة، وكل منطقة تتحكم بعمل معين، بحيث أنه إذا تعرضت هذه المنطقة لأي مشكلة لدى الطفل فإنه يعاني من مشاكل في أي مهمة يريد إنجازها. وبالتالي فإن هذه المنطقة هي التي تنظم عمل الجسم بأكمله، ومن هنا تأتي أهميتها في علاج الأمراض.
تشير المناطق الزرقاء وهي في منطقة الناصية في مقدمة الدماغ، إلى وجود نشاط للمخ في هذه المناطق نتيجة اختلال السلوك الاجتماعي لدى المريض. أي أن منطقة الناصية تمثل مركز القيادة لدى الإنسان. المصدر: موقع جائزة نوبل على الإنترنت.
وهنا يتجلى قول الحق عز وجل: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[هود: 56].
في داخل كل خلية من خلايا جسدنا ساعة حيوية فائقة الدقة، وهذه الساعة تتحكم بجميع العمليات الحيوية بدءاً من ولادة الإنسان وحتى موته، ويقول العلماء إن البرنامج الموجود في كل خلية والذي يسير بخطوات دقيقة لا يشذ عنها، وقد بُرمجت هذه الساعة لتدق عدداً محدداً من الدقات، لا تزيد ولا تنقص، وعندما تدق آخر دقة فإن الموت يأتي بعدها ولا يتأخر أبداً. وربما نعجب من دقة البيان الإلهي عندما وصف لنا لحظة الموت فقال: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) [النحل: 61].
ولنسأل أولئك الملحدين الذين يعتبرون أن الكون وجد بالمصادفة، كيف تسير هذه العمليات الدقيقة جداً داخل آلاف البلايين من الخلايا في جسم الإنسان، ولو اختل نظام خلية واحدة لاختل الجسد كله؟ من الذي أودع في كل خلية من خلايا البشر والنبات والحيوان ساعة دقيقة لا تحتاج إلى صيانة ولا تتأخر ولا تتقدم؟ أليس هو الله؟
ـــــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
هوامش
1- [1]Keith McKeown , New "Clock Gene" Uncovered, The Scripps Research Institute, 2004.
2- [1]Link found between body rhythms and circadian clock, light, Harvard College, 2002.
3- Bengt Jansson, Controversial Psychosurgery Resulted in a Nobel Prize, www.nobelprize.org, October 29, 1998.
4- Zack Lynch, The Search for Emotional Truth, www.corante.com, November 10, 2006.

القلب الحزين 16-03-2008 06:15 PM

المعادلة الكبرى للنظام الكوني الجزء الثاني

د.أ. إدريس الخرشاف
مراحل الإنسان الكبرى
ملخص البحث :
حاولنا في هذا البحث الاستفسار عن تواجد العدد 3 ومضاعفاته 3*n)) في القرآن المشاهد والمنظور، من العالم اللامتناهي في الصغر إلى العالم اللامتناهي في الكبر، مرورا بأحاديث معلمنا الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم.
في هذه المرحلة نتطرق – إن شاء الله- إلى مراحل الإنسان الكبرى، لنوضّح نظام التركيبة الثلاثية في خلق الإنسان.
الأسئلة المطروحة:
لكي نتعرف على أهمية هذا البحث، كان لا بد لنا من طرح عدة تساؤلات، يكون الهدف منها توضيح مسار البحث وأهميته العلمية من جهة، كما أنها تشكل أرضية للبحث العلمي المستقبلي لكل من أراد بناء نماذج علمية جديدة من جهة أخرى، نوجز ذلك في النقط الآتية:
1-لماذا خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام (ولم تكن في سبعة أيام أو في خمسة أيام أو آخر)؟
2-لماذا خلق الله ثلاثة أنواع من الحياة :الدنيوية والبرزخية والأخروية، ولم تقتصر على اثنين فقط (الدنيوية والأخروية)؟
3-لماذا كان لعدد الشهور تركيبة ثلاثية (12 شهرا)؟
4-لماذا كان للكون ثلاث مراحل أساسية: الفتق، والتمدد، والانكماش؟
5-لماذا كان لنهاية الكون نظاما ثلاثيا (انظر سورة التكوير)؟
6-لماذا يتطور الإنسان في ست مراحل ، ولم تكن سبع أوخمس؟
7-لماذا كان تركيب مادة الحياة (الماء) ثلاثي النظام؟
8-لماذا لايرى الإنسان فضاءه إلا في نظام ثلاثي الأبعاد(الطول ، العرض ، الإرتفاع)؟
9-لماذا كانت ثلاث سور هي التي توضح مصير نهاية الكون (التكوير، الانشقاق،الانفطار) ولم تكن خمس أو سبع(حسب وصايا الحبيب المصطفي عليه الصلاة والسلام)؟
10-لماذا كانت للإسلام تركيبة ثلاثية(ست قضايا)؟
11-لماذا كانت للإيمان تركيبة ثلاثية(ست قضايا)؟
12-لماذا كانت للتقوى تركيبة ثلاثية(ست قضايا)؟
13-لماذا كان عدد أسئلة سيدنا جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم تركيبة
ثلاثية؟
14-لماذا كان لصفة المنافق تركيبة ثلاثية(حسب الحديث النبوي الشريف)؟
15-لماذا كانت للمنجيات والمهلكات والملاعن تركيبة ثلاثية؟
16-لماذا كانت للحياة الدنيا تركيبة ثلاثية؟
وأخيرا وليس أخيرا:
17-لماذا سينقسم عباد الله يوم القيامة إلى فئات ثلاث وليس لقسمين أو أربعة أقسام ؟
مدخل :
نلاحظ في بادئ الأمر أن الإنسان لم يأت عبثا ، وإنما جاء لتأدية دور(الإستخلاف) في هذه الدنيا وفق منهجية لا يعلمها إلا خالقه سبحانه وتعالى ، فكانت مراحل حياته تمر بثلاثة أطوار رئيسية :
1 – من العدم إلى الحياة : مصداقا لقول رب العالمين :
" هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا " ( الإنسان -1)
2 – من الحياة إلى الموت : مصداقا لقول الحق سبحانه وتعالى :
" كل نفس ذائقة الموت " (آل عمران – 185)
3 – من الموت إلى الحياة الأخروية ، مصداقا لقول الحق سبحانه وتعالى :
" وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور " (الحج- 7)
فنظام مراحل الإنسان الكبرى ثلاثية ، هذه المراحل تقدم في إبداع تام وفي آية واحدة ، حيث يقول سبحانه عز وجل :
" كيف تكفرون بالله وقد كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم
ثم يحييكم ثم إليه ترجعون" ( البقرة-28)

هذه الأطوار تقابلها أنواع الحياة الثلاث :
أ‌-الحياة الدنيوية
ب‌-الحياة البرزخية
ج- الحياة الأخروية
نتيجة:1: الحياة لها نظام ثلاثي
I -الحياة الدنيوية
أولا : 1 – أصل الإنسان :
وردت في القرآن الكريم 15 آية تتحدث عن أصل الإنسان من تراب ، كانت على
الشكل الآتي :
(آل عمران-59) ، (الرعد-5) ، (الحج-5) ، (الكهف -37) ، (المؤمنون- 35،82)،
(النمل- 67) ، (الروم -20) ،(فاطر-11) ،(الصافات- 16،35) ،(غافر-67) ،(ق-3) ، (الواقعة- 47) ، (النبأ- 40) .
وهذا يمثل نظاما ثلاثيا : 5 * 3= 15
نتيجة : 2: لأصل الإنسان الترابي نظام ثلاثي
أولا : 2 – النظام البيولوجي:
ثم إن المرحلة البيولوجية في الحياة الدنيوية لها بدورها نظاما ثلاثيا ، إذ تمتد على مراحل ستة ( 6 = 3 * 2 ) هي :
النطفة – العلقة – المضغة – العظام – اللحم – النشأة الأخرى .مصداقا لقول رب العالمين : ثم جعلناه نطفة في قرار مكين
ثم خلقنا النطفة علقة
فخلقنا العلقة مضغة
فخلقنا المضغة عظاما
فكسونا العظام لحما
ثم أنشأناه خلقا آخر
نتيجة :3: لتطور الإنسان البيولوجي نظام ثلاثي .
أولا : 3 : أطوار التخلق الإنساني بيولوجيا :
من خلال إطلالة على مكان الجنين، نجد هذا الأخير يتواجد داخل ثلاث مناطق (ظلمات ثلاث،حسب التعبيرالقرآني)
أ :ظلمة البطن
ب:ظلمة الرحم
ج:ظلمة المشيمة
استنادا لقول رب العالمين :
" يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث" (الزمر- 6) .
بالإضافة لهذا ، نلاحظ أن رقم سورة الزمر هو : 39 = 3 * 13 (نظام ثلاثي)
نتيجة :4: مناطق التخلق ثلاث ( نظام ثلاثي).
أولا : 4 : أطوار التخلق الإنساني كما جاء في القرآن الكريم
إن المراحل المذكورة في القرآن الكريم لها نظام ثلاثي،بالإضافة لذلك نجد مايأتي :
أولا :4:أ – مرحلة النطفة : وقد وردت في القرآن الكريم 12 = 3*4 مرة ، كما توضحها الآيات الآتية :
(النحل -14) ، ( الكهف-37 ) ، (الحج -5)، ( المؤمنون- 13 ، 14) ،( فاطر- 11)، ( يس- 77) ، ( غافر- 67 ) ، ( النجم – 46) ، ( القيامة -37) ، ( الإنسان -2) ، (عبس -19) .
نتيجة :5: لمرحلة النطفة نظام ثلاثي
ملحوظة : بالإضافة لذلك (على سبيل الاستئناس) ، فإن مجموع أرقام السور المذكورة سابقا هو : 16+18+22+23+35+36+40+53+75+76+80= 474 = 3 * 158
أولا : 4: ب- شكل النطفة : ثم إن للنطفة ثلاثة أنواع هي :
1- نطفة الذكر
2- نطفة الأنثى
3- نطفة أمشاج
نتيجة :6: أشكال النطفة ثلاثية
أولا : 4 :ج – مرحلة العلقة
وقد وردت هذه المرحلة ست مرات في السور الآتية:
( الحج-5) ،(المؤمنون – 14) ،( المؤمنون– 14)،(غافر- 67) ، (القيامة- 38) ،( العلقة-2) . فالنظام المذكور ثلاثي .
نتيجة :7: للعلقة نظام ثلاثي
أولا :4 :د – مرحلة المضغة http://www.55a.net/firas/ar_photo/8/C5463.jpg
هذه المرحلة وردت بدورها في القرآن الكريم ثلاث مرات ، كما هو موضح في السور الآتية : ( الحج- 5) ، ( المؤمنون – 14) ، ( المؤمنون – 14) .
ملحوظة : إن مجموع عدد أرقام السورتين : 22 + 23 + = 45 = 3 * 15
وهذا العدد من مضاعفات العدد 3 ، فله تركيبة ثلاثية .
نتيجة :8: للمضغة نظام ثلاثي
أولا : 4 : ق – مرحلة العظام، واللحم والنشأة الأخرى تمثل نظاما ثلاثيا في القرآن الكريم .
ثانيا : المدة الزمنية للحمل والفصال:
ثانيا :1-المدة الزمنية لحمل الطفل وفصاله هي:30 شهرا = 10 * 3 ، استنادا للآية الكريمة :"حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"(الأحقاف- 15)
ثانيا: 2- المدة الزمنية للفصال : 24 شهرا ، مصداقا لقول الحق سبحانه وتعالى :
" حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين " ( لقمان – 14)
نتيجة :9: الحمل والفصال لهما نظام ثلاثي .
II - الحياة البرزخية :
حينما نتحدث عن الحياة ، فإنه يجب فهمها من ثلاث زوايا:
الزاوية الأولى : ويتعلق الأمر بالحياة الدنيوية ،التى يتميز فيها الإنسان بالحركة
والتفكير والعطاء .
الزاوية الثانية : وهي الحياة المتعلقة بتواجد الإنسان في القبر
الزاوية الثالثة : ويتعلق الأمر بالحياة الأبدية الحقة التى لا تنتهي.
وبما أن الحياة الدنيوية تقاس بأعمار الناس ، فهي حياة ذات سعة صغيرة فانية من جهة، ولها نظام ثلاثي –كما رأينا – من جهة أخرى .
أما الحياة البرزخية ،فيمكن للإنسان أن يبقى مذكورا وغير منقطع العمل ، إذا ما توفرت إحدى الشروط الآتية على الأقل :
1-ترك ولدا صالحا يدعو له .
2-ترك علما ينتفع به .
3-تصدق بصدقة جارية
مصداقا لقول معلمنا الأكبرمحمد (ص) حينما يقول :
[ إذا مات امرئ انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع بع أو ولد صالح يدعو له]
نتيجة:10- النظام البرزخي يخضع لنظام ثلاثي
III– مرحلة الحياة الأخروية
أما الحياة الأخروية ، فإن الإنسان سيخضع فيها كذلك لنظام ثلاثي ، أو بمعنى آخر ، سيكون مصير الإنسان فيها إحدى الحالات الثلاث الآتية :
1 – من أصحاب الميمنة
2 – من أصحاب المشئمة
3 – من السابقين
مصداقا لقول الحق سبحانه وتعالى :
" فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم " ( الواقعة – 8 , 9 , 10 ) .
نتيجة :11 – الحياة الأخروية لها نظام ثلاثي
IV- المرحلة الكبرى العامة
يمكننا تلخيص المراحل الكبرى في الآيات الكريمة ،ونعنى بذلك رحلة الإنسان وما ينتظره في الحاضر والمستقبل من خلال آيات رب العالمين حينما يقول لنا :
1 - ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين
2 – ثم جعلناه نطفة في قرار مكين
3 – ثم خلقنا النطفة علقة
4 – فخلقنا العلقة مضغة
5 – فخلقنا المضغة عظاما
6 – فكسونا العظام لحما
7 – ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.
8 – ثم إنكم بعد ذلك لميتون
9– ثم إنكم يوم القيامة تبعثون .
( المؤمنون – 12,13,14)
فالمرحلة ما قبل يوم الحساب لها نظام ثلاثي : 9 =3 * 3
نتيجة:12: المرحلة الكبرى لها نظام ثلاثي
النتيجة النهائية ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون من الفائزين، فهي بدورها تكون على أشكال ثلاثة :
أ - فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة
ب – وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة
ج – والسابقون السابقون ، اولئك المقربون في جنات النعيم .
( الواقعة – 8 ,9,10)
نتيجة :13: مصير الإنسان له نظام ثلاثي
نتيجة :14: يكون ملخص الخوارزمية بين البداية والنهاية هو :
1 - " هو الذي أحياكم"
2 - " ثم يميتكم "
3 - " ثم يحييكم "
هذه الآيات توجد في سورة الأنبياء : رقمها 21 = 3 * 7
ورقم الآيات هو : 66 = 3 * 22
نتيجة عامة :15 - هل هناك صدفة ؟؟؟؟؟؟

يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
[email protected]

القلب الحزين 16-03-2008 06:19 PM

قيلوا، فإن الشياطين لا تقيل

نشر موقع CNN بتاريخ 13/02/2007 نشر بحثاً بعنوان ناموا في مكاتبكم.. تصحّوا ننقلها للقارئ كما هي للفائدة(1):
شيكاغو، الولايات المتحدة (CNN) -- لمن يحب أن يغفو قليلاً في مكاتبهم، أصبح بإمكانهم الآن أن يجابهوا مديريهم بعذر طبي ممتاز، فقد أظهر بحث جديد أن قيلولتهم أثناء العمل تقلل من خطر الإصابة بمشكلات قلبية خطيرة، وربما قاتلة.
على أن هذه الدراسة قد تثير استياء السيدات، إذ إنها تشير إلى أن الرجال على وجه التحديد هم الأكثر استفادة من نومهم أو قيلولتهم في المكاتب من النساء.
الدراسة، التي تعد الأكبر من نوعها، ركزت على الأثر الصحي للقيلولة وشملت 23681 مواطناً يونانياً بالغاً واستغرقت ست سنوات، بحسب ما ذكرته الأسوشيتد برس.
وأظهرت الدراسة أن أولئك الذين يستغرقون في النوم في مكاتبهم لمدة نصف ساعة تقريباً ثلاث مرات أسبوعياً ينخفض معدل وفاتهم جراء إصابتهم بأعراض صحية قلبية بحدود 37 في المائة عن نظرائهم الذين لا يظلون مستيقظين أثناء العمل.
http://www.55a.net/firas/ar_photo/9/200478625-001.jpgكشفت الدراسات العلمية أن القيلولة لها تأثير مهم على زيادة الإنتاجية وتخفض من نسبة الوفيات

وقال الباحثون إن قيلولة النهار في المكتب تفيد القلب لأنها تقلل من الإجهاد والاضطراب، حيث يشكل العمل المصدر الرئيسي للإجهاد.
وعلى الأرجح أيضاً أن النساء يستفدن من القيلولة في المكاتب، غير أنه تبين أن عدد الرجال الذين يموتون بسبب الإجهاد في العمل أكثر من النساء، وفقاً لما قاله الدكتور ديميتريوس تريكوبولوس، المسؤول عن الدراسة والباحث في كليتي الطب بجامعتي هارفارد وأثينا.
وأوضحت الدراسة أن عدد النساء من عينة الدراسة واللواتي قضين نحبهن بلغ 48 امرأة، منهن ست نساء من النساء العاملات، مقابل 85 رجلاً، منهم 28 رجلاً عاملاً.
وقال تريكوبولوس: "نصيحتي لكم هي : إذا كان بإمكانكم النوم قليلاً فقوموا بذلك، وإذا كان لديكم أريكة في مكاتبكم وأمكنكم الاستراحة فاستغلوا الفرصة."
وتراوحت أعمار عينة الدراسة بين 20 عاماً و86 عاماً، وكانوا يتمتعون بصحة جيدة عندما بدأ تنفيذ الدراسة.
وقال مارفين ووتن، اختصاصي النوم في مستشفى كولومبيا سانت ماري، إن عينة الدراسة على الأرجح "هم أشخاص يهتمون أكثر بصحتهم"، الأمر الذي يفيد القلب.
جدير بالذكر أن هناك بعض الشركات التي تسمح لعمالهم والموظفين فيها بأخذ قيلولة، وعبر الكثير منهم أنها تساعد في زيادة الإنتاجية.
وقامت شركة "يارد ميتالز" الأمريكية لتوزيع المعادن بتخصيص غرفة للقيلولة في مقرها الرئيسي، كجزء من برنامجها المتعلق بصحة الموظف.
وقال المهندس في الشركة، مارك إيكنبيرغر إنه كثيراً ما يتردد على تلك الغرفة لينام نصف ساعة بناء على أوامر طبيبه من أجل تقليل الإجهاد، مشيراً إلى أن ذلك يساعد على بقائه نشيطاً بقية اليوم.
الإعجاز العلمي في السنة المشرفة:
قال النبي صلى الله وسلم : "قيلوا، فإن الشياطين لا تقيل ".
التخريج (مفصلا): الطبراني في الأوسط و أبو نعيم في الطب عن أنس تصحيح السيوطي: حسن، كما حسنه الألباني (صحيح الجامع الصغير 4431).
معاني الألفاظ :
قال الجوهري: هي النوم في الظهيرة .
والمعروف أنه من شروطها أن تكون قصيرة.
فمن علم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الهدي الذي لم يعلم الغرب فوائده إلا بعد 1400سنة من أخبار النبي عنه.
المصدر:
http://arabic.cnn.com/2007/scitech/2...ing/index.html

القلب الحزين 16-03-2008 06:22 PM

الخـتان وقاية .. وتوفير

الدكتور حسان شمسي باشا
جعل الإسلام الختان إحدى سنن الفطرة ، وأكدت ذلك السنة النبوية المطهرة ، ففي الحديث الذي رواه الشيخان: " خمس من الفطرة: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط "
وروى أبو هريرة مرفوعاً: " اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين بالقدوم " متفق عليه .
فماذا يقول الطب الحديث ؟ ولماذا تراجع الغرب عن عدائه للختان ؟
فقد أكدت الإحصائيات العلمية الحديثة أن 60 – 80 % من أطفال الأمريكان يختنون، ونحن نعلم أن الغالبية العظمى من الأمريكيين من النصارى والنصارى عادة لا يختنون.
فماذا حدث في أمريكا ؟
لقد بينت الدراسات العلمية التي بدأت تظهر في أمريكا قبل أكثر من عشر سنوات أن الأطفال المختونين هم أقل عرضة للإصابة بالتهاب المجاري البولية ، وأن غير المختونين أكثر عرضة للإصابة بهذا الالتهاب ب39 ضعف منه عند المختونين.
وفي دراسة نشرت في مجلة Pediatrics عام 2000 م، وأجريت على 50.000 طفل ، أظهرت الدراسة أن 86 % من التهابات المجاري البولية عند الأطفال في سنتهم الأولى من العمر قد حدثت عند غير المختونين، وأن الكلفة الكلية لمعالجة التهابات المجاري البولية بلغت عند الأطفال غير المختونين عشرة أضعاف ما هي عليه عند الأطفال المختونين.
هكذا يحسبون، وهكذا يقدرون، والإسلام جاء بتلك الفطرة العجيبة، والسنة الحميدة، فاتبعها المسلمون في كل مكان، اقتداء بهدي نبيهم العظيم صلى الله عليه وسلم قبل أن يكتشف العلم الحديث الحكمة الصحية، والتوفير الاقتصادي الذي يجنيه المختونون عندما يتبعون ذلك الهدي النبوي الشريف.
وأصدرت المنظمات الصحية لطب الأطفال في أمريكا توصياتها عام 1999 تدعو إلى ختان الأطفال المختونين. كما أن سرطان القضيب نادر الحدوث جدا عند المختونين، في حين يشاهد عند غير المختونين.

القلب الحزين 16-03-2008 06:37 PM

الحديد في الطب والعلم والقران



الدكتور محمد جميل الحبال
طبيب استشاري في أمراض الكلى

وباحث في الاعجاز الطبي في القران والسنة

قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) [الحديد: 25] لقد ورد ذكر بعض المعادن في القرآن الكريم كالحديد والنحاس والذهب والفضة ولكن الله جل جلاله أفرد سورة كاملة باسم (الحديد) في القرآن الكريم وذلك للتأكيد على أهميته في الطبيعة وفائدته للإنسان.

إن ترتيب سورة الحديد في القرآن الكريم هو (57) ويعادل ذلك تقريباً وزنه الذري الذي هو (56) وإذا ما اعتبرنا سورة الأنفال والتوبة سورة واحدة (لعدم وجود البسملة بينهما) كما قرر ذلك بعض العلماء فيكون العدد (56) قد تحقق بالضبط. ثم إن رقم الآية الكريمة في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) هو (26) مع البسملة ويعادل ذلك وزنه المكافئ الذي هو (26).

جدول رقم (1) ـ تطابق العدد والوزن الذري لعنصر الحديد (Fe ) مع ترتيب سورة الحديد في القرآن الكريم ورقم الآية المذكورة فيه.
ترتيب سورة الحديد في المصحفرقم آية الحديد في سورة الحديدالخواص الذرية لعنصر الحديدــــــــــ26 *26العدد الذري57 **ـــــــــ56الوزن الذري
وقد ورد ذكر الحديد في القرآن الكريم في ست آيات وكما يلي:

1 ـ (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا) [الإسراء: 50].

2 ـ (وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) [الحج: 21].

3 ـ (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيد) [ق: 22]

4 ـ (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِحَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) [الكهف: 96]

5 ـ (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) [سبأ: 10].

6 ـ (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَفِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) [الحديد: 25].

وقد يكون في تكرار الحديد ست مرات في القرآن الكريم إشارة إلى بعض خواصه الكيميائية والفيزيائية وكما يلي:

1 ـ أن أعلى درجة لتأكسد الحديد هي (6) Higher Oxidation State

بالرغم من كون تواجد الحديد في الطبيعة على شكل حالتين شائعتين الأولى ثنائية التكافؤ (الحديدوز). مثال (FeCl2) والثانية ثلاثية التكافؤ (الحديديك). مثال (FeCl3)، لكن هناك تكافؤات أخرى يتواجد فيها عنصر الحديد في الطبيعة ولو بشكل أقل كالحديد السداسي التكافؤ. مثال (H2FeO4)([1]).

2 ـ أن عدد أطياف عنصر الحديد هو (6).

Line Emission spectra of Iron: R, O, Y, E, D, V.([2])

3 ـ إن الأواصر التي يرتبط بها في بعض المركبات العضوية هي (6) أواصر كما هو في حالة الحديد Haem الموجود في مركب الهيموكلوبين Hemoglobin (في الدم) والمايوكلوبين Myoglobin(في العضلات) وأنزيم السيتوكروم Cytochrome P450الموجودة في أجسام الطاقة في الخلية (المايتوكـندريا) المسؤولة عن التـفاعلات الـحيوية (الأكسدة والاختزال) للجسم الحي Ferroprotoporphyrin heam

وبدون أنزيم السايتوكروم (الذي مركزه الحديد) لا تتم الحياة والعمليات الأيضـية كما إنه من دون الحديد لا يـمكن تكوين جزئية الـهيموكلوبين في الدم الذي هو شريان الـحيـاة والمايوكلوبين في العضلات الذين هما مصدر القوة في الجسم ومن أجل ذلك (والله أعلم) ذكــره الله تعالى: (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) حيث أن كمية وجوده في الجسم بصورة عامة تقدر بحوالي (4غم) وبصورة خاصة في الدم (2.5) غم (65%) Hemoglobin وفي العضلات Myoglobineوبأنزيم السايتوكروم المذكور أعلاه ولو بنسبة ضئيلة ولكنها ضرورية وفعالة (بمقدار 500 ملغم.

جدول (2) يبين توزيع مادة الحديد في جسم الإنسان ( الرجل ) بالـ (مغم) مع النسبة المئوية [4]
المــــادةالكمية (مغم) mgالنسبة المئوية %الهيموغلوبين (Hb)250062.5المايوغلوبين (Mb) وإنزيم Cytochrom P45050012.5الحديد المنقول على شكل (Transferrin)30.075الحديد في مخازنه (RES) على شكل Ferritin and Hemosiderin600 ـ 100025المجموع 4000100
إن الحديد في الجسم يؤدي إلى النشاط والقوة والبأس فيه لأنه مسؤول عن كثير من الفعاليات والعمليات الحيوية والتي بدونه لا تتم هذه العمليات وبقلته ونقصانه تصاب هذه الفعاليات وبالتالي الجسم بكامله بالوهن والضعف الشديدين وربما الموت إذا تدنت نسبته بكمية كبيرة عن المعدلات الطبيعية. والذي يرجح هذا المعنى (أي أن البأس الشديد قد يعود إلى القوة والصحة والعافية للجسم الإنساني) هو أن عبارة قوله صلى الله عليه وسلموَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ تشمل منافع وفوائد الحديد العامة في المجالات الصناعية والاقتصادية والحربية …. إلخ. وحيث انه لا تكرر للمعاني والعبارات والكلمات المتتالية ورودها في القرآن الكريم كما يقول علماء البلاغة القرآنية وإن لكل كلمة معنى مغايراً فإن عبارة (بأس شديد) يكون لها مفهوم ومعنى آخر يمكن استنباطه ومعرفته من القرآن نفسه حيث وردت عبارة (البأس الشديد) في القرآن الكريم ثلاث مرات وهي تعطي مفهوم القوة البشرية وكما يأتي:

1 ـ قـال تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) [الإسراء:52 ].

2 ـ قـال تعالى: (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيد ٍوَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ) [النمل: 33].

3 ـ قال تعالى: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍتُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) [الفتح: 16].

فالكلمات: (عباد ـ قوم ـ نحن) تشير إلى الإنسان، فالإنسان القوي = بأس شديد كما يفهم من هذه الآيات ولما كان الحديد = بأساً شديداً فإن الإنسان القوي = صفات الحديد أي أن أحد أسباب القوة البشرية والحيوية في الإنسان هو عنصر الحديد الذي يدخل في المركبات العضوية في جسمه للقيام بالوظائف الحيوية كما موضح في الجدول المذكور أعـــــلاه (جدول رقم

http://www.55a.net/firas/ar_photo/6/E015019.jpgتحتوي كريات الدم في جسم الإنسان حوالي 62.5% من مجموع الحديد الموجود في جسم الإنسان
2).

ولما كان الإنسان الرجل يحتاج إلى القوة العضلية والبأس الشديد لمواجهة متطلبات الحياة ومصاعبها ومسؤولياته تجاه كسب العيش حيث انه المسؤول الأول للعمل لإعالة أسرته وأهله ومن يعول وليست الزوجة أو المرأة فقد حباه الله إلى القوة والصلابة أكثر من الإنسان المرأة لقوله تعالى: (وليس الذكر كالأنثى) [آل عمران: 36]، علما أن كثير من الأعمال والواجبات التي يقوم بها الرجال تتطلب إلى القوة العضلية والتحمل الشديد، لذلك فقد جعل الباري عز وجل كمية الحديد في الإنسان المرأة اقل منها في الانسان الرجل بنحو 1 -1.5 غرام (كما في المصدر رقم 4).

وهذا ما يؤيد استنباطنا أعلاه في كون أن احد المعاني المهمة في قوله تعالى: (بأس شديد) هو أن عنصر الحديد في الإنسان يعني القوة البشرية والحياتية فيه. فضلا وكما هو معروف طبيا أن السبب الشائع للإصابة بمرض فقر الدم في البشرية وعلى مستوى العالم اجمع هو نقص عنصر الحديد في الإنسان خاصة لدى النساء, والذي يظهر على المريض على شكل أعراض تتميز بالضعف العام والإعياء والخمول وربما صعوبة في البلع وألم في اللسان. وسريريا بالشحوب في اللون وربما تضخم بسيط في الطحال وتقعر في الأظافر وزوال الغشاء المخاطي الذي يغطي اللسان. وتتناسب هذه الأعراض والعلامات السريرية مع شدة الإصابة بنسبة نقص الحديد في الدم والذي يطلق عليه طبيا (فقر الدم الناتج عن نقص الحديد) (Iron Defeciency Anemia). وجميع هذه الأعراض والعلامات المذكورة أعلاه وغيرها تؤدي إلى حدوث الوهن والضعف العضلي والذهني للمريض المصاب والتي تزول عادة بالعلاج المناسب غذائيا بتناول الأطعمة المناسبة خاصة التي تحوي عل ى الحديد ودوائيا بتناول العلاج المناسب الذي يحوي مركبات الحديد على شكل أقراص فموية أو إبر عضلية أو وريدية وربما يحتاج المريض المصاب بفقر الدم الشديد الناتج عن نقص حاد في الحديد إلى إعطاء الدم خاصة الأقراص الدموية الحمراء وحسب شدة حالة المريض والتي يقررها الطبيب المعالج.

كما يجب أولا وقبل كل شيء معرفة ومعالجة وإزالة السبب الذي تسبب في حصول هذا النوع من فقر الدم والذي كما ذكرنا انه من أكثر أمراض فقر الدم شيوعا في العالم. وفي حالة معالجة السبب وتعويض النقص الحاصل في كمية الحديد الموجودة في الجسم غذائيا ودوائيا فإن المريض المصاب بفقر الدم الناتج عن نقص الحديد يستعيد صحته وعافيته الجسمية والذهنية وكذلك قواه العضلية و الذهنية و تزول عنه أعراض الضعف والخمول والوهن و الأعراض السريرية المذكورة أعلاه. ويعود شخصا طبيعيا كما كان بفضل نعمة الله عز وجل الذي حباه بالحديد الذي فيه سر العافية و القوة و الصحة البدنية فضلا عن المنافع الأخرى في مجالات الحياة كافة.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين


يمكن التواصل مع المؤلف : [email protected]



ــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر الإنكليزية

1. Modern Inorganic Chemistry (1973), by J.J. Logowki, Marcel Dekker Inc, N.Y USA.

2. Introduction to Atomic and Nuclear Physics (1964), by: Harvey E. White, Van Nustrand Reinhold Co.N.Y & Canada.

3. Biochemistry Illustrated, P 172.

4- Harrison 's Principles of Internal Medicine. 12th Edition (1983) ,Kenneth R. Bridges & Franklen Bunn, McGraw Hill,- Inc-USA

الهوامش

[1]Modern Inorganic Chemistry, by J.J. Logowki, P 610 .

[2] Introduction to Atomic and Nuclear Physics , by: H.E. White, P. 104.

[3] Biochemistry Illustrated, P 172.

[4] Harrison 's Principles of Internal Medicine , P 1519.



القلب الحزين 16-03-2008 06:44 PM

الختان يقلل من خطر الإصابة بفيروس الإيدز


نشر موقع BBC التقرير التالي أحببنا إيراده للفائدة(1) :
اثبتت أبحاث أجريت في افريقيا أن الختان بين الرجال يقلل من خطر اصابتهم بفيروس الـ HIV بنسبة 50في المئة.
وكانت نتائج الأبحاث من الاقناع بحيث أوقفت معاهد الصحة الأمريكية التجارب في الحال.
وتؤكد هذه النتائج نتائج سابقة لتجارب أجريت في جنوب افريقيا.
ويقول الخبراء ان النتائج مثيرة ولكنها لا تستدعي صرف النظر عن وسائل الوقاية الأخرى كاستخدام الواقي الذكري.
وكان من المقرر أن تنتهي التجربتان اللتان تجريان في أوغندا وكينيا بحلول شهري يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول من عام 2007 ولكن تقرر ايقافها بعد مراجعة البيانات.
النزيف قليل الاحتمال
وقد توصلت التجارب التي أجريت في كينيا ان الختان يمنح مناعة بنسبة 53 في المئة بينما وجدت التجارب التي أجريت في أوغندا ان تلك النسبة تبلغ 48 في المئة.
وكانت تجارب أجريت في جنوب افريقيا العام الماضي بمشاركة 3280 رجلا قد بينت ان الختان يمنحة مناعة من عدوى فيروس ال HIV بنسبة 60 بالمئة.
وحين بدأ الأيدز بالانتشار في افريقيا لاحظ الباحثون ان الرجال المختونين كانوا أقل عرضة للعدوى ولكن لم يكن سبب ذلك واضحا.
وهناك عدة اسباب لكون الختان يقي من العدوى منها ان بعض خلايا الجلد الأمامي الذي يزال في عملية الختان قد تستهدف من قبل الفيروس وكذلك فان الجلد الواقع تحت الجلد الأمامي يصبح أقل حساسية ويكون أقل عرضة للنزيف مما يقلل من خطر العدوى.
وقد أظهرت دراسة أجراها خبراء في مرض الايدز ان ختان الذكور قد تمنع 6 ملايين حالة للاصابة بفيروس ال HIV

لقد دعا الإسلام إلى الختان دعوة صريحة وجعله على رأس خصال الفطرة البشرية، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " الفطرة خمس : الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب " البخاري رقم/5439/.

القلب الحزين 16-03-2008 06:53 PM

احمِ نفسك من جلطة القلب

الدكتور حسان شمسي باشا
طبيب وباحث إسلامي
لا تكاد تمر دقيقة واحدة، إلا ويصاب في أمريكا ثلاثة أشخاص بجلطة في القلب، وواحد من هؤلاء يلقى حتفه قبل أن يصل إلى المستشفى؛ لتناول العلاج .. وتودي جلطة القلب بحياة نصف مليون أمريكي سنويًّا، كما تودي بحياة 150 ألف إنجليزي في العام الواحد!! وللأسف الشديد، نجد تزايدًا مريعًا في حدوث هذا المرض في بلادنا العربية.
ما هي جلطة القلب Myocardial Infarction
تنجم جلطة القلب (احتشاء العضلة القلبية) عن انسداد في أحد شرايين القلب التاجية، ويؤدي ذلك الانسداد إلى موت جزء من عضلة القلب كان يُروى بذلك الشريان، ويشكو المريض حينئذ من ألم شديد جدا في الصدر يصاحبه عرق وغثيان.
أما الذبحة الصدرية Pectoris Anginaفهي ألم في منتصف الصدر يحدث عند الجهد، ويزول عادة بالتوقف عن الجهد، وتنجم عن ضيق (وليس انسداد) الشرايين التاجية.
ما هي العوامل المهيئة للإصابة بمرض شرايين القلب؟
تقسم عوامل الخطر التي تهيئ للإصابة بهذا المرض إلى عوامل لا يمكن التحكم فيها؛ كالعمر والجنس والوراثة.
وعوامل يمكن التحكم فيها والسيطرة عليها كالتدخين وارتفاع كولسترول الدم وارتفاع ضغط الدم ومرض السكر والسمنة، وعدم القيام بالرياضة البدنية والضغوط النفسية، وتكمن الوقاية من هذا المرض في التحكم في عوامل الخطر الأخيرة والسيطرة عليها أو تجنبها.
تعاليم الرسول تقي من جلطة القلب
ارتفاع كولسترول الدم والبدانة:
ينجم ارتفاع الكولسترول غالبا عند الإفراط في تناول الدهون الحيوانية؛ من لحوم وقشدة وزبدة وجبنة وسمن وغيرها، وقد يكون هناك استعداد عائلي لهذا الارتفاع.
وليس هناك أدنى شك في أنه كلما ارتفع كولسترول الدم زاد احتمال الإصابة بمرض شرايين القلب.
أما البدانة فتؤهل لحدوث مرض "السكر وارتفاع ضغط الدم"، كما أنها تؤهل لحدوث مرض شرايين القلب، وخصوصا عند الرجال في أواسط العمر، ونحن نعلم جيدًا أن البدانة تنجم غالبا عند الإفراط في الطعام وقلة الحركة، ويوصي خبراء التغذية الآن بتناول غذاء فقير بالدهون المشبعة والكولسترول، وبالمحافظة على الوزن المثالي للجسم.
فكيف تستطيع ذلك؟
لقد حث رسول الله على الاعتدال في الطعام، وتجنب التخمة؛ فعن ابن عمر (رضي الله عنه) قال: "تجشأ رجل عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: "كف عنا جشاءك؛ فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة" رواه الترمذي وابن ماجة.
وروي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع؛ فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، وضعفت قلوبهم، وجمحت شهواتهم" رواه البخاري.http://www.55a.net/firas/ar_photo/7/h3713-001.jpg
ولقد أوصانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ألا نأكل كل ما تشتهيه الأنفس؛ فقد روي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "من الإسراف أن تأكل ما اشتهيت" رواه ابن ماجة.
وإذا كنا بحق نريد اجتناب السمنة وما فيها من مشاكل على القلب والرئتين والمرارة ومرض السكر؛ فما علينا إلا أن نتذكر، ونطبق قول رسول الله عند كل طعام : "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه؛ بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صلبه؛ فإن كان لا محالة؛ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه" رواه الترمذي.
ولقد جمع الله تعالى علم الصحة والغذاء في آية من ثلاثة كلمات، قال تعالى : "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ".
وتوصي المنظمات الصحية الأمريكية بأن يشكل زيت الزيتون ما لا يقل عن ثلث الدهون المتناولة يوميا؛ فقد أثبتت الأبحاث العلمية الحديثة فائدة زيت الزيتون في خفض كولسترول الدم، كما أن الدراسات قد أظهرت أن بلدان حوض البحر المتوسط هي من أقل البلدان إصابة بمرض شرايين القلب بسبب كثرة تناول سكانها من زيت الزيتون.
هذا الزيت الذي أوصانا رسول الله (عليه السلام) بتناوله؛ حيث قال: "كلوا الزيت، وادَّهنوا به؛ فإنه من شجرة مباركة".
وهي الشجرة التي ذكرها الله تعالى في قرآنه؛ حيث يقول: "يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ".
ويوصي خبراء التغذية وأطباء القلب في العالم بتناول وجبتين من السمك في الأسبوع على الأقل، والرسول (عليه السلام) قد لفت النظر إلى نعمة السمك، فقال: "أول طعام أهل الجنة زيت كبد الحوت". والسمك والحوت سيان .. فزيت السمك الذي ينصح به الأطباء كعلاج لارتفاع الغليسريدات الثلاثية Triglyceries(وهي إحدى دهون الدم) يستخلص من كبد الحوت نفسه! وتناول السمك لا يفيد في الوقاية من مرض شرايين القلب وارتفاع دهون الدم فحسب؛ بل إن له فوائد أخرى في علاج صداع الشقيقة ومرض المفاصل نظير الرئوي وغيرها كثير.
الرياضة البدنية:
أكدت مقالة نشرت في مجلة B.M.Tالشهيرة أنه للوقاية من مرض شرايين القلب والجلطة القلبية يجب على الإنسان أن يمارس نوعا من أنواع الرياضة البدنية كالمشي السريع، أو الجري، أو السباحة لمدة 20 – 30 دقيقة مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل.
ولهؤلاء نقول: لم يحثنا رسول الله (عليه السلام) على المشي إلى المساجد مرتين أو ثلاثًا في الأسبوع؛ بل خمس مرات في اليوم الواحد، وقد يكون المسجد على بعد عشر دقائق أو يزيد.
أليس في هذا رياضة للبدن ووقاية للقلب؟‍! روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله قال: "أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم والذي ينتظر الصلاة يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام " .
ويؤكد الأطباء على ضرورة أن يكون المشي سريعا وقويا لا متواصلا ومتهاديا . أليست هذه هي مشية المسلم الحقيقي الذي يقتدي برسول الله في كل أعماله؟
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : كان رسول الله عليه السلام إذا مشى تكفأ تكفؤا، وكان أسرع الناس مشيا…
الامتناع عن التدخين :
أجمعت الدراسات العلمية قاطبة على أن خطر مرض شرايين القلب عند المدخنين يبلغ ثلاثة أضعاف ما هو عليه عند غير المدخنين، ولا يخفى على أحد ما في التدخين من أضرار على القلب والرئتين وغيرهما من أعضاء الجسم.
وقد أقر العديد من الفقهاء بتحريم التدخين عملا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ضرر ولا ضرار ".والمسلم الحق لا يدخن، ويأبى أن تهدر الملايين من الدولارات سنويًّا من أموال المسلمين على ما يؤذيهم ولا ينفعهم.
معالجة ارتفاع ضغط الدم ومرض السكر :
من المؤكد أن السيطرة على ارتفاع ضغط الدم ومعالجة مرض السكر تساهم في الوقاية من مرض شرايين القلب، ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي حيث قال: "تداووا عباد الله ، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد: الهرم" .
مواجهة الضغوط النفسية :
أكدت الدراسات العلمية أن التعرض للضغوط النفسية والكروب أو الانفعالات الشديدة يمكن أن يثير نوبة ذبحة صدرية، وهناك دلائل علمية حديثة تشير إلى أن الذين يغضبون بشدة هم أكثر عرضة للإصابة بمرض شرايين القلب. وكلنا نعلم حديث رسول الله عليه السلام المشهور ، وهو يوصي رجلا جاء يسأله .. يا رسول الله أوصني، فقال له النبي: "لا تغضب". وحديثه صلى الله عليه وسلم: "إذا غضب أحدكم وهو قائم؛ فليجلس فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع".
وقد علمنا الإسلام الصبر على الشدائد والمصائب، " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيرا له".
فكيف لا يسلم المؤمن أمره لخالق الأرض والسماء!!.
للاتصال بالدكتور حسان شمسي باشا


القلب الحزين 16-03-2008 06:58 PM

ذاكــرة الـروائــح

بقلم الداعية المهندس عبد الدائم الكحيل
كيف استطاع سيدنا يعقوب تمييز رائحة قميص ابنه يوسف على مسافة بعيدة؟ وهل كشف العلماء أسراراً جديدة لحاسة الشم عند الإنسان؟ لنقرأ...
كثيرة هي الأباطيل التي ألصقها بعض المشككين بالقرآن الكريم، فهم يبحثون عن أي شيء غريب في القرآن ويقولون إن القرآن لا يوافق العقل أو المنطق أو الواقع، أو أنه يخالف الحقائق العلمية. ومن انتقاداتهم للقرآن ما جاء في سورة يوسف عليه السلام عندما وجد يعقوب ريح ابنه يوسف قبل أن يصل إلى بيته.
فبعد رحلة طويلة لسيدنا يوسف تنقّل فيها من حضن أبيه إلى ظلام الجبّ إلى السجن وأخيراً إلى عرش الملك، بقي أبوه يعقوب عليه السلام واثقاً بالله لم يفقد الأمل من رحمته، وبقي يتذكر ابنه ويأمل عودته بعد أن مضى على غيابه سنوات طويلة.
وعندما أرسل يوسف قميصه لأبيه وقبل أن يصل القميص أخبرهم يعقوب أنه يجد ريح يوسف، يقول تعالى: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ)[يوسف: 94]. والغريب في هذه الآية الكريمة هو كيف استطاع سيدنا يعقوب أن يجد ريح ابنه على مسافة طويلة قبل أن يصل القميص إليه؟
إن هذا الأمر غير منطقي كما يدعي بعض المشككين، ولكن السؤال: هل كشفت الأبحاث العلمية عن أشياء تؤكد صدق ما جاء في القرآن؟
اكتشاف علمي جديد
من الأخبار العملية التي لفتت انتباهي أن العلماء وجدوا أثاراً لعضو ضامر يسمى vomeronasalفي أنف الإنسان كان في يوم ما يلتقط الإشارات الكيميائية البعيدة الصادرة عن أشخاص آخرين، ويقول العلماء إن هذا العضو الحساس يقع في الدماغ خلف فتحتي الأنف.
إن هذا العضو الضامر كان عبارة عن ثقبين صغيرين يلتقطان الإشارات الكيميائية التي يفرزها أشخاص آخرون ويحتوي على مجموعة من الأعصاب تستطيع تحليل هذه الإشارات والتعرف على صاحبها!
هذه الخلايا العصبية كانت فعالة منذ آلاف السنين ولكنها فقدت حساسيتها مع الزمن ولم يعد لها مفعول يُذكر، ولكن وكما نعلم هنالك كثير من الحيوانات تتخاطب بلغة الإشارات الكيميائية، مثل النمل مثلاً. ويؤكد العلماء أن هذا العضو كان مستخدماً بفعالية كبيرة لدى البشر في عصور سابقة [1].
حتى إن العلماء اليوم يعتقدون بوجود إشارات كيميائية يتم تبادلها بين البشر ويحاولون دراسة هذه الإشارات وتأثيراتها واستكشافها، ويعتقدون بوجود مواد كيميائية تميز كل إنسان عن الآخر، بل وتميز الرجال عن النساء، حتى إن هذه المواد تؤثر على الجاذبية التي تمارسها المرأة على الرجل [2].
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11/sense1.JPG
لقد اكتشف العلماء وجود عضو ضامر خلف أنف الإنسان (القسم الأحمر)، وهذا العضو كان ذات يوم يتحسس المواد الكيميائية المنبعثة من أشخاص آخرين ومن مكان بعيد، ويستطيع الدماغ قراءة المواد الكيميائية كما يقرأ أحدنا الرسالة! المصدر: Howard Hughes Medical Institute
كما يؤكد الباحثون أن الكثير من الثدييات مثل الفئران تتخاطب بالرموز الكيميائية (مثلاً تفرز أنثى الفأر مواد كيميائية يستطيع الذكر تحليلها والإسراع إلى التزاوج!). ويقول العلماء إن الإنسان يستطيع أن يميز عشرة آلاف نوع مختلف من أنواع الرائحة [3].
اكتشفت الدكتورة ليندا باك Linda Buck أن أجهزة التحسس في أنف الإنسان تتلقى الروائح وتعاملها مثل الرسائل المؤلفة من أحرف ألفبائية ثم تحولها إلى الدماغ ليتعرف عليها، وبالتالي هناك إمكانية للتعرف على آلاف المواد الكيميائية [4].
والعلم اليوم يقرر حقيقة علمية وهي ثبات رائحة الإنسان وتميزها عن غيره. فلكل منا رائحة تختلف عن الآخر، حتى إنه ليمكننا القول بأن كل إنسان له بصمة كيميائية تتمثل في أن جسده يفرز مواد محددة تختلف عن أي إنسان في العالم، وتبقى هذه الرائحة مرافقه له في عرقه مثلاً منذ ولادته وحتى الموت.
كيف يفهم الدماغ لغة الروائح
يقول علماء ثلاثة من جامعة هارفارد الأمريكية وهو Liman, Corey, and Dulacب[5]: هنالك جزيئات تدعى TRP2تتوضع على الخلايا العصبية وعندما تأتي المواد الكيميائية التي يطلقها إنسان آخر فإنها تندفع عبر الجزيئات TRP2وتسبب تغيراً في توتر الخلية (الطاقة الكهربائية المختزنة في الخلية)، وبالتالي ترسل الخلية إشارات كهربائية إلى الدماغ يحللها الدماغ مثل رسالة بريد إلكتروني!
وهنالك مواد كيميائية يطلقها الإنسان وتؤثر على سلوك الآخرين، ويطلق اليوم العلماء مصطلح "ذاكرة الرائحة" للدلالة على وجود تقنيات في دماغ الإنسان تستطيع تذكر الروائح والتفاعل معها بل وتستطيع هذه الروائح إحداث تغييرات فيزيولوجية في الإنسان.
وتؤكد الدكتورة Linda Buckمن جامعة هارفارد أن الروائح تستطيع التأثير في سلوك البشر، وتستطيع الروائح تنشيط مناطق كثيرة في الدماغ فتجعل الإنسان يتذكر أشياء ارتبطت برائحة المادة التي يشمها، ويستطيع الإنسان تذكر أشياء مضى عليها عشرات السنين ويربطها بهذه الرائحة.
الرؤيا والشم
يؤكد العلماء وجود علاقة بين الروائح التي يشمها الإنسان وبين الكثير من مناطق الدماغ مثل التذكر والرؤيا وحتى تغير السلوك الإنساني. أي أن الرائحة التي يشمها الإنسان قد تؤثر في القسم الأمامي من الدماغ والمسؤول عن السلوك والقيادة واتخاذ القرارات.
http://www.55a.net/firas/ar_photo/11/sense2.JPG
إن عملية شم الروائح وتحليلها عند الإنسان عملية معقدة جداً لا يزال العلم يكشف بعض أسرارها، وكما نرى في الشكل فإن مركز الشم يرتبط بالعديد من أجزاء الدماغ مثل الرؤيا، أي أن هنالك علاقة بين الرائحة التي يشمها الإنسان وبين ذكرياته وما يراه وما يؤثر على مركز الرؤيا في الدماغ. المصدر: Biomedical Research Report, Howard Hughes Medical Institute, 1995.
ولذلك من الممكن علمياً أن تتعطل منطقة ما من مناطق الدماغ بسبب معين، ثم تأتي رائحة تذكر ذلك الشخص بالسبب الذي أدى لحدوث هذا التعطل وبالتالي تنشيط هذا الجزء المعطل وإعادته لصورته الطبيعية.
كيف تحدث القرآن عن هذه الحقائق؟
والآن نأتي إلى الآية الكريمة ونتأملها من جديد على ضوء هذه الاكتشافات، فقد أحضر إخوة يوسف قميص سيدنا يوسف وفيه رائحة سيدنا يوسف، هذه الرائحة انتقلت مع الريح لتصل إلى أنف سيدنا يعقوب قبل أن تصل القافلة.
وبما أن البشر كانوا يملكون قدرة كبيرة على تحليل الإشارات الكيميائية أو الروائح، فإن سيدنا يعقوب استطاع تذكر رائحة ابنه الذي مضى على غيابه عشرات السنين، بينما بقية أفراد العائلة لم يصدقوا ذلك، إذ أن الجميع يظن بأن يوسف قد أكله الذئب، ولذلك قالوا له: (قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ) [يوسف: 95].
إذن ما جاء في القرآن موافق للمنطق العلمي وللمكتشفات الجديدة ولا يناقضها أبداً، وإذا تذكرنا بأنه قبل آلاف السنين لم يكن هنالك أي تلوث، فإن أي رائحة مميزة ستنتشر بشكل أفضل من انتشارها في عصرنا هذا بسبب التلوث الكبير للهواء. وإذا علمنا أيضاً أن العلماء يؤكدون قدرة الإنسان على تذكره الروائح لفترات طويلة من الزمن، وتذكرنا ما يقوله العلماء حول تأثير هذه الروائح على السلوك الإنساني، فيمكننا عندها أن نقتنع بقصة سيدنا يوسف وأن سيدنا يعقوب عليه السلام قد شمّ رائحة قميص ابنه وقد أعادت هذه الرائحة له البصر.
وإذا تأملنا قصة سيدنا يعقوب عليه السلام عندما ابيضَّت عيناه بسبب حزنه على ولديه يوسف وأخيه، نجد أن العمى حدث نتيجة صدمة نفسية، أي أن السبب نفسي وليس عضوي. وبكلمة أخرى لم يكن هنالك خلل في العين بل إن الخلل حدث في الدماغ في منطقة الرؤيا.
ورائحة قميص يوسف أو كما سمَّاها (ريح يوسف) قد أثَّرت ونشَّطت هذه المنطقة من الدماغ أي منطقة الرؤيا، وتذكَّر على الفور ابنه يوسف وتأكد أنه لا يزال حياًّ، وبالتالي فإن السبب الذي أدى إلى الخلل في الرؤيا قد انتفى، مما أدى إلى تصحيح الخلل في الرؤيا.
رأينا أيضاً كيف أن دماغ الإنسان يقرأ الروائح كما يقرأ الرسائل المكتوبة، أي أن سيدنا يعقوب كان ينتظر هذه الرسالة ليتعرف من خلالها أن ابنه لا زال حياً يُرزق، وبالتالي ستكون سبباً في رد بصره إليه. وهذا ما قاله يوسف لإخوته عندما أمرهم أن يأخذوا قميصه لأن فيه رائحة سيدنا يوسف التي سيتعرف عليها الأب مباشرة حتى قبل أن يصل القميص: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ)[يوسف: 93].
ولذلك لم يقل سيدنا يعقوب: (إني لأشم ريح يوسف)، بل قال: (إني لأجد ريح يوسف)، لأن سيدنا يعقوب قد وجد فعلاً هذه الرائحة، وتعرَّف عليها جيداً لأنه كان يبحث عنها طوال سنوات، وهذا يدل على الثقة الكبيرة لسيدنا يعقوب بهذه الرائحة، وأن يوسف لا يزال حياً.
وأخيراً أرجو أن يقتنع معي كل من في قلبه شك من هذا القرآن، أن القرآن لا يقول إلا الحق، وأن كل كلمة جاء بها القرآن هي الصدق المطلق، اللهم انفعنا بما علمتنا.
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
الهوامش
[1] William J. Cromie, Scientists Find Evidence for A Sixth Sense in Humans, Harvard university, May 20, 1999.
[2] Robert Taylor, Sniffing Out Human Sexual Chemistry, Journal of NIH Research, Volume 6, January 1994.
[3] Maya Pines, Sniffing Out Social and Sexual Signals, Howard Hughes Medical Institute.
[4] William J. Cromie, Researchers Sniff Out Secrets of Smell, Harvard university, April 08, 1999.

القلب الحزين 16-03-2008 07:03 PM

تيمنوا فان اليمين بركة

د. محمد السقا عيد
ماجستير وأخصائى جراحة العيون
عضو الجمعية الرمدية المصرية
التيامن لغة:-
في المعجم الوجيز " يَمَنَ " ، و" تَيَمَنَ " أي توجه تلقاء اليمن، وتيمن أي بدء عمله باليمين ...
أما لفظة التيامن اصطلاحاًفهي تعني عند الفقهاء: بدء كل عمل باليمين .
وهو مستحب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حث على بدء كل عمل باليمين ، وقال: "تيمنوا فإن في اليمين بركة "
لمحة تاريخية عن التيامن في الأديان (1)
التيامن في اليهودية :-
أ- ورد في سفر التكوين اسم " بنيامين بن يعقوب "، ومعنى الاسم كما يقول قاموس الكتاب المقدس هو " ابن اليمين ".
ب- وكما ورد في التلمود الأورشليمي " إن بنيامين يعني ابن اليمين أي ابن البركة "
ج-وكان الكهنة في العهد القديم عند اليهود عندما يقومون بالخدمة العبادية في الهيكل يقفون إلى اليمين " راجع سفر أخبار الأيام الأول اصحاح 6 آية 39 .
د - وعندما كان رئيس الكهنة ليقيم كهنة جددا للخدمة العبادية في الهيكل كان يجب أن يقفوا إلى يمين المذبح . .
هذا، وتنص المسيحية على نفس الفكرة، ولفهمها نسترجع ما يأتي:
التيامن في المسيحية:
استمر التبريك في اليمين والتقديس للتيامن في المسيحية كما كان في اليهودية، وهناك إشارات لذلك منها:
أ- اليمين موضع الشرف :-
يعلن إنجيل " مرقس البشير " عن أن اليمين هو أكبر مواضع الشرف . فعندما تريد أن تكرم ضيفا يجب أن تجلسه في موضع اليمين " راجع إنجيل مرقس اصحاح 12 .
ب- اليمين علاقة مساواة الابن بأبيه من حيث الشرف:-
فقد نص الإنجيل على أن المسيح يجلس عن يمين العظمة بعد صعوده إلى السماء " راجع نفس الاصحاح السابق وكذلك راجع سفر أعمال الرسل الإصحاح الثاني العدد الخامس والعشرين "
ج - اليمين مكان مستقر الأبرار:-
فقد نص إنجيل متى على أن الأبرار يكونون عن يمين عيسى المسيح عليه السلام يوم القيامة، أما الأشرار فيكونون عن يساره .. يقول الإنجيل:
" ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يميز الخراف عن يمينه والجداء عن يساره، ثم يقول للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم من قبل تأسيس العالم ..... "
د - خير الصدقات باليمين :
- أوصى ابن مريم عليه السلام أتباعه قائلا : " ومتى صنعت صدقة فلا تعلم شمالك ما فعلت يمينك ".
التيامن في الإسلام(2)
تعريفه لغة:
جاء في [ مختار الصحاح ] أيمن الرجل ويمن ويامن .. إذا أتى اليمين وكذلك إذا أخذ في سيره يميناً ..
يقال يامن يا فلان بأصحابك، أي خذ بهم يمنة ولا تقل تيامن .
اصطلاحاً:

قال ابن الأثير: التيمن: الابتداء في الأفعال باليد اليمنى والرجل اليمنى والجانب الأيمن .
وقال ابن حجر: قال النووي قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين وما كان بضدها استحب التياسر

الآيات الواردة في التيمن :
( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) (الإسراء:71)(وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً) (مريم:52)
الأحاديث الواردة في التيمن :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال ليكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع ) أخرجه البخاري .
وعن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
( إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله ) أخرجه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) قال: ( يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمد له في جسمه ستون ذراعاً، ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون: اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا، حتى يأتيهم فيقول: ابشروا لكل رجلٍ منكم مثل هذا ) . أخرجه الترمذي وقال: (هذا حديث حسن غريب ) .


http://www.55a.net/firas/ar_photo/5/E014000.jpg
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلها
المثل التطبيقي من حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التيمن :
عن عائشة قالت: ( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلها، ثم صب الماء على الأذى الذي به بيمينه وغسل بشماله، حتى إذا فرغ من ذلك صب على رأسه ) . أخرجه البخاري ومسلم .
عن عائشة قالت: ( كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله ) .أخرجه البخاري ومسلم .هذا الحديث أيضا يدل في ظاهره على الحث على النظافة والظهور بالمظهر الحسن و تحكي فيه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- شيئا من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشيئا من الآداب التي كان يتعامل بها -عليه الصلاة والسلام
فهذه المجموعة(3)من الأمثلة التي ساقها لنا الحديث الشريف في الطهارة والترجل والتنعل... يقاس عليها ما يستجد في عالم الحياة؛ لأنه كل ما كان مستحسنا يبدأ به باليمين؛ ولذلك أصبحت قاعدة كما ذكر النووي وابن حجر وغيرهم "ما كان من الأشياء المستحسنة يبدأ به باليمين، وما كان من الأشياء المستقذرة يبدأ به بالشمال"مثل دخول دورة المياه
والخلاء عموما، ومثل الخروج من المسجد، وأيضا إزالة الأذى والاستطابة تكون بالشمال، فكذلك هذه الأشياء التي تعتبر من الأشياء المستقذرة تكون في الشمال وتكرم اليمين عنها. كذلك العكس للأشياء مثل لبس الثوب خلعه يكون بالشمال، يعني: يبدأ بالشمال، الاستنجاء يكون بالشمال، في خلع النعال يبدأ بالشمال وهكذا، فما كانت اليمين عكسه يكون بالشمال، وكذلك ما كان في الشمال يكون عكسه في اليمين، يعني: مكان دخول الخلاء يكون في الشمال، الخروج منه يكون باليمين، العكس دخول المسجد باليمين، الخروج منه يكون بالشمال. إذن أصبحت هذه قاعدة كما ذكر العلماء -رحمهم الله تعالى-
البداية باليمين للأشياء المستحسنة، والبداية بالشمال للأشياء المستقذرة.


فوائد التيامن :
1- أنه من أدلة الإيمان وحسن الإذعان .
2- أن فيه القوة والبركة .
3- أنه من حسن الإتباع .
4- أنه من شعائر الإسلام .
5- فيه مخالفة لأهل الشرك، إذ أن شعارهم استعمال الشمال، وكذا مخالفة الشيطان .
6- فيه مرضاة الرب ومحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- .

ومن السنة التيمن فيما يلي:
1- عند دخول المسجد: البدء بالرجل اليمنى، وعند الخروج البدء بالرجل اليسرى .
2- في الوضوء: في غسل اليدين أو الرجلين .
3- في التنعل .
4- البدء في الغسل بالشق الأيمن .
5- استحباب الصلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد عند تساوي الطرفين .
6- في الأكل والشرب .
7- أن يعطي الإنسان الإناء – عند شربه منه – من يجلس عن يمينه حتى ولو كان الجالس الذي عن يساره أعلى منزلة ، أو أكبر سناً . من كتاب ( سنن وأخلاق )
.
نظام التيامن في الجسم البشرى: (4)
ثبت علمياً أن كل حركة في جسم الإنسان تدور حسب نظام دقيق، بحيث تبدأ الحركات من الجهة اليمنى إلى الجهة اليسرى، ثم تتلاشى وتنتهي .. من ذلك حركة الدم التي تبدأ أول نقطة فيها داخل جهاز الدورة الدموية من القلب، عندما تتقلص العضلات القلبية، لتضخ الكتلة الدموية، فيبدأ سير الدم النقي من تجاويف البطين إلى الشريان الأبهر الذي يتجه بشكل مقوس من الجهة اليمنى إلى الجهة اليسرى، بحيث يجعل جريان الدم سائراً بهذا الاتجاه، مبتدئاً من اليمين ومنتهياً في اليسار، بعد أن تتشعب الأوعية الدموية من الدقيق إلى الأدق، حتى تتلاشى حركة الدم، وتصبح غير منظورة لا تبصرها العين إلا بمساعدة العدسات المجهرية المكبرة، حيث تشاهد حركة الكريات الدموية وهى تؤدى وظائفها في تغذية وإرواء الأنسجة بمساعدة السوائل الدموية.
حركة الأمعاء تبدأ من باب المعدة الاثنى عشر بحيث يكون اتجاه الحركة للمواد الغذائية من الجهة اليمنى، ثم تنعطف الحركة باتجاه اليسار .. وإلى أنحاء منطقة الامتصاص الشعرية في الأمعاء الدقيقة.
وحركة القولون في منطقة الأمعاء الغليظة، تبدأ من نقطة الجهة اليمنى باتجاه الناحية اليسرى إذ تتقلص لدفع المواد المتبقية من عملية الامتصاص إلى الجهة اليسرى المقابلة بعد أن تجمعت في الخزان الأعور الكبير، فتتحرك المواد من الجهة اليمنى إلى اليسار .. وإلى القولون المستعرض المتوازي وهكذا.
وحركة التنبيهات العصبية العجيبة الصنع في المراكز العصبية، والأسلاك الحسية والحركية المتصلة بها، تبدأ دورتها من الجهة اليمنى، وتنتهي في الطرف الأيسر عند أداء وظائفها الطبيعية الفسيولوجية.
وهكذا أظهر الحديث الشريف تلك الظاهرة العلمية في الكيان البشرى، مما جعلها انطلاقة علمية لم تكتشف إلا بعد بضعة قرون من قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( الإعجاز العلمي في الإسلام - السنة النبوية للأستاذ : محمد كامل عبد الصمد).
وكما نعلم فان المخ ينقسم إلى قسمين أيمن وأيسر والجزء الأيمن منه مسؤول عن الحركاتالصادرة من الجزء الأيسر في الجسم كذلك الجزء الأيسر من المخ هو المسؤول عنالحركات الصادرة من الجزء الأيمن من الجسم.
وقد اكشتف الأطباء(5)مؤخراً أنالجزء المسؤول عن العنف والشر في الإنسانيقع في الجزء الأيمن منالمخوأن استخدام الجزء الأيسر من الجسم يقوي دافع العنفوالشرالموجود مركزه في الجزء الأيمن من المخ.لذا نجد العبرة والجواب الشافي فيما امرنا به رسولنا الكريم(محمد صلى الله عليه وسلم) قبل1400 سنه ويزيد حينما قال ( تيمنوا فإن في اليمنبركة).
ويبقى هذا السؤال ينتظر الإجابة:هل جاء التيامن عقيدة إسلامية مبتدعة ؟. أم أنها أصل في كل دين سماوي؟
الهوامش:http://www.maktoobblog.com/1serano?post=1281743.http://www.islamacademy.net/library/bviewer_content.asp?fid1153&id=4068

القلب الحزين 16-03-2008 07:08 PM

تأملات إسلامية في مشاكل بيولوجية

د/ حسين رضوان اللبيدي

مدير مستشفى وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة

وعضو جمعية الإعجاز العلمي بالقاهرة وجنوب الوادي
مقدمة
لكل قضية دعوى ودعوى قضية الإسلام هي :
إن القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد الباقي المحفوظ ليدين به الجميع وليكون دستوراً للعالمين لمن شاء منهم أن يستقيم.
وحيثيات الدعوة هي خلاصة علوم مقارنة الأديان والكتب المقدسة بجميع نواحيها في العقيدة والتوحيد والتاريخ والعلوم الإنسانية والكونية والتي بينت .
1- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الخالي من التناقض والاختلاف والتحريف والتصحيف.
2- إن القرآن هو الكتاب الوحيد المعجز في معانيه ومبانيه من أول كلمة إلى آخر كلمة فيه.
3- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الألوهية مما لا يليق بكمالها
4- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي ينزه الرسل المكرمين من كبائر الإثم والفواحش.
5- إن القرآن هو الكتاب الوحيد الباقي كما أنزل والذي يرجع إسناده إلى المصدر مباشرة.
6- إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نجد منه نسخة وحيدة متطابقة في أي زمان ومكان.
7- إن القرآن الكريم عالمي في منهاجه فهو يحقق التوازن والعدل بين الإنسان ونفسه، والإنسان وأخيه الإنسان ، والإنسان والكون من حوله.
8- إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي نجد فيه إشارات علمية من الذرة إلى المجرة ومن النطفة إلى المخ البشري تتطابق مع الحقائق العلمية المكتشفة بأدق وسائل التقنية .
وعلى العموم فالقرآن كلام الله يشعر المستمع إليه أنه يأتي من السماء.
ولقد أفردنا في شرح ذلك كتاباً أسميناه -لماذا القرآن - ليكون رأساً لسلسلة -لماذا القرآن ولماذا الإسلام ؟ والذي منها هذا العمل الذي سنتناول فيه قضية علم الأجنة وما ترتب عليها من قضايا أخرى كقضية التلقيح الصناعي وطفل الأنابيب ، والاستنساخ وسيكون تناولنا للجانب العلمي والعقائدي لهذه القضايا ، أما الجانب الشرعي ( الحلال والحرام ) فهو متروك للفقهاء .
فالقضية العلمية المعملية قضية مجردة تهدف إلى كشف سر من أسرار الكون ، ولكن عندما تدخل للتطبيق الواسع بين البشر فقد ينشأ من جراء ذلك أخطار ومشاكل تحتاج إلى توجيه أو تقنين ، ومثال ذلك اكتشاف أسرار الانشطار النووي والطاقة الذرية ، كان في البداية كشفاً علمياً عن أسرار الذرة وطاقات الكون الكامنة التي تقدم للبشرية خيراً كثيراً من خلال الاستفادة من الطاقة المتولدة عنها ، ولكن عندما دخل استخدامها إلى أسلحة الدمار الشامل كان لا بد من تدخل المشرع ليدلي بدلوه في هذا الاتجاه الذي ينشر الفساد والدمار في الأرض .
فلا حجر ولا زجر على الأبحاث العلمية التي تكشف أسرار الكون ما دامت محدودة في المعامل ، ولكن عندما تدخل إلى حيز التطبيق فلا بد من تدخل المشرع لتقنيتها ووضع القواعد والضوابط والضمانات الشرعية لها .
أولاً : خلق الجنين
عندما كان العقل لا يملك من وسائل التقنية ما يمكنه من معرفة أسرار تكون الجنين من البداية ، وضع نظريات عن نشأة الجنين كالآتي :
1- الجنين من لا شيء عن طريق التولد الذاتي بالصدفة.
2- الجنين ينشأ من بذور تخرج من الرجل وتحمل صورة مصغرة وكاملة للطفل وما الزوجة إلا مكان ينمو فيه (بمعنى يزداد في الحجم)
3- الجنين ينشأ من الأم وما السائل الذكري إلا خميرة تعمل كعامل مساعد فقط .
وعندما أُكتشف المجهر وتطورت وسائل التقنية عرف العلماء أن النظريات السابقة لتكون الجنين لا أساس لها من الصحة ، وفي القرن التاسع عشر وما بعده عُرفت الأطوار الحقيقية للجنين كما يأتي :
أ- يبدأ تكون الجنين باتحاد النطفة المذكرة ( الحيوان المنوي )وهو يحمل نصف صفات الجنين مع النطفة المؤنثة ( البويضة ) وهي تحمل النصف الآخر للصفات وينشأ عن هذا الاتحاد نطفة أمشاج وهي الخلية الأولى التي تحتوي على صفات الجنين كلها وتسمى ( الزيجوت ) .
ومن هذه الخلية الأمشاج يتكون الجنين مرحلة من بعد مرحلة بتوالي الانقسامات لتكوين أعداد متزايدة من الخلايا المتشابهة في طور حر الحركة يتجه نحو تجويف الرحم وعند ذلك يكتسب خاصية العلوق وهنا يبدأ الطور التالي :
ب- طور العلقة : وفيها يتعلق الجنين بالرحم وتبدأ عملية تمايزه إلى طبقات ثلاثة مسطحة ليبدأ بعده طور المضغة .
ج- طور المضغة :وفي هذا الطور تظهر على الجنين مرتفعات ومنخفضات فيشبه بذلك قطعة اللحم أو اللبان الممضوغ وهو ما يسمى طور الأجسام البدنية والتي تتمايز إلى عظام وعضلات وغير ذلك .
د- طور ظهور الهيكل العظمي وكساءه بالعضلات :
في هذا الطور يبدأ ظهور العظام والعضلات من منطقتين متجاورتين بعدها تكسوا العضلات هيكلها العظمي وبعد انقضاء 120 يوم يظهر الشكل الآدمي لوجه الطفل .
· وكان الكشف العلمي الحديث لمراحل الجنين الحقيقية أحد الأدلة على صدق القرآن الكريم وإعجازه وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وعالمية الإسلام .
فقد لخص القرآن الكريم في إعجاز علمي باهر مراحل الجنين من النطفة إلى الخلق الآخر في آية واحدة كما يأتي :
يقول الحق في سورة المؤمنون )ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (وتشير هذه الآية في إعجاز إلى الحقائق التالية
1- الجنين لا يكون كامل من البداية بل يبدأ بمرحلة بسيطة تزداد في التعقيد مرحله بعد مرحلة وطور بعد طور .
2- الطور الأول بعد النطفة يشبه العلقة لأنه شكلاً مثل دودة العلق الطبي ولأنه اكتسب خاصية التعلق بعد أن كان قطرة حرة الحركة .
3- الطور التالي يشبه قطعة اللحم الممضوغ لظهور تغضنات عليه في بداية التمايز الجنيني .
4- تظهر بدايات العظام واللحم ويتحدد للهيكل العظمي هيئته البنائية .
5- يتم كساء الهيكل باللحم ( العضلات ) .
6- يتشكل في النهاية الشكل الآدمي المميز .
ولأن هذه الحقائق لم تكن معروفة حتى بعد نزول القرآن بأكثر من ألف عام فإن وجودها في القرآن يعتبر دليلاً يقينياً وعالمياً على صدق الرسالة وصدق الرسول وهذا ما دفع أحد أكبر علماء الأجنة في العالم بالقول " أشهد أن هذا الكلام (عن الأجنة ) الذي ذكره القرآن لابد وأن يكون قد نزل على محمد من عند الله " وكان ذلك في التليفزيون الكندي وعندما وجه إليه السؤال التالي : لماذا تقول ذلك ؟
فأجاب : لأن هذه المعلومات عن مراحل الجنين لم يعرفها العلماء إلا بعد أكثر من ألف عام من نزول القرآن فلابد وأن تكون هذه المعلومات من عند الله .
وكان هذا العالم الجليل هو أ . د/ كث المور وهو من أكبر علماء الأجنة في العالم
ولم يقتصر تفكير العلماء على معرفة خطوات الجنين ومراحله ، بل لاحظوا ظاهرة محيرة هي :كيف أمكن للخلية الواحدة أن تعطي خلايا مختلفة متميزة ؟
وبمعنى آخر : متى وكيف يحدث التمايز الخلوي ؟
وكان العلماء يعلمون أن مرحلة النطفة الأمشاج لها بداية ونهاية .
أما البداية:فهي خلية واحدة تسمى الزيجوت .
وأما النهاية :فهي مجموعة من الخلايا المتشابهة تماماً نشأت من انقسامات متتالية للخلية الأولى وكان العلماء أيضاً يعلمون أن المرحلة التالية هي مرحلة العلقة، وفيها يبدأ التمايز الخلوي بظهور خلايا متخصصة في طبقات ثلاثة.
الخارجة ، والوسطى، والداخلية، وهي مسطحات من الخلايا لا نجد فيها عوجاً ولا صدعاً، وبعدها يظهر في الجنين مزيداً من التمايز الخلوي بظهور الأجسام البدنية في طور المضغة والتي تتمايز بعد ذلك إلى العظام والعضلات وغيرها ويتم التمايز حتى ينشأ الجنين في أحسن تقويم وهنا ظهرت أسئلة محيرة :
كيف تحولت خلايا النطفة المتشابهة إلى ثلاثة أنواع من الخلايا المتمايزة في كائن العلقة ؟
وكيف تمايزت العلقة ذات الثلاثة طبقات وذات الأسطح المستوية إلى كائن متغضن عليه نتوءات وثنيات ويحفه على الجانبين عقد من البروزات المحددة في كائن المضغة ؟
ثم من الذي حول تلك البروزات إلى عظام وعضلات ؟
وبمعنى آخر: من أين جاء ذلك التمايز والأصل خلية واحدة متجانسة ؟
فيكون الجواب المنطقي :
لا بد وأن تكون هناك أوامر تصدر للخلية لكي تتمايز ، فيكون السؤال التالي :
من أين تأتي هذه الأوامر ؟
والجواب العلمي على ذلك : إنه لا يوجد إلا ثلاث طرق محتملة تأتي منها تلك الأوامر هي :
1- من نواة الخلية .
2- من المادة حول النواة .
3- من خارج الخلية .
وقبل أن ندلي بدلونا ونقدم اجتهادنا في هذا المجال هيا بنا في جولة علمية رائعة مع أسرار التمايز الخلوي .
أولاً : أبحاث على النواة :
تمكن د . جوردون ، د . لاسكي من إكسفورد من تنشئة ضفدعة بالغة عادية قادرة على التكاثر من بيضة غير مخصبة تحوي نواة خلية معوية متميزة ليرقة ضفدع وكان ذلك في الخمسينات ، وحديثاً قام بهذه التجارب د . مورون ومعاونوه في إنجلترا مؤكداً ما سبق ، وأن أي خلية حتى التي تمايزت تحتوي على كل الجينوم أو كل الصفات ولكن بعضها كامن والآخر عامل .
ثانياً : أبحاث على السيتوبلازم:
وجد العلماء هذه الظواهر الهامة :
1 - عند إزالة النواة من بيضة المنشطة فإن البويضة الخالية من النواة تتفلج (تنقسم) بصورة عادية ويقف التفلج عند بدأ مرحلة التبطين GASTRLATION وهنا لابد من تدخل النواة بمعلومات وأوامر لاستكمال مشروع الجنين الكامل .
2- تجربة الهلال السنجابي :
في بعض بويضات الحيوانات الدنيا يظهر في السيتوبلازم هلال سنجابي بعد التلقيح ، فلو قمنا بفصل البيضة الملقحة فصلاً غير تام ، بحيث تبقى النواة في قطب ويبقى الهلال السنجابي في القطب الآخر ، ثم بعد عدة انقسامات من النواة سمحنا لنواة واحدة بالمرور إلى القسم الذي فيه الهلال السنجابي فإن القسم الذي فيه الهلال السنجابي يتكون منه جنين كامل والقسم الآخر الخالي من الهلال السنجابي لا يتكون منه جنين .
ثالثاً : التعويض:
من الملاحظ أن الحيوانات الدنيا تستطيع تعويض ما يفقد منها من أجزاء الجسم المختلفة بل إن بعض الحيوانات العليا تستطيع ذلك وفي الحقيقة أن عملية التعويض على المستوى الخلوي أمر شائع في الحياة وحتى في الإنسان يمكن تعويض كثيراً من الخلايا كبطانة الجسم وخلايا الكبد وغير ذلك .
ويكون السؤال الأول في هذا المجال هو ، كيف تتم عملية التعويض ؟
الجواب : يوجد طريقتان لذلك هما :
1- طريقة انقسام الخلايا المجاورة للمنطقة المفقودة وانتشارها لتغطي المنطقة المفقودة وهو أمر يحدث عند تعويض قطعة من الكبد أو الجلد مثلاً .
2- تكوين كتلة لها سمك من الخلايا غير متمايزة تسمى بلاستيما (Blastema)
والتي تتمايز وتتحرك فراغياً لتكوين المفقود وهي مشهورة في حالة تعويض ذيل أو رجل مثلاً في بعض الحيوانات الدنيا
فيكون السؤال التالي : من أين جاءت هذه البلاستيما ؟
الإجابة ربما جاءت من خلايا حافة الجزء المقطوع أو من أنواع خاصة من الخلايا الاحتياطية والتي تعتبر (كامنة) في الظروف العادية وتتحرك مهاجرة عند الضرورة لتذهب للمكان الذي حدث فيه القطع حيث تتراكم وتتمايز في الفراغ ، وتسمى هذه الخلايا ((Neoblastأو(Interstitial) ويسمى التعويض بواسطة البلاستيما (Epimorphosis) .
هذا في الظاهر ولكن على المستوى الخلوي كيف تتم عملية التعويض ؟
وفي بداية البحث في هذه القضية سأل العلماء هذا السؤال : هل عملية التعويض نتيجة لأمر عام من الجسم أم أمر محلي في مكان القسم المفقود ؟
ولأجل كشف السر عن هذه المشكلة قام العلماء ببتر طرف من أطراف حيوان معين ثم قاموا بتعريض كل جسم الحيوان قيد التجربة للأشاعات المتأينة وشمل التعريض المنطقة المبتورة ، وراقبوا عملية التعويض فلم تحدث .
فقاموا في تجربة ثانية بتعريض منطقة البتر فقط فلم تحدث عملية التعويض أيضاً وفي تجربة ثالثة عرضوا الجسم ولم يعرضوا منطقة البتر فحدث التعويض ، مما يوحي بأن جهاز التعويض أو خلاياه العاملة موجودة في منطقة البتر أو القطع .
ولكن بقيت مشكلة هامة وهي نوعية الخلايا المستخدمة في التعويض ، هل هي من الأنواع المحلية المتمايزة والتي تقع على حافة القطع كالعضلات والعظام ، أم هي من خلايا أخرى كامنة غير متمايزة ؟
وللإجابة العلمية عن هذه المعضلة كانت هذه التجربة الرائعة والتي أجراها العلماء على حيوان بر مائي يشبه السحالي اسمه ( سَمنَدَل الماء ) وأجريت التجربة على إحدى أطراف السمندل كما يأتي:
بعد قطع جزء معين من طرف الحيوان :
1- قطع العلماء عظام الجزء الباقي ( غير المقطوع ) وعندما تمت عملية التعويض بنمو جزء بديل عن المقطوع لاحظ العلماء أن الجزء الذي نما حديثاً كاملاً حتى بعظامه بينما الجزء الموجود والملتصق بجسم الحيوان لم تنمو فيه العظام التي أزيلت وبقي خالياً من العظام فمن أين جاءت عظام الجزء النامي مع أنه ينمو من منطقة ما زالت بلا عظام ؟
يقول العلماء لا يوجد إلا طريقين لما حدث:
1- إن الأنسجة الغير عظيمة ( العضلات مثلاً ) تفقد تمايزها ثم تتمايز مرة أخرى إلى عظام مثلاً لتعوض ما فقد .
إن هناك خلايا كامنة غير متمايزة تنشط وتتمايز تحت هذه الظروف .
ولكن كيف يرجح العلماء هذا الطريق أو ذلك ؟
هذا ما سوف نراه في الأبحاث التالية:
استخدم العلماء وسائل ضرب النسيج الحي بجرعة مُشعة غير قاتلة للحياة وإن كانت معطلة لقدرة التعويض وقاموا بعد ذلك باستئصال أنسجة وزرع أخرى غير مشعة (سليمة) وراقبوا عملية النمو للتعويض ، وإذا بالمفاجأة المذهلة :
كثيراً من الأنسجة المزروعة في الطرف المبتور كقطعة عظم أو قطعة غضروف أو جلد سرعان ما فقدت تمايزها لتعود وتعطي أنسجة أخرى (غيرها) متعددة التمايز وتسمى هذه العملية (de /deffrentlation)أو تسمى(re /deffrentiation) .
وأيضاً وجد العلماء أن هناك داخل العضلات المتمايزة توجد خلايا بدائية تسمى(MUSCLE- SATELLITE)يمكنها عند الضرورة أن تتمايز إلى خلايا عضلية عاملة .
وتشير هذه الظاهرة إلى : أن التمايز في السيتوبلازم عكوسي بمعنى أنه قابل للنقض أي أنه ليس صفة ثابتة واصليه وهي ظاهرة تخص الحيوانات الدنيا ، أما الحيوانات العليا فلم تُشاهد هذه الظاهرة فيها الا في حالات نادرة وفي أماكن ضيقة كسلامية إصبع اليد .
ربعاً : مزج الأجنة:
من الممكن دمج جنينين من الثدييات معاً ليكون جنيناً عملاقاً ينمو بصورة عادية ، وحديثاً تمت تربية الفئران من ثلاث أجنة مدمجة تمثل ستة آباء !
وتشير هذه الظاهرة إلى : أنه في المراحل الأولى للجنين لا يوجد تمايز للنواة أو لما حولها وإنما يظهر التمايز بعد فترة .
خامساً : ولادة التوائم :
المقصود هنا التوائم ذات المشيمة الواحدة التي تنشأ من انقسام في الكتلة الداخلية بعد التعليق بجدار الرحم أي في طور العلقة .
وهذا يعني أن خلايا الكتلة الداخلية للعلقه لو انقسمت إلى عدة أقسام فإنها يمكن أن تعطي عدة أجنة لها مشيمة واحدة ، وهذه ظاهرة ملحوظة في الثدييات والإنسان ، وتشير هذه الظاهرة إلى أن التمايز يبدأ حول مرحلة العلقة في الثدييات والإنسان .
بعد هذه الجولة العلمية الراقية يمكن أن نخلص إلى ما يأتي :
1- إن السيتوبلازم يمكن أن ينقسم في المراحل المبكرة حتى بدون النواة
2- إن النواة لازمة لتكملة إنشاء الجنين
3- إن النواة المتمايزة تحتفظ بكل الجينوم (الصفات) التي تتمتع به النطفة الأمشاج أو الخلية الأولى (الزيجوت) بمعنى أن تمايزها يمكن أن يتوقف لتعود إلى مرحلة ما قبل التمايز .
4- إن السيتوبلازم المتمايز يمكن أن يعود إلى مرحلة ما قبل التمايز (التعويض) .
5- في الثدييات والإنسان يتأخر تمايز النواة وما حولها إلى مرحلة حول مرحلة العلوق ، أي في نهاية مرحلة النطفة .
وهنا نعود إلى الأسئلة السابقة :
هل أوامر النواة هي المسئولة عن التمايز الخلوي من البداية ؟ أم هو السيتوبلازم ؟ أم هو أمر قادم من خارج الخلية ؟
مستحيل أن يكون أمراً قادماً من خارج الخلية لأن الأمر القادم من الخارج يؤثر في كل الخلايا بنفس الدرجة لأن كل الخلايا متشابهة في الصفات والظروف والأحوال .
وغير جائز أن يكون الأمر المبكر صادراً عن النواة لأن النواة إذا أصدرت أمر التمايز فإنها إما تصدره لغيرها أو لنفسها استحالة أن تصدر الأمر لغيرها ؛ لأن أمر كل نواة ينتهي في السيتوبلازم الخاص بها وغير جائز أن تصدره لنفسها فكيف تأمر النواة نفسها إن توقف بعضها وكل الصفات في نواتها ممكنة بنفس الدرجة ، بمعنى لا ترجيح لصفة على صفة بالإضافة إلى أن الوسط الذي يحيط بالنواة لا تمايز فيه في ذلك الوقت ، ولو كان الأمر متأصلاً في النواة من البداية ما عادت لكامل تشكيلها الجيني الأول عند تهيئة الوسط الأولى لها ، فهي محتفظة بحياة كل الجينوم من البداية إلى النهاية .
فلا يبقى إلا أن يكون الأمر قادماً من المنطقة حول النواة (السيتوبلازم، والقشرة) ولكن عندما قام العلماء بشفط نسبة كبيرة من السيتوبلازم لم يؤثر ذلك على كفاءة الانقسام ، إذن لم يبقى إلا منطقة القشرة حول السيتوبلازم .
ولقد شاهد العلماء أدلة تؤكد ذلك ، وذلك لأن في قشرة البويضات اللافقارية مناطق مختلفة هي المسئولة عن تمايز الجهة المقابلة لها من النواة ، بمعنى أن هذه البويضات (الزيجوت) عندما تنقسم فإن كل قسم من القشرة يحوي عاملاً مختلفاً عن القسم الآخر فتتمايز النواة تبعاً لذلك .
ووجد العلماء أيضاً أن التمايز في القشرة يبدأ مبكراً بعد الإخصاب مباشرة بحيث أن أي انقسام يتم بعد الإخصاب يتخلف عنه فلجات (الخلايا) تشكل كل فلجة من البداية جزء من كل وأي فقد لأي خلية مبكراً يؤدي إلى فقد قسم من مشروع الجنين ينقص قسم من بنائه .
وأوحت هذه الأبحاث بأن عامل التحديد في السيتوبلازم أو في القشرة عامل أصيل ونهائي بمعنى أنه غير عكوسي (ثابت) ولكن ملاحظات لظواهر علمية نقضت هذا الاعتقاد ، وكان من هذه الظواهر التعويض وقد رأينا فيه نقض التمايز بعودة السيتوبلازم المتمايز إلى حالته الأولى الغير متمايزة وأيضاً مزج الأجنة المختلفة والذي نتج عنه جنين واحد وكل ذلك يزيح دور السيتوبلازم وقشرته عن موقع القيادة ، هذا بالنسبة للحيوانات الدنيا ، أما بالنسبة للثدييات وخصوصاً الإنسان فالقضية مختلفة إلى حد بعيد كما يأتي :
في مراحل الجنين الأول وحتى طور العلقة أو ما قبلها بقليل كل الخلايا بنواتها وما حول النواة لا تمايز فيها بحيث يمكن لأي خلية أو أي قسم من المجموع أن يعطي كائن كامل لا نقص فيه ، وإن فقد خلية أو مجموعة من الخلايا في هذه المرحلة لا يخل أو ينقص من تركيب الكائن النهائي .
وكان من الأدلة على ذلك في الإنسان ولادة التوائم المتعددة التي تزداد على الستة والذين يشتركون في مشيمة واحدة وفي هذا دليل على أن كتلة الخلايا قد تقسمت بعد عملية العلوق أي في بداية الدخول إلى طور العلقة وهذا يعني أن الخلايا حتى نهاية مرحلة النطفة وبداية مرحلة التعلق ما زالت غير متمايزة أي أن كل مجموعة من الخلايا يمكن أن تعطي إنساناً كاملاً لا نقص فيه .
إذن كيف حدث التمايز بعد ذلك ؟
أو كيف تنشأ من هذه الخلايا الغير متمايزة خلايا متمايزة ؟
وقد بينت الظواهر العلمية التي سبق أن ناقشناها ما يأتي :
1- التميز ليس أمراً من النواة ، لأن النواة فيها كل الجينوم من البداية ولا ترجيح فيه لصفة على صفة حتى مرحلة ما قبل العلوق (في الثدييات والإنسان) وبعدها يأتي الأمر للنواة بالتمايز ، بأن تبقى بعض الجينات نشطة وتكمن الأخرى .
2- التمايز ليس أمراً أصيلاً في السيتوبلازم من البداية لأن السيتوبلازم من البداية حتى نهاية النطفة غير متمايز (في الثدييات والإنسان) ويحتاج إلى أمر يُحدث له التمايز.
http://www.55a.net/firas/ar_photo/2/egg_resize.jpg
صورة حقيقية للنطفة وهي تخترق البيضة لتلقيحها
3- إذن لا مفّر من الإقرار بحتمية خلق أحداث لم تكن موجودة في منطقة النواة وما حولها ، وهذا الخلق يبدأ مع مرحلة العلق وفيها .
وبينما يصل العلم الحديث بأدق تقنية إلى هذه الحقيقة نسمع صوت القرآن الهادي يرتل )ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين(.
يا الله إني عاجز عن أن أوفي إعجاز كتابك حقه وكيف لي ذلك وأنا الفقير بذاتي لا فضل لي إلا بك ولا علم لي إلا ما علمت . هذه الآيات والتي استخدم فيها الحق سبحانه الفعل (جعل) مع النطفة والفعل (خلق) مع كل الأطوار بدءاً من العلقة لهي إشارة علمية معجزة إلى عملية التمايز ، بأنها تبدأ بعد النطفة ومن مرحلة العلقة وهو تمايز لا يتم دفعة واحدة بل على دفعات متتالية تأخذ بعضها بأعناق بعض .
ولكن كيف يتم استنباط ذلك من الآيات ؟

يتبــــــــــــــــــــــــــــع
..

القلب الحزين 16-03-2008 07:11 PM

يتبع موضوع >>> تأملات إسلامية في مشاكل بيولوجية

هذا ما ستعرفه بعد جولة مع أسرار الفعل (جعل) وأسرار الفعل (خلق) .
يقول أ . د / علي اليمني دردير في كتابه الرائع : أسرار الترادف في القرآن .
ويختلف التعبير بلفظي (خلق) و (جعل) في لغة القرآن في الآية الواحدة كما في قوله تعالى : )الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور).
فالفعل (خلق) يدل في اللغة على الإيجاد بعد العدم ، والتقدير والإبداع على غير مثال مسبوق ، ولهذا فهو يباشر مفعوله دفعة واحدة .
أما (جعل) فيفيد التضمين والتصيير والتحويل والانتقال ولهذا فهو فعل يباشر مفعوله حالاً بعد حال فيتعدد فيه المفعول وتتدرج فيه الأطوار .
ولما كان الشأن في خلق السموات والأرض إيجاداً بعد عدم وإبداعاً على غير مثال عبر عنه بالفعل (خلق) ليدل على أن ذلك مرحلة في الإنشاء قائمة بذاتها ولما كان الشأن في الظلمات والنور أن تأتي تابعة لغيرها مترتبة عليه مسبوقة به وأن الإيجاد فيها إيجاد تحول وانتقال وليس إنشاءً وإبداعاً ، عبر عنه بالفعل (جعل) ليدل على أنه مرحلة في الظهور لاحقة لمرحلة في الخلق سابقة وطور في الوجود يتجدد ويتكرر حالاً بعد حال.
وقد ذكر الإمام / عبد العزيز يحيى الكناني المكي في كتابه القيم (الحيدة) أن (جعل) الذي هو على معنى التصيير موجود في القرآن الموصول الذي لا يدري المخاطب به حتى يصل الكلمة بكلمة بعدها فيعلم ما أراد بها ، وإن تركها مفصولة لم يصلها بغيرها من كلام لم يفهم السامع لها ما يعني بها ، ولم يقف على ما أراد بها ، وضرب لذلك أمثلة منها :
)يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض (فلو قال : ( إنا جعلناك ) ولم يصلها بخليفة في الأرض ، لم يعقل داود ما خاطبه به عز وجل ، لأنه خاطبه وهو مخلوق فلما وصلها بخليفة ، عقل داود ما أراد بخطابه .
http://www.55a.net/firas/ar_photo/2/250px-Fetus.jpg
الشكل التالي يوضح الجنين في بطن أمه
وكذلك حين قال لأم موسى :)وجاعلوه من المرسلين (فلو لم يصل (جاعلوه) ب (المرسلين) لم تعقل أم موسى ما عنى الله عز وجل بقوله وجاعلوه إذا كان خلق " موسى " متقدماً لرده إليها ، فلما وصل جاعلوه بالمرسلين عقلت أم موسى ما أراد الله عز وجل بخطابها .
وبعد هذه الجولة العلمية نقول أن (جعل) في الآية )ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ( بمعنى صيرناه أي تحول من صلب الذكر إلى رحم المرأة ، وهذا ما قاله الطبري ، وجاء في تفسير روح المعاني للألوسي : فهنا (جعل) بمعنى تحول أو نقل من مكان إلى مكان إنها عملية نقل أو تحويل فحسب ، أما الفعل (خلق) فهو يدل على الإيجاد بعد العدم والتقدير والإبداع على غير مثال مسبوق .
ولأن الآية تصف مراحل جنين الإنسان بالذات فإن استخدام (جعل) مع النطفة (وخلق) بعد مرحلة النطفة يعني أنه في مرحلة النطفة تبقى الخلايا بلا تمايز حتى إذا انتهت مرحلة النطفة لتبدأ مرحلة العلقة خلق الله أحداثاً لم تكن موجودة داخل الخلايا تدفعها للتمايز إلى علقة فمضغة وهكذا مرحلة بعد مرحلة وخلقاً من بعد خلق .
وهذا ما تأكد تماماً كما بينا في قضية التمايز الجنيني فالتمايز يبدأ مع العلقة وقدمنا الأدلة على ذلك . بل إن الفعل (جعل) المصاحب للنطفة يعطي الضوء الأخضر للعقل في بحوثه في مجالات شتى ومنها التلقيح الصناعي ، وطفل الأنابيب .
فالتلقيح الصناعي مشابه للتلقيح العادي ، فكما أن التلقيح العادي عبارة عن حقن السائل المنوي بواسطة آلة الذكر ، فإن التلقيح الصناعي يتم فيه حقن سائل الأب بواسطة محقن خاص في رحم الزوجة ليلتقي بالبويضة مكوناً نطفة أمشاج ، فكلا العمليتين استخدم فيها طريقة الحقن ، فليس في العملية تحدي لقدرة الله أو إرادته ، فلا يكون إلا ما أراد الله وهو سبحانه خالق كل شيء ، خالق العالم والعلم والمعلوم بل وخالق أدوات العلم .
)والله خلقكم وما تعملون ()خالق كل شيء ()أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون (.
والفعل (جعل) في الآية يسمح بذلك ، فجعل بالنسبة للنطفة المذكرة هو فقط عملية نقل لها إلى الرحم ، نقل مخلوق لله إلى مكان مخلوق لله معد لذلك . وسواء تم النقل بآلة الذكر أو بآلة مصنوعة فهي داخلة تحت الفعل (جعل) لا تتعداه.
أما طفل الأنابيب فهو عبارة عن عملية جمع تتم خارج الرحم في أنبوب مجهز بسائل مناسب للحياة يتم فيه الجمع بين النطفة المذكرة المخلوقة لله مع النطفة المؤنثة المخلوقة لله ، وحتى إذا التقى الحيوان المنوي بالبويضة تكونت منهما النطفة الأمشاج التي تبدأ في الانقسام حتى مرحلة العلقة وكل خلية تنشأ عن الانقسام هي تكرار للنطفة الأمشاج ، فهي نطفة أمشاج من البداية وكل خلية تالية بعد ذلك هي أيضاً نطفة أمشاج ، وبعد تكون النطفة الأمشاج داخل الأنبوب يقوم العلماء بحقن النطفة الأمشاج داخل الرحم ولا بد أن تصل إلى الرحم مبكراً في مرحلة النطفة وإلا هلكت وفنيت .
والآية )ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (تسمح بذلك ، فالفعل (جعل) بمعنى صير أو نقل (ونطفة) تشمل النطفة المذكرة، والمؤنثة، والنطفة الأمشاج، ولأن النطفة الأمشاج هي الأصل لتكوين الجنين من البداية، فالنطفة بجميع أشكالها ومراحلها تخضع للفعل (جعل) ولا مكان لتلبيس إبليس هنا، وقد قلنا أن الحق قد أعطى الضوء الأخضر بالفعل (جعل) بالنسبة للنطفة عموماً من النطفة المذكرة إلى النطفة الأمشاج .
وتدخل قضية الاستنساخ تحت مظلة الفعل (جعل) مرتبطاً بالنطفة (الأمشاج) … كيف ؟ هذا ما سنعرفه بعد قليل .
قضية الاستنساخ
إن قضية الاستنساخ من القضايا الخطرة وخصوصاً في ميدان العقائد عندما يدخل فيها تلبيس إبليس ، فهي قضية يطل منها وجه الشيطان القبيح ، وهذه القضية تحتاج إلى إمعان فكر ، فهيا بنا نتابع أسرار هذه القضية وتلبيس إبليس فيها .
1- عندما لاحظ العلماء أن خلايا الجنين بعد عدة انقسامات تبدأ في التمايز ، فهذه تعطي جلد وتلك تعطي عظم … وهكذا ، وكان العلماء يعلمون أن الخلايا الأولى تحتوي في أنويتها على كل صفات الكائن (كل الجينوم) .
وهنا سأل العلماء ماذا يحدث لبقية الصفات داخل النواة عندما تتمايز الخلايا ؟
2- للإجابة عن هذا السؤال قام العلماء بنزع نواة خلية متمايزة (جلد مثلاً) من حيوان أبوزنيبه ووضعوها بدلاً عن نواة بويضة ضفدع بالغة غير مخصبة وتركوها تنمو فماذا وجدوا ؟
لقد وجدوا أمراً عجباً وجدوا أن هذه الخلطة أعطت أبوزنيبة كامل وكان ذلك سنة 1952 ، وعندها عرف العلماء أن نواة الخلية المتميزة (جلد أو عظم أو غير ذلك) تحوي في نواتها كل الصفات التي توجد في نواة النطفة الأمشاج دون نقص أو خلل ، ولكن بعضها يكمن والبعض الآخر ينشط . ومن هذا الوقت وجهد العلماء لم يتوقف في هذا المجال الذي انتهى بمولد النعجة دللي .
فنواة أي خلية في الجسم (ما عدا الجنسية) تحتوي على كل الصفات (الجينات) فهي نسخة مكررة للنطفة الأمشاج ، ولكن خلق أحداث في الخلية في نهاية النطفة يجعل بعض الصفات تكمن وبعضها ينشط أو يستمر نشيطاً .
فإذا أخذنا نواة أي خلية متميزة ووضعناها في وسط سيتوبلازمي لنطفة مؤنثة (أي بويضة غير ملقحة ومنزوعة النواة ) فإن المجموع سيشكل نطفة أمشاج كالتي بدأ منها الجنين ، وتعود كل الصفات للنشاط والعمل كما لو كانت (الزيجوت) الأول أو النطفة الأمشاج الأولى ، وبعدها تخلق أحداث تميزها إلى علقة فمضغة فعظام… ألخ .
وباختصار العملية ما هي إلا وضع نطفة أمشاج مخلوقة لله وجاهزة مسبقاً في رحم مجهز لذلك ليتم بعدها تخليق الجنين بإذن الله خلقاً من بعد خلق ، وكل أفعال العلماء -وهم عباد الله - تدور حول منطقة النطفة لا تتعداها وكل أفعالهم ما هي إلا عملية تؤدي إلى تصيير نطفة أمشاج في رحم مجهز لاستقبالها فهي عملية نقل أو تحويل لا خلق فيها وتدخل تحت مسمى (الجعل) .
وهذه التجارب قد تمت في الحيوانات الدنيا وأخيراً في الثدييات ، وقد لا تنجح في الإنسان لخصوصيته ولكن لو فرضنا جدلاً أنها ستنجح في الإنسان ، فهل سيعتبر ذلك تدخلاً في الخلق؟
أقول : لا ، بل تدخل أيضاً تحت مسمى الجعل الذي ذكره الله في الآية مرتبطاً بمرحلة النطفة الأمشاج في الآية التي بدأت كما يأتي :
)ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (والسلالة من طين هنا مقصود بها سلالة من آدم كما جاء في الطبري وغيره ، وبعدها قال الحق : )ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (فبملاحظة (ثم) هنا وبملاحظة الفعل (جعل) وربط ذلك بالنطفة الأمشاج يمكن أن نستنتج أن المقصود هنا هو أحوال تخليق الجنين بعد آدم وأنه يبدأ بتصيير النطفة الأمشاج لتستقر في الرحم المقدر لها مجرد نقل وتصيير وبعدها تُخلق أحداث لم تكن موجودة تحول الخلية الواحدة أو الخلايا المتعددة المتشابهة تماماً إلى خلايا متباينة في أنسجة مختلفة ومتداخلة في كائن غاية في الإبداع )ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (.
ومن الإعجاز الباهر أن تأتي الآية في هذا التركيب :
)ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما … ( وفيها ارتبط طور النطفة بالجعل وباقي الأطوار بالخلق ، حتى إذا جاء العلماء في آخر الزمان وجهزوا في المعامل نطفة أمشاج من أجزاء حية مخلوقة لله ثم نقلوها إلى رحم قابل لها فإن ذلك لا يعتبر تدخل في الخلق بل هي خطوة يسمح بها الفعل (جعل) .
وفي الحقيقة فإن الله خالق الصانع والصنعة والمصنوع )خالق كل شيء ()والله خلقكم وما تعملون ( .
ولكن أليس في هذه التجربة فتنة للعامة ؟
أقول : نعم ، ولا ، كيف ؟
نعم: لأن إبليس وأعوانه من الملاحدة سيصيحون ها هو الإنسان قد بدأ الخطوات الأولى لخلق الجنين ، أو يقولون : أن الإنسان تدخل في شأن من شئون الله أو ملائكة الله كما تقول الأديان ، وهم بذلك يريدون أن يلبسون الحق بالباطل لتهتز عقائد المؤمنين .
ولا: لأن المؤمن المتمسك بكتاب الله الحق وبمعجزته الخالدة المحفوظة القرآن وبسنة المصطفى سيجد فيهما ما يحصنه ضد الشكوك ويقيه من الزيغ أعاذنا الله منه .
وكما بينا بطريقة علمية أن الأبحاث كانت في حدود لا يمكن أن تسمى (خلق) بل هي عملية (جعل) وأن العلماء لم يخلقوا شيئاً بل استخدموا مخلوقات لله جاهزة )أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون (وتحت كل الظروف فالكتاب والسنة قد حسما هذه القضايا وما يجد فيها بأن الله سبحانه خالق الصانع والصنعة والمصنوع ، وأن كل أفعال العباد مخلوقة له سبحانه وتعالى . )خالق كل شيء (ومع أن التزاوج بين الذكر والأنثى مقدمة لتخليق الجنين بإذن الله فإن قضية التزاوج قضية لها شخصيتها المستقلة ، فقد يحدث تزاوج لا يؤدي إلى تخليق جنين وقد يحدث تكوين جنين بلا تزاوج (وهو شيء معروف في علم الحيوان ويسمى بالتكاثر العزري ) .
فقضية التزاوج أو الزوجية تشير إلى آية تجعل العقل المؤمن يتسائل :
من الذي قدر للزوج زوج يسكن إليه لتكون بينهما مودة ورحمة ؟ ومن الذي قدر في أحدهما نطفة مذكرة فيها نصف عدد الصفات وفي الآخرى المؤنثة النصف الآخر ؟ ومن الذي جمع بينهما في لقاء فيه مودة وعلاقة ممتدة فيها رحمة ؟ .
فالزوجية آية ، وتخليق الجنين آية أخرى والربط بين الآيتين آية ثالثة ، لأن فيهم معنى الامتداد (الأبناء من الأصلاب ) وبأمشاجها تقوى وتتباين الصفات (صفات الأم وصفات الأب) .
وما يسمح الله من بحوث علمية يترتب عليها أحداث من خلق الله أو ظواهر في الخلق تخرق العادة إلا لحكمة ، كما أشار القرآن إلى خلق آدم بلا أم ولا أب وخلق حواء من آدم بلا أم ، وخلق عيسى بلا أب ، وكما أظهر سبحانه لصاحب الحمار العظام المبعثرة وهي تنشز ثم يكسوها اللحم من العدم لتدب الحياة في الحمار بلا مقدمات بلا تزاوج أو أجنة ، وكما شهد إبراهيم عليه السلام الطير المقطع وقد اتصلت أجزائه ودبت فيه الحياة بإذن ربه .
وكذلك لا يحدث شيء بمشيئة الله إلا ويحمل آية ، فهل في الاستنساخ آية ودلالة تعود إلى العقل بمعاني إيمانية ؟ أقول : نعم ، كيف ؟ .
1- أظهر الاستنساخ أن كل خلية متمايزة فيها كل صفات الكائن ، فمثلاً خلية الجلد فيها صفات الجلد واللحم والعظم والعصب والدم وغير ذلك ، فمن خلق فيها التخصص ، ومن رجح صفة بعينها من بين إمكان كل الصفات بنفس الدرجة ؟
2- أظهر الاستنساخ معجزة الذكر والأنثى ، فإذا كانت الخلية الأولى كما يقول رجال التطور فيها صفات الذكورة أو الأنوثة مثلاً فكان من المنطق أن تستمر هذه الصفة الواحدة إلى ما لا نهاية فمن الذي خلق الجنس الآخر ؟ وإذا كانت الخلية الأولى لا تحمل أي جنس فمن الذي خلق الذكر والأنثى من لا شيء ؟
3- بين الاستنساخ أنه يمكن أن يخرج من جلد الإنسان مثلاً (برعم) ينمو منه نسخة مثله تماماً فيها كل صفاته (وهناك بعض الكائنات تتكاثر بهذه الطريقة) ، فماذا سيحدث لو كان التكاثر في الإنسان بهذه الطريقة من البداية ؟ .
حتماً كان ذلك سيؤدي إلى خروج نماذج متشابهة تماماً لنسخة واحدة لجنس واحد ولأدى ذلك إلى خلق بلا معنى بلا هدف بل وبلا وعي في ذلك الكائن المكلف ولكن خلق الزوج المقابل في الإنسان وجعلهما يتزاوجان نتج عنه نماذج مختلفة وألوان شتى شعوباً وقبائل ، فظهر الوعي والمعاني والأهداف وأصبح لذلك المخلوق المكلف قيمة راقية ، فمن الذي قدر كل ذلك ؟ ومن الذي خلق ؟
4- النسخ بين إمكان خروج إنسان من غير أب بمعنى أن ذلك من الممكنات العقلية ، فأبطل بذلك إدعاء من قال بتأليه عيسى لأنه خلق من غير أب .
5- النسخ قدم دعماً عقلياً للحديث الصحيح الذي أشار إلى أن كل إنسان سيبلى بعد تحلله إلا جزء صغير من عظامه يسمى ( عجب الذنب ) وهو يشبه ذرة من خردل (حجم خلية واحدة) سيخرج منها نسخة طبق الأصل من الإنسان ولأن الخلية المذكورة في الحديث الصحيح خلية عظم متمايزة ، بمعنى أنها تحمل صفة جزء من كل ، فكيف يمكن أن يخرج منها كل الإنسان ؟ وعندما أثبتت أبحاث الاستنساخ أن كل خلية في الجسم حتى خلية العظام تحمل في نواتها كل الصفات اللازمة لإنشاء إنسان كامل قدمت بذلك دلالة علمية ودعماً يدل على صدق الرسول .
وأخيراً فإن ما تناولت في هذا البحث هو القسم الخاص بالعقيدة في قضية الاستنساخ ، أما القسم المتعلق بالشريعة (الحلال والحرام) فهو مجال علماء الشرع وهو الجانب الآخر من جوانب القضية .
ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين .
خلاصة قضية الاستنساخ
قد لاحظ العلماء منذ عهد قريب حقيقة بيولوجية هي : أن الجنين يبدأ بخلية واحدة تسمى خلية الزيجوت أو النطفة الأمشاج ، ومعنى نطفة قليل من سائل أو قطرة حرة الحركة ، ومعنى أمشاج أخلاط فيكون معنى (النطفة الأمشاج) هو شيء سيال حر الحركة مكون من أخلاط وهذه الأخلاط هي محتويات الحيوان المنوي + محتويات البويضة وهذا هو الزيجوت الأول أو الخلية الأولى التي تنقسم داخل أنبوب الرحم فتصبح مجموعة من الخلايا المتشابهة تماماً على هيئة كرات صغيرة متجمعة كل كرة عبارة عن خلية فيها كل صفات الخلية الأولى (الزيجوت) بمعنى أن كل خلية يمكن اعتبارها تكرار أو نسخة مكررة من الزيجوت أو الخلية الأمشاج الأولى وفيها كل صفات الكائن ، بمعنى أنها لو فصلت من المجموع لأعطت كائن كامل لا نقص فيه ، وبعد أيام تكون قد وصلت إلى تجويف الرحم وعند ذلك تكتسب خاصية العلوق فتتعلق بجدار الرحم ثم تنمو منه في طور يشبه دودة العلق ومن هذه المرحلة يبدأ تمايزها فتظهر عليها أولاً تغضنات مرتفعات ومنخفضات فتشبه قطعة اللحم الممضوغ ويتوالي تمايز الخلايا فتظهر خلايا العظام والعضلات وغيرها من الخلايا المختلفة وقد وصف القرآن ذلك في إعجاز مبهر وقبل أن يعرف العلماء تلك الأسرار بأكثر من ألف عام يقول سبحانه )ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (وكان هذا الوصف العلمي لمراحل الجنين دليلاً علمياً عالمياً على صدق الرسالة وصدق الرسول وعالمية الدعوة .
وقصة الجنين تنتهي بتمايز الخلايا إلى خلايا جلد وخلايا عظام وعضلات وخلايا مخ ودم وغير ذلك ، وتبدو كل خلية لها صفة محدودة تحكمها وكأنها أخذت من الصفات الكلية الجزء الخاص بها فقط .
ولكن المفاجأة البيولوجية الحديثة أن العلماء اكتشفوا أن كل خلية متمايزة (متخصصة) تحمل في نواتها كل صفات الكائن الحي بمعنى أن خلية الجلد أو العظام مثلاً فيها صفات الجلد والعظم والمخ والدم وكل شيء بحيث تحمل كل خلية كل صفات الكائن الذي تنتمي إليه من البداية إلى النهاية ، ولكن بعض الصفات في حالة كمون والأخرى في حالة نشاط ، وبمعنى آخر أن نواة كل خلية متخصصة هي نسخة مكررة لنواة النطفة الأمشاج أو الزيجوت بمعنى أن الصفات داخل خلية العظام مثلاً صورة طبق الأصل للصفات داخل النطفة الأمشاج الأولى (الزيجوت) وينطبق ذلك على كل خلية متخصصة ما عدا الجنسية.
وهنا سأل العلماء هذا السؤال :
ماذا لو هيئنا لهذه الأنوية الناضجة أو المتخصصة ظروف تشبه ظروف الزيجوت أو النطفة الأمشاج الأولى وذلك بوضع نواة خلية جلد مثلاً بدلاً من نواة بويضة من نفس النوع وتهيئة الظروف والأحوال لحياتها؟
وكانت المفاجأة أن هذه الخلطة أو هذا (المشج) نتج عنه خلية مطابقة تماماً لخلية (الزيجوت) أو للنطفة الأمشاج التي بدأ منها تخليق الجنين وعندما نقلت إلى الرحم قبل مرحلة العلقة تعلقت به وتتابعت بعدها أطوار الجنين من علقة إلى مضغة إلى غير ذلك حتى نشأ حيوان كامل مصابق لصفات الكائن الذي أخذ منه ، وهذه هي قضية الاستنساخ التي قام بها بعض العلماء فقامت الدنيا ولم تقعد ووقف بعض العلماء يلعنون من قام بها ويطالبون بالحرمان والقصاص مع أن العلماء لم ولن يخلقوا كائن حي ، وكل ما عملوه أن أخذوا مخلوقاً لله (نواة خلية) ووضعوها في مخلوق لله (سيتوبلازم بويضة) في عملية خلط ونقلوها بعد ذلك إلى رحم مخلوق لذلك ومنها بدأت مرحلة الجنين كالمعتاد وهي أبحاث محدودة على الحيوانات ولم تُجر على الإنسان ، ولو فرض جدلاً أنها نجحت على إنسان (بمشيئة الله) في لن تعني خلق بل هي فقط (جعل) بمعنى تصيير أو نقل (نطفة أمشاج) إلى رحم معد لها مجرد (جعل) أما مراحل تخليق الجنين بمعنى (خلق) إحداث من العدم فهي من شئون الخلاق العليم .
ولو درس العلماء إعجاز القرآن المتمثل في الآية 14 سورة المؤمنون لاستراحوا وأراحوا فهيا بنا مع كلام الله الخالد الباقي المحفوظ ومعجزته العالمية لنحسم القضية ونستريح فيها .
)ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (
نلاحظ هنا أن الحق سبحانه استخدم مع مرحلة النطفة (الأمشاج) الفعل (جعل) ومع بقية المراحل الفعل (خلق) ، ومعنى )ثم جعلناه نطفة في قرار مكين (أي صيرناه أو نقلناه إلى مكان مخلوق لله ليتم فيه عملية التخلق ألا وهو الرحم ، وسواء نقلت النطفة بالطريق المعتاد بحقن الذكر للسائل المنوي ليلتقي بالبويضة في أنبوب الرحم أو حتى في أنبوب المعامل فالفكرة واحدة تنتهي بتكون النطفة الأمشاج التي تنقل بعد ذلك أو تصير إلى داخل رحم معد لها ، وكل ذلك يدخل تحت الفعل (جعل) ، وأما بقية المراحل والتي تبدأ بتعلق الجنين في الرحم أي مرحلة العلقة فهي مراحل يتم فيها خلق أحداث لم تكن موجودة وهذه الأحداث المخلوقة هي التي توجه الخلايا الجنينية المتشابهة تماماً للتمايز والتخصص مرحلة من بعد مرحلة في خط يتصاعد إلى خلق كائن متكامل بأجهزته وتراكيبه المتخصصة والمعقدة والمتداخلة ، ولذلك أخذت هذه المراحل في القرآن الفعل (خلق) .
وكأن الحق - والله أعلم بمراده_ قد أعطى الضوء الأخضر لأبحاث التلقيح الصناعي وطفل الأنابيب وغير ذلك من خلال الفعل (جعل) مع مرحلة النطفة والذي معناه نقل أو تصيير مخلوق لله وهو النطفة المذكر أو المؤنثة أو الأمشاج ، نقلها إلى مستقرها ومكان تخلقها ، مجرد عملية نقل ، أما مراحل خلق الأحوال فيها مرحلة بعد مرحلة فهذه شأن من شئون الخالق لا دخل لمخلوق فيها ولذلك أخذت الفعل (خلق) في الآية .

القلب الحزين 16-03-2008 07:21 PM

يتبع موضوع >>> تأملات إسلامية في مشاكل بيولوجية
وهذا منتهى الإعجاز وحل الإشكال من الناحية التي تمس العقيدة ، أما ناحية سوء استخدام النتائج العلمية فهي قضية أخرى تخضع لتقنين المشرع على ضوء من شرع الله في حلاله وحرامه وهذا عمل الفقهاء .
ملحق الآيات والأحاديث
1- خلق أفعال العباد :
جاء في كتاب خلق أفعال العباد للإمام البخاري :
قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله يصنع كل صانع وصنعته ) ، وعن حذيفة رضي الله عنه ( إن الله خلق كل صانع وصنعته ) .
وقال أبوعبد الله محمد بن إسماعيل : سمعت عبد الله بن سعيد يقول : سمعت يحيى بن سعيد يقول : ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون : إن أفعال العباد مخلوقة قال أبو عبد الله : ( حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة … ) وكلها بأسانيد صحيحة .
2- الزوجية آية من آيات الله :
)والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة (72 النحل
)ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( 21 الروم .
3- خلق بلا تزاوج :
إِنَّمَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُكُن فَيَكُونُ [آل عمران : 59].
)قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسسني بشر ولم أكن بغيا * قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضيا (20،21 مريم
)أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ( 259 البقرة
)وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ( 260 البقرة
4- أحاديث عجب الذنب :
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ( ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامه ) وقال أيضاً : (ثم يُنزل الله من السماء ماءاً فينبتون كما ينبت البقل )
وأخر ج الإمام مسلم في صحيحه مثله قال : ( إن في الإنسان عظم لا تأكله الأرض أبداً فيه يركب يوم القيامة قالوا : أي عظم هو يا رسول الله ، قال: عجب الذنب ) وأخرجه ابن حبان في صحيحه وكلها عن أبي هريرة إلا حديثاً واحداً عن أبي سعيد الخدري يرفعه إلى النبي rقال فيه: ( يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه ، قيل : وما هو يا رسول الله ؟ قال : مثل حبة خردل منه ينشأ ) .
الجنس أو الزوجين الذكر والأنثى
يقول (ستيف جونز) وهو من علماء الجينات والبيولوجي يقول في كتابه الشهير (لغة الجينات) :
ما الجنس ؟ كيف يعمل ؟ هذه في البيولوجيا هي أكبر المشاكل التي لم تجد لها حلاً حتى الآن ، لا بد أن يكون الجنس مهماً وإلا لما كان هكذا مكلفاً . فإذا كانت سمة كائنات تكتفي بجنس واحد ، بحيث يمكن لكل أنثى أن تنتج نسخاً من نفسها ، فلماذا إذن يزعج الكثير منها نفسه بالذكور؟ فالأنثى التي تستغني عنهم ستنجب من البنات ضعف ما تنتجه في وجودهم ، ثم أن البنات سيحملن كل جيناتها لكن الأنثى كجنس ثان تبدد وقتها كي تجد الزوج أولاً فإذا وجدته فستنجب أبناء ذكوراً لا يحملون إلا نصف مورثاتها ، لا نعرف حتى الآن بيقين سبب وجود الذكور ، ثم إذا ما كان من الضروري وجودهم ولماذا يوجد منهم كل هذا العدد .
ويقول أيضاً : وتعريف الجنس أمر بسيط هو :
إنه طريقة لإنتاج أفراد يحملون جينات من أكثر من خط سلفي ، يجب أن تجتمع في كل جيل معلومات وراثية من أسلاف مختلفين . ففي الكائن اللاجنسي يكون لكل فرد أم واحدة ، وجدة واحدة ، وأم جدة واحدة وهكذا في سلسلة لا تنقطع من التتابع المباشر إلى أن تصل إلى الأم الأولى التي يبتديء بها النسب .
أما الكائنات الجنسية فتختلف : فعدد الأسلاف يتضاعف في كل جيل ، لكل فرد أبوان وأربعة أجيال وهكذا .
هذا هو الجنس أما تفهم السبب في وجوده فهذا أمر أكثر صعوبة ، سمة نظرية تستدعي الطفرات، عن السبب في ألا تكون الحياة أنثى . فإذا ما حدث بكائن لا جنسي تغير في D.N.A فستحمله كل سلالته دون استثناء مهما كانت درجة ضراوته وبمرور الوقت سيظهر خطأ آخر مؤذي في جين آخر في خط العائلة مما يؤدي إلى التدهور والبلى والانهيار في النهاية .
أما الكائن الجنسي فيمكنه التطهر من الطفرة الجديدة (الضارة) بتمريرها إلى بعض سلالته دون الآخر ثم يقول :
قام العلماء بمحاولات كثيرة بتبرير وجود الذكور فبينوا أن الكائنات التي استغنت عن الذكور تواجه المشاكل فكل النباتات اللاجنسية تقريباً لا تستخدم إلا عدداً محدوداً من السنين ، ثم تصبح مثقلة بالأخطاء الوراثية حتى لتعجز عن الاستمرار في الحياة ، أو هي لا تستطيع أن تستمر في السباق التطوري مع طفيلياتها ، وضرب مثلاً لنبات لا جنسي وهو البطاطس فقال :
وقعت مجاعة البطاطس في أيرلنده لأن كل ما كان يستخدم منها كان ينتمي إلى صنف لاجنسي قديم سرعان ما تدهورت حالته فتغلبت عليه الفطريات وأبادته .
ولكن وجود الجنس يحل هذه المشاكل المدمرة للنوع لأن الجنس يعني أن تظهر مخاليط جديدة من الجينات طول الوقت مع عملية التمازج بين كروموزمات الأبوين في النسل . في كل جيل يظهر أفراد ناجحون يحصلون على قدر مؤات من الطفرات بينما يرث آخرون مجموعة أقل مؤاتاه ، يفسلون في تمريرها إلى نسلهم ، وقد عبر برنارد شو عن هذا في جملة تعتبر دقيقة بيولوجياً . فعندما سألته أحد الممثلات إذا كان من الممكن أن تتزوجه لتنجب منه طفلاً له جسدها وعقل (شو) فأشار (شو) إلى خطر أن يكون للوليد عقلها التافه وجسمه هو .
فالجنس هو وسيلة ملائمة لتجميع الأفضل والتخلص من الأسوء .
بعد هذه الجولة مع ذلك العالم الكبير نقول :
أن الفكر المادي الذي وقع ذلك العالم في أسره جعله في حيرة عن سبب ظهور الزوجين الذكر والأنثى وكيفية هذا الظهور مع وجود الشواهد العلمية التي تدل العقول على أهمية الزوجية من الناحية البيولوجية وهي تقوية الأمشاج (أخلاط الكروموزومات أو المورثات) والتي ينتج عنها نسلاً قوياً .
فهيا بنا مع القرآن وعلوم الإسلام لنتعرف على سر زوجية الذكر والأنثى :
يقول الحق سبحانه )يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ( (1) النساء .
ويقول أيضاً : )والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ….( (72) النحل .
ويقول سبحانه : )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) (13) الحجرات
وهذه الآيات البينات تشير إلى زوجية الذكر والأنثى التي كانت بداية نشأة هذه الأنواع المتعددة من البشر شعوباً وقبائل بمختلف أجناسها وأشكالها ، ولكن السؤال هنا هو : ما السر في هذه البداية الزوجية (ذكر وأنثى) ولماذا لم تكن البداية غير زوجية بمعنى أنها تكون من نوع واحد (أنثى مثلاً) ؟
علماء البيولوجيا لا يعرفون الإجابة الشاملة عن هذا السؤال الهام ، ولكن القرآن وعلوم الإسلام يمكن أن يقدم إجابة علمية متكاملة عن هذا السؤال الهام كما يأتي :
يقول الحق في سورة الإنسان آية (1،2):)هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً (
والأمشاج هنا تعني النطفة التي نشأت نتيجة اندماج محتويات النطفة المذكرة مع النطفة المؤنثة ، والتعبير بأمشاج تعبيراً معجزاً ؛ لأنه يشير إلى حقيقة بيولوجية اكتشفها العلماء حديثاً وهي أن محتويات النطفة المذكرة تختلط بمحتويات النطفة المؤنثة ثم بعد ذلك تذهب بعض أجزاء من النطفة المذكرة لتتبادل مع أجزاء مقابلة لها في النطفة المؤنثة في عملية تداخل واتحاد وليست مجرد خلط بسيط بحيث تتكون في النهاية حالة أو هيئة من الكروموزومات (حاملات الصفات الوراثية) المكونة من عناصر من الأب تداخلت مع عناصر من الأم وفي ذلك كما لاحظ علماء الجينات تقوية للنسل وخصوصاً عندما يتم المشج بين أفراد متباعدون في القرابة من الشعوب والقبائل .
وفي السنة شرحاً لذلك ، ففي الفقه في فضائل باب النكاح نجد ما يأتي :
1- قال رسول صلى الله عليه وسلم (( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس )) ، ويرى بعض الباحثين أن مفهوم العرق هنا من جوامع الكلم التي تشمل (الكروموزومات) حاملات الصفات الوراثية .
2- أن تكون المرأة أجنبية أي ليست قريبة للخاطب هذا وقد استدل علماء الشافعية والحنابلة على أن الأولى عن الزواج بالقريبة بالأدلة الآتية :
أ- ما ورد في الأثر : ( ولا تنكحوا القرابة القريبة ، فإن الولد يخلق ضاوياً) (ضعيفاً)
ب- كما ورد في الأثر أيضاً : ( اغربوا ولا تضووا ) أي تزوجوا بالأباعد حتى لا يضعف نسلكم .
ج- ولأن التزوج بالأجنبيات فيه نجابة للأولاد وقوة لأبدانهم فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبني السائب : ( قد أضويتم فانكحوا الغرائب ) بمعنى لقد ضعف نسلكم بسبب إصراركم على نكاح الأقارب ، إذن لولا الأمشاج التي كانت بسبب خلق الجنسين (الذكر والأنثى) لولاها لضعف النسل مع مرور الأيام ضعفاً متزايداً ولأدى ذلك في النهاية إلى تدمير الجنس البشري وهذا هو السر البيولوجي لزوجية الذكر والأنثى .
لكن القرآن لا يكتفي بهذا الجانب من القضية بل يقدم امتدادا لها من خلال الآية (21) من سورة الروم التي يقول الحق فيها :
)ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( .
فبالإضافة إلى الأهمية البيولوجية لأمشاج الزوجية بين الذكر والأنثى فإن فيهما آيات أخرى منها : أن العقل المفكر يقول أنه إذا كانت بداية الإنسان ذكر مثلاً أو أنثى فكان من المفروض أن يستمر هذا الجنس كما هو حتى ينقرض أو يتكاثر بطريقة لا جنسية ، ولكن عندما نجد له مقابل يحقق هدف وغاية هي التزاوج الذي ينتج من أمشاجه نسلاً قوياً بالإضافة إلى السكينة والاستقرار النفسي والمودة والرحمة بين الأزواج مما يتحقق معه القيمة الراقية للإنسانية فإن ذلك يشكل آيات تدل العقل على وجوب وجود خالقاً بارئاً مصوراً حكيماً عليماً رحيماً كان بفضله كل هذه الآيات .
وفي النهاية نذكر قضية علمية تسببت في إثارت أسئلة هامة تمس العقيدة وهي :
لقد تمكن العلماء من تحديد أن جنس الذكر والأنثى بسبب أن الحيوانات المنوية أو النطفة المذكرة تنقسم إلى نوعين : نوع يحمل صفة الذكورة ، والنوع الآخر يحمل صفة الأنوثة ، ثم تواترت الأخبار العلمية على أن العلماء يمكنهم أن يفصلوا بين الحيوانات المنوية التي تحمل صفة الذكورة عن تلك التي تحمل صفة الأنوثة بحيث يمكن للأب أو الأم أن تختار جنس المولود فتنجب ذكوراً أو إناثاً كما تشاء ، وهنا ظهر تلبيس إبليس الذي أوحى إلى أولياءه ليتساءلوا إذا كان بمقدرة العلماء أن يهب الذكور أو الأناث لمن يطلب فما بال الآية (49.50 ) من سورة الشورى التي تقول )لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير( .
أقول وبالله التوفيق :قبل أن نرد على هذه التساؤلات الماكرة أحب أن أبين أن العلماء رغم تقدمهم في مجال التعرف على جنس الحيوان المنوي ما إذا كان يحمل صفات الذكورة أو الأنوثة ولكن الفصل التام لنوعي الحيوان المنوي غير متحقق عملياً مما يجعل احتمال اختلاط الأنواع وارداً ، وأيضاً قد يفصل نوع الحيوان ولكن يفشل في عملية الإخصاب ، وحتى إذا تم الإخصاب بالحيوان المطلوب فإن هناك عوامل هرمونية خاصة بالأم أو بالجنين يمكن أن تعطل التعبير الوظيفي لجنس الجنين فقد يصبح الجنين خنثى حتى ولو كان من أصل حيوان منوي مذكر وغير ذلك من المعوقات الكثير والذي تعرف عليها العلماء الراسخون في العلم.
وعلى العموم فحتى لو نجح العلماء في الوصول إلى أهدافهم فإن القاعدة الشرعية الراسخة والتي تقول بأن الله خالق الصنعة والصانع والمصنوع وكل شيء يتم بمشيئته وإرادته فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، فالعلماء وعقولهم وأعضائهم وأفعالهم بل والأدوات التي يستخدمونها والمخلوقات الحية التي ينقلونها كلها مخلوقة لله .
ونعود إلى الآية المذكورة سابقاً فنقول للمتسائل المشكك مهلاً فإنك لم تفهم الحكمة التي من وراء هذه الآية المعجزة :
فالآية لا تعني عمليات محدودة تخص قليلاً من الذكور أو قليلاً من النساء بل تعني نظاماً حكيماً يشمل الأرض كلها من أقصاها إلى أقصاها وهي بذلك تشير إلى عملية توزيع الذكور والإناث على مستوى الأرض جميعاً بحيث يتحقق منه التوازن الذي تستقيم معه الحياة ، ولشرح ذلك نضرب هذا المثل :
هب أن العلماء استطاعوا أن يصلوا إلى تقنية تمكنهم من أن يجعلوا كل سيدة أو كل رجل يمكنه أن يتحكم في جنس الجنين الذي يحب أن يكون له ، وهب أن أغلب البشر قد اختاروا أن ينجبوا ذكوراً على مستوى الأرض جميعاً فماذا ستكون النتيجة ؟ إن النتيجة الحتمية أن الأيام ستدور وسوف لا يبقى إلا الذكور الذين سينقضي أجلهم فيكون في ذلك فناء للبشرية جمعاء ، وقس على ذلك في النساء ، وحتى لو كان عدد الذكور المختارين يشكل نسبة 80% مثلاً فإنهم سيقتتلون ويذبح بعضهم بعضا في مذبحة عالمية تهلك الحرث والنسل حتى يفوز واحد منهم بالأنثى وهذا منتهى الفوضى والخراب .
فليست القضية مجرد الوهب العشوائي للذكور والإناث ، ولكن القضية هي تقدير نسبة الذكور والإناث على مستوى الأرض جميعاً في كل مكان وزمان بحيث يتحقق التوازن والاستقرار وهذا لا ينبغي إلا لله سبحانه وتعالى ولذلك جاءت نهاية الآية (إنه عليم قدير) ففي القضية علم وفيها قدرة لا تكون إلا للخالق الباريء المصور العليم القدير سبحانه وتعالى ولا حول ولا قوة إلا به .
وهذا التلبيس من إبليس يذكرنا بما حدث من تشكيك بعد أن اكتشف العلماء جهاز الكشف بالأشعة فوق الصوتية والذي مكنهم من اكتشاف نوع الجنين وكذلك عندما تقدمت أبحاث الهندسة الوراثية وتمكن العلماء من أخذ عينة من الجنين في بطن أمه لمعرفة جنسه والأمراض التي يمكن أن يحملها ، فقال المشككون ها هو العلم قد علم ما في الأرحام مع أن القرآن يقول : )ويعلم ما في الأرحام (مخصصاً ذلك العلم لله سبحانه . ونرد على ذلك بقولنا :
إن لله علم وللإنسان علم ، ولله قدرة ، وللإنسان قدرة ، وكما أن قدرة الإنسان لا تقارن بقدرة الله لأنها قدرة ضيقة محدودة وهبها الله إليه من باب التكليف على حسب طاقته الضعيفة وكذلك علم الله لا يقارن بعلوم المخلوقين فعلم الله شامل كامل غير محدود يليق بكمال الله وعظمته وعلينا عندما نناقش هذه القضايا أن نضع كل ذلك في الاعتبار ، فإذا كان علم البشر قد مكنهم من معرفة بعض الظواهر العلمية داخل بعض الأرحام فإن هذا علم محدود وقاصر ولكن علم الله يشمل العلم الشامل الكامل بكل شيء من الذرة إلى التركيبات الأعقد في كل الأرحام في أي زمان ومكان وفي كل لحظة ويكون علمه علماً شاملاً كاملاً بل ويشمل ذلك العلم بما إذا كان الطفل سيكون بعد ذلك سعيداً أو شقياً وغير ذلك من الأمور التي لا يعلمها إلا هو .
الهندسة الوراثية
الهندسة الوراثية:هي التقنية التي تتعامل مع الجينات أو الوحدات الوراثية المتواجدة على الكروموزومات فصلاً ووصلاً وإدخالاً لأجزاء منها من كائن إلى آخر بغرض إحداث حالة تمكن العلماء من معرفة وظيفة (الجين) أو بهدف الحصول على طبعات كثيرة من نواتجه أو بهدف استكمال ما نقص منه في خلية مستهدفة .
ولشرح ذلك نقول : بعد أن عرف العلماء طبيعة ووظيفة الصبغيات أو الكروموزومات وهي أجسام صغيرة جداً لا ترى بالعين وتوجد داخل كل خلية ، وهي مكونة من أشرطة مسجل عليها صفات الكائن المادية ، وهذه الأشرطة تسمى الجينات .


http://www.55a.net/firas/ar_photo/2/180px-DNA.jpg
الشكل التالي يبين شكل الكروموزومات في الخلية



وتقدم العلم فاكتشف أن هذه المورثات أو حاملات الصفات ما هي إلا سلم مزدوج من مادة تسمى D.N.A الحمض النووي المعروف الآن بحامل الشفرة الوراثيةوبعدها درس العلماء خصائصه وتعرفوا عليها ، فماذا وجدوا ؟ لقد وجدوا ما يأتي
1- أن D.N.Aهو حامل الشفرة الوراثية .
2- أن الصفات التي يحملها تترجم منه إلى بروتينات تتجسد على هيئة الصفة المطلوب تنفيذها .
3- أن كل خيط يمكن أن يكون قالباً يتكون عليه خيط جديد يتزاوج معه مستخدماً وحداته البنائية من السيتوبلازم .
4- أنه يمكن قطع ووصل هذا اللولب المزدوج بوسائل تقنية متعددة وفي أماكن مختلفة . كما يمكن بسهولة فصل زوجي اللولب .
5- أنه يمكن قص ولصق قطعة منه من مكان لآخر .
6- أن تغييراً أو تدميراً يشوه هذا النظام يؤدي إلى : إما نتيجة قاتلة للكائن أو حالة مرضية مترتبة على تعطل صفة من صفاته والتي تختلف من حيث أهميته
7- إن تركيب D.N.A ومكوناته هي [ سكر ، وأدنين ، وفوسفات ] وهذه التركيبة مشتركة في جميع الكائنات من الفيروس إلى الفيل .

وهذه الملحوظات فتحت الطريق أمام العلماء لمزيد من التجارب من خلال إدخال وإخراج أجزاء من هذه الشفرة الوراثية ومن خلال قطع ووصل أجزائها بل ومحاولة إدخال أجزاء من D.N.A لكائن معين إلى أجزاء من D.N.A لكائن آخر .
ومن خلال ذلك انفتحت الأبواب أمام علوم ما يسمى بالهندسة الوراثية، فقد تمكن العلماء من إدخال جينات (مورثات) من حيوان إلى بكتريا ، بل ومن إنسان إلى بكتريا أو حيوان ، وكانت المفاجأة المذهلة أن البكتريا المطعمة بالجين الغريب أخذت في الانقسام لتنتج طبعات كثيرة من هذا الجين أُمكن من خلالها دراسته دراسة مستفيضة ، بل وأُمكن من خلال إدخال جينات - قطع حاملة لبعض الصفات - معينة من الإنسان إلى الحيوان أن نحصل على نواتج ذلك (الجين) بكميات كبيرة من خلال ألبان هذا الحيوان .
وأُمكن من خلال هذه الهندسة الحصول على الأنسولين البشري وعامل التجلط البشري بل وعوامل إذابة الجلطة ، وعامل النمو البشري بكميات كبيرة ما كان للإنسان أن يصل إليها أبداً من مصادرها .
وسنضرب لذلك الأمثلة التالية :
جاء في مجلة العلوم الأمريكية مجلد 13 عدد 4 أبريل 1997 (ترجمة الكويت) جاء ما يأتي :
في عام 1981 أوضح ( W.J كوردن ) وزملاؤه في جامعة يال : أن الجنين المخصب لفأر يستطيع أن يدمج مادة جينية غريبة (D.N.A) في صبغياته (مورثاته) وبعدها جاء علماء من جامعة (أوهايو) الذين برهنوا أن الجين (وهو قطعة من D.N.Aتحمل رموزاً لبروتين معين المأخوذ من الأرنب يمكن أن يؤدي وظيفته في الفأر بعد حقنه في جنين فأر وحيد الخلية ) وكان من المدهش أن لاحظ العلماء أن D.N.Aالغريب والمحقون من خلايا الأرنب إلى خلايا الفأر سرعان ما يتكامل مع صفات الفأر ، ويحتمل أن تكون الخلية ميزته على أنه قطعة مكسورة من D.N.Aالخاص بها والذي يحتاج إلى ترميم .
وفي 1987 ظهر اكتشاف هام آخر يتعلق بالحيوانات المحورة جينياً ، فقد قام مجموعة من العلماء بابتكار وسائل لتنشيط الجينات الغريبة في الغدة الثديية للفأر كان من نتيجتها تكوين جزيئات بروتينية غريبة وإفرازها في حليب الفأر المحور جينياً .
وتمخضت هذه الأبحاث الفذة على إمكان إنتاج البروتين البشري (منشط البلازمينوجين ) من خلال إدخال الجين البشري حامل هذه الصفة في الخلايا المنتجة للبن في حيوان مختار ، لتكون النتيجة أن يخرج هذا البروتين بكميات كبيرة في لبن الحيوان لاستخدامه كوسيلة للعلاج في حالة نقص هذا البروتين في المرضى من البشر .
وقد طبقت هذه التقنيات في إنتاج بروتينات علاجية هامة مثل البروتينات المانعة للنزيف والمانعة للتجلط ، ومن قبل أُمكن تخليق الأنسولين البشري من خلال إدخال جين بشري حاملاً لصفته داخل بكتريا معينة .
وواكب هذه الاكتشافات المبهرة حملة إعلامية عارمة لعب فيها الخيال العلمي دوراً مؤثراً على عقول عامة المثقفين وضعت علامات استفهام أمام الفكر الديني المستنير ، فقد تناقلت أجهزة الإعلام أخبار عن إمكان أن يتقدم الآباء أو الأمهات بطلبات إلى العلماء للحصول على أطفال لها موصفات معينة في الشكل واللون والذكاء والقدرة الجسمانية أو العقلية ، بل وذهب الخيال العلمي إلى إمكان إدخال جين (صفة) التمثيل الضوئي من النبات الأخضر إلى الأجنة البشرية للحصول على الإنسان الأخضر الذي يمكن أن يستخدم أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون من الجو للحصول على غذائه وطاقته ، وبذلك لا يصبح هناك أي مشاكل اقتصادية لها علاقة بالغذاء … .
وإذا كان ذلك كذلك فإن أسئلة هامة لا بد وأن تثار كالآتي :
1- هل يعتبر ذلك تدخلاً في شأن من شئون الله ؟ .
2- هل يعتبر ذلك تعديلاً لخلق الله إلى الأفضل ؟ .
3- هل يعتبر ذلك دليلاً على صدق النظرية المادية البحتة ؟ هل وهل وهل .
قبل أن نرد على هذه الأسئلة لا بد وأن نبين للعقل المفكر أن هذه الأسئلة زائفة أصلاً وباطلة عقلاً لأنها لا تعتمد على حقائق بل تعتمد على خيال وأوهام وضلالات كيف ؟
سأستعير الإجابة من كلام علماء الهندسة الوراثية والذين يعملون في هذا المجال كما يأتي :
يقول (إيرفين شار جاف) أحد مؤسسي علم البيولوجيا الجزيئية : إن اللعب في الجينات يعرضنا للخطر .
ويقول ( وليام بيتز ) عالم الهندسة الوراثية وصاحب مؤلف الهندسة الوراثية للجميع : " إن وظيفة معظم ما نحمله من D.N.Aلا يزال سراً والحقيقة أن معظمه يبدو بلا فائدة ، وأن 90% من بعض أطوال الجينات لا يحمل معلومات ، ويقول أيضاً : أن علماء البيولوجية لا يعلمون إلا القليل جداً من معضلة أسرار الجينات ، وأن العلماء إذا أدخلوا جيناً (صفة) في خلية مستهدفة فسيواجه هذا الجين المدخل أحد مصيرين :
· إما أن يلتحم ب (D.N.A) الموجود فعلاً في الخلية أو يظل منعزلاً عنه كمقطع مستقل ، والعلماء لا يستطيعون أن يحددوا ماذا سيحدث بل كل ما يعملوه هو أن يقوموا بإلقاء الشفرة الوراثية المأخوذة من كائن في الخلية المستهدفة ، ثم ينتظرون فقد تستطيع الخلية دمجها في المكان المناسب وقد لا تستطيع ولا علم للعلماء بالنتيجة مسبقة ولا دخل لهم في إتمامها الدقيق.
وقد تؤدي بعض تقنيات الهندسة الوراثية المصاحبة للجينات المدخلة إلى الخلية المستهدفة إلى إكساب الخلية صفات سرطانية كما يحدث أحياناً نتيجة استخدام الفيروسات أو مكوناتها لدمج جين معين في خلية حيوانية مستهدفة .
وفي كتاب مستقبلنا الوراثي للجمعية الطبية البريطانية يقول علماء الهندسة الوراثية
إن التحوير الوراثي يستخدم لعلاج الأمراض الوراثية الخطيرة ، أما احتمال أن يستطيع الوالدان في يوم ما طلب أطفال بخصائص معينة فإن هذا ليس أمراً ممقوتاً فحسب وإنما هو أيضاً لا يحتمل قط التوصل إليه .
ونجد في هذا المرجع العالمي أيضاً : والفوائد المباشرة للعلاج الجيني الناجح للخلايا الجسدية قد تكون أمراً واضحاً ، أما التأثيرات المستقبلية وعلى المدى الطويل فهي مما قد يصعب التكهن به ، فمن الممكن مثلاً أن يحدث خطأ في إيلاج الجينات يؤدي إلى تحول الخلية إلى خلية سرطانية مع عدم ظهور السرطان إلا بعد سنين تالية لذلك .
وخلاصة كل ذلك أن حقل الهندسة الوراثية لا يتعدى تسخير البكتريا أو الحيوانات لإنتاج بروتينات تستخدم لعلاج بعض المرضى الذين يعانون من نقص وراثي في هذه المركبات ، بمعنى أن هذه البكتريا أو الحيوانات المستخدمة لإنتاج المطلوب تعويضاً لما فقد من الإنسان ما هي إلا كائنات تسخر لعمل ذلك حتى أن أحد كبار علماء الهندسة الوراثية أطلق على هذه الكائنات المسخرة تعبير (حمير مسخرة للعمل) .
وكذلك عمل العلماء لمحاولة إدخال بعض الجينات المفقودة أو المعطوبة يدخل من باب تسخير هذه الجينات لصالح العودة بها إلى حالتها المفطورة عليها وهو من باب العلاج والتداوي .
وصدق الحق الذي قال :
)ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض (20 لقمان
)وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه (13 الجاثية
وطاعة للرسول في حث الناس على التداوي :
[ تداوا عباد الله ] .
ولكن هل يمكن للإنسان أن يلعب في الجينات ويغير فيها بالزيادة أو النقصان أو التبديل ؟
الإجابة : نعم يمكنه ذلك .
فيكون السؤال التالي :
وماذا ستكون النتيجة ؟
الإجابة : هناك وسائل إيضاح شاهدها العلماء في واقع الحياة حيث لاحظوا أن هناك كائنات تحدث لها طفرات أو تغيرات تؤدي إلى حذف أو قطع أو إضافة جينات (صفات ) تخرجها من فطرتها المفطورة عليها إلى حالة مخالفة ، ولقد لاحظ العلماء أن أغلب هذه التغيرات إما قاتلة مدمرة للكائن أو ممرضة له بدرجة لا حل لها .
والإجماع على أن التغير في الخلق المفطور عليه الكائن مخرب أو مدمر أو ممرض حتى ولو بعد حين .
أما عملية التهجين في السلالات الحيوانية والنباتية مثلاً فلا تدخل ضمن قضية التغير والتبديل ، لأن التهجين لا تغيير فيه بل تبقى الصفات في مكانها وعلى هيئتا ولكن يتم مزاوجة صفات من كائن بصفات من كائن من نوعه كما يتم تزاوج مورث يحمل صفة الطول (مثلاً ) مع مورث لا يحملها ليكون الناتج حاملاً لصفة الطول وقس على ذلك .
أما التدخل لتغيير خلق إلى هيئة أخرى كإنتاج إنسان أخضر أو طفل عبقري فهذا من المستحيل عقلاً ونقلاُ :
عقلاً :لأن العلماء لا يعلمون من أسرار الجينات إلا القليل ، ولأن القضية ليس جين معين بل علاقات جينية متشابكة ومتداخلة في شبكة لا يحيط بها إلا الخالق الباري المصور، ولأن الملاحظة العملية أكدت خطورة التغيير على الكائن الحي
ونقلاً :لأن الحق يقول ( لا تبديل لخلق الله ) .
ولكن لو حدث أن تم ذلك التبديل فإن النتيجة لا خير فيها بل إن البشرية لن تجني من ورائها إلا الخراب والتدمير وهو من أمر الشيطان لأوليائه ، الذي قال الحق عنه :
( ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ) النساء آية 119
وهاهم العلماء النابهين يعقدون المؤتمرات ويحزرون من اللعب بالجينات تغيراً وتبديلاً بدرجة تخرجها عن فطرتها خوفاً من أن تتكاثر وتنطلق في البيئة وتخرج منها أجيال مدمرة أو تخل بالتوازن البيولوجي الذي خلقه الله بمقدار وعلماً وحكمة ( وكل شيً عنده بمقدار ) بل وهاهم العلماء الراسخون في العلم يحزرون من إمكان أن تتحول الخلية المسالمة إلى أخرى سرطانية قاتلة نتيجة اللعب بجيناتها تبديلاً وتغييراً .
د/ حسين رضوان اللبيدى
( مدير مستشفى ) وعضو هيئة الإعجاز العلمي بمكة سابقا
وعضو جمعية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بالقاهرة وجنوب الوادي


مصر 0127580446

مصدر الصور : الموسوعة الحرة

القلب الحزين 27-03-2008 03:30 PM

تركيب الجلد بينة علمية

The Skin Structure
A Scientific Evidence
د. محمد دودح
الباحث العلمي بالهيئة العالمية
للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
([email protected])
إن دلائل الوحي في القرآن الكريم متعددة الوجوه وتختص بحديثه الجامع الفريد السامي الأغراض الداعي لكل فضيلة والناهي عن كل رزيلة والمحكم البيان الموافق للحق في كل نبأ, وفي جملة من روائع المشاهد التصويرية يجسد القرآن حال المكابرين أمام الآيات الناطقة بالحق كاشفا ستر حقائق علمية حبلت بها الأيام أدخرت لذوي النظر الباحثين عن الحق.

والجلد هو أكبر عضو في الجسم, وإذا عاينا قطاعا مجهريا في الجلد سنجد أن أهم تكويناته هي: الغدد العرقية وتقوم بإفراز العرق ليلطف درجة الحرارة عند إرتفاعها, والنهايات العصبية وتقوم بنقل الأحاسيس إلى المخ, والعضلة الناصبة للشعرة وتتقلص في بعض الأحوال مثل البرد والخشية والوجل والهلع والفزع والمفاجآت, ولا يتوقع قبل اكتشاف المجهر في القرن السابع عشر أن يتضمن أي مصدر الحديث تصريحا أو تلميحا عن تلك التكوينات المجهرية, ولكن القرآن الكريم منذ القرن السابع الميلادي خلال مهمته الأولى في لفت الانتباه إلى مصير الإنسان والإنذار بيوم الحساب يعرض لها مبينا وظائفها في بساطة بلا تكلف وفي تلطف لا يلفت عن الغرض وعمق أغوار بعيدة لا تفوت المحققين عند اكتشاف الحقيقة, ويحافظ على تمايز المكونات في الترتيب وفق مكانتها وأهميتها نظمًا ويتفق مع الحقيقة الخفية وصفًا؛ ناهيك عن بلاغة تجسد المعنويات بحسيات ترسخ المضمون في الأذهان وروائع تصويرية في البيان توقظ الشعور وتهز الوجدان, فضلاً عن استيعاب مجموع القرآن الكريم لكل تلك التكوينات قبل أن تشاهدها عين بينة تشهد بنزوله بعلم الله القدير علام الغيوب.
(أولا) الغدد العرقية
Eccrine Sweat Glands
يقول العلي القدير: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـَكِنّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ. سَآءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ. مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" الأعراف 175-178, والتمثيل يجسد عناد متجرد من فطرة الإيمان إلى حد اختيار الموت على الحياة, والعناد حالة معنوية شخصتها مشاهد حسية تصدق على كل متعامي عن دلائل الوحي, واللهاث في المثل تسارع الأنفاس لبالغ الجهد والإجهاد, ويستقيم أن يعود الوصف على من يفر مبتعدا عن الهدى سواء وعظته أو تركته بيانا لبالغ العناد؛ وفي التعقيب (ذّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ)؛تصريح بالتَرَفُّع عن معتاد القصة إلى تمثيل يشخص بالغ العناد وسوء المصير ويُعَرِّض بالسامع ليتجنب نفس المصير.
وقد اشتمل العرض على جملة من بدائع التصوير وروائع التمثيل تكشف خفايا النفوس, فمشهد المنسلخ الجلد المتعري بلا وقاية يجسد فقدان الإيمان, والفعل (انْسَلَخَ)يصف الساعي لهلاك نفسه بجيفة هالك تعددت مشاهد مهلكه, كأنه قد تردي من شاهق بلا مستند يبقيه ساميا فهلك, فمع تعريه طمع الشيطان في غوايته كأسد أطمعته فريسة فافترسها, والغافل أسير هواه أصم لا يستجيب كجيفة حيوان يمزقه سبع لاصق بالأرض بلا حركة تنم عن حياة, ولكن: أيسلخ عاقل جلده الواقي ليهلك!؛ هكذا المتجرد من فطرة الإيمان متعري الباطن مبالغ في الإعراض إن قامت عليه حجة لا يستجيب وإن غفل عنها لا يتوقف عن الفرار ساعيا لمهلكه من شدة العناد, قال ابن عاشور: ”الانسلاخ حقيقته خروج جسد الحيوان من جلده حينما يسلخ عنه جلده والسلخ إزالة جلد الحيوان الميت عن جسده“[1], وقال العيني: "(فَانْسَلَخَ مِنْهَا)اتبع هواه فانسلخ من الإيمان"[2], وقال ابن القيم: "أي خرج منها كما تنسلخ الحية من جلدها.. ولم يقل فسلخناه منها لأنه هو الذي تسبب إلى انسلاخه منها بإتباع هواه.. فلما انسلخ من آيات الله ظفر به الشيطان ظفر الأسد بفريسته"[3].
قال ابن الجوزي: "قوله تعالى(فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث)معناه أن هذا الكافر إن زجرته لم ينزجر وإن تركته لم يهتد فالحالتان عنده سواء.. والتشبيه (وقع) بالكلب اللاهث خاصة.. فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته"[4], وقال الكلبي: "(و)اللهث.. تنفس بسرعة وتحريك أعضاء الفم وخروج اللسان"[5], وقال السيوطي: "عن قتادة.. قال هذا مثل ضربه الله لمن عرض عليه الهدhttp://www.55a.net/firas/ar_photo/10/2_resize.jpgى فأبى أن يقبله وتركه"[6], وقال البغوي: "نظيره قوله تعالى (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىَ لاَ يَتّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ) الأعراف 193"[7], وقال الرازي: "هو عام فيمن عرض عليه الهدى فأعرض عنه.. وهو قول قتادة وعكرمة وأبي مسلم.. وهذا يقع على كل كافر لم يؤمن بالأدلة وأقام على الكفر.. واللهث هو أن الكلب إذا ناله الإعياء عند شدة العدو وعند شدة الحر فإنه يدلع لسانه.. واعلم أن هذا التمثيل ما وقع بجميع (أحوال) الكلاب وإنما وقع بالكلب اللاهث.. قال تعالى (ذّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا)فعم بهذا التمثيل جميع المكذبين بآيات الله.. فحصل التمثيل بينهم وبين الكلب.. لأنهم.. بقوا على الضلال في كل الأحوال مثل هذا الكلب الذي بقي على اللهث في كل الأحوال.. (أي) صاروا في التمثيل.. بمنزلة الكلب اللاهث"[8].
وينقلك التمثيل إلى القفار في يوم قائظ تلهث فيه الكلاب لتعاين في مخيلتك هارب يتصبب عرقا تتلاحق أنفاسه قد ناله الإعياء من العدو والحر فارا من أمان العشيرة ساعيا للضلال والتعرض للضواري والموت كمن تردي من شاهق لا يستجيب لواعظ ولا يسترد رشده ويرتدع, يتمسك بالحطام ويلتصق بالرغام متهالك هالك كجيفة لم يتبق فيها علامة حياة, ولا يقف التمثيل عند تصوير تلاحق أنفاسه باللهاث بيانا للفرار من الحق وإنما لا يُبقي له بعد سلخه لجلده إلا اللهاث فحسب على كل حال بغير عرق فيشبهه بالكلب في الطبيعة كما في اللهاث, قال أبو السعود: "(إنما هو) تشبيه.. ما اعتراه بعد الانسلاخ"[9], وليس عند الكلب غدد عرق لتنظيم درجة الحرارة كما في جلد الإنسان ولذا لا يملك إلا اللهاث على الدوام سواء أهجته فبذل جهدا أو تركته.
وهكذا اشتمل العرض على جملة مشاهد يجسد كل منها هلاك ذلك المعرض عن الحقيقة بعد معاينة الدليل بيانا لهلاكه يوم الحساب؛ أولها مشهد المنسلخ الجلد المتعري بلا وقاية تصويرا لفاقد الإيمان والسلخ لا يكون إلا لجلد الذبائح, ومشهده كفريسة أطمعت الشيطان بغوايته فأتبعها كالأسد وافترسه, ومشهد المتردي من شاهق بلا مستند يبقيه ساميا فهلك, ومشهد الأسير هواه كميت http://www.55a.net/firas/ar_photo/10/3resize_resize.jpgلاصق بالأرض بلا حركة تنم عن حياة, أيفر عاقل من الطريق البين ليضل ويهلك!, إنه ليس مجرد فرار فحسب وإنما هو مشهد تلمح فيه كذلك إيغالا في الإعراض عن الحقيقة بإطالة اللسان نيلا من الحقيقة, وكأنه تعالى يقول: "أَشِحّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَالّذِي يُغْشَىَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحّةً عَلَى الْخَيْرِ أوْلَـَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً" الأحزاب 19،وهكذا المكابر نافر دائما من البينات يفر كالحمر رهبة من الأسد وحتى لو طاردته حجة عقلها سيظل دوما لاهثا من الفرار ولن يضر النبوة الخاتمة علو نباحه, وهكذا في خضم هذه الروائع التي تجسد طوية هذا المسلوخ الجلد يتألق القرآن الكريم ويشبهه بالكلب خاصة الذي فاقه ببقائه على فطرته لم يفقد جلده وعلى طبيعته لا يملك إلا اللُهاث سواء بذل جهدا أو سكن, ولا تخرج الحرارة الزائدة عند الكلب إلا باللهاث حتى ولو لم يخرج لسانه لأن جلده يخلو من الغدد العرقية, وبهذا قد كشفت الأيام مغزى تشبيه المسلوخ الفاقد لجلده بالكلب, وإبطال الإنسان لتفكيره كأنه بلا عقل وفقده للإيمان الواقي يجسده فقده لجلده الواقي ليصبح تماما كالكلب لا يملك إلا اللُهاث في كل الأحوال ناهيك عن كونه حيوانا بلا عقل.
تفصيل الجانب العلمي:
لماذا يعرق الإنسان؟؛ لغرض حكيم مقصود لا تصنعه صدفة يشهد بحكمة الله تعالى وقدرته, ينتج الجسم حرارة نتيجة للعمليات الحيوية بالجسم واستهلاك طاقة الغذاء, ومع بذل الجهد والنشاط العضلي خاصة في القيظ تتولد حرارة زائدة فتنشط غدد لتفرز العرق فتنخفض درجة الحرارة مع تبخره؛ وكأنها على علم مسبق بحقائق علم الفيزياء, ولكن قيامها بالمهمات بلا وعي منها وعقل يوجه للصواب يhttp://www.55a.net/firas/ar_photo/10/4_resize.jpgشي بالقدرة المبدعة الهادية, ولك أن توقن بقدرة الله تعالى وعلمه وحكمته في خلقه عندما تدرك أن تنظيم درجة الحرارة وظيفة مكلف بها جهاز كامل من العاملين وليست غدد العرق فحسب, فلا تملك أن توجه نفسها فضلا عن توجيه غيرها وإنما هي مهمة مسبقة الإعداد يشترك فيها جملة عاملين موجَّهين والكون كله يشهد على الدوام بحكمة الله تعالى وقدرته وهدايته لكل شيء نحو الأصوب بحكمة وقصد, قال تعالى: "سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ. الّذِي خَلَقَ فَسَوّىَ. وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَىَ" الأعلى 1-3، وقال تعالى: "قَالَ رَبّنَا الّذِيَ أَعْطَىَ كُلّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَىَ" طه 50.
وجهاز تنظيم درجة الحرارة في جسم الإنسان على أعلى درجة من الإتقان بحيث يحافظ على ثبات درجة حرارة الجسم نسبيا, فإذا ارتفعت نشطت آليات لتخفيضها وإذا انخفضت نشطت آليات أخرى لرفعها للمستوى المقدر, والنرد لا يأتي دوما بنفس النتيجة ولكن جهاز تنظيم الحرارة مقدر الوظيفة سلفا فكيف إذن يرد مجرد هاجس أن يُصنع ويعمل هكذا صدفة!, وتتراوح درجة حرارة جسم الإنسان بين 36.1 درجة مئوية و37.8 درجة مئوية (97–100 درجة بمقياس فهرنهيت), وعند فرط زيادة الحرارة Hyperthermiaبتجاوز تلك الحدود الطبيعية تنشط مستقبلات حسية Thermoreceptorsمعدة خصيصا لتنقل إشارات كهربية إلى مركز المراقبة الحرارية في المخ ويقع تحديدا في منطقة تحت المهاد Hypothalamus, وعلى الفور يستنفر مركز المراقبة جهاته التابعة في الجسم للعمل وبدورها تتجاوب بلا تدبير منها أو وعي ذاتي بالحكمة, فتتوسع الأوعية الدموية بالجلد والنتيجة العملية ترشدك للحكمة وهي زيادة الحرارة المفقودة مباشرة عن طريق الجلد, ناهيك أن يُعد الجلد كله مسبقا لتلك المهمة فيزداد نشاط غدد العرق لتفرز كميات أكبر ومع تبخر العرق تنخفض الحرارة, وعند فرط نقص الحرارة Hypothermiaتعمل آليات أخرى على المحافظة على الحرارة ورفعها, فتنقبض الأوعية الدموية في الجلد ويقل تعريض الدم لمزيد من فقد الحرارة, وترتجف العضلات الإرادية لا إراديا بالقشعريرة Shiveringوتتسارع عملية احتراق المواد الغذائية داخلها فتنتج كميات أكبر من الحرارة, أرأيت بديع صنع الله وسبق الإعداد بعلم واقتدار!.
http://www.55a.net/firas/ar_photo/10...ize_resize.jpg
http://www.55a.net/firas/ar_photo/10...ize_resize.jpg
يحتوي جلد الإنسان على غدد عرقية تختص بتنظيم درجة حرارة الجسم.
لا يحتوي جلد الكلب على غدد عرقية مثل الإنسان ولذا لا يملك إلا اللهاث.
والشاهد أن في جلد الإنسان مجهريا غدد عرق تختص بتنظيم درجة حرارة الجسم Eccrine Sweat Glands, ولا يوجد منها في جلد الكلب سوى القليل في أقدامه وتوجد بدلا عنها غدد تختص بالترطيب وتمييز رائحة الكلاب Apocrine Sweat Glands, ولا يوجد للكلب إذن غدد عرق كالإنسان وإنما يماثله فحسب بسلخ جلد الإنسان وبهذا قد كشفت المجاهر مغزى التشبيه في القرآن الكريم, فبفقد الإنسان لجلده الواقي تجسيدا لفقده الإيمان وإبطاله التفكير الواعي كأنه بلا عقل يصبح كالكلب تماما الذي يفتقر للعرق ولا يملك إلا اللُهاث فضلا عن كونه حيوانا بلا عقل, والتعريف في لفظ (الكلب) للجنس ولا تملك بالفعل كل أنواع الكلاب إلا اللهاث Panting, فالكلب الدانماركي العملاق Great Dane هو أطول الأنواع ويبلغ ارتفاعه حوالي 100 سنتيمتر ولا يكاد اللهاث أن يفارقه, وكذلك أقصرها وهو الكلب الإنجليزي القزم Yorkshire Terrierحيث يبلغ إرتفاعه حوالي 6.5 سنتيمتر فقط, وكذلك كل أنواع الحيوانات الكلبية Canine Animalsمثل الذئب والنمر والأسد فهي تلهث جميعا من حين لآخر وعند العدو, واللهاث أنفاس سريعة ضحلة تنتقل فجأة من حوالي 30-40 مرة في الدقيقة إلى حوالي 300-400 مرة في الدقيقة وتتجدد النوبات تباعا حتى عند الراحة مع فتح الفم وإخراج اللسان لتخرج الحرارة الزائدة مع بخار الماء في النفس, وأثناء الراحة يلهث الكلب من حين لآخر فتخرج الحرارة الزائدة ومع العدو يشتد لهاث الكلب فهو في أغلب الأحوال لاهث, ولم يقل القرآن (فمثله كالكلب) وإنما قال (فمثله كمثل الكلب) للمباعدة بينهما تنزيها للكلب عن الكافر المتنكر لفطرة الإيمان, فأي حديث يداني القرآن في دقة التعبير وروعة البيان!.
والفارق الجوهري إذن بين جلد الإنسان وجلد الكلب هو وجود الغدد العرقية المختصة بتنظيم درجة الحرارة ولن يشابه الإنسان الكلب حتى يفقد تلك الغدد بسلخ جلده, والعجيب أن تشبيهه بالكلب لم يقم في القرآن حتى سلخ عنه جلده تمثيلا بتجرده من فطرة الإيمان فأصبح كالكلب تماما لا يملك سوى اللهاث سواء طاردته فبذل جهدا أو ترhttp://www.55a.net/firas/ar_photo/10/7_resize.jpgكته, وكذا المتجرد من فطرته سواء أقمت عليه حجة أو غفل عنها باقي دوما على العناد والإعراض والتكذيب.
قال الطبري: "إنما هو (لجميع الناس) مثل ضربه الله.. لسائر المكذبين بآيات الله.. ليتفكروا.. فيعلموا حقيقة أمرك وصحة نبوتك.. في علمك بذلك.. (لأنه يتضمن) الحجة البينة لك عليهم بأنك لله رسول وأنك لم تعلم ما علمت من ذلك.. إلا بوحي.. لعلهم يتفكرون فيعرفون أنه لم يأت بهذا الخبر.. إلا نبي.. ساء مثلا القوم الذين كذبوا بحجج الله وأدلته"[10], وقال سيد قطب: ”قد كانت آيات الهدي.. متلبسة بفطرتهم.. ثم إذا هم ينسلخون منها‏..‏ هابطون من مكان الإنسان إلي مكان الحيوان‏..‏ وكانوا من فطرتهم.. في أحسن تقويم‏ فإذا هم ينحطون منها إلي أسفل سافلين‏..‏ وهل أسوأ من الانسلاخ والتعري من الهدي مثلا؟.. وهل يظلم إنسان نفسه كما يظلمها من يصنع بها هكذا؟.. يعريها من الغطاء الواقي والدرع الحامية‏‏ ويدعها غرضا للشيطان.. وبعد‏..‏ فهل هو نبأ يتلي أم.. مثل يضرب في صورة النبأ..؟ (وحتى لو لم يكن هذا النبأ مثلا فالحكمة تقتضي منا) أن نأخذ من النبأ ما وراءه.. وما أكثر ما يتكرر هذا النبأ في حياة البشر‏“[11],‏ وقد كان نصيب المعرض عن دلائل التنزيل أن أعرض عنه البيان المعجز فتحدث عنه بالغيبة والإبهام, فلم يستحق في ساحة المحاكمة بتهمة التجرد من الفطرة أن يذكر له اسما وهو منزوي في طرف قفص الاتهام في ركن المخيلة خجلا لا يستطيع أن يداري سوأته ولا يملك دفاعا عن جريمته, واستسلم راغما إلى الحكم بإعدامة عدة مرات بطرق متنوعة ليكون مثلا لأمثاله, يقول العلي القدير: (وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاّ الْعَالِمُونَ) العنكبوت 43.
(ثانيا) النهايات العصبية الحسية
Sensory Nerve endings
http://www.55a.net/firas/ar_photo/10/8Clip_13.jpgقد تناول كثيرون بالدراسة دلالة القرآن الكريم على وجود تركيبات دقيقة في الجلد تقوم بوظيفة الإحساس Sensation, وإذا تدمرت تلك التركيبات عند حريق الجلد يتعطل نقل الإحساس ولا سبيل لإعادته سوى بتجديد الجلد وتبديل التالف, يقول العلي القدير: "إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً" النساء 56، ولكنها هنا ضميمة تبين استيعاب القرآن الكريم لتلك الدقائق المجهرية بالجلد والعلم بوظائفها.
يقول الدكتور سالم عبد الله المحمود: " توجد (في الجلد).. خلايا تتأثر بالبيئة الخارجية، وهي مخصصة لحاسة اللمس وتشتمل على جسيمات مايسنر MEISSNERS CORPUSCLES وجسيمات ميرگل MERKELS CORPUSCLES, (وجسيمات باتشيني Pacinian corpuscles وتنقل الإحساس بالضغط إلى المخ), وبصيلات كروز KRAUSE END BULBESوهي مخصصة للإحساس بالبرودة, واسطوانات روفيني RUFFINI CYLINDERS وهي مخصصة للإحساس بالحرارة, ونهايات الأعصاب الحرة وهي مخصصة للإحساس بالألم..,(و)الجلد هو من أهم أجزاء جسم الإنسان إحساساً بالألم نظراً لأنه الجزء الأغنى بنهايات الأعصاب الناقلة للألم والحرارة.. (و)لو استعرضنا درجات الحروق التي يصاب بها الإنسان لوجدنا أن هناك حروقاً من الدرجة الأولى وحروقاً من الدرجة الثانية.. ثم حروقا من الدرجة الثالثة.. ولو ألقينا نظرة إلى ما يصيب الجلد نتيجة لهذه الأنواع الثلاثة من الحروق لوجدنا أن حروق الدرجة الأولى تصيب طبقة البشرة القرنية وتظهر على هيئة التهاب جلدي.. وفي هذه الحالة يحدث انتفاخ وألم بسيط لأن الحرق من الدرجة الأولى يصيب خلايا الطبقة السطحية, ومن المعتاد أن ظاهرة الاحمرار والانتفاخ والألم تختفي خلال يومين أو ثلاثة أيام.. وإذا طالت الإصابة ما تحت الطبقة السطحية من الجلد صنفت من الدرجة الثانية.. وهي تنقسم إلى قسمين: سطحي وعميق,(و)يحدث في حالة الحروق السطحية من الدرجة الثانية أن طبقة البشرة (ظاهر الجلد) تنضج وكذلك الأدمة - طبقة باطن الجلد- التي تحت البشرة, ويحدث في هذه الحالة انفصال طبقة البشرة عن طبقة الأدمة ، وتتجمع مواد مفرزة أو نتحات مابين هاتين الطبقتين.. ويعاني المصاب في هذه الحالة من آلام شديدة وزيادة مفرطة في الإحساس بالألم نتيجة لإثارة النهايات العصبية المكشوفة, ويبدأ التئام الجلد خلال أيام قد تصل إلى أربعة عشر يوماً نتيجة لعملية التجدد والانقلاب التي تحدث في الجلد, ولو انتقلنا إلى حروق الدرجةhttp://www.55a.net/firas/ar_photo/10...ize_resize.jpgالثالثة لوجدنا أن طبقة الجلد تصاب بكاملها، وربما تصل الإصابة إلى العضلات أو العظام، ويفقد الجلد مرونته ويصبح قاسياً وجافاً.. وفي هذه الحالة فإن المصاب لا يحس بالألم كثيراً لأن نهايات الأعصاب تكون قد تلفت بسبب الاحتراق.., ولقد كشف العلم الحديث أن النهايات العصبية المتخصصة للإحساس بالحرارة وآلام الحريق لا توجد بكثافة إلا في الجلد, وما كان بوسع أحد من البشر قبل اختراع المجهر وتقدم علم التشريح الدقيق أن يعرف هذه الحقيقة التي أشار إليها القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً مضت"[12].
(ثالثا) تباين مناطق الجلد في الإحساس
Skin Regional Variation in Sensation
لوحظ أن ترتيب الأعضاء في نظم القرآن الكريم يتفق مع الواقع فتعطى العناية الأكبر بتقديم الأهم وظيفةً والممنوح أكبر مساحة بالدماغ أو المتقدم وظيفيا وتشريحيا تبعا للمقام, فالعين نحو الأمام تليها الأذن وفي النظم تسبق العين الأذن, ومركز الإبصار يسبقه مركز السمع وفي النظم يسبق السمع البصر, ويقع بينهما مركز الكلام وهو تماما كذلك في النظم, ويغلب التصوير الدلالي في الكتاب العزيز فترد الوظائف العقلية مسلوبة واصفة من لا ينتفعون بها بالصمم والبكم والعمى, وإذا انقلبت الهيئة كما في مشاهد خزي المعذبين في الآخرة ينقلب الترتيب في النظم محافظا على ترتيب أصل الخلقة, وفي المنطقة الحركية في المخ أبرز الأعضاء هم الوجه تليه اليد يليها القدم وهو نفس الترتيب تماما في النظم, ولا يختلف الترتيب عنها في المنطقة الحسية سوى بزيادة منطقة الرأس قبل القدم والعجيب أنه نفس الترتيب تماما في النظم, ويكتفي الكتاب الكريم بالأهم في مقام بيان أهم المناطق في الجلد إحساسا فيتخير الوجه واليد والبنان خاصة الأنامل ويحفظ الترتيب وفق درجة الإحساس وعدد المستقبلات والمساحة الممنوحة بالدماغ فيقدم الجباه والجنوب على الظهور.

يتـــــــــــــــــبع

القلب الحزين 27-03-2008 03:34 PM

يتبـع موضوع ..... تركيب الجلد بينة علمية


(1) تتقدم العين في النظم على الأذن تماما كما هي في الواقع:
· "أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا" الأعراف 195.
· "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ" المائدة 45.
(2) تتقدم وظيفة السمع في النظم على وظيفة البصر وفق أصلها المركزي في المخ:
· "أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ" يونس 31.
· "وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ" البقرة 7.http://www.55a.net/firas/ar_photo/10/10_resize.jpg
· "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ" البقرة 20.
· "أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ" الزخرف 40.
· "مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ" هود 20.
· "أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ" محمد 23.

(3) توجد منطقة بالمخ تسمى منطقة فيرنيكي Wernicke's area وظيفتها الوعي بالكلام ولذا تسمى منطقة اللغة ******** areah, وتؤدي إصابتها إلى البكم بفقدان القدرة على الكلام السوي لفقدان الوعي باللغة Wernicke's Aphasia, وهي تتوسط مركزي السمع والبصر بالمخ, والبكم في النظم يتوسط الصمم والعمى كوظيفتين مسلوبتين بتعطيلهما:
· "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ" البقرة 18.
· "صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" البقرة 171.
· "وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ" الأنعام 39.
http://www.55a.net/firas/ar_photo/10...ize_resize.jpg
(4) تنعكس الهيئة في مشهد انتكاس المعذبين في الآخرة لترسيخ الخزي والمخالفة للخلقة السوية بمشهد حسي بلغ الانتكاس فيه الغاية, والعجيب المذهل أن ينعكس ترتيب الوظائف كذلك نظما حفاظا على أصل الترتيب في الخلقة السوية:
· ”وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا“ السجدة 12.
· "وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا" الإسراء 97.
(5) تترتب الأجهزة في النظم وفق تطورها الوظيفي في مقام تدرج التكوين (السمع ثم البصر), والمعلوم أن الجنين يستطيع السمع للأصوات كضربات قلب الأم من الشهر الخامس بينما يتأخر اكتمال الجهاز البصري إلى ما بعد الولادة:
· "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا" الإنسان 2.
(6) في النظم الجلد والأحشاء من أهم المناطق إحساسا بالألم تماما كما هو في الواقع, والطبقة الخارجية من الأمعاء هي الأكثر ثراء بالأعصاب الحسية ولذا من العجيب أن يشترط النظم تقطيع الأمعاء ليبلغ الشعور بالألم أقصاه:
· "هَـَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبّهِمْ فَالّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نّارِ يُصَبّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ. يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ. وَلَهُمْ مّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ. كُلّمَآ أَرَادُوَاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ" الحج 19-22.
· "وَقُلِ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّا أَعْتَدْنَا لِلظّالِمِينَ ناراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَ بِئْسَ الشّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً" الكهف 29.
· "إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنّ اللّهَ كَانَعَزِيزاً حَكِيماً" النساء 56.
· "وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطّعَ أَمْعَآءَهُمْ" محمد 15.
(7) ترتيب أعضاء الحركة في النظم وفق ترتيبها المخبوء في الدماغ (الوجه ويمثله اللسان والفم ثم اليد ثم القدم):
• "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" النور 24.
• "الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" يس 65.
(8) تتفاضل مناطق الجلد الحسية وتتوالى في النظم وفق ترتيبها المخبوء بالدماغ (الوجه ثم اليد ثم الرأس ثم القدم), والفارق البارز مع المنطقة الحركية هو تميز المنطقة الحسية بالرأس بين اليد والقدم, وبحسب الظاهر قد يجعلها الإنسان مجاورة للوجه وليست بين اليد والقدم ولكنها في النظم مرتبة وفق الترتيب بالدماغ رغم تعلق السياق بحكم في التشريع:
· "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" المائدة 6.
تتفق المساحة الممنوحة لكل منطقة حسية في المخ مع كثافة أعضاء الحس بالمنطقة الجلدية التي تمثلها, وتمثل كل مناطق الجلد فيما يعرف باسم الإنسان الحسي Sensory Homunculus, وهو يوضح أن أكثر المناطق إحساسا هي منطقة الوجه خاصة اللسان والشفتين ثم اليدين خاصة أطراف الأصابع ثم القدمين. http://www.55a.net/firas/ar_photo/10/13resize.jpg
(9) الاكتفاء بالوجه وتعقبه اليدين وهما أهم منطقتين في الجلد إحساسا واعتبارا في المخ:
· "فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ" المائدة 6.
· "فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ" النساء 43.
(10) الاكتفاء بالوجه وهو من أهم منطقتين في الجلد إحساسا واعتبارا في المخ:
· "تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ" المؤمنون 104.
· "وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ" إبراهيم 50.
· "يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلَىَ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسّ سَقَرَ" القمر 48.
· "وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ" النمل 90.
· "أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" الزمر 24.
· "يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ" الأحزاب 66.
· "الّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىَ وُجُوهِهِمْ إِلَىَ جَهَنّمَ أُوْلَـَئِكَ شَرّ مّكَاناً وَأَضَلّ سَبِيلاً" الفرقان 34.
· "وَقُلِ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنّا أَعْتَدْنَا لِلظّالِمِينَ ناراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَ بِئْسَ الشّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً" الكهف 29.
(11) الاكتفاء باليد خاصة الأنامل أو البنان وهي من أهم منطقتين في الجلد إحساسا واعتبارا في المخ:
· "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ" الفرقان 27.
· "وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الْأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ" آل عمران 119.
· "إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ" الأنفال 12.
(12) النظم يحفظ الترتيب في مقام بيان أهم مناطق الجلد إحساسا فيقدم الوجه ومقدمة الجسم ويؤخر المنطقة الخلفية والمعلوم أنها أقل ثراء في الاعصاب الحسية:
· "فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ" محمد 27.
· "وَلَوْ تَرَىَ إِذْ يَتَوَفّى الّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ" الأنفال 50.
· "لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمْ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ" الأنبياء 39
"وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ. هَـَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ" التوبة 34و35.
وظاهرة الحفاظ على الرتبة في نظم الكتاب العزيز بما يتفق تماما مع أصل الخلقة تكوينيا وتشريحيا ووظيفيا لا يمكن نسبتها للصدفة خاصة مع التثنية والتكرير والحفاظ عليها بلا استثناء رغم http://www.55a.net/firas/ar_photo/10/14_resize.jpgتباين المقامات واختلاف الوظائف والأعضاء, ولا توجد ظاهرة الحفاظ على الرتبة بما يوافق الحقائق الخفية في أي كتاب يُنسب اليوم للوحي غير القرآن الكريم.
(رابعا) العضلة الناصبة للشعرة
Arrector pili Muscle
يتكون الجلد من ثلاث طبقات هي: البشرة epidermisوالأدمة Dermisوالمنطقة التحت جلدية Hypodermis, وتتصل بالشعرة غدة دهنية Sebaceous Gland تفرز مادة دهنية Sebumلترطيبها والحفاظ عليها, وتتصل بها كذلك العضلة الناصبة للشعرة Arrector piliوهي عضلة لا إرادية تتقلص بسبب البرد أو الإثارة كالفزع والرعب والمفاجآت بغتة فيقشعر الجلد فيما يسمى قفوف الجلد.
وعندما تقل درجة الحرارة يصاب الإنسان بالقشعريرة Shiveringوهي ارتجافات لا إرادية للعضلات الإرادية فتتولد حرارة, ومع اشتداد البرودة يتجعد الجلد ويمتلئ بندب صغيرة نتيجة لتقبض تلك العضلات المجهرية التي تنصب الشعر في بعض الأحوال كالخشية والوجل والهلع, ولذلك يماثل حينئذ قشرة البرتقالة ويسمى كذلك بجلد الأوز Goose Bumps.
http://www.55a.net/firas/ar_photo/10/15_resize.jpg
Shivering and Goose Bumps
قشعريرة الجلد تظهر في شكل ندبات تماثل ندبات قشـرة البرتقالةنتيجة تقلص عضلات مجهرية في الجلد تصاحب حالة القشعريرة.
وفي قول الله جل وعلا: "اللّهُ نَزّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مّتَشَابِهاً مّثَانِيَ تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ ثُمّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" الزمر 23؛ القشعريرة حالة من التقبض والتيبس والصلابة, وفي مقابلها ورد (اللين) فدل سياقا على الاسترخاء والمرونة, وقد نسب التعبير القشعريرة للجلد صراحة ووصفه باللين بعد تقبض فأثبت تكوينه العضلي؛ خاصة مع قرنه بالقلب العضلي الذي ينقبض ويلين بالمثل ممثلا به مَلَكَة التفكر تجسيدا للمكانة لا بيانا لمكان العقل لأنها هي التي تعي دلائل الوحي فينال الإنسان الخشية ويخبت لله.
قشعريرة الجلد حقيقة علمية ودلالة نصية:
قال أبو السعود: "(تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ)..مسوق لبيانِ آثارِه الظَّاهرةِ في سامعيهِ بعد بيانِ أوصافهِ في نفسِه.. والاقشعرارُ التَّقبضُ, يقال اقشعرَّ الجلدُ إذا تقبَّضَ تقبُّضاً شَديداً.. يُقال اقشعرَّ جلدُه (أي) وقفَ شعرُه إذا عرضَ له خوفٌ شديدٌ من منكرٍ هائلٍ دهمه بغتة, والمرادُ إمَّا بيانُ إفراطِ خشيتِهم بطريقِ التَّمثيلِ والتَّصويرِ أو بيانُ حصولِ تلك الحالةِ وعرُوضِها لهم بطريقِ التَّحقيقِ.. والمعني أنَّهم إذا سمعُوا القُرآنَ وقوارعَ آياتِ وعيده أصابتُهم هيبةٌ وخشيةٌ تقشعرُّ منها جلودُهم وإذا ذُكِّروا رحمةَ الله تعالى تبدَّلتْ خشيتُهم رجاءً ورهبتُهم رغبةً وذلك قولُه تعالى (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله), أي ساكنةً مطمئنَّةً إلى ذكر رحمتِه تعالى.. (ذلك هُدَى الله يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء)أنْ يهديه بصرفِ مقدورِه إلى الاهتداءِ بتأمُّلِه فيما في تضاعيفِه من شواهدِ الحق ودلائلِ كونِه من عندِ الله تعالى"[13],وقال ابن عجيبة: "(تَقْشَعِرُّ منه جُلودُ الذين يخشون ربهم)أي ترتعد وتنقبض والاقشعرار التقبُّض، يقال اقشعرّ الجلد إذا انقبض ويقال اقشعر جلده ووقف شعره إذا عرض له خوف شديد من مُنكر هائل دهمه بغتة, والمعنى أنهم إذا سمعوا القرآن وقوارعه وزواجره أصابتهم هيبة وخشية تقشعر منه جلودهم وإذا ذكروا رحمة الله تعالى تبدلت خشيتهم رجاءً ورهبتهم رغبةً وذلك قوله تعالى (ثم تَلينُ جُلودُهم وقلوبُهم إِلى ذكرِ الله)أي ساكنة مطمئنة.. بتأمله فيما في تضاعيفه من شواهد الحق ودلائل كونه من عند الله"[14].
وقال الألوسي: "قوله تعالى (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) .. مسوق لبيان آثاره الظاهرة في سامعيه بعد بيان أوصافه في نفسه ولتقرير كونه أحسن الحديث, والإقشعرار التقبض يقال اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضاً شديداً.. يقال اقشعر جلده (و)وقف شعره إذا عرض له خوف شديد من أمر هائل دهمه بغتة، والمراد تصوير خوفهم بذكر لوازمه المحسومة.. وقيل هو تصوير للخوف بذكر آثاره وتشبيه حالة بحالة فيكون تمثيلاً.., والأول أحسن لأن تشبيه القصة بالقصة على سبيل الاستعارة ههنا لا يخلو عن تكلف, وأستظهر كون المراد بيان حصول تلك الحالة وعروضها لهم بطريق التحقيق، والمعنى أنهم إذا سمعوا القرآن وقوارع آيات وعيده أصابتهم رهبة وخشية تقشعر منها جلودهم وإذا ذكروا رحمة لله تعالى عند سماع آيات وعده تعالى وألطافه تبدلت خشيتهم رجاء ورهبتهم رغبة, وذلك قوله تعالى (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله)أي ساكنة مطمئنة إلى ذكر رحمته تعالى.. وليس في الآية أكثر من نعت أوليائه باقشعرار الجلود من القرآن ثم سكونهم إلى رحمته عز وجل وليس فيها نعتهم بالصعق والتواجد والصفق كما يفعله بعض الناس.. و(ذلك هُدَى الله) الإشارة إلى الكتاب الذي شرح أحواله (يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء)أي من يشاء الله تعالى هدايته بأن يوفقه سبحانه للتأمل فيما في تضاعيفه من شواهد الحق ودلائل كونه من عنده عز وجل.. وقيل الإشارة بذلك إلى المذكور من الإقشعرار واللين"[15].
وقال البروسوي: "(تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)..مسوق لبيان آثاره الظاهرة فى سامعيه بعد بيان اوصافه فى نفسه.. يقال اقشعر جلده اخذته قشعريرة اى رعدة.. وقال بعضهم أصل الاقشعرار تغير.. يحدث فى جلد الانسان عند الوجل والخوف.. (و)الاقشعرار التقبض يقال اقشعر الجلد اذا تقبض تقبضا شديدا.. (و)يقال اقشعر جلده ووقف شعره اذا عرض له خوف شديد من منكر هائل دهمه بغتة, والمراد إما بيان افراط خشيتهم بطريق التمثيل والتصوير او بيان حصول تلك الحالة وعروضها لهم بطريق التحقيق وهو الظاهر؛ إذ هو موجود عند الخشية محسوس يدركه الانسان من نفسه وهو يحصل من التأثر القلبى فلا ينكر, والمعنى أنهم إذا سمعوا القرآن وقوارع آيات وعيده أصابتهم هيبة وخشية تقشعر منها جلودهم.. ثم اذا ذكروا رحمة الله وعموم مغفرته لانت ابدانهم ونفوسهم وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة بان تبدلت خشيتهم رجاء ورهبتهم رغبة.. تسكن وتطمئن إلى ذكر الله لينة غير منقبضة.. استبدلوا بالخشية رجاء فى قلوبهم وبالقشعريرة لينا في جلودهم, فالجملتان إشارة إلى الخوف والرجاء أو القبض والبسط.. و(ذلك) الكتاب.. (هدى الله).. بتأمله فيما في تضاعيفه من الشواهد الخفية ودلائل كونه من عند الله"[16], وقال الرازي: "معنى (تَقْشَعِرُّ جُلُودُهُمْ)تأخذهم قشعريرة وهي تغير يحدث في جلد الإنسان عند الوجل والخوف.. (وكذلك) إذا تأمل في الدلائل.. فهنا يقشعر جلده.. يقال اقشعر جلده من الخوف و(وقف) شعره وذلك مثل في شدة الخوف"[17], وقال ابن الجوزي: "قوله تعالى (تَقْشَعِرُّ منهُ جلودُ الذين يَخْشَوْنَ ربِّهم)أي تأخذُهم قشعريرة وهو تغيُّر يحدُث في جِلْد الإِنسان من الوَجَل"[18], وقال ابن عطية: "وقوله تعالى (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)عبارة عن (وقوف) شعر الإنسان عندما يداخله خوف.. وقوله (ذلك هدى الله) يحتمل أن يشير إلى القرآن (كله).. ويحتمل أن يشير إلى.. (نبأ) اقشعرار الجلود (خاصة)"[19].
وقال الشوكاني: "(تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ)..الاقشعرار التقبض، يقال اقشعرّ جلده إذا تقبض وتجمع من الخوف.. قال الزجاج: إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرّت جلود الخائفين لله (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ)إذا ذكرت آيات الرحمة, قال الواحدي: وهذا قول جميع المفسرين"[20], وقال القرطبي: "قال سهل بن عبد الله لا يكون خاشعا حتى تخشع كل شعرة على جسده لقول الله تبارك وتعالى (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم),قلت: هذا هو الخشوع المحمود.. وقد كان السلف يجتهدون في ستر ما يظهر من ذلك"[21], وقال السمين الحلبي: "اقشعرَّ جِلْدُه إذا تقبَّضَ وتَجَمَّعَ من الخوف (ووقف) شعرُه"[22],وقال الثعالبي: "قوله تعالى: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ)عبارة عَنْ (وقوف) شَعْرِ الإنسانِ عندَما يُدَاخِلُهُ خَوْفٌ.. وهذه علامةُ وقوعِ المعنى المُخْشِعِ (الجالب للخشوع) في قلبِ السامعِ"[23], وفي تفسير الميزان: "قوله (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)..الاقشعرار تقبض الجلد تقبضا شديدا لخشية عارضة عن استماع أمر هائل أو رؤيته، وليس ذلك إلا لأنهم على تبصر من موقف نفوسهم قبال عظمة ربهم فإذا سمعوا كلامه توجهوا إلى ساحة العظمة و الكبرياء فغشيت قلوبهم الخشية وأخذت جلودهم في الاقشعرار.. وقوله (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء)أي ما يأخذهم من اقشعرار الجلود من القرآن ثم سكون جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله هو هدى الله"[24].
وقال ابن كثير: "قوله: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)أي هذه صفة الأبرار عند سماع كلام الجبار المهيمن العزيز الغفار لما يفهمون منه من الوعد والوعيد والتخويف والتهديد تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)لما يرجون ويُؤمِّلون من رحمته ولطفه.. إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم كما قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا),وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)أي لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها بل مصغين إليها فاهمين بصيرين بمعانيها؛ فلهذا إنما يعملون بها ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة لغيرهم.. يلزمون الأدب عند سماعها كما كان الصحابة رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقشعر جلودهم ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله, لم يكونوا يتصارخُون ولا يتكلّفون ما ليس فيهم"[25], وقال القرطبي: "قوله تعالى (وجلت قلوبهم) أي خافت وحذرت مخالفته فوصفهم بالخوف والوجل عند ذكره، وذلك لقوة يقينهم ومراعاتهم لربهم وكأنهم بين يديه.. هذه حالة العارفين بالله الخائفين من سطوته وعقوبته.. حال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (و)حال أصحابه في المعرفة بالله تعالى والخوف منه والتعظيم لجلاله..؛ الفهم عن الله والبكاء خوفا من الله.. قال الله تعالى (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين).. فمن كان مستنا فليستن"[26].
تعبير القلوب التي في الصدور بيان تصويري
يجسد ملكة التفكر والتعقل عند الإنســـان:
الدماغ أو المخ هو في الحقيقة موضع الملكات المميزة للإنسان من قدرات فكرية وذهنية وقيم إنسانية وليس عضلة القلب, ولم يصرح الكتاب العزيز أن القلب هو محل العقل, وقد ذهب كثير من علماء الإسلام إلى أن ذكر القلب في القرآن الكريم من باب ضرب المثل بالعقل الذي تميز به الإنسان في المكانة لا بيانا لمكان العقل تعبيرا عن المعنوي بحسي للإيضاح بالتصوير, قال ابن عاشور: "أطلقت القلوب على.. العقل على وجه المجاز.. وإنما آلة العقل هي الدماغ"[27],وقال بمثل هذا التأويل الجمع الغفير, قال الأصفهاني: "قال بعض الحكماء حيثما ذكر الله تعالى القلب فإشارة إلى العقل"[28], وقال أيضاً: "الرأس أشرف الأعضاء الإنسانية.. و(العقل من الإنسان) بمنزلة القلب من البدن"[29], وقال ابن تيمية: "لفظ القلب قد يراد به المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن.. كما في الصحيحين عن النبي أن (في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد فإن فسدت فسد لها سائر الجسد), وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقا, فإن قلب الشيء باطنه كقلب الحنطة واللوزة والجوزة ونحو ذلك.. وعلى هذا فإذا أريد بالقلب هذا فالعقل متعلق بدماغه.. ولهذا قيل إن العقل في الدماغ كما يقوله كثير من الأطباء, ونقل ذلك عن

يتبــــــــــع

القلب الحزين 27-03-2008 03:36 PM

يتبـع موضوع ..... تركيب الجلد بينة علمية


الإمام أحمد"[30], وفي قوله تعالى (إِنّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىَ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ)؛قال ابن القيم: "لم يرد بالقلب هنا
مضغة اللحم المشتركة بين الحيوانات"[31], وفي قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)؛قال الرازي: "قال مجاهد المراد من القلب هاهنا العقل.. وجعل القلب كناية عن العقل جائز كما قال تعالى: (إِنّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىَ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ)أي لمن كان له عقل"[32],وقال أبو حامد الغزالي: ”وحيث ورد في القرآن والسنة لفظ القلب فالمراد به المعنى الذي يفقه من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء وقد يكنى عنه بالقلب الذي في الصدر“[33],وقال القنوجي: "القلب له معنيان أحدهما اللحم الصنوبري المودع في الجانب الأيسر من الصدور.., والحيوانات كلها متشاركة في هذا النوع من القلب.., وثانيهما لطيفة ربانية نورانية.. وهو المخاطب والمكلف وبه يثاب الإنسان ويعاقب"[34],وتتمايز أحوال الناس في الملكات الفكرية والعاطفية والأمور الاعتقادية بينما لا تتمايز القلوب العضوية مما يعني أنها تمثيل للعقول والأفكار وبيان أن فاقدي الإيمان موتى الفكر في قوله تعالى: "تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ" البقرة 118، والنظائر الحسية والمعنوية عديدة للتعبير عن الملكات المميزة للإنسان وهي ليست مقصورة على لفظ القلوب وحده حتى يظن أنها محل العقل, فقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الملكات أو بعضها بلفظ الافئدة وهي في اللغة قد تعني الأحشاء ومثلها الصدور والألباب والنهى, وكذلك الأحلام في قوله تعالى: "أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـَذَآ" الطور 32،والحجر في قوله تعالى: "هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لّذِى حِجْرٍ" الفجر 5،وفي قوله تعالى (إِنّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىَ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ق 37؛ يشرح عبد القاهر الجرجاني أن لفظ القلب تمثيل للعقل وليس اسما له فيقول: "جعل الذي لا يعي ولا يسمع ولا ينظر ولا يتفكر كأنه قد عُدِمَ القلب من حيث عدم الانتفاع به (أي مات).. كما جُعل الذي لا ينتفع ببصره وسمعه ولا يفكر فيما يؤديان إليه ولا يحصل من رؤية ما يرى وسماع ما يسمع على فائدة بمنزلة من لا سمع له ولا بصر, فأما تفسير من يفسره على أنه بمعنى من كان له عقل.. كأن القلب اسم للعقل.. فمحال باطل لأنه يؤدي إلى إبطال الغرض من الآية وإلى تحريف الكلام عن صورته وإزالة المعنى عن جهته, وذاك أن المراد به الحث على النظر والتقريع على تركه وذم من يخل به ويغفل عنه..، بأن يكون قد جعل من لا يفقه بقلبه ولا ينظر ولا يتفكر كأنه ليس بذي قلب, كما يجعله كأنه جماد وكأنه ميت لا يشعر ولا يحس.., وفسر العمى والصمم والموت في صفة من يوصف بالجهالة على مجرد الجهل, وأجرى جميع ذلك على الظاهر فاعرفه, ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسير بغير علم أن يتوهموا أبدًا في الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل أنها على ظواهرها فيفسدوا المعنى بذلك ويبطلوا الغرض ويمنعوا أنفسهم والسامع منهم العلم بموضع البلاغة"[35].
كتاب معجز جامع فريد زاخر ببينات التنزيل:
قال الطبري: "يقول تعالى ذكره (اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا)يعني به القرآن (مُتَشَابِهًا)..يشبه بعضه بعضا لا اختلاف فيه ولا تضادّ.. عن سعيد بن جُبَير.. قال: يشبه بعضه بعضا، ويصدّق بعضه بعضا، ويدلّ بعضه على بعض.. وقوله (مَثَانِيَ).. عن ابن عباس.. قال: كتاب الله مثاني ثنى فيه الأمر مرارا"[36], وقال ابن كثير: "قال الضحاك (مَثَانِيَ) ترديد القول ليفهموا عن ربهم عز وجل.., زاد الحسن: تكون السورة فيها آية وفي السورة الأخرى آية تشبهها.. وليس هذا من المتشابه المذكور في قوله: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)} ذاك معنى آخر"[37],وقال أبو السعود: (أَحْسَنَ الحديث)هو القرآنُ الكريمُ.. ومعنى كونِه مُتشابهاً تشابُه معانيهِ في الصِّحَّةِ والأحكامِ والابتناءِ على الحقِّ والصِّدقِ واستتباع منافعِ الخلقِ في المعادِ والمعاشِ وتناسب ألفاظِه في الفصاحةِ وتجاوبِ نظمِه في الإعجازِ, و(مَّثَانِيَ) .. قيل.. من التَّثنيةِ بمعنى التَّكريرِ والإعادةِ.. باعتبار تفاصيله"[38], وقال السعدي: "يخبر تعالى عن كتابه الذي نزله أنه (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ)على الإطلاق، فأحسن الحديث كلام اللّه وأحسن الكتب المنزلة من كلام اللّه (هو) هذا القرآن، وإذا كان هو الأحسن علم أن ألفاظه أفصح الألفاظ وأوضحها وأن معانيه أجل المعاني لأنه أحسن الحديث في لفظه ومعناه متشابها في الحسن والائتلاف وعدم الاختلاف بوجه من الوجوه حتى إنه كلما تدبره المتدبر وتفكر فيه المتفكر رأى من اتفاقه.. ما يبهر الناظرين ويجزم بأنه لا يصدر إلا من حكيم عليم"[39], وقال الثعالبي: "(متشابها) لا تَنَاقُضَ فيه.. بل يُشْبِهُ بَعْضُهُ بعضاً في رَصْفِ اللَّفْظِ ووَثَاقَةِ البراهينِ وشَرَفِ المعاني"[40],وقال الجاوي: "(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ)بحسب لفظه لفصاحته وجزالته وبحسب معناه لاشتماله على الغيوب الكثيرة في الماضي والمستقبل ولأن العلوم الموجودة فيه كثيرة جداً، (كِتَاباً مُّتَشَابِهاً)أي يشبه بعضه بعضاً كما قاله ابن عباس فإن كل ما فيه من الآيات يقوي بعضها بعضاً والمقصود منها بأسرها الدعوى إلى الدين وتقرير عظمة الله"[41], وقال الماوردي: "معناه يفسر بعضه بعضاً (كما) قاله ابن عباس"[42], وقال السمعاني: "أي يشبه بعضه بعضا في الصدق وصحة المعنى"[43],وقال البغوي: يشبه بعضه بعضًا في الحسن ويُصَدِّق بعضه بعضًا ليس فيه تناقض ولا اختلاف"[44], وقال الرازي: "الكاتب البليغ إذا كتب كتاباً طويلاً فإنه يكون بعض كلماته فصيحاً ويكون البعض غير فصيح والقرآن يخالف ذلك فإنه فصيح كامل الفصاحة بجميع أجزائه.. (و)كل ما فيه من الآيات والبينات فإنه يقوي بعضها بعضاً ويؤكد بعضها بعضاً.. (و)المقصود منها بأسرها الدعوة إلى الدين وتقرير عظمة الله.. فهذا هو المراد من كونه متشابهاً"[45],وقال ابن عاشور: "اقتضى قوله (تَقْشَعر منه جُلُودُ الذين يخشَونَ ربَّهُم)أن القرآن يشتمل على معان تقشعر منها الجلود وهي المعاني الموسومة بالجَزالة التي تثير في النفوس روعة وجلالة ورهبة تبعث على امتثال السامعين له وعملهم بما يتلقونه من قوارع القرآن وزواجره، وكنّي عن ذلك بحالةٍ تقارِنُ انفعال الخشية والرهبة في النفس لأن الإِنسان إذا ارتاع وخشي اقشعرّ جِلده من أثر الانفعال (والرهبة)، فمعنى (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ)تقشعر من سماعه وفهمه.. يقال اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضاً شديداً كالذي يحصل عند شدة برد الجسد ورعدته, (و)يقال اقشعر جلده إذا سمع أو رأى مَا يثير انزعاجه وروَّعَه، فاقشعرار الجلود كناية عن وجل القلوب الذي تلزمه قشعريرة في الجلد غالباً, وقد عدّ (القاضي) عياض في (الشفاء) من وجوه إعجاز القرآن: الروعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعه والهيبةَ التي تعتريهم عند تلاوته لعلوّ مرتبته على كل كلام من شأنه أن يهابه سامعه، قال تعالى: (لَوْ أَنزَلْنَا هَـَذَا الْقُرْآنَ عَلَىَ جَبَلٍ لّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ)الحشر 21"[46], وفي تفسير الميزان: "قوله تعالى: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني)..الحديث هو القول كما في قوله تعالى (فليأتوا بحديث مثله)وقوله (فبأي حديث بعده يؤمنون),فهو أحسن القول لاشتماله على محض الحق.., وقوله (كتابا متشابها) أي يشبه بعض أجزائه بعضا.. وقوله (مثاني).. بتبيين بعضها ببعض وتفسير بعضها لبعض من غير اختلاف فيها بحيث يدفع بعضه بعضا ويناقضه كما قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)"[47].
بينات الوحي تتألق اليوم بأنوار اليقين:
قبل اكتشاف المجهر في القرن السابع عشر لا يتوقع أن يصف مصدر بشري العضلات المجهرية في الجلد التي تجعله يقشعر من الخشية والوجل ثم يلين بعد تقبض, ولذا في كتاب في القرن السابع الميلادي تشابهت في الإحكام مبانيه وتأكدت بالتثنية معانيه لا تفسير سوى أنه كلام الله العليم وحده بكل حقائق التكوين عندما ينسب القشعريرة للجلد صريحا ويعلن عن لينه بعد تقبض من تقوى الله وخشيته وهيبته وإجلاله أمام روائع نظم كتابه ودلائل تنزيله, وليست الكشوف العلمية إذن سوى مدائح للإله تعلن عن حكمته تعالى في خلقه وبديع صنعه مؤيدةً نزول الكتاب العزيز بعلم الله شاهدةً له بالوحي ومؤكدةً رسالته, يقول العلي القدير: "قُلْ أَيّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيّ هَـَذَا الْقُرْآنُ لاُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَىَ قُل لاّ أَشْهَدُ قُلْ إِنّمَا هُوَ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ وَإِنّنِي بَرِيءٌ مّمّا تُشْرِكُونَ" الأنعام 19.
[1] تفسير التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور الشهير بالطاهر بن عاشور والمتوفى سنة 1393 هـ - ج9ص176.
[2] عمدة القاري ج18ص236.
[3] الأمثال في القرآن لابن القيم ج1ص26.
[4] زاد المسير لابن الجوزي ج3ص290.
[5] التسهيل لعلوم التنزيل للكلبى ج2ص54.
[6] الدر المنثور للسيوطي ج3ص610.
[7] تفسير البغوي ج2ص213.
[8] التفسير الكبير للفخر الرازي ج15ص45-48.
[9] تفسير أبي السعود ج3ص292.
[10] تفسير الطبري ج9ص120.
[11] في ظلال القرآن لسيد قطب المتوفى سنة 1386 هـ دار الشروق ج 3ص321.
[12] الإحساس بالألم - الدكتور سالم عبد الله المحمود وفضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني - من منشورات هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة.
[13] تفسير أبو السعود إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي المتوفى سنة 951 هـ - (ج 6 / ص 6).
[14] تفسير ابن عجيبة البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لأبي العباس أحمد بن عجيبة الحسني النطواني المتوفى سنة 1224 هـ تحقيق عمر أحمد الراوي دار الكتب العلمية 2002م - (ج 5 / ص 312).
[15] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لشهاب الدين محمود ابن عبدالله الحسيني الألوسي المتوفى سنة 1270 هـ - (ج 17 / ص 455).
[16] تفسير روح البيان لإسماعيل حقي البروسوي ابن الشيخ مصطفى الإستانبولي الآيدوسي الحنفي الجلوتي أبو الفداء المتوفى سنة 1137 هـ دار الفكر بيروت 1980م - (ج 12 / ص 267).
[17] تفسير مفاتيح الغيب لأبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين الرازي الملقب بفخر الدين الرازي المتوفى سنة 606 هـ - (ج 13 / ص 256).
[18] زاد المسير لأبي الفرج ابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ - (ج 5 / ص 262).
[19] المحرر الوجيز لابن عطية أبو محمد عبدالحق بن غالب بن عبدالرحمن ابن تمام بن عطية المحاربي المتوفى سنة 541 هـ - (ج 5 / ص 474).
[20] تفسير فتح القدير لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني المتوفى سنة 1250 هـ - (ج 6 / ص 280).
[21] تفسير القرطبي لأبي عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطبي المتوفى سنة 671 هـ - (ج 1 / ص 375).
[22] الدر المصون في علوم الكتاب المكنون لشهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي والمتوفى سنة 756 هـ - (ج 12 / ص 296).
[23] تفسير الثعالبي الجواهر الحسان في تفسير القرآن لأبي زيد عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي المتوفى سنة 876 هـ - (ج 3 / ص 323).
[24] تفسير الميزان للسيد محمد حسين الطباطبائي المتوفى سنة 1402 هـ - (ج 15 / ص 155).
[25] تفسير القرآن العظيم لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ دار طيبة الطبعة الثانية 1420هـ - 1999 م تحقيق
سامي بن محمد سلامة - (ج 7 / ص 93).
[26] تفسير القرطبي لأبي عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي القرطبي المتوفى سنة 671 هـ - (ج 12 / ص 59).
[27] تفسير التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور الشهير بالطاهر بن عاشور والمتوفى سنة 1393 هـ - ج17ص288.
[28] المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ج1ص276.
[29] المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ج1ص411.
[30] مجموع الفتاوى لابن تيمية ج9ص304.
[31] مفتاح دار السعادة ج1ص195.
[32] تفسير مفاتيح الغيب لأبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين الرازي الملقب بفخر الدين الرازي المتوفى سنة 606 هـ ج1ص503.
[33] الإحياء مع شرحه للزبيدي ج 8ص368.
[34] أبجد العلوم للقنوجي ج2ص377.
[35] دلائل الإعجاز للجرجاني ج1ص234.
[36] تفسير الطبري جامع البيان في تأويل القرآن لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي أبو جعفر الطبري المتوفى سنة 310 هـ تحقيق أحمد محمد شاكر مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1420 هـ - 2000 م - (ج 21 / ص 279).
[37] تفسير القرآن العظيم لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ دار طيبة للنشر والتوزيع الطبعة الثانية 1420هـ - 1999 م
تحقيق سامي بن محمد سلامة - (ج 7 / ص 93).
[38] تفسير أبو السعود إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي المتوفى سنة 951 هـ - (ج 6 / ص 6).
[39] تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر بن السعدي المتوفى سنة 1376 هـ تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق مؤسسة الرسالة 1420هـ -2000 م الطبعة الأولى - (ج 1 / ص 722).
[40] تفسير الثعالبي الجواهر الحسان في تفسير القرآن لأبي زيد عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي المتوفى سنة 876 هـ - (ج 3 / ص 323).
[41] مراح لبيد لكشف معنى قرآن مجيد أو التفسير المنير لمحمد بن عمر نووي الجاوي المتوفى سنة 1316 هـ دار إحياء الكتب العربية - (ج 4 / ص 314).
[42] تفسير الماوردي النكت والعيون لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري الشهير بالماوردي المتوفى سنة 450 هـ تحقيق السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم دار الكتب العلمية بيروت لبنان - (ج 4 / ص 12).
[43] تفسير السمعاني لأبي المظفر منصور بن محمد السمعاني المتوفى سنة 489 هـ - (ج 4 / ص 446).
[44] تفسير البغوي معالم التنزيل لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516 هـ دار طيبة للنشر والتوزيع 1417هـ - 1997م الطبعة الرابعة تحقيق محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش - (ج 7 / ص 115).
[45] تفسير مفاتيح الغيب لأبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين الرازي الملقب بفخر الدين الرازي المتوفى سنة 606 هـ - (ج 13 / ص 256).
[46] تفسير التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور الشهير بالطاهر بن عاشور والمتوفى سنة 1393 هـ - (ج 12 / ص 326).
[47] تفسير الميزان للسيد محمد حسين الطباطبائي المتوفى سنة 1402 هـ - (ج 15 / ص 155).

القلب الحزين 27-03-2008 03:38 PM

النمص بين الطب والشرع

خولة درويش
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)...( يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
أما بعد..
فإنه من المؤسف حقاً أن نجد أخوات لنا قد سرن في ركاب الغرب متشبهات بنسائهم في عاداتهم وتقاليدهم. ومن بين ذلك التقليد الذي فُتن به (النمص) أو (نتف الحواجب).
ومن خلال هذه الأسطر، سنجد حكم الشرع والطب من هذه الظاهرة التي وللأسف قام بها الكثير من أخواتنا هدانا الله وإياهم لكل ما يحبه ويرضاه.
النمص في اللغة:
قال ابن الأثير:
النمص: ترقيق الحواجب وتدقيقها طلباً لتحسينها . والنامصة: التي تصنع ذلك بالمرأة، والمتنمصة: التي تأمر من يفعل ذلك بها. والمنماص: المنقاش.
النمص من ناحية الشرع:
ورد تحريم النمص في الكتاب وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أولاً: الكتاب:
قوله تعالى: ( ولأمرنهم فليغيرن خلق الله).
قال ابن العربي في هذه الآية :
المسألة السادسة:
لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والواشرة والموتشرة والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله).
فالواشمة : التي تجرح البدن نقطاً أو خطوطاً فإذا جرى الدم حشته كحلاً، فيأتي خيلاناً وصوراً فيتزين به النساء للرجال، ورجال صقلية وإفريقية يفعلونه ليدل كل واحد منهم على رُجلته في حداثته.
والنامصة: هي ناتفة الشعر تتحسن به.. إلى أن قال: وهذا كله تبديل للخلقة وتغيير للهيئة وهو حرام. وبنحو هذا ، قال الحسن في الآية.
ثانياً: السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المتغيرات خلق الله).
قال ابن منظور في مادة ( لعن ):
واللعن: الإبعاد والطرد من الخير. وقيل : الطرد والإبعاد من الله.. وكل من لعنه الله فقد أبعده عن رحمته واستحق العذاب فصار هالكاً.
فتاوى عن حكم النمص لكبار العلماء المعاصرين
إنه من المناسب في هذا المقام أن نذكر حكم النمص، لكبار العلماء في هذا العصر:
* سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: ما حكم تخفيف الشعر الزائد من الحاجبين؟
الجواب: لا يجوز أخذ شعر الحاجبين ولا التخفيف منهما لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله النامصة والمتنمصة) وقد بين أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص. مجلة الدعوة، العدد 975
* سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين : ما حكم إزالة أو تقصير بعض الزوائد من الحاجبين؟
الجواب: إزالة الشعر من الحاجبين إن كان بالنتف فإنه هو النمص وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: النامصة والمتنمصة.. وهو من كبائر الذنوب ، وخص المرأة لأنها هي التي تفعله غالباً للتجمل ، وإلا فلو صنعه الرجال لكان ملعوناً كما تلعن المرأة والعياذ بالله وإن كان بغير نتف كالقص أو بالحلق فإن بعض أهل العلم يرون أنه
كالنتف لأنه تغيير لخلق الله ، فلا فرق بين أن يكون نتفاً أو يكون قصاً أو حلقاً وهذا أحوط بلا ريب ، فعلى المرء أن يتجنب ذلك سواء كان رجلاً أو امرأة.
* سئل فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين : ما حكم نتف الحواجب؟
الجواب: لا يجوز نتف شعر الحواجب ولا ترقيقه وذلك هو النمص، الذي نهى عنه. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النامصات والمتنمصات المغيرات لخلق الله.
* ويقول فضيلة الشيخ ناصر الدين الألباني في (آداب الزفاف) ما نصه :
ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن ، حتى تكون كالقوس أو الهلال. يفعلن ذلك تجملاً بزعمهن! وهذا مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعن فاعله بقوله صلى الله عليه وسلم : لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله.
قال محمود محمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري : المتنمصة والنامصة: التي تزيل شعر حاجبها بالمنقاش حتى ترققه وترفعه وتسويه.
النمص من ناحية الطب
اعلمي- يا أخيه- أن الله جلت قدرته لم يحرم شيئاً إلا لحكمة ومن حكم تحريم النمص: أن في ذلك ضرر على منطقة ما حول العين.
وهاكِ أقوال بعض أهل الطب في ذلك:
وصف أخصائيو عيون حالتين لالتهاب النسيج الخلوي حول العين بسبب نتف الحواجب.
1- امرأة عمرها اثنان وعشرون سنة، لديها احمرار وتورم. وذلك بعد يومين من نتف الحواجب!
2- امرأة كان لديها احمرار وألم حول حاجبها بعد يوم من نتف الحواجب وصبغها من قبل أخصائي تجميل.. وبعد أربعة أيام التهبت منطقة ما حول العين. وأدخلت المريضة المستشفى. وأعطيت المضادات الحيوية وريدياً ، ورغم هذا تشكلت فقاعات وقد خلفت الحالة بعد شفائها عيباً وتشوهاً شديداً بحجم 6سم.
ويقول الدكتور وهبة أحمد حسن(كلية الطب- جامعة الاسكندرية):
إن إزالة شهر الحاجب والوسائل المختلفة ثم استخدام أقلام الحواجب وغيرها من ماكياجات الجلد لها تأثيرها الضار ، فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة، مثل: الرصاص والزئبق. تذاب في مركبات دهنية مثل زيت الكاكاو.
وماذا بعد !!
إنها إشارات تحذير وصيحات نذير يطلقها الأطباء: أن أفيقي أيتها النامصة قبل فوات الأوان.. وصدق الله ..( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). فصلت، الآية: 53
ــــــــــــــــــــــ
المصدر :موقع صيد الفوائد

القلب الحزين 27-03-2008 03:39 PM

ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون


حوار مع علماء أبحاث إطالة الحياة
بقلم: د. حسنى حمدان
أستاذ الجيولوجيا المساعد-جامعة المنصورة
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
السيد جاي أولشانسكي S.H.Olshnskyالأستاذ في مدرسة الصحة العامة في جامعة الينوي بشيكاغو»
السيد كارنس أ. ب. (
Carnes, B.A
.) الباحث في المركز القومي لبحوث ومركز بحوث الشيخوخة التابع لجامعة شيكاغو.
السيد بتلر ر. ن. (
R.N.Butler) رئيس المركز الدولي لاطالة الحياة قرأتُ مقالتكم التي عنوانها "لو أن أجسام البشر صممت للبقاء" (If human were built to last
) التي نشرت في مجلة أمريكا للعلوم "العدوان 6/7 - 2000م" وقد لاحظت الآتي:
- أنكم تنظرون إلى
الإنسان على أنه ليس من خلق الله ولكنه تصميم للتطور حيث يبدو في قولكم: "ربما كنا سنبدو مختلفين كثيرا "من الداخل والخارج" لو أن التطور صمم الجسم البشري كي يحقق الاداء السلس. ليس فقط في مرحلة الشباب وانما لمدة قرن أو أكثر".
والعجيب أنكم تصرون على اعتبار الإنسان نتيجة التطور المزعوم. علماً بأن يوم الأربعاء 11 أغسطس عام 1999م يعد يوما حاسماً في تاريخ التعليم في بلدكم. حيث أسقط التربويون نظرية "التطور" (
Evolution). عندما صوت ستة من أعضاء ادارة التعليم بولاية كانساس (Kansas
) لصالح قرار جريء يقضي باسقاط نظرية "التطور" المتعلقة بأصل الانسان. وتبعهم في ذلك ادارات التعليم في ولايات تينيس. ولويزيانا وجورجيا. وواشنطن.
ثانيا: عجبت من فكر علماء مثلكم يخلعون على أفكار فاسدة صفة القانون المدعو بقانون الاصطفاء الطبيعي. علماً بأن هذه الأفكار قد ماتت بالسكتة القلبية غير مأسوف عليها. وقد بدأ ذلك واضحاً من قولكم: "من وجهة نظر المفهوم التطوري فان أجسامنا تحتوي على عيوب. لأن قانون الانتقاء الاصطفاء الطبيعي - وهو القوة التي تصوغ سماتنا المحددة وراثيا - لا يستهدف الكمال أو الحياة الأبدية المليئة بالصحة.
ثالثا: ازددت عجباً من قولكم أن أجسامنا تحتوي علي عيوب. فدهشت كيف وأنتم درستم في كليات الطب تشريح الإنسان.
ولابد أنكم تعلمون أن الجسد البشري. يتميز بأعلى نمط تشريحي بين المخلوقات جميعاً. وليست خريطة الجينوم عنكم ببعيدة. حيث أثبت علماؤكم أن نواة.. الخلية الجسدية تحتوي علي 100 ألف مورث تنتظم الصبغيات. وأريد أن تسمعوا قول الله تبارك وتعالى في القرآن المجيد:
"يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك. في أي صورة ما شاء ركبك" "الانفطار: 6: 8"
"
O man! what has Reduced thee from thy Lord most beneficent?- * Him who created thee, fashioned thee in due proportion, and gave thee ajust biash". (sura LXXXII, Infitar, or the cleaving Asunder).
وتسمعوا أيضا إلي قوله تعالي:
"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" "التين: 4".
"
We haveinnead created man in the best of moulds" (Sura XCV, Tin or the Fig).
للأسف نظرتم إلي عوامل الهدم في جسد الإنسان. فحسبتموه عيوبا. مع أن أقرانكم من جلدتكم حصلوا هذا العام مشاركة عل
ى
جائزة نوبل.
عن أبحاثهم عن "الموت الخلوي المبرمج".
رابعا: عجيب أن ترجعوا الخاصية التي نتمتع بها نحن البشر دون سوانا من مخلوقات الله إلى تطور في جسم ما ادعوتموه أسلافا لكم من ذوات الأربع متمشين مع فكر تطوري زائف لاقيمة له في ميزان العلم.
خامسا: خلصتم إلي أن الشيخوخة ليست أمراً غير طبيعي. نعم إنها أمر طبيعي» فنفي النفي إثبات. واضفتم أن الشيخوخة أمر يمكن تجنبه. وهذا ما لا
نوافقكم عليه. فحتى
ولو طال عمر الإنسان فلسوف تأتي عليه سمات الشيخوخة. ولتسمعوا قول الحق الذي سيتردد إلي آخر الزمان علي الأرض إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها:
"الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة. ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير" "الروم: 54".
"
It is Alah Who createdyou in a state of (helpless) weakness, then gave (you) strength after weatness* Then, after strength, gave (you) weakness and a hary head: He creates as HEwills, and it is He who has all knowledge and power) (Sura XXX, Rum or the RomanEmpire).
واتساقا مع الحضارة المادية التي بعدت عن الله والتي يود أهلها أن يعمروا ألف سنة. وجدتكم تدخلون علي الجسد البشري تعديلات. لعله يهرب من الهرم. فأدخلتم الجسد إلي ورشة النجارة والسباكة. لتعيدوا تشبيك أسلاك العينين. وتكبروا من حجم الأذنين. وتجعلوا الرقبة أكثر انحناء. والجزع منحنياً إلي الأمام. والأطراف قصيرة. والركبة قادرة علي الانحناء للخلف. وتزيدوا الوسائد حول المفصل. وتجعلوا العظام أكثر سماكة. وفي العين بدلتم. واستدعيتم السباك ليجعل الحالب خارج البروستاتة.
ونسيتم. أم تناسيتم رغبة في الخلود. الجينوم. شفرة الحياة التي توجد في نواة الخلية المسيطرة علي جميع ما أردتم تغييره.
ان الحسنة الوحيدة التي ذكرتموها هي قولكم أيها العلماء الثلاثة: "ويمكن باختصار القول انه حتى لو توصلنا بطريقة سحرية إلى تعرف نموذج الحياة المثالية وطبقناه. فاننا سنظل نعاني البكي بمرور الزمن. والآن ادعوكم لسماع صوت الحق حيث يقول الله في كتابه العزيز
"ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون" "يس: 68".
السؤال
الأجل محتوم. ولا يتأخر الأجل إذا جاء ولا يتقدم.
اذكر آيتين من القرآن الكريم تشيران إلى ذلك الأجل من سورتي المؤمنون والأعراف.
والإجابة:
1- المؤمنون: 43
"ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون".
2- الأعراف: 34
"ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون.."


القلب الحزين 27-03-2008 03:40 PM

عيناك ...وغض البصر





بقلمد.محمد السقا عيد
ماجستير وأخصائى جراحة العيون
عضو الجمعية الرمدية المصرية

يقول تعالى في كتابه الكريم: [ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن] (النور 30-31).
ويقول الله تعالى في كتابه العزيز(ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين )(البلد).
العين هي الدرة الثمينة التي لا تقدر بثمن، وقد سماها الله تعالى الحبيبة والكريمة، كما جاء في حديث رواه البخاري والترمذي وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل قال: إذا أخذت كريمتي عبدي ـ وفي رواية حبيبتي عبدي ـ فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة".
وخلق العين من أعظم أسرار قدرة الخالق عز وجل، فهي برغم صغرها بالنسبة إلى كل المخلوقات من حولها، فإنها تتسع لرؤية كل هذا الكون الضخم بما فيه من سماوات وأراضين وبحار وكل المخلوقات.
وحاسة البصر تأتي في المرتبة الثانية من الأهمية بعد السمع، فيقول تعالى: [ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا] (الإنسان 2)
والبصر مرآة الجسم، وآلة التمييز، وهو النافذة التي يطل منها على العالم الخارجي، ويكشف بها عن أسرار الأشكال والأحجام والألوان، وهو وسيلة الإنسان للإبصار والتفكر في خلق السماوات والأرض والكائنات بشكل عام [ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة،إن الله على كل شئ قدير] ( العنكبوت 20)
ولأن العين كما قلنا أغلى ما يمتلكه الإنسان، فإنه من الواجب عليه أن يعتني بها ويصونها ويدرأ بها عن أي سوء قد يصيبها.
ومن أهم الأمور التي تحفظ للعين صحتها وقوتها هو عدم استخدامها في معصية الله وهي النعمة التي أنعم علينا بها سبحانه وتعالى، كإرهاقها بالنظر والتحديق إلى البرامج والأفلام المثيرة في جهاز "التلفاز"، والله تعالى يقول في كتابه الكريم:
[ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ] (الإسراء 36) فلا يجب على المسلم أن يصرف حواسه ويستهلكها فيما لا يرضي الله وفيما لا يفيد، فالتحديق بالبصر فيما يجلب الفتنة والشهوة للنفس الإنسانية شيء يتنافى تماما مع الفطرة السليمة التي فطرنا الله عليها.
وقد روى الطبراني والحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه".


http://www.55a.net/firas/ar_photo/6/..._human_eye.jpg
العين من أعظم نعم الله على الإنسان فيجب علينا أن نستعملها بما يرضي الله تعالى


غض البصر وأثره على صحة الإنسان
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو:هل في غض البصر عن المحرمات أثر على صحة الإنسان ؟؟؟ قد ثبت علميا بالأبحاث والدراسات الطبية أن تكرار النظر بشهوة إلى الجنس الآخر وما يصاحبه من تولد رغبات جامحة لإشباع الغرائز المكبوتة، كل ذلك يفضي بالشخص إلى مشاكل عديدة قد تصل إلى إصابة جهازه التناسلي بأمراض وخيمة مثل احتقان البروستاتا، أو الضعف الجنسي وأحيانا العقم الكلي .
كما أثبتت بعض الدراسات الاجتماعية في المجتمعات الغربية أن عدم غض البصر يورث الاكتئاب والأمراض النفسية، وأن التفسخ الأخلاقي والتحلل الجنسي في تلك المجتمعات إنما هي بعض من نتائج عدم وجود دستور ديني أو قيود أدبية أخلاقية ينظم عمل هذه الحاسة النبيلة ويرشد استخدامها في الحياة بما يتوافق مع صحة الإنسان البدنية والنفسية.
فحاسة النظر أقوى الحواس على الإطلاق من ناحية الاستجابة للإثارة الجنسية، ومعنى أن يستخدمها الإنسان بلا وعي ولا نظام في النظر على كل مثير للشهوة فإن هذا يعني ببساطة أن صاحبها يبددها دون أن يدري، ويتبعها في هذا تبديد توازنه النفسي وبلا طائل يجنيه سوى توهم المتعة بما يرى.
وخير علاج لمرض النظر الشهواني إلى الجنس الآخر هو تذكر الله في كل وقت، وتذكير النفس دائما أنه سبحانه وتعالى يرانا ولا نراه، فأين لنا بمكان يمكن أن نعصيه فيه دون أن يرانا ؟؟؟ أين هو هذا المكان ؟!! ولنتذكر فضل الله وثوابه على من يغض البصر خشية له سبحانه واتباعا لأوامره.فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والطبراني: " ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة ثم يغض بصره إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها في قلبه ".
يقول (س . أ) من إحدى المدن الساحلية: " كانت متعتي الوحيدة أيام شبابي في أوقات فراغي وفي الإجازات الصيفية الخروج إلى الطرقات وإلى شاطئ البحر مع بعض أصدقائي والنظر إلى وجوه الجميلات من الفتيات والنساء المتبرجات، فكنت أشعر بمتعة كبيرة في بادئ الأمر، ثم ومع مرور الوقت تحولت هذه الهواية لدي إلى ما يشبه الإدمان حتى أني تأخرت كثيرا في الدراسة، وكانت صور النساء اللاتي تقع عليهن عيناي تنطبع في ذاكرتي ولا تفارقها في نومي واستيقاظي
وأحلامي، وبدأت أحيا في عالم عجيب من اختلاط الواقع بالحلم".
"وفي الجامعة فشلت في إقامة علاقة زمالة واحدة مع أية فتاة كباقي أقراني، وازدادت حالتي النفسية سوءا وبدأت أتردد على الأطباء النفسيين وأعالج بالمهدئات حتى نصحني أحدهم بأن أتزوج بأي شكل"
"وفعلا تزوجت وظن الجميع بي كما ظننت بنفسي أنى سأنتهي تماما من متاعبي، وأفرغ رغباتي المكبوتة بشكل فطري طبيعي، ولكن هيهات، فقد فوجئت ببرود رهيب لدرجة لم أتخيلها أبدا. واسودت الدنيا في عيني وكنت أبكي كالأطفال في كل ليلة "
"مع مرور الأيام عاد الهدوء إلى نفسي مع الانتظام في قراءة القرآن والصلاة، وكان يوم قرأت في سورة النور [ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ] يوما عظيما في حياتي، فقد أيقنت تماما أن هذا الكتاب لا يمكن أن يضعه إلا خالق هذا الكون، لقد أحببت الله كثيرا منذ ذلك اليوم، وازددت حبا لكتابه الكريم، ذلك الكتاب الذي تلمس حروفه وكلماته كل حنايا النفس البشرية فتوجهها إلى النور والطهر والاستقامة، وعدت مع طاعتي لله إلى حالتي الطبيعية.
المرجع:
كتاب موسوعة العلاج بالعبادات والأعشاب- بقلم مجموعة من أهل التخصص
مصدر الصور موقع الموسوعة الحرة

القلب الحزين 27-03-2008 03:43 PM

خلق الإنسان من تراب


قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (الروم:20) .
قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (الفرقان:54) .
ففي الآية الأولى إشارة على خلق الإنسان من تراب وفي الثانية من الماء، ثم في آية ثالثة : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) المؤمنون :12 وما الطين سوى مزيج من التراب والماء .و هكذا ففي الآيات السابقة إشارة إلى أن أصل الإنسان ومعدنه الأساسي هو من طينة هذه الأرض ومن معدنها، وبشكل أدق : خلاصةٌ من هذه الأرض ( سلالة من طين ) .. فماذا يقول لنا المخبر عن ذلك ؟
http://55a.net/firas/photo/78951131.jpg
صورة لجنين في رحم أمه فسبحان الله الخالق المصور
يقول التحليل المخبري :
إنه لو أرجعنا الإنسان إلى عناصره الأولية، لوجدناه أشبه بمنجم صغير، يشترك في تركيبه حوالي ( 21) عصراً، تتوزع بشكل رئيسي على :
1ـ أكسجين (O) ـ هيدروجين ( H) على شكل ماء بنسبة 65% ـ 70% من وزن الجسم
2 ـ كربون (C)، وهيدروجين ( H) وأكسجين (O) وتشكل أساس المركبات العضوية من سكريات ودسم ،و بروتينات وفيتامينات، وهرمونات أو خمائر .
3 ـ مواد جافة يمكن تقسيمها إلى:
آ ـ ست مواد هي : الكلور ( CL)، الكبريت (S)، الفسفور (P)، والمنغزيوم (MG) والبوتاسيوم (K)، والصوديوم (Na)، وهي تشكل 60 ـ 80 % من المواد الجافة .
ب . ست مواد بنسبة أقل هي : الحديد (Fe)، والنحاس (Cu) واليود (I) والمنغنزيوم (MN) والكوبالت ( Co)، والتوتياء ( Zn) والمولبيديوم (Mo ) .
جـ ـ ستة عناصر بشكل زهيد هي : الفلور ( F)، والألمنيوم (AL)، والبور (B)، والسيلينيوم ( Se)، الكادميوم ( Cd) والكروم ( Cr) .
أولاً: تتركب أساساً من الماء ،و بنسبة عالية، حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يستمر حياً أكثر من أربعة أيام بدون ماء، رغم ما يمتلكه من إمكانيات التأقلم مع الجفاف ،و ينطبق ذلك على جميع الكائنات الحية فتبارك الله إذ يقول (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الأنبياء:30)
ثانياً : كل هذه العناصر موجودة في تراب الأرض، ولا يشترط أن تكون كل مكونات التراب داخلة في تركيب جسم الإنسان، فهناك أكثر من مئة عنصر في الأرض بينما لم يكتشف سوى (22) عنصراً في تركيب جسم الإنسان، وقد أشار لذلك القرآن حيث قال : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (المؤمنون:12) وفي ذلك إعجاز علمي بليغ .
المرجع :مع الطب في القرآن الكريم تأليف الدكتور عبد الحميد دياب الدكتور أحمد قرقوز مؤسسة علوم القرآن

القلب الحزين 27-03-2008 03:47 PM

نشأة الذرية معجزة علمية





د. محمد دودح - الباحث العلمي بالهيئـة
العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
رابطة العالم الإسلامي – مكة المكرمــة
العرض الموجز
في قوله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾ الطارق 5-10؛ الماء الدافق تعبير وصفي للمني لأنه سائل تركيبه يماثل قطيرات الماء إلا أنه حي تتدفق تكويناته وتتحرك بنشاط ويصدق عليها الوصف بصيغة اسم الفاعل (دافق) لدلالته على الحركة الذاتية, وجميع الأوصاف عدا وصف الماء بالدافق تتعلق بالإنسان لأن بدء خلقه هو محور الحديث والموضوع الرئيس وهو المستدل به علىإمكان الإرجاع حياً, وضمير (له) في قوله تعالى ﴿فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾ لا يستقيم عوده إلى الماء وإنما إلى الإنسان, وضمير (رجعه) في قوله تعالى﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌالأظهر عوده إلى الإنسان والإرجاع هو إعادة الخلق للحساب بقرينة وقت الإرجاع ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ, ولا توجد ضرورة لتشتيت مرجع الضمائر في ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾ و﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ﴾ و(رجعه) في ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌو﴿فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾ ولذا الأولى عود ضمير (يخرج) في ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِإلى الإنسان كذلك مثلها, خاصة أن المني لا يخرج بذاته كذلك وإنما من الخصية, والوصف بالإخراج آية مستقلة كبيان متصل بأصل الحديث عن الإنسان, وبيان القدرة المبدعة وسبق التقدير وإمكان الإعادة أظهر في إخراج الذرية من ظهور الأسلاف, والتلازم قائم بين (إخراج) الإنسان للدنيا وليداً و(إرجاعه) حياً بينما لا تلازم بين (إخراج) المني و(إرجاع) الإنسان, وخروج ذرية الإنسان من الظهر مُبَيَّنفي قوله:﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ﴾ الأعراف 172,, وقوله: ﴿أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَلابِكُمْ﴾ النساء 23, ولم يرد في القرآن فعل (الإخراج) متعلقا بالمني بينما ورد كثيرا متعلقا بالإنسان لبيان خروجه للدنيا وليداً وخروجه حياً للحساب, وللوجدان أن يقشعر من تلك الدقة المتناهية التي ميزت بين موضع تكون أعضاء إنتاج الذرية في الظهر وموضع خروجها على طريقهجرتها!.

http://www.55a.net/firas/ar_photo/root/h1.jpg.jpg.jpg
قطاع عرضي يبين نشأة الغدة التناسلية في المنطقة الظهرية للجنين (الأسبوع 56) وهجرة أصولها الخلوية بين بدايات العمود الفقري والضلوع قبل انفصالها وتميزها.


والحقيقة العلمية هي أن الأصول الخلوية للخصية في الذكر أو المبيض في الأنثى تجتمع في ظهر الأبوين خلال نشأتهما الجنينية ثمتخرج من الظهر من منطقة بين بدايات العمود الفقري وبدايات الضلوع ليهاجر المبيض إلى الحوض بجانب الرحم وتهاجر الخصية إلى كيس الصفن حيث الحرارة أقل وإلا فشلت في إنتاج الحيوانات المنوية وتصبح معرضة للتحول إلى ورم سرطاني إذا لم تُكمل رحلتها, والتعبير ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ يفي بوصف تاريخ نشأة الذرية ويستوعب كافة الأحداث الدالة على سبق التقدير والاقتدار والإتقان والإحكام في الخلق منذ تكوين البدايات في الأصلاب وهجرتها خلف أحشاء البطن ابتداءً من المنطقة بين الصلب والترائب إلى المستقر, وحتى يولد الأبوان ويبلغان ويتزاوجان وتخلق الذرية مما يماثل نطفة ماء في التركيب عديمة البشرية من المني لكنها حية تتدفق ذاتياً لتندمج مع نطفة نظير فتتكون النطفة الأمشاج من الجنسين, ويستمر فعل الإخراجساري المفعول ليحكي قصة جيل آخر لجنين يتخلق ليخرج للدنيا وليداً وينمو فيغفل عن قدرة مبدعه, وكل هذا الإتقان المتجدد في الخلق ليشمل تاريخ كل إنسان قد عبر عنه العليم الحكيم بلفظة واحدة تستوعب دلالاتها كل الأحداث: ﴿يَخْرُجُ﴾, فأي اقتدار وتمكن في الخلق والتعبير!, ومعكلتلك المشاهد المتجددة والتقديرات المبدعة والقدرة المفزعة هل يرد مجرد هاجس على الخاطر: أنبعثُ حقاً ونُحَاسَب!.
وهكذا يتصل العرض وينقلك في ومضة من مشاهد بدايات مقدرة تسبق وجود الإنسان إلى حيث يقف عاجزا معرَُى السريرة ليواجه مصيره وحده بلا أعوان فيتجلى بتلك النقلة الكبيرة الفارق في أحواله, وسرعة النقلة تؤكد التقدير وسبق التهيئة وتجلي قدرة الله تعالى وحكيم تدبيره مؤيدةً ]إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ[,قال الكلبي: "الضمير في إنه لله تعالى وفي رجعه للإنسان",وقال المراغي: ]فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ [أي فلينظر بعقله وليتدبر في مبدأ خلقه ليتضح له قدرة واهبه وأنه.. على إعادته أقدر.. ]خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ[.. حقائق علمية تأخر العلم بها والكشف عن معرفتها وإثباتها ثلاثة عشر قرنا, بيان هذا أن صلب الإنسان هو عموده الفقري (سلسلة ظهره) وترائبه هي عظام صدره.. وإذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشأ خصية الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب.. فكل من الخصية والمبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلى ويقع بين الصلب والترائب أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريبا ومقابل أسفل الضلوع.. فإذا كانت الخصية والمبيض في نشأتهما وفي إمدادهما بالدم الشرياني وفي ضبط شئونهما بالأعصاب قد اعتمدتا في ذلك كله على مكان في الجسم يقع بين الصلب والترائب فقد استبان صدق ما نطق به القرآن الكريم وجاء به رب العالمين ولم يكشفه العلم إلا حديثا بعد ثلاثة عشر قرنا من نزول ذلك الكتاب, هذا وكل من الخصية والمبيض بعد كمال نموه يأخذ في الهبوط إلى مكانه المعروف فتهبط الخصية حتى تأخذ مكانها في الصفن ويهبط المبيض حتى يأخذ مكانه في الحوض بجوار بوق الرحم, وقد يحدث في بعض الأحيان ألا تتم عملية الهبوط هذه فتقف الخصية في طريقها ولا تنزل إلى الصفن فتحتاج إلى عملية جراحية.. وإذا هدي الفكر إلى كل هذا في مبدأ خلق الإنسان سهل أن نصدق بما جاء به الشرع وهوالبعثفي اليوم الآخر.. ]إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ [أي إن الذي قدر على خلق الإنسان ابتداء.. قـادر أن يرده حيا بعد أن يموت".
واقتدار الخالق شاخص في كل العرض بينما يتملى الخيال مشاهد أعرضت عن الإنسان فعبرت عنه بالغائب في ومضات تُعَرِّيه من الخيلاء وتفاجئه بأصله ومصيره طاويةً حياته ومماته وكأنه لم يكن, في مقابل مشهد استكباره في تبجحصارخ يعلنه الاحتجاج المستهل بحرف (الفاء) ليفصح بأصل دلالته على التعقيب عن محذوف يكشف ما يجول في طوية نفسه: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُمِمّ خُلِقَ﴾, كأنه صيحة مدوية مؤنبة تقول: ألم تحدثك نفسك؟, وليس للإنسان في تلك المحاكمة إلا حضورا باهتا داخل قفص الاتهام في زاوية من المخيلة بينما تشخص عياناً أدلة التجريم؛ وكأنه تعالى يقول: ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىَ﴾ القيامة 40, وهذا المشهد الأصغر لتعري السرائر مثال لمشهد يوم عظيم ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾, فتأمل الاتساق في عرض المشاهد, تصوير عجيب يكشف ما قبل فتح الستار وحتى بعد ضمه تبقى في الخاطر شتى صور العقاب وتأز في المسامع نيران تتشوق لمن يشك لحظة في قدرة الخالق سبحانه!, أسلوب مذهل جامعفريدلا يبلغه اليوم أي كتاب ينسب للوحي؛ قد بلغ الذروة في التصوير وثراء المعني مع الغاية في إيجاز اللفظ, وأماالتفاصيل العلمية التي يستحيل أن يدركها بشر زمن التنزيل فهي بعض دلائل النبوة الخاتمة التي تسطع اليوم أمام النابهين.

العرض التفصيلي

في مشاهدٍ بلغت أسمى درجات الإحكام في البيان يكشف القرآن جملةً من أسرار نشأة الإنسان, ويأخذه في رحلةٍ طويلةٍ تتعدد فيها مشاهدُ ماضيهِ لتبلغ به نشأة أجيال تسبقه يتنقل مُقَدَّرًاً في عالمٍ لا تدركه عين سموه "عالم الذر", وقبل أن يصبح إنساناً ذي فكرٍ لم يوظفه لمعرفة خالقه بل طغى غافلاً عن قدرة الله على البعث والحساب كان كائناً أشبه ما يكون بقطيرة ماء؛ نطفه لا ترىإلا أنها حية تسعى دافقة تتحرك ذاتيا بتوجيه وتجسد مقدار النقلة الهائلة!, وفي تحدٍّ صارخ قبل أن ينشأ علم الأجنة بقرون ويتحقق البشر بيقين يجاهر القرآن ويكشف العلم بمنشأ أعضاء إنتاج الذرية مع نشأة أعضاء البدن قبل أن تتحول عن موضعها وتستقر, يقول العلي القدير: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَالسّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾ الطارق 5-10, نقلات ضخمة في تاريخ نشأة الإنسان حيرت أعلام المفسرين للقرآن الكريمفتألقوا في بيان المغزى وقبل أن تكشف العلوم التجريبية الكيفيات برعوا في تصورها حتى كادوا يصيبوا بضربات المعاول عين النبع, فلما أضاءت الكشوف الساحة تآزرت المعاول وفاض النهر, والمعلوم أن المني يُقذف مدفوقاً في دفعات, لكن السر المبهر بوصفه فاعلاً يوافق تدافع الحوينات المنوية تحت المجهر مفطورةً على التسابق, وأما موضع خروج أعضاء إنتاج الذرية من بين الصلب والترائب لتنفصل وتتميز فقد أيده بيان نشأتها في الظهر أو منشأ العمود الفقري, يقول تعالى: ﴿وَحَلَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَلابِكُمْ﴾ النساء 23, وفي بيان فطرية الإيمان وأصل نشأة الإنسان يقول تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ﴾ الأعراف 172, وذلك هو ما يقرره اليوم علم الأجنة من أن أعضاء إنتاج الذرية تجتمع أصولها بالفعل في الظهر ثم تخرج وتنفصل وتتميز بين أصول العمود الفقري والضلوع بجوار الكلية, وفي البالغ تظل الأوعية الدموية واللمفاوية والأعصاب ممتدة إلى منطقة الكلية حيث تنشأ الخصية أو المبيض, والسؤال أمام كل تقدير: لأي غرض؟ العالمون يجيبون: الرحم فيالحوض ولا تنتج الخصية إلا في كيس الصفن حيث الحرارة أقل, ولك أن تدهش؛ من أدراهما؛ أهي حنكة الثوب المحبوك بمهارة أم الحائك!, ومع كل تلك المشاهد المتجددة والتقديرات المبدعة والقدرة المفزعة هل يرد مجرد هاجس على الخاطر: أنبعثُ حقاًونُحَاسَب!

http://www.55a.net/firas/ar_photo/root/h2.jpg
تقع بداية الغدة التناسلية مع الكلية في الجنسين


بين بدايات العمود الفقري والضلوع في الجنين



الجوانب العلمية
(1) نبذة تاريخية:
عاش أرسطو Aristotleمعلم الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد (384-322 ق.م.), وقد اكتسب شهرة واسعة نتيجة لتأملاته في كثير من الظواهر الطبيعية قبل اكتشاف المجهر في القرن السابع عشر, وله مساهمات تجريبية في وصف تطور جنين الدجاجة وغيرها بالعين المجردة حتى أن البعض يعتبره واضع الأساس لعلم الأجنة, ومع ذلك فقد جاءت الثورة العلمية الحديثة ابتداء من القرن السابع عشر بمكتشفات نقضت معتقداته, مثل اعتقاده بتخلق الجنين من دم الحيض Menstrual Blood بالاتحاد مع المني, وليس هو أول من وصف تطور جنين الدجاجة من الإغريق فقد سبقه أبو قراط Hippocratesبحوالي قرن عدا كثير من اجتهاداته في الطب حتى أن من يهمل من الغربيين مساهمات الشعوب ويقصر تاريخ العلوم على الإغريق يعتبره أبو الطب, وربما كان جالن Galenالذي عاش بعد أرسطو بقرنينأكثر منه دقة في كثير من أوصاف أجنة الحيوان بالعين المجردة, وفي العصور الوسطى قبل النهضة عاشت أوروبا في كساد علمي لم يتجاوز كثيرا ترديد أفكار القدامى, ولذا يتعجب البروفيسور كيث مور Keith Moore (رئيس قسم التشريح وعلم الأجنة بجامعة تورنتو في كندا) في كتابه "تخلق الجنين البشري"TheDeveloping Human من وفرة وتآزر الحقائق العلمية المتعلقة بخلق الجنين في القرآن, فيقول: "لم تُضف في العصور الوسطى معلومات ذات قيمة في مجال تخلق الجنين, ومع ذلك قد سجل القرآن في القرن السابع وهو الكتاب المقدس عند المسلمين أن الجنين البشري يتخلق من أخلاط تركيبية من الذكر والأنثى, مع بيان تخلق الجنين في أطوار ابتداءً مما يماثل في التركيب قطيرة أو نطفة تنغرس وتنمو في الرحم كالبذرة.. ومع وصف الجنين في أول مرحلة بما يماثل العلقة Leechالتي تعيش على مص دماء الغير ثم مما يماثل كتلة ممضوغة بما فيها من علامات أسنان وانبعاجات وهو ما يتفق تماما مع تطور الأعضاء في تلك المرحلة بالفعل, وإذا أردت مزيدا من الأوصاف العلمية في القرآن في مجال علم الأجنة فإني أحيلك إلى كتابي طبعة 1986.., مع العلم أن أول من درس جنين الدجاجة باستخدام عدسة بسيطة هو هارفي Harveyعام 1651, ودرس كذلك جنين الأيل Deerولصعوبة معاينة المراحل الأولى للحمل استنتج أن الأجنة ليست إلا إفرازات رحمية, وفي عام 1672 اكتشف جراف Graafحويصلات في المبايض ما زالت تسمى باسمه Graafian Folliclesوعاين حجيرات في أرحام الأرانب الحوامل تماثلها فاستنتج أن الأجنة إفرازات من المبايض, ولم تكن تلك التكوينات الدقيقة سوى تجاويف في كتل الخلايا الجنينية الأولية Blastocysts, وفي عام 1675 عاين مالبيجي Malpighiأجنة في بيض دجاج ظنه غير محتاج لعناصر تخصيب من الذكر واعتقد أنه يحتوى على كائن مصغر ينمو ولا يتخلق في أطوار, وباستخدام مجهر أكثر تطوراً عاين هام Hammوليفنهوك Leeuwenhoekالحوين المنوي للإنسان للمرة الأولي في التاريخ عام 1677, ولكنهما لم يدركا دوره الحقيقي في الإنجاب وظنا أيضاً أنه يحتوي على الإنسان مصغراً لينمو في الرحم بلا أطوار تخليق, وفي عام 1759 افترض وولف Wolffتطور الجنين من كتل أولية التكوين ليس لها هيئة الكائن المكتمل, وحوالي العام 1775 انتهى الجدل حول فرضية الخلق المكتمل ابتداءً واستقرت نهائيا حقيقة التخليق في أطوار وأكدت تجارب إسبالانزاني Spallanzaniعلى الكلاب على أهمية الحوينات المنوية في عملية التخليق.. وقبله سادت الفكرة بأن الحوينات المنوية كائنات غريبة متطفلة ولذا سميت بحيوانات المني Semen Animals, وفي عام 1827 بعد حوالي 150 سنة من اكتشاف الحوين المنوي عاين فون بير von Baerالبويضة في حويصلة مبيض إحدى الكلاب, وفي عام 1839 تحقق شليدن Schleidenوشوان Schwannمن تكون الجسم البشري من وحدات بنائية أساسية حية ونواتجها وسميت تلك الوحدات بالخلايا Cellsوأصبح من اليسير لاحقا تفهم حقيقة التخلق في أطوار من خلية مخصبة ناتجة عن الإتحاد بين الحوين المنوي والبويضة.. وفي عام 1878 اكتشف فليمنج Flemmingالفتائل الوراثية داخل الخلايا البدنية, وفي عام 1883 اكتشف بينيدن Benedenاختزال عددها في الخلايا التناسلية, وفي القرن العشرين تمالتحقق نهائيا من احتواء الخلية البشرية الأولى Zygotعلى العدد الكامل من تلك الأخلاط الوراثية من الذكر ومن الأنثى"(1).
(2) أطوار تخليق الجنين Embryo Developmental Periods:
يحدث الإخصاب قرب الطرف الخارجي لقناة الرحم ثم تبدأ البويضة الملقحة في الانقسام لتتحول إلى ما يشبه التوتةMorula, ويظهر بداخلها تجويف ليقسم الخلايا إلى طبقة خارجية وكتلة خلوية داخلية Inner Cell Massينشأ منها الجنين, فتتحول التوتةإلى كيس الأرومة Blastocystالذي ينغرس في جدار الرحم في نهاية الأسبوع الأول, وينتهيالإنغراس بنهاية الأسبوع الثاني وخلاله تتحول الكتلة الداخلية إلى هيئة قرص ثنائي الطبقات, وفي الأسبوع الثالث تكون بهيئة قرص ثلاثي الطبقاتTrilaminar Embryonic Disc, ومع بداية الرابع تتضح الكتل الظهرية Somitesالتي تنشا منها فقرات الظهر ويبدأ القلب في ضخ الدم ويستمر تكوين كل الأعضاء الأولية للجسم لتكتمل مع نهاية الأسبوع الثامن ولذا تسمى بالفترة الجنينية Embryonic Period, ويبدأ التكامل وتعديل الهيئة من بداية التاسع إلى الولادة بعد تسعة أشهر (266 يوماً) وتسمى بالفترة الحملية Fetal Period.
(3) تقدير جنس الجنين Embryo *** Determination:
يبدأ تاريخ الإنسان بالإخصاب Fertilizationباتحاد البويضة Ovumالتي تحتوي على 22 فتيلة وراثية Chromosomeبدنية تحمل المعلومات التوجيهية اللازمة لتنفيذ مشروع الجنين المقبل بالإضافة إلى فتيل وراثي جنسي يحمل شارة الأنوثة بهيئة (X)مع حوين منويSperm يحتوي على 22 فتيلة بدنية بالإضافة إلى فتيلة جنسية تحمل إما شارة الذكورة بهيئة (Y)أو شارة الأنوثة بهيئة (X)كالبويضة, وليس للبويضة أعضاء حركة بينما يحتوي المني المتدفق عند القذفEjaculation على ملايين الحوينات النشطة الحركة لينتخب أحدها ويتحد بالبويضة فتتكون أول خلية بشرية Zygotويكتمل عدد الفتائل الوراثية بهيئة أزواج متماثلة Matched pairsخلائط من الأبوين, وتتسابق الحوينات وتعلو في المجارى التناسلية للأنثى, فإذا سبق الحوين الذي يحتوي على نصف الفتائل البدنية بالإضافة إلى الفتيلة الجنسية ذات شارة الذكورة بهيئة (Y)واتحد مع البويضة ذات النصف المكمل من الفتائل البدنية بالإضافة إلى فتيلة جنسية تحمل شارة الأنوثة (X)كان الجنين ذكراً تحتوي خلاياه على فتيلتين وراثيتين بهيئة (XY)بالإضافة إلى 22 زوجا بدنيا متماثلا, وإذا سبق الحوين ذو الشارة (X) مثل البويضة كان الجنين وراثياً أنثى فتائله الجنسية بهيئة (XX).
وبتكون البرنامج الوراثي تتحدد جميع الصفات البدنية ويتحدد جنس الجنين, وبعدئذ يبدأ انقسام الخلية الأولى ويبدأ التزايد في عدد الخلايا وكتلة الجنين ويبدأ التمايز وفق المشروع الخلقي المسجل بهيئة ترتيبات جزيئية محددة الخطوات, وقبل ذلك خلالمرحلة غور السائل المنوي في المجارى التناسلية للأنثى والانقباضات الرحمية التي تسحبه نحو البويضة لا يمكن التنبؤ بشيء.
(4) تميز جنس الجنين Embryo *** Differentiation:
يتقرر جنس أجنة الثدييات عموماً عند الإخصاب بتوريث فتيلة وراثية من الذكر إما بهيئة (Y)فينتج ذكراً أو بهيئة (X)فتنتج أنثى, ولكن لا تتميز الأعضاء الجنسية الداخلية إلا في الأسبوع السابع ولا تتميز الأعضاء الجنسية الخارجية إلا في الثامن, وفي البداية تتماثل أجنة الجنسين وتوجد أعضاء أولية لتكوين أيٍّ من الأعضاءالجنسيةالداخلية للنوعين بهيئة قناتين في كل جانب من تجويف البطن في مقدمة كتلة الظهر؛ قناة وولف Wolffian ductتتكون منها الأعضاء الجنسية الداخلية في الذكور وتشمل الحويصلات المنوية Seminal Vesiclesوالبربخ Epididymisوالوعاء الناقل Vas Deference, وقناة مولر Mullerian Ductتتكون منها الأعضاء الجنسية الداخلية في الإناث وتشمل الرحم وقناتيه وعنقه والمنطقة أعلى المهبل, ويكون الجنين واحد الهيئة في الجنسين كحالة تشمل كل نفس, ولذا تسمى فترة النفس الواحدة تلك من حياة الجنين بمرحلة عدم التمايز Indifferent stage .

http://www.55a.net/firas/ar_photo/root/h3.jpg.jpg
تميز الغدة التناسلية إلى خصية في الذكر ومبيض في الأنثى


مع نشأة الأعضاء التناسلية الداخلية من قناتي وولف ومولر.



وتحتوي كل فتيلة وراثية على عدد هائل من الوحدات الوراثية تسمى جينات Genes, ويحتوي كل منها على توجيهات وراثية نحو صفات محددة كلون الشعر أو طول الجسم, والجين المسئول عن تحديد الذكورة سائد Dominantويقبع على طرف الذراع القصير للفتيلة الجنسية المميزة للذكر (Y),وتسمى بمنطقة تحديد الجنس (SRY)Sex Determining Region of Y Chromosome , ومهمته تحويل الغدة التناسلية في كل جانب إلى خصية تنتج هورمون الذكورة Testosteroneوهورمون مثبط لقناة مولر Anti-Mullerian Hormone (AMH),ويُعتقد حاليا بوجود جينات مساندة في الإنسان على نفس ذراع الفتيلة الجنسية (Y),ومهمة هورمون الذكورة تشكيل الأعضاء التناسلية الذكرية الداخلية, بالإضافة إلى منع تطور الأثداء فتبقى ضامرة في الذكور كشاهد على مرحلة النفس الواحدة, ونتيجة لنشاط إنزيم خاص ينشأ هورمون أكثر فعالية اسمه داي هيدرو تستوستيرون Dihydrotestosterone (DHT)من هورمون الذكورة مهمته تشكيل الأعضاء التناسلية الخارجية في الذكور, وفي الثدييات إذا لم تنشأ الخصية يحدث العكس وتتكون الأعضاء التناسلية الأنثوية تلقائيا Default Pathwayوتضمر قناة وولف, وينتج المبيض هورمون الأنوثة Estrogenومهمته تكميل تطور قناة مولر والخصائص الأنثوية الثانوية كنضوج الثدي عند البلوغ.

http://www.55a.net/firas/ar_photo/root/h4.jpg.jpg
مراحل تكون الغدد التناسلية وتميزها



(5) تكون الغدد التناسلية Gonadogenesis:
الخصية Testisهي عضو إنتاج الذرية في الذكر وفي الأنثى المبيض Ovary, ومهمتهما هي إنتاج الهورمونات الجنسية وخلايا الإنجاب Gametesالتي يختزل في كل منها عدد الفتائل الوراثية خلال الانقسام الاختزالي Meiosisإلىالنصف,وينشآن مع الكلية والغدة الجار-كلوية خلال الحياة الجنينية في فترة تكون الأعضاء مما يسمى الحدبة البولية-التناسلية Uro-genital Ridgeوهي بروز في تجويف البطن يمتد من الظهرويتكون من ثلاثة مناطق؛ في الأمامية تنشأ الغدة الجار-كلوية, وفي الخلفية تنشأ الكلية, وفي الوسطى تنشأ الغدة التناسلية Gonadولذا تسمى الحدبة التناسلية Genital Ridge, ويبدأ ظهور الغدة التناسلية في الأسبوع الخامس من عمر الجنين ويبدأ تمايزها إلى خصية أو مبيض وتفرز الهورمونات الجنسية في الأسبوع السابع, وتستمد الأصول الخلوية للغدة التناسلية في كل جانب من مصدريين أساسيين: (أولاً) الخلايا التناسلية الأولية Primordial Germ Cellsوتنشأ في جدار كيس المح Yolk Sacقرب الطرف الخلفي للجنين ثم تهاجر خلال المنطقة الظهرية نحو الحدبة التناسلية وهيالتي تتطور لاحقا إلى خلايا منتجة لخلايا الإنجاب, (ثانياً) بقية العناصر وتستمد من الطبقة الجنينية الوسطى Mesoderm, وتجتمعالأصول الخلوية في الظهر في الحدبة التناسلية لتخرج وتنفصل في كل جانب مع الغدة التناسلية بين موضع بداية تكون العمودالفقري وبداية تكون الضلوع ثم يتميز الجنس وتهاجر الخصية نحو كيس الصفن Scrotumوالمبيض نحو بوق قناة الرحم Fallopian Tube, ولذا تظل الأوعية الدموية واللمفاوية والأعصاب سواء للخصية أو المبيض في الشخص البالغ مرتبطة بالمنشأ في منطقة الكلية.

http://www.55a.net/firas/ar_photo/root/h5.jpg.jpg.jpg
قطاع عرضي يبين نشأة الغدة التناسلية في المنطقة الظهرية للجنين البشري وهجرة أصولها الخلوية بين العمود الفقري والضلوع قبل انفصالها وتميزها.


ويبدأ هبوط الخصية Testicular Descent في الأسبوع الثاني عشر من الحمل لتبلغ القناة الإربية Inguinal Canalفي منتصف الحمل وفي آخر شهرين تبلغ الخصية كيس الصفن, والعوامل الدافعة لتلك الهجرة المبرمجة Programmed Migrationلم تتضح كاملاً بعد, وتجري حاليا محاولات لتحديد الجينات الموجهة لسير الهجرة في مسار سابق التقديرPredestinated pathway, وأي تعطل لآليات تلك الخطة المدبرة الخطوات لهجرة الخلايا وتكاثرها قد يؤدي إلى العقم, وإذا تعطلت الخصية عن بلوغ كيس الصفنحيث الحرارة أقل لن تستطيع إنتاج خلايا تناسلية ويمكن أن تتحول إلى خلايا سرطانية وينبغي إزالتها جراحيا(2),(3)،(4)

http://www.55a.net/firas/ar_photo/root/h6.jpg.jpg
مقارنة تشريحية بين الحـالة الطبيعية والمرضية


حين تفشل الخصية في الوصول إلى كيس الصفن



الدراسة الدلالية
أمام عجيبة بيانية بهرت الأساطين بسمو أغراضها وصدق دلالتها وفصاحة تركيبها وإحكام نظمها وحسن إيقاعها لا يملك من يعاين مشاهدها سوى العجب, وبديهي أن يَحار الفطاحل في دلالاتها العلمية حتى يُعاينوا كيفياتها, ومع ذلك فصَّل القرآن ما أجمل فيَسَّر إدراكها, تأمل قول العلي القدير: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَالسّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾ الطارق 5-10, تركيب عجيب فريد كأنه "سمط اللآليء"؛ مشرق مثل حبات عقد الجواهر النفيس, دعنا إذاً نتأمله عن قرب مستأنسين بجهود أجيال مختلفي المشارب, ونعمل بالقواعد مع الحقائق في تمييز المختلط وتحرير الدلالة, والقاعدة لتحقيق الغاية في الفهم يوجزها لك فقهاء البيان العالمون بأساليب القرآن وتميز تركيبه بكلمة واحدة هي: السياق, فينبغي الانتباه لأن الصورة ليست كظاهر اللفظ, والألفاظ كالأمثال مستمدة من بيئة التنزيل لكنها مميزة الدلالة تخصصها قرائن السياق, وكل التركيب بمفرداته وأساليبه وإيقاعه متآزر متساوق متناسق الوجهة بلا اختلاف؛ في سياق موحد الاتجاه لا يناقض الحقائق, والحقيقة العلمية إذا استوثقت أنها كذلك وبلغت اليقين فهي شهادة الواقع ومفتاح الحل أو الترجيح لأن كلام الخالق لا يعارض فعله.



يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع

القلب الحزين 27-03-2008 03:53 PM

يتبع موضوع ..... نشأة الذرية معجزة علمية

(أولاً) لماذا خرج القرآن عن المعهود ووصف المني بالماء الدافق بدلا عن المدفوق؟:
وصفَ القرآن الماء المعبر عن المني بالدافق مما يعني أنه حي التكوين فاعل تتسابق مكوناته في نشاط, وجرده من صفة البشرية بجعله مادة أولية يتخلق منها الإنسان, وهذا ما يطابق الحقيقة العلمية لأن الخلية البشرية الأولى التي تحتوي على العدد الكامل من الفتائل الوراثية المستمدة من الأبوين هي "البويضة الملقحة" في المصطلح الطبي الحديث أو "النطفة الأمشاج" في مصطلح القرآن, ولكن تلك الحقيقة العلمية كانت خفية طيلة قرون عديدة بعد نزول القرآن مما جعل المفسرين في حيرة أمام وصف المني ذاته بالفاعل, قال ابن تيمية: "لفظ الماء عند الإطلاق لا يتناول المني وإن كان يسمى ماء مع التقييد كقوله تعالى ﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ﴾"(5), وقال ابن كثير: (خلق من ماء دافق) يعني المني(6), وقال النيسابوري: "يحتمل أن يقال: أريد به ماء الرجل فقط؛ إما بناء على حكم التغليب وإما بناء على مذهب من لا يرى للمرأة ماء (أصلا) ولا سيما دافقا(7), وقال الثعالبي: و﴿دَافِقٍ﴾ قال كثير من المفسرين هو بمعنى مدفوق(8), وقال النسفي: "والدفق صب فيه دفع والدفق في الحقيقة لصاحبه والإسناد إلى الماء مجاز"(9), وقال ابن القيم: "أخبر سبحانه أنه خلقه من ماء دافق, والدفق صب الماء يقال دفقت الماء فهو مدفوق ودافق.. فالمدفوق الذي وقع عليه فعلك.. والدافق قيل إنه فاعل بمعنى مفعول.., وقيل.. أي ذي دفق.., وقيل وهو الصواب انه اسم فاعل"(10), وقال أيضاً: "الدافق على بابه ليس فاعلا بمعنى مفعول كما يظنه بعضهم"(11), وقال الشوكاني: "﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ﴾.. الماء هو المنى, والدفق الصب يقال دفقت الماء أي صببته, يقال ماء دافق أي مدفوق مثل عيشة راضية أي مرضية, قال الفراء والأخفش ماء دافق أي مصبوب في الرحم, قال الفراء وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم, كقولهم سر كاتم أي مكتوم وهم ناصب أي منصوب وليل نائم ونحو ذلك, وقال الزجاج من ماء ذي اندفاق(12),وقال القرطبي: ﴿مِن مّآءٍ دَافِقٍ﴾ أي من المني, والدفق صب الماء, دفقت الماء أدفقه دفقا صببته فهو ماء دافق.. ﴿قال﴾ الزجاج من ماء ذي إندفاق.. وهذا مذهب سيبويه فالدافق هو المندفق بشدة قوته(13), وقوله تعالى ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ﴾ القيامة 37؛ أي من قطرة ماء تمنى في الرحم أي تراق فيه ولذلك سميت مِنَى (مبيت الحجيج بمكة) لإراقة الدماء.., والنطفة الماء القليل يقال نطف الماء إذا قطر(14), وقال أبو السعود: "وقوله تعالى ﴿مّآءٍ دَافِقٍ﴾.. ذي دفق وهو صَبٌ فيه دفع وسيلان بسرعة.. (و) قالوا أن النطفة.. مقرها عروق ملتف بعضها بالبعض عند البيضتين"(15), وقال ابن الجوزي: "قال الزجاج ومذهب سيبويه وأصحابه أن معناه النسب إلى الإندفاق, أي صفة تكوينه الإندفاق, والمعنى من ماء ذي اندفاق"(16), وفي تفسير الجلالين: "ذي اندفاق"(17), وقال الألوسي: "الدفق صب فيه دفع وسيلان بسرعة وأريد بالماء الدافق المني, ودافق قيل بمعنى مدفوق على تأويل اسم الفاعل بالمفعول.. وقال الخليل وسيبويه هو على النسب.. أي ذي دفق, وهو صادق على الفاعل والمفعول, وقيل هو اسم فاعل وإسناده إلى الماء مجاز, وأسند إليه ما لصاحبه مبالغة, أو هو استعارة.. كما ذهب إليه السكاكي.. بجعله دافقا لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق أي يدفع بعضه بعضا, وقد فسر ابن عطية الدفق بالدفع فقال الدفق دفع الماء بعضه ببعض يقال تدفق الوادي والسيل إذا جاء يركب بعضه بعضا, ويصح أن يكون الماء دافقا لأن بعضه يدفع بعضاً, فمنه دافق ومنه مدفوق"(18), وقال ابن عاشور: "معنى (دافق) خارج بقوة وسرعة والأشهر أنه يقال على نطف الرجل, وصيغة دافق اسم فاعل.. وهو قول فريق من اللغويين, وقال الجمهور.. دافقا بمعنى اسم المفعول.. وسيبويه جعله من صيغ النسب.. ففسر دافق بذي دفق, والأحسن أن يكون اسم فاعل.., وأطنب العجاج في وصف هذا الماء الدافق لإدماج التعليم والعبرة بدقائق التكوين ليستيقظ الجاهل الكافر ويزداد المؤمن علما ويقينا"(19), ها أنت ترى كم كانت حيرة المفسرين أمام هذا السر الدفين وهو الحركة الذاتية لعناصر حية في المني ومع ذلك بلغوه بترك تعبير القرآن (ماء دافق) على ظاهره حتى كشفت الأيام تأويله.
(ثانياً) ما هو الصلب وما هي الترائب؟:
لفظ ﴿التّرَآئِبِ﴾ اسم صفة لا اسم ذات يدل بأصل اشتقاقه على التماثل والتناظر فيصدق على الأضلاعالتي تكون عظام الصدر, وقد يصرفه السياق إلى بعض هذا الإطلاق كما نقلت معاجم اللغة, والدلالات المعجمية مقيدة بقرائن السياق التي تحددها وتتخير منها الأنسبhttp://www.55a.net/firas/ar_photo/root/h7.jpg.jpg للمقام, ومن اشتقاق اللفظ (أتراب) أي لِدَّات يعني متماثلات, وقد يجعل السياق التماثل في الحسن والجمال والبهاء وفيض الأنوثة ونضارة الشباب كما في تصوير حال زوجات الجنة في قوله تعالى: ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ أَتْرَابٌ﴾ ص 52, وقوله تعالى:﴿إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَآءً. فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً. عُرُباً أَتْرَاباً﴾ الواقعة 35-37, وقوله تعالى: ﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً﴾ النبأ 33, قال الجوهري: "والتَرِب بالكسر اللدَّة وجمعه أتراب, والتريبة واحدة الترائب وهي عظام الصدر"(20), ولفظ ﴿الصّلْبِ﴾ بالمثل اسم صفة لا اسم ذات يدل بأصل اشتقاقه على قائم أمتن كتلةً وأمكن يُصلب عليه الشيء ويُشد محمولاً عليه فيصدق على العمود الفقري الذي يحمل بدن الإنسان وعلى المنطقة الظهرية حيث ينشأ, وفي قوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾؛ يتعلق السياق ببداية انفصال وتميز عضو إنتاج الذرية وتكونه خلال فترة تكون بقية أعضاء الجسم, والمقابلة بين لفظي (الصلب والترائب) تميز دلالة كل منهما لتتعين منطقة تقع بين موضعي نشأة العمود الفقري والأضلاع حيث تتميز الغدة التناسلية بالفعل وتمتد في الجهة الظهرية بجوار الكلية في كل جانب, وكأن القرآن يصف قطاع عرضي تحت المجهر تتميز فيه مناطق الأعضاء الثلاث بوضوح, ولفظي ﴿الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ تعبيرانوصفيان والتعريف فيهما يبين أن مسمى كل منهما عضو بدني مألوف أحدهما مفرد والآخر جمع, وفعل (الخروج) الذي يدال على موضع الانفصال على طريق الهجرة في غاية الدقة حيث لا يدل بالضرورة على موضع النشأة لأن الغدة التناسلية تنشأفي الكتلة الظهرية أو الصلب قبل أن تنفصل وتتمايز مع تمايز بقية أعضاء الجسم, والعجيب أن القرآن ينسب بداية تكوين الذرية إلىالظهر أو الصلب بالفعل حيث تجتمع الأصول الخلوية لتكون الغدة التناسلية قبل انفصالها وتمايزها, وذلك عند بيان فطرية الإيمان في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِنظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْوَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ﴾ الأعراف 172؛ وهذا التصوير يبين تحقق الإيمان لو استخدم الإنسان أدوات العلم والفكر التي تميز بها عن الحيوان, وعند بيان محرمات الزواج مع التمييز بين الأبناء حقيقةً والأبناء بالتبني في قوله تعالى: ﴿وَحَلَلائِلُ أَبْنَائِكُمُالَّذِينَ مِنْأَصْلَلابِكُمْ﴾ النساء23, وللوجدان أن يقشعر من تلك الدقة المتناهية التي ميزت بين موضع تكون أعضاء إنتاج الذرية في الظهور وموضع خروجها على طريق هجرتها!.
(ثالثاً) هل الوصف بالإخراج والإرجاع يخص الإنسان أم الماء؟:
يتعلق السياق بالإنسان ذكوراً وإناثاً, وإليه يُوَجَّه الحديث بدلالة الاستهلال: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُمِمّ خُلِقَ﴾, وفيه استدلال بالأصل علي غفلة الناكر للبعث, وذلك لمجيء التعبير بالغيبة إعراضاً مما يفيد أن المراد من جنس الإنسان من كَذَّب حديث القرآن وأنكر قدرة الخالق وتشكك في البعث خاصة؛ بدلالة التذييل ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ والظرف الذي يتم فيه إرجاع الإنسان حياً ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ وهو يوم الحساب, ودل فعل (الخلق) على ضرورة وجود الخالق, واستشهاداً بالنقلة الواسعة على الاقتدار قدمت البينة بالإنسان الشاخص متكامل البناء, وأفادت (مِن) في (مِمَّ) الابتداء وأفادت (ما) إبهام ما عادت إليه بياناً لضآلة الأصل إلى حد الخفاء, والاستدلال بقوله ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ يتوغل أكثر نحو ماضي الإنسان ويدل على مرحلة أسبق ذات ابتداء أدق ولهانفس مزية النقلة الهائلة, وفعل (الإخراج) يفيد الانتقال ويجعل (من) لابتداء انفصال وتميز عضو الإنجاب على طريق الهجرة, ويتعلق السياق إذاً بوصف مرحلة تتكون فيها أعضاء تماثل الصلب والترائب وتختص بالإنجاب وليس مجرد بيان لمصدر الماء, إنها ولا شك بداية أبعد في تاريخ الإنسان تماثل في البعد النقلة الكبيرة من قطرة من سائل كالماء لا بشرية فيه إلى إنسان مفكر, وتلمس في كلام الأعلام – رحمهم الله – أن النقلة الأبعد منذ الابتداء الأول بلوغاً إلى الإنسان لا إلى الماء فحسب أعظم في الاستدلال على البعث لذا قصروا نسبة الابتداء على الإنسان, وتعبير القرطبي: "أول أمره وسنته الأولى"(21), وتعبير ابن الجوزي: "أول حاله"(22), وفي قوله تعالى: ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾؛ الضمير في ﴿إِنّهُ﴾ يعود على فاعل غيرمذكور إعلاماً بأن فعله المتجسد في ذلك الإنسان الشاخص يغني عن الدلالة عليه باسمه أو صفته, تقديره (الله الخالق القادر) بدلالة اسم الفاعل الدال على لزوم الصفة ﴿لَقَادِرٌ﴾ والمؤكد للشاك بأداتين (اللام) و(إن), بالإضافة إلى الفعل المبني للمجهول﴿خُلِقَ﴾ العائد قطعاً إلى ﴿الإِنسَانُ﴾, والمعنى يتعلق إذاً بالخالق والمخلوق أما الماء فمرحلة عابرة, ولذا يقصر السياق عود الضمائر إلى جنس الإنسان في التعابير ﴿مِمّ خُلِقَ﴾ و﴿خُلِقَ﴾ و﴿رَجْعِهِ﴾ و﴿فَمَا لَه﴾ والفعل ﴿يَخْرُجُ﴾ وبذلك يتسع الوصف للذكر والأنثى, وفي كليهما تنشأ بالفعل أعضاء إنتاج الذرية مع الكليتين من بين أصول العمود الفقري والضلوع في الجهتين.
قال ابن عاشور: ضمير ﴿إِنّهُ﴾ عائد إلى الله تعالى وإن لم يسبق ذكر مُعاد ولكن بناء الفعل للمجهول في قوله ﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍيؤذن بأن الخالق معروف لا يحتاج إلى ذكر اسمه وأسند الرجع إلى ضميره.. لأن المقام مقام إيضاح وتصريح بأن الله هو فاعل ذلك, وضمير ﴿رَجْعِهِ﴾ عائد إلى ﴿الإِنسَانُ﴾.. و﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ متعلق برجعه أي يرجعه يوم القيامة, والسرائر جمع سريرة وهي ما يسره الإنسان ويخفيه من نواياه وعقائده.. ولما كان بلو السرائر مؤذنا بأن الله عليم بما يستره الناس من الجرائم وكان قوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ مشعرا بالمؤاخذة.. فرَّع عليه قوله ﴿فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾, فالضمير عائد على الإنسان والمقصود المشركون من الناس لأنهم المسوق لأجلهم هذا التهديد, أي فما للإنسان المشرك من قوة يدفع بها عن نفسه وما له من ناصر يدافع عنه(23).
ودفعاً لتوهم الخروج من صلب الرجل وترائب المرأة في قوله تعالى ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ كما أدى إليه اجتهاد البعضباعتبار نشأة الجنين من نطفة أمشاج خلائط من الجنسين؛ قال الألوسي: "وظاهر الآية أن أحد طرفين البينية (التوسط) الصلب والآخر الترائب.., فكان الصلب والترائب لشخص واحد فلا تغفل.., قال الحسن وروي عن قتادة أيضا أن المعنى يخرج من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائب كل منهما.., (و) الترائب.. الأشهر أنها عظام الصدر.. (و) المني.. مستقره عروق يلتف بعضها بالبعض عند البيضتين وتسمى أوعية المني.., وقوله سبحانه ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ عبارة مختصرة جامعة.. وقيل ابتداء الخروج منه كما أن انتهاءه بالأحليل.., وزعم بعضهم جواز كون الصلب والترائب للرجل أي يخرج من بين صلب كل رجل وترائبه"(24), ومعنى البينية بين شيئين التوسط, قال الأصفهاني: "(بين) ظرف لا يضاف إلا إلى متعدد لفظاً أو معنىً وهو يفيد الخلالة والتوسط"(25), ودفعاً لتوهم الخروج من الصلب والترائب لا من منطقة بينهما وتوهم عدم اختصاص الماء الدافق بالذكر ؛ قال ابن القيم: "سبحانه قال ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ ولم يقل يخرج من الصلب والترائب, فلا بد أن يكون ماء الرجل خارجا من بين هذين المختلفين, كما قال في اللبن ﴿نّسْقِيكُمْ مّمّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ﴾ النحل 66, وأيضا فإنه سبحانه أخبر أنه خلقه من نطفةفي غير موضع, والنطفة هي ماء الرجل كذلك.., قال الجوهري والنطفة الماء الصافي قل أو كثر والنطفة ماء الرجل والجمع نطف, وأيضا فإن الذي يوصف بالدفق والنضح إنما هو ماء الرجل, ولا يقال نضحت المرأة الماء ولا دفقته, والذي أوجب لأصحاب القولالآخر ذلك أنهم رأوا أهل اللغة قالوا الترائب موضع القلادة من الصدر, قال الزجاج أهل اللغة مجمعون على ذلك وأنشدوا لامرىءالقيس (مهفهفة بيضاء غير مفاضة ترائبها مصقولة كالسجنجل), وهذا لا يدل على اختصاص الترائب بالمرأة بل يطلق على الرجل والمرأة"(26), وإذا شملهما الإخراج فلا بد من عودة ضمير ﴿يَخْرُجُعلى الإنسان لا على الماء الدافق المقصور على الرجل وحده.
وقد شغل موضوع عود الضمائر المحققين فحرروه استناداً للسياق بجعلها عائدة إلى المذكور الأبعد ﴿الإِنسَانُ﴾ لامتناع عودها على الأقرب وهو الماء, ومن شواهد عود الضمير إلى المذكور الأبعد في القرآن قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةًأَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا﴾ الجمعة 11, أي إلى التجارة, وقوله تعالى: ﴿آمِنُواْ بِاللّهِوَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمّا جَعَلَكُممّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ الحديد 7, أي جعلكم الله مستخلفين, قال ابن تيمية: "عود الضمير إلى الأقرب أولى إلا إذا كان هناك دليل يقتضي (عوده إلى)البعيد"(27), وقال الزركشي: "وإن كانت القاعدة عود الضمير إلى الأقرب ولكن قد يعود إلى.. غير الأقرب"(28), وقال السيوطي: " الضمير قد يدل عليه السياق فيضمر ثقةً بفهم السامع نحو ﴿كل من عليها فان﴾ الرحمن 26, (و) ﴿ما ترك على ظهرها من دابة﴾ فاطر 45 أي الأرض أو الدنيا,.. وقد يعود على بعض ما تقدم"(29), وفي قوله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾؛ يتعلق الحديث ببيان الاقتدار على بعث الإنسان الفرد استدلالا بنشأته, فالحديث إذاً كما ترى يتعلق بالإنسان بداية ومصيراً والماء مرحلة عارضة في ثنايا قصة ممتدة الأحداث عبر أجيال, ولذا الأولوية أن تعود إلى الإنسان كل الضمائر بلا تشتيت باعتباره محور الحديث والمذكور الرئيس, قال القرطبي: "قوله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾ أي ابن آدم.. توصية للإنسان بالنظر في أول أمره وسنته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الإعادة والجزاء"(30).
وفي قوله تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾؛ قال الطبري: "يقول تعالى ذكره فلينظر الإنسان المكذب بالبعث بعد الممات المنكر قدرة الله على إحيائه بعد مماته, ﴿مِمّ خُلِقَ﴾ يقول من أي شيء خلقه ربه"(31), وقال البغوي: أي فليتفكر من أي شيء خلقه ربه أي فلينظر نظر المتفكر"(32), وقال ابن القيم: "لقد دعا سبحانه الإنسان إلى النظر في مبدأ خلقه.. فقال تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾, وقال ﴿يَأَيّهَا النّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْنَاكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمّ مِن مّضْغَةٍ مّخَلّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلّقَةٍ لّنُبَيّنَ لَكُمْ وَنُقِرّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ثُمّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمّ لِتَبْلُغُوَاْ أَشُدّكُمْ وَمِنكُمْ مّن يُتَوَفّىَ وَمِنكُمْ مّن يُرَدّ إِلَىَ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾ الحج 5, وقال ﴿وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ. وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ الذاريات 20و21, وهذا في القرآن كثير لمن تدبره وعقله وهو شاهد منك عليك فمن أين للطبيعة.. هذا الخلق والإتقان والإبداع"(33), وقال أيضاً: "نبه سبحانه الإنسان على دليل المعاد بما يشاهده من حال مبدئه على طريقة القرآن في الاستدلال على المعاد بالمبدأ فقال ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾, أي فلينظر نظر الفكر والاستدلال ليعلم أن الذي ابتدأ أول خلقه.. قادر على إعادته"(34).
وقال ابن كثير: "قوله تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾ تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خلق منه وإرشاد له إلى الاعتراف بالمعاد لأن من قدر على البداءة فهو قادر على الإعادة بطريق الأولى كما قال تعالى ﴿وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ الروم 27(35), وقال أيضاً: "قال تعالى مقررا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذين أنكروا كونه واستبعدوا وجوده مستدلا عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها وهم معترفون بها فقال تعالى ﴿إِنّا خَلَقْنَاهُم مّمّا يَعْلَمُونَ﴾ المعارج 39, أي من المني الضعيف كما قال تعالى ﴿أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ مّهِينٍ﴾ المرسلات 20, وقال ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾.. وتقدير الكلام ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب ولا بعث ولا نشور بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة.., ولهذا قال تعالى ﴿لَخَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلَـَكِنّ أَكْـثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ غافر 57, وقال تعالى ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنّ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِـيَ الْمَوْتَىَ﴾ الأحقاف 33, وقال تعالى.. ﴿أَوَلَـيْسَ الَذِي خَلَقَ السّمَاواتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىَ وَهُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ. إِنّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ يس 81و82, وقال.. ﴿فَلاَأُقْسِمُ بِرَبّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنّا لَقَادِرُونَ. عَلَىَ أَن نّبَدّلَ خَيْراً مّنْهُمْ﴾ المعارج 40و41, أي يوم القيامة نعيدهم"(36).

يتبـــــــــــــــع

القلب الحزين 27-03-2008 03:55 PM

يتبع موضوع .....نشأة الذرية معجزة علمية

وقال الشوكاني: "قوله ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾.. يوجب على الإنسان أن يتفكر في مبتدأ خلقه ليعلم قدره الله على ما هو دون ذلك من البعث, قال مقاتل يعني المكذب بالبعث, ﴿مِمّ خُلِقَ﴾ من أي شيء خلقه الله, والمعنى فلينظر نظر التفكر والاستدلال حتى يعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته"(37), وقال الثعالبي: "قوله تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾ توقيف لمنكري البعث على أصل الخلقة الدال على أن البعث جائز ممكن ثم بادر اللفظ إلى الجواب اقتضاباً وإسراعاً إلى إقامة الحجة فقال ﴿خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾"(38), فكما ترى يتعلق الحديث بالإنسان, والخلق من ماء والإخراج من بين الصلب والترائب بدايتان؛ آيتان منفصلتان, حجتان, وحملهما على سعة النقلة بياناً لقدرة الله تعالى أولى لأن المقام يتضمن وجوب الامتنان لسعة الفضل والإنعام, ولم يوصف المني في القرآن كثمرة يتجلى بها الاقتدار بل وُصف بالقلة والمهانة, وعود الضمير في (يخرج) على الماء سيجعل الوصف تشريحياً في البالغ وسيناقض الواقع لأن المني يخرج فعلياً من الخصية وليس من بين العمود الفقري والضلوع, والتعبير بالخروج لا يجمعه مع خبر الخلق من ماء اتصال في آية واحدة ليتعلق به وإنما ورد مستقلاً عنه متصلاً بأصل الحديث عن الإنسان, وحينئذ يتسع بيان سبق التقدير ليشمل سلسلة الأجيال, وبهذا تكون النقلة أكبر والمفارقة أعظم وبيان سبق التقدير أتم والدلالة على قدرة الله أظهر.
وفي قوله تعالى ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَالسّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر﴾؛ قال الطبري: "يقول تعالى ذكره إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق فجعلكم بشرا سويا.. ﴿عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾, واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله ﴿عَلَىَ رَجْعِهِ﴾ على ما هي عائدة؟, فقال بعضهم هي عائدة على الماء, وقالوا معنى الكلام إن الله على رد النطفة في الموضع التي خرجت منه لقادر.., عن عكرمة.. قال إنه على رده في صلبه لقادر.., (و) عن عكرمة.. قال للصلب.., (و) عن مجاهد.. قال على أن يرد الماء في الإحليل..,(وفي رواية) قال على رد النطفة في الإحليل.., (وفي رواية أخرى) قال في الإحليل.., وقال آخرون بل معنى ذلك إنه على رد الإنسان ماء كما كان قبل أن يخلقه منه.., (عن) الضحاك يقول.. إن شئت رددته كما خلقته من ماء, وقال آخرون بل معنى ذلك إنه على حبس ذلك الماء لقادر.., قال ابن زيد.. على رجع ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج كما قدر على أن يخلق منه ما خلق قادر على أن يرجعه, وقال آخرون بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر.. عن الضحاك.. يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة, وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله ﴿عَلَىَ رَجْعِهِ﴾ من ذكر الإنسان, وقال آخرون ممن زعم أن الهاء للإنسان معنى ذلك أنه على إحيائهبعد مماته لقادر.., عن قتادة..(قال) إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر, وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال معنى ذلك إن الله على رد الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيا كهيئته قبل مماته لقادر, وإنما قلت هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب لقوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ فكان في إتباعه قوله ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ نبأ من أنباء القيامة دلالة على أن السابق قبلها أيضا منه.., يقول تعالى ذكره إنه على إحيائه بعد مماته لقادر يوم تبلى السرائر, فاليوم من صفة الرجع لأن المعنى إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر, وعني بقوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ يوم تختبر سرائر العباد فيظهر منها يومئذ ما كان في الدنيا مستخفياً"(39).
وقال ابن كثير: "وقوله تعالى ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ فيه قولان؛ أحدهما: على رجع هذا الماء الدافق إلى مقره الذي خرج منه لقادر على ذلك, قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما, والقول الثاني: إنه على رجع هذا الإنسان المخلوق من ماء دافق أي إعادته وبعثه إلى الدار الآخرة لقادر, لأن من قدر على البداءة قدر على الإعادة, وقد ذكر الله عز وجل هذا الدليل في القرآن في غير ما موضع, وهذا القول قال به الضحاك واختاره ابن جرير, ولهذا قال تعالى ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾, أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر, أي تظهر وتبدو ويبقى السر علانية والمكنون مشهورا.., وقوله تعالى ﴿فَمَا لَهُ﴾ أي الإنسان يوم القيامة ﴿مِنقُوّةٍ﴾ أي في نفسه ﴿وَلاَ نَاصِر﴾ أي من خارج منه أي لا يقدر على أن ينقذ نفسه من عذاب الله ولا يستطيع له أحد ذلك(40).
وقال أبو السعود: "﴿إِنّهُ﴾:الضمير للخالق تعالى فإن قوله ﴿خُلِق﴾ يدل عليه, أي أن ذلك الذي خلقه ابتداء مما ذكر على رجعه, أي على إعادته بعد موته, لقادر.. ﴿فَمَا لَهُ﴾ أي للإنسان ﴿مِن قُوّةٍ﴾ في نفسه يمتنع بها ﴿وَلاَ نَاصِر﴾ ينتصر به"(41), وقال الشوكاني: "الضمير في ﴿إِنّهُ﴾ يرجع إلى الله سبحانه لدلالة قوله ﴿خُلِق﴾ عليه, فإن الذي خلقه هو الله سبحانه والضمير في ﴿رَجْعِهِ﴾ عائد إلى الإنسان, والمعنى أن الله سبحانه على رجع الإنسان أي إعادته بالبعث بعد الموت لقادر, هكذا قال جماعة من المفسرين, وقال مجاهد على أن يرد الماء في الإحليل, وقال عكرمة والضحاك على أن يرد الماء في الصلب, وقال مقاتل ابن حيان يقول إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة, وقال ابن زيد إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر, والأول أظهر ورجحه ابن جرير والثعلبي والقرطبي.., ﴿فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر﴾ أي فما للإنسان من قوة في نفسه يمتنع بها عن عذاب الله ولا ناصر ينصره مما نزل به"(42), وقال البغوي: "قال قتادة إن الله تعالى على بعث الإنسان وإعادته بعد الموت قادر, وهذا أولى الأقاويل لقوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَالسّرَآئِرُ﴾ وذلك يوم القيامة.., فما له من قوة ولا ناصر أي ما لهذا الإنسان المنكر للبعث من قوة يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر ينصره من الله"(43), والحاصل كما ترى بجلاء هو إجماع المحققين على إعادة الضمائر إلى الإنسان وإن كان هو المذكور الأبعد ذكراً من الماء, وليس عود الضمير إذاً في الفعل (يخرج) إلى الماء بأولى من عوده للإنسان مثلها, ولا توجد قرينه لتشتيت مرجع الضمائر, قال السيوطي: "الأصل توافق الضمائر في المرجعحذرا من التشتيت ولهذا لما جوز بعضهم في ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمّ﴾ طه 39 أن الضمير في الثاني للتابوت وفي الأول لموسى عابه الزمخشري وجعله تنافرا مخرجا للقرآن عن إعجازه, فقال: والضمائر كلها راجعة إلى موسى ورجوع بعضها إليه وبعضها إلى التابوت فيه هجنة لما يؤدي إليه من تنافر النظم الذي هو أم إعجاز القرآن ومراعاته أهم ما يجب على المفسر, وقال في﴿لّتُؤْمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ الفتح 9: الضمائر لله تعالى والمراد بتعزيره تعزير دينه ورسوله ومن فرق الضمائر فقد أبعد"(44).
وقال ابن القيم: "وقوله ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ الصحيح أن الضمير يرجع على الإنسان, أي أن الله على رده إليه لقادر يوم القيامة وهو اليوم الذي تبلى فيه السرائر, ومن قال أن الضمير يرجع على الماء؛ أي إن الله على رجعه في الإحليل أو في الصدر أو حبسه عن الخروج لقادر فقد أبعد, وإن كان الله سبحانه قادرا على ذلك, ولكن السياق يأباه, وطريقة القرآن وهي الاستدلال بالمبدأ والنشأة الأولى على المعاد والرجوع إليه, وأيضا فإنه قيده بالظرف وهو ﴿يَوْمَ تُبْلَىَالسّرَآئِرُ﴾, والمقصود أنه سبحانه دعا الإنسان أن ينظر في مبدأ خلقه ورزقه فإن ذلك يدله دلالة ظاهرة على معاده ورجوعه إلى ربه, وقال تعالى ﴿فَلْيَنظُرِالإِنسَانُ إِلَىَ طَعَامِهِ. أَنّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً. ثُمّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً. وَعِنَباً وَقَضْباً. وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً. وَحَدَآئِقَ غُلْباً. وَفَاكِهَةً وَأَبّاً﴾ عبس 24-31, فجعل سبحانه نظره في إخراج طعامه من الأرض دليلا على إخراجه هو منها بعد موته, استدلالا بالنظير على النظير, ومن ذلك قوله سبحانه ردا على الذين قالوا "أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا": ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ قَادِرٌ عَلَىَ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ الإسراء 99, أي مثل هؤلاء المكذبين, والمراد به النشأة الثانية وهي الخلق الجديد, وهي المثل المذكور في غير موضع, وهم هم بأعيانهم فلا تنافي في شيء من ذلك بل هو الحق الذي دل عليه العقل والسمع ومن لم يفهم ذلك حق فهمه تخبط عليه أمر المعاد وبقي منه في أمر مريج, والمقصود أنه دلهم سبحانه بخلق السموات والأرض على الإعادة والبعث وأكد هذا القياس بضرب من الأولى وهو أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس فالقادر على خلق ما هو أكبر وأعظم منكم أقدر على خلقكم, وليس أول الخلق بأهون عليه من إعادته, فليس مع المكذبين بالقيامة إلا مجرد تكذيب الله ورسوله وتعجيز قدرته ونسبة علمه إلى القصور والقدح في حكمته, ولهذا يخبر الله سبحانه عمن أنكر ذلك بأنه كافر بربه جاحد له لم يقر برب العالمين فاطر السموات والأرض, كما قال تعالى ﴿وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنّا تُرَاباً أَإِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ﴾ الرعد 5, وقال المؤمن للكافر الذي قال ﴿وَمَآ أَظُنّ السّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رّدِدتّ إِلَىَ رَبّي لأجِدَنّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً﴾ الكهف 36, فقال له ﴿أَكَفَرْتَ بِالّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ سَوّاكَ رَجُلاً﴾ الكهف 37, فمنكر المعاد كافر برب العالمين وإن زعم أنه مقر به, ومنه قوله تعالى ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ﴾ العنكبوت 20, يقول تعالى انظروا كيف بدأت الخلق فاعتبروا الإعادة بالابتداء, ومنه قوله تعالى ﴿يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ الروم 19, وقوله تعالى ﴿فَانظُرْ إِلَىَ آثَارِ رَحْمَةِ اللّهِ كَيْفَ يُحْيِيِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنّ ذَلِكَ لَمُحْييِ الْمَوْتَىَ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الروم 50, وقوله ﴿وَنَزّلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً مّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَحَبّ الْحَصِيدِ. وَالنّخْلَ بَاسِقَاتٍ لّهَا طَلْعٌ نّضِيدٌ. رّزْقاً لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾ ق 9-11, وقال تعالى ﴿يَوْمَ نَطْوِي السّمَآءَ كَطَيّ السّجِلّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ﴾ الأنبياء 104, والسجل الورق المكتوب فيه, والكتاب نفس المكتوب, واللام بمنزلة على, أي نطوي السماء كطي الدرج على ما فيه من السطور المكتوبة, ثم استدل على النظير بالنظير فقال ﴿كَمَا بَدَأْنَآ أَوّلَ خَلْقٍ نّعِيدُهُ﴾"(45).

وقال ابن القيمأيضاً: "ذكر الأمر المستدل عليه و(هو) المعاد بقوله ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ أي على رجعه (يعني الإنسان) إليه يوم القيامة كما هو قادر على خلقه.. هذا هو الصحيح في معنى الآية, وفيها قولان ضعيفان أحدهما قول مجاهد على رد الماء في الإحليل لقادر, والثاني قول عكرمة والضحاك على رد الماء في الصلب, وفيه قول ثالث قال مقاتل إن شئت رددته (يعني الإنسان) من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبا إلى النطفة, والقول الصواب هو الأول لوجوه: (أحدهما) أنه هو المعهود من طريقة القرآن من الاستدلال بالمبدأ على المعاد, (الثاني) أن ذلك أدل على المطلوب من القدرة على رد الماء في الإحليل, (الثالث) أنه لم يأت لهذا المعنى في القرآن نظير في موضع واحد ولا أنكره أحد حتى يقيم سبحانه الدليل عليه, (الرابع) أنه قيد الفعل بالظرف وهو قوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ وهو يوم القيامة أي أن الله قادر على رجعه إليه حيا في ذلك اليوم, (الخامس) أن الضمير في ﴿رَجْعِهِ﴾ هو الضمير في قوله ﴿فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِر﴾ وهذا للإنسان قطعا لا للماء, (السادس) أنه لا ذكر للاحليل حتى يتعين كون المرجع إليه, فلو قال قائل على رجعه إلى الفرج الذي صب فيه لم يكن فرق بينه وبين هذا القول ولم يكن أولى منه, (السابع) أن رد الماء إلى الأحليل أو الصلب بعد خروجه منه غير معروف ولا هو أمر معتاد جرت به القدرة وإن كان مقدورا للرب تعالى, ولكن هو لم يجره ولم تجر به العادة ولا هو مما تكلم الناس فيه نفيا أو إثباتا, ومثل هذا لا يقرره الرب ولا يستدل عليه وينبه على منكريه, وهو سبحانه إنما يستدل على أمر واقع ولا بد إما قد وقع ووجد أو سيقع,.. (الثامن) أنه سبحانه دعا الإنسان إلى النظر فيما خُلق منه ليرده عن تكذيبه بما أخبر به وهو لم يخبره بقدرة خالقه على رد الماء في إحليله بعد مفارقته له حتى يدعوه إلى النظر فيما خلق منه ليستقبح منه صحة إمكان رد الماء, (التاسع) أنه لا ارتباط بين النظر في مبدأ خلقه ورد الماء في الإحليل بعد خروجه ولا تلازم بينهما حتى يجعل أحدهما دليلا على إمكان الآخر بخلاف الارتباط الذي بين المبدأ والمعاد والخلق الأول والخلق الثاني والنشأة الأولى والنشأة الثانية فإنه ارتباط من وجوه عديدة ويلزم من إمكان أحدهما إمكان الآخر ومن وقوعه صحة وقوع الآخر فحسن الاستدلال بأحدهما على الآخر, (العاشر) أنه سبحانه.. نبه بقوله ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ على بعثه لجزائه على العمل الذي حفظ وأحصى عليه فذكر شأن مبدأعمله ونهايته فمبدؤه محفوظ عليه ونهايته الجزاء عليه ونبه على هذا بقوله ﴿يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ﴾ أي تختبر.. والسرائر جمع سريرة"(46).
وبغض النظر عن الاجتهادات الواسعة لتفهم الكيفيات قبل أن يكشفها العلم لا صارف عن عود ضمير ﴿يخرج﴾ إلى الأصل وهو﴿الإنسان﴾ وإن شاركه (الماء) في الاحتمال, قال ابن عطية: "والضمير في يخرج يحتمل أن يكون للإنسان ويحتمل أن يكون للماء"(47), وقال القرطبي: "من جعل المني يخرج من بين صلب الرجل وترائبه فالضمير في يخرج للماء ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة فالضمير للإنسان"(48), ولك أن تستفظع القول بخروج المني من بين صلب الرجل وترائبه وأنت تعلم بتكونه في الخصيةإلا إذا اعتبرت تكون أصل الأصل عند النشأة, ولكن لا تتوهم أنهم يعتقدون بخروج مني الرجل من ترائب المرأة, لأنهم يعلمون كما لو كانوا أبناءعصر العلم مثلي ومثلك باحتياجه لنظير أنثوي ليتخلق الجنين, فجعلوا للمرأة دوراً وقدموا فروضاً لأصل المني النظير مجتهدين في استمداد المعرفة من القرآن في غياب حقائق العلم, يقول العلي القدير: ﴿إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ الإنسان 2, قال الشوكاني: "وأمشاج صفة لنطفة وهي جمع مشج أو مشيج وهي الأخلاط والمراد نطفة الرجل ونطفة المرأة واختلاطهما"(49), وقال ابن القيم: "الجنين يخلق من ماء الرجل وماء المرأة خلافا لمن يزعم من الطبائعيين أنه إنما يخلق من ماء الرجل وحده"(50),ويقول عز وجل: ﴿يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ﴾ الحجرات 13, قال القرطبي: "بَيَّنَ الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الخلق من الذكروالأنثى.. وقد ذهب قوم من الأوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده ويتربى في رحم الأم ويستمد من الدم الذي يكون فيه.. والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية فإنها نص لا يحتمل التأويل"(51)والاقتصارإذاً على جنس الذكر بقرينة الماء الدافق يفسره اعتبار المعلوم وسبق المني للنطفة الأمشاج التي يبدأ منها الخلق, ولكن ها أنت ترى أنهم يعرفون بتكون الجنين من الأبوين ويدخلونهما في تفسير الإخراج مما يجعل الأولوية في عود ضمير (يخرج) إلى الإنسان فيصدق الوصف على الجنسين, وبإغفال دلالة السياق على أن ﴿الإِنسَانُ﴾ محور الحديث والموضوع الرئيس؛ يستقيم عود الضمير في ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ إلى الماء, وباعتبار الأصلهو علمياً معنى صحيح لخروج الخصية من ذلك الموضع, ومن الأعلام من احتمله وإن قصر ذلك الاجتهاد الوصف على الذكر واستبعد الأنثى معارضاً دلالة لفظ ﴿الإِنسَانُ﴾ على الجنس بنوعيه من الذكر والأنثى.

القلب الحزين 27-03-2008 04:10 PM

يتبع موضوع .....نشأة الذرية معجزة علمية

(رابعاً) ما معنى الخروج من بين الصلب والترائب؟:
يكشف القرآن أن بدء خلق الإنسان مما يماثل نطفة من ماء, ويستدل بتلك النقلة الهائلة على الاقتدار, قال تعالى: ﴿خَلَقَ الإِنْسَانَمِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ﴾ النحل4, وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌٌ﴾ يس77, وقال تعالى: ﴿قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيّ شَيءٍ خَلَقَهُ. مِن نّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدّرَهُ. ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ﴾ عبس17-20, وقال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ. ثُمّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّىَ. فَجَعَلَ مِنْهُ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ. أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِـيَ الْمَوْتَىَ﴾ القيامة36-40, ولو تأملت الحقائق التي كشفها العلم فستدهش من ذلك اليقين الصارم على خلق الإنسان من مكون للمني يماثل أقل وحدة تركيب من الماء؛ نطفة, لأنه يستحيل أن يدرك هذا بشر قبل اكتشاف المجهر بعشرة قرون واكتشاف تلقيح البويضة بحوين منوى واحد منتخب من نخبة من ملايين الحوينات, والتعبير الوصفي "نطفة" يكاد ينطق بالمصطلح الحديث "خلية" وهي أقل وحدة تركيب, وبالمثل يقول العلي القدير: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَمِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُمِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ.إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِلَقَادِرٌ﴾, وتلك النقلة الأبعد الممتدة في مرأى العين إلى العدم حيث لم يبلغ الإنسان حتى أن يكون مجرد ماءً هي دليل القرآن على بالغ الاقتدار, يقول العلي القدير: ﴿وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً. أَوَلاَ يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً﴾ مريم66و67, وهو مثل قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَىَ عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مّذْكُوراً. إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ الإنسان1و2,فقبل أن يصبح إنساناً كان كنطفة من ماء منها كان بَدء خلقه, وقبلها في جيل أسبق لم يكن شيئاً بينما الماء في مرأى العين شيء, ولا يليق مع تلك النقلة الهائلة مما يماثل نطفة ماء إلى إنسان والتي استوعبت قصة خلق إنسان من الجنسين إلا أن يكون ما يسبقها نقلة مماثلة تنقله إلى ما قبل خلقه لتستوعب قصة خلق جيل يسبقه من الجنسين, وحينذاك لم يكن له في مرأى العين وجود يذكر إلا تقديره كذرية لاحقة, وبهذا الامتداد يحكي فعل (يخرج) قصة خلق جيل وجيل يسبقه من جيل أسبق فتتجلى غاية الاقتدار, والعدول إلى المضارع يجعلالمشهد نموذجاًً للبدء والإعادة يشمل كل الأجيال من الجنسين, ولكن مع التوهم بعود ضمير (يخرج) إلى الماء يضعف أداء الغرض, أنت إذاً أمام وصفٍ لتاريخ ضارب في القدم مر فيه الإنسان بمرحلتين أشبه ما يكونا بالولادة, انتهت الأولى به وكذلك الثانية, قال المناوي: "إن للإنسان ولادتين أحدهما الخروج من الصلب والترائب إلى مستودع الأرحام وهو في الرحم في قرار مكين إلى قدر معلوم, وله في سلوكه إلى الكمال منازل وأطوارا من نطفة وعلقة ومضغة وغيرها حتى يخرج من مضيق الرحم إلى فضاء العالم" (52), وقال ابن الجوزي: "قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمّ صَوّرْنَاكُمْ﴾ الأعراف 11 فيه.. أقوال أحدها.. خلقناكم.. (من بين) أصلاب.. وترائب.., ثم صورناكم عند اجتماع النطف في الأرحام, قاله ابن السائب.., قال ابن قتيبة.. معناه خلقنا أصلكم.. كهيئة الذر" (53).
والعجيب في القرآن أنه لا يتركك نهباً للتصورات أمام الحقيقة الخفية التي يدخرها للعالِمين ويعلنها بتلطف لا يلفت عن الغرض, فترى "مثانية النبأ" التي قد تبلغ حد الإسهاب تحجبك عن الزلل خاصةً إذا كنت من الحقيقة في يقين, وتعبير ﴿ماء دافق﴾ يعني أنه دافق حقيقةً لا مجازاً يعني ذو حركة ذاتية زيادةً على أنه مدفوق كما هو معلوم, ولذا ينطوي التعبير على وصف المني بالحياة, وتتضافر الأوصاف في القرآن على قصر الماء بالذكر وحده تشبيهاً للسائل المنوي المعلوم لدى المخاطبين بالماء, لقوله تعالى: ﴿إِنّا خَلَقْنَاهُم مّمّا يَعْلَمُونَ﴾ المعارج39, وقوله: ﴿أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ مّهِينٍ﴾ المرسلات20, وقوله: ﴿وَاللّهُ خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ﴾ النور45,وقوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مّا تُمْنُونَ. أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ الواقعة 58و59, وقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ﴾ القيامة36و37, وإذا صدق وصف البشرية على "النطفة الأمشاج" التي تمثل بَدء خلق الإنسان فلا يصدق على "الماء الدافق" الذي يمثل مرحلة أسبق, ولذا يدل حصر ابتداء فعل الخلق بالنطفة على المرحلة قبيل خلق الإنسان وأما الوصف أمشاج فيلزم بضرورة وجود النطفة النظير, وقوله تعالى ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ يبين موضع خروج عضو انتاج الذرية قبل هجرته لمستقره في الجنسين, والخروج من بينهما يجعل الظهور أو الأصلاب موضع نشأة الذرية واجتماع أصولها الخلوية, وهو ما صرح به قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَممِن ظُهُورِهِمْذُرّيّتَهُمْوَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنّا كُنّا عَنْ هَـَذَا غَافِلِينَ﴾ الأعراف172, وهذا يدفع وهم عود ضمير (يخرج) إلى الماء وينسبه للإنسان, والمفسرون يجعلون أخذ الذرية لأفراد جنس الإنسان بمعنى إخراجهم للدنيا مفطورين على الإيمان, قال القرطبي: "قوله تعالى ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ﴾.. (وفي قراءة ذرياتهم)؛ قال قوم معنى الآية أن الله تعالىأخرج من ظهور بني آدم بعضهم من بعض قالوا, ومعنى ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ﴾, دلهم بخلقه على توحيده, لأن كل بالغ يعلمضرورة أن له ربا واحدا, ﴿أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ﴾ أي قال, فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم والإقرار منهم (أي فطرهم على الإيمان والطاعة), كما قال تعالى في السماوات والأرض: ﴿قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ﴾ فصلت 11" (54), وقال الألوسي: "﴿أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ﴾قيل هو ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادة الله تعالى الزاجرة عن عبادة غيره عز وجل فكأنه استعارة لإقامة البراهين" (55), وقال ابن الجوزي:"وجماعة أهل العلم.. من أنه استنطق الذر وركب فيهم عقولا وأفهاما عرفوا بها ما عرض عليهم, وقد ذكر بعضهم أن معنى أخذ الذرية إخراجهمإلى الدنيا بعد كونهم نطفا ومعنى إشهادهم على أنفسهم اضطرارهم إلى العلم بأنه خالقهم بما أظهر لهم من الآيات والبراهين ولما عرفوا ذلك ودعاهم كل ما يرون ويشاهدون إلى التصديق كانوا بمنزلة الشاهدين والمشهدين على أنفسهم بصحته, كما قال ﴿شَاهِدِينَ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ التوبة 17, يريدهم بمنزلة الشاهدين وإن لم يقولوا نحن كفرة, كما يقول الرجل قد شهدت جوارحي بصدقك أي قد عرفته, ومن هذا الباب قوله ﴿شَهِدَ اللّهُ﴾ آل عمران 18, أي بين وأعلم " (56), وقال الواحدي: "أخرجالله تعالى ذريه آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الأباء (57), وقال البغوي: "فلا تقوم الساعة حتى تولد كل ذريتهم" (58), وفيالتبيان في تفسير غريبالقرآن: "الذرية أولاد وأولاد الأولاد, قال بعض النحويين ذرية تقديرها فعلية من الذر" (59), قال القرطبي: ذكر بعض أهل اللغة أن الذر أن يضرب الرجل بيده على الأرض فما علق بها من التراب فهو الذر, وكذا قال إبن عباس إذا وضعت يدك على الأرض ورفعتها فكل واحد مما لزق به من التراب ذرة (60), وقال: "قوله تعالى ﴿إِنّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَذَرّةٍ﴾ النساء 40, أي لا يبخسهم ولا ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرة بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها, والمراد من الكلام أن الله تعالى لا يظلم قليلا ولا كثيرا, كما قال تعالى ﴿إِنّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً﴾ يونس 44, والذرة النملة الحمراء عن ابن عباس وغيره وهي أصغر النمل, وعنه أيضا رأس النملة, وقال يزيد بن هارون زعموا أن الذرة ليس لها وزن.., قلت والقرآن والسنة يدلان على أن للذرة وزنا.., وقيل الذرة الخردلة, كما قال تعالى ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌشَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبّةٍ مّنْ خَرْدَلٍأَتَيْنَا بِهَاوَكَفَىَ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ الأنبياء 47, وقيل غير هذا, وهي في الجملة عبارة عن أقل الأشياء وأصغرها" (61), وقال ابن الجوزي: "قولهتعالى ﴿وَآيَةٌ لّهُمْ أَنّا حَمَلْنَا ذُرّيّتَهُمْفِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ يس 41و42, قال المفسرون أراد في سفينة نوح فنسب الذرية (وفي قراءة ذرياتهم) إلى المخاطبين لأنهم من جنسهم, كأنه قال ذرية الناس, وقال الفراء أي ذرية من هو منهم فجعلها ذرية لهم وقد سبقتهم, وقال غيره هو حمل الأنبياء في أصلاب الآباء حين ركبوا السفينة (62), وفي قوله تعالى: ﴿وَحَلَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَلابِكُمْ﴾ النساء 23؛ قال ابن كثير: "أي وحرمت عليكم زوجات أبنائكم الذين ولدتموهم من أصلابكم، يحترز بذلك عن الأدعياء الذين كانوا يتبنونهم في الجاهلية" (63), وقال الأصفهاني: "تَنْبيهٌ أنّ الوَلدَ جُزْءٌ مِنَ الأب" (64), قال تعالى: ﴿ذُرّيّةًبَعْضُهَا مِن بَعْضٍ﴾ آل عمران34, وقال تعالى: ﴿بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ﴾ آل عمران195, قال ابن الجوزي: "أخرج بعضهم من ظهور بعض" (65), وفي تفسير الجلالين: "نسلا بعد نسل" (66), والاستدلال إذاً على بعث الإنسان بأصل خلقه وامتداد تقديره إلى جيل أسبق من الجنسين حين خلقه في القرآن كثير, قال القرطبي: "الإنسان اسم للجنس" (67), وقال أيضاًمساوياً في الدلالة بين تعبيرين: "قال تعالى ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ وقال ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْأَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُمبَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ النحل 72" (68), وتعبير ﴿مّنْ أَزْوَاجِكُم﴾ يدل على عناصر وراثية تنشأ منها الذرية وتمتد لتشمل الأحفاد يصدق على كلٍّ من الجنسين؛ الذكر والأنثى, وقال الثعالبي: "قوله تعالى ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ﴾ توقيفلمنكري البعث على أصل الخلقة.. قال الحسن وغيره معناه من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبه" (69), وقال الألوسي: "روي عن قتادة أيضا أن المعنى يخرج من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبكل منهما" (70), فالقرآن إذن يحدد موضع اجتماع أصول تكوين عضو إنتاج الذرية من الجنسين بالظهور أو الأصلاب ويكشف موضع انفصاله وتميزه على طريق هجرته.
وقد يعبر القرآن عن المني ضمناً كما في قوله تعالى: ﴿قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيّ شَيءٍخَلَقَهُ﴾ عبس17و18, وقوله: ﴿إِنّا خَلَقْنَاهُممّمّا يَعْلَمُونَ﴾ المعارج 39, وقوله: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾, أو يصرح به بلفظ (مني) كما في قوله: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مّا تُمْنُونَ. أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ الواقعة 58و59, أو يصف تكوينه الفاعل حتى يصبح مشيجاً تشبيهاً بالقطيرة الضئيلة من الماء بلفظ (نطفة) كما في قوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُأَن يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةًمّن مّنِيّ يُمْنَىَ. ثُمّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَفَسَوّىَالقيامة36-38, وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُأَنّا خَلَقْنَاهُمِن نّطْفَةٍفَإِذَا هُوَ خَصِيمٌمّبِينٌ﴾ يس 77, وقوله: ﴿خَلَقَ الإِنْسَانَمِن نّطْفَةٍفَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ﴾ النحل4, وقوله: ﴿إِنّا خَلَقْنَاالإِنسَانَمِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجًٍ﴾ الإنسان2, أو يصفه تشبيها بلفظ (ماء), كما في قوله: ﴿أَلَمْ نَخْلُقكّممّن مّآءٍمّهِينٍ. فَجَعَلْنَاهُفِي قَرَارٍ مّكِينٍ﴾ المرسلات20و21, ومثله قوله تعالى:﴿وَاللّهُ خَلَقَكُلّ دَآبّةٍمّن مّآءٍ﴾ النور45,وكما ترى يعبر القرآن بلا استثناء عن ابتداء خلق الفرد من السائل المنوي لحين تكون النطفة الأمشاج بفعل (الخلق) وما بعده بفعل (الجعل), وبالمثل يصف ابتداء الحياة من الطين بفعل (الخلق) ويعبر عما بعده كذلك بفعل (الجعل), كما في قوله تعالى: ﴿الّذِيَ أَحْسَنَ كُلّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَالإِنْسَانِمِن طِينٍ. ثُمّ جَعَلَنَسْلَهُمِن سُلاَلَةٍ مّن مّآءٍ مّهِينٍ﴾ السجدة7و8,وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَمِن سُلاَلَةٍ مّن طِينٍ. ثُمّ جَعَلْنَاهُنُطْفَةًفِي قَرَارٍ مّكِينٍ﴾ المؤمنون12و13, وهكذا لم يرد في القرآنفعل (الإخراج) متعلقاً بالسائل المنوي, وإنما ورد التعبير عن مرحلة المني في تاريخ نشأة الإنسان إما بفعل (الخلق) أو فعل (الجعل),بينمافاض التعبير بفعل (الإخراج) متعلقاً بالإنسان للدلالة على معانٍ منها الإنبات تمثيلاً بالنبات والانتقال والإحياء والبعث والولادة.


يتبـــــــــــــــع


الساعة الآن : 08:57 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 703.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 702.08 كيلو بايت... تم توفير 1.49 كيلو بايت...بمعدل (0.21%)]