ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   محاضرات و دروس عن الهجرة المباركة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=19550)

mahmoud eysa 16-01-2007 09:11 PM

محاضرات و دروس عن الهجرة المباركة
 
:o :o :o :cool: http://www.alkhateeb.net/ALKhtebAdmi...5e4eb6737d.jpg قال ابن عبد البر – رضي الله عنه – ما ملخصه:
فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليلة العقبة وكانت سرا على كفار قومهم وكفار قريش، أما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة إرسالا . فقيل أول من خرج أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وحبست عنه امرأته أم سلمة بنت أبي أنية بمكة نحو سنة، ثم أذن لها في اللحاق بزوجها فانطلقت مهاجرة، وشيعها عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وهو كافر إلى المدينة ونزل أبو سلمة في قباء. ثم عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب معه امرأة ليلة بنت أبي حثمة بن غانم ، وهي أول ظعينة دخلت من المهاجرات إلى المدينة؟ ثم عبد الله بن جحش وأخوه أبو أحمد بن جحش الشاعر الأعمى، وأمها وأم إخوتها أميمة بنت عبد المطلب وهاجر جميع بني جحش بنسائهم فعدا أبو سفيان على دارهم فتملكها إذ خلت منهم، وكانت الفارعة بنت أبي سفيان تحت أبي أحمد بن جحش فنزل هؤلاء الأربعة بقباء.
وذكر جماعة إلى أن قال، ثم خرج عمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة في خشرين راكبا فقدموا المدينة فنزلوا في الحوالي في بني أمية بن زيد، وكان يصلي بهم سالم مولي أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا، وكان هشام بن العاص بن وائل قدأسلم وواعد عمر بن الخطاب أن يهاجر معه، وقال: تجدني أو أجدك عند أضاة بن غفار، ففطن لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة ثم إن أبا جهل والحارث بن هشام أتيا المدينة، فكلما عياش بن ربيعة وكان أخاهما لأمهما وابن عمهماـ وأخبراه أن أمه قد نذرت ألا تغسل رأسها ولا تستظل حتى تراه، فرقت نفسه وصدقهما، وخرج راجع معهما وكتفاه في الطريق وبلغاه مكة فحبساه بها، مسجونا إلىأن خلصه الله بعد ذلك بدعاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – له، في قنوت الصلاة: اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنينا كسني يوسف. ثم استنقذ اللهعياش بت أبي ربيعة وسائرهم وهاجر إلى المدينة.
ثم قدم طلحة بن عبيد الله فنزل هو وصهيب بن سنان على خبيب بن إساف في بني الحارث بن الخزرج ، ويقال: بل نزل طلحة على أبي أمامة أسعد بن زرارة وكان صهيب ذا مال فاتبعته قريش ليقتلوه ويأخذوا ماله، فلما أشرفوا عليه ونظر منهم ونظروا إليه قال لهم: قد تعلمون أني من أراماكم رجلا ووالله لا تصلون إلي أو يموت من شاء الله منكم أن يموت قالوا: فاترك مالك وانهض، قال مالي خلفته بمكة وأنا أعطيكم أمارة فتأخذونه فعلموا صدقه وانصرفوا عنه إلى مكة بما أعطاهم من أمارة، فإخذوا ماله فنزلت فيه ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾البقرة 207. ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخي حسان بن ثابت في بني النجار ونزل العزّاب على سعد بن خيثمة وكان عزبا، ولم يبق بمكة أحد من المسلمين إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر وعلي كانا مع رسول الله بأمره، وحبس قوم كرها حبسهم قومهم، فكتب لهم آجر المجاهدين بما كانوا عليه من حرصهم على الهجرة.

قال الغزالي: وهكذا أخذ المهاجرون يتركون مكة زراقات ووحدانا، حتى كادت مكة تخلةا من المسلمين، وشعرت قريش بأن الإسلام أضحت له دار يأرز إليها، وحصن يحتمي به، وتوجست خيفة من هذه المرحلة الخطيرة غي دعوة محمد –صلى الله عليه وسلم -، وهاجت في دماءها غرائز السبع المفترس حين يخاف على حياته.
إن محمد – صلى الله عليه وسلم – لا تزال في مكة وهو – لا بد – مدرك أصحابه اليوم أو غدا فلنعجل به قبل أن يستدير إليها.
الفوائد والآثار الإيمانية:
1 – كانت فتنة المسلمين من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – في مكة فتنة الإيذاء والتعذيب وما يرونه من المشركين من ألوان الهزء والسخرية، فلما أذن لهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالهجرة أصبحت فتنتهم في ترك وطنهم وأموالهم ودورهم وأمتعتهم،ولقد كانوا أوفياء لدينهم مخلصين لربهم، أمام المحنة الأولى والثانية قابلوا المحن والشدائد بصبر ثابت وعزم عنيد، حتى إذا أشار لهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالهجرة إلى المدينة توجهوا إليها وقد تركوا من وراءهم الوطن وما لهم فيه من مال ومتاع ونشب، ذلك بأنهم خرجوا مستعفين متسللين، ولا يتم ذلك إلا إذا تخلصوا من الأمتعة والأثقال، فتركوا كل ذلك ليسلم لهم الدين، واستعاضوا عنه بالأخوة في الدين ينتظرونهم في المدينة ليؤوهم وينصرونهم.
2 – وقال الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله:
إن النفس الإسلامية يريد لها الإسلام أن تعيش في جو من النظام والحكم وسهل لها فهم هداية الإسلام، ويجب إليها العمل بهذه الهداية في كل ضرب من ضروب الحياة،ونوفر فيه حرية الدعوة إلى كل ما ينشده الإسلام من حقيقة وخير فيتيسر القيام بهما جهارا في جميع أحوال الفرد المسلم والجماعة الإسلامية، ويكون فيه للحف قوة تقمع كل من يصد عن ذلك أو يحول بين المسلمين وبين الدعوة إلى هدايتهم والعمل بها في بيوتهم وأسواقهم وأنديتهم ومجتمعاتهم، فإذا نشأت النفس الإسلامية ونمت تحت جناح نظام يقيم أحكام الإسلام ويحمي دعوته ويحمل الأمة على آدابه ، كانت هذه النفس قوة للإسلام تعمل على رفعته وتوسيع دائرته، وتثمر في جناته، أما إذا نشأت ونمت تحت جناح نظام يخالف الإسلام ، ويخذل دعوته، ولا يربي الأمة على آدابه، فإن قوتها تكون معطلة عن تأييد الإسلام وتعميم هدايته.
3 – وقال الشيخ عبد العزيز النجدي ما ملخصة:
في هجرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وغبره فوائد كثيرة وعبرا لمن تأملها نشير إلى جمل منها ليقتدي بها المؤمن إذا أصابته من الظلمة ما أصاب أهل هذه الهجرة حتى وجد طريقا ومناصا إلى أرض ينجو بدينه فيها، ويوالي الدعوة إلى الله.
الأولى: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يخرج من بين قومه حتى فموا بقتله منعا له من الدعوة إلى الحق كما أرسلوا إليه ما لا يحتمله من الأذى فيره، وفي هذا عبرة لمن دعا إلى دينه.
الثانية: أن أصحابه هاجروا فبله إلى الحبشة والمدينة عندما ضعفوا عن احتمال الأذى مع البقاء على الدعوة إلى دينهم بمكة إلا القليل ممن له منعة تحميه بينهم، فقد بقي معه بها لمحبته إياه، وقته على الجهاد، وإقامة الحجة على أهل الفساد، والدفاع عن أهل الحق من المستضعفين وغيرهمن فمن كان هكذا فالأولى به ألا ينتقل من بين الظلمة ما صبر على أذاهم.
الثالثة أن الإيمان الصحيح بالله وكتبه ورسله إذا دخل القلوب وأشربته النفس عن علم وفهم لا بد أن يؤتي أكله وثمراته من العمل الظاهري والجهاد بالنفس والمال.
الرابعة: كالشرح لما فبله أنهم فارقوا قومهم مفضلين ما بلغهم عن اله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ومؤثرين الحق مع ما فيه من مرارة على أعز شيء لديهم من مال وولد وأخل وعشيرة ووطن.
الخامسة:أنه لم يمنعهم من الهجرة لدواعيها قلة المال، ولا تعللوا بالعيال والأحبة وما نشأوا عليه من الدعة والمكاسب التي التي كانوا ينالونها بمكة لأهون الأسباب. ، هلمهم أن هذا بل كل متع الدنيا لا يواري ما أعده الله لهم على هجرتهم إليه، كما فهموا أن من ترك شيئا عوض هيرا منه دنيا وأخرى، كما حصل وصدقه الواقع.
السادسة: أنهم لم يرضوا بالذلة ولا الخضوع تحت من لا يدين بدينهم ولا يرضى به حكما حتى يحصلوا على قوة عدوهم أو قريب منهم تاركين ما يملكون وراء ظهورهم من غير أسلحة تذكر، معتمدين على الله مع أخذهم بالأسباب التي استطاعوها ويستطيعونها، كالتسلل، والمكر، وإخفاء أمرهم عن عدوهم، وجمع كلمتهم، واتحاد صفوفهم، والعمل مستقبلا على إيجاد القوة والمنعة من كل عدو لهم، وبهذا وتأييد ربهم فتحوا البلاد النائية،فاستعرض أيها المؤمن صفات المسلمين الذين نسج عليه نبر الاستبداد والاستعمار، وخيم عليهم كابوس الظلمة اليوم وقبل اليوم تجدهم على ضد صفات من ذكرنا.
4 – وقال الغزالي: ليست الهجرة انتقال موظف من بلد قريب إلى بلد ناء، ولا ارتحال طالب قوت من أرض مجدبة إلى أرض مخصبة، إنها إكراه رجل آمن غي سربه،ممتد الجذور في مكانه على إهدار مصالحه وتضحية أمواله والنجاة بشخصه فحسب وإشعاره وهو يصفي مركزه بأنه مستباح منهوب،قد يهلك في أوائل الطريق أو نهايتها، وهذه لا يطبقها إلا مؤمن، أما الخوار القلق فلا يستطيع شيئا من ذلك ، إنه من أولائك الذين قال الله فيهم ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ﴾ النساء 66.

أما الرجال الذين التقوا بمحمد – صلى الله عليه وسلم – في مكة وقبسوا من أنوار الهدى وتواصوا بالحق والصبر فإنهم نفروا – خفافا – ساعى قيل لهم هاجرزا إلى حيث تعزون الإسلام وتؤمنون مستقبله ونظر المشركون فإذا ديار بمكة كانت عامرة بأهلها قد أقفرت ومحال مؤنة قد أمحلت.

mahmoud eysa 17-01-2007 09:40 PM

كيف تستفيد الاسرة من دروس الهجرة
 
:o :cool: :o

http://www.ikhwanonline.com/Data/200...56aaspppp1.jpg







بقلم: سمية مصطفى مشهور
أختي الحبيبة.. يوشك هذا العام الهجري أن ينتهي ونستقبل عامًا هجريًّا جديدًا، نسأل الله أن يغفر لنا ما مضى، ويعصمنا فيما بقي، وأن نستقبل هذا العام بجدِّيَّة وهمَّة عالية، وأن نستشعر فيه المعاني العظيمة من هجرة رسولنا الكريم من مكة إلى المدينة وبناء الدولة الإسلامية، وننتهز هذه المناسبة، ونذكر أبناءنا ونربِّيهم على هذه المعاني والعِبَر؛ فإن استغلال وقت الحدث يؤثر ويفيد في التربية أكثر من بعد انتهاء وقته، فلا تجعلي أختي الحبيبة هذه المناسبة تمر دون استفادة لك ولأسرتك، فحبَّذا لو اجتمعت الأسرة وتدارست أهم الدروس والمعاني والعبر من الهجرة وتطبيقها في حياتنا العملية.

من أهم المعاني التي نتعلمها أن الهجرة باقيةٌ إلى يوم القيامة، ليست الهجرة المكانية ولكن المعنوية، فقد أعلنها الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بعد الفتح فقال:"لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" (رواه البخاري)، وقال الله عز وجل عن ثواب المهاجرين ﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ﴾ (التوبة: من الآية 20).

الجهاد والنية


http://www.ikhwanonline.com:8078/Dat.../23/001110.jpg
فعلينا بالجهاد والنية حتى ننال الأجر كما أخبرنا الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فالهجرة نية، وهي هجرة إلى الله؛ لحديث الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
فاجعلي كل حركاتك في الدنيا لله وحده، ملتزمةً بشرعه وسنة نبيه، فجدِّدي نيتك في كل حين وفي كل عمل، وذكِّري أبناءك بتجديد النية في كل أمور حياتهم.

الهجرة مجاهدة؛ لقول الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "ولكن جهاد ونية"، وقال أيضًا "إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد" (رواه أحمد).

المجاهدة

والمجاهدة أول درجات الجهاد، ومن المجاهدة ترك العادات غير الحميدة، ومجاهدة النفس على التخلص منها، فعليكِ أن تبثي هذا المعنى لأبنائك وتُتابعيهم فيه.
الهجرة إقبال على الله في كل أمر، وأن يكون فيما يحب الله ويرضاه، وأن نهجر ما نهى الله عنه، فقد قال الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "المهاجر من هجر الخطايا والذنوب" كذلك هجر الصحبة السيئة والأماكن السيئة والأفعال السيئة، من عدم غض البصر، والغيبة، والتبرج، وعلينا فعل ما يرضي الله؛ لحديث الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "العبادة في الهرج كهجرة إليَّ".

التوبة
الهجرة توبة، بترك المعصية وإزالة آثارها، فقد قال لنا رسولنا الكريم: "لا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها" (رواه أحمد) فعلينا أن نكون في توبة دائمة.

العزة
الهجرة عزة، نعتزُّ بديننا وأخلاقنا وسلوكياتنا وهويتنا الإسلامية الأصيلة، ونهجر العادات الغربية غير الحميدة الدخيلة علينا من طعام وشراب ولباس، كذلك نعتزُّ بلغتنا لغة القرآن، ونهجر الكلمات الأجنبية التي يستعملها بعض الناس في أثناء كلامهم دون ضرورة.

حب الرسول
كذلك الهجرة كانت حبًّا للرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- كحب أبي بكر له، خاصةً في الهجرة، وكذلك الصحابة في استقبالهم له في المدينة، واتباعهم لسنته، فحبُّنا للرسول هو التأسِّي بسنته واتباع هديه.

النصر ورفع راية الحق
ولنعلم أيضًا أن الهجرة نصرٌ، فيها انتصر الإيمان، وارتفعت راية الحق والقوة؛ لأنهم جعلوا شعارهم "ففروا إلى الله"، فكانت خطواتهم نيةً وتوبةً وجهادًا، ساعتها يكون النصر، ولا بد أن تكون عندنا ثقة في نصر الله، فلا نرجو غيره، ولا نخاف إلا هو، والشعور بمعيَّة الله لنا.. لا تحزن إن الله معنا.

تحمل الأذى
الهجرة تحمُّل للإيذاء في سبيل الله، كما تحمَّل بلال وسمية وأسماء وغيرهم، وأن الله سيجعل لهم الجزاء الأوفى ويجعل لهم مخرجًا، وكذلك التضحية بالنفس والمال، كصهيب الرومي وغيره.

ترتيب وتخطيط
أهم ما توضحه أيضًا للأبناء أن الهجرة ترتيب وتخطيط كما فعل النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في الهجرة، نتعلم كيف نخطِّط لحياتنا ومستقبلنا، وكيف نخطِّط لمواجهة مشاكلنا، وكيف نخطط لمواجهة عدونا.

كما تعلمنا الهجرة أنه لا بد من الأخذ بالأسباب في كل حياتنا وبذل ما في الوسع على قدر استطاعتنا والنتائج على الله، كما أن المدد الرباني لا ينزل على أمة من الكُسَالى أو ضعفاء الهمة.

الشجاعة
من الدروس المهمة في الهجرة بثّ الشجاعة في نفس أبنائنا، وذلك بموقف سيدنا علي بن أبي طالب، الذي نام في فراش النبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وكذلك الصبر على الأذى في سبيل الله، فأين نحن من توصيل الطعام في الصحراء.. أيفرح بنا أم يحزن علينا؟!

أختي الحبيبة.. ماذا لو استشعرنا هذه المعاني، وعِشنا بها طوال حياتنا، فنكون في هجرة دائمة إلى الله، كما قال لنا سبحانه وتعالى ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ (الذاريات: من الآية 50)، فلنجعلها شعارًا لنا طوالَ حياتنا حتى نلقَى الله.. وفقنا الله وإياكم.

mahmoud eysa 17-01-2007 09:48 PM

الهجرة فى ظلال القرآن
 
:o :o :o :o :o :o :o :cool: :cool: :cool: :o :o :cool: :o
إعداد: هاشم أمين
الهجرة في ظلال القرآن
إخوان أون لاين - 29/01/2006
http://www.ikhwanonline.com/Data/2003/9/20/ikh9.jpg
المسجد النبوي الشريف
هيا بنا نعيش مع بعض الآيات التي تناولت أحداث الهجرة في القرآن الكريم وبعض الخواطر والمعاني والدلالات من كتاب (في ظلال القرآن) للإمام الشهيد/ سيد قطب رحمه الله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (سورة الأنفال: 30).

- الدرس الأول: التآمر على الرسول ليلة الهجرة:
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾..

إنَّه التذكير بما كان في مكةَ قبل تغير الحال، وتبدل الموقف، وإنه ليوحي بالثقة واليقين في المستقبل، كما يُنبِّه إلى تدبير قدر الله وحكمته فيما يقضي به ويأمر.. ولقد كان المسلمون الذين يخاطَبون بهذا القرآن أول مرة يعرفون الحَالَيْن معرفةَ الذي عاش ورأى وذاق.

وكان يكفي أن يُذكَّروا بهذا الماضي القريب، وما كان فيه من خوفٍ وقلقٍ في مواجهةِ الحاضر الواقع وما فيه من أمن وطمأنينة.. وما كان من تدبير المشركين ومكرهم برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مواجهة ما صار إليه من غلبةٍ عليهم، لا مجرَّد النجاة منهم!

لقد كانوا يمكرون ليوثِقوا رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- ويحبسوه حتى يموت، أو ليقتلوه ويتخلصوا منه، أو ليخرجوه من مكةَ منفيًّا مطرودًا.. ولقد ائتمروا بهذا كله، ثم اختاروا قتله، على أن يتولى ذلك المنكرَ فتيةٌ من القبائل جميعًا؛ ليتفرَّق دمه في القبائل، ويعجزَ بنو هاشم عن قتال العرب كلها، فيرضوا بالدِّية وينتهي الأمر!

قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، أخبرني عثمان الجريري، عن مقسم مولى ابن عباس، أخبره ابن عباس في قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ﴾ قال: "تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق- يريدون النبي صلى الله عليه وسلم- وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فبات عليٌّ- رضي الله عنه- على فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى لَحِق بالغار، وبات المشركون يحرسون عَلِيًّا يحسبونه النبي- صلى الله عليه وسلم- فلمَّا أصبحوا ساروا إليه، فلمَّا رأوه عَلِيًّا رَدَّ الله تعالى عليهم مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري! فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبلَ اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه.. فمكث فيه ثلاث ليال.
﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (سورة الأنفال: 30)
والصورة التي يرسمها قوله تعالى﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾.. صورةٌ عميقةُ التأثير.. ذلك حين تترائى للخيال ندوةُ قريش، وهم يتآمرون ويتذاكرون ويدبِّرون ويمكرون.. والله من ورائهم محيط، يمكر بهم ويُبطل كيدهم، وهم لا يشعرون!

إنها صورة ساخرة، وهي في الوقتِ ذاته صورة مفزعة.. فأين هؤلاء البشر الضعاف المهازيل من تلك القدرة القادرة؟!.. قدرة الله الجبار القاهر فوق عباده، الغالب على أمره، وهو بكل شيء محيط.

والتعبير القرآني يرسم الصورةَ على طريقة القرآن الفريدة في التصوير، فيهز بها القلوبَ، ويحرِّك بها أعماق الشعور.

- الدرس الثاني: النصر من عند اللَّه يؤتيه مَن يشاء
﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. (سورة التوبة: 40).

يضرب اللّه لهم المثلَ- من الواقع التاريخي الذي يعلمونه- على نصرةِ اللِّه لرسوله بلا عونٍ منهم ولا ولاء، والنصر من عند اللِّه يُؤتيه من يشاء.

ذلك حين ضاقت قريش بمحمد ذرعًا، كما تضيق القوة الغاشمة دائمًا بكلمةِ الحق، لا تملك لها دفعًا، ولا تطيق عليها صبرًا، فائتمرت به، وقرَّرت أن تتخلص منه، فأطلعه اللَّه على ما ائتمرت، وأوحى إليه بالخروج، فخرج وحيدًا إلا من صاحبه الصدِّيق، لا جيشَ ولا عُدةَ، وأعداؤه كُثر، وقوتهم إلى قوته ظاهرة، والسياق يرسم مشهد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه:
﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾
والقوم على إثرهما يتعقبون، والصديق- رضي اللَّه عنه- يجزع- لا على نفسه ولكن على صاحبه- أن يطَّلعوا عليهما فيخلصوا إلى صاحبه الحبيب، يقول له: لو أنَّ أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، والرسول- صلى الله عليه وسلم- وقد أنزل اللَّه سكينتَه على قلبه، يُهدِّئ من روعه ويطمئن من قلبه، فيقول له: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما؟".

ثم ماذا كانت العاقبة، والقوة المادية كلها في جانب، والرسول- صلى الله عليه وسلم- مع صاحبه منها مجرَّد؟ كان النصر المؤزر من عند اللَّه بجنودٍ لم يرَها الناس، وكانت الهزيمة للذين كفروا والذل والصغار: ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى﴾.. وظلت كلمة اللَّه في مكانها العالي منتصرةً قويةً نافذةً: ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾.

وقد قُرِئ ﴿وَكَلِمَةَ اللًّهِ﴾ بالنصب، ولكنَّ القراءةَ بالرفع أقوى في المعنى؛ لأنها تُعطي معنى التقرير، فكلمة اللَّه هي العليا طبيعةً وأصلاً، بدون تصييرٍ متعلقٍ بحادثةٍ معينةٍ، والله ﴿عَزِيزٌ﴾ لا يذل أولياؤه ﴿حَكِيمٌ﴾ يقدِّر النصرَ في حينه لمَن يستحقه.

ذلك مثل على نصرة الله لرسوله ولكلمته، واللَّه قادرٌ على أن يعيده على أيدي قوم آخرين غير الذين يتثاقلون ويتباطأون، وهو مثل من الواقع إن كانوا في حاجةٍ بعد قول الله إلى دليل!

أهم الملامح المميزة للمهاجرين
- ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (8)﴾ (سورة الحشر).

هذه صورةٌ صادقةٌ تبرز فيها أهم الملامح المميزة للمهاجرين.. أُخرِجوا إخراجًا من ديارهم وأموالهم، أكرههم على الخروج الأذى والاضطهاد والتنكر من قرابتهم وعشيرتهم في مكة، لا لذنبٍ إلا أن يقولوا ربنا الله.. وقد خرجوا تاركين ديارهم وأموالهم ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ اعتمادهم على الله في فضله ورضوانه، لا ملجأَ لهم سواه، ولا جناب لهم إلا حماه.. وهم مع أنهم مُطَارَدُون قليلون ﴿وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾.. بقلوبهم وسيوفهم في أحرج الساعات وأضيق الأوقات، ﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ﴾ الذين قالوا كلمةَ الإيمان بألسنتهم، وصدَّقوها بعملهم، وكانوا صادقين مع الله في أنهم اختاروه، وصادقين مع رسوله في أنهم اتبعوه، وصادقين مع الحق في أنهم كانوا صورةً منه تدب على الأرض ويراها الناس!

أهم الملامح المميزة للأنصار
﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (سورة الحشر).

وهذه كذلك صورةٌ وضيئةٌ صادقةٌ تبرز أهمَّ الملامح المميزة للأنصار، هذه المجموعة التي تفرَّدت بصفات، وبلغت إلى آفاق لولا أنها وقعت بالفعل، لحسبها الناس أحلامًا طائرةً ورؤًى مجنحةً ومثُلاً عليا قد صاغها خيال محلق.

والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم.. أي دار الهجرة (يثرب) مدينة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وقد تبوأها الأنصار قبل المهاجرين، كما تبوأوا فيها الإيمان، وكأنه منزلٌ لهم ودار.. وهو تعبير ذو ظلال، وهو أقرب ما يصوِّر موقفَ الأنصار من الإيمان.

لقد كان دارهم ونزلهم ووطنهم الذي تعيش فيه قلوبهم، وتسكن إليه أرواحهم، ويثوبون إليه ويطمئنون له، كما يثوب المرء ويطمئن إلى الدار.

﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾.. ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثًا جماعيًّا كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحبِّ الكريم، وبهذا البذل السخي، وبهذه المشاركة الرضية، وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء، حتى ليُروَى أنه لم ينزل مهاجرٌ في دار أنصاري إلا بقرعة؛ لأن عدد الراغبين في الإيواء المتزاحمين عليه أكثر من عددِ المهاجرين!

﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾.. مما يناله المهاجرون من مقامٍ مفضلٍ في بعض المواضع، ومن مالٍ يختصون به كهذا الفيء، فلا يجدون في أنفسهم شيئًا من هذا، ولا يقول: حسدًا ولا ضيقًا. إنما يقول: (شيئًا). مما يلقي ظلالَ النظافة الكاملة لصدورهم، والبراءة المطلقة لقلوبهم، فلا تجد شيئًا أصلاً.

﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.. والإيثار على النفس مع الحاجة قيمة عليا، وقد بلغ إليها الأنصار بما لم تشهد البشرية له نظيرًا، وكانوا كذلك في كل مرةٍ وفي كل حالةٍ بصورةٍ خارقةٍ لمألوفِ البشر قديمًا وحديثًا.

﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾.. فهذا الشح- شح النفس- هو المعوق عن كل خير؛ لأن الخيرَ بذلٌ في صورةٍ من الصور، بذل في المال، وبذل في العاطفة، وبذل في الجهد، وبذل في الحياة عند الاقتضاء، وما يمكن أن يَصنع الخيرَ شحيحٌ يَهمه دائمًا أن يأخذ ولا يهمه مرةً أن يُعطِي، ومن يوقَ شح نفسه فقد وُقِي هذا المعوق عن الخير، فانطلق إليه معطيًا باذلاً كريمًا، وهذا هو الفَلاح في حقيقةِ معناه.

mahmoud eysa 17-01-2007 09:51 PM

السلام عليكم

نجمة المستقبل 18-01-2007 08:08 PM

جزاك الله خير
على الدروس

محبه للجنه 19-01-2007 08:25 AM

جزاك الله خير

صقر الأقصى 19-01-2007 04:23 PM

جزاك الله خيرا
وجعل ما تقدمين في ميزان حسناتك

mahmoud eysa 20-01-2007 12:56 AM

هجرة النبي – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه رضي الله عنهم
 
:_11: :cool: :o :o http://www.alkhateeb.net/ALKhtebAdmi...caf47af0c8.gif قال ابن اسحاق: وأقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة، ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة – رضي الله عنهما - . وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الهجرة فيقول له الرسول – صلى الله عليه وسلم - : لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا، فيطمع أبو بكر أن يكونه.
قال الغزالي: واجتمع طواغيت مكة في دار الندوة ليتخذوا قرارا حاسما في هذا الأمر فرأى بعضهم أن توضع القيود غي يد محمد – صلى الله عليه وسلم – ويشد وثاقه ويرمى به في السجن لا يصله منهم إلا الطعام ويترك على ذلك حتى يموت، ورأى آخر أن ينفى من مكة فلا يدخلها ، وتنفض قريش يدها من أمره ، وقد استبعد هذان الاقتراحان لعدم جدواهما، واستقر الرأي على الاقتراح الذي أبداه أبو جهل. قال أبو جهل: أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا وسطا فتيا، ثم نعطي كل فتى سيفا صارما ، ثم يضربونه جميعا ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، ولا أظن أن بني هاشم يقوون على حرب قريش كافة، فإذاً لم يبقى أمامهم إلا الدية أديناها.
ورضي المؤتمرون بهذا الحل للمشكلة التي حيرتهم، وانصرفوا ليقوموا على إنفاذه، وقد أشار القرآن إلى تدبير هذه الجريمة بقوله ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾. الأنفال الآية 30

وهذا حديث هجرة النبي –صلى الله عليه وسلم – كما روته عائشة - رضي الله عنها - وساقه البخاري في أصح كتب السنة وبعد أن ذكرت قصة جوار ابن الدغنة لأبي بكر، ورده رضي الله عنه جواره قالت: "والنبي – صلى الله عليه وسلم – يومئذ بمكة فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – للمسلمين: "إني أريت دار هجرتكم، ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان ، فهاجر من هاجر قبل المدينة، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على رسلك فإني أرجو أن يؤذن . فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال: نعم. فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليصحبه.
وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر – وهو الخبط – أربعة أشهر.
قال ابن شهاب: قال عروة : قالت عائشة : بينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلي الله عليه وسلم متقنعا _في ساعة لم يكن يأتينا فيها _فقال أبو بكر فداء له أبي وأمي والله ما جاء في هذه الساعة إلا أمر.
قالت فجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له ، فدخل ،فقال النبي صلي الله عليه وسلم لأبي بكر أخرج من عندك ، فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله .قال : فإني قد أذن لي في الخروج .

فقال أبو بكر : الصحبة بأبي أنت يا رسول الله .قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : نعم .

قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدي راحلتي هاتين .قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : بالثمن . قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به علي فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاق .

قالت: لحق رسول الله – صلى الله عليه وسلم –وأبو بكر بغار ف يجبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع شيئا يكتادان فيه إلا وعاه، حتى يأتيهما بخبر ذلك حنى يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل – وهو لبن منحتهما ورضيفهما – ختى ينعق بعما عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر رجلا من الدبل – وهو من عبد بن عدي هاديا خريتا – والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين مفار قريش فأمناه،، فدفعا إليه راحلتهما، - وواعداه بعد ثلاث ليال صبج ثلاث، وانطلف معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل.

ثم روى البخاري بسنده عن ابن شهاب قال: وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي – وهوابن أخي سراقة بن مالك بن جعثم – أن أباه أخبره أنه سمع سراثة بن جعثم يقول: جاءنا رسل كفار قريش يجعلون غب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذا أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال : يا سراقة، إني رأيت أسودة بالساحل أراها محمد وأصحابه، قال سراقة : فعرفت أنههم هم، فقلت لهم، إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا، ثم لبثت غي المجلس ساعة ثم قمت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهو من وراء أكمة – فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليه، حتى أتيت غرسي فركبتها فرفعتها تقرب حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي فخررت عنها فمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا؟ فخرج الذي أكره فركبت فرسي – وعصيت الأزلام – تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يد غرسي في الأرض حتى بلغت، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يدها فلما استوت قائمة، إذا لأثر يدها خثان ساطع في السماء مثل الدخان ، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان ، فوقفوا ، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقين من الحبس منهم أن سيظهر أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فقلت له إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني، ولم يسألاني، إلا أن قال إخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- .

قال بن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول اله – صلى الله عليه وسلم - لقى الزبير غي ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأبا بكر ثياب بيا، وسمع المسلمون بالمدينة مخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم – من مكة فكانوا يفدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه، حتى تردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظارهم، فلما آززا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود إلى أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فببصر برسول الله –صلى الله عليه وسلم – وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي إلا أن قال بأعلى صوته، يا معاشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صامتا، فطفق من جاء من الأنصار – ممن لم ير رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يحي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه برداءه، فعرف الناس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند ذلك، فلبث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غي بني عمرو بن عوف بضع عشر ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالمدينة، وهويصلي فيه يومثذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين غي حجر سعد بن زرارة فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين بركت راحلته ك هذا إن شاء اله المنزل، ثم دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يقبله منهما حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا، وطفق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول - وهو ينقل اللبن -:

هذا الجمال لا جمال خيـبر هذا أبر ربنا وأطـــهر

اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة

فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي. قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث – أن رسول الله تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات .

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنة - قال: "أقبل نبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف ونبي الله – سلى الله عليه وسلم – شاب لا يعرف،" قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل. قال: فيحسب الحاسب إنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبي الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: اللهم أصرعه، فصرعه الفرس ثم قامت تحمحم، فقال: يا نبي الله مرني بما شئت. فقال: فقف مكانك، لا تتركن أحدا يلحق بنا، قال: فكان أول النهار جاها على نبي الله – صلة الله عليه وسلم -، وكان آخر النهار مسلحة له، فنزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جانب الحرة، ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبي الله – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر فسلموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطاعين، فركب نبي الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر وحفوا دونهما بالسلاح، فقيل في المدينة: جاء نبي الله، جاء نبي الله – صلى الله عليه وسلم -، فأشرفوا ينظرون ويقولون: جاء نبي الله، فأقبل يسير حتى نزل دار أبي أيوب، فإنه ليحدث أهله إذ سمع عبد اله بن سلام وهو غي نخل لأهله يخترف لهما، فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها فجاء وهي معه فسمع من نبي الله - صلى الله عليه وسلم – ثم رجع إلى أهله، فقال النبي – صلى اله عليه وسلم -: أي بويت أهلنا أقرب فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله، هذه داري وهذا بابي ، قال فانطلق فهي لنا مقبلا. قال: قال قوما على بركة الله. فلما جاء نبي الله – صلى الله عليه وسلم- جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في، فأرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأقبلوا فدخلوا علي فقال لعم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا، وأني جئتكم بحق فأسلموا قالوا: ما نعلمه – قالوا للنبي – صلى الله عليه وسلم – قالها ثلاث مرار قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: أفرأيتم إن أسلم، قالوا : حاشا لله ما كان ليسلم. قال: أفرأيتم إن أسلم، قالوا : حاشا لله ما كان ليسلم قال: يا ابن سلام اخرج عليهم. فخرج فقال: يا معشر اليهود اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق، فقالوا:كذبت، فأخرجهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ". ومن أحاديث الهجرة في صحيح البخاري ما رواه أنس عن أبي بكر - رضي الله عنه قال: "كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم في الغار فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا قال: اسكت يا أبا بكر. اثنان الله ثالثهما".

وقبل أن ننتقل إلى الفوائد والآثار الإيمانية نشير إلى حادثتين حدثتا من خلال الهجرة. روى الأولى البخاري في صحيحه، والثانية الحاكم والطبراني.

روى البخاري عن البراء قال: ابتاع أبو بكر من عازب رحلا فحملته معه. قال: فسأله عازب عن سير رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فال: أخذ علينا بالرصد، فخرجنا ليلا فأحثثنا ليلتنا ويومنا حتى قام قائم الظهيرة، ثم رفعت لنا صخرة فأتيناها ولها شيء من ظل. قال: ففرشت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فروة معي ، ثم اضطجع عليها النبي – صلى الله عليه وسلم -، فانطلقت انفض ما حوله، فإذا أنا براع قد أقبل في غنمه يريد من الصخرة مثل الذي أردنا، فسألته: لمن أنت يا غلام؟ فقال: أنا لفلان. فقلت له: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. فقلت له: هل أنت حالب؟ قال: نعم. فأخذ شاة من غنمه، فقلت له: انفض الضرع. قال: فحلب كثبة من لبن ومعه إداوة من ماء عليها خرقة قد روأتها لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- ، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، ثم أتيت به النبي فقلت اشرب يا رسول الله فشرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى رضيت، ثم ارتحلنا والطلب في أثرنا".

وعن قيس بن النعمان قال: لما انطلق رسول الله – صلى اله عليه وسلم – وأبو بكر مستخفيان نزلا بأبي معبد فقال: والله ما لنا شاة، وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم أحسبه: فما تلك الشاة: فأتى بها فدعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالبركة عليها ثم حلب عسا فسقاه، ثم شربوا فقال: أنت الذي تزعم أنك صابي قال: إنهم يقولون. قال: أشهد أن ما جئت به حق. قال: اتبعك قال: لا حتى تسمع أنا قد ظهرنا فاتبعه بعد.


ونختم قصة الهجرة بهذه الأبيات الطيبة التي قالها أبو قيس صرمة الأنصاري:

ثوي في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقي حبيبا مواتـــيا

ويعرض في أهل المواسم نفســه فلم يرمن يؤي ولم ير داعــيا

فلما أتانا واستقرت به النـــوى وأصبح مسرورا بطيبة راضـيا

واصبح لا يخش ظلامة ظـــالم بعيد ولا يخشى من الناس باغيا

بذلنا له الأموال في حل مالـــنا وأنفسنا عند الوغى والتآسيــا

نعادي الذي عادى من الناس كلهم جميعا وإن كان الحبيب المصافيا

ونعلم أن الله لا رب غيــــره وأن كتاب الله أصبح هادـــيا



mahmoud eysa 20-01-2007 12:59 AM

الفوائد والآثار الإيمانية للهجرة النبوية
 
:o :o :cool: الفوائد والآثار الإيمانية:
1 – قال الله تعالى في ذكر الهجرة: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾التوبة 84.

قال الغزالي: والجنود التي يخذل بها الباطل وينصر بها الحق ليست مقصورة على نوع معين من السلاح ولا صورة خاصة من الخوارق، إنها أعم من أن تكون مادية او معنوية، فإذا مانت مادية لإن خطرها لا يتمثل في فخامتها، فقد تفتك جرثومة لا تىاها العين بجيش ذي لجب، ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ ﴾ المدثر 31.ومن صنع الله لنبيه أن تعمى عنه عيون أعدائه هو منهم على مد الطرف، ولم يكن ذلك محاباة من القدر لقوم فرطوا في أسباب النجاة بل هو مكآفة من القدر لقوم لم يدعوا وسيلة من وسائل الحذر إلا أخذوها، وكم من خطة يضعها أصحابها فيبلغون بها غاية الإتقان تمر بها فترات عصيبة لأمور فوق الإرادة أو وراء الحسبان ثم تستقر أخيرا وفق مقتضيات الحكمة العليا وفي حدود قوله تعالى: ﴿ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾يوسف 21.

2 – وقال القسامي: قال بعض مفسري الزيدية: استدل على عظم محل أبي بكر من هذه الآية من وجوه، قوله تعالى: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ ﴾ وقوله ﴿ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ﴾ وقوله ﴿ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾ قيل عن أبي بكر وعن أبي علي والأصم، قال أبو علي: لأنه الخائف المحتاج إلى الأمن، وقيل على الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن الزجاج وأبي مسلم قال معاز الله، من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر، لأنه رد كتاب الله تعالى.

3 – وقال الدكتور مصطفى السباعي في الدروس والعظات:
إن الجندي الصادق المخلص لدعوة الإصلاح يفدي قائدهن بحياته ففي سلامة القائد سلامة الدعوة وفي فلاكه خذلانها ووهنها، فما فعله علي – رضي الله عنه – ليلة الهجرة من بياته على فراش الرسل – صلى الله عليه وسلم – تضحية بحياته في سبيل الإبقاء على حياة رسول الله –صلى اله عليه وسلم – إذ كان من المجتمل أنن تهوي سيوف فتيان قريشعللى رأس علي- رضي الله عنه – انتقاما منه لأنه سهل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم النجاة، ولكن عليا لم يبال بذلك فحسبه أن يسلم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نبي الأمة وقائد الدعوة.
4 – وقال أيضا: عم أبصار المشركين عن رؤية وسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه في غار ثور وهم عنده، وفيما تزكبه لنا الروايات م سج العنكبوت وتفريخ الطير على فم القار مثل تخشع له القلوب من أمثلة العناية الإلهية برسله ودعائه وأحبابه فما كان الله في رحمته لعباده ليسمحأن يقع الرسول – صلى الله عليه وسلم – في قبضة المشركين فيقضوا عليه وعلى دعوته، وهو الذي أرسله رحة للعالمين، كذلك يعود الله عباده الدعاة المخلصين أن يلطف في ساعات الشدة، وينقذهم من المأزق والغدر، وليس في نجاة الرسول – صلى الله عليه وسلم وصاحبه – بعد أن أحاط بهما المشركون في غار ثور إلا تصديق قول الله تبارك وتعالى ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ ﴾غافر 51﴿ إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ الحج 38.

5 – وقال الأستاذ منير الغضبان: فبالرغم أن السريى التامة كانت على الجميع حتى من العصبى المسلمة ما عدا من اشترك فيها، عائشة وأسماء وأبو بكر وابن أريقط وابن فهيرة ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورسول الله – صلى الله عليه وسم -، ومع هذا كله تكشف جانب من الخطة فوق التقدير البشري، فتلقاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم بالتسليم المطلق: ﴿ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ﴾ما قولك في اثنين الله ثالثهما. وما أخرانا نحن وقد شهدنا عبقرية التخطيط للهجرة أن لا تغيب عنا هذه الجوانب الثلاث:

أولا: علينا أن ستفرغ الوسع وبذل كل الطاقة في التخطيط البشري.
ثانيا: أن يكون اتكالنا على الله تعالى دون اعتمادنا على الأسباب.
ثالثا: أن نقبل قضاء الله وقدره غيما هو فوق طاقتنا، ونطمئن إلى أنه خير للإسلام والمسلمين.
6 – وقال كذلك: إنه حين ينتهي الجهد البشري المطلوب، وحين تستنفذ الطاقة البشرية، فالله تعالى أرحم بنبيه وصاحبه من أن يجعلهما ظفرا لعدوهما، ولقد قرر الله تعالى في محكم التنزيل هذا المعنى، إذ أكد حمايته لنبيه ونصره له حين تخلت عنه قوة الأرض، وحين كان المسلمون كلهم كقوة قائمة في المدينة أو مختفية في مكة – ليس معه للحماية إلا إنسان واحد: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ التوبة 84.
فقوة الأرض كلها بعيدة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – المؤمنون والكافرون ووصل إلى قبضة الطاغوت، وأكد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لصاحبه: ﴿ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ﴾.
والدعاة إلى الله عز وجل بجاجة دائما إلىأن يكون راسخا في أعماقهم دائما عون الله لهم حين تعجز قوتهم البشرية عن إدراك ما يخطط لهم العدو بعد استنفاذ الطاقة واستفراغ الوسع، وأن تكون لديهم القناعة التامة كذلك أن النصر أولا وأخيرا بيد الله.
7 – قال الغزالي ما ملخصه:
إن أسفار الصحراء توهي العمالقة الآمنين، فكيف بركب مهدر الدم؟ مستباح الحقز ما يحس هذه المتاعب إلا من صلى نارها.
وللعرب طاقة على احتمال هذا الشظف مع قلة الزاد ةالري، وقد مر بك أن الرسول – صلى اله عليه وسلم – وهو طفل – قطع هذه الطريق ذهب مع أمه لزيارة قبر أبه ثم عاد وحده، وإنه الآن ليقطعها وقد بلغ الثلاثة والخمسين، لا لزيارة أبويه الذين ماتا بالمدينة، بل لرعاية رسالته التي تشبثت بأرض يثرب جذورها بعد أن تبرت مكة بها وبصاحبها وممن حوله. إنه أرسخ أهل الأرض يقينا بأن الله ناصره ومظهر دينه بيد أنه أسف للفظاظة التى قوبل بها ’وللجحود الذى لاحقه من بدء رسالته حتى اضطره إلى الهجرة على هذا النحو العنيف ها هو ذا يخرج من مكة مهاجرا إلى الله.
8 – وقال أيضا لا نعرف بشرا أحق بنصر الله وأجدر بتأييده من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي لاقى في جنب الله ما لاقىن ومع ذلك فأن استحقاق التأييد الأعلى لا يعني التفريط قيد أنملة في استجماع أسبابه وتوفير وسائله، ومن ثم فإن رسول الله – صلى الله عله وسلم – أحكم خطة هجرته وأعد لكل فرض عدته ولم يدع في حسبانه مكانا لحظوظ العمياء.
وشأن المؤمن مع الأسباب المعتادة أن يقوم بها كأنها كل شيء في النجاح، ثم يتوكل بعد ذلك على الله لأن كل شيء لا قيام له إلا الله. فإذا استفرغ المرء جهوده في أداء واجبه ثم أخفق بعد ذلك فإن الله لا يلومه على هزيمة بلي بها، وقلما يحدث ذلك إلا عت قدر قاهر يعذر المرء فيه، وكثيرا ما يرتب الإنسان مقدمات النصر ترتيبا حسنا، ثم يجيء عون الله عون أعلى يحمل هذا النصر مضاعف الثمار، كالسفينة التي يشق غياب الماء بها ربان ماهر، فإذا التيار يساعدها والريح تهب إلى وجهتها، فلا تمكث غير بعيد حتى تنتهي إلى غايتها في أقصر من وقتها المقرر، وهجرة الرسول – صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة جرت على هذا الغرار.
9 – وقال الشيخ الخصري – رحمه اله -:
وبهذه الهجرة تمت لرسولنا – صلى الله عليه وسلم – سنة إخوانه من الأنبياء من قبله فما من نبي منهم إلا نبتبه بلاد نشأته فهاجر عنها، من إبراهيم أبي الأنبياء وخليل الله إلى عيسى روح الله ولكمته، كلهم على عظيم درجاتهم ورفعة مقامهم أهينوا من عشائرهم فصبروا ليكونوا مثالا لما يأتي بعدهم من متبعيهم في الثبات والصبر على المكاره ما دام ذلك في ذات الله.
قلت وذلك قال الله تعالى﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ إبراهيم 13.

10 – قال الغزالي: يا عجبا لنقائض الحياة واختلاف الناس ، إن الذي شهرت مكة سلاحها لتقتله ولم ترجع ولم ترجع عنه إلا مقهورة استقبلته المدينة وهي جزلاة طروب، وتنافس رجالها يعرضون عليه المنعة والعدة والعدد.
11- وقال محمد سعيد رمضان:
قد يخطر في بال المسلم أن بقارن بين هجرة عمر بن الخطاب وهجرة النبي – صلى الله عليه وسلم – ويتسائل، لماذا هاجر عمر علانية متحديا المشركين دون أي خوف ووجل، على حين هاجر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مستخفيا محاطا لنفس، أيكون عمر بن الخطاب أشد جرأة من النبي – صلى الله عليه وسلم - ؟ والجواب أن عمر بن الخطاب أو أي مسلم غبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يعتبر تصرفه تصرفا شخصيا لا حجة تشريعية فيه فله أن يتخير من الطرق والوسائل والأساليب ما يحلو له، وما يتفق مع قوة جرأته وإيمانه بالله تعالى، أما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهو مشرع، أي أن جميع تصرفاته المتعلقة بالدين تعتبر تشريعا لنا، ولذلك كانت سنته هب المصدر الثاني من مصادر للتشريع مجموع أقواله وأفعاله وصفاته وتقريره، فلوا أنه فعل كما فعل عمر لحسب الناس أن هذا هو الواجب، وأنه لا يجوز أخذ الحيطة والحذر والتخفي عند الخوف، مع أن الله عز وجل أقام شريعته في هذه الدنيا على مقتضى الأسباب ومسبباتها، وإن كان الواقع الذي لا شك فيه أن ذلك بتسبب الله تعالى وإرادته لأجل ذلك، استعمل الرسول – صلى الله عليه وسلم – كل الأسباب والوسائل المادية التي يهتدي إليها، العقل البشري في مثل هذا العمل حتى لم يترك وسيلة من هذه الوسائل إلا اعتد بها واستعملها، فترك علي بن أبي طالب ينام في فراشه ويتغطى ببرده، واستعان بأحد المشركين – بعد أن أمنه – ليدله على الطرق الفرعية التي قد لا تخطر في بال الأعداء، وأقام في الغار ثلاثة أيام متخفيا إلى آخر ما عبأه م الاحتياطات المادية التي قد يفكر بها العقل، ليوضح بذلك أن الإيمان بالله لا ينافي استعمال بالأسباب المادية التي أرادت حكم اله أن تكون أسبابا.
12 – وقال أيضا : وتكشف لنا الصورة التي استقبلت بها المدين سول الله – صلى الله عله وسلم – عن مدى المحبة التي كانت تفيض بها أفئدة الأنصار من أهل المدينة رجالا ونساءا وأطفالا، لقد كانوا يخرجون كل يوم إلى ظاهر المدينة ينتظرون تحت فح الشمس وول رول الله – صلى الله عليه وسلم – إليهم حتى إذا هب النهار ليدبر عادوا أدبارهم ليعودوا إلى الانتظار صباح اليوم التالي ، فلما طلع الرسول صلي الله عليه وسلم عليهم جاشت العواطف في صدورهم ،وانطلقت ألسنتهم تهتف بالقصائد والأهازيج فرحا لمرآه صلي الله عليه وسلم ومقدمه عليهم ،ولقد بادلهم رسول الله صلي الله عليه وسلم نفس المحبة حتي إنه جعل ينظر إلي ولائد بني النجار من حوله وهم ينشدن ويتغنين بمقدمه قائلا : أتحببنني ؟ والله إن قلبي ليحبكن.
13 – وقال العلامة محب الدين الخطيب :
لو أننا فهمنا الحكمة التي انطوت عليها حادثة الهجرة ،وعلمنا أن كتاب الله الذي نتلوه قد أنحي باللائمة علي جماعة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم كانوا في مكة يصلون ويصومون ، ولم يهاجروا إلى قلعة الإسلام ليكونوا من جنوده المتحفزين لتغيير تلك الأنظمة ،لعلمنا أن الإسلام لا يكتفي من أهله بالصلاة والصوم ،بل يريد منهم مع ذلك أن يقيموا أنظمته وآدابه في بيوتهم وأسواقهم وأنديتهم , ومجامعهم ودواوين حكمهم ,وأن عليهم أن يتوسلوا بجميع الوسائل لتحقيق هذا الغرض الإسلامي بادئين به من البيت وملاحظين ذلك في تربية من تحت أمانتهم من بنات وبنين ,ومتعاونين عليه مع من ينشد للإسلام الرفعة والازدهار من إحزانهم، حتى إذا عم هذا الإصلاح أرجاء واسعة، تلاشت تحت أشعته ظلمات الباطل، فكان لهذا الأسلوب من أساليب الهجرة مثل الآثار التي كانت لهجرة النبي وأصحابه الأولين.
روى مسلم في كتاب الإمارة في صحيحه عن أبي عثمان النهدي أن مجاشع بن مسعود السلمي قال: جئت بأخي أبي معبد إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلت: يا رسول الله بايعه على الهجرة فقال – صلى الله عليه وسلم -: " قد مضت الهجرة بأهلها قال مجاشع: فأي شيء تبايعه؟ قال: "على الإسلام والجهاد والخير". قال أبو عثمان النهدي: فلقيت أبا معبد فأخبرته بقول مجاشع فقال: صدق.
وفي كتب السنة وبعضه في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص ومقالة بن عبيد بن ناقد الأنصاري أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: المهاجر من هجر السيئات”. فإلى الهجرة يا مسلمون.
إلى هجر الخطايا والذنوب.
إلى هجر ما يخالف أنظمة الإسلام في بيوتنا، وما نقوم به من أعمالنا، إلى أجر الضعف والبطالة والإهمال والترف والكذب والرياء ووضع الأشياء في غير موضعها.
14 – قال الدكتور محمد أبو فارس:
إن الهجرة أهم حدث في الدعوة الإسلامية إذ بالهجرة تكون الكيان السياسي للأمة الإسلامية لنشر الإسلام والدفاع عن حرماته. ولأهميتها كان التأريخ بالهجرة ولم يكن بغيرها من الأحداث الهامة كالميلاد والبعثة أو وقعة بدر أو ما شبهه.
ولم يؤرخ المسلمون بتأريخ غيرهم حفاظا على استقلالية الأمة وتميزها. تعلمنا الهجرة كيف أن على الدعاة أن يبحثوا دائما عن أماكن خصبة للدعوة تكون مركز انطلاق ونواة وتأسيس.


mahmoud eysa 20-01-2007 01:09 AM

منطق الهجرة يهدم النظريات المادية من أساسها
 
:o :cool: :o :eek: :_11: :o منطق الهجرة يهدم النظريات المادية من أساسها http://www.alkhateeb.net/ALKhtebAdmi...9e9b8d6e33.jpg
بقلم فضيلة الشيخ/ محمد عبدالله الخطيب
ذكرى الهجرة منارة على الطريق لمن أراد العزة والنصر من المسلمين، وهي درس عظيم، وأمل كبير لأصحاب الدعــوات، وهي في الوقت نفسه هدم لنظريات الماديين من أساسها.
﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 41).
الهجرة معناها الترك والاجتناب، أو التحول والانتقال، فهي اجتناب لكل ألوان الجاهلية من قيم وتصورات ومفاهيم وعادات، وبهذا أمر الرسول- صلى الله عليه وسلم- من أول لحظة: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ (المدثر:1-5)، وهجر المألوف وتركه من أشق التكاليف على النفس، لكن الأبرار من أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- انتصروا في تنفيذ أمر الله، وتحرروا من العبودية لغيره، وحين نطقوا بلا إله إلا الله محمد رسول الله، واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم، هجروا حياة الآثام والتدلي إلى الشهوات، وانتقلوا من محيط الجاهلية الآسن إلى فيض الربانية السمح الكريم، وهذه النقلة أهلتهم لهجرة الأوطان والصالح والتضحية بكل شيء لإقامة دار الإسلام وقاعدته الربانية في المدينة.
نظرة خاطئة:
إن محاولات تفسير أحداث التاريخ ودوافع السعي البشري وبواعثه على أساس مادي بحت أمر خطير، يقوم على نظرة سطحية تدور حول الهيكل الخارجي للإنسان، وتتجاهل المحرك الأساس له؛ وهو العقيدة والإيمان، لقد قالوا: "إن الإنسان حيوان سياسي"، بمعنى أن السياسة هي العامل الذي يشكل حياة الإنسان، وقالوا: "إن الإنسان حيوان اقتصادي"؛ أي إن العامل الاقتصادي هو الأساس في حركته، ثم أسرفوا في النظريات فقالوا: "إن عامل البيئة أو الوراثة هو العامل الأوحد والأهم".
وأحداث الهجرة ووقائعها الثابتة والظروف التاريخية التي أحاطت بها تثبت فشل هذه النظريات المادية.. ذلك أن الإسلام لا يأخذ بجانب واحد من هذه العوامل؛ لأنه مفهوم شامل جامع عميق، يستمد وجهته من الترابط الوثيق بين الدنيا والآخرة، وبين المادة ومتطلباتها، والروح وأشواقها، وصدق الله العظيم: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص: 77).
لماذا هاجروا؟
ونتساءل: لماذا هاجر الصحابة هذه الهجرة العجيبة الفذة في عالم الأسفار والرحلات؟ ولأي غاية كانت هجرتهم؟ هل هاجروا طلبًا للثراء؟ أو سعيًا وراء اللذائذ والشهوات؟ أو طلبًا للراحة وللنجاة من المتاعب؟ وهل كانت المسافة بين مكة والمدينة سهلة ميسرة، فأغراهم هذا للقيام برحلة للترويح عن النفس؟
ويجيبنا التاريخ الثابت الذي لا مجال لإنكاره بأن شيئًا من ذلك لم يكن لقد، عرضوا على النبي- صلى الله عليه وسلم- في مكة السلطان والملك والقيادة والسيادة والجاه والمال حتى يصير من أغناهم، ورفض- صلى الله عليه وسلم- هذا كله، ورد على من بعثوا إليه بهذه الإغراءات قائلاً: "ما جئت به لأطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليَّ كتابًا ، وأمرني أن أكون بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم".
والثابت أيضًا: أن أبا بكر- رضي الله عنه- أخذ معه يوم الهجرة ستة آلاف هي بقية عشرات آلاف كان يملكها، أنفقها على الدعوة بمكة، كما أن مصعب بن عمير- رضي الله عنه- ترك الجاه والمال، وحياة الترف بسبب اتباعه النبي- صلى الله عليه وسلم- وعاش راضيًا بالحياة الخشنة، حتى كان يرقع قميصه بفروة غنم، وكان- صلى الله عليه وسلم- إذا رآه يقول: "هذا من نور الله قلبه بالإيمان"، واستشهد ولم يجدوا له ثوبًا فكفنوه في قميصه القصير، وغطوا رجليه بورق الشجر- رضي الله عنه- والثابت أيضًا أن صهيبًا- رضي الله عنه- حين أراد الهجرة منعته قريش حتى يترك لهم ما معه من مال فتجرد منه، وانطلق إلى المدينة، وفيه نزل: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (البقرة: 207).
ولم تكن المسافة بين مكة والمدينة مغرية برحلة؛ لأن الثابت أن المسافر يستغرق عشرة أيام وعشر ليال في طريق شاق بين جبال ووهاد تموج بالأعراب الرحل، لا يحكمهم قانون، وكل همهم السلب والنهب مع حب الصحابة لمهبط الوحي مكة، وتعلقهم بالبيت، فتركوها وهي من أحب بلاد الله إليهم، فلم يكونوا من الصنف الذي لا يحترم وطنه أو يفرط في بلده، وهذا بلال- رضي الله عنه- في مهجره كثيرًا ما حَنَّ إلى مكة، ولم ينكر عليه أحد.
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يومًا مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل
وبماذا يفسر الماديون موقف أبي سلمة- رضي الله عنه- حين خرج مهاجرًا معه زوجه وولده الصغير، فلما رأته قبيلته قاموا إليه فقالوا:
هذه نفسك قد غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد؟ وأخذوها منه، وأخذ بنو عبد الأسد ولده الصغير، ومضى هو بمفرده إلى المدينة!
وما قولهم في الصحابي المسن المريض الذي لا يستطيع الحركة، الذي استمع إلى قول الله- عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾ (النساء: 97- 98)، فقال لأولاده: والله ما لي من عذر، جهزوني للهجرة، فقالوا له: إنك مريض وممن عذر الله، فقال: والله ما لي من عذر، احملوني، فحملوه على محفة فوق بعير، وفي التنعيم فاضت روحه، فقال أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم: لو بلغ إلينا لتم أجره، وجاء بنوه إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- وأخبروه فأنزل الله- عز وجل: ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (النساء: 99).
دافع الهجرة هو الإسلام:
هذه بعض بواعث الهجرة، وإن المذاهب المادية لتعجز عجزًا تامًّا عن تفسير بواعثها؛ لأنها لا تؤمن إلا بالمحسوس، فليس للهجرة من تعليل إذن سوى عوالم أخرى غير مادية، ولا نجد شيئًا اقترن بالهجرة غير الإسلام، فهو الدافع والباعث الأساس الذي حررهم من العبودية للوثن، أو للقيصر، أو للفرعون، أو للأرض أو للمال، وأخرجهم من عماية الهوى وحظ الشهوات، وبدأت الرسالة الخاتمة ترسم وجهتهم، وتقرر منهجهم، وتبعث عزائمهم، وتصنع تاريخهم وأخلاقهم وسائر روابطهم.
فالقيمة الكبرى التي تحرك الإنسان هي قيمة الإيمان بالله واليوم الآخر، ولن يستقيم تفسير الهجرة إلا على ضوء هذه النظرة الإيمانية، أما الماديون فقد جهلوا أسرار الحياة وقدر الإنسان.
ثم ماذا كانت النتيجة؟ لو كان مقياس الهجرة ماديًّا لانتهى الأمر بالمهاجرين إلى الفقر والمسغبة وسؤال الناس، وضياع الأهل والمال والولد، أما والمهاجرون قد هاجروا لما فوق المادة بما لا حدَّ له، فقد كان جزاء تضحيتهم بكل شيء؛ كان جزاؤهم أمنًا وأمانًا واستقرارًا ومالاً ومنعة وقوة ودولة، وهكذا من كان كما يريد الله منه كان له من الله ما يريد: ﴿إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج:40).
وإذا كان المسلمون اليوم تنتابهم محن شداد، فإن عليهم- لصيانة بلادهم وحفظ حاضرهم وضمان مستقبلهم- أن يسلكوا الطريق الذي سار فيه أسلافهم، وأن يأخذوا هذه الرسالة بحقها بتنفيذ أحكامها والنزول على أمرها، وأن يهجروا كل ألوان الجاهليات الحديثة والقديمة، إن ذكرى الهجرة منارة على الطريق لمن أراد العز والنصر، وهي درس عظيم وأمل كبير لأصحاب الدعوات.
﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحج: 40- 41).

mahmoud eysa 20-01-2007 02:35 AM

خواطر حـول الهجرة
 
:o :o :o :o :o http://www.alkhateeb.net/ALKhtebAdmi...7888116706.jpg
بقلم فضيلة الشيخ/محمد عبدالله الخطيب
* الهجرة تعلمنا كيف يرتبط تاريخ الدعوة إلى الله بالحركة على مستوى الفرد والجماعة.
* في الهجرة يجب ألا ننسى أبدًا طبيعة اليهود وحقدهم ومكرهم.
"قلت للرجل الواقف على باب العام، أعطني نورًا أستضيء به في هذا الطريق المجهول، فقال: ضع يدك في يد الله سيهديك سواء السبيل" (الإمام الشيهد حسن البنا).
ونحن ندخل إلى عام هجري جديد، تبرزأمامنا خطوات سيد الدعاة- صلى الله عليه وسلم- صوب المدينة، وقلبه يخفق بالدعاء الذي سجله القرآن: ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِيمُدْخَلَصِدْقٍوَأَخْرِجْنِيمُخْرَجَصِدْقٍ وَاجْعَللِّيمِن لَّدُنكَسُلْطَانًانَّصِيرًا*وَقُلْجَاءالْحَقُّوَزَهَقَالْبَاطِلُ إِنَّالْبَاطِلَكَانَزَهُوقًا (الإسراء: 80-81).
إن النبي- صلوات الله عليه وسلامه عليه- كان على يقين جازم بأن حركة الإنسان في الحياة لا تصل إلى هدفها إلا حين يرفع بصره وفؤاده ومشاعره إلى السماء، يتلقى عنها، وينزل على توجيهها، وينفذ أوامرها، إن هذا التوجه صاحب الرسول- صلى الله عليه وسلم- وهو يرسم الخطط ويحدد الغاية، ويأخذ بكامل الأسباب التي توصله إلى هدفه.
يقول د. عماد الدين خليل: "إن الإسلام جاء لكي يعبر عن وجوده في عالمنا من خلال دوائر ثلاث يتداخل بعضها في بعض، وتتسع صوب الخارج لكي تشمل مزيدًا من المساحات:
- دائرة الإنسان.
- دائرة الدولة.
- دائرة الحضارة.
ولقد اجتاز الإسلام في مكة دائرة الإنسان، ثم ما لبثت العوائق السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية أن صدته عن المضي في الطريق صوب الدائرة الثانية حيث الدولة؛ لأنه بلا دولة ستظل دائرة الإنسان التي هي أشبه بنواة لا يحجبها جدار، ستظل مفتوحة على الخارج المضاد، بكل أثقاله وضغوطه، وإمكاناته المادية والروحية، وأن يستطيع الإنسان الفرد أو الجماعة التي لا تحميها دولة أن تمارس مهمتها حتى النهاية".
ولا نظن الأمر أتى بجديد في عصرنا هذا، على معنى أن التيار الإسلامي عندما يتحرك لإيجاد الأرضية الصالحة التي يتحرك عليها الإنسان المسلم يجد أمامه الجنادل والأهوال والأسوار الهائلة التي تحجبه عن الانطلاق وأداء رسالته، وهذه العوائق هي هي ذاتها التي اعترضت صاحب الرسالة أول ما قام يدعو، وما كان أحد يصدق أن شعبًا كشعب الجزيرة العربية يمكن أن يحمل رسالة عظيمة إلى العالم كله، لكن مع عظمة الداعية ومثابرته وتلطفه وتنفيذه لأمر الله وانتظاره وصبره وتعلقه بالله، مع كل هذا بدأ الأمر يتغير تطبيقًا لقول الحق تبارك وتعالى: ﴿سَبَقَتْكَلِمَتُنَالِعِبَادِنَاالْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْلَهُمُالْمَنصُورُونَ* وَإِنَّ جُندَنَالَهُمُالْغَالِبُونَ﴾(الصافات: 171– 173).
فإذا كان التيار الإسلامي اليوم تحيط به أسوار وتكتنفه ضوائق، فإنه لا يجوز أن يكون دافعًا لليأس؛ لأن اليأس يعني السقوط والتوقف والاستسلام، لكن على الداعية أن يفقه الظروف من حوله، وأن يحسن تخير الموقع الذي يمكن أن يكون أكثر فاعلية من خلال هذه الظروف؛ لذلك يجب على الداعية المسلم أن يبدأ بإصلاح بيئته وإعدادها إعدادًا صحيحًا لتكون منطلقًا إلى ما بعدها، وكلما أصلح جزء من الأرض التي يقف عليها انتقل إلى آخر.
وجوب الاهتمام بالأسرة:
ولا شك أن المسلمين حين يهتمون بالسيرة، وهي الحركة المباركة لسيد الخلق- صلى الله عليه وسلم- ومن معه من صحابته، وهم أطهر جيل وأصدق جيل عرفته الدنيا بعد رسل الله- سيجدون أنهم في أَمَسِّ الحاجة إلى هذا الزاد العظيم، الذي يقف نبراسًا للأمة في أوقات محنتها وشدائدها، خاصة حين تضعف وتتكالب عليها الشعوب، وكيف أن هذه السيرة ترتفع أمام المسلمين بأحداثها، تعزيهم وتمسح عنهم جراحهم.
إن وقوف المسلمين اليوم- خاصة الدعاة- على قدر كبير وخطير من دروس هذه السيرة مرهون إلى حد كبير، لا بالمعاناة والمصابرة والمجاهدة فحسب، فهناك أمر لابد منه في جميع العصور– لكنه مرهون بمحاولة المصاحبة الوجدانية لسيد الدعاة- صلى الله عليه وسلم- والتأمل الدقيق في سائر الأبعاد الأخلاقية والتربوية والتشريعية والاجتماعية والنفسية، التأمل في ضوء واقع الدعوة الإسلامية الراهنة، وحاجتنا الدائمة إلى التأسي بالرعيل الأول في عمله في فترة الدعوة والدولة، وفي سلوكه مع الآخرين في الحرب والسلم، وفي المنشط والمكره، وفي الأخذ والعطاء، وفي وقته في الحرص على حرية المسلمين، ولا مجال هنا لبسط وجهة النظر في القرآن الكريم يمثل التربية الكاملة والمستمرة في وقت واحد، ولكن ينبني عليها هذا القول، بأن السيرة النبوية الشريفة تمثل هذه التربية الكاملة بصورتها العملية التطبيقية، فهذه السيرة منهج للبشر، ولا يصح لنا أن نقرأها كقصص دارج، أو أحداث انتهى زمانها، وهذا ما يحدث اليوم للأسف الشديد.
الدعوة والحركة:
لقد عاش سيد الخلق- صلى الله عليه وسلم- في صحراء حرها شديد ومسافاتها شاسعة وطرقها مجدبة، ومياهها قليلة، وسائر ما فيها من ملابسات الشظف والخشونة، وهذه الجزيرة هي مهد الدعوة الإسلامية والبيئة التي شهدت الأحداث من لدن ولادة النبي- صلى الله عليه وسلم- في مكة إلى حين انتقاله إلى الرفيق الأعلى في المدينة.
ولقد تعلمنا من الهجرة كيف يرتبط تاريخ الدعوة إلى الله بالحركة، حركة الإنسان الفرد، وحركة الجماعة وحركة الأمة المسلمة كلها، إن المثل العليا دائمًا هي الهدف الذي يسعى إليه أصحاب الفضائل، رغم وقوف القوى المنحرفة لمنع الجادين والمخلصين من تحقيقه في عالم الواقع.
وفي اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الثالثة عشرة للبعثة وصل سيد الدعاة إلى مشارف المدينة؛ حيث قام أهل المدينة باستقباله بعد أن انتظروا طويلاً، وبدءوا من اللحظة العهد الجديد الذي كتب لهم شرف وضع أسسه على تقوى الله ورضوان، وبدأ بناء مرحلة الدولة التي ستصنع حضارة راقية تشرف الإنسان وتضعه في الموضع اللائق به، وقد قام البناء تحميه العقيدة والقوة للدفاع عنه، وصيانته من عبث العابثين، وبهذا تحقق ما جاء به الإسلام على يدي المبعوث رحمة للعالمين؛ بناء الإنسان، وبناء الدولة، وإقامة الحضارة، وتلك هي الداوائر المتكاملة التي يعمل لها هذا الدين.
وفي الهجرة يجب ألا ننسى أبدًا طبيعة اليهود وحقد اليهود وما جبلوا عليه، وما حكاه لنا العليم الخبير في القرآن، وما ذكره النبي- صلى الله عليه وسلم- من مواقفهم مع أنبياء الله ورسله من نكثهم للعود، وقتلهم للأنبياء وعداوتهم للمؤمنين، ومن أنانيتهم وأطماعهم وإجرامهم الذي لا حد له، يجب أن نذكر دائمًا خداعهم ومكرهم وعدم التزامهم بأي شيء إلا إذا كان موافقًا لأهوائهم ونواياهم التوسعية.
وهذه كلمات كلها حق، تمليها العقيدة الخالصة والنصح السديد، وتفرضها النظرة العميقة الصادقة التي تهدف إلى الارتفاع بشأن المسلمين في كل ناحية من نواحي الأرض.
ولقد طرد من الجزيرة أعداء الإنسانية من مثيري الحروب والفتن من يهود وغيرهم، وانتهت من الجزيرة الأمراض: من ربا وأوثان وأصنام، وسعد الناس بعبادتهم لربهم، وطاعتهم له، ودخل الناس في دين الله أفواجًا والحمد لله رب العالمين.
اللهم إننا بهذه الكلمات نبرئ ذمتنا أمامك ونعذر إليك، فما بعد اليوم من مستعتب، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿فَلِذَلِكَفَادْعُوَاسْتَقِمْكَمَاأُمِرْتَوَلَاتَتَّبِعْأَهْوَاءهُمْ وَقُلْآمَنتُبِمَاأَنزَلَاللَّهُمِنكِتَابٍوَأُمِرْتُلِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُاللَّهُرَبُّنَاوَرَبُّكُمْلَنَاأَعْمَالُنَاوَلَكُمْأَعْمَالُكُمْ لَاحُجَّةَبَيْنَنَاوَبَيْنَكُمُاللَّهُيَجْمَعُبَيْنَنَاوَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾(الشورى: 15).

mahmoud eysa 20-01-2007 02:43 AM

دروس من الهجرة.. للشهيد سيد قطب
 
إخوان أون لاين - 19/01/2007
http://www.ikhwanonline.com/Data/200...56aaspppp1.jpg




إذا كنا نحتفل بيوم الهجرة فيجب أن نكون جديرين بالاحتفال بهذا اليوم، يجب ألا يكون احتفالنا بالهجرة النبوية ككل احتفالٍ بذكرى من الذكريات الأرضية أو بعملٍ من أعمال الناس، كما يجب أن يكون لهذا الاحتفال طابع خاص، وأن يكون لهذا الاجتماع جوٌّ خاص، وأن نُهيئ نحن أنفسنا لنكون جديرين بالاحتفال بهذه المناسبة الكريمة، ولن نكون جديرين بأن نحتفل بيوم الهجرة إلا حين نرتفع بأرواحنا، وحين نرتفع بأخلاقنا، وحين نرتفع بأعمالنا وقيمنا إلى هذا المستوى الشامخ الرفيع، مستوى الهجرة النبوية الشريفة.

الواقع الفعلي للسيرة
إنَّ سيرةَ الرسول- صلى الله عليه وسلم- وسيرة هذا الإسلام لا يجوز أن تكون تاريخًا يُتلى ولا أن تكون احتفالاتٍ تمضي، إنما يجب أن تكون حياةً تُعاد، وأن يكون واقعًا يُحقق.. إنما جاء الإسلام ليكون واقعًا حيًّا في تاريخ المسلمين، وإنما مضت هذه الأيام لتكون فيها إلى الأبد قدوةً وأسوةً لمَن يتبعون رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.

كيف نحتفل بالهجرة؟
يجب إذا حاولنا أن نحتفل بالهجرة أن نرتفع بأنفسنا إلى مستوى أيام الهجرة.. أن نرتفع بأرواحنا إلى مستوى أيام الهجرة.
http://www.ikhwanonline.com:8078/Dat.../29/577782.jpg
الشهيد سيد قطب

فهذا الإسلام جاهزٌ وقديرٌ على أن يحقق ما حققه مرةً في تاريخ البشرية، إنه لم يجئ لفترةٍ ولم يجئ لمكان، لقد جاء للزمان كله.. وجاء للأرض كلها.. وجاء للبشرية كلها.

فإذا شئنا نحن اليوم أن نحتفل بيومٍ من أيامه، فلا يجوز أن نقرب هذا الاحتفال إلا إذا أعددنا أنفسنا كما يُعد المؤمن نفسه للصلاة بالوضوء، وكما يتهيأ بروحه ليقف بين يدي الله عز وجل.. يجب أن نرتفع إلى إدراك المعاني الكبيرة الكامنة في هذا اليوم الكبير.

ومعاني هذا اليوم لا تحصيها ساعة، ولا تحصيها خطبة، ولا يحصيها كتاب، فهي كتاب مفتوح للبشرية منذ 1400 عام، إنما نحاول أن نلخص شيئًا.. نحاول أن نُقلب صفحاتٍ قلائل من هذا الكتاب الضخم الذي لم تنته صفحاته على مدى 1400 عام، ولن تنتهي صفحاته حتى يرث الله الأرض ومن عليها: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)﴾ (الكهف).

الصفحة الأولى: التجرد
الصفحة الأولى من صفحات هذا اليوم المجيد في تلك الكلمات الخالدة للنبي- صلى الله عليه وسلم- تلك الكلمات التي فاه بها لسان محمد- صلى الله عليه وسلم- لقريشٍ بعظمائها وساداتها.. "يا بن أخي إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفًا سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا"، فجاء الرد الحاسم:"والله يا عمِّ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

فإذا بتلك الكلمات القلائل تخط أول صفحة من الصفحاتِ المشرقة الكريمة في تاريخ الدعوة.. بهذه الكلمات نبدأ تلك الصفحات الكريمة، لم يكن محمد- صلى الله عليه وسلم- مضطرًا أن يهاجر أو أن يغترب لو أنه أخذ المال والجاه.. ولكن محمد- صلى الله عليه وسلم- كان يريد ما هو أعظم من أن تضع الشمس في يمينه والقمر في يساره، وما هو أعظم من السماوات والأرض، ما هو أعظم من النجوم والكواكب.

كان يريد عقيدةً تُنتشر وفكرةً تسود ومجتمعًا يتكون وإسلامًا يقوم على وجهِ الأرض يُعلم الناس ما لم يتعلموه قبل هذا الإسلام العظيم.

هذه هي الذكرى الأولى، وهذه هي الخطوة الأولى التي استصعدنا بها محمد- صلى الله عليه وسلم- في بدء خطواته.. فلنوجه إليها قلوبنا ونحن نحتفل بهذا اليوم.

وإن وجدنا أننا لا نستطيع أن نرتفع هذا الارتفاع، ولكن نتطلع إلى هذا الأفق ليدفعنا إليه.. إذا وجدنا في أرواحنا خفةً للتحقيق.. إذا وجدنا في أنفسنا زهدًا في مال.. وزهدًا في منصب.. وزهدًا في جاه؛ لأننا نريد أكثر من المال والجاه والمنصب، إذا أحسسنا في أنفسنا هذا الإحساس.. كنا جديرين أن نحتفل بيومٍ من أيام محمد صلى الله عليه وسلم.

واجبنا نحو أيام محمد صلى الله عليه وسلم
ومنذ اليوم يجب أن نستحضر في أنفسنا هذا الملحاظ فلا نجرؤ على الاحتفال بيومٍ من أيام محمد- صلى الله عليه وسلم- إلا أن نكون على استعداد في ذوات أنفسنا أن نتطلع إلى فعل محمد صلى الله عليه وسلم.. إن ذكريات محمد- صلى الله عليه وسلم- لا يجوز أن ترخص.. لا يجوز أن تصبح سلعةً في السوق.. لا يجوز أن تكون مجالاً لأن يحتفل بها كل مَن يحتفل قبل أن يُعد نفسه لهذا المستوى الرفيع، لهذا المستوى الكريم الذي أعدَّ محمد صلى الله عليه وسلم نفسه له وهو يقول:"والله يا عمِّ، لو وضعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

حقيقة طريق الدعوة
مَن شاء أن يسلك طريق هذه الدعوة فليعرف أنه لا يأتي إلى المال وليتأكد أنه لا يؤدي إلى منصب، وليوطد نفسه أنه لا يؤدي إلى جاه في الأرض وإن كان يؤدي إلى جاه عند الله.
مَن شاء أن يسلك طريق هذه الدعوة فليعلم أن الوزارة قد تفوته، وأن الإمارةَ قد تفوته، وأن المال قد يفوته، وأن الجاه قد يفوته.. ويبقى له ما هو أكرم من هذا كله.. ويبقى له وجه ربك ذي الجلال والإكرام.


الصفحة الثانية: إعداد النفس للتضحية
معنى آخر من معاني الهجرة يجب أن نستحضره في أرواحنا.. يجب أن نُعد أنفسنا له.. هو ما قاله الله عز وجل وهو يخاطب رسوله- صلى الله عليه وسلم- في أول الدعوة: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5)﴾ (المزمل)، لا في كلماته ولا في عباراته، فالله عز وجل يقول ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)﴾ (القمر)، فألفاظ القرآن ميسورة وعباراته ميسورة، وهذا الثقل في القول ليس في ذات القول، ولكن في التبعة.. في المهمة.. في الواجب.. في المشقة التي يحملها هذا القول الثقيل.. ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾.

إن الطريقَ شاقة، إن الطريقَ ليست مفروشةً بالزهور والورود، إن الطريق مليئةً بالأشواك.. لا.. بل إنها مفروشة بالأشلاء والجماجم، مزينةً بالدماء، غير مزينةٍ بالورودِ والرياحين.. إن الطريق شاق.. هذا هو المعنى الثاني الذي يجب أن نتذكره ونحن نتطلع ونحاول أن نرتفع إلى أفق الهجرة الكريمة.

إن سالكه لن يفوته المنصب وحده، ولن يفوته الجاه وحده، ولن تفوته السيادة وحدها في هذه الأرض، ولكن سيتحمل قولاً ثقيلاً، وسيتحمل جهدًا ثقيلاً، وسيجتاز طريقًا ثقيلاً.. فلنعد أنفسنا لما أعد محمد صلى الله عليه وسلم نفسه له لنكون جديرين بأن نحتفل بيومِ هجرته صلى الله عليه وسلم.. ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾.

عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحقيقة النصر
كان من الميسور أن يدعو الرسول- صلى الله عليه وسلم- على قومه دعوة تهلكهم فينتهي، كان ميسورًا أن باب السماوات مفتوح ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ (القمر: من الآية 10)، ولكن الرسول- صلى الله عليه وسلم لم يلقَ دعوته ولم يدعو دعوته هذه على قومه، إنما اختار الطريق الشاق.. اختار الطريق الطويل.

لقد كان نوح عليه السلام يملك أن يدعو على قومه فيهلكهم الله ليبدل الله الأرض قومًا غيرهم؛ لأن دعوته موقوتة لأنه جاء لقوم؛ لأنه جاء لدين، أما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقد كان يعلم أن دعوته هي دعوة الأبد، وأن رسالته هي الرسالة الأخيرة، وأن السماء وقد تفتحت بنورها إلى الأرض لن تفتح بهذا النور إلى الأرض مرةً أخرى؛ لذلك لم يخترْ أن يدعو الله بالنصرِ فيرتاح في لحظته، إنما اختار طريق الجهاد؛ لأنه إن انتصر اليوم.. أن انتصر نصرًا يسيرًا.. إن انتصر نصرًا سهلاً، فمَن يُؤتي أمته ومَن يُؤتي الأجيالَ بعده هذا النصر السهل الرخيص.

إنَّ أمته يجب أن تُدرَّب.. يجب أن تُعد.. يجب أن تجد فيه قدوة.. يجب أن يكون لها قدوة في جهادٍ شاق طويل.. ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾ (العنكبوت).

لا بد من فدية.. لا بد من بلاء .. لا بد من امتحان؛ لأن النصرَ الرخيص لا يبقى؛ لأنَّ النصرَ السهلَ لا يعيش؛ لأن الدعوة الهينة يتبناها كل ضعيف، أما الدعوة العفية الصعبة فلا يتبناها إلا الأقوياء ولا يقدر عليها إلا الأشداء.

لمَن النصر
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ (البقرة).

إنَّ نصرَ الله قريب، ولكن ممن احتملوا البأساء والضراء، ممن جاهدوا وبذلوا.. ممن لم يبقوا في طاقتهم قوة.. ممن احتملوا مشاق الطريق.

عندما يبذل الإنسان أقصى ما في طوقه، عندما يصل إلى نهاية الشوط، عندما يلقى بهمه كله إلى الله بعد أن لم يبقَ في طوقه ذرة عندئذٍ يتحقق وعد الله ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.

هذه هي الذكرى الثانية، هذا هو المعنى الثاني.. هذا هو المعنى الرفيع الذي يجب أن نُعد أنفسنا له ونحن نتطلع لكي نرتفع إلى ذلك الأفق السامي ونحن نحتفل بالهجرة الكريمة.
----------
* ألقى الشهيد سيد قطب هذه الكلمة في أحد الاحتفالات بذكرى الهجرة
:cool: :o

أبو أسيد 20-01-2007 07:08 AM

بارك الله فيك أخي الكريم

من أهم ما نتعلمه من هجره الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم هو

الصـــــــــــــــــــــــبر ...... فهنالك سمات مهمه لمعاني الصبر

mahmoud eysa 28-01-2007 09:09 PM

وقفات في ذكرى الهجرة
 
:cool: :_11: :o 4- هجرة عياش بن أبي ربيعة درس في أن وعي الأمة يحميها من خداع أعدائها:
من الصفحات التي يجب أن تُقرَأ في كتاب الهجرة المباركة: قصة هجرة المستضعفين الذين غررت بهم قريش، واستغلت سلامة نياتهم في فتنتهم، فقراءة هذه الصفحة تحيي وتنمِّي الوعي، فتعالوا نقرأ معًا ما فعلته قريش ببعض المسلمين.

أخرج ابن إسحاق بسندٍ صحيحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، قَالَ اتّعَدْتُ لَمّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَى الْمَدِينَةِ، أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السّهْمِيّ التّناضِبَ مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَوْقَ سَرِفٍ، وَقُلْنَا: أَيّنَا لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ حُبِسَ فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ.. قَالَ فَأَصْبَحْتُ أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التّنَاضُبِ، وَحُبِسَ عَنّا هِشَام وَفُتِنَ فَافْتُتِنَ (أي استجاب للكفر بعد الإسلام).

فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ نَزَلْنَا فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف بقُباءٍ، وَخَرَجَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ إلَى عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ ابْنَ عَمّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمّهِمَا، حَتّى قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِمَكّةَ فَكَلّمَاهُ وَقَالا: إنّ أُمَّك قَدْ نَذَرَتْ أَنْ لا يَمَسَّ رَأْسَهَا مُشْطٌ حَتّى تَرَاك، وَلا تَسْتَظِلَّ مِنْ شَمْسٍ حَتَّى تَرَاك، فَرَقَّ لَهَا، فَقُلْت لَهُ: يَا عَيّاشُ إنّهُ وَاَللّهِ إنْ يُرِيدَك الْقَوْمُ إلاَّ لِيَفْتِنُوك عَنْ دِينِك، فَاحْذَرْهُمْ، فَوَاَللّهِ لَوْ قَدْ آذَى أُمّك الْقَمْلُ لَامْتَشَطَتْ، وَلَوْ قَدْ اشْتَدَّ عَلَيْهَا حَرّ مَكّةَ لَاسْتَظَلّتْ. قَالَ: فَقَالَ: أَبَرّ قَسَمَ أُمّي، وَلِي هُنَالِكَ مَالٌ فَآخُذُهُ. قَالَ: فَقُلْت: وَاَللّهِ إنّك لَتَعْلَمُ أَنّي لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، فَلَك نِصْفُ مَالِي وَلَا تَذْهَبْ مَعَهُمَا. قَالَ فَأَبَى عَلَيّ إلّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمَا. فَلَمّا أَبَى إلّا ذَلِكَ قَالَ قُلْت لَهُ: أَمّا إذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْت، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ فَإِنّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ فَالْزَمْ ظَهْرَهَا، فَإِنْ رَابَك مِنْ الْقَوْمِ رَيْبٌ فَانْجُ عَلَيْهَا. فَخَرَجَ عَلَيْهَا مَعَهُمَا، حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطّرِيقِ قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: يَا ابْنَ أَخِي، وَاَللّهِ لَقَدْ اسْتَغْلَظْتُ بَعِيرِي هَذَا، أَفَلَا تُعْقِبَنِي عَلَى نَاقَتِك هَذِهِ ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ فَأَنَاخَ وَأَنَاخَا لِيَتَحَوّلَ عَلَيْهَا، فَلَمّا اسْتَوَوْا بِالْأَرْضِ عَدَوا عَلَيْهِ فَأَوْثَقَاهُ وَرَبَطَاهُ ثُمّ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ، وَفَتَنَاهُ فَافْتُتِنَ.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنّهُمَا حَيْنَ دَخَلا بِهِ مَكّةَ دَخَلا بِهِ نَهَارًا مُوثَقًا، ثُمّ قَالَا: يَا أَهْلَ مَكّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ، كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا.

قَالَ: فَكُنّا نَقُولُ: مَا اللّهُ بِقَابِلٍ مِمّنْ اُفْتُتِنَ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَلَا تَوْبَةً، قَوْمٌ عَرَفُوا اللّهَ ثُمّ رَجَعُوا إلَى الْكُفْرِ، لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ! قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ.

فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ ﴿ قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55)﴾ (الزمر،) قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: فَكَتَبْتهَا بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ وَبَعَثْت بِهَا إلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي، قَالَ: فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِي: فَلَمَّا أَتَتْنِي جَعَلْت أَقْرَؤُهَا بِذِي طُوًى (هذا المكان يشمل اليوم: العُتَيبة، وجَرول، والطَندَباوي، ومعظم شارع المنصور) أُصَعّدُ بِهَا فِيهِ وَأُصَوّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا، حَتّى قُلْت: اللّهُمّ فَهّمْنِيهَا.. قَالَ: فَأَلْقَى اللّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِي أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا. قَالَ: فَرَجَعْت إلَى بَعِيرِي، فَجَلَسْت عَلَيْهِ، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ".

وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- في صلاته يدعو لهؤلاء المستضعفين والمفتونين أن ينجيهم الله، وأن يشدد على مَن فتنهم وضيَّق عليهم، فقد أخرج البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" يَدْعُو لِرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ".
إن هذه القصة وغيرها تؤكد وجوب التنبه الدائم لمحاولاتِ الأعداء فتنة الدعاة واستغلال سلامة نياتهم في الإيقاع بهم، وضرورة الحذرِ من الوقوع في الفتنة، فالمؤامرة مستمرة، والأعداء متربصون يعملون بمكر الليل والنهار لبلوغ أهدافهم وفتنة المؤمنين عن دينهم ورسالتهم، وعلى الدعاة أن يكونوا أكثر إدراكًا وأعظم وعيًا وقدرةً على إحباط هذا المكر.

4- الهجرة باقية لا تنقطع
http://www.ikhwanonline.com:8078/Dat...56aaspppp1.jpg كانت الهجرة إلى رسول- صلى الله عليه وسلم- قبل فتح مكة واجبة، فلما فتح الله مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وأتت الوفود من كل صوبٍ وحَدَب تُعلن إسلامها وولاءها، وأظهر الله الإسلام، وصار المسلم يعبد ربه حيث شاء قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا" (أخرجه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس).

وأخرج البخاري عنْ مُجَاشِعٍ بن مسعود- رضي الله عنه- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَا وَأَخِي فَقُلْتُ: بَايِعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ. فَقَالَ: "مَضَتْ الْهِجْرَةُ لِأَهْلِهَا" فَقُلْتُ: عَلَامَ تُبَايِعُنَا ؟ قَالَ: "عَلَى الإِسْلامِ وَالْجِهَادِ".

وقصد صلى الله عليه وسلم بذلك الهجرة من مكة خاصة؛ لأنها قد صارت بالفتح دار إسلام، وأنها لن تكون دار كفر إلى يوم القيامة، فلا تُتصوَّر منها الهجرة وقد مضت هذه الهجرة الفاضلة لأهلها الذين هاجروا قبل فتح مكة، فلن يلحقهم في هذا الفضل لاحق، وأما الهجرة من دار الحربِ والكفرِ إلى دار الإسلام فباقية دائمة إلى يوم القيامة، إذ أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فحيثما وُجدت العلة الداعية إلى الهجرة وجبت.

فقد أخرج أحمد والنسائي وصححه ابن حبان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّعْدِيِّ- رضي الله عنه- رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا لَهُ: احْفَظْ رِحَالَنَا ثُمَّ تَدْخُلُ- وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ- فَقَضَى لَهُمْ حَاجَتَهُمْ ثُمَّ قَالُوا لَهُ: ادْخُلْ، فَدَخَلَ فَقَالَ: "حَاجَتُكَ؟" قَالَ: حَاجَتِي تُحَدِّثُنِي أَنْقَضَتْ الْهِجْرَةُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "حَاجَتُكَ خَيْرٌ مِنْ حَوَائِجِهِمْ، لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْعَدُوّ".

وهذا يجرنا إلى الإشارة إلى مسألةٍ كثُر الكلام عنها، وهي:
حكم الهجرة والإقامة في بلاد غير إسلامية: لا شك أنَّ المسلمَ الذي يُقيم في بلادٍ غير إسلامية ويُمنع فيها من ممارسة دينه، أو يُجبر على الردةِ عنه فإنه لا يحل له المقام بهذه البلاد لغير ضرورةٍ مشروعة.. فأما البلاد التي لا تمنع المسلم من ممارسة عبادته وشعائر دينه، والتي لا تلزمه بالتخلي عن دينه وإيمانه، كما هو الحال في أمريكا وأوربا واليابان وغيرها، فلا بأسَ بالإقامة في تلك البلاد، خصوصًا للذين يستمسكون بدينهم ولا ينزلقون في الفتنة عنه، ويجتهدون في تربيةِ أجيالهم الناشئة على دين الحق، خصوصًا أيضًا أن المواثيق الدولية التي صدقت عليها أغلب بلدان العالم تُعطي كل إنسانٍ الحق في ممارسة دينه بلا إكراه، كما أن التواصل الإنساني اليوم يوجب على الأمة- وبخاصة أصحاب الدين والمشروع الإصلاحي- أن يكون لها حضورٌ قوي على المستوى الدولي من خلال الجاليات الإسلامية في تلك البلدان، وتدعيمها وتوجيهها ليكون لها دورٌ قوي في التقارب الإنساني، وفي نشر القيم الفاضلة النبيلة، التي تكاد العولمة الأمريكية الحديثة أن تعصف بها، وليتذكر إخواننا الذين يعيشون في تلك البلاد للدراسة أو للعمل أو لغير ذلك أنهم حملة رسالة الخير والنور، وأن من واجبهم العمل على إسعاد البشرية بنشر قيم الحق والخير التي جاء بها الإسلام الحنيف، كما فعل سلفهم التجار في بلاد شرق آسيا من قبل.

كما أن على الجاليات المسلمة أن تكون مجتهدة في تقديم الخير لتلك البلاد، وفي محو الصورة الذهنية السلبية التي يجتهد أعداء الإسلام في ترويجها، لتفزيع الناس من دين الحق وتخويفهم من رسالة الهدى والنور؛ وذلك من خلال تقديم صورة عملية لأخلاق الإسلام ومعاملاته الكريمة.. وتلك مهمة والله جليلة عظيمة، ولربما أقول: هي نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله بمعناه الواسع الكريم لو صدقت النية في جلب المنافع للأمة ودفع المضار عنها، وإظهار الوجه المشرق للإسلام، مما يدعو الآخرين للدخول في دين الله أفواجًا.

5- المعاني الباقية للهجرة
يبقى أيها الإخوة الكرماء أن نتذكر الهجرة المعنوية المستمرة الدائمة التي لا ينبغي أن ينفك عنها المسلم، والتي قال عنها الإمام ابن قيم الجوزية في الرسالة التبوكية: "إنها فرض عين على كل أحد في كل وقت، وإنه لا انفكاكَ لأحد من وجوبها، وهي مطلوب الله ومراده من العباد، إذ الهجرة هجرتان: هجرة بالجسم من بلدٍ إلى بلدٍ، وهذه أحكامها معلومة.

والهجرة الثانية: الهجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعة لها، وهي هجرة تتضمن "من" و"إلى"، فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذلِ والاستكانة له إلى دعائه وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له".

وقال رحمه الله عن هذه الهجرة في (طريق الهجرتين وباب السعادتين): "هجرةٌ إلى الله بالطلب والمحبة والعبودية والتوكل والإنابة والتسليم والتفويض والخوف والرجاء والإقبال عليه وصدق اللجأ والافتقار في كل نَفَس إليه.

http://www.ikhwanonline.com:8078/Dat.../000004112.jpg وهجرةٌ إلى رسوله- صلى الله عليه وسلم- في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة، بحيث تكون موافقة لشرعه الذي هو تفضيل محابِّ الله ومرضاته، ولا يقبل الله من أحدٍ دينًا سواه، وكل عمل سواه فعيش النفس وحظها، لا زاد المعاد".

وهاك بعض هذه المعاني الباقية الدائمة:
1- الجهاد في سبيل الله بنية خالصة: كما في أحاديث ابن عباس ومجاشع بن مسعود وعبد الله السعدي رضي الله عنه السابقة.

وأخرج النسائي بسند رجاله ثقات عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ مُهَاجِرٌ؟ قَالَ: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ فَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".

وأخرج البخاري وغيره عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، فَسَأَلْنَاهَا عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَتْ: "لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى الله تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلَامَ، وَالْيَوْمَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ".

وأخرج البخاري عَنْ مُجَاهِدٍ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُهَاجِرَ إِلَى الشَّأْمِ. قَالَ: "لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ، فَانْطَلِقْ فَاعْرِضْ نَفْسَكَ، فَإِنْ وَجَدْتَ شَيْئًا وَإِلاَّ رَجَعْتَ".

وأخرج أحمد والنسائي وصححه ابن حبان عن يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ- رضي الله عنه- قَالَ: جِئْتُ رَسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- بِأَبِي أُمَيَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله بَايِعْ أَبِي عَلَى الْهِجْرَةِ. فَقَالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أُبَايِعُهُ عَلَى الْجِهَادِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْهِجْرَةُ".
قال النووي في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن جهاد ونية" معناه: أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة، ولكن حَصّلوه بالجهاد والنية الصالحة.


2- التوبة النصوح الصادقة وهجر الخطايا والسيئات قبل طلوع الشمس من مغربها:
أخرج أحمد وأبو داود وغيرهما عن معاوية- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: "لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلاَ تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا".

وأخرج أحمد بسند رجاله ثقات عن عبد الله بْنِ السَّعْدِيِّ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا دَامَ الْعَدُوُّ يُقَاتَلُ" فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه: إِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الْهِجْرَةَ خَصْلَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنْ تَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ، وَالأُخْرَى: أَنْ تُهَاجِرَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلاَ تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتْ التَّوْبَةُ، وَلا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ الْمَغْرِبِ، فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِعَ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ، وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ".

وهذا هو هجر السوء والسيئات والخطايا والذنوب الوارد في الأحاديث المختلفة.

فقد أخرج البخاري وغيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو- رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْه".
قال ابن حجر في فتح الباري: "خصّ المهاجر بالذكر تطييبًا لقلب مَن لم يهاجر من المسلمين لفوات ذلك بفتح مكة، فأعلمهم بأنَّ مَن هجر ما نهى الله عنه كان هو المهاجرَ الكامل، ويحتمل أن يكون ذلك تنبيهًا للمهاجرين أن لا يتَّكلوا على الهجرة، فيقصِّروا في العمل".
وفي رواية عنه عند النسائي وأحمد وصححه ابن حبان والحاكم: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَنْ تَهْجُرَ مَا كَرِهَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ".


وأخرج ابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي عن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ"، وأخرج الطبراني بسند رجاله ثقات وصححه ابن حبان عَنْ صَالِحِ بن بَشِيرِ بن فُدَيْكٍ، أَنَّ جَدَّهُ فُدَيْكًا أَتَى النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: "أَقِمِ الصَّلاةَ، وَائْتِ الزَّكَاةَ، واهْجُرِ السُّوءَ، وَاسْكُنْ بَيْنَ أَرْضِ قَوْمِكَ حَيْثُ شِئْتَ".

3- إنفاق المال في سبيل الله:
فعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَهُ عَنْ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: "وَيْحَكَ إِنَّ الْهِجْرَةَ شَأْنُهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟" قَالَ: نَعَمْ.قَالَ: "فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا شَيْئًا؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا؟" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا".

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: في حديث أبي سعيد: فضل أداء زكاة الإبل، ومعادلة إخراج حق الله فيها لفضل الهجرة، فإن في الحديث إشارةً إلى أن استقراره بوطنه إذا أدَّى زكاة إبله يقوم له مقام ثواب هجرته وإقامته بالمدينة".

6- فوائد أخرى
http://www.ikhwanonline.com:8078/Dat.../1/20/G168.jpg إن حدث الهجرة مليء بالدروس والعبر النافعة، نُشير في ختام هذه الرسالة إلى بعضها:
1- ضرورة الاهتمام ببيوت الدعاة: حتى تكون على مستوى المسئولية المنوطة بها، وأمامنا بيت أبي بكر الصديق نموذجٌ فريدٌّ لما ينبغي أن تكون عليه بيوت الدعاة، فقد شارك جميع أفراد هذا البيت في هذا الأمر الجليل الخطير- أمر الهجرة- وكانوا جميعًا على مستوى المسئولية رجالاً ونساءً، صغارًا وكبارًا، وكان أبو بكر- رضي الله عنه- على تمامِ الوعي ببيته، والثقة بأهله وبما غرسه في نفوس الجميع من حب الدعوة والداعية، وافتدائه بالنفس والمال، ولما قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "أخرج عني من عندك". قال: "إنما هم أهلك يا رسول الله".

2- إقامة الدولة الإسلامية العالمية: ينبغي أن يكون هدف الدعاة الأساسي والرئيسَ الذي يملأ قلوبهم وعقولهم، وتنطلق على أساسه حركتهم في الحياة، وأن يكون هذا هو المحور الذي تدور حوله الأهداف المرحلية الأخرى القريب منها والبعيد، والتي يقف على رأسها العملُ على إيجاد كيان سياسيٍّ وعسكريٍّ، يحمي الدعوةَ ويهيء لها سبيل الانطلاق، ويعينها على تفادي العقبًات والمعوِّقات، حتى تصل إلى غاياتها السامية.. وهذا ما بدا واضحًا أنه الدافع الرئيس للهجرة التي لم تكن أبدًا فرارًا ولا هربًا، وإنما كانت تحوُّلاً في المواقع يتيح للدعوة إقامة الدولة حاملة لواء الدعوة، وبناء الجيش المدافع عنها.

3- الوطن في الإسلام هو وطن العقيدة قبل أن يكون وطن المولد والنشاة: ومع أن الإسلام يزكي معاني الحب للأوطان ويراعي أنه فطرة مركوزة في النفوس، فإنه يُحذِّر من أن يكون ذلك سببًا للقعود عن الجهاد، وفي الإخلاد إلى الأرض، ويوجه المسلم إلى التضحية به، واستبدال الأرض الحاضنة للدعوة به، بل وحبّها عليه، ولهذا كان- صلى الله عليه وسلم- يقول حين يسمع من أصحابه المهاجرين حنينًا إلى مكة: "اللهم حبِب إلينا المدينة كحبّنا مكة أو أشد".

4- أهمية دور العقيدة والدين في إزالة العداوات والضغائن، وفي التأليف بين القلوب والأرواح: وهو دورٌ لا يمكن لغير العقيدة الصحيحة أن تضطلع به، وها أنت ترى كيف جمعت العقيدة بين الأوس والخزرج، وأزالت آثار معارك استمرت عشرات السنين، وأغلقت ملف ثارات كثيرة في مدة جد قصيرة، بمجرد التمسك بها والمبايعة عليها. ثم ها أنت ترى ما فعلته العقيدة في نفوس الأنصار فاستقبلوا المهاجرين بصدور مفتوحة، وتآخوا معهم في مثالية نادرة، لا تزال مثار الدهشة ومضرب المثل، ولا توجد في الدنيا فكرة أو شعار آخر فعل مثلما فعلت عقيدة الإسلام الصافية في النفوس.

ومن هنا ندرك السر في سعي الأعداء الدائب إلى إضعاف هذه العقيدة، وتقليل تأثيرها في نفوس المسلمين، واندفاعهم المستمر نحو تزكية النعرات العصبية والوطنية والقومية وغيرها، وتقديمها كبديل للعقيدة الصحيحة.

5- التأكيد على أهمية دور الشباب في الأحداث الكبرى في تاريخ الأمة: وقد برزت في الهجرة أسماء شابة كثيرة نذكر منها: مصعب بن عمير، وأسعد بن زرارة الأنصاري أصغر المبايعين سنًّا، وعلي بن أبي طالب الفدائي الذي نام في فراش المهاجر الأعظم صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن أبي بكر الذي اضطلع بمهمة المخابرات، وعامر بن فهيرة، وغيرهم كثير رضي الله عنهم أجمعين.

6- التأكيد على أهمية دور المرأة المسلمة في الأحداث الكبرى: وقد لمعت في سماء الهجرة أسماء كثيرة كان لها فضل كبير ونصيب وافر من الجهاد، منها: عائشة بنت أبي بكر التي حفظت لنا القصة ووعتها وبلَّغتها للأمة، وأسماء ذات النطاقين، وأم سلمة المهاجرة الصبور، وأم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية، وأم منيع أسماء بنت عمرو الأنصارية، اللتين بايعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة مع السبعين، وغيرهن كثير رضي الله عنهن أجمعين.

7- التأكيد على شمولية الإسلام والإيمان به دينًا شاملاً ينتظم أمور الدنيا والآخرة: وهذا ما أكدته بنود البيعتين في العقبة الأولى والثانية، فهو ليس عبادات فقط، ولا أخلاقًا فاضلةً فقط، وإنما هو دين شامل كامل يوجب على مَن يعلن الإيمان به: عبادةَ الله وحده لا شريك له بما أمر وكما أمر، وترك كافة الرذائل التي حرَّمها من السرقة والزنى وقتل الأولاد وافتراء البهتان على العباد ومعصية الله ورسوله، ويلزمه بالسمع والطاعة في العسر واليسر والنشاط والكسل، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول الحق من غير أن تأخذه في الله لومة لائم، وبنصرته والدفاع عنه في مواجهة من يقصده بسوء.

تلك كانت بعض الفوائد والدروس، والحدثُ الكريمُ مليء بغيرها من الطيب الكريم، والله المسئول أن ينفعنا بها، وأن يُوفقنا لما يحب ويرضى.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



mahmoud eysa 28-01-2007 09:17 PM

الهجرة المباركة.. إعداد وجهاد
 
:cool: :eek: :o :_11:
رسالة من أ. محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين
الهجرة المباركة.. إعداد وجهاد
إخوان أون لاين -
http://www.ikhwanonline.com/Data/2004/2/8/ikhw11.jpg
أ. مهدي عاكف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد،،،

فنقف لنتذكر مع مطلع كل عام هجري جديد نقف لنلقي نظرة على قيمنا، وأمجادنا، وتاريخنا، وحاضرنا، ومستقبلنا.. نقف لنتذكر كل صنوف العنت والمعاناة التي واجهها المسلمون في مكة على يد صناديد قريش، وأن الله تعالى قد اختار لهذه الدعوة منذ أول يوم ميدانًا من أشد الميادين شراسة وضراوة.

نقف لنتذكر المهاجرين الأوائل إلى الحبشة وبيعة العقبة الأولى والثانية، وما صنعه مصعب بن عمير مبعوث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، ثم هجرته- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه إليها في العام الثالث عشر بعد البعثة، نقف لنتذكر بناء أول مسجد في المدينة، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وبين الأوس والخزرج، نقف لنتذكر قول الحق تبارك وتعالى ﴿لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ ورِضْوَانًا ويَنصُرُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ* والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ والإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ ولا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا ويُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ ولَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ (الحشر: 8،9).

نقف لنتذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم- : "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها"، وقوله حينما سئل: أي الهجرة أفضل يا رسول الله؟، قال: "أن تهجر ما كره ربك"، نقف لنتذكر تلك النظرة العبقرية العمرية إذ جعلت هجرة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بداية تأريخ أمة الإسلام على أساس أنها تمثل حدثًا جللاً في تاريخ الإسلام والمسلمين.

الهجرة.. إعداد وجهاد


وليقرأ المسلمون صحائفَ الهجرة مفكرين، متعظين، متدبرين عبرها، متفهمين دروسها، فاجعلوها هاديًا لكم في جهادكم، إذا أَلَمَّ بكم حدث، أو نزل بكم ظلم، أو نابتكم نائبة، أو لاحقكم طغيان.
إن الهجرة وليدة تفكيرٍ طال به العهد، وأُعِدَّت له العدة، ونُظِّمت له الطرق، ولم تكن فرارًا من شقاءٍ إلى نعيم، ولم تكن ترك جهدٍ إخلادًا لراحة، بل إن جهود المسلمين بعد الهجرة تضاعفت، ومسئوليتهم كَبُرت، واتسعت، وعلموا أنهم دعاة الناس جميعًا إلى الهدى والرشاد.

إن الهجرة لجوءٌ إلى كل حركة تخدم الدعوة، وهجرة من أسلوب إلى أسلوب، ومن خطة إلى خطة، وتفتيح لمسالك التحرك المثمر، فالداعية الواعي إذا تعثرت به خطة لجأ إلى غيرها؛ سعيًا إلى الله، وحرصًا على رضاه، واستجلابًا للنتائج الطيبة، هذا مع الالتزام الكامل بأصول دعوته وفروعها، غير مُبدِّل بحجة التطور، ولا مُغَيِّر بحجة التجديد.

الهجرة.. وإقامة الدولة
لم تكن الهجرة فرارًا ولا هزيمة، ولا قعودًا، إنما كانت حركة، شهد معها العالم لأول مرة في تاريخه مجتمعًا إنسانيًا يقوم على: شريعة كاملة، وأمة فاضلة، ودولة عادلة.

فأما الشريعة فقد قامت في المدينة على: التوحيد، الذي تتفجر به في النفس الإنسانية أصفى منابع الشعور والتسامي.
وعلى العمل الصالح الذي يفيد صاحبه وينفع الناس.
وعلى الجزاء في الدنيا بالقصاص المدني والرباني، وفي الآخرة بالعذاب والإيلام.

وأما الأمة فقد قامت على الحب بين جميع عناصرها المختلفة، كما قامت على الوحدة في كل مظاهر حياتها، وتصرفاتها، ولقد سبق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كل النظم الاجتماعية العصرية، في تقرير أن رباط المصلحة القومية لا يتنافى أبدًا مع الخلاف في العقيدة الدينية، وتأكيد ذلك بوثيقة سياسية، هي ولا شك أول معاهدة من نوعها في التاريخ، كما قامت هذه الأمة بعد الوحدة والحب على الإخاء والتكافل العملي في كل نائبات الحياة.

وأما الدولة فقد قامت على العدل التام، الذي يجعل رئيسها الأعلى يعلن في وضوح أن فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم- لو سرقت لقطع يدها، كما قامت على الفداء، فكل عضو من أعضائها على تمام الاستعداد لبذل دمه وروحه وماله في سبيل إعلاء كلمة الله.

لا ضعف ولكن قوة.. لا تردد ولكن إقدام
إن الأهوال والصعاب سمة من سمات الدعوات الخيِّرة، وستظل المحاولات الضارية تذهب وتجيء ضد الإسلام، وستظل قوى الشر تحاول وتضغط على المسلمين في كل مكان على الأرض فيه مسلمون، ليصرفوهم عن دينهم، ولكن الزمان يسري في بطون التاريخ قرنًا بعد قرن، حافلاً بما يُدَبَّر فيه للمسلمين، ومع ذلك سيظل المسلمون مسلمين رغم أنف الدنيا ومن فيها: ﴿.. ولا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا.. ﴾ (البقرة : 217).

http://216.55.161.137/Data/2004/3/9/Aswar_1.jpg
والواقع شاهد: فقد حُلَّت جماعة الإخوان مرارًا، وسُجن رجالها وعُذبوا، واغتُيل مرشدها، فماذا كانت النتيجة؟ عادت الجماعة في كل مرةٍ أقوى مما كانت، واشتاقها الشباب للتفتح على إشراق دعوة الله، يستوضحون أمرها، ويُؤمنون بتعاليمها، ويتجهون نحوها، ويتحدثون عن شهدائها، في حبٍّ وإكبار، وبلغ صوتها مشارق الأرض ومغاربها، في غير ما عنف، ولا تخريب، ولا إرهاب، ولكن عن طريق الأثر الطيب، والأسوة المجيدة، والقدوة اللامعة المضيئة.
وعلى مثل هذا الثبات، والتضحية، واليقين، والرجولة تقوم عزة الدعوة، وتنتصر، وتسود، أما لو طلب كل مسلم السلامة لنفسه، ولم يبادل خصوم الدعوة نزالاً بنزال، لخلا الميدان للطغاة الظالمين يصولون فيه ويجولون... لا رادع، ولا مناضل، ولا مُنكِر، ولا حسيب.

إن طلب السلامة في مواقف الرَّوع، إن لم يُقَدِّرها صاحب الملك والملكوت، رب العزة والجبروت، لن يحصل عليها طالبها، حتى ولو تَمَرّغ في قذارة المداهنة والنفاق، وقد حدث في العهد القريب غير البعيد، أن آثر بعض الدعاة السلامةَ على الفداء، بالسير في ركاب الظالمين، فلم يغنِهم ذلك الهوان من الله شيئًا، فنالهم من السجن والاعتقال ما نال غيرهم من الأُباة النافرين من المذلة، المُنكرين للابتذال ﴿وتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ومَا يَعْقِلُهَا إلا العَالِمُونَ﴾ (العنكبوت : 43).

ذكرى استشهاد الإمام البنا http://216.55.161.137/Data/2003/8/26/ikh2624.jpg
وتأتي ذكرى الهجرة مواكبة للذكرى السادسة والخمسين من استشهاد الإمام المجدِّد "حسن البنا"، شهيد الحق والعدل والحرية، شهيد القضية الفلسطينية، قضية العروبة والإسلام الأولى، لقد استشهد الإمام الجليل بعد حياةٍ قصيرة بمقاييس البشر، ولكنها حياة طويلة حافلة بمقاييس البذل والتضحية والفداء.

لقد كان هتافه الدائم "الجهاد سبيلنا" عنوانًا تجسَّد في المجاهدين من الإخوان المسلمين على ثرى فلسطين، وكان هتافه الدائم "والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، ترجمة حقيقية لاستشهاد أصحابه وهم يواجهون عصابات بني صهيون، واستشهاده- أيضًا- وهو يواجه عملاء الخيانة الذين تواطئوا مع خصوم الإسلام والمسلمين على قضية فلسطين.

لقد أخلص الإمام البنا قلبه لله.. فكان الله تعالى له، وكانت هذه الشجرة الوارفة الظلال التي تمتد فروعها في كل قارات العالم؛ فقد استطاع بثاقب فكره وبُعد نظره- ومن قبل ذلك وبعده توفيق الله له- أن يعيد للإسلام رونقه وبهاءه، وأن يزيل عنه ما حاول المبطلون والجاهلون إلصاقه به، وأن يرجع به إلى منابعه الصافية، استطاع الإمام البنا أن يقدم الإسلام، كما جاء به محمد- صلى الله عليه وسلم- نظامًا شاملاً يتناول مظاهر الحياة جميعًا، فهو كما يقول "دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة وكسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء".

ويقول رحمه الله في موضع آخر: "حدثوني بربكم أيها الإخوان، إذا كان الإسلام شيئًا غير السياسة وغير الاجتماع، وغير الاقتصاد، وغير الثقافة، فما هو إذن؟".

لقد استطاع الإمام البنا أن يوقظ شعبًا ويحيي أمة، وأن يربى جيلاً فريدًا على أساس صحيح من العقيدة والوحدة والارتباط، وأن يجمع الكلمة ويوحد الصفوف، وأن يضع منهاجًا يبدأ من الفرد المسلم والأسرة المسلمة فالمجتمع المسلم الذي يطبق الإسلام بشموله وكماله.

مؤتمر شرم الشيخ http://216.55.161.137/Data/2005/2/8/222.jpg
انعقد في شرم الشيخ مؤتمر القمة الرباعية، الذي ضم مصر والأردن والسلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني يوم الثلاثاء 8 فبراير 2005م، ولم ينته المؤتمر إلى شيءٍ سوى التهدئة بين الطرفين والاتفاق على إيقاف النار(!!) من قِبل الفصائل الفلسطينية في مقابل وقف العمل العسكري الصهيوني، وكأنه لا يوجد مُعتدٍ ومُعتدًى عليه، وكأنه لا يوجد احتلال للأرض والمقدسات الفلسطينية.

ولم يحصل الفلسطينيون على شيء سوى أمل، مجرد أمل.. بالنظر- في المرحلة التالية- بتحسين الأساليب المعيشية، وفتح المعابر، والإفراج عن المئات من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال- والذين يقدر عددهم بثمانية آلاف معتقل وأسير- وذلك في مقابل تجميع السلاح من الفصائل الفلسطينية، ووقف عسكرة الانتفاضة، وبل تركيع الشعب الفلسطيني.

إن وراء الكيان الصهيوني كثيرًا من الأوراق الضاغطة وهي احتلال الأرض والمغتصبات والجدار العازل، والاعتداءات العسكرية المتكررة التي يمكن أن تقع في أية لحظة، فضلاً عن حصار الجوع والموت، أما السلطة الفلسطينية فليس لديها غير الانتفاضة، ووحدة الفصائل الفلسطينية، وإرادة الشعب الفلسطيني، وسلاح المقاومة الذي يمثل الورقةَ الأقوى في مواجهة عدوٍ لا يفهم غير لغة القوة، فهل تتنازل السلطة عن ذلك كله؟ وفي مقابل ماذا؟ لقد ثبت فشل المفاوضات التي كانت تُتخذ ستارًا لإقامة المزيد من المغتصبات، وفرض سياسات جديدة على أرض الواقع، إضافة إلى المجازر الوحشية والأعمال البربرية التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني.

على السلطة الفلسطينية أن تعي ذلك كله جيدًا قبل المضي قُدمًا في أية خطوات قادمة، وعلى الفصائل الحفاظ على وحدتها وسلاحها؛ فهو الضمانة الأكيدة في إدارة الصراع بينها وبين العدو الصهيوني، ولتتذكر المقاومة أنها تدافع عن كرامة الأمة وشرفها.

ولله الأمر من قبل ومن بعد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


الساعة الآن : 10:51 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 122.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 121.45 كيلو بايت... تم توفير 0.65 كيلو بايت...بمعدل (0.53%)]