رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 311 الى صـ 315 الحلقة (61) القول في تأويل قوله تعالى : [152 ] فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون قال ابن جرير : أي اذكروني أيها المؤمنون بطاعتكم إياي فيما آمركم به وفيما أنهاكم عنه ، أذكركم برحمتي إياكم ومغفرتي لكم . وقد كان بعضهم يتأول ذلك أنه من الذكر بالثناء والمدح . وقال القاشاني : اذكروني بالإجابة والطاعة ، أذكركم بالمزيد والتوالي . وهي بمعنى ما قبله ، وقوله "واشكروا لي" قال ابن جرير : أي اشكروا لي فيما أنعمت عليكم من الإسلام والهداية للدين الذي شرعته . وقوله "ولا تكفرون" أي لا تجحدوا إحساني إليكم فأسلبكم نعمتي التي أنعمت عليكم . قال السمرقندي : أي اشكروا نعمتي : أن أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ، ولا تجحدوا هذه النعمة ، ويقال : النعمة ، في الحقيقة هي العلم . وما سواه فهو تحول من راحة إلى راحة ، وليس بنعمة . والعلم [ ص: 311 ] لا يمل منه صاحبه . بل يطلب منه الزيادة . فأمر الله تعالى بشكر هذه النعمة ، وهي نعمة بعثه رسولا يعلمهم الكتاب والحكمة . كما قصه الحرالي . ولما كان للعرب ولع بالذكر لآبائهم ولوقائعهم ، جعل تعالى ذكره لهم عوض ما كانوا يذكرون . كما جعل كتابه عوضا من أشعارهم . وهز عزائمهم لذلك بما يسرهم به من ذكره لهم . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يقول الله عز وجل : أنا مع عبدي حين يذكرني . فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم . وإن اقترب إلي شبرا اقتربت إليه ذراعا . وإن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا . فإن أتاني يمشي أتيته هرولة » . صحيح الإسناد أخرجه البخاري أيضا . وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة : أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده » . والآثار في فضل الذكر متوافرة ويكفي فيه هذه الآية الكريمة . (تنبيه) قال النووي رحمه الله تعالى : اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوهما ، بل كل عامل لله تعالى بطاعة ، فهو ذاكر لله تعالى . [ ص: 312 ] كذا قاله سعيد بن جبير رضي الله عنه ، وغيره من العلماء . وقال عطاء رحمه الله : مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام ، كيف تشتري وتبيع ؟ وتصلي وتصوم ؟ وتنكح وتطلق ؟ وأشباه هذا . وقال النووي أيضا : إن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها ، واجبة كانت أو مستحبة ، لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ، لا عارض . وقد صنف ، في عمل اليوم والليلة ، جماعة من الأئمة كتبا نفيسة . ومن أجمعها للمتأخرين (كتاب الأذكار للنووي) ، وممن جمع زبدة ما روى فيها الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في (زاد المعاد) ، وقال في طليعة ذلك : كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق ذكرا لله عز وجل . بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه . وكان أمره ونهيه وتشريعه للأمة ذكرا منه لله . وإخباره عن أسماء الرب وصفاته وأحكامه وأفعاله ووعده ووعيده ذكرا منه له . وثناؤه عليه بآلائه وتمجيده وتسبيحه ذكرا منه له . وسؤاله ودعاؤه إياه ورغبته ورهبته ذكرا منه له . وسكونه وصمته ذكرا منه له بقلبه . فكان ذكر الله في كل أحيانه وعلى جميع أحواله . وكان ذكره الله يجري مع أنفاسه قائما وقاعدا ، وعلى جنبه ، وفي مشيه وركوبه ومسيره ، ونزوله وظعنه وإقامته . انتهى . وأما الأذكار المحدثة والسماعات المبتدعة ، سماع الكف والدف ، فلم يكن الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، وسائر الأكابر من أئمة الدين ، يجعلون هذا طريقا إلى الله تبارك وتعالى . ولا يعدونه من القرب والطاعات بل يعدونه من البدع المذمومة . حتى قال الشافعي : خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه (التغبير) يصدون به الناس عن القرآن . وأولياء الله العارفون يعرفون ذلك ، ويعلمون أن للشيطان فيه نصيبا وافرا . ولهذا تاب منه خيار من حضره منهم ، ومن كان أبعد عن المعرفة وعن كمال ولاية الله ، كان نصيب الشيطان فيه أكثر. فسماع الغناء والملاهي من أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية ، وهو [ ص: 313 ] سماع المشركين ; قال الله تعالى : وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ، وغيرهما من السلف : التصدية ، التصفيق باليد . والمكاء مثل الصفير . فكان المشركون يتخذون هذا عبادة . وأما النبي صلى الله عليه وسلم فعبادتهم ما أمر الله به من الصلاة والقراءة والذكر ونحو ذلك ، والاجتماعات الشرعية، ولم يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على استماع غناء قط . لا بكف ولا بدف ولا تواجد. وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا اجتمعوا ، أمروا واحدا منهم أن يقرأ . والباقون يستمعون . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى الأشعري : ذكرنا ربنا . فيقرأ وهم يستمعون . ومر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال له : « مررت بك البارحة ، [ ص: 314 ] وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك » . فقال : لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا . أي لحسنته لك تحسينا . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « زينوا القرآن بأصواتكم » . وقال صلى الله عليه وسلم : « لله أشد أذنا (أي استماعا) إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به ، من صاحب القينة إلى قينته » . وعن عبد الله بن مسعود قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : « اقرأ علي » ، قلت : يا رسول الله : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال : « نعم » . فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال : « حسبك الآن » . فالتفت فإذا عيناه تذرفان . ومثل هذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه فقال : أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا وقال تعالى في أهل المعرفة : وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول [ ص: 315 ] ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ومدح سبحانه أهل هذا السماع بما يحصل لهم من زيادة الإيمان واقشعرار الجلد ودمع العين فقال تعالى : الله نـزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله وقال تعالى : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا فخلاف هذا السماع ، من الباطل الذي نهى عنه . ولذلك لم يفعله القرون الثلاثة التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا فعله أكابر المشايخ ، فليفق من كان من الفريق الأدنى في سلوك فقره ، وليصحب من هو من الرفيق الأعلى إلى حلول قبره ، وليداو جراحات اجتراح بدعته ، باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولزوم سنته . واعلم أن ذكر الله تعالى تارة يكون لعظمته ، فيتولد منه الهيبة والإجلال . وتارة يكون لقدرته فيتولد منه الخوف والحزن ، وتارة لنعمته فيتولد منه الشكر ، ولذلك قيل : ذكر النعمة شكرها ، وتارة لأفعاله الباهرة فيتولد منه العبر . فحق المؤمن أن لا ينفك أبدا عن ذكره تعالى على أحد هذه الأوجه . وقوله تعالى : واشكروا لي ولا تكفرون فيه أمر بشكره على نعمه وعدم جحدها ; (فالكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب) . وقد وعد تعالى على شكره بمزيد الخير فقال : وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد قال ابن عطية : اشكروا لي واشكروني بمعنى واحد . و "لي" أفصح وأشهر مع الشكر . https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/36.jpg |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثانى صـ 331 الى صـ 335 الحلقة (65) السادسة : الحلم ممن صدرت عنه المصيبة : إن إبراهيم لأواه حليم [ ص: 331 ] إنا نبشرك بغلام عليم [ وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد قيس ] : « إن فيك لخصلتين يحبهما الله تعالى : الحلم والأناة » . وتختلف مراتب الحلم باختلاف المصائب في صغرها وكبرها ، فالحلم عند أعظم المصائب أفضل من كل حلم . السابعة : العفو عن جانيها : والعافين عن الناس فمن عفا وأصلح فأجره على الله والعفو عن أعظمها أفضل من كل عفو . الثامنة : الصبر عليها ، وهو موجب لمحبة الله تعالى وكثرة ثوابه : والله يحب الصابرين إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر . [ ص: 332 ] التاسعة : الفرح بها لأجل فوائدها : قال عليه الصلاة والسلام : « والذي نفسي بيده ! إن كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء » . وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : حبذا المكروهان الموت والفقر . وإنما فرحوا بها إذ لا وقع لشدتها ومرارتها بالنسبة إلى ثمرتها وفائدتها ، كما يفرح من عظمت أدواؤه بشرب الأدوية الحاسمة لها ، مع تجرعه لمرارتها . العاشرة : الشكر عليها لما تضمنته من فوائدها . كما يشكر المريض الطبيب القاطع لأطرافه ، المانع من شهواته ، لما يتوقع في ذلك من البرء والشفاء . الحادية عشرة : تمحيصها للذنوب والخطايا : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير « ولا يصيب المؤمن وصب ولا نصب حتى الهم يهمه [ ص: 333 ] والشوكة يشاكها إلا كفر به من سيئاته » . الثانية عشرة : رحمة أهل البلاء ومساعدتهم على بلواهم ; فالناس معافى ومبتلى ، فارحموا أهل البلاء واشكروا الله تعالى على العافية ، وإنما يرحم العشاق من عشق . الثالثة عشرة : معرفة قدر نعمة العافية والشكر عليها . فإن النعم لا تعرف أقدارها إلا بعد فقدها . الرابعة عشرة : ما أعده الله تعالى على هذه الفوائد من ثواب الآخرة على اختلاف مراتبها . الخامسة عشرة: ما في طيها من الفوائد الخفية : فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم [ ص: 334 ] إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ولما أخذ الجبار سارة من إبراهيم كان في طي تلك البلية أن أخدمها هاجر . فولدت إسماعيل لإبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، فكان من ذرية إسماعيل خاتم النبيين ، فأعظم بذلك من خبر كان في طي تلك البلية ، وقد قيل : كم نعمة مطوية لك بين أثناء المصائب [ ص: 335 ] وقال آخر : رب مبغوض كريه فيه لله لطائف https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
https://majles.alukah.net/imgcache/2020/10/35.jpg تفسير "محاسن التأويل" محمد جمال الدين القاسمي سورة البقرة المجلد الثالث صـ 351 الى صـ 355 الحلقة (69) القول في تأويل قوله تعالى: [159] إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إن الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون لما تقدم أن بعض أهل الكتاب يكتمون ما يعلمون من هذا الحق، وختم ما أتبعه له بصفتي الشكر والعلم - ترغيبا وترهيبا - بأنه يشكر من فعل ما شرعه له، ويعلم من أخفاه وإن دق فعله وبالغ في كتمانه، انعطف الكلام إلى تبكيت المنافقين منهم، ولعنهم على كتمانهم ما يعلمون من الحق ; إذ كانت هذه كلها في الحقيقة قصصهم، والخروج إلى غيرها إنما هو استطراد على الأسلوب الحكيم المبين ; لأن هذا الكتاب هدى، وكان السياق مرشدا إلى أن التقدير بعد: شاكر عليم ومن أحدث شرا فإن الله عليم قدير، فوصل به استئنافا قوله - على وجه يعمهم وغيرهم -: إن الذين يكتمون ما أنـزلنا الآية، بيانا لجزائهم، فانتظمت هذه الآية في ختمها لهذا الخطاب بما مضى في أوله من قوله: ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون فكانت البداية خاصة، وكان الختم عاما، ليكون ما في كتاب الله أمرا منطبقا - على نحو ما كان أمر محمد صلى الله عليه وسلم ومن تقدمه من الرسل خلقا - لينطبق الأمر على الخلق بدءا وختما انطباقا واحدا، فعم كل كاتم من الأولين والآخرين. نقله البقاعي. واللعن: الطرد والإبعاد عن الخير، هذا من الله تعالى، ومن الخلق: السب والشتم، والدعاء على الملعون، ومشاقته، ومخالفته، مع السخط عليه، والبراءة منه. والمراد بقوله: اللاعنون كل من يصح منه لعن، وقد بينه بعد قوله تعالى: أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين [ ص: 352 ] وقد دلت الآية على أن هذا الكتمان من الكبائر ; لأنه تعالى أوجب فيه اللعن، لأن ما يتصل بالدين ويحتاج إليه المكلف لا يجوز أن يكتم، ومن كتمه فقد عظمت خطيئته، وبلغ للعنه من الشقاوة والخسران الغاية التي لا يدرك كنهها..! وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن كتمان العلم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: لولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئا أبدا: إن الذين يكتمون الآية، وقوله: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه الآية. ثم استثنى تعالى من هؤلاء من تاب إليه فقال: [ ص: 353 ] القول في تأويل قوله تعالى: [160] إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم إلا الذين تابوا - أي: عن الكتمان -: وأصلحوا - أي: عملوا صالحا -: وبينوا - ما كانوا كتموه فظهرت توبتهم بالإقلاع -: فأولئك أتوب عليهم - أي: أقبل توبتهم بإفاضة المغفرة والرحمة عليهم -: وأنا التواب الرحيم ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمر به الحال إلى كفره بقوله: القول في تأويل قوله تعالى: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها - أي: في اللعنة، أو في النار، على أنها أضمرت من غير ذكر تفخيما لشأنها وتهويلا لأمرها -: لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون - إما من الإنظار بمعنى التأخير والإمهال. أي: لا يمهلون عن العذاب ولا يؤخر عنهم ساعة بل هو متواصل دائم، أو من النظر بمعنى الرؤية أي: لا ينظر إليهم نظر رحمة كقوله: ولا ينظر إليهم يوم القيامة [ ص: 354 ] القول في تأويل قوله تعالى: [163] وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم يخبر تعالى بخطابه كافة الناس عن تفرده بالإلهية، وأنه لا شريك له ولا عديل. قال الراغب: يجوز أن يكون قوله: وإلهكم إله واحد خطابا عاما، أي: المستحق منكم العبادة هو إله واحد لا أكثر، ويجوز أن يكون خطابا للمؤمنين، والمعنى: الذي تعبدونه إله واحد، تنبيها أنكم لستم كالكفار الذين يعبدون أصناما آلهة والشيطان والهوى وغير ذلك. إن قيل: ما فائدة الجمع بين: ( إلهكم إله واحد ) وبين: لا إله إلا هو وأحدهما يبنى على الآخر؟ قيل: لما بين بقوله: وإلهكم إله واحد أنه المقصود بالعبادة أو المستحق لها - وكان يجوز أن يتوهم أن يوجد إله غيره، ولكن لا يعبد ولا يستحق العبادة - أكده بقوله: لا إله إلا هو وحق لهذا المعنى أن يكون مؤكدا وتكرر عليه الألفاظ ; إذ هو مبدأ مقصود العبادة ومنتهاه. انتهى. وقال الرازي: إنما خص سبحانه وتعالى هذا الموضع بذكر هاتين الصفتين ; لأن ذكر الإلهية والفردانية يفيد القهر والعلو، فعقبهما بذكر هذه المبالغة في الرحمة ترويحا للقلوب عن هيبة الإلهية وعزة الفردانية، وإشعارا بأن رحمته سبقت غضبه، وأنه ما خلق الخلق إلا للرحمة والإحسان. انتهى. ولما كان مقام الوحدانية لا يصح إلا بتمام العلم وكمال القدرة، نصب تعالى الأدلة، من العلويات والسفليات وعوارضهما والمتوسطات، على ذلك تبصيرا للجهال وتذكيرا للعلماء بقوله: [ ص: 355 ] القول في تأويل قوله تعالى: [164] إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنـزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون إن في خلق السماوات والأرض - في ارتفاع الأولى ولطافتها واتساعها وكواكبها السيارة والثوابت ودوران فلكها، وفي انخفاض الثانية وكثافتها وجبالها وبحارها وقفارها ووهادها وعمرانها وما فيها من المنافع -: واختلاف الليل والنهار أي: اعتقابهما وكون كل منهما خلفا للآخر، فيجيء أحدهما ثم يذهب ويخلفه الآخر ويعقبه لا يتأخر عنه لحظة. كقوله تعالى: وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة أو اختلاف كل منهما في أنفسهما ازديادا وانتقاصا كما قال: يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل أي: يزيد من هذا في هذا ومن هذا في ذاك والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس أي: في تسخير البحر بحمل السفن من جانب إلى آخر لمعايش الناس والانتفاع بما عند أهل إقليم لغيره. https://alashrafedu.com/up/uploads/w...5352161885.gif |
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
|
الساعة الآن : 09:42 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour