رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها
الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (العلمنة - الجذور الدينية) يرجع جورج قرم في كتابه "الشرخ الأسطوري" ما هو قائم الآن بين الشرق والغرب من فجوة إلى جذور دينية، مهما ادعت الدول الغربية علمانيتها، التي يرى أنها زعمٌ أكثر من كونها حقيقة،أدت هذه الجذور إلى بذر طفل الأنبوب في نقطة الالتقاء بين آسيا وإفريقيا قلب العالم الإسلامي والعربي. ويكرر جورج قرم هذا الأمر في مجمل كتابه، فكلما ذهب في نقاشه حول العلاقة بين الشرق والغرب عاد مرةً أخرى إلى الأسلوب الذي أُوجِدت فيه دولةٌ لليهود وطنًا قوميًّا لهم في فلسطين المحتلة. ويؤكد في ذلك جورج قرم على أن "العلمانية" في البلدان البروتستانتية نسبية، ولا تقوم على الفصل بين الدنيوي الاجتماعي والديني الذي طورته البلدان الكاثوليكية، بل أعطت الحرية في إنشاء الكنائس ودور العبادة، التي طالبت بها البروتستانتية في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية الأحادية النمط"[1]،ويذكر أن الغربيين، لا سيما البروتستانتيين، "يحبذون دومًا إدخال الدين ضمن رؤية العالم، وتنظيم الحياة الاجتماعية، لا بل أكثر من ذلك، يستطيع سكان الولايات المتحدة تأكيد أصولهم العرقية أو تميزهم الديني من دون أن يكون ذلك مزعجًا أو محرجًا لإدارتهم"[2]. ويضيف جورج قرم القول: "وليست العلمانية في الولايات المتحدة قيمةً سياسيةً أساسًا، بل تقوم فقط على حرية الممارسة الدينية، وليس على فصل الأمور الدينية عن الأمور الزمنية"[3]. وبهذا يؤكد بعض النافذين أن المجتمع الأمريكي يبذل "قصارى جهده لكي تسير الحرية والإيمان جنبًا إلى جنب، ولكي يعلي كل منهما من شأن الآخر"[4]،ويؤكدون كذلك في وثيقة في مطلع عام 2002م (1422هـ) أن "نظامنا علماني - رؤساؤنا ليسوا رجال دين - لكن مجتمعنا هو الأكثر تدينًا في العالم الغربي"[5]. ولذلك ولتمسُّك الغرب بوجود إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي تفقد العلمانية أي مصداقية في الخطاب الغربي، مما يزيد من عمق هذا الشرخ في العلاقة بين الشرق والغرب "ولا سيما أن قيم العدالة والإنصاف التي يدَّعي الغرب تبنِّيَها تسقط كلما تعلق الأمر بدولة إسرائيل، وتفقد العلمانية أية مصداقية في الخطاب الغربي"[6]. ورغم التضييق على التعبير بحرية عن هذه الوجهة في المجتمع الغربي وترجمة هذا التعبير إلى تعاطف مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين، فإننا نجد أصواتًا، وإن كانت خافتة، قادمة من الغرب وكأنها تتحدث في خطابها بلغة الشرق، حتى لقد داست الدبابة الإسرائيلية على فتاة جاءت من الغرب إلى أرض الميعاد مناصرة الشرق، فكان مصيرها الموت الذي تبعه قدر من الصمت المطبق حتى على المستوى القانوني، ناهيكم عن المستوى السياسي،يوحي هذا بأن هناك نقمة على هذه الشرذمة،هذه النقمة لم تعد ناتجةً عن الشرق فقط، ولكنها لا تفتأ تنبت في المجتمع الغربي، ولكن هل هناك من يجرؤ على الخطاب؟![7]. إن من يتحدث اليوم عن تعميق هذا الشرخ هو الذي يلقى رواجًا في الأوساط السياسية والإعلامية، وليس بالضرورة في الأوساط الثقافية والفكرية؛فالضجة التي أحدثها السموءل (صموئيل) هنتجنتون (ت 2008م)، في العقد الأول من القرن الخامس عشر الهجري/ العقد التاسع من القرن العشرين الميلادي[8]، لم تكن في نظر مفكري الغرب سوى عمل هزيل؛ حيث يصف المؤلِّفُ المقرَّبُ من أوساط الحكم وبطريقة سطحية "سيناريو لا يمت إلى الواقع بصلة عن مواجهة دينية بين الإسلام (الذي يصوره متحالفًا مع البوذية)(!) والغرب المسيحي"[9]. يقول جورج قرم عن الكتاب الهزيل صدام الحضارات: "لا يسعنا أن نفهم الذي حصده هذا الكتاب المعبر عن فوضى فكرية عارمة، وتشيع فيه ضحالة في التحليل قل نظيرها، إلا إذا أدركنا أنه يستغل إلى أقصى الحدود وجود الشرخ المتخيل بين الشرق والغرب، الذي هو صنيع الظروف الجيوسياسية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي"[10]. الذي يظهر أن العرب قد أعطوا الكاتب السموءل هنتنجتون والكتاب صدام الحضارات قيمة علمية وإستراتيجية أكثر مما يستحقها، لا سيما إذا لوحظ أن أصل الكتاب تقرير مقدم إلى جهات سياسية استخبارية، فتطور التقرير إلى مقالة صدرت عام 1414هـ/ 1993م في مجلة الشؤون الخارجية Foregin Afiatrs، ثم طورت المقالة إلى كتاب، فسارع الناشرون العرب، لا سيما المتكسِّبون ماديًّا إلى ترجمته ترجمة مطولةً، وتباروا في ذلك،ولعل ما كتب عنه لدى العرب أكثر مما كتب عنه لدى غير العرب. والذي يظهر أيضًا أن المهللين للكتاب لدى الساحة الإعلامية العربية أكثر من القادحين لأفكاره في الأوساط العلمية الفكرية العربية وغير العربية،على أننا لسنا في هذا الوقت وفي غيره بحاجة إلى تعميق الهوة وتوسيع الفجوة بين الشرق والغرب لأي سبب وبأي ظرف، بل إن الوقت الآن يؤكد على الحاجة الملحة إلى تجسير الفجوة، وإغفال هذا الشرخ المصطنع؛ ذلك لأن مصلحة العالم، وليس العرب والمسلمين فقط، تؤيد، وبشدة، انتشار روح السماحة، وتقبُّل الآخر، وتوسيع هامش الحوار الإيجابي[11]. [1] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 119. [2] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق،ص 119. [3] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 119. [4] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 119. [5] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 121،وانظر كذلك: يوسف الحسن،البُعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي - الصهيوني: دراسة في الحركة المسيحية الأصولية الأمريكية - مرجع سابق - ص 222. [6] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 152. [7] انظر: بول فندلي،من يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي - مرجع سابق - ص 622. [8] انظر: صامويل هنتجنتون،صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي/ ترجمة طلعت الشايب، تقدم صلاح قانصوه - ط 2،القاهرة: سطور، 1999م - 225 + الهوامش،وانظر إلى طبعة أخرى في: صموئيل هتنجنتون،صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي/ ترجمة مالك عبيد أبو شهيوة ومحمود محمد خلف - مصراتة (ليبيا): الدار الجماهيرية، 1999م - ص 390. [9] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 118. [10] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 118. [11] انظر: علي بن إبراهيم النملة،صناعة الكراهية بين الثقافات وأثر الاستشراق في افتعالها - دمشق: دار الفكر، 1429هـ/ 2009م - ص 171 - (سلسلة نقد العقل المعاصر). |
رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها
الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (العلمنة - الإفلاس) في ضوء الحديث عن العلمنة محدِّدًا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب وكون العلمنة نبتت في الغرب، وجرت محاولات تصديرها إلى الشرق والعالم على أنها من معطيات الحضارة الغربية، هناك من يتحدث عن قرب إفلاس الحضارة الغربية، ويرى أنها مسألة متحققة، من دون أن تكون هناك قدرةٌ على التوقيت، فوقت الإفلاس ليست مسألة قابلة للتخمين، رغم أن هناك من يعطي عقدًا من الزمان يتحقق فيه ذلك. سبب التأكد من تحقق الإفلاس أن هذه الحضارة قامت على المادة على حساب المُثل، والإنسان مُثُل ومبادئُ قبل أن يكون مادة،وأن الإنسان يتحقق بالمثل والمبادئ أولًا ثم تتحقق الماديات، فليس هناك إغفال للماديات، ولكن المؤسف أن المادة هي التي طغت، مما يؤذِن بالإفلاس،وفي تضاؤل المثل والمبادئ في المجتمع الغربي وفي أي مجتمع تهون النفس، ويهون الشرف، ويهون العِرض، وتختلط الأنساب، وتفشو الأمراض، وتتصدع الأسر، وتخرب البيوت، ويضيع المجتمع؛ فيضيع الناس؛ فيفسد الكون. هو ضياع غير معلن وغير معترف به مباشرة، وإنما هو مسوغٌ بالحرية الفردية، بما في ذلك الحرية في التحايل على الحصول على الذرية، واحتدامها مع القوانين الموضوعة، رغم أن هناك صرخاتٍ مدويةً من المربين والمفكرين، ولكنها صرخاتٌ غير مسموعة إلا من قلة قليلة من الناس ضئيلة التأثير؛ ذلك أن صرخاتهم تخاطب العقل، بينما الشهوة تخاطب القلب والعاطفة،وعلينا أن ندرك أن الفطرة مولودة مع الإنسان، وأنه ميالٌ إليها، باحث عنها، مستعد للتخلص مما ينافيها ويناقضها. في سبيل ذلك تقع المسؤولية على الذين يدركون هذه الفطرة ويسيرون عليها ويوجهونها التوجيه الصحيح،فليس من المصلحة التفرج على هذا الإفلاس في الحضارة الغربية من دون تقديم البديل المناسب، الذي نعتقد أنه يمكن أن يحقق التناسب بين المثل والمبادئ والماديات، ويوازن بين طلبات العقول وطلبات القلوب، فلا يهمل بعضها على حساب بعض، ولا يسلط بعضها على بعض. يتحقق ذلك في الإسلام الذي يحتاج من أهله إلى التطبيق الصحيح عقيدة وعملًا وممارسات أولًا، ومن ثم يقدم للآخر بالحكمة عن طريق القدوة أولًا، ثم عن طريق وسائل التقديم الأخرى،ومن دون إبراز مفهوم الحكمة والقدوة لا يمكن تقديمه للآخر؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه. من وسائل القدوة أن تنتشر الدعوة ومراكز الفكر ومؤسسات العناية بمصادر التشريع الإسلامي المتمثلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية والمصادر الأخرى المعروفة لدى ذوي الشأن ومدارسها في طول البلاد الإسلامية وغير الإسلامية وعرضها، وتقوم هيئات القطاع الثالث المعنية بهذا الشأن، ويشرف عليها هيئة علمية عالية عرفت بخدمتها للإسلام وعلومه واستمرارها في الرغبة في رعاية هذه المؤسسات والهيئات؛ إذ كان الجامع الأزهر وجامعته بمصر وجامعة الزيتونة بتونس وجامعة القرويين بالمغرب والجامعة الإسلامية وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية وغيرها من الجامعات في الهند وباكستان ومدارس ومراكز إسلامية في الشرق والغرب، تقوم بهذه المسؤولية على خير وجه، وترعاها الدولة ويتابعها مديروها والمسؤولون فيها. من وسائل الحكمة والقدوة أن يقيض في الأمة من يتابع أبناءها ويشجعهم على الإسهام في ترسيخ مفهوم الذكر المحفوظ؛ فقد أراد الله تعالى له أن يحفظ نصًّا وروحًا خاليًا من التحريف والعبث الذي أراده الله تعالى للكتب السماوية السابقة عليه. ليس أجمل من أن تتآزر المؤسسات العلمية الأكاديمية شرق المعمورة وغربها وشَمالها وجنوبها مع المؤسسة التي أنيطت بها العناية بالشؤون الإسلامية في هذه الدنيا؛ تتآزر على العناية بشؤون الإسلام بالطاقات العملية، وبالقرار الإداري، وبالدعم المستمر من القيادات السياسية، ومن الموسِرين،ويتطلَّب هذا قدرًا من الإرادة والاقتناع. |
رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها
الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (العلمنة -النظام التربوي) كانت الوقفة السابقة عن إفلاس الحضارة الغربية صدًى لما يجري الآن في الاحتيال على جلب الأطفال إلى الدنيا، باستخدام الاكتشافات العلمية في مجالات (هندسة الجينات)، أو في مجالات أخرى قد لا تخضع للعلمية، بقدر ما هي في ميزاننا نحن، ميزان الفطرة، منافيةٌ للخلق، مثل استئجار امرأة تحمل لعائلة surregate mother لا تستطيع الزوجة فيها الحمل، أو ربما لا تهوى هي الحمل؛ لرغبتها في مواصلة طموحاتها العملية خارج المنزل، وبعيدًا عن هموم الحمل والولادة والرضاعة. ومثل إتيان الأب ابنته أو الولد أخته أو الابن أمه للشكوك في أن يكونوا كذلك في نسبتهم لبعضهم البعض، ومثل زواج المثليين،هي صورٌ وحالاتٌ كانت شاذةً، ولكنها - مع الأسف - شاعت بشكل يقشعر لها البدن، ولكنه واقع، ووقوعه ليس بحالات فردية؛ إذ الحالات الفردية قد تقع في أي مجتمع، حتى ذلك المجتمع الذي يَعُدُّ نفسه متحضرًا أخلاقيًّا، بفعل المنهج الرباني الذي يسير عليه، فإن مسببات زوال العقل مؤقتًا موجودة، مثل الخمور والمخدِّرات والانفصام، وبزوال العقل تمارس بعض الأفعال المنافية للفطرة والعقل السليم، وبالتالي فهي منافية للدين. والإفلاس الحضاري يأتي من تسيب النظام التربوي أولًا، ثم النظم الاجتماعية، بما فيها العقوبات والحدود ونحوها، فقد بلغت الحضارة الغربية مبلغًا في هذا التسيب، أدى إلى بروز هذه الظاهرات بشكل مخيف يدعو إلى إعادة النظر في كل أساليب الحياة، ومنها المناهج التربوية التي ظهرت لها صيحة تحت عنوان: أمة معرضة للخطر[1]، كما ظهر كتاب الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بعنوان: قيمنا المعرضة للخطر[2]، قيل فيها: إنه لو فرضت هذه المناهج على الولايات المتحدة الأمريكية من بلاد أخرى متسلطة عليها، لطلب من حكومة هذه البلاد التصرف عقابيًّا، وبسرعة، على هذه البلاد الفارضة، وبكل قسوة. والحرية الفردية المفرطة والحرية الفكرية المفرطة قد تكون من مسببات هذا الإفلاس الحضاري،ولا يعجب المرء أن يأخذ بعض الحوادث ليدلل بها على نتيجة يريد أن يصل إليها. ولا يريد المرء الإفلاس لأي أمة من البشر، ولكنه رد الفعل أحيانًا، لتنبيه بعض المتأثرين بحضارة الآخر، المنبهرين بما حققته وتحققه من إنجاز مادي نال الإعجاب من كل المنصفين،ورد الفعل هذا لا يسعى إلى أن ترفض الحضارة الغربية بحسناتها وسيئاتها، ولكنه يسعى لأن يؤخذ من هذه الحضارة الحسنات، وتترك السيئات،إلا أن الواقع أن هناك خلطًا بين الحسنات والسيئات، كما أن هناك ميلًا إلى تصدير السيئات، ومحاولة الإبقاء على الحسنات. ومنا من يعيش في الغرب أيامًا أو شهورًا أو سنواتٍ، ولكنه لا يتعمق في الحياة، ولا يعايش المجتمع، ولا يظهر له إلا ما هو منجز ماديًّا، وتخفاه العلاقات الأسرية والاجتماعية والزوجية، ولا يتعرض لها إلا بالقدر الذي ينشره الإعلام عنها، والإعلام الترفيهي لا يعكس الصورة الحقيقية عن المجتمع الغربي، فيأتي العائد من الغرب متغربًا طالبًا تطبيق ذلك النموذج على الحياة في محيطه الذي عاد ليخدم فيه ظانًّا أن هذا النمط هو الذي أوصل تلك الأمة إلى ما وصلت إليه، وأن عدم تطبيق هذا النمط هو الذي أوصل أمته إلى ما وصلت إليه من سوء. إنها بهذه السطحية وبهذه البساطة تتخلل حياتنا شيئًا فشيئًا؛ فالنموذج لا يطبق بين يوم وليلة، ولا توضع له خطة زمنية، ولكنها المؤثرات التي تدخل المجتمع خطوة خطوة، حتى يضيِّع المجتمع ما لديه من مُثُل ومبادئ، في الوقت الذي لن يوفق فيه في تبني مُثُل الآخر ومبادئه؛ لأنهم هم صدَّروها رغبة عنها لا رغبة في تحضير الآخرين بها،ومن هنا يأتي الموقف السلبي من الإفلاس الحضاري، بغض النظر عن الوجهة التي جاء منها. لا بد من التوكيد هنا على الابتعاد عن الشماتة، وضرورة العيش في مستوى المسؤولية التي يحملها المجتمع المسلم لكل المجتمعات الأخرى، بعد أن يبدأ هذا المجتمع بنفسه، ليملك حينئذٍ ما يستطيع تقديمه للآخر، وقد قيل من قبل: إن فاقد الشيء لا يعطيه. [1] انظر: مكتب التربية العربي لدول الخليج،أمة معرضة للخطر - الرياض: المكتب، 1404هـ/ 1984م - ص 70. [2] انظر: جيمي كارتر،قيمنا المعرضة للخطر: أزمة أمريكا الأخلاقية/ نقله إلى العربية محمد محمود التوبة - الرياض: مكتبة العبيكان، 1422هـ/ 2007م - ص 224. |
رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها
الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (العولمة -عولمة الدين) يكتب أستاذ الفلسفة ومدير أبحاث في المركز الوطني للبحوث العلمية في فرنسا الأستاذ الزائر بجامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية أوليفييه روا باللغة الفرنسية عن عولمة الإسلام، وتترجمه إلى اللغة العربية رولا معلوف[1]، ويركز فيه على حال المسلمين الاجتماعية والسياسية والدينية في الغرب بعامة، وفي فرنسا بخاصة، إلا أنه يربط ذلك بما يدور في العالم الإسلامي من حركات وحوارات ومتغيرات في التوجهات داخل المجتمع المسلم، ويحاول أن يربط بين هذا وذاك باسم علمنة الإسلام، أو عولمة الإسلام[2]. انطلق أوليفييه روا من أفغانستان منذ سنة 1405هـ/ 1985م، عندما أصدر كتابه: أفغانستان: إسلام وعصرية سياسية، ثم أصدر كتابًا بعنوان: تجربة الإسلام السياسي[3]، وتلاه كتابه عن أحداث 22/ 6/ 1422هـ، الموافق 11/ 9/ 2001م[4]. ورغم تركيز المؤلف على الجاليات المسلمة في أوروبا، فإن لديه معلومات محدثة عن الوضع في البلاد العربية والإسلامية، مما يوحي بأن أوليفييه روا مشروع مستشرق جديد ينطلق في عصر العولمة، إلا أنه يعتمد في معلوماته، بالإضافة إلى التقارير والصحف، على خلفية كثير من الأوروبيين والغربيين عمومًا عن الإسلام والمسلمين، تلك الخلفية القائمة على عدد من المحددات للعلاقة بين الشرق والغرب، لا يستطيع المتحدث عن هذه العلاقة إغفالها أو التغاضي عنها، وإن كانت هناك رغبة في تناسي بعضها؛ كالحروب الصليبية التي امتدت في تسع حملات لأكثر من مائتي سنة، لكنها لم تحقق الأهداف التي انطلقت من أجلها. كما لا يُغفل أوليفييه روا بعض المحددات الأخرى؛ كالتنصير الذي لا يزال قائمًا ومنطلقًا في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، ومن خلال الأساليب المعروفة لهذه الحملات التنصيرية. ثم من المحددات كذلك الاستشراق الذي يُعَدُّ المؤلِّفُ مشروعًا جديدًا من مشروعاته، مما يستدعي العناية به، ودعوته إلى مزيد من الحوار والنقاش؛ إذ إنه من خلال قراءة كتابه: عولمة الإسلام، رغم ما ورد فيه من أفكار تستحق النقاش والرد، فإن القارئ يرى فيه مشروع مستشرق منصِف، يصف الحال كما هي عليه، وإن أدخل على هذه الحال أو تلك قدرًا من التحليل كما يراه هو، لا كما هو الواقع بالضرورة. مهما يكن، فإن العولمة تعد أحد المحددات للعلاقة بين الشرق والغرب[5]، بالإضافة إلى محددات أخرى غير ما ذُكر سبق التطرق لها في وقفات سابقة؛ كالاستشراق الذي لا يتوقع له أن ينقشع في ضوء بزوغ نجم العولمة،وإذا كان الأمر كذلك فإنه من المهم العناية بهذا المحدد من منطلق الحوار مع الآخر، الذي كان وسيظل ركنًا من أركان التفاعل مع الثقافات الأخرى. وما الكتاب الذي جرى ذكره هنا إلا وسيلة من وسائل هذا الحوار المطلوب على مختلف الصعد؛ لبيان الحق، وإيضاح ما دخل في حيز الأوهام لدى أولئك الذين يُقبلون بقوة على الحديث عن هذا الدين الحنيف من خلال ممارسات بعض المنتمين إليه أحيانًا، مما يؤدي إلى الحكم عليه من خلال هذه الممارسات أو تلك. [1] انظر: أوليفييه روا،عولمة الإسلام/ ترجمة: رولا معلوف - بيروت: دار الساقي، 1424هـ/ 2003م - ص 222. [2] انظر: محمد أركون،العلمنة والدين/ ترجمة: هاشم صالح - بيروت: دار الساقي، 1996م - ص 136. [3] انظر: أوليفييه روا،تجربة الإسلام السياسي/ ترجمة: نصير مورة - ط 2 - بيروت: دار الساقي، 1996م - ص 213. [4] انظر: أوليفييه روا،أوهام 11 أيلول: المناظرة الإستراتيجية في مواجهة الإرهاب/ ترجمة: حسن شامي - بيروت: دار الفارابي، 2003م - ص 118. [5] انظر في مجال الحديث عن العولمة: نعوم تشومسكي، وآخرون،العولمة والإرهاب: حرب أمريكا على العالم، السياسة الخارجية الأمريكية وإسرائيل/ ترجمة حمزة المزيني - القاهرة: مكتبة مدبولي، 2003م - ص 276،ونعوم تشومسكي،الهيمنة أم البقاء؟ السعي الأمريكي إلى السيطرة على العالم/ ترجمة سامي الكعكي - بيروت: دار الكتاب العربي، 2004م - ص 310،ومحاضير محمد،العولمة والواقع الجديد/ تحرير هاشم مقر الدين - دار الإحسان: مكتب رئيس الوزراء الماليزي، 1423هـ/ 2002م - ص 251،وعلي بن إبراهيم الحمد النملة،العولمة وتهيئة الموارد البشرية في منطقة الخليج العربية - ط 2 - الرياض: المؤلف، 1430هـ/ 2009م - ص 176،لا سيما قائمة المراجع من هذا العمل وغير ذلك كثير. |
رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها
الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (العولمة - الالتفات) بدا في الوقفة السابقة أن أوليفييه روا مشروع مستشرق، وأنه ينبغي العناية به؛ رغبةً في الإسهام في تصحيح الصورة عن الإسلام والمسلمين؛ ذلك أن هذا المستشرق المنتظر يتسم بالسعة في الاطلاع، وإن كانت معظم معلوماته في كتابه هذا "عولمة الإسلام" معلومات إعلامية طغى عليها البعد السياسي مع التركيز القوي على ضواحي باريس، ومن يسكنها من مسلمين ينتمون إلى الطبقة البرجوازية، وتكثر بينهم المشكلات، وكأنهم - على حد عرضه - يعيشون على هامش المجتمع الباريسي[1]. على أي حال، فلا بد من التعاطي مع جميع المستشرقين والإعلاميين الذين يتناولون قضايا المنطقة من بعد، بناءً على عدد من الانطباعات المستقاة من قراءات أترابهم، دون أن تطأ أقدامهم بالضرورة الأرض التي يتحدثون عنها والناس الذين هم مناط الحديث،وهذا ديدن أولئك الذين كثرت كتاباتهم أخيرًا عن المنطقة خاصة، وعن العالم الإسلامي عامة،وقليل منهم من يعايش موقعًا من المواقع التي يتحدث عنها، وإذا عايش موقعًا خرج منه بانطباعات بنى عليها أحكامًا تعميمية لا تصدُقُ بالضرورة على جميع المجتمعات، وخلط فيه بين السلوكيات الاجتماعية المتوارثة والممارسات الدينية التي تعود إلى أصل شرعي. مهما يكن من أمرٍ، فإن الإسراع في تبني هذه الفئة والإقبال عليها بالدعوة لها لمعايشة الواقع والالتقاء بالعلماء والمفكرين قمِينٌ بأن يعطي صورة أكثر وضوحًا، كما أنه حري بأن يقطع الطريق على أولئك الذين يتسارعون في الإفادة من هذه الفئة في ترسيخ العداوة للإسلام والمسلمين، كما عملوا مع المستشرق البريطاني الأصل الأمريكي الجنسية والإقامة الدكتور/ برنارد لويس، الذي أعلن صراحة صهيونيته ويهوديته حالما حط الرحال في جامعه برنستون في ولاية نيوجرسي في الشرق الأمريكي. مما يؤخذ على المنتديات والمؤسسات الفكرية العربية والإسلامية محدودية الالتفاف على هذه الفئة والتأخر في ذلك. ومما يذكر هنا أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) في المملكة العربية السعودية قد تنبه لهذه الفئة، فاستدعى عددًا ممن كانت لهم إسهامات فكرية سلبية ضد الإسلام والمسلمين من المستشرقين والإعلاميين الغربيين، فكان أن دعا فرد هاليداي والسموءل هنتجنتون وفوكوياما وغيرهم، كما فعل قبل ذلك الملتقى الفكري الإسلامي الذي كان يعقد في الجزائر سنويًّا؛ إذ كان يدعو رهطًا من المستشرقين يحاورهم علماء المسلمين ويحاورونهم، مما نتج عنه تفاعل علمي وفكري أسهم في تقديم صورة معتدلة عن هذا الدين القويم. وعليه، فإن الحماس لأوليفييه روا لا يأتي من منطلق أنه مشروع مستشرق منصف فحسب، بل لأن مثل هؤلاء يستقطبون، وإلا فكتابُه فيه مغالطات صريحة وواضحة يمكن الوقوف عليها بسهولة، وكذلك نزوعه إلى المعلومة الإعلامية السريعة - كما مر ذكره. وقد أسهمت المترجمة لارا معلوف في شيء من الغموض في ذكرها للمصطلحات والشخصيات الإسلامية، فبالرغم من أن جهدها في الترجمة جهدٌ رائعٌ في مدة محدودة؛ إذ صدر الكتاب سنة 2002م/ 1422هـ بالفرنسية وانتهت من ترجمته ونشره سنة 1423هـ/ 2003م، إلا أنها لم توفق في معرفة المصطلحات الشرعية، مثل فرض العين وفرض الكفاية؛ إذ تعبر عن ذلك بأنه فرض فردي أو واجب جماعي، وجامع مكة، والمراد الحرم المكي الشريف، ودار الأرقام؛ أي: دار الأرقم بن أبي الأرقم، وجزر المولوك؛ أي: جزر الملوك، والشنكيتي؛ أي: الشنقيطي، والبراق؛ أي: البراك، وكون نصر الدين الألباني سعوديًّا دون التعليق في الهامش، والعقلة؛ أي: العقلا، وهذه كلها أسماء معروفة. كان يمكن أن يتأكد منها بالسؤال لأهل الذكر، ومع هذه الملحوظة المنهجية تظل الترجمة سلسة أسلوبًا، صحيحة لغة، أعانت على الاسترسال في القراءة،ولا يتسع المجال لمزيد من الوقوف على أفكار الكتاب بما فيه العنوان، "عولمة الإسلام"؛ إذ إن لتلك وقفاتٍ تطول، بما في ذلك الاسترسال في الحديث عن العولمة وارتباطاتها الثقافية والاقتصادية التي لم تركز عليها هذه الوقفات، على اعتبار أنها محدد قوي من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، وإنما جاء ذلك عرضًا في ثنايا الحديث عن المحددات كلها، ومما حفلت به المكتبة العربية من إنتاج عربي أصيل أو مترجم. [1] انظر: أوليفييه روا،عولمة الإسلام - مرجع سابق - ص 222. |
رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها
الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (الصور النمطية) ومن محددات العلاقة بين الشرق والغرب ذلك الإنتاج الفني المتمثل في التقارير والأفلام السينمائية التي دأبت على تصوير العرب (المسلمين) صورًا لا تليق بالإنسان والحضارة، سواء من النواحي غير الأخلاقية، أم من تصوير العرب من خلال مواقفهم السياسية وتعاملهم معها بالعنف والتخريب والهدم "الإرهاب"؛ فالمسلمون في هذه الأفلام إما شهوانيون يشربون الخمر ويتعاطون المخدِّرات ويرقصون ويعاشرون الحريم ويكثرون من الجواري والقيان، وإما غشاشون مدلسون محتالون ماكرون في التعامل مع الرحالة الأجانب والمستشرقين ومع المنصرين والمستكشفين والبعثات الدبلوماسية، وإما غواة يعشقون التفجير والخطف والاغتصاب والإهانات الأخرى. وهذه الصورة النمطية في التقارير المرئية والسينما والمسلسلات الغربية إنما جاءت بإيحاء من المحدد السابق المتعلق بالاستشراق، وربما اليهود، على اعتبار أن هناك اتفاقًا بين كثير من المعنيين على بروز سيطرة اليهودية على الفن عمومًا، وعلى المدن التمثيلية بخاصة، مثل هوليوود في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى سيطرتهم على شبكات القنوات التلفزيونية، وبالتالي القنوات الفضائية التي ملأت الأرض بما تبثه من أفكار ومشاهد، بينما اكتفت كثير من الفضائيات العربية باللهو والرياضة. وقد نوقشت هذه الظاهرة في تصوير المسلمين هذه الصور من مجموعة من المهتمين بتحسين الصورة العربية والمسلمة أمام الآخرين، من أمثال الدكتور جاك جي.شاهين،[1] والدكتور عبدالقادر طاش - رحمه الله تعالى - الذي كتب عن الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي[2]، وإدوارد سعيد وزينب عبدالعزيز وغيرهم[3]، في كتب معلومة وبحوث ودراسات علمية[4]، ومقالات مبثوثة في الصحافة الثقافية والدوريات العلمية[5]، فيرجع إليها في مظانها لمن أراد المزيد من البحث والدراسة. وقد يقال: إن العرب قد ساعدوا على ترسيخ هذه الصورة النمطية في الإعلام الغربي من خلال التراث الأدبي والفني العربي المأخوذ من ألف ليلة وليلة، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ومجالس بعض الخلفاء المزعومة، من أمثال مجالس الخليفة العباسي هارون الرشيد وأبنائه وأحفاده. والمشكلة هنا أننا أخذنا صورة الخليفة هارون الرشيد هذه من الغرب عن طريق الاستشراق، ثم عن الإعلام الغربي، فهارون الرشيد ذو المواقف التاريخية، الذي كان يحج عامًا ويغزو عامًا تراه - رحمه الله - عند بعضنا مثالًا للغَواية، حتى ذكر بعض المستشرقين أنه قد فصل ثوبين، ثوبًا يدخل رأسين، رأسه ورأس جعفر البرمكي، وذلك من ولعه وحبه بجعفر، ويعلق المستشرق على هذا الخبر بأنه يعطي صورة لمدى الغَواية التي وصل إليها الخلفاء المسلمون تعميمًا،ومع أن هذا الخبر مكذوب على خليفة واحد، فإنه أيضًا يسري عند هؤلاء على بقية خلفاء المسلمين. وكما اتُّهِمَ الخليفة العباسي في عِرضه - رحمه الله - يتهم بشهوانيته، وأنه يتكئ على النهود العارية للجواري الصافات على الدرج وهو يرتقيه ليهجع في منامه! وهذا الاتهام ليس لآخر خلفاء بني أمية الذين أسهموا في انتقال الخلافة إلى بني العباس، مع أنه لا يثبت، وليس اتهامًا لآخر خلفاء بني العباس الذين طردهم المغول فأسهموا في سقوط الخلافة، مع أنه لا يثبت كذلك، وإنما هو اتهام لخليفة يُعَدُّ عصرُه عصرَ ازدهار الحضارة الإسلامية. يأخذ الإعلام الغربي هذه الآثار ويصورها للعامة بعد أن يزيد عليها، ليقول للغربيين خاصة: هذا هو الدين الذي سيغزوكم، وهؤلاء هم الحكام الذين يسعون إلى الوصول إليكم،ولعل من آخر هذه الحملات وليس آخرها: فيلمًا خرج أخيرًا بعنوان "المأخوذة Taken"، تختطف فيه فتاة أمريكية في باريس عن طريق عصابة ألبانية، وينتهي بها المقامُ في أحضان شخصية عربية تشتري العذارى! فيُنقذها والدها، ويقتل كل من يقف في طريقه، بما فيهم تلك الشخصية العربية التي ظهرت في الفيلم بصورة شهوانية مقززة! إذا ما فرغ الإعلام الغربي من التراث، عرَّج على الواقع من خلال حوادث موجودة، ولكنها منعزلة هناك، تؤيد أن يبنى عليها قصصٌ وروايات هي مجال رحب للتمثيل، كاختطاف الطائرات والبواخر وتفجير الملاعب والمحافل العامة وأخذ الرهائن، وينسج عليها روايات، ويطعمها بمشاهد تقرب من الواقع العربي ومن المجتمع العربي، ليقول للعامة من سذج الغربيين: هؤلاء هم الناس هناك في الشرق، يملي عليهم دينهم هذه الأعمال الشهوانية والتخريبية، ويَعدهم جزاءً لها الجنة؛ لأنهم مجاهدون في سبيل الله،وهكذا تدخل المصطلحات الإسلامية هذا العبث في المدلول، فيحصل التشويه، وتعمم الصورة على الماضي والواقع والتطلعات. إذا كانت هذه الصورة النمطية المتمثلة في مجموعة المشاهد قد بدأت من السينما، فإنها انطلقت إلى بقية وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بالمشهد أو المقالة أو الصورة الهزلية "الكاريكاتير" في صحف واسعة الانتشار، وفي صحف غربية محلية لم يسلم منها سيد المرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم[6]. عندما فكرت المملكة العربية السعودية في استجلاب جبال الجليد للحصول على ماء حالٍ "محلًّى" قابل للشرب، صُوِّرت هذه الفكرة في إحدى الصحف المحلية (مدينة جينسفيل بولاية فلوريدا، 1397هـ/ 1997م) بجمل يجر جبلًا جليديًّا، ومع مراحل جلب هذا الجليد عن طريق جره بالجمل يذوب الجبل تدريجيًّا عند مروره على خط الاستواء، حتى إذا وصل إلى محطته الأخيرة لم يبقَ منه إلا مكعب ثلج يضعه العربي، بلباسه العربي، في كأس من الخمر فيشربه! هذه صورة واحدة أو مشهد واحد من المشاهد التي انتقلت بالصورة النمطية إلى بقية وسائل الإعلام الأخرى،والصور كثيرة جدًّا، أضحت مجالًا مؤثرًا وفاعلًا في تحديد العلاقة مع الغرب؛ إذ إنها لعبت لعبتها في العقلية الغربية التي آلت في مفهومها عن المسلمين بهذه الصورة النمطية إلى رفض قيام علاقة جادة بين الشرق/ المسلمين والغرب؛ لما يتوقع من التأثير الإسلامي على الحياة الغربية تأثيرًا سلبيًّا، إذا كان هذا هو الإسلام وإذا كان هؤلاء هم المسلمين،كما أنها أثرت في المجال الإسلامي تجاه الغرب الذي آمن بهذه الدعاية، وجعلها هي الوسيلة التي يحكم بها على أناسٍ هم على النقيض من ذلك تمامًا. رغم محاولات تصحيح الصورة بالجهود العلمية والثقافية من خلال الكتاب والمقالة والمحاضرة والحوار، فإن الطريق طويل للتصحيح، لعله يبدأ من داخل المسلمين أنفسهم، الذين لا نقول: إنها تتحقق فيهم الصورة النمطية عنهم، ولكنهم - من دون شك - أسهموا في بروز هذه الصورة النمطية، ولو بنسبة ضئيلة جدًّا، فلو لم يجد الغرب أرضية يتكئ عليها، لما وُفِّق كثيرًا في هذا التشويه للإسلام والمسلمين،ومهما كان الطريق طويلًا نحو التصحيح، وبالتالي التأثير، فإنه يبدأ بالخطوة الأولى، ولعله قد بدأ. [1] انظر: جاك جي.شاهين،الصورة النمطية للعرب في الأفلام الأمريكية - بالإنجليزية. [2] انظر: عبدالقادر طاش،الصورة النمطية للإسلام والعرب في مرآة الإعلام الغربي - الرياض: الدائرة للإعلام، 1409هـ. [3] انظر: سوزانا طربوش،صورة العرب في الغرب: حلقة نقاشية عقدت في أكسفورد 7 - 9 حزيران 1998م/ ترجمة طلال فندي، مراجعة عواد علي - عمان: المعهد الملكي للدراسات الدينية، 1998م - ص 79. [4] انظر رسالة الدكتور علي بن زهير القحطاني حول صورة العرب والإسلام والمسلمين في صحيفتي الواشنطن بوست والنيو يورك تايمز، لما بعد 11 سبتمبر،باللغة الإنجليزية The Post - September 11 Potrayal of Arabs،Islam،And Muslims in The Washington Post and The New Yorok Times: A Comattive Content Analysis Study -،Washington،D،C،Howard Univesit،2002. [5] انظر الوقفة ذات العنوان: الاستشراق، تلك التي تتحدث عن إدوارد سعيد من خلال كتابه: خارج المكان. [6] انظر: علي بن إبراهيم النملة،الاستشراق والرسول صلى الله عليه وسلم: مقدمة لنقد وراقي "بيبليوجرافي" - مجلة الجامعة الإسلامية - ع 147 مج 42 (1/ 1430هـ - ديسمبر 2008م) - ص 168 - 203. |
رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها
الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (أوريانا فلاتشي) وهذه وقفة أخرى حول كتاب "الغضب والاعتزاز" للكاتبة الروائية الصحفية الإيطالية أوريانا فلاتشي، التي توفيت في فلوانسا مسقط رأسها يوم الخميس ليلة الجمعة 21/ 8/ 1427هـ الموافق 15/ 9/ 2006م عن سبعة وسبعين عامًا، وقد ذكرت الأخبار أن شخصًا ليس مسلمًا عندما قرأ الكتاب ازداد تعاطفًا مع الإسلام، وربما أنه على وشك أن يعلن إسلامه، أو قد تم له ذلك هو وعدد ممن قرؤوا الكتاب، رغبةً في الوصول إلى معلومة تؤيد نظرتهم السلبية عن الإسلام والمسلمين، إلا أن النتيجة صارت عكسية؛ نظرًا لما اتسم به الكتاب من لهجة تجرح المشاعر الإنسانية، ناهيك عن المشاعر المنتمية للإسلام[1]. مهما يكن من أمر فلاتشي، فليست هي الأولى، ولن تكون الأخيرة التي تتعرض للإسلام بهذا الأسلوب الهزلي "الكاريكاتوري"، الذي زاد من توهجه وذيوعه كتابها الغضب والكرامة، أو الغضب والاعتزاز[2]،بل ربما يستغرب المتابع أسلوب التهوين في الوقوف مع الكتاب والكاتبة؛ ذلك أن اللغة التي عالجت المؤلفة بها الموضوع هي لغة سطحية واضحة ومباشرة،والذين يقرؤون ما يكتب عن الإسلام والمسلمين من بعض علماء الغرب والمستشرقين يدركون تمامًا المراد من التهوين؛ ذلك أن هؤلاء العلماء والمستشرقين قد كالوا للإسلام وأهله بمكيالين، وفلاتشي تكيل بمكيال واحد، وهذا أهون. يُعَد هذا الإرهاب الفكري نوعًا من أنواع الحوار بين الإسلام والأديان الأخرى،هذا الحوار ليس جديدًا، بل إنه بدأ بدايات واضحة إبان بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وعند الهجرة الأولى إلى الحبشة، فكان هناك منظر خلاب يجسد المناظرة بين المسلمين الجدد ورهبان النصارى المتمرسين بين يدي النجاشي، وكان هناك حوار آخر بين هرقل ومبعوث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان هناك حوار ثالث بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم نفسِه ونصارى جنوب جزيرة العرب، ثم امتدت الحوارات إلى يومنا هذا، وستبقى كذلك إلى أن تقوم الساعة. وقد مر وزير مغربي - كما عند المقريزي في كتابه السلوك لمعرفة الدول الملوك - على مصر في طريقه إلى مكة المكرمة، فوجد فيها أهل الذمة ينعمون بالحرية، بحيث يتعذر تمييز المسلم من النصراني[3]، ورأى كذلك أن النصارى يعملون في الدولة على زمان السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فأنكر الوزير ذلك في أن تظهر النعمة على أهل الذمة، وكونهم يلبَسون أفخر الثياب، ويركبون الخيل والبغال، ويُستخدَمون في أجلِّ المناصب، ويذلون المسلمين ويمشونهم في خدمتهم[4]، مما كان سببًا في إصدار مرسوم يحد من هذه الانطلاقة، ويعود بالذاكرة إلى ما عرف باسم الشروط العُمَرية، التي يدور حولها مزيد من الحوار كذلك، كما عند الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق الكبير[5]. يزخر التاريخ الحضاري الإسلامي بالأخبار التي تحدد مدى التعامل مع أهل الكتاب فيما يطلق عليه أحكام أهل الذمة[6]،وليس المجال هنا مجال العرض لهذا الجانب، مع أهميته. إن طرح فلاتشي سواء في كتابها هذا أم في كتابها الذي سبقه بعنوان "إن شاء الله" (1410هـ/ 1990م) أم في كتابها الذي لحقه بعنوان قوة العقل (1425هـ/ 2004م)[7] إنما هو نوع من الحوار؛ إذ إن الحوار يأخذ أشكالًا متعددة، بعضها بهجومه وغطرسته عنيفٌ جدًّا، وبعضها بعلميته وموضوعيته حضاري جدًّا، وبين هذين البعضين بُعوضٌ أخرى متفاوتة في قربها من أي من البعضين،ويحكم ذلك عوامل الزمان والمكان والحال التي عليها المسلمون حينما يكونون أكثرية غير فاعلة، ويكون أهل الذمة أقلية فاعلة، أو حينما يكون المسلمون أقلية فاعلة، ويكون أهل الذمة أكثرية غير فاعلة. يذكر عمارة لخوص في جريدة الحياة عرضًا للكتاب الأخير "قوة العقل"، ويعرج على أسلوب الصحَفية أوريانا فلاتشي مراسلة الحرب خلال الحرب الأمريكية على فيتنام، وخلال الحرب الأهلية في لبنان، في طرحها للقضايا الإسلامية في كتبها الثلاثة وغيرها، بأنها "نفضت الغبار عن أطروحة عفا عليها الزمن سادت في القرون الوسطى، وغذت مشاعر الخوف والكراهية والحقد، والتي كانت أرضية خصبة لشن الحروب الصليبية"[8]،ويذكر أن هذا الطرح أسلوب من أساليب "اغتيال الشخصية الإسلامية"، الذي زاد التركيز عليه في الآونة الأخيرة بالتحذير من تعريب أوروبا؛ أي: أسلمتها، "أوروبا العربية Euraoatabia"[9]. لا داعي للمزيد من جلد الذات، فإنما هي دول، ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]،وإنما يغضب الفرد بقدر ما يمس دينه بما ليس فيه، فيكون الغضب لله وفي الله. مع أن هذا الموضوع شائق، إلا أنه في الوقت نفسه شائك،ومع هذا وذاك فهو مهم جدًّا وحيوي، ويحتاج إلى مزيد من التركيز في بناء العلاقات، بغضِّ النظر عن التوجه السائد اليوم نحو العولمة والعلمنة، فإنما هي حقبة من أحقاب مرت وستمرُّ، والحاجة قائمة إلى مزيد من الاطلاع وفهم الآخر "بالاستغراب" بعد فهم الذات. [1] وصف جورج قرم هجوم كتاب فالاتشي بقوله: "أحرزت رسالة الهجاء المرعبة، التي تهاجم فيها الصحافية الإيطالية أوريانا فالاتشي بنبرة تنضح عنصرية، الإسلام والمسلمين، عقب اعتداء الحادي عشر من أيلول، نجاحًا متعاظمًا في أوروبا"،انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 143. [2] انظر: جورج قرم،شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 153. [3] انظر: المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي،السلوك لمعرفة الدول والملوك - ط 2 - القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1970م (1/ ق3: 909 – 913). [4] انظر: المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي،السلوك لمعرفة الدول والملوك - المرجع السابق – (1/ ق3: 990 – 913). [5] انظر: صبحي الصالح،شرح الشروط العمرية مجردًا من كتاب أحكام أهل الذمة، تأليف ابن قيم الجوزية - ط 2 - بيروت: دار العلم للملايين، 1401هـ/ 1981م - ص 262 - وانظر أيضًا مختصرًا لدى: شوقي أبو خليل،العهدة العمرية: البعد الإنساني في الفتوحات العربية الإسلامية - دمشق: دار الفكر، 1430هـ/ 2009م - ص 32. [6] انظر مثلًا: حسن الممي،أهل الذمة في الحضارة الإسلامية/ تقديم الشاذلي القليبي - بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1998م - ص 207،وانظر كذلك: أ.س.ترتون،أهل الذمة في الإسلام/ ترجمة حسن حبشي - ط 3 - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1994م - ص 280 - (سلسلة تاريخ المصريين؛ 70)،وسيدة إسماعيل كاشف،مصر الإسلامية وأهل الذمة - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م - ص 180 - (سلسلة تاريخ المصريين؛ 57)، وسلام شافعي محمود،أهل الذمة في مصر في العصر الفاطمي الأول - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م،ص 327 - (سلسلة تاريخ المصريين؛ 75)،وفاطمة مصطفى عامر،تاريخ أهل الذمة في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلى نهاية العصر الفاطمي - 2 ج - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000م - ص 416 - (سلسلة تاريخ المصريين؛ 172 - 173). [7] انظر: عمارة لخوص،الاستشراق، بمعناه السيئ، على الطريقة الإيطالية - الحياة. [8] انظر: عمارة لخوص،الاستشراق، بمعناه السيئ، على الطريقة الإيطالية - الحياة - المرجع السابق. [9] انظر: عمارة لخوص،الاستشراق، بمعناه السيئ، على الطريقة الإيطالية - الحياة - المرجع السابق. |
رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها
الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (الحوار - طرَفا الحوار) في السنوات الأخيرة ازداد الحوار المستمر بين الشرق والغرب، وأضحى يسمى اصطلاحًا "الحوار بين الإسلام والغرب"، وكأن الإسلام هو الطرف الأول والغرب هو الطرف الثاني في الحوار أو العكس. المتمعن في هذا الاصطلاح يدرك الغرض من إطلاقه؛ إذ إن الإسلام ثقافيًّا منطلق واحد، يحمل أفكارًا محددة، مَنشؤها كتاب الله تعالى القرآن الكريم، وسنَّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. أما الغرب فهو تجميع لثقافات عدة، بعضها ينطلق من منطلق ديني؛ كالنصرانية واليهودية، وبعضها ينطلق من منطلق متناقض مع الدين ومحارب له في الحياة العامة؛ كالعلمانية الشاملة، والشيوعية والاشتراكية والإلحادية، ثم في صياغتها الأخيرة باسم العولمة الثقافية، وغيرها من الملل والنحل التي تقف طرَفًا آخر في هذا الحوار القائم الآن مع الإسلام. الأصل أن يقوى الحوار ويستمر ويتخذ أشكالًا سلمية متعددة، بحسب المقام من حوارات فردية، أو جماعية علمية أكاديمية، أو فكرية، أو تجارية، أو اجتماعية؛ إذ لا يملك المرء اليوم إلا أن يكون طرفًا في هذا الحوار المستمر. مع أن فكرة الحوار ليست جديدة على هذه الثقافة، إلا أنه يستغرب المرء تحفظ بعض المعنيين من الحوار مع الآخر بحجج، منها: ارتباط الحوار بالتنصير[1]، وارتباطه بالتهيئة للاحتلال، ونحو ذلك من حجج وقتية قد لا ترقى إلى العلمية الموضوعية،وليس لدينا نحن المسلمين ما نخفيه عن الآخر، ليتحفظوا على الحوار معه[2]، وليس لدينا كذلك ما نخشاه من أن نصل إلى نتيجة مَرْضيَّة في الحوار؛ إذ إن المقصود من الحوار ليس النجاح فيه هدفًا، بل إن النجاح وسيلةٌ لا غاية، وعدم النجاح يعزى إلى المحاور، وليس إلى الموضوع المتحاور فيه،وإنما الغاية هي نقل المعلومة الصحيحة عن الإسلام، وتلقي المعلومة الصحيحة عن الثقافات الأخرى، ليكون هناك إقناع واقتناع. أهم من هذا كله: أن يقوم الحوار على المعلومة الصحيحة الواضحة، وأن يقوم على الندية بين المتحاورين، وأن تكون هناك نقاطُ تلاقٍ، كما تكون هناك نقاط اختلاف، ليكون للحوار مغزى وثمرة دونما خوف من الغرب على الشرق/ الإسلام، أو خوف من الشرق/ الإسلام على الغرب[3]،وقد أبدع فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد في حديثه، بل أحاديثه عن الحوار، وطرقه وآدابه وأصوله، ونشر هذا في أكثر من مكان ومقام[4]، فيرجع إليه؛ لِما فيه من فائدة مهمة في مجال الحوار بين المسلمين وغيرهم[5]. [1] انظر: التبشير والحوار في: سعود المولى،الحوار الإسلامي المسيحي: ضرورة المغامرة/ قدم له الشيخ محمد مهدي شمس الدين - بيروت: دار المنهل اللبناني، 1996م/ 1416هـ - ص 127 - 136. [2] جرى في المجمع الفاتيكاني الثاني (فاتيكان اثنين)، الذي عقد سنة 1965م، الوصول إلى إحدى عشرة نقطة، هي جملة قرارات المجمع، وهي على النحو الآتي: 1- تبرئة اليهود من دم المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام. 2- اقتلاع اليسار في عقد الثمانينيات. 3- اقتلاع الإسلام في عقد التسعينيات. 4- توصيل الإنجيل إلى البشر كافة. 5- توحيد الكنائس كافة تحت لواء كاثوليكية روما. 6- فرض عملية التنصير على المسحيين كافة، الكنسيون منهم والعلمانيون. 7- استخدام الكنائس المحلية في عمليات التنصير. 8- فرض بدعة الحوار أسلوبًا للتنصير. 9- إنشاء لجنة خاصة للحوار. 10- إنشاء لجنة خاصة لمهمات تنصير الشعوب. 11- تغيير اسم لجنة محاكم التفتيش. انظر: زينب عبدالعزيز، حرب صليبية بكل المقاييس - مرجع سابق - ص 27 - 53. [3] انظر: عبدالله عبدالدائم،العرب والعالم وحوار الحضارات - دمشق: دار طلاس، 2002م - ص 136. [4] انظر: صالح بن عبدالله بن حميد،أصول الحوار وآدابه - جدة: دار المنارة، 1415هـ/ 1994م - ص 40. [5] انظر: في آداب الحوار: عمر بن عبدالله كامل،آداب الحوار وقواعد الاختلاف - في: المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب - الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1425هـ/ 2004م - ص 34. |
رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها
الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (الفوقية والدونية) حوار الأديان قضية قديمة تتجدد مع الزمان،ويزيد من الاهتمام بها ازدياد الإقبال على الإسلام، فتهبُّ العقائد الأخرى، لا سيما النصرانية، في محاولة التركيز على نقاط اللقاء،ومعلوم لدينا أن هذا الحوار قد بدأ مع أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة - كما سبق ذكره أكثر من مرة - فحاورهم النجاشي حوارًا أراد منه أن يصل إلى الحق؛ ولذلك عندما وصل إليه آمن بالبعثة، وتوفي مسلمًا مؤمنًا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. ثم قدم وفد نجران إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان بينه وبينهم حوار انتهى بإسلام بعضهم على الأقل،وكان هناك حوار بين موفَد النبي صلى الله عليه وسلم وهرقل عظيم الروم،وكل هذه الحوارات مسجلة في سيرة المصطفى - عليه الصلاة والسلام[1]،واستمر الحوار إلى يومنا هذا في نماذج فريدة، يريد منها المحاور المسلم إقناع الآخر بالرسالة؛ طمعًا في إسلامه، أو درء شره على الأقل، إن أصر على الكفر بالرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم[2]. الذي يجمع بين الحوارات الفاعلة انطلاق المحاور المسلم من قوة الإيمان بالله تعالى، وبالرسالة، والرسول صلى الله عليه وسلم،ويكفي أن نتذكر موقف ربعي بن عامر رضي الله عنه في قوله لكسرى: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء، من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضِيق الدنيا إلى سَعتها، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام"[3]. أما إذا لم ينطلق المحاور المسلم من هذه القوة، فإن الأمر لم يَعد يأخذ صفة الحوار، بل يمكن أن نسميه بأي اسم آخر؛ كالاعتذار، أو الدفاع، أو التسويغ لأحداث وقتية قد تلصق بالإسلام، أو قد تنطلق على أنها من هذا الدين، بينما هي ليست بالضرورة منه،وقد تكون منه، ولكن الاعتذار أو التسويغ أو الدفاع يأتي لأنها أوامر أو نواهٍ لا تُعجِب الآخر، فنتقدم بها معتذرين عنها ونحن بصدق نشعر بالدونية في مقابل الآخر. متى ما سيطر عامل الدونية والفوقية في أي حوار، فإنه لا يسمى حينئذ حوارًا بالتعريب الإجرائي للحوار بين عقيدتين، ومثله في ذلك حوار رئيس العمل الجاف الجِلف مع عامله الضعيف المنكسر الخائف[4]. إن حوارات الزمن الحالي بين المسلمين وغير المسلمين لا يصدق عليها مفهوم الحوار الإجرائي بين عقيدتين أو أكثر؛ ذلك أن أغلب المحاورين، وليس كلهم، متَّهمون باتباعهم الأساليب الاعتذارية والدفاعية والتسويغية في حواراتهم مع الآخر؛ ذلك أن الآخر ربما يركز في حواره على ظاهرات اجتماعية طارئة على المجتمع المسلم دفع إليها وضع غير طبيعي في ذاك المجتمع[5]. من ناحية أخرى، يظهر أن المحاور الآخر قد وضع تصورًا في ذهنه للحياة والعلاقات، وأراد من الآخرين أن يقربوا منها في وقت هو فيه الغالب والمسيطر على الحياة الاقتصادية والثقافية والفكرية؛ ولذا فإن مقياسه نابع من نظرته هو. لذا يقوم حواره على اتهام الآخر بأنه لم يصل إلى المستوى الاقتصادي والسياسي والفكري الذي وصل إليه هو، وإن يكن قد بنى هذا كله على مقدمات خاطئة وقواعد غير راسخة، ولكنه لا يعترف بذلك، ومن هنا، ولهذين العاملين المتوافرين في المتحاورين من الجهتين، يفقد الحوار الغرض الذي قام من أجله، ولا يكون الإقناع والاقتناع هدفًا أساسيًّا من أهدافه، فالقوي في هذا الحوار يريد أن يملي أفكاره، والضعيف فيه يريد أن يعتذر عن أفكاره، رغبةً خاطئة منه في محاولة الاقتراب. وقد بدا في لقاءات الحوار التي تتم في بعض البلاد العربية شيءٌ من هذا من الطرفين أو من الأطراف المتحاورة، ومن خلال المتابعة الإعلامية لهذه الحوارات يظهر أنه قد تجسدت فيها مفهومات الدونية والفوقية، وإن لمس الاعتذار من الطرف الآخر في مسألة البوسنة والهرسك مثلًا، الأمر الذي أدى بالجانب المسلم إلى الاعتذار عن الصرب أنفسهم، وأنهم لا يمثلون النصرانية التي تسود اليوم! وليت هذا الاعتذار قد جاء من جانب آخر، لكان الأمر أسهل، ولَدَخل في منطق التسويغية التي تهيمن على حوارات اليوم[6]. إننا لا نزال نحتاج إلى الوقت غير المحدد الذي نقوي فيه انتماءنا لهذا الدين، فنفهمه فهمًا يؤهلنا إلى تقديمه إلى الآخر بالقوة المطلوبة، التي لا تعني بالضرورة العنف، كما قد يفهم منها،وهذا أمر متحقق، والمسألة مسألة وقت ومزيد من الوعي. [1] انظر: عبدالسلام هارون،تهذيب سيرة ابن هشام - ط 3 - القاهرة: المؤسسة العربية الحديثة، 1396هـ/ 1967م - ص 471. [2] انظر: محمد خاتمي،حوار الحضارات/ ترجمة: سرمد الطائي - دمشق: دار الفكر، 1423هـ/ 2002م - ص 152. [3] انظر: عبدالسلام هارون،تهذيب سيرة ابن هشام - مرجع سابق - ص 471 - وانظر أيضًا: أبو الحسن علي الحسني الندوي،الإسلام والغرب - بيروت: مؤسسة الرسالة، 1405هـ/ 1985م - ص 19 - 20. [4] انظر نماذج من هذا الموقف الاعتذاري في: كلثوم السعي،نحن والغرب: حوارات مع: حمادي الصيد، وسهيل إدريس، والطاهر لبيب، وعبدالمجيد الشرفي، ومحد الطالبي - تونس: مؤسسة عبدالكريم بن عبدالله، 1992م - ص 138،وانظر في ذلك كذلك: عبدالوهاب المؤدب،أوهام الإسلام السياسي - مرجع سابق - ص 231،وفي هذا المرجع الأخير الذي بذل فيه الكاتب جهدًا كبيرًا قدر عال من السخرية، خلط فيه الكاتب بين من يستحق ومن لا يستحق من منطلق تغريبي يبرز فيه قدر من التأثر بالكتَّاب الغربيين المتطرفين المتحاملين على الإسلام. [5]انظر حوارات أحمد الشيخ مع رهط من المثقفين العرب في: أحمد الشيخ،من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: المثقفون العرب والغرب - القاهرة: المركز العربي للدراسات الغربية، 2000م - ص 319،وقد حاور فيه واحدًا وعشرين مفكرًا عربيًّا. [6]تبنَّت مكتبة الإسكندرية عقد ندوات للحوار بصورة دورية، بحيث تختار موضوعًا محددًا للحوار مع الآخر،وهي سلسلة من الندوات موجودة على موقع المكتبة الإلكتروني. |
رد: الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها
الشرق والغرب منطلقات العلاقات ومحدداتها أ. د. علي بن إبراهيم النملة (التحفظ) هناك جملة من الكتَّاب العرب يتحفظون على فكرة الحوار مع الآخر ممن يختلفون عنا في الدين، بل إن أحد المؤلفين قد وصل به الرأي إلى تحريم التعامل مع فئة أولئك القوم، لا سيما المستشرقين منهم[1]،ويرى المؤلف أن التعاون معهم إنما هم من باب الموالاة لهم،ويورد نصوصًا شرعية تؤيد ما ذهب إليه في رأيه،ويظهر هذا على سبيل المثال في الطبعة الثانية من كتاب رؤية إسلامية للاستشراق للأستاذ الدكتور أحمد عبدالحميد غراب[2]. هل الحوار مع الآخر يعني بالضرورة التعاون معه؟ وهل التعاون على الأمور المشتركة مما يدخل في المحظور؟ وهل التعاون المطلوب معه يعني بالضرورة موالاته؟ يبدو أن مسألة الولاء والبراء في هذا الرأي غير واضحة ولا تنطلق من رؤية علمية بقدر ما تنطلق من موقف آنيٍّ أو نظرة عاطفية لا تكنُّ موقفًا إيجابيًّا مع الغرب، على غرار ما دعت إليه بعض الحركات الإسلامية، ويبدو كذلك أن على أهل العلم أن يركزوا على مسألة الولاء والبراء، من حيث حدودهما ومدلولاتهما، بله مفهومهما. الحوار الذي يتحفظ عليه بعض المعنيين من المفكرين هو ذلك الحوار الذي يشعر فيه المحاور المسلم بالدونية أمام الآخر الذي يُشعِر مَن يحاورهم بأنه على قدر كبير من العلم والمعرفة والتفوق الحضاري،ومن ذلك أيضًا التحفظ على إطلاق هذا الحوار بأنه حوار الأديان، وإنما هو حوار أهل الأديان؛ لأن إطلاق حوار الأديان قد يقتضي الاعتراف الضمني بسلامتها،وهل حوار الأديان إلا حوار أهل الأديان من قبيل قوله تعالى: ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ [يوسف: 82]؟ هذا ما يثيره الأستاذ الدكتور حسن بن فهد الهويمل في حديثه عن الاستشراق في مجلة المنهل في عدد يعود إلى سنة 1409هـ/ 1989م حينما يركز على مشكلة عدم التكافؤ بين المتحاورين، بسبب شعور طرف منهما بالفوقية على الطرف الآخر من دون شعور الطرف الآخر بالضرورة بالدونية تجاه المحاور[3]، الخطأ هنا ليس في الحوار ذاته، بل هو في المحاورين بفتح الواو وكسرها،والمحاور المسلم مطالب بعدم الهوان: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، والعلو هنا مربوط بالإيمان، لا العلو الموجه بالغطرسة والعرقية والجنس البشري، بل العالي هنا هو المؤمن أين يكون وكيف يكون ومتى يكون،وإذا تحقق الإيمان لدى الشخص تحقق لديه العلو الذي يفرض نفسه على الآخرين. إمام المحاورين بعلو الأديان هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما وفدت عليه الوفود فحاورهم داخل المسجد، وكان بينهم أخذٌ وردٌّ وسؤال وجواب وحِجاج، انتهى في الأخير إلى أن يعلن بعض المحاورين إسلامهم مع بقاء بعض منهم على عنادهم - كما مر ذكره كثيرًا في هذه الوقفات - ويبقى أناس على عنادهم ومكابرتهم وتعاليهم على مر العصور،ثم إن وفود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد حاورت الآخر من عظماء الأمم في ذلك الوقت في عقر دارهم من دون أن يشعر الموفَد بذرة من الدونية أمام جبابرة الأرض. تتعرض الجاليات المسلمة المتغربة في مجتمعات غير مسلمة والجاليات غير المسلمة في المجتمعات المسلمة دائمًا لنوع من أنواع الحوار وشكل من أشكال الحصول على المعلومات المباشرة من الأخلاص المخلصين في علمهم ونباهتهم وحملهم الهم، فهل يتصور أن يمتنع مسلم مسؤول عن قضية ما عن تبيان حقيقتها التي يعرفها هو، وذلك بحجة أن هناك موقفًا غير إيجابي من الحوار؟! ليس هنا ادعاء بإثارة شيء جديد، ولكنه موضوع يتجدد دائمًا، ويتطلع إلى حسم الرأي فيه شرعًا أولًا، بحيث لا يشعر المحاور المسلم بأي حرج من محاورة الآخر، والحسم قد يعني إسقاط بعض الآراء المانعة للحوار إذا لم تستند على دليل قوي، أو ربما أخطأت في استخدام النصوص دليلًا على توجهها. لقد تعرض الإسلام لحملات من التشويه على أيدي بعض المستشرقين والمنصرين والإعلاميين،وهو يتعرض لهذا في زمننا الحاضر، ولكن هذه الحملات لا تعني أن نتوقف عن الاتصال بالآخر بالتحاور معه وتبيان ما عُمِّي له عن الإسلام وعن دياناته التي ينتمي إليها[4]. موضوع الحوار يحتاج إلى مزيد من الوقفات، فقد تبين من رصد هذا الموضوع أن هناك كتابات كثيرةً من كتب ومقالات عن الحوار مع الآخر[5]، تحتاج إلى المزيد من التحليل. [1]انظر: أحمد عبدالحميد غراب،رؤية إسلامية للاستشراق - ط 2 - لندن: المنتدى الإسلامي، 1411هـ - ص 72 - 80. [2]انظر: أحمد عبدالحميد غراب،رؤية إسلامية للاستشراق - المرجع السابق - ص 72 - 80. [3]انظر: حسن بن فهد الهويمل،الفوقية الحضارية - المنهل - ع 471 (مج 50)، (رمضان وشوال 409هـ - إبريل ومايو 1989م)،ص 277 - 292. [4]انظر: أحمد عبدالرحيم السايح،في الغزو الفكري - الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1414هـ - ص 157 - (سلسلة: كتاب الأمة: 38). [5]انظر: ناصر الدين الأسد،نحن والآخر: صراع وحوار - بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1997م - ص 131. |
الساعة الآن : 10:53 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour