وقفات فقهية
وقفات فقهية (2) - تعريف الإعراض عن القرآن وعن تدبره يقول الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} (ص: 29)، ويقول الله تعالى: {ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا} (الجن: 17). وهنا وقفات لابد من مراعاتها: أولاً- الإعراض: مشتق من العرض بالضم، وهو الجانب؛ لأن المعرض عن الشيء يوليه بجانب عنقه صادّا عنه، يقول الله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه} (الإسراء: 83). أما التدبر فقيل: هو التأمل في أدبار الأمور والنظر فيها وما تؤول إليه في عاقبتها، ومعرفة ما جاء من الحق من أدلة العقيدة والتعبد والتذكر، فمن ترك التدبر في المعاني فقد حرم نفسه ثمار معرفة الحق وذلك عين الخسران، قال علي - رضي الله عنه -: لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها. وقال الشاعر: إذا لم يكن للمرء عين صحيحة فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر فالتدبر غالبا يفضي إلى العمل، ومما يذكر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وجد لوحا فيه سورة طه عند أخته فأخذ يقرأ ويتدبر حتى آمن.ثانياً - الإعراض عن دين الله تعالى أي: لا يتعلمه ولا يعمل به، يقول الله تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون} (السجدة: 22). وفي الصحيح عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن رسول الله[ قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وفي قوله: {يتلونه حق تلاوته} أي يقرؤونه كما يجب من التدبر له والعمل به، فيتبعونه حق اتباعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وقد شكت الرسل إلى ربها: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} (الفرقان: 30). ثالثاً - يقول الله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا} أي: واسمعوا ما تؤمرون به سماع طاعة وتفهم مع تدبر واستجابة للأمر، وليس مجرد السماع للقول فقط، فعاند من عاند من الأولين: {قالوا سمعنا وعصينا} فهل جواب بعض المتأخرين بلسان حالهم أنهم سمعوا فخالفوا؟! ويقول تعالى: {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين} (النور: 34)، لتمييز الحق من الباطل لاتباعه، ويقول الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (محمد: 24)، دعوة صريحة إلى التدبر والتعقل، فقوله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)، يخالف وضع الأضرحة في المساجد، أو بالقرب منها ووضع القباب لتعظيمها ومنافستها لمساجد الله وجعلها أماكن مقدسة واللجوء إليها بالدعاء والقرابين مع قوله تعالى: {فلا تدعوا مع الله أحدا}، فإصرارهم على الضلال مع قوله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} مع تبرير غير معقول: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18)، إنه لعجب؛ بل وإن تعجب فعجب عملهم، فإبليس أقسم بعزة الله: {قال فبعزتك لأغوينهم} (ص: 82)، والذين كفروا أقسموا بالله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} (النحل: 38)، بينما يقسم بعضهم بغير الله (بالنبي، والحياة، والأمانة) وقد ورد النهي عن ذلك، فعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله[ يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» وكذا فقد سمى الله بيوت عبادته بالمساجد: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر} (التوبة: 18)، فخالفوا ذلك وعددوا الأسماء من حسينيات، أو مزارات شريف - إلى - ضريح فلان، أو مشهد السيد، أو مقام السيدة، وقد سماهم الله بالمسلمين: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل} (الحج: 78)، فتسموا بأسماء شيوخ الطرق - فهذا تيجاني وهذا نقشبندي.. إلخ - أي تابع للطريقة تلك، وأتوا بما لم يأذن به الله فأين التدبر مع ذلك السلوك؟! رابعاً: كتاب الله هو البيان، يقول الله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم} (التوبة: 115)، فلو أخذنا بعض آيات الله للتأمل والتدبر والحفظ ما أمكن مثلا من سورة النمل ابتداء من قول الله تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون} (النمل: 59).. إلى قوله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} (النمل: 59 - 65)، فنكون من: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون} (البقرة: 121). خامساً: هذا الإعراض وعدم التدبر لكتاب الله تعالى وسنة رسوله[، واعتقاد الاستغناء عنهما بتلك الطرق المبتدعة التي عمت كثيرا ممن في المعمورة من أعظم المآسي والمصائب، التي دهمت المسلمين من قرون عديدة، ولا ريب أن النتائج الوخيمة الناشئة عنه قد فصلتهم عن دينهم، وما أضافه الغزو الفكري عن طريق الثقافة وإدخال الشبه والشكوك في دين الإسلام، لم يكن لو كان المسلمون يتعلمون كتاب الله وسنة رسوله[ ويعملون بما فيهما ولكان ذلك حصنا منيعا لهم من تأثيره في عقائدهم ودينهم ودنياهم. والله أعلم. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (3) - تعريف العبادة يقول الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء: 25) وهنا وقفات لابد لنا من مراعاتها: - أولا: العبادة لغة هي التذلل، ومنه: طريق معبد، أي مذلل، وشرعا هي اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من قول وعمل ظاهر وباطن، شرعه الله لعباده من أمر ونهي، وجعل الله فعله أو تركه قربة له، ويتضح ذلك كله في إخلاص الدعاء لله وحده بمحبة وخوف ورجاء. يقول الله تعالى: {وادعوه مخلصين له الدين} (الأعراف: 29)، وقوله: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} (الأعراف: 55)، وقد بيّن لنا رسول الله [ أن: «الدعاء هو العبادة»، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي [ قال: «الدعاء هو العبادة»، وقرأ: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} (غافر: 60)، وادعوني هنا بمعنى اعبدوني لقوله بعدها: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} فمن لم يدع الله لم يعبده، ومن دعا معه غيره فقد أشرك به. - ثانيا: الله قريب مجيب، يقول تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة: 186) ويقول تعالى: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون} (النمل: 62) فالدعاء هو العبادة، فلا عذر لمشرك يدعو مع الله غيره. - ثالثا: فمن يدع أحدا من دون الله فهو ظالم لنفسه، يقول الله تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس: 106)، وهو ضال، يقول تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} (الأحقاف: 5-6). فقوله: {يدعو من دون الله} أي يعبد من دونه؛ لقوله في ختام الآية {وكانوا بعبادتهم كافرين}، ولا مخرج له: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} (الأعراف: 37)، وهذا موقف من جهل معنى العبادة وأن الدعاء هو العبادة، فيدعو مع الله غيره. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله [ يوما فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف». - رابعا: ضعف الداعي والمدعو من دون الله، يقول الله تعالى: {إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون} (النحل: 22)، وعبادة الأولياء، لا تقرب إلى الله زلفى، يقول تعالى: {ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (الزمر: 3) كذبهم الله بختام هذه الآية، ولا تحقق لهم شفاعة، ولا تجلب رزقا، يقول الله تعالى: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17). - خامسا: فطر الله الناس حنفاء، ففي صحيح مسلم: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»، فهم يدعون الله في الشدائد مخلصين له الدين؛ استجابة للحق واتباعا للفطرة، ولكنهم في الرخاء يشركون به، يقول تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} (العنكبوت: 65) وقوله تعالى: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون} (يونس: 12). - سادسا: أحب الدعاء إلى الله هو التضرع، قال الله تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين} (الأعراف: 205)، فالتضرع إلى الله هو: شدة الخضوع والتذلل لله مع قوة الرجاء والمحبة له، وهو دعاء الطامع المحب الخائف المخلص الوجل، وهو وسيلة للنجاة والقبول، يقول الله تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون} (الأنعام: 43) فلو تضرعوا لنجوا. فمما مر بنا من النصوص تبين لنا أن الدعاء هو العبادة، فالإسلام، والإيمان، والإحسان، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والمحبة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، والتضرع، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها تصرف لله تعالى وحده، وكل ذلك دعاء أو وسيلة للدعاء أو شفاعة بالدعاء أو مقدمة للدعاء، ليقبل الله العبادة ويستجيب للدعاء {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62). - سابعا: وللعبادة أركان وشروط: فأما ركناها فهما: الإخلاص لله تعالى واتباع الرسول [، وأما شروطها فهي: 1- أن تكون موافقة للشريعة في سببها بدليل من الكتاب والسنة. 2- أن تكون شرعية في جنسها، فلا تقبل الأضحية بفرس. 3- أن تكون شرعية في قدرها، فلا زيادة في ركعات الصلاة ولا غيرها. 4- أن تكون شرعية في كيفيتها، فلا صلاة بلا طهارة صحيحة. 5- أن تكون شرعية في زمانها، فلا يصام رمضان في غيره. 6- أن تكون شرعية في مكانها، فالوقوف بعرفة لا بغيرها. وإن لم تتوفر تلك الشروط فالعبادة بين الرد، والفساد. - ثامنا: ومن المخالفين إذا تتلى عليهم آيات التوحيد كقوله تعالى: {فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)، وقوله تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون} (الأحقاف: 5)، وقوله تعالى: {... والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} (فاطر: 13، 14).. إلخ، فمنهم من يوافقك من باب التقية، أو يدعي أن لها تفسيرا لا يعلمه، مع وضوح تلك الآيات، ومنهم من يأتي بتأويل عجيب، أو زعم غريب، بأن تلك الآيات نزلت في مشركي قريش وليس لهم علاقة بعموم هذه الآيات! علما أن من تلك الآيات ما وجه إلى النبي [ وهو أبعد الخلق عن كل ذنب كقوله تعالى: {فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين} (الشعراء: 213)، وقوله تعالى: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس: 106) بل النهي عن الشرك خوطب به جميع الأنبياء والرسل دون استثناء، كقوله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} (الزمر: 65، 66). للتحذير من الشرك، وغالبا أن من لديهم أمور باطنية لا يستطيعون التعبير عنها أو لا يرغبون ذلك {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} فأي عقيدة لا تُظهر للعامة ما يُبطنه خواصها فهي عقيدة تخشى النور وتحتمي بالظلام. ومهما اختلفت فرق الباطنية في أصولها ومعتقداتها وأهدافها فإن حجتهم في التكتم والسرية هي حجة واحدة، تتلخص في أن هناك علما للعامة وآخر للخاصة وهناك علم لخاصة الخاصة، فالجامع الذي يجمعهم هو إما ضعف الحجة، وإما فساد المعتقد، مع قصر الإدراك وبلادة التفكير أو ذلك كله مجتمعا، فسلاحهم الفعال هو جهل الناس؛ لذا فهم يبذلون جهدهم للحفاظ على إدامة الجهل في مجتمعاتهم وتنميته، بالإصرار على منهجهم وتأليب الناس على المخالفة وشغلهم بالتفاهات والسخافات، فما عبدوا الله حق عبادته إذ أشركوا به والله تعالى يقول: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما} (الفرقان: 77). خلاصة القول: قول الله تعالى: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} (الرعد: 14) فلنحذر جميعا من دعاء الأموات، مهما كانوا أو الاستعانة بهم أو الاستغاثة بهم عند قبورهم وأضرحتهم أو في البعد عنها؛ فإن دعاءهم عبادة لهم وشرك بالله، يقول الله تعالى: {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون} (المؤمنون: 117). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (4) تعريف الوسيلة يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون} (المائدة: 35)، وفيه وقفات: أولاً: الوسيلة هي: الطريق التي تقرب إلى الشيء وتوصل إليه؛ ففي الدر المنثور: أخرج الترمذي وابن مردويه واللفظ له عن أبي هريرة ] قال قال رسول الله [: «سَلُوا الله الوسيلة» قالوا: «يا رسول الله وما الوسيلة؟ قال: القرب من الله ثم قرأ: {يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته} (الإسراء: 57)، وكذا قال ابن عباس وكثير من التابعين. وقال قتادة أي تقربوا إليه بطاعته واعملوا بما يرضيه. وهي في الشرع، العمل الصالح بإجماع العلماء. وجمهور العلماء هي: القربة إلى الله بطاعته وطاعة رسوله، فهي الطريقة الموصلة إلى رضى الله تعالى ونيل ما عنده من خير والنجاة من العقاب، يقول الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب} (الحشر: 7)، فهذا هو التوسل الوحيد ولا غير وهو أصل الدين، وهذا لا ينكره أحد من المسلمين، أما غير ذلك، فيقول الله تعالى: {قل ادعوا الذين زعمتهم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} (الإسراء: 56).كما أن الوسيلة هي سلوك الصالحين من عباد الله: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} (الإسراء: 57). روى مسلم (3030) عن عبدالله بن مسعود ] قال: «نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن، فأسلم الجنيون، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون، فنزلت الآية». - ثانيًا: لم يأمر الله بعبادة إلا بينها، فالوسيلة التي أمر الله بها واضحة ومحددة في كتاب الله وسنة رسوله، يقول الله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم} (التوبة: 115)، ويقول الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل: 44). - ثالثًا: حصر التوسل بثلاث وسائل لا غير: بأسماء الله الحسنى، وبعمل مشروع صالح خالص لله، وبطلب دعاء رجل صالح في حياته. 1) التوسل بأسماء الله الحسنى أو بصفة من صفاته: يقول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 180). 2) التوسل بالعمل الصالح الخالص المشروع: ومثاله قوله تعالى: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار} (آل عمران: 16)، آمنوا وتوسلوا بإيمانهم وطلبوا المغفرة، وفي الصحيحين: «انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم..» الحديث (فهم رجال مؤمنون اشتدت بهم الكربة بانحدار صخرة سدت عليهم الغار، فلجؤوا إلى الله وحده بالدعاء متوسلين إليه بأعمال لهم صالحة خالصة لله، توسل الأول ببره بوالديه، والثاني بتركه الزنى وهو قادر عليه، والثالث بحفظه حق أجيره المؤتمن عليه. وكلهم كان يقول: «اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فاستجاب الله لهم، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون». كما أن تقوى الله عمل صالح ووسيلة لقبول العمل الخالص: {إنما يتقبل الله من المتقين} (المائدة: 27). 3) التوسل بطلب دعاء رجل صالح وذلك في حياته: يقول الله تعالى: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يُسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور} (فاطر: 22). ومثاله طلب إخوة يوسف ذلك من أبيهم في حياته: {قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} (يوسف: 97)، ووعدهم {قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم} (يوسف: 98)، وطلبوا إلى أخيرهم يوسف عفوه ودعاءه: {قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين} فعفا عنهم: {قال لا تثريب عليكم اليوم} ودعا لهم: {يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين} (يوسف: 91- 92). وفي البخاري وغيره، عن أنس أن عمر بن الخطاب ] كان إذا قُحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب ] فقال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا (أي بدعائه في حياته [)، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا»، قال: فيسقون، أي إنهم يتوسلون بدعائه لا بذاته ولهذا عدلوا عن التوسل به [ إلى التوسل بعمه العباس، فلما عدلوا عُلم أن ما كان يفعله في حياته [ قد تعذر بموته دائما، وفحواه أن حياته [ بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة؛ ذلك أن الحياة البرزخية غيب لا يعلمه ولا يدرك كنهه إلا الله سبحانه، بخلاف التوسل بالإيمان به وبطاعته [ فانه مشروع، بل هو فرض لا يتم الإيمان إلا به. وأما العباس ] فقام لله بالدعاء وقال: «اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض». - رابعًا: أما وسيلة المؤمن بعد مماته: فعن أبي هريرة ] أن رسول الله [ قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». فالصدقة الجارية أمرها عظيم: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة} (النساء: 114)، والعلم ميراث الأنبياء إذا تم تبليغه: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} (الزمر: 9) ودعاء الولد الصالح يكون بتقوى الله في حسن تربية من نعول، وندعو الله: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} (الفرقان: 74)، ودعاء الولد الصالح قد يشمل كل من أحسنت إليه بمال أو علم أو خلق حسن ممن عرفك، أو سمع بذلك عنك، والله يقول: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} (يونس: 26). - خامسًا: تأتي الوسيلة المشروعة في الكتاب والسنة بعدة صيغ (أساليب) منها: 1- بالأمر: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} (النور: 56). 2- وبالبيان كقوله تعالى: {هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكّر أولو الألباب} (إبراهيم: 52)، أي اعلموا أنما هو إله واحد فوحدوه. 3- وبالتحريم والنهي: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} (الأنعام: 151). وقوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (الأعراف: 33). 4- وبالجمع بين البيان والأمر والنهي، قال تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن، ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة، وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} (الأحزاب: 33) ونساء النبي [ قدوة صالحة للمؤمنات. 5- وبالمدح والإقرار، يقول تعالى عن الأنبياء: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} (الأنبياء: 90)، وكذلك: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام: 90). 6- وبالذم والإنكار للترك، كقوله تعالى: {يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير} (الحج: 12-13) أي اجتنبوا ذلك كله. - سادسًا: ومن أفضل الوسائل المشروعة بعد توحيد الله الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم، يقول الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف: 108)، وصح عنه [ قوله: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم» متفق عليه. فالدعوة إلى الله عمل صالح ووسيلة مشروعة ينفع الله بها المؤمن في حياته وبعد مماته فله مثل أجورهم لا ينقص من أجر من عمل بدعوته شيئا إلى يوم القيامة، ولا يناله من ذنوبهم شيء وما سبق أن قيل في الدعاء يقال في التوسل؛ لأن الدعاء كله وسيلة وتوسل للتقرب إلى الله تعالى والله أعلم. - سابعًا: نختصر قول الإمام ابن تيمية رحمه الله في قوله تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة}، إذ يقول: لفظ التوسل يُراد به ثلاثة معان: أحدها: التوسل بطاعته [: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} (النساء: 80)، فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به. ثانيها: التوسل بدعائه وشفاعته [ وهذا كان في حياته.. ويكون يوم القيامة بشفاعته بعد أن يأذن الله له. ثالثها: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته (أي الرسول) والسؤال بذاته فهذا لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته، لاعند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم، قال أبوحنيفة وأصحابه: إنه لا يجوز، ونهوا عنه حيث قالوا: لا يسأل بمخلوق ولا يقول أحد: أسألك بحق أنبيائك، وفي شرح الكرخي باب الكراهة قال: وقد ذكر هذا غير واحد من أصحاب أبي حنيفة. قال بشر بن الوليد: حدثنا أبو يوسف، قال أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به - أي إلا بالله - وأكره أن يقول بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام. قال القدوري: المسألة بخَلْقه لا تجوز، لأنه لا حق لخلق على الخالق فلا تجوز وفاقا. انتهى. {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (5) تعريف الشفاعة يقول الله عز وجل: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} (الزمر: 44). أولاً: الشفاعة من الشفع: المقابل للوتر، وهما (الشافع والمشفوع له)، وهي دعاء الشافع للمشفوع له لقضاء حاجته، وقالوا هي: طلب الخير للغير، أو طلب دفع الشر عنه. ثانياً: الشفاعة نوعان: شفاعة بين البشر بعضهم لبعضهم، وشفاعة بين الخالق وعباده.1 - فالشفاعة بين البشر حث عليها الإسلام، ففي الصحيحين عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله[ إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة، قال: «اشفعوا تؤجروا»، ويقضي الله على لسان نبيه[ ما شاء، وحيث إن المشفوع إليه هنا بشر لا يعلم حقيقة الأمر، فقد قال الله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن لها كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا} (النساء: 85)، فعلى الشافع تحري الحق والصدق وعدم ظلم الغير وألا تكون في حرام، لتكون شفاعته حسنة. 2 - أما الشفاعة بين الله تعالى وعباده، فهي: الدعاء لله من الشافع للمشفوع له لقضاء حاجته، فعلى الراغب فيها أن يدعو الله: اللهم شفع في عبدك فلانا، فإن كانا أهلا للشفاعة (الشافع والمشفوع له) فحري أن يستجيب الله لهما بفضله، وإلا نجا من الإثم لكونه دعا ربه ولم يدعُ الشافع، وأفضلها أللهم ربنا شفع فينا نبيك محمداً[ وعبادك الصالحين، وإن تشفّع بدعائه الله لنفسه مباشرة فحسن، لقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} والله أعلم. ثالثاً: الشفاعة تنقسم إلى قسمين: 1 - شفاعة غير شرعية، منفية: وهي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو تطلب من ميت أو لمن أو ممن ليس أهلا لها، نفاها القرآن وهي: ما كان فيها شرك أو لمشرك، يقول الله تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاءُ لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون} (الأنعام: 94). 2 - شفاعة شرعية مثبتة، وهي: التي تطلب من الله، وهذه لا تكون إلا لأهل التوحيد. رابعاً: الشفاعة الشرعية كرامة من الله: إما للشافع، أو للمشفوع له. وهي لا تطلب من الشافع إلا في حياته. فالكرامة للشافع: ما ثبت للنبي[ من الشفاعة العظمى، وهي المقام المحمود، وغيرها من الشفاعات، ومنها ما يشاركه فيها غيره من الأنبياء والصالحين ومن شاء الله؛ فالشفاعة العظمى كما في الصحيحين أن النبي[ أخبر: «أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده» (لا يبدأ بالشفاعة حتى يأذن الله له) «ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع» الحديث(1). وأما الكرامة للمشفوع له فأبرزهم من مات لا يشرك بالله شيئا، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله[: «إن لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي» وزاد أحمد: «فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئا»(2)، وقال أبو هريرة للنبي[: «من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه»(3)، فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله. فلا شفاعة لمن أشرك بالله، فلم يقبل الله شفاعة نوح - عليه السلام - لابنه، يقول الله تعالى: {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين} (هود: 45 - 46)، فابنه لم يكن أهلا للشفاعة، وكذا شفاعة إبراهيم - عليه السلام - لأبيه: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} (التوبة: 114)، وقد نهى الله عن الاستغفار والشفاعة للمشركين بقوله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} (التوبة: 113)، وفي الصحيحين وغيرهما واللفظ للبخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قام رسول الله[ حين أنزل الله عز وجل: {وأنذر عشيرتك الأقربين} (الشعراء: 214) قال: «يا معشر قريش، أو كلمة نحوها، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبدالمطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا» وأنه[ لا يقول إلا حقا: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62). وللشفاعة شرطان: 1 - إذن الله للشافع أن يشفع. 2 - ورضاه عن المشفوع له. يقول الله تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} (النجم: 26)، والله لا يرضى لمشرك، قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 48). خامساً: الشفاعة لله جميعا: قال الله تعالى: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون، وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} (الزمر: 44 - 45) {اشمأزت قلوبهم} يريدون لأوليائهم الأموات شأنا في الشفاعة. الهوامش 1 - البخاري تفسير سورة النمل، باب قوله تعالى: {ذرية من حملنا مع نوح}، ومسلم رقم 194. 2 - رواه البخاري، باب لكل نبي دعوة مستجابة ومسلم رقم 199، ورواه الإمام أحمد 2/275، وغيرهم. 3 - رواه البخاري في العلم، باب عظة الإمام رقم 6201. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (6) - تعريف أخذ العزة بالإثم يقول الله تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} (البقرة: 206)، والوقفات هنا هي: أولا: أخذته العزة بالإثم: أي حمله على الباطل اعتزازه بالباطل، فالتزمهُ، فلم يقبل سواه، فالكبر، وحمية الجاهلية والجهل يحمله على مزيد من الآثام التي يُنهى عنها، معتزا بها: فكان إثمه سببا لأخذ العزة له؛ وغالبا ما يكون أخذ العزة بالإثم من بعد ما يتبين الحق والعلم به. يقول الله تعالى: {يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} (الأنفال: 6). ويكون ذلك تعنصرا لجنس، أو استكبارا وحسدا وهما مرتبطان، أو اتباعا لموروث باطل يقول الشاعر:أخذتـــــه عــــزة مــــن جهــــله فتولى مغضبا فعل الضجر - ثانيا: كثيرا ما يكون أخذ العزة بالإثم كرها لمن أتى بالحق، أو احتقارا له، أو لموطنه، يقول الله تعالى: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم، أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون} (الزخرف: 31، 32) ومنه، قول الله تعالى: {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} (الشعراء: 111). أو تسفيها لهم {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم} (الأحقاف: 11).- ثالثا: وعن العنصرية: يقول الله تعالى: {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} (ص:2). تعنصروا لكفرهم وكانت العقابة: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص} (ص: 3). وفي إبليس {قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين، قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} (ص: 70 - 76). تعنصر لأصله، والعاقبة: {قال فاخرج منها فإنك رجيم، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} (ص: 77 - 78) وقال آل فرعون {أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون} (المؤمنون: 47)، تعنصروا لسيادتهم، والعاقبة: {فكذبوهما فكانوا من المهلكين} (المؤمنون: 48). وقوم نوح {قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} (الشعراء: 111)، والعاقبة {فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون، ثم أغرقنا بعد الباقين، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} (الشعراء 119-121). - رابعا: أما الاستكبار، فيقول الله تعالى في الكفار: {استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} (فاطر: 43). وفي استكبار ومكر إبليس، يقول الله تعالى: {فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} (البقرة: 34). وفي آل فرعون قال: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} (النمل: 14). - خامسا: وأما عن الحسد، فيقول الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} (النساء: 54). فهم حسدوا الرسل: قال تعالى: {أءلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر} (القمر: 25) وكذا المؤمنين: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} (البقرة: 109). والحسد فتنة، يقول الله تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين} (الأنعام: 53). - سادسا: أما اتباع الموروث الباطل، بادعاء اتباع الآباء، لمحبتهم ولو كانوا على ضلال يقول الله تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} (البقرة: 170) وقول الله تعالى: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون، فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين} (الزخرف: 23-25) ظنا منهم أن مشاركتهم لآبائهم أو سادتهم عذاب الله، برا لهم، يقول الله تعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} (الزخرف: 39). - سابعا: ومن الأخذ بالعزة بالإثم الإصرار على الشرك بالله، والدعوة إليه، وهذا ما عانى منه الأنبياء والرسل والدعاة إلى الله، يقول الله تعالى: {تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار، لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار، فستدذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد} (غافر: 41-44). وفي الدر المنثور (1/479): أخرج وكيع وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود ] قال: إن من أكبر الذنب عند الله أن يقول الرجل لأخيه: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك، أنت تأمرني؟! وأخرج أحمد في الزهد. أن رجلا قال لعمر ]: اتق الله.. فقال عمر: وما فينا خير إن لم يقل لنا، وما فيهم خير إن لم يقولوها لنا. فلندع أخذ العزة بالإثم: ومنها تلك الطرق التي أحدثت بعد رسول الله [ وفرقت هذه الأمة والله تعالى يقول: {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} (المؤمنون: 52) وفي صحيح مسلم عن النبي [: «فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» الحديث، فالدين كمل فلا حاجة للزيادة فيه أو النقص منه بابتداع طرق لم ينزل الله بها من سلطان، يقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة: 3) فلا نجاة لنا إلا بالاتباع، لقوله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} (الأعراف: 3) ولا ابتداع ولا عزة بإثم بل: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور} (المائدة: 7). الخلاصة: فبعد معرفة أعظم أسباب الضلال في الدين، لتجنبها وهي كما مر بنا، أمور خمسة: 1- الإعراض عن القرآن وتدبره. 2- عدم العلم بمعنى العبادة. 3- عدم الإحاطة بالمراد بالتوسل. 4- الجهل بحقيقة الشفاعة. 5- الأخذ بالعزة بالإثم من بعد ما تبين الحق.. إلا أن كثيرا من الغلاة (هدى الله الجميع للحق) على إصرارهم، بالرغم مما حبا الله الكثير منهم من ذكاء، وثقافة، فغالبا إذا قيل لهم اتقوا الله أخذتهم العزة بالإثم، فهم يدعون الأموات خوفا وطمعا، رجاء ورغبة، رهبة وتضرعا، يتوسلون ويستعينون ويستغيثون بهم ويطوفون حول أضرحتهم، ويتقربون بالذبح والنذر لهم، وإقامة الموالد، ودفع الأموال لسدنتها، يقول الله تعالى: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسئلن عما كنتم تفترون} (النحل 56)، ويقول تعالى: {فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون} (الأنفال: 36). يطلبون بها الشفاعة والله تعالى يقول: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18)، يريدونها زلفى إلى الله، والله تعالى يقول: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كذاب كفار} (الزمر: 3). يطلبون منهم المدد والرزق، والله تعالى يقول: {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17). فإن لم يكن ما يفعلونه عبادة للأولياء فما هي العبادة؟ فليعرفوا لنا العبادة! وإن لم يكن ذلك شركا فما هو الشرك؟ فليعرفوا لنا الشرك؟! فعلى المؤمن حقا الالتزام بما يعاهد الله عليه في كل صلاة: {إياك نعبد وإياك نستعين}، {ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما} (الفتح: 10). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (7) تعريف التوحيد وأركانه(1) يقول الله تعالى: {هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} (غافر: 65). فأعظم ما أمر الله به التوحيد، وهو توحيد الله وحده بعبادته ودعائه، لا شريك له، قولا وعملا واعتقادا {قل هو الله أحد} ويصمد إليه في جميع أمره {الله الصمد}, فهو {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد}، ويكون ذلك بما أحبه الله ورضيه، وأمر به، شرعه لرسله. فالتوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها، وأعظم ما نهى الله عنه الشرك، هو أن يتخذ مع الله معبودا أو دعوة غير الله معه، ومن أجل ذلك خلق الله الخلق: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات: 56)، فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله فهو مشرك كافر، ولهذا بعث الله الرسل: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل: 36)، فالشرك ذنب عظيم، لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، يقول الله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} (الفرقان: 70)، فالتوحيد أمره عظيم، فقد أقام رسول الله[ في مكة ثلاثة عشر عاما من أعوام الرسالة يدعو الناس إلى التوحيد ويعلمهم إياه، وعشرة أعوام في المدينة لتثبيت التوحيد من خلال فرضية بقية الشريعة لعظم مكانة التوحيد. تنبيه: كثيرا ما يرد في الكتب قولهم أقسام التوحيد، ويبدو لي لو قيل أركان التوحيد، لكان أقرب للمراد؛ لأن الأقسام تختار منها المناسب وتدع الأخرى مثال اختيار الماء الطهور للوضوء من أقسام المياه، أما الأركان فيجب أن تأخذ بها جميعا ليكمل الدين ويتم، مثل أركان الإسلام وأركان الإيمان، كذا أركان التوحيد. والله أعلم. فأركان التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية. الركن الأول: توحيد الربوبية وهو توحيد الله بأفعاله: - أولاً: توحيد الربوبية هو الإيمان بأن الله خالق كل شيء: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء: فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} (الأنعام: 102)، وله الأمر: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} (الأعراف: 54)، وله الملك: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} (فاطر: 13)، وهو الرزاق: {يا أيها الناس أذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} (فاطر: 3). - ثانياً: توحيد الربوبية فطرة، فطر الله الخلق عليها، أقر ذلك المشركون ولم يعارضوا رسول الله[ فيه، يقول الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون} (الزمر: 38). وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي[: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»، الحديث فمن الفطرة الإيمان بالخالق، أما الشرك فهو أمر طارئ. - ثالثاً: لم ينكر توحيد الربوبية أحد إلا من كابر من المعاندين وأشهرهم فرعون {فقال أنا ربكم الأعلى} (النازعات: 24)، ولم يكن مقتنعا بقوله، فأخبره موسى بقول الله تعالى: {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا} (الإسراء: 102)، وقال الله تعالى عن آل فرعون: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} (النمل: 14)، وممن أنكر ذلك الدهريون الملاحدة وفي حقيقة الأمر سموا الله بغير اسمه مخالفة لفطرهم، فقالوا بحكمة الطبيعة وأنها تخلق.. إلخ، ويشهد لهذا ما ثبت في صحيح مسلم قال رسول الله[ عن ربه: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»(1)، وكذا يقول كثير من مثقفي الهندوس والبوذية وغيرهم من الوثنيين فيما يعبدون من دون الله بأنهم لا يعتقدون أن تلك المعبودات تخلق أو ترزق بدليل ما ينسب عن نهرو زعيم الهند قوله: لقد بدأنا نستورد آلهتنا من اليابان، وهذا ما يعانيه كثير من الدعاة إلى الله مع المخالفين بقولهم إنهم لا يعتقدون أن الأولياء وأصحاب الأضرحة يخلقون أو يرزقون، فلم يدعونهم؟ وصدق الله: {كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} (البقرة: 113)، فهم فريقان: 1 - فريق اتبع الآباء عن جهل، وقد سأل أمثالهم نبي الله إبراهيم عليه السلام: {إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} (الأنبياء: 52)، وكانت صورا للصالحين فأجابوه: {قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين}، فأعلمهم: {قال لقد كنتم أنتم وآباءكم في ضلال مبين}، فاستفسروا منه: {قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين}، فأكد لهم: {قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلك من الشاهدين} (52 - 56). 2 - وفريق زعم جلب المنفعة ومنع الضرر، فالكل جانب الصواب، والكل نسي الله، يقول الله تعالى: {قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون} (الزمر: 38)، والله تعالى يقول: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون} (الأنعام: 40 - 41). - رابعاً: توحيد الربوبية لا يكفي وحده في دين الإسلام إلا بتحقيق معنى لا إله إلا الله نفيا وإثباتا، يقول الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون، وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} (الزخرف: 87 - 88)، رغم إقرارهم بأن الله خلقهم لم يقبل منهم بدليل: {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} (الزخرف: 88)، لعدم توحيدهم لله، فالإيمان هو ما وافق قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} (الأنعام: 82)، وفسر رسول الله[ الظلم هنا بالشرك لقوله تعالى: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان: 13). - الركن الثاني: توحيد الأسماء والصفات - أولاً: توحيد الأسماء والصفات هو توحيد الله بالإيمان بأسمائه وصفاته ودعائه بها، يقول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 18). - ثانياً: تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه صفاته شيء من صفات خلقه، يقول الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (الشورى: 11)، ويقول الله تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد}. - ثالثاً: قطع الطمع في إدراك كيفية صفات الله لقوله تعالى: {ولا يحيطون به علما} (طه: 110). - رابعاً: وجوب الإيمان بما وصف الله تعالى به نفسه، فلا أحد أعلم بالله من الله، يقول الله تعالى: {قل أأنتم أعلم أم الله} (البقرة: 140)، وكذا بما وصفه به رسول الله[، فلا يصف الله بعد الله أحد أعلم من رسول الله[، يقول الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: 3 - 4). - خامساً: أنزل الله كتابه: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} (الزمر: 28)، وكتابه: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} (فصلت: 3)، فهذا القرآن أنزله الله (عربيا) و(عربي مبين) و(غير ذي عوج) من أجل {لعلهم يتقون}. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (7) – تعريف التوحيد وأركانه(2) سادسا: النبي [ بلغ ما أوحي إليه من ربه مما فيه صلاح العباد في معادهم ومعاشهم ولم يكتم منه شيئا، يقول الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل: 44). وقد حملت لنا الصحاح والسنن والمسانيد إشهاده [ بتبليغه حتى آخر حياته، ومنها حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كشف رسول الله [ الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه فقال: «اللهم هل بلغت ثلاث مرات ». الحديث واللفظ لمسلم (برقم: 479) وفيما صح من سنن النبي [. وما ذهب إليه أئمة السلف الصالح الإعراض عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض كيفية الصفات إلى الله سبحانه بعد الإيمان بها.. فهذا أسلم ما يُتعبد الله به، فالأولى الاتباع وترك الابتداع، كما إن إجماع الأمة حجة متبعة وهو مستند للشريعة.. وقد درج أصحاب الرسول [ على ترك التعرض لكيفيتها مع اعتقاد معانيها، وهم صفوة الأمة والمشتغلون بأعباء الشريعة وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها.. فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغاً أو محتوما لكان اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة.. فإذا انصرم عصر الصحابة رضي الله عنهم، وعصر التابعين على الإضراب عنه، كان ذلك قاطعا بأنه هو الوجه المتبع بحق.. فعلى المسلم إثبات ما أثبته الله تعالى من الصفات لذاته من غير تمثيل، ولا تحريف، ولا تعطيل، ولاتكييف، ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل كيفيتها إلى الله، مع اعتقاد معانيها، والإيمان بها، قال الإمام أبوحنيفة - رحمه الله - في الفقه الأكبر: فما ذكره الله في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف (نعلمه)، ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر، والاعتزال ولكن يده صفة بلا كيف، وغضبه ورضاه صفتان من صفات الله تعالى بلا كيف، ومما استُحسن من الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - حين سُئل عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} قال: «الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة» فلتجر آية الاستواء والمجيء وقوله: {لما خلقت بيدي} (ص: 75). وقوله: {ويبقى وجه ربك} الرحمن، وقوله: {تجري بأعيننا} (القمر: 14). وما صح عن الرسول [ كخبر النزول وغيره على ماذكرناه فهذا بيان ما يجب لله تعالى، انتهى. وفي كتاب الإتقان في علوم القرآن: أخرج أبوالقاسم اللالكائي في كتاب السنة من طريق الحسن البصري عن أمه، عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر».الخلاصة: وجوب الإيمان بأسماء الرب وصفاته جملة وتفصيلا، لإثباتها بذواتها بلا تبديل ولا تحريف، وإثبات معانيها بلا تأويل، وإثبات مدلولاتها بلا تعطيل، والتفويض لكيفيتها لرب العالمين، وابتغاء التوسل بها للخالق العظيم والله أعلم. الركن الثالث: توحيد الألوهية (العبادة) وهو توحيد الله بأفعال العباد: أولا: يتحقق توحيد الألوهية بمعرفة معنى لا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، والعمل بإفراده بالعبادة لاستحقاقه لذلك، ونفي ما سواه لأنه باطل وغير مستحق للعبادة. وهذا التوحيد هو موضع الصراع بين الحق والباطل، وهو توحيد الفطرة إذا علمت وعقلت أو وقعت في الشدائد، يقول الله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (الروم: 30) فأكثرهم لا يعلمون، فهم لا يدعون الله وحده مخلصين اتباعا للفطرة، إلا في الشدائد ولكنهم في الرخاء يغلب عليهم الجهل وبُعد العقل وعدم السلامة من تأثير الغير. ويقول الله تعالى: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون} (يونس: 12).ثانيا: وحدانية الله واستحقاقه للعبادة حق لا مراء فيه، يقول الله تعالى: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} (البقرة: 63)، ويقول الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء: 25). ثالثا: ولتأكيد ذلك، يقول تعالى: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} (الأنعام: 102) وقوله تعالى: {ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} (الأنبياء: 22) ويقول الله تعالى: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا} (الإسراء 42-43) وقوله تعالى: {وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون} (المؤمنون: 90-91). فالشرك محبط للعمل، يقول الله تعالى: {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} (الأنعام: 88). رابعا: توحيد الألوهية بعث الله به الرسل، وانزل به الكتب، أن يعبد الله وحده لا شريك له، وهو العمل بمستلزم توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، فشعار الإيمان أن تشهد أن لا إله إلا الله، كما مر بنا حديث وفد عبدالقيس قال: «وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة ألا إله إلا الله..» وهو شعار الإسلام أيضا فحديث جبريل: قال رسول الله [ له: «الإسلام أن تشهد أنه لا إله إلا الله..» والعمل به: {ذلك بأن الله هو الحق وأنما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (الحج: 62) وأما مجرد توحيد الربوبية (أي الإيمان بأن الله خالق كل شيء) دون توحيده بالعبادة، فهذا التوحيد كان في المشركين كما قال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106)، أي ما يوحدون الله بمعرفة حقه، إلا جعلوا معه شريكا من خلقه. خامسا: وللتذكير بمعنى لا إله إلا الله، يقول الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم} (محمد: 19) فالإله: هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة وإجلالا، خوفا، ومحبة، رجاء وطمعا، توكلا عليه، وسؤلا منه ودعاء له وحده، لا يُشرك به، وأن ما سواه باطل وغير مستحق للعبادة. ولهذا فكثيرا ما يرد الأمر بعبادة الله مقرونا بنفي عبادة ما سواه. يقول تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (لقمان: 30). وعلى هذا أجمع الرسل بأمر الله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل: 36). ولما قال النبي [ لكفار قريش: قولوا لا إله إلا الله قالوا: {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} (ص: 5) ففهموا منها أنها تبطل عبادة الأصنام (والأموات) وتحصر العبادة لله وحده، بخلاف المخالفين، المتأخرين فهم لم يفهموا ذلك أو تجاهلوه، والله تعالى يقول: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون} (يونس: 33). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (8) أركان (لا إله إلا الله) وشروطها أركان (لا إله إلا الله) وشروطها: فلها ركنان: أحدهما: النفي والمراد به نفي الأُلوهية عما سوى الله تعالى من سائر المخلوقات. والآخر: الإثبات والمراد به إثبات الإلوهية لله وحده سبحانه فهو إله الحق. وأما: شروط (لا إله إلا الله) فهي سبعة قال في معارج القبول: وبشروط سبعةٍ قد قُيدت وفي نصوص الوحيّ حقا وردتْ فإنه لا ينتفع قائلها بالنطق إلا حيث يستكملها بالعلم واليقين والقبول والانقياد فاعلم ما أقول والصدق والإخلاص والمحبة وفقك الله لما يحبه وتفصيلها كما يلي:- أولها: العلم بمعناها، قال الله عز وجل: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} (الزمر: 9)، لا يستون. - ثانيها: اليقين المنافي للشك قال الله عز وجل: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا} (الحجرات: 15)، ثم لم يرتابوا. - ثالثها: القبول لما اقتضته، يقول الله تعالى: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} (الصافات 35-37)، يستكبرون فلم يقبلوها. - رابعها: الانقياد لما دلت عليه قال الله عز وجل: {ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور} (لقمان: 22) من يسلم وجهه إلى الله (بالانقياد). - خامسها: الصدق المنافي للكذب، قال الله عز وجل: {ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما} (الأحزاب: 8)، مسؤولون عن صدقهم. - سادسها: الإخلاص المنافي للشرك، قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} (البينة: 5)، مخلصين له الدين. - سابعها: المحبة لها (لا إله إلا الله) ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها. وبغض ما ناقض ذلك، قال الله عز وجل: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} (البقرة: 165). والذين آمنوا أشد حبا لله؛ لأنهم لا يشركون في محبته أحدا. قال الحسن البصري وغيره من السلف: ادعى قوم محبة الله عز وجل فابتلاهم الله بهذه الآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} (آل عمران: 31). التعريف بالشرك وأقسامه يقول الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} (النساء: 36). ويقول تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون} (النمل: 59). ما يقابل التوحيد هو الشرك بالله: والشرك: هو أن يشرك العابد مع الله غيره في عبادته أي يتخذ مع الله معبودا آخر. يدعو، ويعبد ويصرف ما هو حق لله ومن اختصاصه وحده لغيره. ينقسم الشرك إلى ثلاثة أقسام: الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والشرك الخفي. (انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عدد 471-77) فالشرك الأكبر هو: - أولا: أن يُجعل لله ندا في عباداته بأن يدعو أو يضرع إلى غير الله تعالى من شمس أو قمر أو نبي أو ملك أو ولي أو أثر لم يشرع مثلا، بقربة من القرب، كصلاة له أو استغاثة به في شدة أو مكروه أو استعانة به في جلب مصلحة أو دعاء ميت أوغائب لتفريج كربة أو نحو ذلك مماهو من اختصاص الله سبحانه: {يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد، يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير} (الحج: 12-13). وفي الصحيحين عن ابن مسعود ] قال: سألت النبي [ أي الذنب أعظم عند الله قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك» قلت إن ذلك لعظيم رواه (البخاري رقم 4207 ومسلم (/86). - ثانيا: أن يجعل لله ندا في أسمائه أو في صفاته، فيسميه بأسماء الله أو يصفه بصفاته وهو من الإلحاد في أسماء الله، قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 180). - ثالثا: ومنه الذبح والنحر لغير الله، يقول الله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (الأنعام: 162-163) ويقول الله تعالى: {فصل لربك وانحر}. وهو شرك أكبر وأكله محرم، يقول الله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله} (البقرة: 173) يحرم بذكر اسم غير الله عليه، وكذا: {وما ذبح على النصب} (المائدة: 3) من أجل ضريح أو وثن، أو غيره. - رابعا: والنذر لغير الله شرك أكبر ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي [: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه»، وحديث عمر ]: «سمعت رسول الله [ يقول: «ولا نذر في معصية الرب وفي قطيعة الرحم وفيما لا تملك» رواه أبوداود وغيره.. ومن شروط النذر لله تعالى أن يكون طاعة لله، وأن يكون مما يطيقه العبد، وأن يكون فيما يملك، وألا يكون في موضع كان يُعبد فيه غير الله تعالى، أو ذريعة لشرك. ولا يعتقد الناذر تأثير النذر في حصول مراده. والنذر عموما غير مستحب لقوله [: «لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا وإنما يستخرج به من البخيل» والوفاء بنذر الطاعة واجب، يقول الله تعالى: {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} (الإنسان: 7). - خامسا: ومن الشرك من جعل لله ندا في تشريع: بأن يتخذ له مشرعا سوى الله، يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم عبادة وتقربا وقضاء وفصلا في الخصومات أو يستحل ذلك، وللترمذي وغيره في تفسير قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (التوبة: 31) عن عدي بن حاتم ] أنه قال لرسول الله [: قلت أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، «قال: أجل، ولكن كانوا إذا أحلوا لهم الحرام استحلوه وإذا حرموا عليهم الحلال حرموه فتلك عبادتهم». تنبيه وقد يكون منه تسمية (السلطة التشريعية): ولو سميت (السلطة التنظيمية) لكان أقرب للتقوى والصدق في المعنى، يقول الله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم} (الشورى: 21)، فالتشريع لله وحده، يقول الله تعالى: {وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} (المائدة: 49-50)، بخلاف التنظيم بين العباد إذا فقهوا، يقول الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} (النساء: 83) وكذلك الشورى، يقول الله تعالى: {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون} (الشورى: 38) فكل مستحدث يجب أن يرد للذين يستنبطونه وللشورى بينهم والله أعلم. الشرك الأصغر: - أولا: هو كل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر، وجاء في النصوص تسميته شركا. كالحلف بغير الله فعن عمر ] قال: «فإني سمعت رسول الله [ يقول من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك». وقال ابن مسعود ]: «لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره وأنا صادق» رواه ابن أبي حاتم وغيره. فالحلف بغير الله فيه غلو في تعظيم المخلوق وقد ينتهي إلى الشرك الأكبر. - ثانيا: في قول الله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون} (البقرة: 22). نقل ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما: «الأنداد في الآية هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء. وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي - إلى قوله - وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلانا؛ هذا كله به شرك». وعن حذيفة ] عن النبي [ قال: لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان» رواه أبوداود بسند صحيح وعنه: أن رجلا قال للنبي [ ما شاء الله وشئت فقال له النبي [: «أجعلتني والله عدلا (أي: ندا)؟ بل ما شاء الله وحده». وذلك سدا لذريعة الشرك الأكبر وقال رسول الله [ قال «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال الرياء». الشرك الخفي: - أولا: عن أبي سعيد ] مرفوعا قال: «الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته، لما يرى من نظر رجل» أي الرياء اليسير كإطالة الصلاة ليراه الناس، أو ر فع الصوت في القرآن ليسمعه الناس. ولمسلم عن أبي هريرة ] عن النبي [: قال: «قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه. - ثانيا: يقول الله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموا مدحورا} (الإسراء: 18). وفي البخاري وغيره، عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع» أي لا يرائي بعمله. - ثالثا: وللوقاية من الشرك الخفي الذي لا يكاد أحد يسلم منه إلا من عصمه الله تعالى، قال أبوموسى الأشعري ]: «خطبنا رسول الله [ ذات يوم فقال: «أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل» فقال له من شاء الله أن يقول وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله، قال: «قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم». - رابعا: قسم بعض العلماء الشرك إلى أقسام أخرى: شرك في أركان التوحيد، شرك اعتقادي، وشرك عملي، شرك قولي، وشرك المحبة وشرك الخوف والخشية، وشرك القصد والإرادة، وشرك الطاعة. إلخ واستدلوا لذلك بأدلة من الكتاب والسنة، وجميع تلك الأقسام صحيحة ولكن لا تخرج عن الأقسام الثلاثة السابقة أي الشرك الأكبر المخرج من الملة، والشرك الأصغر الخفي المحبط للعمل المقترن بهما، أعاذ الله الجميع. وللبيان: يقول الله تعالى: {قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} (آل عمران: 64). والمقصود هنا بأهل الكتاب اليهود والنصارى لانتحرافهم عن الحق وشركهم بالله، فاليهود اتخذوا العجل إلها من دون الله، يقول الله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} (البقرة: 93). والنصارى {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (التوبة: 31) لذا أمرنا الله بأن نقول لهم: {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا، ومن المؤلم أن بعضا من المسلمين سلك سلوك أهل الكتاب بكثرة المذاهب المختلفة، وانتشار الطرق المبتدعة، والغلو في الأموات، فمنهم من غلا في أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين، ومنهم من غلا في الأولياء وسدنة الطرق، ففي البخاري (رقم 3456) قوله [: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول الله اليهود والنصاري قال فمن؟» وهذا للإخبار والتحذير. فالمسلمون أيضا أهل كتاب فلا بد من أن يقول بعضنا لبعض: {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} ومن يتولى: {فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} (آل عمران: 64). ومن عجائب الأمور: أن يظن بعض الناس أنه أكبر من أن يحذر من الشرك، بينما الله سبحانه حذر منه أنبياءه، يقول الله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} (الزمر: 65). ويأمر الله تعالي نبيه: {وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين، ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس: 105-106). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (9) خلاصة الشرك ونتائجه يقول الله تعالى: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون} (يونس: 32). - أولاً: يقول الله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير} (لقمان: 30)، فلا مستند لمن يدعو غير الله، يقول الله تعالى: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين} (الأحقاف: 4)، ويقول الله تعالى: {أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون} (الروم: 35). - ثانيا: حقيقة ما يدعون من دون الله، قول الله تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا، لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا} (النساء: 118 - 119)، وقول الله تعالى: {يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} (الحج: 73)، فما قول دعاة الأولياء في قوله تعالى: {قل من رب السموات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} (الرعد: 16).- ثالثا: عدم استجابة من يدعونهم من دون الله، يقول الله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين} (الأعراف: 194). وفي المقابل يقول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 180). ولم يرد في الكتاب والسنة أن لله عبادا صالحين (أولياء) فادعوهم، بل أوصى الله عباده بقوله: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام: 153). - رابعا: قد يتحقق لبعض المخالفين شيء من الوهم فيما يريدونه، وقد مر بكثير من الناس شيء من ذلك، بسبب الخوف أو الرجاء أو الجهل، أو إيهام الغير لهم، أو وسوسة الشياطين، يقول الله تعالى: {قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين} (الأنعام: 71). فمنها: ما يفعله شياطين الإنس، من سدنة الأضرحة، وأصحاب الهوى وأتباعهم، أكبر من ذلك، باختلاقهم قصص الكذب وترويجهم لها والتمثيل، بأن يأتي المعافى صحيح البدن محمولا لذلك الضريح ثم يقوم نشطا بدعوى أن الولي هو الذي شفاه. والله يقول: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون} (الأنعام: 21) {وإذا مرضت فهو يشفين}. ومنها: أن يكون الأمر امتحانا من الله وابتلاء، يقول الله تعالى: {الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} (العنكبوت: 1-3). - خامسا: هنا فروق بين المستقدمين من المشركين والمتسأخرين منهم منها: 1- علم المستقدمون بمعنى العبادة فأقروا بشركهم وبرروه، يقول الله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (الزمر: 3)، وجهل المستأخرون معنى العبادة فأنكروا شركهم وبرروا عملهم يقول الله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18). 2- جهل المستقدمون قبور الأولياء فأقاموا لهم الأصنام في كل مكان، وعلم المستأخرون بقبور الأولياء فأقاموا لهم الأضرحة في المساجد وبالقرب منها وبالغوا في ذلك فجعلوا لبعض الأولياء أكثر من ضريح كما هو مشاهد في العراق والشام ومصر. 3- وفي قول الله تعالى: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} (العنكبوت: 65) يقول شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: إن مشركي زماننا أغلظ شركا من الأولين، لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائم؛ في الرخاء والشدة. النتيجة: سيقسم المشركون أنهم كانوا لفي ضلال مبين، يقول الله تعالى: {قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (الشعراء: 96-104). تعريف الكفر يقول الله تعالى: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم} (محمد: 34). - أولا: الكفر ضد الإيمان. وفي التفاسير الكفر مأخوذ من الكفر وهو الستر والتغطية، تقول: كفرت الشيء إذا غطيته ومنه سمي الزارع كافرا؛ لأنه يستر الحب بالتراب، ويسمى الكافر كافرا؛ لأنه يستر نعم الله تعالى وحقوقه بكفره ويصير في غطاء من دلائل الإسلام وبراهينه، وما دام الكفر سترا، فالكفر أمر طارئ، وهو عدم القيام بشرائع الإسلام، ومخالفة الدين كله أو بعضه، وهو أنواع: 1- عدم الدخول في دين الله ظاهرا وباطنا ابتداء، وهو الكفر الأصلي. 2- الخروج من الدين كله ظاهرا وباطنا، وهو الردة. 3- الخروج من الدين كله باطنا فقط، وهو النفاق. 4- مخالفة الدين في بعض أصوله، وهو المعصية وقد تصل بصاحبها إلى الكفر. 5- الزيادة في الدين وهو البدعة، وقد تصل بصاحبها إلى الكفر. والكفر نوعان كفر أكبر مخرج من الملة، وكفر أصغر لا يخرج من الملة: - أولا: الكفر الأكبر المخرج من الملة ينقسم لعدة أقسام: 1- كفر الكذب على الله أو التكذيب، يقول الله تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جنهم مثوى للكافرين} (العنكبوت: 68). 2- كفر الشرك في عبادة الله تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار} (المائدة: 72) أو يجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم أو يسألهم الشفاعة قال الله تعالى: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون} (الزمر: 43). 3- كفر الإباء والاستكبار ولو مع التصديق، يقول الله تعالى: {فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} (البقرة: 34). 4- كفر الشك، يقول الله تعالى: {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة} (فصلت: 50). 5- كفر الإعراض لقوله تعالى: {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا} (الكهف: 57). 6- كفر الاستهزاء، بشيء من ثواب الله أو عقابه أو رسوله [ أو دينه لقوله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون، لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} (التوبة: 66) أو اعتقد أن غير هدى النبي [ أكمل من هديه {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}. 7- كفر من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم، أو ظاهرهم بموالاتهم ومعاونتهم على المسلمين، يقول تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (المائدة: 51). - ثانيا: الكفر الأصغر غير المخرج من الملة وهو الكفر العملي وهو كل ذنب ورد في الكتاب والسنة تسميته كفرا وهو لا يصل إلى حد الكفر الأكبر، قال عنه العلماء: بأن المراد به كفر دون كفر وليس المخرج من ملة الإسلام، واحتجوا لهذا بأحاديث كثيرة يصرح فيها النبي [ بالكفر وليس مراده الخروج من ملة الإسلام، روى ابن أبي حاتم والحاكم، عن ابن عباس أنه قال: ليس الكفر الذي تذهبون إليه. وقال المجد في المنتقى: وقد حملوا أحاديث التكفير على كفر النعمة.. فمثل قوله [: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» متفق عليه، ومع ذلك سمى المتقاتلة إخوة: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} إلى قوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} (الحجرات: 10). وعن أبي ذر أنه سمع رسول الله [ يقول: «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر..» متفق عليه. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله [: «اثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في النسب والنياحة على الميت» رواه أحمد ومسلم.. فتبين أن مراده غير الكفر المخرج عن ملة الإسلام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وبهذا تبين أن الشارع ينفي اسم الإيمان عن الشخص؛ لانتفاء كماله الواجب وإن كان معه بعض أجزائه كما في الصحيح «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن» ومنه قوله: «من غشنا فليس منا ومن حمل علينا السلاح فليس منا» انتهى. وأمثاله في السنة كثير، ومع ذلك فعلينا الحذر فقد ينتهي الكفر الأصغر بصاحبه إلى الكفر الأكبر، يقول الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63). - ثالثا: الفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر يتلخص فيما يلي: 1- الكفر الأكبر مخرج من الملة ومحبط للأعمال، ويخلد صاحبه في النار، ويوجب العداوة الخالصة لصاحبه، وعدم موالاته ومحبته ولو كان أقرب قريب. 2- بخلاف الكفر الأصغر في تلك الأمور، وإنما يبغض بما فيه من المعاصي. - ختاما: وللخلاص من الكفر كله، يقول الله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين} (الأنفال: 38). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (10) تعـريف النفــاق يقول الله تعالى: {إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} (النساء: 140). النفاق مأخوذ من نفق اليربوع فإذا دخله وطُلب منه خرج من نفق آخر. والنفق هو السرب يتستر به صاحبه بإظهار الإسلام والخير، وإبطان الكفر والشر؛ فصاحبه يدخل الإسلام من نفق، ويخرج من نفق آخر، والنفاق نوعان: نفاق أكبر مخرج من الملة ونفاق أصغر لا يخرج من الملة: - أولا: النفاق الأكبر: هو النفاق الاعتقادي المخرج من الملة وهو الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر، قال ابن القيم: وصفهم الله بصفات الشر كلها من الكفر وعدم الإيمان، والشرك وعدم التوحيد والاستهزاء بالدين وأهله والسخرية منهم، والميل إلى أعدائهم، وهم موجودون في كل زمان ولا سيما عند قوة المسلمين للكيد لهم سرا ليأمنوا على أنفسهم، انتهى. يقول الله تعالى: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون} (المنافقون: 2-4)، وللنفاق الأكبر عدة علامات منها:1- بغض الرسول [، أو بغض ما جاء به، أو بغض بعضه. 2- تكذيب الرسول [، أو تكذيب ما جاء به، أو تكذيب بعضه. 3- السرور بانخفاض دين الإسلام وأهله. أو الكراهية لانتصار دين الإسلام وأهله. وقد جعلهم الله شرا من الكافرين، يقول الله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} (النساء: 145) لخداعهم، يقول الله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} (البقرة: 9) بإظهارهم الإسلام، سعيا للقضاء على دين الله. - ثانيا: النفاق الأصغر: هو النفاق العملي، وهو كل ذنب ورد في الكتاب والسنة تسميته نفاقا وهو لا يصل إلى حد النفاق الأكبر قال عنه العلماء: إنه نفاق دون نفاق، وليس المراد النفاق المخرج عن الملة، فعن عبدالله ابن عمرو أن النبي [ قال: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»، واستنبط من هذه العلامات صفة المنافق فبقوله: إذا حدث كذب نبه على فساد القول. وبقوله: إذا اؤتمن خان نبه على فساد العمل. وبقوله: وإذا عاهد غدر نبه على فساد النية. وبقوله: وإذا خاصم فجر نبه على فساد المعاملة وسوء الخلق. فخلف الوعد لا يقدح إلا إذا عزم عليه مقترنا بوعده، أما إذا كان عازما على الوفاء ثم عرض له مانع فهذا لم توجد فيه صفة النفاق ويشهد لذلك ما رواه الطبراني بإسناد لا بأس به في حديث طويل قوله: «إذا وعد وهو يحدث نفسه أنه يخلف». فلم يكن المنافقون نوعا واحدا، بل فيهم المنافق المحض وفيهم من فيه إيمان ونفاق وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق، وتكثر ذنوبهم وتقل بحسب ظهور الإيمان قوة وضعفا. - ثالثا: الفرق بين النفاق الأكبر والنفاق الأصغر يتلخص فيما يلي: 1- النفاق الأكبر مخرج من الملة ومحبط للأعمال، يخلد صاحبه في النار. بخلاف النفاق الأصغر إلا أنه ينقص الأعمال بحسب المعصية ويعرض صاحبه للوعيد. 2- النفاق الأكبر اختلاف السر والعلانية في الاعتقاد والعمل، أما النفاق الأصغر فهو اختلاف السر والعلانية، فقط في الأعمال. 3- النفاق الأكبر، لا يكون من مؤمن، أما النفاق الأصغر قد يكون من مؤمن. 4- النفاق الأكبر يُوجب العداوة من المؤمنين لصاحبه وعدم موالاته ومحبته إذا عُلم صاحبه، بخلاف النفاق الأصغر يكتفي بالهجر بمقدار المعصية بغرض الإصلاح. 5- النفاق الأكبر قلما يتوب صاحبه في الغالب، بخلاف النفاق الأصغر فإن صاحبه قد يتوب فيتوب الله عليه. وللخلاص من شر النفاق كله التوبة منه، يقول الله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا، إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما} (النساء: 145-146) وفي الدعاء للطبراني (1/410) عن أبي هريرة كان رسول الله [ يدعو يقول: «اللهم إني أعوذ بك من النفاق والشقاق ومن سيئ الأخلاق»، والله أعلم. تعريف البدعة يقول الله تعالى: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} (الحديد: 27). - أولا: تعريف البدعة: مأخوذ من البدع وهو الاختراع على غير مثال سابق، ومنه، قول الله تعالى: {بديع السموات والأرض} (البقرة: 117). وشرعا: قال في القاموس المحيط (1/906) البدعة بالكسر الحدث في الدين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبي [ من الأهواء والأعمال، وفي الاستقامة (1/5): البدعة هي الدين الذي لم يأمر الله به ورسوله فمن دان دينا لم يأمر الله ورسوله به فهو مبتدع بذلك، وهذا معنى قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (الشورى: 21) وفي عون المعبود (12/243): هي الفعلة المخالفة للسنة انتهى. - ثانيا: البدعة قسمان: قسم مباح، وقسم محرم. 1- فالقسم المباح هو: ما لم يكن في الدين، وهو كل المخترعات الحديثة واستعمالها دون ترف وإسراف، لأن الأصل في العادات الإباحة، ما لم تخالف شرعا، بل مأمور بالكثير مما فيه القوة للمسلمين، يقول الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} (الأنفال: 60) وهذا أمر من الله، أي اصنعوا وابتدعوا ما استطعتم من قوة وسلاح، للاستغناء وعدم الركون أو الحاجة للأعداء الذين جبلوا على عدواتكم، وكذا الأمر مباح في الزينة ومتاع الحياة الدنيا المباحة، دون إسراف، يقول الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفص الآيات لقوم يعلمون} (الأعراف: 32) وكذا فيما استجد من أمور الحياة مما لا يخالف شرع الله، يقول الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} (النساء: 83). للتمييز بين الحلال والحرام، وللخروج منه بأحسن حال ففي سنن ابن ماجه «الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أحق بها». 2- القسم المحرم من البدعة: وهو الابتداع في الدين، وهي عدة أنواع، منها: أ- بدع قولية اعتقادية: كمقالات المخالفين من سائر الفرق الضالة واعتقاداتهم. ب- بدع العبادات: التي لم يشرعها الله وأمثالها: 1- إحداث عبادة كصلاة وصيام أو زيارة دينية أو أعياد تعبدية غير مشروعة أصلا، أو زيادة في عبادة كركعة في صلاة. 2- أو في صفة أداء العبادة بما لم يشرع كأداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة، مع الرقص، التشديد على النفس في العبادة إلى حد الخروج عن السنة. 3- تخصيص وقت لعبادة مشروعة لم يخصصه الشرع، كإفراد النصف من شعبان بقيام ليلته وصيام نهاره، وإقامة الموالد والاحتفال بالإسراء وغيره فالقيام والصيام والعيد مشروع ولكن البدعة في تخصيص الأوقات. - ثالثا: ورد في القرآن كلمة {ورهبانية ابتدعوها}، وفي الأثر كلمة (نعمت البدعة) قول لعمر ] ولعل فهمها البعض بغير المقصود منهما: فأما ما جاء في الكتاب، قول الله تعالى: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} (الحديد: 27). فعن ابن مسعود ] قال: قال لي رسول الله [ «يا ابن مسعود» قلت لبيك يا رسول الله قال «هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة؟ لم ينج منها إلا ثلاث فرق قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم \ فدعت إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقاتلت الجبابرة فقتلت فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم تكن لها قوة بالقتال فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران فصبرت ونجت، ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت وهم الذين ذكر الله تعالى {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم}، انتهى الحديث، فقوله تعالى: {ابتدعوها} أي ما فرضناها عليهم رأسا ولكنهم ابتدعوها حينما عجزوا ولم يكن لهم قوة بالقتال فلحقت بالجبال فتعبدت وترهبت، فحكمها حكم النذر ابتغاء رضوان الله فذمهم حينئذ بقوله تعالى: {فما رعوها حق رعايتها}. 1- من حيث أن النذر عهد مع الله لا يحل نكثه لا سيما إذا قصد به مرضاته تعالى. 2- وكونهم ابتدعوا هذه الرهبانية فما رعوها حق رعايتها بل ضموا إليها التثليث والاتحاد. 3- وقيل هذا ذم لهم من وجهين: - أحدهما: الابتداع في الدين بما لم يأمر به الله، ولو كانا نذرا فالرهبانية طبع فظيع يطبع الله على قلوب الذين لا يطلبون العلم ولا يتحرون الحق بل يصرون على خرافات اعتقدوها وترهات ابتدعوها منها مخالفة التوحيد فشاع الشرك، وخالفوا الغرائز، فشاع الشذوذ، فالجهل المركب يمنع إدراك الحق ويوجب تكذيب المحق. - والآخر: في عدم قيامهم بما التزموا به مما زعموا أنه قربة تقربهم إلى الله عز وجل على ما يُرضي الله. فختام الآية {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} (الحديد: 27) فالأجر لمن التزم بشرع الله، أما غيرهم فقال الله عنهم: {وكثير منهم فاسقون}. وأما ما جاء في الأثر: كان عمر ] يقول في جمعه الناس على جماعة واحدة (قيام الليل لرمضان) نعمت البدعة هي، وإنما سماها بدعة باعتبار صورتها فإن هذا الاجتماع محدث بعده [ وأما باعتبار الحقيقة فليست بدعة لأن النبي [ صلى بهم في البداية وإنما أمرهم بصلاتها في بيوتهم خشية أن تفرض عليهم وقد زال ذلك بموته [ ولم يأمر بها أبوبكر ولا عمر في أوائل خلافته - رضي الله عنهما - لانشغالهما، ومن ثم قال النووي: الصحيح باتفاق أصحابنا أن الجماعة فيها (قيام الليل) أفضل، بل ادعى بعضهم الإجماع فيه أي إجماع الصحابة على ما قاله بعض الأئمة، انتهى. أي كما ذُكر في صحيح مسلم: البدعة على قسمين تارة تكون بدعة في الشريعة كقوله «فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» وتارة تكون بدعة لغوية كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ] عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: نعمت البدعة هذه والله أعلم. رابعا: حكم البدعة: في الدين محرمة ففي الصحيحين: «الخديعة في النار ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» ولمسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». وفي الكتاب العزيز: {ليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63). وله شاهد في الصحيح «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» رواه مسلم. - خامسا: غالبا ما يدعي المبتدع محبة الله في بدعته، والله تعالى يقول: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم, قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين} (آل عمران: 31-32). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (11) هل يجتمع الإيمان والشرك في سلوك المؤمن؟ يقول الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106). أولا: هل يجتمع الإيمان والشرك؟ يظن بعضهم أن الإيمان والشرك لا يجتمعان خاصة عند بحث بعض الأمور الشركية معهم، وهذا خلاف لقوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف 106)، فيستمرون بمخالفة الحق زعما أن ذلك مجرد وجهة نظر لا حرج فيها. - ثانيا: لابد من العلم بحقيقة الإيمان والعمل بمقتضاه، يقول الله تعالى: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه} (الأنعام: 102). وترك ما يخالف ذلك: {ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير} (فاطر: 13) فاجتنبوهم.- ثالثا: لقد آمن المشركون بربوبية الله، يقول الله تعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكّرون... بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون} (المؤمنون: 84-90). قوله: {وإنهم لكاذبون} ليس بحقيقة ما أقروا به من ربوبية الله ولكن لم يؤدوا ما ترتب على ذلك من حق بتوحيد الله في عبادته، فأشركوا فانطبق عليهم قول الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106) آمنوا بالله ربا وأشركوا في عبادته إلها؟ - رابعا: وفي تفسير ابن كثير للآية قال: دخل حذيفة ] على مريض فرأى في عضده سيرا فقطعه أو انتزعه ثم قال: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} وفي مسند الإمام أحمد عن عيسى بن عبدالرحمن قال: دخلت على عبدالله بن حكيم وهو مريض نعوده فقيل له: لو تعلقت شيئا، فقال: أتعلق شيئا وقد قال رسول الله [: «مَن تعلق شيئا وكل إليه»؟! ولأحمد من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله [: «من علق تميمة فقد أشرك» وفي رواية «من تعلق تميمة فلا أتم الله له» وفي رواية: «ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له» رواه أحمد والنسائي وغيرهما. - خامسا: الإقرار بالحق وحده لا يكفي في الدخول في دين الإسلام إلا بالعمل به وذلك بتحقيق معنى: «لا إله إلا الله» نفيا وإثباتا، ولقد تعجب كثير من المشركين الأوائل من الدعوة لإفراد الله بالعبادة، مع إيمانهم بما مر بنا فقالوا: {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} إلى قوله تعالى: {إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب} (ص: 14). ولقد ضرب لنا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مثلا في ذلك (ولله المثل الأعلى) قال: ومثل ذلك كمثل رجلين عليهما حق لرجل فسأل أحدهما حقه فقال: ليس لك عندي حق فأنكر وجحد فلم يبق له منزلة يحقق بها ما قال إذا جحد وأنكر (قلت: وهذا هو الكافر) وسأل الآخر حقه فقال: نعم لك عليّ كذا وكذا (ولم يؤده) فليس إقراره بالذي يصل إليه بذلك حقه دون أن يوفيه؛ فهو منتظر له أن يحقق ما قال بالأداء ويصدق إقراره بالوفاء، ولو أقر ثم لم يؤد إليه حقه كان كمن جحده في المعنى إذ استويا في الترك للأداء (وهذا هو المشرك) فتحقيق ما قال أن يؤدي إليه حقه، انتهى (مجموع الفتاوى 7/323). أي بتوحيد الله ولا يشرك معه أحدا في حقه. فالإيمان الحقيقي بالله وأداء حقه فيه مرتبطان بالتوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وهو عبادة الله وحده لا شريك له وهو توحيد الألوهية، وأما مجرد الإيمان بتوحيد الربوبية (أي الإيمان بأن الله هو الخالق) فهذا التوحيد كان في المشركين، يقول الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106) فهم ما أن يوحدوا الله بمعرفة حقه، إلا جعلوا معه شريكا من خلقه. التعريف بالولاء والبراء الولاء والبراءة من أعظم أصول الإسلام وهو علامة التمسك بالعروة الوثقى، وهي شهادة أن لا إله إلا الله والعمل بمقتضاها. وحدودهما واضحة وهي: - أولا: التعريف بالولاء: وهو الموالاة بعقيدة وتنظيم للعمل، وهو المحبة، والاتباع بإحسان، وهو النصرة، والتناصر بالحق بين فريقين.. وعليه فالولاء في الإسلام لله ورسوله وللمؤمنين، يقول الله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} (المائدة: 55-56). ويقول الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة: 71). وفي صحيح البخاري، عن أنس عن النبي [ قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» وفي مصنف ابن أبي شيبة والمعجم الأوسط وغيرهما: قال [: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله...» الحديث وفي رواية: «أوثق عرى الإسلام» رواه البخاري. - ثانيا: فإذا تقرر أن الولاء في الإسلام لله ورسوله وللمؤمنين فلابد من تركه مع من خالفهم وهم: 1- الكفار: يقول الله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء} (آل عمران: 28). ويقول الله تعالى: {الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا} (النساء: 139). 2- وأهل الكتاب، يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (المائدة: 51). 3- أقرب الأقرباء إذا ضلوا: يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} (التوبة: 23). 4- عصاة المسلمين: يقول الله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} (التوبة: 11). وإن لم يتوبوا فلا مولاة لهم، يقول الله تعالى: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} (الأنفال: 72). المقصود هنا الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، ولعله يشمل أيضا من يُصر على ارتكاب المعاصي عموما ويجاهر بها ولم يهجرها، لقوله [ في صحيح البخاري وغيره: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه». - ثالثا: يستثنى (بمودة وبدون ولاء) الوالدان الداعيان للشرك، يُحسن معاملتهما؛ لقوله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} (لقمان: 15). فقوله (واتبع سبيل من أناب) أي الولاء للمؤمنين. وكذا من كف أذاه عن المسلمين؛ لقوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: 8). أي تبروهم وتقسطوا إليهم، ولا موالاة لهم. - رابعا: عاقبة من خالف ذلك، يقول الله تعالى: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون} (المائدة: 80) والله أعلم. - خامسا: التعريف بالبراء: هو خلاف الولاء، وهو التباعد والخلاص، وانقضاء العهد وانقطاعه، وعدم الصلة، يقال: برئت منه، أي انقطعت بيننا الصلة، ومنه برئت من الدين (القرض).. وعليه فالبراءة هي: 1- براءة الله ورسوله من المشركين، يقول الله تعالى: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله} (التوبة: 3). 2- وبراءة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام من الشرك، فإبراهيم قال {يا قوم إني بريء مما تشركون} (الأنعام: 78). وهود قال {أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون} (هود: 54). ويأمر الله نبيه أن يقول: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون} (الأنعام: 19). 3- براءة الملائكة، يقول الله تعالى: {ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} (سبأ: 40-41). 4- براءة من اتخذوهم شركاء مع الله من الأنبياء أو أهل البيت أو الأولياء وغيرهم، يقول الله تعالى: {وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون} (النحل: 86). وكذا سادتهم ومُضلوهم وسدنة الأضرحة، يقول الله تعالى: {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليكم ما كانوا إيانا يعبدون} (القصص: 62-63). 5- براءة المشركين من شركهم، يقول الله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون} (الأنعام: 22-24). ودعاؤهم على من أضلهم، يقول الله تعالى: {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا} (الأحزاب: 68). وبراءة الطرفين من بعضهما بندامة لسوء سلوكهما، يقول الله تعالى: {قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلاق في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} (سبأ: 33). 6- ومن العجب براءة الشيطان منهم: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} (الحشر: 16). الخلاصة: لا بد من البراءة من المشركين وشركهم، يقول تعالى: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} (الممتحنة: 4)، علما أن المسلم إذا فعل خطيئة في الشرع يُتبرأ من فعلته، أما الكافر فيتبرأ منه ومن فعلته لقوله تعالى: {إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله} (الممتحنة: 4)، أما المسلم فقوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما} (الحجرات: 9) فالبراءة من الذنب. {حتى تفيء}. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (12) التعريف بمكانة أهل البيت وصحابة رسول الله [ وشدة ارتباطه بالولاء والبراء يقول الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106). أولا: هل يجتمع الإيمان والشرك؟ يظن بعضهم أن الإيمان والشرك لا يجتمعان ولاسيما عند بحث بعض الأمور الشركية معهم، وهذا خلاف لقوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف 106)، فيستمرون بمخالفة الحق زعما أن ذلك مجرد وجهة نظر لا حرج فيها. فالذين معه [ هم أصحابه وأهل بيته كانوا رحماء بينهم بخلاف اعتقاد أهل الباطل وذمهم لصاحبته أو لأهل بيته [ وأذيتهم، يقول الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا} (الأحزاب: 58).- ثانيا: لقد وصفهم الله بأعظم الصفات، فوصف المهاجرين (ومنهم أهل البيت) بأنهم ينصرون الله ورسوله، وأنهم هم الصادقون، يقول الله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} (الحشر: 8). كما وصف الله الأنصار بأنهم يحبون من هاجر إليهم وأنهم هم المفلحون، يقول الله تعالى: {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (الحشر: 9)، ولقد رضي عنهم ورضوا عنه ومن اتبعهم بإحسان، يقول الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبوعهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} (التوبة: 100) فهؤلاء هم أصحاب رسول الله وأهل بيته [ وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون، فمن أحبهم فبحب الله أحبهم. بخلاف من يحملون في قلوبهم غلا للذين آمنوا ولمن رضي الله عنهم من المهاجرين والأنصار وأهل البيت والذين اتبوعهم بإحسان. - ثالثا: يقول الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (الأحزاب: 6). كلهن أمهات المؤمنين، فمن أبى ذلك أو طعن بأعراضهن، فذلك طعن بالنبي [، يقول الله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما} (الأحزاب: 53)، فحرم الله أن تنكح أزواجه من بعده أبدا، وهو أمر مشروع بين المسلمين، فكيف بالطعن بأزواجه من بعده؟! - رابعا: فلا طعن ولا غلو في أهل البيت ولا في الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، يقول الله تعالى: {قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} (المائدة: 77). وعن عمر ] قال: قال رسول الله [: «إياكم والغلو؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» رواه أحمد، وفي حديث حذيفة ] قال: قال رسول الله [: «للساعة أشراط، قيل: وما أشراطها؟ قال: غلو أهل الفسق في المساجد، وظهور أهل المنكر على أهل المعروف». وقد ظهر مصداق هذه الأحاديث في زماننا ظهورا جليا، ولعل فيه إشارة لمن أقاموا الأضرحة في المساجد وغيرها، لأهل البيت وغيرهم، مع علمهم بقوله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18). فعلينا الحرص على محبتهم: فعن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي [ فقال يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ قال: «المرء مع من أحب»، فبمحبتهم والترضي عليهم والكف عن سبابهم نكون معهم، فلنكن خير خلف لخير سلف، وعلينا أن نكف عما اجتهدوا فيه رضي الله عنهم ولا نذكر عنهم إلا خيرا؛ لقوله تعالى: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} (البقرة: 134). - خامسا: هنا بعض الأمور يجب التذكير بها للسلامة من الضلال وهي: 1- لا عصمة لأحد بعد رسول الله [ لقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: 3-4). ويقول [: «فإنه من يعش منكم فسيرى بعدي اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليه بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة». وفي ذلك بيان واضح بأن سنة الخلفاء الراشدين هي المتابعة لرسول الله [ بخلاف ما يدعيه بعض الغلاة في عصمة غيرهم. 2- يقول الله تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} (النمل: 65) ويأمر الله نبينا محمدا [: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} (الأعراف: 188) بخلاف ما يدعيه بعض الغلاة لأهل البيت عليهم السلام، وللأولياء وغيرهم، بأنهم يملكون النفع والضر، والبركة، ويعلمون الغيب. 3- أهل البيت يتبادلون المحبة والتقدير مع صحابة رسول الله وأزواجه [، فهم رحماء بينهم، وأزواجه [ أمهاتهم، وهم أولى المؤمنين بمحبتهن: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين} (الأحزاب: 6). فلو علموا عنهن سوءا لطبقوا شرع الله فيهن، بل لطبقه قبلهم رسول الله [، والله أعظم من ذلك فقد برأهم من قبل، يقول الله تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} (النور: 11). والإفك هو الكذب، وذلك لسوء الظن بالمؤمنين، يقول الله تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين} (النور: 12) ولكن سنة اليهود من قبل، يقول الله تعالى عنهم: {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما} (النساء: 156)، يقول الله تعالى: {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} (النور: 15). ولقد أكرم أمير المؤمنين علي وأبناؤه رضي الله عنهم أمهات المؤمنين وفي مقدمتهم عائشة رضي الله عنهن وأرضاهن، وهناك من يخالف ذلك، طعنا والعياذ بالله في الدين وفي عرض رسول الله [ وأهل بيته وآله، يقول الله تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (النور: 19) ويقول الله تعالى: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} (النور: 23) فهم يدعون آل البيت من دون الله ويخالفون سننهم في محبة الصحابة رضي الله عنهم. 4- يبتدعون ويجددون الحداد على الحسين ] كل عام لإثارة الحقد والكراهية بين المسلمين، ويعذبون أنفسهم، مع أن والده أمير المؤمنين عليا ] قُتل قبله غيلة وهو أحق بذلك الحداد. بل لو كان الأمر مشروعا في الإسلام لكان موت رسول الله [ أحق بالحداد وتكراره؛ لقول رسول الله [: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب» وقولهم بأن أهل البيت عليهم السلام لا يموتون إلا برغبتهم! إذاً فموت الحسين ] رغبة منه حسب اعتقادهم فلم الحداد عليه ولم تكراره؟! والله تعالى يقول: {هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} (غافر: 68)، فليس لغير الله الخيرة في حياة أحد أو موته، علما أن كثيرا منهم رضي الله عنهم وأرضاهم قتلوا غيلة أو في معركة دون علمهم أو رغبة منهم؟ وهو دليل على عدم علمهم بالغيب، ولا خيرة لهم، فلو كان يعلم الغيب لما عرض نفسه وأسرته لشر قتلة. 5- عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل, يبتلى الرجل على حسب دينه...» الحديث. ولا شك أن صحابة رسول الله [ وأهل بيته هم الأمثل بعد الأنبياء، لما أصابهم من بلاء، فعلمنا أن ذلك كان لهم ابتلاء؛ فوجب علينا محبتهم دون استثناء، وعلمنا أنهم لم يستطيعوا دفع البلاء عن أنفسهم في حياتهم، فكيف يدفعونه عن غيرهم بعد مماتهم؟! والله يأمر نبيه [: {قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا} (الجن: 20-22) فوجب علينا محبتهم، ووجب علينا توحيد الله وحده لعلمنا بحقيقة قوله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير} (الأنعام: 17). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (13) تعريف الظلم في قوله تعالى: {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (البقرة: 57). أولا: الظلم هو وضع الشيء في غير محله.. وهناك من يظن أن الكافر أو المشرك أو العاصي بسوء عمله يظلم الله، والله أعظم من ذلك، يقول الله تعالى: {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (البقرة: 57). فالكافر والمشرك والعاصي لا يظلم إلا نفسه، فهو يحرم نفسه من رحمة الله الواسعة ويعرضها لعذابه، ويقول الله تعالى فيهم: {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم} (محمد: 32)، فمن أعظم الظلم الشرك: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} (لقمان: 13). والمشركون لا يُغني عنهم شركهم شيئا، يقول الله تعالى: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب} (هود: 101). فالظلم هو المثل السيئ للمكذبين فكل مكذب بآيات الله ظالم لنفسه، يقول الله تعالى: {ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون} (الأعراف: 177).ثانيا: لقد حرم الله الظلم على نفسه بفضله ورحمته، يقول الله تعالى: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} (النساء: 40). ولمسلم (برقم 2577) عن النبي [ فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا...» الحديث. ثالثا: الإقرار بظلم النفس والتوبة منه من أصدق أنواع التوبة، يقول الله تعالى عن آدم وزوجه: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف: 23)، وعن موسى: {قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم} (القصص: 16) وفي يونس: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} (الأنبياء: 87-88). فوعد الله حق: {وكذلك ننجي المؤمنين}. التعريف بمنهج القرآن في سلوك المسلم يقول الله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا} (الإسراء: 9). فقد أدرك السلف الصالح رحمهم الله أن من فقه العبادة تعلم أربع مسائل والتفقه فيها والعمل بموجبها وهي: العلم، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه، ذلك منهج القرآن، يقول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم، وهذه المسائل هي: المسألة الأولى: العلم: يقول الله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} (الزمر: 9). ويقول الله تعالى: {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ إن الله عزيز غفور} (فاطر: 28). وترجم الإمام البخاري- رحمه الله تعالى-: باب العلم قبل القول والعمل لقوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم} (محمد: 19). فبدأ بالعلم قبل القول والعمل» وفي السنن: «ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة»، وأعظم العلم وأهمه ما يلي: أولا: العلم بحق الله سبحانه: فهناك من يخلط بين حق الله وحق العباد. فالله تعالى هو المعبود المسؤول المستعان به الذي يُخَافُ ويُحب ويُرْجَى ويُتوكل عليه ويُفرد بالعبادة. وقد أخذ الله علينا هذا العهد قبل الوجود: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} (الأعراف: 172-173). وألزمنا الإقرار بهذا العهد نكرره في كل صلاة بفاتحة الكتاب: {إياك نعبد وإياك نستعين} والله المختص بعلم الغيب: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} (النمل: 65)، ولم يكن ذلك لغيره والله يأمر نبيه: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي} (الأنعام: 50)، وجعل الطاعة له ولرسوله، قال تعالى: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} (آل عمران: 132) وأما الخشية والتقوى فلله وحده لا شريك له، قال تعالى: {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} (النور: 52). وأضاف الإيتاء إلى الله والرسول، قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر: 7). فليس لأحد أن يأخذ إلا ما أباحه الرسول، أما العطاء فإنه لله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء؛ ولهذا كان [ يقول في الاعتدال من الركوع وبعد السلام: «اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» متفق عليه، أي من آتيته جدا وهو (البخت والمال والملك) فإنه لا ينجيه منك إلا الإيمان والتقوى والإخلاص، وقال: {إنا إلى ربنا راغبون} (القلم: 32). ولم يقولوا هنا: ورسوله، وهو نظير قوله: {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} (الشرح: 7-8) وبيّن أن الملك والأمر كله لله: {ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير} (المائدة: 40). وليس لغيره شيء، فعندما دعا رسول الله [ على بعضهم أنزل الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} (آل عمران: 128) وقول الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} (القصص: 56). وأما التوكل فعلى الله وحده، قال تعالى: {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} (الممتحنة: 4)، وقال تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران: 173). وقال تعالى: {يأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} (الأنفال: 64)، أي الله وحده حسبك وحسب المؤمنين الذين اتبعوك، فالله وحده هو حسب كل مؤمن به. والحسب: الكافي، كما قال تعالى: {أليس الله بكاف عبده} (الزمر: 36). ولله تعالى حق لا يشركه فيه مخلوق، فالدعاء والعبادات والإخلاص والتوكل والخوف والرجاء والحج والصلاة والزكاة والصيام والصدقة، والإنابة والمحبة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والنذر، والتضرع، والذبح والنسك واستقبال الكعبة والطواف بها، لا بغيرها، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها تُصرف كلها لله تعالى وحده فهي حق لله وحده. وقد تفضل الله وجعل لعباده حقا عليه، ففي الصحيحين عن معاذ بن جبل ] قال: «كنت رديف النبي [ على حمار، فقال لي: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله»؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله: ألا يعذب من لا يشرك به شيئا». قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا» متفق عليه. ثانيا: العلم بحق الرسول [: فأعظمه الإيمان به وطاعته: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} (النساء: 64). واتباع سنته وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه وتقديمه في المحبة على الأهل والمال والنفس كما قال تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} (التوبة: 24)، وفي الصحيحين أنه [ قال: «فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» متفق عليه، وحقه: مرضاته، قال تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} (التوبة: 62) وعلى المؤمنين الاقتداء به بالبلاغ حسب العلم والاستطاعة، والمسؤولية. والصلاة والسلام على النبي [ مشروعة قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} (الأحزاب: 56)، وفي الصحيح عن جابر بن عبدالله أن رسول الله [ «قال: من قال حين يسمع النداء: «اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة» وفيه: «من صلى عليّ مرة صلى الله عليه بها عشرا». ورفع الصوت في المساجد منهي عنه وفي مسجده [ أشد. والمشروع عند السلام عليه: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. وفي تفسير ابن كثير (3/516) وغيره: عن الحسن بن الحسن بن علي شيخ الحسنيين في زمنه، أنه رأى قوما عند القبر فنهاهم وقال إن النبي [ قال: «لا تتخذوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وحيثما كنتم فصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني» رواه أحمد، وروي أنه رأى رجلا ينتاب القبر فقال: يا هذا ما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء.ك ولهذا كان السلف يكثرون الصلاة والسلام عليه في معظم الأماكن والأزمنة. ولم يكونوا يجتمعون عند قبره [ ولا غيره، لا لقراءة ختمة ولا إنشاد قصائد ولا نحو ذلك، بل هذا كله من البدع، بل كان الصحابة والتابعون يفعلون في مسجده ما هو المشروع في سائر المساجد من الصلاة والذكر والدعاء لله والاعتكاف وتعلم القرآن والعلم وتعليمه ونحو ذلك، وقد علموا أن النبي [ له مثل أجر كل عمل صالح تعمله أمته؛ فمن كان له أطوع وأتبع كان أولى الناس به في الدنيا والآخرة: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب: 6). فقد بلغ أمر الله ونهيه ووعده ووعيده، فدين الله ما أمر به والحلال ما حلله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه، وقد أمر الله بمتابعته فقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} (آل عمران: 79) وقوله حق: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: 3-4)، وبعثه الله للناس كافة: {قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}ـ (الأعراف: 158) وهو رحمة للعالمين: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء: 107). والرسول [ توفي ودينه باق، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، فأعظم خير هو توحيد الله، وأعظم شر هو الشرك بالله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة: 128). وهو رسول بشر كسائر الرسل: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} (آل عمران: 144)، وهو خاتم النبيين: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما} (الأحزاب: 40)، أكمل الله به الدين فلا يقبل من غيره بعد موته [ زيادة ولا نقصا لقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} (المائدة: 3). - ثالثا: العلم بحق الإسلام والإيمان والإحسان: 1- فحق الإسلام واضح من التعريف بالإسلام وهو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، وهو دين الله ودين الرسل ولن يقبل من أحد سواه: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (آل عمران: 85)، والإيمان بأن الله أكمله، وأتم به نعمته ورضيه لعباده دينا، يقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة: 3). 2- وأما حق الإيمان: فالدين اسم واقع على الإسلام والإيمان والشرائع كلها، فالعمل بالصالحات هو ما شرعه الله، وشرط قبوله الإيمان: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} (طه: 112). والناس ليسوا سواء في الإيمان بل يتفاوتون فيه، فهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ قال الله عز وجل: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} (التوبة: 124). والإيمان يقرب ويبعد بالقول والمعتقد: {هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون} (آل عمران: 167). 3- وأما حق الإحسان: فهو «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ونتائجه عظيمة، منها قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} (يونس: 26)، ووصية الله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} (البقرة: 195). - المسألة الثانية: العمل بما علم به وهو المراد بقوله: {وعملوا الصالحات} وهنا أمور عدة: 1- أن الإيمان مرتبط بالعمل بالإسلام، يقول الله عز وجل: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (الأحقاف: 13) أي علموا فأمنوا فعملوا. 2- لا قبول لعمل إلا بنية ومحلها القلب بالقصد والإرادة، يقول الله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحوا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا} (الإسراء: 18-19). وفي الصحيحين عنه [: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى...» الحديث. 3- أن يكون العمل على علم وبصيرة فالدين مبني على أصلين: الإخلاص في عبادة الله وحده لا شريك له، ولا يعبد إلا بما شرع لا بالبدع قال تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} (الكهف: 110)، ومن دعاء عمر ]: اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل فيه لأحد شيئا. وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} (الملك: 2) إن العمل.. لن يقبل حتى يكون خالصا لله صوابا على السنة، وفق ما شرع الله. - المسألة الثالثة: الدعوة إلى ما علمه من الحق وعمل به: «وهو التواصي بالحق، ويقول الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف: 108). ويقول الله تعالي: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} (فصلت: 33). - المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه وهو التواصي بالصبر، يقول الله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} (آل عمران: 142) ويقول الله تعالى: {ولقد كُذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كُذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين} (الأنعام: 34). ومن أقوال الإمام أحمد رحمه الله: الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى. فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجموعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبّهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين. انتهى. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (14) التعريف بالدروس المهمة لنشر فقه العبادة بين أفراد الأمة (1) يقول الله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة: 71)، فمن أعظم المعروف تعليم الجاهلِ الحقَّ كي يعمل به لحماية نفسه من الهلاك، ومن أشر المنكرات إبقاؤه على جهله وتعرضه للهلاك، فلابد من تعليم كل من يمكن تعليمه الحد الأدنى من العلم في دينه، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «إن العالم والمتعلم في الأجر سواء.. لا خير في سائر الناس، مالي أراكم تحرصون على ما كُفِل لكم به وتتباطؤون عما أمرتم به؟!» ا هـ.وقد اهتم بذلك كثير من العلماء رحمهم الله وجعلوه على هيئة دروس(1) إيضاحها كما يلي: - الدرس الأول: تعليم سورة الفاتحة وما أمكن من القرآن من سورة الزلزلة إلى سورة الناس، تلقينا وتصحيحا للقراءة، وتحفيظا وشرح ما يجب فهمه، والأربعين النووية من الحديث أو ما تيسر منها أو مثلها حفظا وفهما.- الدرس الثاني: تعليم أركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة والإحسان وركنه. - الدرس الثالث: أركان التوحيد: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. - الدرس الرابع: أقسام الشرك: الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والشرك الخفي والتحذير منه. - الدرس الخامس: ضرورة الالتزام بتقوى الله، فهي وصية الله لعباده: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} (النساء: 131). وهي الشرف بمعية الله بالتأييد والنصرة: {واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين} (البقرة: 194)، والتقوى وسيلة للقبول: {إنما يتقبل الله من المتقين} (المائدة: 27)، وهي المخرج من كل ضيق والمجلبة للرزق والوعد باليسر: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب...}، {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} (الطلاق: 2 - 4)، {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة: 197). - الدرس السادس: التحذير من كبائر المعاصي، يقول الله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} (الفرقان: 68 - 69)، ويقول الله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} (النساء: 31). وفي الصحيحين قال رسول الله [: «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»(2) اهـ. ومنها: عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وشهادة الزور، وإيذاء الجار، وظلم الناس في الدماء والأموال والأعراض، والمسكرات، والقمار (الميسر) والغيبة والنميمة، والنياحة، والتشبه بالجنس الآخر أو بغير المؤمنين، وإسبال الثياب للرجال وكل ما نهى الله عنه ورسوله. - الدرس السابع: النية الصالحة فلا؛ قبول لعمل إلا بنية خالصة للتعبد لقوله [: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى...» الحديث. ومحلها القلب بالقصد والإرادة، ويجهر بالحج والعمرة لجهره [ بهما، مع العلم بشروط العبادة. ومنه الإخلاص في العمل في حق الله ثم في حق الآخرين لوجه الله لا لانتظار المعاملة بالمثل أو استعجال الأجر؛ اتباعا لقول الله تعالى: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا} (الإنسان: 9 - 10)، ليتم وعد الله {فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا} (الإنسان: 11). فكل عمل يجب أن يكون خالصا لله، فإن حصل الجزاء والشكر دون الطلب والانتظار، فهو فضل من الله وبشرى للمؤمن، ومن يعمل للجزاء من غير الله؛ فسوف يقطع البر إذا لم يتم له الجزاء والشكر. والله اعلم. - الدرس الثامن: في الطهارة للعبادة: بدءا بالغسل: وهو عند الدخول في الإسلام لحديث قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي[ أن يغتسل بماء وسدر(3) وكذا من الجنابة، يقول الله تعالى: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}، ومن الحيض: {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} (البقرة: 222)، وفي المسند لأحمد وغيره «كان[ يغتسل يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم الفطر، ويوم النحر...» الحديث. ويبدأ الغسل بالوضوء، ثم يعمم الجسم بالماء. ومنه الوضوء وشروطه: وهي عشرة: الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية وعدم قطعها حتى تتم الطهارة، وانقطاع موجب الوضوء، والاستنجاء أو الاستجمار بطاهر، وطهورة الماء وإباحته وإزالة ما يمنع من وصوله إلى البشرة، ودخول وقت الصلاة في حق من حدثه دائم. ومنه فروض الوضوء: وهي ستة: غسل الوجه، ومنه المضمضة، والاستنشاق، وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح جميع الرأس ومعه الأذنان، وغسل الرجلين مع الكعبين والترتيب والموالاة، وفي الحديث: «ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء»(4). ومنه نواقض الوضوء: وهي ستة: الخارج من السبيلين، الخارج الفاحش (الكثير) النجس من الجسد (الدم) وزوال العقل بنوم وغيره، ومس الفرج باليد قبلا أو دبرا من غير حائل، وأكل لحم الإبل، والردة عن الإسلام، أعاذ الله الجميع منها، أما قول الله تعالى: {أو لامستم النساء} فالمراد به النكاح؛ لأن النبي [ قبّل بعض نسائه فصلى ولم يتوضأ(5). وورد في القرآن بمعنى الجماع، قال تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} (البقرة: 37). ومنه التيمم: إذا حل محل الوضوء والغسل، يقول الله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} (النساء: 83)، وينقض التيمم ما ينقض الوضوء ورؤية الماء، إذا قدر على استعماله ويصلي بتيممه ما شاء فرضا ونفلا. - الدرس التاسع: في الصلاة: يقول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} (البينة: 5). ومنه شروط الصلاة: وهي تسعة: الإسلام، والعقل، والتمييز، ورفع الحدث، وإزالة النجاسة، وستر العورة، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، والنية ومحلها القلب. وفي الصحيحين عن النبي [ قال: «من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» {وأقم الصلاة لذكري} (طه: 14). ومنه أركان الصلاة: وهي أربعة عشر: القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال بعده، والسجود على الأعضاء السبعة، والرفع من السجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في جميع الأفعال، والترتيب بين الأركان، والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي [ والتسليم. وتبطل صلاة المتعمد بترك ركن، وتعاد الركعة التي لم يأت بركن منها نسياناً. ومنه واجبات الصلاة: وهي ثمانية: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، وقول «سمع الله لمن حمده» للإمام والفرد، وقول «ربنا ولك الحمد» للكل، وقول «سبحان ربي العظيم» في الركوع، وقول «سبحان ربي الأعلى» في السجود، وقول «رب اغفر لي» بين السجدتين، والتشهد الأول، والجلوس له، وتبطل صلاة المتعمد بتركه، ويجبره سجود السهو للناسي للإمام والفرد. أما قول الله تعالى: {واركعوا مع الراكعين} (البقرة: 43)، أي في جماعتهم، وفي الصحيحين عنه[ قال: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» اللفظ للبخاري. ومنه سنن الصلاة وهي كثيرة، منها دعاء الاستفتاح، وما زاد عن الفاتحة، والجهر بالقراءة في صلاة الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، والجمعة، والعيدين، والاستسقاء، والإسرار في الظهر والعصر والأخيرة من المغرب والأخيرتين من العشاء، جعل كف اليمنى على كف اليسرى فوق الصدر في القيام قبل الركوع وبعده، رفع اليدين مضمومتي الأصابع حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، والرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول وما زاد عن واحدة في تسبيح الركوع والسجود وما زاد عن «ربنا ولك الحمد» بعد الركوع، وما زاد عن مرة «ربي اغفر لي» بين السجدتين ومساواة الرأس بالظهر في الركوع، ووضع اليدين على الركبتين مفرجتي الأصابع في الركوع ومضمومتي الأصابع في السجود، ومجافاة (إبعاد) العضدين عن الجنبين، والبطن عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في السجود، والجلوس على الرجل اليسرى مفروشة ونصب اليمنى في التشهد الأول بين السجدتين، والتورك (الجلوس على مقعدته ونصب اليمنى وجعل اليسرى تحتها) في التشهد الثاني، والإشارة بالسبابة في التشهدين إلى النهاية وتحريكها عند الدعاء، والتبريك على محمد وآله وإبراهيم وآله بعد الصلاة والسلام عليهما في التشهد الأخير، ولمسلم عنه [: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال» مع مراعاة بقية ما ورد من السنن. ومنه: مبطلات الصلاة: وهي ثمانية: الكلام إلا للناسي والجاهل، فلا تبطل، والضحك، والأكل والشرب، وانكشاف العورة، والانحراف الكثير عن القبلة، العبث الكثير المتوالي، وانتقاض الطهارة، ويعيد الإمام وحده إذا كان محدثاً، وبذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين؛ فإنهم صلوا بالناس ثم رأوا الجنابة بعد الصلاة فأعادوا ولم يأمروا الناس بالإعادة. والله أعلم(6). الهوامش: 1 - انظر آداب المشي إلى الصلاة للإمام المجدد، وزاد المستقنع للعلامة المقدسي، والدروس المهمة للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمهم الله. 2 - رواه البخاري رقم (2615) في الوصايا وفي المحاربين، ومسلم رقم (89)، وغيرهما. 3 - رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وحسنه الترمذي وغيرهم، انظر شرح الزركشي (1/76). 4 - باب وجوب غسل الرجلين، مسلم رقم (566)، كتاب الطهارة. 5 - رواه أبو داود (179)، وابن ماجه (502)، والترمذي (86). 6 - انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله: (23/369). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (15) التعريف بالدروس المهمة لنشر فقه العبادة (2) الدرس العاشر: في الزكاة، يقول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم} (التوبة: 103). وأما بيان مقدارها فهو مختلف بين أصول الأموال، وعروض التجارة، والسائمة، والزراعة. وأصحاب الزكاة هم: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} (التوبة: 60). ثم الصدقة: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} (النساء: 114). ومن آدابها: {يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر} (البقرة: 264).الدرس الحادي عشر: في الصيام، قول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة: 183). ومن أحكامه: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} (البقرة: 184) ومنها: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}... إلى قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} (البقرة: 187). والاعتكاف سنة ويستحب في مساجد الجمعة، وتكراره حسن ومن أحكامه: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها} (البقرة: 187). الدرس الثاني عشر: في الحج: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (آل عمران: 97). وزمانه {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله} (البقرة: 197). ومن الحكمة فيه: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} (الحج: 28-29). والعمرة لها حكم الحج، ويجب إتمامها لله، يقول الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلى قوله تعالى: {واعلموا أن الله شديد العقاب} (البقرة: 196). الدرس الثالث عشر: طاعة أولي الأمر بالمعروف، بعد طاعة الله ورسوله [: {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} (النساء: 59). وعن عبادة بن الصامت ] قال: «بايعنا رسول الله [ على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكروه والأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول الحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم». ومنه: ما رواه مسلم وغيره عن تميم الداري قال: قال رسول الله [: «الدين النصيحة، الدين النصيحة الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وفي مجموع الفتاوى: النصيحة لله ولكتابه ولرسوله تدخل في حق الله وعبادته وحده لا شريك له، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم هي مناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعتهم وأما النصيحة الخاصة لكل واحد.. فهذه يمكن بعضها ويتعذر استيعابها على سبيل التعيين. ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب العلم والاستطاعة والمسؤولية: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران: 109). وبيانه: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (النحل: 125). الدرس الرابع عشر: حقوق الآخرين، يقول الله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (الحشر: 9) بأن تؤثر الخلق ما أمكن على نفسك فيما لا يحرم عليك دينا ولا يقطع عليك طريقا ولا يفسد عليك وقتا، بدءا بالوالدين وبمن تعول ثم الأقرب فالأقرب، ثم خلق الله أجمع، وسداد الدين، ومحاربة الربا، يقول الله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} (فصلت: 34-35). ومنه التحلي بالأخلاق المشروعة، العفاف والحياء، الشجاعة والكرم، الوفاء، والنزاهة عن كل حرام، وحسن الجوار، ومساعدة ذوي الحاجة بالاستطاعة، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، وخفض الجناح، ولين الكلام ورحمة اليتيم، والتفقه في الدين والجزع من الحساب وحب الآخرة، وعدم الاعتداء والإفساد في الأرض، وعدم الشتم، ولا يُصدقُ كاذبا ولا يُكذبُ صادقا ولا يعصي إماما عادلا، والوصية بذكر الله، ولكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية والله أعلم. ومنه التأدب بالآداب الإسلامية: إفشاء السلام والبشاشة والأكل والشرب باليمين، والتسمية بالله في ابتداء الأمور كلها والحمد عند الانتهاء وللنعمة وبعد العطس، وتشميت العاطس إذا حمد الله، وعيادة المريض واتباع الجنائز للصلاة والدفن، وآداب دخول المساجد والمنازل وغيرها والخروج منها وحسن الرفقة في السفر والإقامة للناس والشركاء في العمل والعلم، والتهنئة بالأفراح والتعزية في المصائب. ومنه إطعام الطعام؛ لقول الله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} (الإنسان: 8) والحَضُّ عليه مخافة من قوله تعالى: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين} (الحاقة: 34). وما أكثر الجوعى في العالم، ومنه قِرى الأضياف. الدرس الخامس عشر: حسن اختيار العشير والخليل وفي المقدمة الزوجان: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم: 21)، وللصاحب التقي، يقول الله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (الزخرف: 67)، وللوقاية يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} (التحريم: 6)، فبحسن اختيار الأخلاء لشدة تأثيرهم على المرء وأهله، تحسن الوقاية. الدرس السادس عشر: تجهيز الميت والصلاة عليه ودفنه: كما ورد بالسنن، فيبدأ بتلقينه للشهادة عند احتضاره، ولمسلم، قوله: «[ لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله، فمن قالها عند موته وجبت له الجنة» وإغماض عينيه وغسله إلا الشهيد في المعركة ويدفن في ثيابه لأنه [ لم يغسل شهداء أحد ولم يصل عليهم. صفة الغسل: وهو فرض كفاية، وغسله والصلاة عليه ودفنه لوصية ثم الأقرب والمرأة وصيتها ثم الأم والجدة، وللزوجين أن يغسل أحدها الآخر، فتستر العورة، يرفع قليلا ويعصر بطنه برفق، ويلف الغاسل يده بخرقة أو نحوها فينجيه بها ثم يوضأ وضوء الصلاة، غسل رأسه ولحيته بماء وسدر ونحوه، ثم شقه الأيمن فالأيسر، ثم يغسله كذلك ثانية وثالثة يمر على بطنه خرج منه شيء سده بقطن أو نحوه وأعاد غسله، ثم ينشفه ويقص أظافره وشاربه فقط، ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده أو جسده كله، ويبخر كفنه ولا يختنه لعدم الدليل ويضفر شعر المرأة ثلاثا ويسدل من ورائها، ولا يجوز إفشاء عيب في جسم الميت. صفة التكفين: الرجل إن أمكن في ثلاثة أثواب بيض لا قميص ولا عمامة يدرج فيها، والمرأة في خمسة أثواب: درع وخمار وإزار ولفافتين، والصبي ثوب إلى ثلاثة والصغيرة في قميص ولفافتي، وأقل الواجب للجميع ثوب واحد يستره جميعا، والمحرم يغسل بماء وسدر ويكفن في إزاره وردائه لا يُغطى رأسه ولا وجهه ولا يُطيب يبعثه الله ملبيا، إذ والمحرمة كغيرها كما تقدم يغطى وجهها ورأسها بالكفن. صفة الصلاة على الميت: فالسنة أن يكبر أربعا: يقرأ في التكبيرة الأولى الفاتحة، وفي الثانية يُصلي على النبي [ كصلاته في التشهد، وفي الثالثة يدعو للميت والأموات والأحياء بالمأثور، ويسلم بعد الرابعة تسليمة واحدة عن اليمين، ويستحب رفع يديه مع كل تكبيرة، ويقف الإمام حذاء رأس الرجل والصبي ووسط المرأة والطفلة ويكون الرجل مما يلي الإمام وإن كان معهم أطفال قدم الصبي على المرأة والطفلة بعدها، والمصلون خلف الإمام، ومن لم يجد مكانا فعن يمينه. صفة الدفن: يدفن في مقابر المسلمين، لا في غيرها، في مكان محترم، لا في مسجد ولا مكان للتميز سدا للذرائع، ويعمق القبر إلى وسط الرجل، ويكون فيه لحد من جهة القبلة، يوضع فيه الميت على جنبه الأيمن، وتحل عقدة الكفن، ولا تنزع ولا يكشف الوجه، وينصب عليه اللبن ويطيّن إن وجد، أو الحجارة أو الخشب ليقيه التراب، ثم يهال عليه التراب، ويقال: باسم الله وعلى ملة رسول الله [، ويرفع القبر قدر شبر ويوضع عليه حصباء إن تيسر ويرش بالماء، ويدعى للميت بالثبات، ويصلي عليه من لم يصل في حدود الشهر، وتشرع زيارة الرجال للقبور للدعاء لهم وللاعتبار، أما النساء فلا، ولا يتبعن الجنازة أما الصلاة عليه في المسجد أو المصلى فللجميع، ولا يصنع أهل الميت الطعام للناس، وإن صُنع لهم ولضيوفهم فذلك سنة. الحداد على الميت: لا تحد امرأة على ميت إلا ثلاثة أيام، إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا، والحامل حتى تضع، أما الرجل فلا، والله أعلم. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (16) التعريف بأحكام زيارة القبور يقول الله تعالى: {ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} (التكاثر: 1-4)، وفيه وقفات لابد من ذكرها: - أولا: كانت زيارة القبور في صدر الإسلام منهيا عنها، ولعله سدا للذرائع، لسلامة العقيدة لقرب العهد من الجاهلية، فلما تمكن التوحيد في قلوب المسلمين أُذن لهم بزيارة القبور، فلمسلم وغيره، عن رسول الله [: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها لتذكركم زيارتها خيرا...» الحديث، وفي رواية لأحمد: «نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي أنها تُرِقّ القلوب وتدمع العين فزوروها ولا تقولوا هجرا» وللحاكم «فإن فيها عبرة» وفي رواية: «فزوروها فإنها تذكركم بالموت». - ثانيا: عدم إباحة السفر من أجل زيارة القبور لما ورد في الصحيحين: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى» فالقبور أولى ألا تشد لها الرحال، ولأن السفر للعبادة قصد، والقصد حج، ولم يأمر الله بالحج إلا لبيته، ولم يأمر به النبي [ ولم يفعله الصحابة ولا التابعون، وهو من عادات الجاهلية، ففي كتاب: «حجة الله البالغة للأحناف»: «كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها ويتبركون بها وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى، فسد النبي [ الفساد لئلا يلتحق غير الشعائر بالشعائر ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله».- ثالثا: ولا يُزار قبر غير المسلم لقوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} (التوبة: 84)، ويستثنى ذوي القربى لما روى الحاكم (1385) وغيره: «ألا فزوروها فقد أذن الله تعالى لنبيه [ في زيارة قبر أمه» ولا يُمنع كافر من زيارة قبر المسلم للاعتبار ورجاء الهداية، ولعدم النهي عنه. - رابعا: لا يُعلم حقيقة بقبر نبي من الأنبياء إلا بقبره[، أما أهل بيته رضي الله عنهم فعلي] قيل إنه في النجف، وقيل إنه نقل إلى مزار شريف بأفغانستان، والمعروف لدى أهل العلم أنه دفن بقصر الإمارة بالكوفة خوفا أن يُنبش قبره. وكذا الحسين ] فقد دفنه من معه في مكان مجهول خوفا عليه من مقاتليه، وكذا ما يقال في رأس الحسين المزعوم أنه في القاهرة فقد ذُهب به إلى المدينة ودفن بجوار أخيه الحسن، ولا مسوغ لدفنه بالقاهرة. وكذا ما ينسب في الشام إلى أم كلثوم ورقية رضي الله عنهما والصحيح أنهما توفيتا بالمدينة في حياته، وكذا قبر علي بن الحسين المذكور بمصر والصحيح أنه توفي بالمدينة. ولعل الجهل بقبورهم تطهير لأهل البيت من أن يكونوا أوثانا لمشرك يدعوهم من دون الله؛ لقوله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} (الأحزاب: 33)، وقوله تعالى: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} (الكهف: 102). - خامسا: في آداب الزيارة روى مسلم: «كان رسول الله [ يعلمهم إذا دخلوا المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، إنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية». وفي سنن النسائي الكبرى وغيره قال: «سلام عليكم دار قوم مؤمنين وأنتم لنا فرط، وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم». - سادسا: لقد ورد النهي للنساء عن زيارة القبور، ففي المستدرك وسنن الترمذي وابن ماجة والبيهقي ومصنف عبدالرزاق وغيرها: «لعن رسول الله [ زورات القبور والمتخذين عليها مساجد والسرج» رواه الإمام أحمد والخمسة وصححه الترمذي. واللعن هو الطرد من رحمة الله والعياذ بالله، والنهي إذا قُرن باللعن فهو من الكبائر، ولا أعلم بإباحة ما لُعن، وأما ما ورد في المسند وصحيح مسلم وغيرهما في حديث طويل عن عائشة رضي الله عنها قال لها [: «إن ربك جل وعز يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفري لهم، قالت: فكيف أقول يا رسول الله؟ فقال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين, ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون» الحديث، فلعله في فترة الإباحة أو خاص بأم المؤمنين رضي الله عنها لقوله [ «إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع» والله تعالى يقول: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن} (الأحزاب: 32) والله سبحانه يختص من يشاء بما يشاء، والله أعلم. - سابعا: أحكام زيارة القبور وهي بين المشروع وغير المشروع بل المحرم، وهي ثلاثة أقسام: القسم الأول: زيارة من يدعو للأموات، أي من أراد فيها الاتباع والعبرة، لا الابتداع، والسلام على أهل القبور والدعاء لهم بما ورد في الكتاب والسنة، فهذه زيارة مشروعة مأجورة. القسم الثاني: زيارة من يدعو بالأموات، أي يتوسلون بهم ويتخذونهم شفعاء وقد بين الله أمرهم: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18). وهذه زيارة شركية محرمة غير مشروعة. القسم الثالث: زيارة من يدعو الأموات، أي يطلبون من الموتى بذاتهم ما يجب أن يطلبوه من الله تعالى ويستغيثون بأسمائهم، والله تعالى يقول: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} (الأعراف: 180). فكفروا بتوحيد الأسماء والصفات لدعائهم بأسماء الأموات، كما كفروا بتوحيد الألوهية لدعائهم غير الله، وكفروا بتوحيد الربوبية لاعتقادهم بأن غير الله يخلق ما يطلبون ويمدهم بما يُريدون، فهم يطلبون المدد والشفاء والرزق والبركة والولد وغير ذلك، خلافا لقوله تعالى: {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17)، وتلك زيارة شركية محرمة غير مشروعة، والله أعلم. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (17) التعريف بفقه العبادة في أداء الحج يقول الله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (آل عمران: 97)، هنا وقفات لابد من مراعاتها: - أولا: شعائر الحج فيها بيانٌ لفقه العبادة، لجمعه معظم أنواع الطاعات: البدنية، والمالية، والقلبية، يقول [: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» متفق عليه وقوله [: «الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم» ابن ماجة. - ثانيا: يقول الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب: 21) فالاتباع قاعدة في جميع مراتب الدين، ففي الصلاة قوله [: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه البخاري. وفي الحج قوله [: «لتأخذوا مني مناسككم فإنني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» رواه مسلم. والحذر من المخالفة، يقول الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 64).- ثالثا: يقول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (التوبة: 31)، فلا للشرك في العبادة يقول تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} (المائدة: 72) ولا رياء (لرؤيا الناس) لقوله تعالى: {يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} (النساء: 142)، ولا سمعة (لإسماعهم)، وفي الرياء والسمعة يقول [: «من يسمّع يسمّع الله به، ومن يراءِ يراءِ الله به» متفق عليه، وقوله [: «اللهم اجعلها حجة غير رئاء ولا هباء ولا سمعة». - رابعا: يقول الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} (البقرة: 196). وللحج خمس شرائط: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، وفي الاستطاعة عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي [ فقال: يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال: «الزاد والراحلة» وتزداد المرأة بالمحرم؛ لقوله [: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم» متفق عليه. - خامسا: ومن صور البلاء ما يلاحظ من تعليق الرقى والتمائم ونحوها التي عمت بلاد المسلمين وتجاوزت الإنسان إلى السكن والبهائم والمركبات لجهل الكثير بحقيقة التوحيد، ولاسيما أن هذا يُلاحظ من بعض الحجاج في مشاعر الله الحرام لدفع الضرر وجلب النفع، فعن عبدالله بن مسعود ] قال: سمعت رسول الله [ يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك». وقال عبدالله: إنما ذلك عمل الشيطان وقال: كان رسول الله [ يقول: «أذهب البأس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما» أما التمائم فصدق الشاعر: وإذا ما المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع والمقصود بالرقية هنا الشركية: أي القراءة للمريض إذا كانت بغير كتابه تعالى وسنة نبيه [، والتميمة: يقال إنها خرزة أو لفافة كانوا يتعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات، ويُقال قلادة تعلق فيها العوذات، والتولة - بكسر التاء-: ما تُحبب به المرأة لزوجها، أو ما يفرق بينهما.- سادسا: وأعظم من ذلك دعاء بعض الحجاج واستغاثتهم بغير الله، واعتمادهم على أوردة شركية، والله تعالى يقول: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك، فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين} (يونس: 106)، {ولا تدع من دون الله} كائنا من كان من الملائكة والأنبياء وأهل البيت والصحابة والأئمة والصالحين، وهذا غير ما جاء في الصحيحين وغيرهما «أن تلبية رسول الله [ لبيك اللهم لبيك: لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، فهذا شعار التوحيد في الحج وغيره. فلنكتف بما سنه رسول الله [ ومثاله ما جاء في الدر المنثور (1/255) قال: أخرج الشافعي في الأم عن ابن جريج، وأخرج ابن أبي شيبة والأزرقي عن مكحول «أن النبي [ لما رأى البيت حين دخل مكة رفع يديه، وقال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا». كما يجب أن يكون كل عمل اتباعا للسنة، لا لذاته ولا ابتداعا. ففي الصحيحين: «قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال: أما والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله [ يقبلك ما قبلتك» قال النووي رحمه الله: قال عمر ] ليسمع الناس هذا الكلام ويشيع بينهم. خوفا أن يغتر بعضهم بذلك والله أعلم، انتهى وكذا لا يجوز التبرك ومسح وتقبيل مقام إبراهيم وإنما اتخاذه مصلى ما أمكن لقوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (البقرة: 125) ما لم يخش الإيذاء لشدة الزحام خاصة في عصرنا هذا؛ لقوله [: «يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله فهلل وكبر» ولا مسح للركنين الشاميين (بجوار حجر إسماعيل)، ولا التمسح بأستار الكعبة المشرفة أو أحجارها، وكذا زيارة غاري حراء وثور وتكلف صعودهما وصعود جبل عرفة أو التبرك بأشجار مكة وأحجارها أو السفر بها، كل ذلك لم يفعله ولم يأمر به [ ولا أصحابه «وإنما يفعل ذلك من فعله بدعوى جلب النفع والشفاء من الأمراض والتوسعة في الرزق ودفع الضرر وكشف الكرب وطلبا للبركة، وإنما البركة فيما وافق الشرع». يقول الكلبي في كتابه الأصنام (ص6): إن إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما لما سكن مكة ووُلد له بها أولاد كثير حتى ملؤوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد، وكان الذي سلخ (أدى) بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن (يخرج) من مكة ظاعن إلا احتمل معه (أثرا من الآثار) حجرا من حجارة الحرم؛ تعظيما للحرم وصبابة (محبة شديدة) بمكة، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها وصبابة بالحرم وحبا بها، وهم بعدُ يعظمون الكعبة ومكة ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا ونسوا ما كانوا عليه (من التوحيد واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم وانتجثوا (استخرجوا) ما كان يعبد قوم نوح عليه السلام منها على إرث ما بقي فيهم من ذكرها، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة مع إدخالهم فيه ما ليس منه. انتهى. ولا شك أن تلك الأمور تعظم بعظم الزمان والمكان، أشهر الحج الحرم، وحرمة مكة التي شرفها الله. - سابعا: زيارة المسجد النبوي مشروعة ومستحبة ففي الصحيحين عن أبي هريرة يبلغ به النبي [: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى» وليست ركنا من أركان الحج، إنما حث عليها العلماء بعد الحج رغبة ألا يعود الحاج إلى بلاده إلا بعد أداء عبادة مندوبة ومتيسرة له بتكلفة أقل للمسجد النبوي. فإذا دخله زار قبر النبي [ وصاحبيه أبي بكر وعمر ] موافقة للنصوص الشرعية وكلام المحققين من العلماء، بخلاف من خالفهم ممن يرى شد الرحال لزيارة القبر؛ لتضعيف العلماء أدلتهم، وعدم رواية كتب الصحاح والسنن شيئا منها، مع الحرص على آداب السلام، كان عبدالله بن عمر ] إذا دخل المسجد يقول: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف. - ثامنا: زيارة الأماكن الأثرية في كل من مكة والمدينة وما بينهما من طريق (بقصد العبادة) التي لم يرد فيها نص شرعي صحيح يأمر بزيارتها، يقول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} (البينة: 5)، ويقول الله تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين} (الأعراف: 29) بل قد ثبت عن عمر بن الخطاب ] أنه كان في سفر فرأى قوما ينتابون مكانا يصلون فيه فقال ما هذا؟ قالوا: هذا مكان صلى فيه رسول الله [ فقال: ومكان صلى فيه رسول الله [ أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟ إنما هلك من كان قبلكم بهذا، من أدركته الصلاة فيه فليصل وإلا فليمض. والمتتبع لما جاء في كتب الصحاح والسنن والسير عن حجة الوداع للنبي [ وحج خلفائه الراشدين لا يجد دليلا لمبتدع في ذلك، وهذا رسول الله [ سيد المتبعين للحق، يقول الله تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (الأعراف: 203). - تاسعا: الأمور المالية في الحج وغيره، يقول الله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} (الإسراء: 29) فقد تفضل الله على عباده وجعل: حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، قال العلماء: ينبغي أن يكثر من النفقة ومتاع السفر احتياطا للحاجة و: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة: 86). بخلاف من يخلط بين التوكل على الله والتواكل، فحقيقة التوكل القيام بالأسباب التي شرعها الله مع الاعتماد على الله. وقد أمر الله تعالى بالتوكل في كل عزم: {فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} (آل عمران: 159). وقال الله تعالى في الحج وغيره: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} (البقرة: 197). قال ابن جرير: نزلت الآية في قوم يحجون بغير زاد، قال الإمام أحمد: على جراب الناس توكلوا، انتهى. والحج جهاد وفي سبيل الله بل حياة المؤمن كلها لله وفي سبيله، وذم الله من لم يعد للخروج في قوله: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة} (التوبة: 46) والتوكل: هو قطع النظر عن الأسباب بعد تهيئة الأسباب كما جاء في الأثر: «اعقلها وتوكل». - عاشرا: الحذر من المال الحرام في نفقة الحج وغيره، ولمسلم وغيره، عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «ياأيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} (المؤمنون: 51). وقال: {يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} (البقرة: 172). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء: يا رب يا رب! مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!» ومما أخرج أحمد وابن خزيمة والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي وفي إتحاف الخيرة المهرة، عن جابر أن رسول الله [ قال: «أفضل الإيمان عند الله عز وجل إيمان بالله وجهاد في سبيل الله، وحج مبرور»، قلنا: يا رسول الله، وما بر الحج؟ قال: «إطعام الطعام وطيب الكلام» والله أعلم. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (18) التعريف بالتكفير وحكمه يقول الله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها} (الكهف: 29). والتكفير: هو نسبة أحد من أهل القبلة إلى الكفر. وهنا نتساءل: هل يجوز أن يكفر المؤمن غيره ممن ينتسب إلى الإسلام؟ وهنا وقفات لابد من إيضاحها: - أولا: يقول الله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} (الأنعام: 159)، وقال [: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قيل: ومن تلك الواحدة؟ قال: ما أنا وأصحابي عليه» أخرجه أصحاب السنن إلا النسائي، والمقصود هنا بـ (الفرقة) ما يعرف بالمذاهب العقائدية، لا المذاهب الفقهية، وليس هناك دليل على أن أعداد تلك الفرق متساوية، بل المرجو بأن أغلبهم من الفرقة الناجية بفضل الله؛ لما ثبت في الصحيحين، عنه [: «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» لفظ مسلم.- ثانيا: أما وضع الفرق المخالفة، فهي تضم أعدادا من الأشخاص لديهم معتقدات، ويقولون أقوالا، ويعملون أعمالا، يخالفون في كثير منها ما كان النبي [ وأصحابه عليه. فالشخص المعتقد بهذا لا نعلم بحقيقة ما ينسب إليه واعتقاده، فقد يشمله قول الله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106)، وقد لا يشمله، وكذا قوله قد لا يخرج عن قول الله تعالى: {ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا} (الأنفال: 74). وكذا قد يكون ما يعملونه ليس ببعيد عن قوله تعالى: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون} (الأعراف: 28-29). وكثير منهم قد لا يصل إلى هذا الحد في أموره كلها، علما أن من تلك الفرق من تجرأ على تكفير المؤمنين، وتبعهم من كفّر التابعين إلى يومنا هذا واتهموهم بالإرهاب والتكفير، فأباحوا لأنفسهم ما رأوه محرما على غيرهم. - ثالثا: قال العلماء: التكفير حكم شرعي من أحكام الدين له أسبابه وضوابطه وشروطه وموانعه وآثاره، شأنه في ذلك شأن سائر الأحكام الشرعية، وإنما يثبت بالأدلة الشرعية، قال شيخ الإسلام رحمه الله في رده على البكري (1/381): فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم؛ لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزُنيَ.. ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الكذب والزنا حرام لحق الله. وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله وأيضا فإن تكفير الشخص المعين موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر. انتهى. وقال في الفتاوى (12/487): إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، ا هـ. ويُستنتج من هذه القاعدة عدة نتائج: 1- الكافر هو من كفره الله ورسوله، فلابد من تعلم أحكامه والتفقه فيه؛ فله أهمية كبيرة لارتباطه بكثير من الأحكام الشرعية، مثاله: النكاح فلكي نقبل بالرجل زوجا لابد أن يكون مسلما؛ فلا يحكم في التكفير إلا العالم بالأدلة الشرعية. 2- لا يجوز مجاوزة الحد الشرعي فيه، لا بإفراط ولا بتفريط، وهناك فرق بين التحذير من التكفير وبين التحذير من الغلو فيه، فالنصوص تحذر من الغلو فيه؛ منها ما رواه البخاري في صحيحه (5698) عن النبي [ يقول: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» وفي إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (4/76): «وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحدا من المسلمين وليس كذلك، وقع فيه خلق كثير لما اختلفوا في العقائد، فغلظوا على مخالفيهم وحكموا بكفرهم. وهذا لاحق بهم إذا لم يكن خصومهم كذلك» انتهى. وفي «السيل الجرار» للشوكاني (4/578): اعلم أن الحكم على الرجل المسلم.. بدخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة: «إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما» متفق عليه، ففي هذه، أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير. - رابعا: ولعدم الإطالة نختصر جانبا من أقوال العلماء، فالسؤال هنا: بم يكون التكفير؟ أ- التكفير بالاعتقاد: اتفق الفقهاء على تكفير من اعتقد الكفر باطنا، إلا أنه لا تجري عليه أحكام المرتد إلا إذا صرح به. ب- التكفير بالقول: اتفق العلماء على تكفير من صدر منه قول مكفر، سواء أقاله استهزاء، أم عنادا، أم اعتقادا؛ لقوله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} (التوبة: 65-66). وهذه الألفاظ المكفرة قد تكون صريحة كقوله: أُشرك أو أَكفُرُ بالله، أو غير صريحة كقوله: عيسى ابن الله، أو جحد حكما أجمعت عليه الأمة وعُلم من الدين بالضرورة، كوجوب الصلاة أو الزكاة وحرمة الزنى بلا خلاف بينهم. أما من سبق لسانه إلى الكفر من غير قصد لشدة فرح أو دهش أو غير ذلك، كما جاء في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله [ لله أشد فرحا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قا>مة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح»، أو أكره عليه (على الكفر)، فإنه لا يكفر؛ لقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} (النحل: 106) ولقول النبي [: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». واتفق العلماء: على تكفير من سب الذات المقدسة العليَّة أو استخف بها أو استهزأ؛ لقوله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} (التوبة: 66). وذهب الفقهاء، إلى تكفير من سب نبيا من الأنبياء، أو استخف بحقه، أو تنقصه، أو نسب إليه ما لا يجوز عليه، كعدم الصدق والتبليغ، وسب الملائكة كسب الأنبياء. واتفق الفقهاء، على أن من كفّر الصحابة فإنه يكفر، لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة وكذب الله ورسوله. واتفقوا: على أن من قذف السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها بما برأها الله منه، أو أنكر صحبة الصديق كفر؛ لأنه مكذب لنص الكتاب. ج- التكفير بالعمل: نص الفقهاء على أفعال لو فعلها المكلف فإنه يكفر بها، وهي كل ما تعمده استهزاء صريحا بالدين أو جحودا له، كالسجود لغير الله، لصنم أو شمس أو قمر أو قبر؛ فإن هذه الأفعال تدل على عدم التصديق، وكإلقاء المصحف في قاذورة، فإنه يكفر وإن كان مصدقا؛ لأن ذلك في حكم التكذيب، ولأنه صريح في الاستخفاف بكلام الله تعالى، والاستخفاف بالكلام استخفاف بالمتكلم. وقد ألحق المالكية والشافعية إلقاء كتب الحديث به. وأما مرتكب الكبيرة فمذهب أهل السنة والجماعة عدم تكفير مرتكب الكبيرة، وعدم تخليده في النار إذا مات على التوحيد، وإن لم يتب؛ لقول النبي [: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان»، فلو كان مرتكب الكبيرة يكفر بكبيرته لما سماه الله ورسوله مؤمنا. تكفير الساحر: اتفق الفقهاء على تكفير من اعتقد إباحة السحر {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} (البقرة: 102)، انتهى. - خامسا: وفي الواقع العملي انقسموا في التكفير إلى ثلاثة، بين مجاوزة الحد الشرعي فيه، بإفراط أو تفريط، ومنهم من التزم بالوسطية: 1) فمنهم من بادر بالتكفير، وقد يكون ذلك خلافا لقوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} (النساء: 94)؛ لأن المخالفين ليسوا في مرتبة واحدة من المخالفة أي لابد من {فتبينوا}. 2) ومنهم من لم ير بأسا بما هم عليه من مخالفات صريحة في معتقدهم وقولهم وعملهم، بل يبحث لهم عن الأعذار بالتأويل ويراه اجتهادا منهم وربما يصل الأمر إلى موالاتهم خلافا لقوله تعالى: {ولو كانوا يؤمنون بالله وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون} (المائدة: 81)، وقد يكون ذلك تشجيعا لهم على الاستمرار فيما هم عليه من المخالفة، أو لتقليدهم. 3) ومنهم من اتخذ الوسطية، فترك تكفير الأشخاص بذواتهم لعدم العلم بحقيقة أمرهم أو بما يختم الله لهم، والالتزام بقوله تعالى: {فتبينوا} وذلك بعلم مؤكد موقوف على تبلغهم الحجة التي يكفر من خالفها، مع وجوب إيضاح وبيان أن ما يعتقدونه من اعتقاد، أو يقولونه من أقوال، أو يعملونه من أعمال من مخالفة للدين هي باطلة وداخلة في قوله تعالى: {ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء} (آل عمران: 28) للزجر عنه؛ وذلك استجابة لقوله تعالى: {وإذا قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} (الأعراف: 164)، وللسلامة من أن يقتدي بهم الآخرون وامتثالا لقوله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها} (الكهف: 29) ولعل ذلك هو الأرجح، والله أعلم. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (19) التعريف بمخالفة أمر الله يقول الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 62)، وقوله تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا} (النساء: 66)؛ فالاختلاف والمخالفة افتعال من الخلف وهو أن يجيء شيء عوضا عن شيء آخر يخلفه في مكانه، ولعلها من إدارة الخلف (الظهر) للأمر والاتجاه لغيره، وإظهار المخالفة، ويجوز أن يسمى به كل عاص، والتحذير منه يدل على وجوب الامتثال المطلق لأمر الله تعالى ورسول الله [، وهنا وقفات لابد من ذكرها: - أولاً: مخالفة كتاب الله والسنة منهج المنافقين؛ يقول الله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} (النساء: 60 - 61).- ثانياً: التحذير من مخالفة شرع الله، يقول الله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (النور: 63)، قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، ويقول الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} (النساء: 65). - ثالثاً: ولقد شمل التحذير أهل الكتاب من قبلنا، ففي اليهود يقول الله تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (المائدة: 44) فخالفوا عن أمره فأبطل الله دينهم، وفي النصارى يقول الله تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} (المائدة: 47)، فخالفوا عن أمره، فأبطل الله دينهم، فهل أدركنا ذلك؟ والله تعالى يقول: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (محمد: 38). بيان نظرة البشر للبشر بين الغلو والكفر يقول الله تعالى: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون} (الأنعام: 124)، فنظرة البشر للبشر هي بين الغلو والكفر والاعتدال ولابد من وقفات في ذلك: - أولاً: لقد كرم الله بني آدم، حيث يقول الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} (الإسراء: 70) ومن إكرام الله للإنسان أسجد له ملائكته، يقول تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} (البقرة: 34). - ثانياً: بين الله العدو الحقيقي للإنسان؛ يقول الله تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} (فاطر: 6)، ولكن من المؤلم أنه هو المطاع عند الكثير وعليه فقد اختلفت نظرة البشر للبشر إلى ثلاث فرق: 1 - الفرقة الأولى: قدست الإنسان حتى العبادة، يقول الله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} (التوبة: 30)، يضاهئون من قبلهم، فقوم نوح: {قالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا} (نوح: 23 - 24)، يقول الله تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمةً رسولُها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون} (المؤمنون: 44)، فكانت الوثنية والبوذية والهندوسية وغيرهما، بنوا في كل معبد تمثالا لبشر، ودعوا لعبادته واستمر الضلال حتى شمل بعض طوائف المسلمين فبنوا في مساجدهم أضرحة لأمواتهم، ولم يختلفوا عن غيرهم من الأمم السابقة إلا بكثرة أسماء أوليائهم وكثرة طرقهم وتعددها، مع علمهم بقول الله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18). 2 - أما الطائفة الثانية: فاحتقرت الإنسان حتى بلغ احتقارهم أنبياء الله ورسله، فأما قوم نوح: {فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذًا لفي ضلال وسعر} (القمر: 24)، وقوم فرعون: {فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين} (المؤمنين: 47 - 48)، وقال الله تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون} (الذريات: 52 - 53)، وقول الله تعالى: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذا جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا} (الإسراء: 94). 3 - أما الطائفة الثالثة: فآمنت بقول الله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير} (الحج: 75)، وعلمت بقول الله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} (البقرة: 213)، فاستجابت لأمر الله وقالوا: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد} (آل عمران: 193 - 194)، آمنوا بالأنبياء والرسل واتبعوهم، ولم يغلوا فيهم ولم يعبدوهم وأنزلوهم المنزلة التي ارتضى الله لهم، وقد مر بنا ما في الصحيح وغيره عن عمر أن رسول الله [ قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» فغير الرسول [ من باب أولى. - سادسا: ومن المعلوم أن أعظم البشر وأكرمهم عند الله هم الأنبياء والرسل {الله أعلم حيث يجعل رسالته} فإن لم نكن منهم فلنكن معهم بالطاعة؛ يقول الله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما} (النساء: 69 - 70). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (20) التعريف بالغلو في الصالحين يقول الله تعالى: {يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق} (النساء: 171)، الغلو هو: مجاوزة الحد في كل أمر. أولاً: نهى الله عن اتباع الهوى بالغلو في الدين، يقول الله عز وجل: {قل يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل} (المائدة: 77)، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله[: «...إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين»(1). - ثانياً: الأنبياء والرسل بشر أمثالنا فلا ينبغي مجاوزة الحد في الغلو فيهم وعلينا طاعتهم ومحبتهم واتباعهم، يقول الله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} (النساء: 64)، ويقول تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا} (النساء: 80)، فالنجاة بالعمل الصالح كما شرع الله تعالى وسنه رسوله [، وحسن الاقتداء بالأنبياء: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام: 90)، وكذا الأولياء والصالحون عباد أمثالنا، يقول الله تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين} (الأعراف: 194).- ثالثاً: الأنبياء والرسل والأولياء والصالحون لا يدعون أحدا لعبادتهم، بل يتبرؤون من ذلك، يقول الله تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون} (آل عمران: 79 - 80)، ويقول تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم} (المائدة: 116 - 117)، ويقول الله تعالى: {ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين} (الأنبياء: 29). - رابعاً: الغلو في الصالحين هو بداية الشرك، ففي قوم نوح - عليه السلام - وهو أول الرسل، يقول الله تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} (نوح: 23)، روى البخاري في تفسيرها عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: «أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم (نسي) عُبدت» قال ابن القيم: قال غير واحد من السلف لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، فمعرفة أول شرك وقع في الأرض بشبهة محبة الصالحين والغلو فيهم، وشدة الحاجة (للعلم بها) مع الغفلة عنها رفعل أناس شيئاً ظنوا به خيرا (لم يأمر الله به، بنصبهم أنصابا، ولو حسن قصدهم ظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره، فيه شاهد لما نقل عن السلف أن البدع بريد الكفر؛ فالتصريح بأنها لم تعبد حتى نسي العلم، فيه بيان قدر العلم وفضله، ومضرة الجهل وشره، فالقاعدة الكلية هي: النهي عن كل الغلو ومعرفة ما يؤول إليه. اهـ(2). وهذا تكرر لدى مشركي العرب، فقد ذكر ابن جرير بسنده عن مجاهد في قوله تعالى: {أفرأيتم اللات والعزى} (النجم: 19). قال: «كان يلتّ لهم (للحُجاج) السويق فمات فعكفوا على قبره. - خامساً: في قوله تعالى: {وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} (الكهف: 21)، قال ابن كثير في تفسيره: والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ، ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظر لأن النبي [ قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» يحذّر ما فعلوا، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى عن الناس. اهـ. ومما قاله القرطبي في تفسير الآية: قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد وروى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله[ يقول: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» واللفظ لمسلم، أي: لا تتخذوها ذلك قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى فيؤدي إلى عبادة من فيها، كما كان السبب في عبادة الأصنام، فحذر النبي[ عن ذلك وسد الذرائع المؤدية إليه، فقال: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»اهـ. أما قوله تعالى: {فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم} فهذا قول من حسن إيمانه بتفويض أمرهم إلى الله. - سادساً: حرص الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل الصلاة والسلام على هداية أممهم وإبعادهم عن الغلو ولاسيما بنبينا [، يقول الله تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة: 128)، فعن علي ابن الحسين - رضي الله عنه - قال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله[ قال: «لا تتخذوا قبري عيدا»، في سنن أبي داود عن عبدالله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله [ فقلنا: أنت سيدنا، فقال: «السيد الله تبارك وتعالى» قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، فقال: «قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان» وعند النسائي: «أنا محمد عبدالله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل» ولأحمد (1/435) وغيره بسند جيد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا: «إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد» سدا للذرائع. والله أعلم. الهوامش 1 - رواه أحمد (1/215)، والنسائي (5/268)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، ووافقه الذهبي. 2 - وانظر كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ومنها باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم، هو الغلو في الصالحين. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (21) التعريف بحكم الاحتفال بإقامة الموالد وغيرها يقول الله تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (الأعراف: 203)، وهنا وقفات لابد من النظر فيها: - أولا: كل عبادة يجب تأديتها على الوجه الذي شرعه الله تعالى ورسوله [، وبغير ذلك تكون العبادة باطلة. فهل إقامة المولد عبادة يتقرب بها إلى الله؟! ومن يستطيع أن يقول لنا: إن الواجب في الموالد كذا أو السنة فيه كذا؟! وكيف لم يُذكر الاحتفال بالمولد لا في القرآن ولا في السنة ولا في سلوك الصحابة رضي الله عنهم، ولا التابعين الأوائل؟! وكما نتبعه [ في العمل يجب أن نتبعه في ترك ما ترك ولاسيما في العبادات، وليسعنا ما وسع رسول الله [ وصحابته رضي الله عنهم، يقول الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} (الأحزاب: 21)، وإقامة الموالد مخالفة لقوله [ في الصحيحين: «الخديعة في النار ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (اللفظ للبخاري ورواه مسلم 1718)، فالمحتفل بالمولد يتقرب إلى الله سبحانه بغير ما شرعه الله، وذلك هو الضلال المبين. - ثانيا: مولده [ كان قبل بعثته فعلم به الرسول [ وصحابته ولم يحتفلوا به، فلم يكن أمرا مستحدثا فنجتهد فيه، والله تعالى يقول: {فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون} (الأعراف: 157). فلقد أكمل الله الدين ورضيه لعباده وأتم نعمته بقوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة: 3)، وروى الإمام أحمد (4/164) وغيره عن عرباض بن سارية قال: صلى بنا رسول الله [ الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين ووجلت منها القلوب، قلنا، أو قالوا: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان كان عبدا حبشيا؛ فإنه من يعش منكم ير بعدي اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة».- ثالثا: لم يحتفل أحد بمولده صلى الله عليه وسلم إلا بعد مضي قرون عديدة من البعثة، ومع ذلك فبعض المحتفلين بالمولد يرمون من ترك الاحتفال بالمولد بعدم محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا تكفير لمن لم يحتفل بالمولد اتباعا واقتداء بالرسول [ وأصحابه حيث لم يحتفلوا بالمولد، فمن المحب للرسول [: المتبع أم المبتدع؟ ولقد انتهج فرعون تلك السياسة واتهم موسى عليه السلام، يقول الله تعالى: {وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} (غافر: 26)، فالأولى للجميع العودة لقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} (الأحزاب: 70-71). - رابعا: لقد اختلف في تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم فمثلا قال القرطبي وغيره في تفسيره (20/194): وقد قيل إنه عليه السلام حملت به أمه آمنة في يوم عاشوراء من المحرم، وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وقيل: إنه ولد يوم عاشوراء من شهر المحرم، حكاه ابن شاهين أبوحفص، في فضائل يوم عاشوراء له. انتهى. أما ما ليس فيه اختلاف فهو يوم وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول؛ فإن كان الأمر كذلك، فعلينا أن نحزن، ونحدّ في ذلك اليوم، لو كان الحداد عليه أمرا مشروعا، ولا نحتفل. - خامسا: وفي هذه الموالد يدعي بعضهم حضور النبي صلى الله عليه وسلم وهذا افتراء لا دليل عليه، وغالبا ما يترنمون ويتجاوزون الحد بالغلو بالمدائح النبوية ومنها بردة البوصيري التي يقول فيها: 1- يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم من أكرم الخلق، ولكن قوله «مالي من ألوذ به سواك» ذلك حق لله وحده لا شريك له، فلا ملاذ للعباد إلا الله، قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون} (النحل: 53) فلا أحد سواه يكون كذلك، لا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، فضلا عمن سواهما، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه الله: «لا ملجأ منك إلا إليك».2- وقوله: إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي صفحا وإلا فقل يا زلة القدم ويزعم بعضهم أن مراده طلب الشفاعة؛ وقالوا: لو صح ذلك فالمحذور أن طلب الشفاعة من الأموات شرك بدليل قوله تعالى: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون} (يونس: 18) فالشفاعة لا تطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما تطلب من الله، يقول جل وعلا: {أم اتخذوا من دون الله شفعاء} (الزمر: 43) ويقول: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} (الزمر: 44).3- وقوله: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم وهذا تكذيب للقرآن، قال الله: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور}، وقال تعالى: {وإن لنا للآخرة والأولى} (الليل: 13). فالدنيا والآخرة لله ومن خلقه، وليست من وجود الرسول [ أو غيره. ولا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا الله وحده، فهذه الأوصاف يختص بها الله عز وجل فكيف يكون الملاذ لغير الله، وكيف تكون الدنيا والآخرة من جود النبي [ وكيف يكون علم اللوح والقلم من علم النبي [؟! وماذا أبقى هذا الشاعر لله تعالى؟! وهذا مما يُغضب الله ورسوله ولا شك بأنه من الشرك الأكبر وقد انتقده كثير من علماء المسلمين، ولو وجه الشاعر شعره أو ردد المعجبون به نداءهم للخالق وقالوا:يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم وهكذا، لكان ذلك من قمم شعر توحيد الله تعالى، علما أنه قد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إطرائه؛ ففي البخاري وغيره قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله»، ولعل فيه تنبيها لعدم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم كما أطرت واحتفلت النصارى بمولد عيسى ابن مريم عليهما السلام.- سادسا: يقول الله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك}، ففي تفسير الشيخ السعدي رحمه الله: أي أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق، فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى بها ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته، انتهى. فالمسلمون يحتفلون بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات عدة في اليوم والليلة في الأذان والإقامة على رؤوس الأشهاد اتباعا وليس ابتداعا، ولمسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو؛ فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة». فالجزاء من جنس العمل فلما دعوا للنبي [ استحقوا أن يدعو لهم، وكذا الأحاديث المشهورة عن أنس بن مالك عن النبي [ قال: «من ذكرت عنده فليصل علي»، وقال: «من ذكرني فليصل علي» وقال: «أتاني جبريل عليه السلام فقال: رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين» وقال: «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة». وفي السنن: قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: «إذن يكفيَك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك» وفي رواية: «ويغفر لك ذنبك» وهذا كثير في الصحاح والسنن، ولم يأمرنا صلى الله عليه وسلم بالاحتفال بمولده؛ فمن كان له أطوع وأتبع كان أولى الناس به في الدنيا والآخرة و: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب: 6). اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا. - سابعا: تكرار الاحتفال بالمولد يجعله عيدا، وأصل العيد العود؛ لأنه مشتق من: عاد يعود عودا وهو الرجوع، وسمي عيدا لكثرة عوائده، وقيل: لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى، قاله العيني، ولم يشرع لنا في الإسلام سوى عيدين وهما عبادة لله، فعن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: «لقد أبدلكم الله خيرا منهما: عيد الفطر وعيد الأضحى» رواه أبوداود والنسائي، ولم يذكر سواهما ولا الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ، فالأعياد في الإسلام هما يومان يفرح فيهما المسلمون بإتمام عبادتين عظيمتين: الصيام ويأتي بعده عيد الفطر، والحج ويأتي بعده عيد الأضحى، وللعيدين آداب وصلوات وأذكار بينها الشرع، فعلى المسلم تقوى الله في ذلك. - ثامنا: الاحتفال بالموالد من سنن أهل الكتاب، فهم يسمون سنيهم بالميلادية، أي مولد المسيح عليه السلام، بينما اتفق الصحابة رضوان الله عليهم على تسمية أعوامنا بالهجرية ارتباطا بأفضل الأعمال وهو الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، أو هجر المعاصي، وقد جاء في البخاري: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» فلنهجر البدع إلى السنن. - تاسعا: وكذا حكم الاحتفال بليلة الإسراء، ففي كتاب «حراسة التوحيد» لفضيلة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله، قوله: لم يأت في الأحاديث الصحيحية تعيينها لا في رجب ولا في غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عنه صلى الله عليه وسلم ، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها، ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، لم يحتفلوا بها ولم يخصوها بشيء، ولو كان مشروعا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، لعرف واشتهر ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا. اهـ. وفي البخاري عن أبي سعيد ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟» وهذا إخبار وتحذير. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (22) التعريف بحكم تتبع الآثـار يقول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة:3)، وهنا وقفات لابد من بيانها: - أولاً: تتبع الآثار التي يأمر الله بها بقصد العبادة والتقديس أو التبرك من أخطر الأمور على الدين، وقد ينتهي بالمسلم إلى ما لا تحمد عقباه والعياذ بالله، فهذا السامري من قوم موسى عليه السلام تتبع الآثار التي لم يأمر الله بتتبعها (آثار جبريل عليه السلام) فكان فتنة لبني إسرائيل، يقول الله تعالى لموسى: {فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري}، بتتبعه للآثار وما ترتب عليها، سواء كانت آثار الملائكة أم الرسل أم الصالحين التي لم يأمر الله ولا رسوله بتتبعها وتمام الآية :{فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري} (طه: 86-87)، وبيّن الله لنا سبب ذلك الضلال، يقول الله تعالى: {قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي} (طه:95-96)، أقر ببطلان عمله، ونتيجة لذلك الأثر المبتدع هلك السامري، وضل القوم. يقول الله تعالى: {قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه}، إلى قوله: {إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما} (طه:98)، فلا يجوز تتبع الآثار لجعلها موطنا للعبادة، فقد كادت تهلك بنو إسرائيل بسببها لولا أن الله رحمهم بإرشاد نبيهم موسى عليه السلام. وهذا القرآن بين أيدينا، وتمام الآيات، يقول الله تعالى: {كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا} (طه:99)، ويقول تعالى: {ولقد تركناها آية فهل من مدكر} (القمر: 15).- ثانيا: انظر إلى أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام وما فعلوه، فهم لم يستجيبوا لدعوة هارون عليه السلام: {ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} (طه: 89-90)، وانظر إلى أصحاب محمد [ كيف تأثروا بالقرآن حتى ليحدثنا التاريخ والسنن عنهم أنهم قطعوا شجرة الرضوان وهي تلك الشجرة التاريخية المباركة التي ورد ذكرها في القرآن، (وتم تحتها بيعة الرضوان)، وما هذا إلا لأن الناس تبركوا بها فخاف عمر ] إن طال الزمان بالناس أن يعودوا إلى وثنيتهم ويعبدوها فأمر بقطعها، وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على موافقة عمر على ذلك.. بل قد ثبت عن عمر بن الخطاب ] أنه كان في سفر فرأى قوما ينتابون مكانا يصلون فيه فقال ما هذا؟ قالوا: هذا مكان صلى فيه رسول الله [، فقال: ومكان صلى فيه رسول الله [؟! أتريدون ان تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟! إنما هلك من كان قبلكم بهذا، من أدركته الصلاة فيه فليصل وإلا فليمض. - ثالثا: إنما الآثار للعبرة والاعتبار، وليست للتقديس أو التبرك، فللعبرة يقول الله تعالى: {فانظر إلى أثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير} (الروم:50)، وللاعتبار يقول الله تعالى: {أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وءاثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق} (غافر:21). - رابعاً: من الآثار المشروعة التي أمر الله بها، المسجد الأقصى؛ لقوله [: «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» فهو أول القبلتين، وثاني البيتين، وثالث المقدسات، فمن منا شد الرحال له؟ أو حدث نفسه به؟ أو حض عليه، أو أعان أهله على البقاء فيه؟ - خامسا: غالبا إذا ما ساوى قوم بين الحق والباطل إلا أذهب الله عنهم بركة الحق، وأبقى لهم سوء الباطل؛ يقول الله تعالى: {فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون} (يونس:33)، ويقول تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين} (الأعراف:29)، ولم يقل: عند كل مشهد، أو أثر. والمتتبع لما جاء في كتب الصحاح والسنن والسير عن حجة الوداع للنبي [ وحج خلفائه الراشدين من بعده لا يجد دليلا لمتتبع لآثار لم يؤمر بها، وهذا رسول الله [ سيد المتبعين للحق، يقول الله تعالى: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصآئر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} (الأعراف: 203). - سادسا: وللعلم بأن أول من غيّر دين الله وما كان عليه إسماعيل عليه السلام (داخل مكة) فنصب فيها الأوثان وسيّب السائبة هو: لحيِ بن حارثة بن عمرو بن عامر الأزدي.. قاتل جرهما بني إسماعيل، فظفر بهم وأجلاهم عن الكعبة، ونفاهم من مكة، وتولى حجابة البيت بعدهم، ثم إنه مرض مرضا شديدا، فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حمة (عين ماء) إن أتيتها برأت، فأتاها فاستحم بها فبرأ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام «لعلها آثار ما كان يعبده قوم نوح عليه السلام، فأعجبته تلك الآثار» فقال: ما هذه؟ فقالوا نستسقي بها المطر ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة.. ففي صحيح مسلم (5096) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله [: «رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبا بني كعب هؤلاء يجر قصبه في النار». وأما ما غير دين الله «خارج مكة» فكما مر بنا: أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثيرن حتى ملئوا مكة ونفوا من كان بها من العماليق، ضاقت عليهم مكة ووقعت بينهم الحروب، فأخرج بعضهم بعضا فتفسحوا في البلاد.. وكان الذي أدى بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يخرج من مكة ظاعن إلا احتمل معه أثرا من الآثار حجرا من حجار الحرم؛ تعظيما للحرم ومحبة شديدة بمكة فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا منهم بها وصبابة بالحرم وحبا بها وهم بعد يعظمون الكعبة ومكة ويحجون ويعتمرون على إرث إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا ونسوا ما كانوا عليه من التوحيد واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم وانتجثوا (استخرجوا) ما كان يعبد قوم نوح عليه السلام منها، على إرث ما بقي فيهم من ذكرها، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة ومزدلفة وإهداء البدن.. مع إدخالهم فيه ما ليس منه. انتهى. (انظر كتاب الأصنام للكلبي). وهذه نتائج تتابع الآثار التي لم يأمر الله بها.. وتعظم تلك الأمور بعظم الزمان والمكان، أشهر الحج الحرم، وحرمة مكة شرفها الله، ومكانة المسلمين عند الله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران: 110)، والله أعلم. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (23) التعريف بالولي وعلاقته بالدعاء والوسيلة والشفاعة يقول الله تعالى: {وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} (الشورى: 31). - أولاً: كلمة (الولي) مثل كلمة المولى تعني السيد والمسود؛ فإذا أطلقت كلمة الولي: فهو الله الخالق الحي القيوم؛ فالولاية لله وحده، يقول الله تعالى: {أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير} (الشورى: 9)، ويقول الله تعالى: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون} (الأعراف: 196 - 197)، ويقول الله تعالى: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون} (الأنعام: 51). - ثانياً: أما إذا أضيفت كلمة (الولي) إلى الله (ولي الله) أو جمعت (أولياء): فهي تعني المخلوق، وولي الله هو: من يأتي بالاعتقاد الصحيح المبني على الدليل وبالأعمال الصالحة وفق ما وردت به الشريعة، يقول الله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم} (يونس: 62 - 64)، فهؤلاء هم أولياء الله فلنكن أولياء لله مثلهم بالإيمان والتقوى؛ لكي نأمن ولا نخاف ولا نحزن ولنتلقى البشرى من الله، ليس بعبادة الأولياء أو دعائهم أو التبرك بأضرحتهم أو الطواف حولها، فالله لم يأمرنا بذلك، فهم عباد أمثالنا فلندع الله لنا ولهم، ولا ندعوهم {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} (الحشر: 10).- ثالثاً: أولياء الله قد يكون لبعضهم كرامة من الله ولاشك في ذلك، فلنسأل الله أن يكرمنا كما أكرمهم وذلك بتوحيد الله والاستقامة على طاعته، ولا نتخذ من دونه وليا: {قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أُمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين} (الأنعام: 14)، بل أمرنا أن نسأله من فضله، يقول الله: {واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما} (النساء: 32)، فلم الإصرار على دعاء الموتى العاجزين، وترك دعاء الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم؟! - رابعاً: علاقة الولي بالدعاء والوسيلة والشفاعة والاتباع: 1 - الدعاء: لله وحده؛ لقوله تعالى: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)، وقوله تعالى: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون} (الأحقاف: 5)، فلا علاقة للولي بالدعاء! 2 - أما الوسيلة: فنبتغيها إلى الله وحده؛ لقوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا أتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون} (المائدة: 35)، ولقد امتدح الله الأولياء والصالحين بذلك: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} (الإسراء: 57) ولقد مر بنا بيان الوسيلة، وخلاصتها: قول الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} (النساء: 36)، فلا علاقة للولي بالوسيلة! 3 - أما الشفاعة: فلله وحده، يقول الله تعالى: {قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون} (الزمر: 44)، وبإذنه لقوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم}، {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون} (الأنعام: 51)، أي نسأل الله وحده أن يشفع فينا من يقبل الله شفاعته لنا ولا نسأل غير الله، قال الله تعالى: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} (الزخرف: 86)، أي شهد بتوحيد الله، فما علاقة الولي بالشفاعة؟! 4 - وأما الاتباع: فلكتاب الله وليس للأولياء، يقول الله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} (الأعراف: 3)، ويقول الله تعالى: {قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدِّي إلا أن يُهدَى فما لكم كيف تحكمون} (يونس: 35)، فاتخاذ الأولياء من دون الله مجرد وهم، يلقيه الشيطان، والله تعالى يقول: {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} (الكهف: 102)، والخلاصة علينا أن نقول: {قل أفغير الله تأمرونّي أعبد أيها الجاهلون} (الزمر: 64)؛ لتحقيق قول الله تعالى: {هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا} (الكهف: 44). التعريف بالضريح والصنم والوثن والجامع بينها يقول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} (إبراهيم: 35)، وهذا دعاء يجب أن يدعو به كل مؤمن، وللبيان: أولاً: يقصد بالضريح هنا: قبر الميت الذي يقصده (بعضهم) للشفاعة أو لطلب قضاء الحاجة أو للتبرك به، روى الإمام مالك في «الموطأ: أن رسول الله [ قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله[ ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرقا إلا سويته»(2)، وفي الصحيحين أن عائشة وعبدالله بن عباس - رضي الله عنهم - قالا: «لما نُزل برسول الله [ طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا». ثانياً: الصنم هو: الصورة المجسمة الذي يقصده (الوثني) لعبادته أو لشفاعته، أو لقضاء حاجاته أو التبرك به، أو لدفع الضرر عنه، بزعمهم، وهو ما طلبه بنو إسرائيل من نبيهم موسى \ لجهلهم، يقول الله تعالى: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين} (الأعراف: 138 - 140)، وما الاعتكاف على الأضرحة ببعيد من طلب بني إسرائيل، فهؤلاء طلبوا وهؤلاء نفذوا! ثالثاً: التماثيل هي أيضا الأصنام، وهي صور يراد بها مماثلة مجسم لأموات يعتقد بولايتهم يقصدها المشرك لقضاء حاجاته بزعمه أو التبرك بها وغير ذلك، يقول الله تعالى عن إبراهيم - عليه السلام: {إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين} (الأنبياء: 54 - 56). رابعاً: الوثن وهو: كل ما يدعى أو يعبد من دون الله من ضريح أو صنم أو تمثال أو حجر أو شجر أو أثر في موقع لم يشرع فيه عبادة لله، يقول الله تعالى: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه وأشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17)، فالضريح بهذه الصورة إذا قصد للدعاء والبركة فهو وثن يعبد من دون الله. خامساً: عجز تلك الأوثان في عمومها، يقول الله تعالى: {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدونِ فلا تُنظرونِ} (الأعراف: 195)، وهذا كله ينطبق أيضا على الأموات (في أضرحتهم)؛ لفقدهم تلك الحواس والأعضاء بعد وفاتهم وإن كانوا من عباد الله الصالحين. سادساً: الموحد يعبد الله إلها واحدا، وغيره له أرباب متفرقة وطرق مختلفة (هذا الولي فلان وهذا السيد فلان...) والله تعالى يقول: {...أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف: 39 - 40). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (24) التعريف بالاستنباط السَّيِّئ يقول الله تعالى: {ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين} (سبأ: 20) ويقول تعالى: {وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا} (النجم: 28). في (البحر المحيط): الاستنباط هو الاستخراج، والنبط: الماء يخرج من البئر أول ما تحفر، والإنباط والاستنباط: إخراجه» اهـ. ومن المعلوم أن استنباط دلالة القواعد الأساسية والمسائل الفرعية هو من الكتاب والسنة، ويليه الإجماع ثم القياس من خلال الاجتهاد. وكنموذج للاستنباط السَّيِّئ:- أولا: يأتي بعض الغلاة بأمر أو نهي في الدين، ويكون مرجعه في ذلك الرؤيا في المنام أو يدعي الرؤية الحقيقية، فيقول: إني رأيت الولي فلانا يأمر بكذا أو ينهى عن كذا، وهذا غير حق بعد قول الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا} (المائدة: 3)، وعن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله [: «إني قد خلّفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما ما أخذتم بهما أو عملتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض». - ثانيا: كثيرا ما ينسبون رؤياهم للخضر عليه السلام ويدعون أن الخضر ولي فقط وليس نبيا؛ ليؤيدوا ما ذهبوا إليه من أن بعض الأولياء أفضل من الأنبياء، ويدعون أنه لا يزال حيا، وهذا كله فيه نظر. - ثالثا: لبيان نبوة الخضر عليه السلام قوله تعالى عنه: {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} (الكهف: 65). فغالبا لا يُذكر لفظ «عبد» مفردا في القرآن للثناء إلا قصد به النبي، وقوله تعالى: {قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا}؛ لأنه علم أن أمر الخضر كان وحيا والله أمره بطاعته ،وإلا فلا يتبع نبي من هو أقل منه منزلة، ووعده: {ولا أعصي لك أمرا} وقول الخضر: {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} (الكهف: 67-68)، ومن أحاط الخضر به خبرا؟ وكيف علم أن موسى لن يستطيع معه صبرا، وأنه لم يحط به خبرا؟ لولا أن الله أوحى إليه. وكيف علم الخضر بالملك الظالم ولم يعلم به قومه أصحاب السفينة؟ ولماذا قتل الغلام في طفولته والظاهر براءته؟ وكيف علم بالكنز في قرية كان غريبا عنها. هل يعلم الغيب؟ والله تعالى يقول: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيبَ إلا الله} (النمل: 65) ولقد بين ذلك الخضر، يقول الله تعالى: {وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} (الكهف: 82) أي عن أمر الله.. فما أوحي للخضر خاص به لحكمة لا نعلمها. - رابعا: لبيان وفاة الخضر عليه السلام، قول الله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون} (الأنبياء: 34). ولم يشك أحد في بشرية الخضر عليه السلام، وقوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين} (الأنبياء: 7-8)، وكذا الأنبياء والأولياء وغيرهم ما كانوا خالدين، ولو قيل بحياة الخضر في عهد رسول الله [ فما جاء في الصحيحين عن عبدالله بن عمر قال: صلى بنا النبي [ العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد» متفق عليه، فيدخل الخضر عليه السلام فيه، والله أعلم. - خامسا: قال الخضر لموسى عليهما السلام وموسى سيد أهل الأرض في زمانه: {هذا فراق بيني وبينك} (الكهف: 78)، فهل يحرص الخضر على مقابلة من هم دون موسى في آخر الزمان لو كان حيا؟! - التعريف بالسحر وأنواعه والكهانة والنشرة والتطير والتنجيم يقول الله تعالى: {يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} (البقرة: 103). - أولا: السحر هو: كل ما لطف مأخذه وخفي سببه مما له تأثير على أعين الناس أو نفوسهم أو أبدانهم، وهو ما يفرق به بين المرء وأخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، وفصيلته التي تؤويه، بل بينه وبين عقله وماله وسلوكه، ودينه وحياته، وقيل: هو التخيلات والأخذ بالعيون، وقالوا: الكهانة: ادعاء علم الغيب، وهي مختصة بالأمور المستقبلية، أما العرافة فمختصة بالأمور الماضية. - ثانيا: السحر كفر، يقول الله تعالى: {يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} إلى قوله: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} (البقرة: 102)، ومر بنا قوله[: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق... » الحديث، متفق عليه. - ثالثا: عدم فلاح الساحر فكيف من يلجأ إليه؟! يقول الله تعالى: {إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} (طه: 6). وهو عمل المفسدين المجرمين، يقول الله تعالى: {قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون} (يونس: 81 - 82). - رابعا: بيان كيف يحصل الساحر على معلوماته؟ يقول الله تعالى: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} (الجن: 9-10)، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة يبلغ به النبي [ قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كالسلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، فإذا {فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا} للذي قال: {الحق وهو العلي الكبير} (سبأ: 23)، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر، ووصف سفيان بيده وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض، فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض، وربما قال سفيان: حتى تنتهي إلى الأرض، فتلقى على فم الساحر فيكذب معها مائة كذبة فيصدق فيقولون ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقا؟! للكلمة التي سمعت من السماء» الحديث. - خامسا: بيان معاني بعض الكلمات التي تتعلق بالتعريف بالسحرة وأمثالهم، قال البغوي رحمه الله: العراف الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة، ونحو ذلك، وقيل: هو الكاهن، والكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وقيل: هو الذي يخبر عما في الضمير بزعمهم، وقال ابن تيمية رحمه الله: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوم يكتبون أبا جاد (حروف وطلاسم) وينظرون في النجوم: «ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق»، وقال عوف: القيافة زجر الطير، والطرق: الخط يُخط بالأرض، وفي قول الله تعالى: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} (النساء: 51) قال عمر]: الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله [: «من اقتبس شُعبة (علما) من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد» «ومن تعلق شيئا وكل إليه، بل هي علامات يهتدي بها» اهـ. فقول الله تعالى: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} (النحل: 15) لمعرفة الوقت وللزراعة والاتجاه ونحوها، والله أعلم، ومن المعلوم أن السحرة إذا أرادوا عمل السحر عقدوا الخيوط ثم نفثوا فيها، قال الله تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} أي: السواحر اللواتي يفعلن ذلك، والنفث هو النفخ مع الريق دون التفل. ولله در الشاعر لقوله: لعمرك ما تدرى الطوارق بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع والقائل:قضى الله ألا يعلم الغيب غيره ففي أي أمر الله يمتريان - سادسا: حكم من أتى عرافا، روى مسلم وغيره عن النبي [ أنه قال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» (ولعل ذلك لمن تاب ولم يصدقه)، فعن عمران بن حصين ] مرفوعا: «ليس منا من تَطير أو تُطير له، أو تكهن أو تُكهن له، أو سَحر أو سُحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد [» وفي الصحيح قال قتادة: «خلق الله هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها؛ فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به» وعن أبي موسى أن النبي [ قال «ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر، الحديث.- سابعا النشرة، وهي معالجة السحر، فإن كان بسحر مثله، فعن جابر بن عبدالله ] قال: سُئل[ عن النشرة؟ فقال: هي من عمل الشيطان» قال ابن القيم: النشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: أحدهما حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، يتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يُحب، فيبطل عمله عن المسحور. انتهى، والمباح حل السحر بالرقية الشرعية. - ثامنا: وهنا ما لا يقل إثما عن السحر، كالطيرة (التشاؤم)، يقول الله تعالى: {ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون} (الأعراف: 31)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة ]: أن رسول الله [ قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» زاد مسلم. «ولا نوء، ولا غول» ولهما عن أنس] قال: قار رسول الله[: «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة الكلمة الطيبة» واللفظ لمسلم وعن عبدالله بن مسعود عن رسول الله[ قال: الطيرة شرك (ثلاثا) وقال ابن مسعود: وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل». رواه الترمذي (1539) وصححه وجعل آخره من قول ابن مسعود، وأبو داود (2411). - تاسعاً: ومن الطيرة المبالغة بإخفاء (عقد النكاح) خشية العين أو السحر، ولم أطلع على نص شرعي يأمر بذلك، بينما لا نرى مثل ذلك في معظم البلاد الإسلامية وغيرها، بل يبالغون في العلانية وجمع الآخرين لحضوره، فعلى المسلم أن يكون على ثقة بالله لقوله تعالى: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنين} (التوبة: 51)، وكذا الأمر فيما يبالغون فيه بنسبة الأمراض والحوادث وزوال النعم إلى العين أو الحسد أو السحر وإن كان بعض ذلك يحدث بقضاء الله وقدره، وبأسباب تفريطهم في بعض الأمور أو إسرافهم فيها، والله تعالى يقول: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم} (يونس: 107)، فالعين حق، ولكن شدة الخوف منها ليس بحق، وإنما الحق هو الخوف من الله وحده والمحافظة على ذكره عز وجل، أما ترك الأكل والشرب، والأخذ والإعطاء والبيع والشراء بهذا، فهذا باطل ولا يجوز، وكثير من الناس يعيشون وهم العين والسحر وهذا هو المرض النفسي، والله أعلم. - عاشراً: عقوبة الساحر، قال جندب]: «حد الساحر ضربة بالسيف». رواه الترمذي (برقم 1460)، وقال: الصحيح أنه موقوف، والحاكم (4/360). وعن حالة لن عبدة قال: «كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة قال: فقتلنا ثلاث سواحر». رواه أحمد (1/190)، والبخاري رواه مختصراً (18415)، في فرض الخمس باب الجزية، وروى نحوه الترمذي (رقم 1586). وصح عن حفصة - رضي الله عنها - أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقتلت». اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (25) الركون إلى الذين ظلموا والحذر من مكرهم (1-2) يقول تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} (هود: 113)، وهم أهل الكتاب وغيرهم، والإعجاب ببدعهم، وضلالهم وتفضيلهم على المسلمين وكيفية التعامل معهم. فالركون من الركن: وهو الناحية من البيت، أو الجبل، وما يعتمد عليه، وركن إلى فلان: انضوى إليه، أو اعتمد عليه، ومنه قوله تعالى: {أو آوي إلى ركن شديد} قال [: «رحم الله أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد» يعني: إلى الله تعالى. فالنهي هنا عن الميل والاعتماد بالمداهنة أو الملاحقة بالظلم، والدنو من الظلمة، وتعظيم ذكرهم، وصحبتهم من غير تذكيرهم ووعظهم، والاطمئنان إليهم والسكون إلى أقوالهم، بمودة، أو الرضا بشكرهم فتكونون أمثالهم، وللبيان: - أولا: يقول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون} (آل عمران: 118)، فقوله {من دونكم} يشمل المشركين والمنافقين وأهل الكتاب وغيرهم. وقوله {ودوا ما عنتم} أي في كل زمان ومكان وقوله {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر} بدت قولا وعملا فهم أعداء بكل حال، وعلى هذا تكون الآية إعلان المقارنة بين المؤمنين ومن دونهم، ببيان الآية التي بعدها: {هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور} (آل عمران: 119).ثانيا: ولإيضاح سماحة الإسلام، وحرصه على السلام، في أمور كثيرة يقول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} (الممتحنة: 8)، ويقول الله تعالى: {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين} (التوبة: 4)، ويقول الله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} (العنكبوت: 46)، حتى في حال خيانتهم: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين} (الأنفال: 58)، أي أعلمهم بما عزمت عليه. ويقول تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} (المائدة: 5) فذلك لإبعاد الحرج عن المسلمين فيما يأكلون {وطعامكم حل لهم} فهم لا ينتظرون الإباحة من الإسلام فيما يأكلون وإنما هو أيضا لرفع الحرج عن المسلمين لتقديم طعامهم لتأليف قلوبهم، ولو حرم الله طعامنا عليهم لما قدمه المسلمون لهم، وقوله: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهم محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان} (المائدة: 5) للزواج لإيمان المسلمين بديانة أهل الكتاب فلا ضرر منهم عليهن. وتحريم زواج المؤمنات على أهل الكتاب وغيرهم لكفرهم بالإسلام وخشية الضرر عليهن، وذلك من عدالة الإسلام لا للإيثار، ودليله حرم الله على المسلمين نكاح المشركات من أهل الملل الأخرى لعدم الإيمان بدينهن، ولمضرة المشركات على أبنائهن من المسلمين: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون} (البقرة: 221). ثالثا: ومن الجوانب الإيجابية لديهم، قول الله تعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر} (آل عمران: 113 - 114). وللأسف هم الأقل، يقول الله تعالى: {منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون} (المائدة: 66). ويقول الله تعالى: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} (آل عمران: 75)، ولم يقرهم الله على مقولتهم فكذبهم وأمرنا الله بالوفاء بدليل الآية التي تليها: {بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين} (آل عمران: 76). رابعا: فيجب ألا نركن للذين كفروا ولا لمن والاهم، خاصة في الأمور الأساس كالنصرة وجلب السلاح والطعام والثقافة المخالفة لشرع الله لأهمية ذلك وقوة تأثيره، وألا نفضلهم على المؤمنين، يقول تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا} (النساء: 51-52) وهذا كثيرا ما نسمعه ونجده من البعض لشدة إعجابهم بغير المسلمين. خامسا: الحذر من التشبه بهم أو تقليدهم في مخالفة الشرع، روى مسلم وغيره عن ثوبان ]: أن رسول الله [ قال: «وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيتُ قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيتسبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا» وهذا ما نعاني منه اليوم من انتصار الأعداء بتعاون البعض معهم، والله المستعان. وروى الإمام أحمد وأبوداود عنه [ قال: «وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم». سادساً: يقول الله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} (الأنفال: 60)، والإرهاب هنا للإخافة وليس لقتالهم مباشرة بل هو الإعداد بالعلم لإقناعهم بالحق، وبالقوة لفرض الهيبة، والسلامة من التهديد، وكسب الاحترام، منهم {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} مع الشعور بقوله تعالى: {لأنتم أشد رهبة في صدورهم} ولا تكون الرهبة إلا من القوي المتعلم، ثم إذا اقتضى الأمر قتالهم بالقوة بعد إعدادها واعتدائهم فليكن ذلك، والله المستعان. سابعاً: أما الحذر من مكرهم فخلاصة تعريف المكر: فهو صرف الآخر عما يريد إلى غيره بالحيلة والخداع وزخرف القول، يدبر تدبيرا فاسدا ليضره ويؤذيه في خفية، دون أن يشعر، يقول الله تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} (الأنفال: 30)، ويقول الله تعالى: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الأنفال: 30). ثامناً: فمن مكرهم في الماضي حال ضعفهم، قول الله تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} (آل عمران: 72)، وقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} (البقرة: 14) وإرضاؤهم مستحيل، يقول الله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} (البقرة: 120). تاسعاً: ومن مكرهم المعاصر: ما جاءا وبه من مقولة العولمة، يريدون بها إسقاط تطبيق الحدود الشرعية لتكثر الجرائم، وتهبط الأخلاق الفاضلة. ولقد لاحت بعض البوادر، فتبدلت الأخلاق، وفشت المخدرات، وأرهب الطالب أستاذه، وعق الولد والده، فكادت الأجيال تضيع فلا علم ولا أخلاق، وهيمن الأعداء على الاقتصاد ليعم الفقر، وتسود الرذيلة، مع العلم أن الإسلام هو دين العولمة لنشر الفضيلة، فالله أرسل نبيه [ للناس كافة، قال تعالى: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (سبأ: 27)، وأرسله رحمة للعالمين: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء: 107) وهذه هي العولمة الحقة، رسالته كافة للناس بشيرا بالخير ونذيرا عن الشر، ورحمة للعالمين ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ولقد استضعف كثير منا، وشطن كثير منهم فغزوا البلاد ودمروا الديار وقُتل الأبرياء؛ لجهلنا بديننا وبمقدارنا عند ربنا والله تعالى يقول: {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} (الحشر: 43)، والواقع يشهد على ذلك فبناؤهم الجدر في فلسطين المحتلة ومحاولتهم ذلك في العراق وغيره مع انتهاء عصر الأسوار، تصديق لقول الله تعالى: {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر} (الحشر: 14). فهل أدركنا ذلك؟ والله تعالى يقول: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} (محمد: 38). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (26) الركون إلى الذين ظلموا والحذر من مكرهم (2-2) تحدثنا في الحلقة السابقة عن عدم الركون إلى الذين ظلموا والحذر منهم، وذكرنا أنهم أهل الكتاب وقد نهى الإسلام عن الإعجاب ببدعهم وضلالهم، وذكرنا أيضاً سماحة الإسلام وحرصه على السلام، وكذلك الحذر من التشبه بهم وتقليدهم ، والحذر من مكرهم، ونستكمل في هذه الحلقة ماتبقى من معاني الركون إلى الذين ظلموا. حادي عشر: زعموا أنهم يراعون حقوق الإنسان، وكان الإسلام خالياً من الإنسانية وحقوقها، والله تعالى يقول: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} (الأنبياء: 47)، فلا تظلم نفس مؤمن أو كافر، وقوله: {وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا} (البقرة: 83). وكلمة «للناس» تشمل المسلم وغيره، وهو ما يوضحه قوله[: «من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويأتي إلى الناس ما يُحب أن يؤتى إليه»، وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان: عن عائشة، عن رسول الله [: قال: «الدواوين يوم القيامة ثلاثة: ديوان لا يغفره الله، وديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يدعه الله لشيء، فأما الديوان الذي لا يغفره فإن الله لا يغفر أن يشرك به، وقال: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله عزوجل يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا، فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة». حتى الحيوان نال حقه في الإسلام، ففي الحديث: «بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، فخرج فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، فقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر» قال أبوعمر في «التمهيد»: وكذا في الإساءة إلى الحيوان إثم، وقد روى مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي [ قال: «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض»، فماذا بعد هذا من حقوق للخلق في الإسلام! أما حقوق الإنسان لديهم فتوزن بأكثر من مكيال، فلهم الحق في غزو وقتل وسجن من شاؤوا، ومتى شاؤوا وأينما شاؤوا دون محاكمة أو مسوّغات شرعية دولية أقروها، وديموقراطية ابتدعوها لمن والاهم، لا لمن خالفهم، ويملكون من السلاح أشده فتكا مع حق الاستعمال وليس ذلك لغيرهم: {استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} (فاطر: 43). فهم من: {الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخْسِرون} (المطففين: 3). فمن ظن من المسلمين أن هؤلاء حماة لحقوق الإنسان فهو ظالم لنفسه، مفسد لأمره، مسيء لدينه. ثاني عشر: ومن مكرهم اختيارهم أمورا يظنون أنها ضعف في المسلمين، منها محاربة التزام المرأة المسلمة بدينها، فالمرأة المؤمنة أعظم وأكرم أن تنتهك محارم الإسلام من خلالها بإذن الله، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله [ قال: «يا سعيد، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد [ رسولا ونبيا وجبت له الجنة» قال: فعجب لها أبوسعيد فقال: أعدها علي يا رسول الله، ففعل...» رواه مسلم. فالمرأة المسلمة ممن رضي بالله ربا.. ولم تكن المرأة المسلمة في غفلة من مرادهم، بل كثيرا ما يشكو المستغربون في وسائل الإعلام من شدة معارضتها لفسادهم، ولقوة تأثيرها فقد ضرب الله بها مثلا، للذين كفروا وللذين آمنوا، يقول الله تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} (التحريم: 10-12) وأن هدفهم: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير} (البقرة: 109)، ولنعلم بقول الله تعالى: {أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض} (آل عمران: 195). ثالث عشر: ومن مكرهم سعيهم في التركيز على الخلاف المذهبي بين المسلمين لإحداث الفرقة، كما هو حادث في العراق، علما أن الاختلاف سنة الله في خلقه: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} (هود: 118-119)، مع علمنا بقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} (آل عمران: 103) وبقوله: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} (الأنعام: 159)، وبقوله: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال: 46) علما بأنهم أشد منا خلافا واختلافا وفرقة، إلا في محاربتهم الإسلام لخوفهم من هيمنته عليهم والله تعالى يقول: {بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} (الحشر: 14). رابع عشر: ومن مكرهم بذر الشقاق بين المسلمين ومواطنيهم من أهل الكتاب كما حدث ويحدث في مصر ولبنان والعراق، وجنوب السودان وكانت النتائج مخيبة لآمالهم، فهاجر الكثير من أقباط مصر، وموارنة لبنان، وكلدانيي العراق، وأسلم من أسلم منهم، والحمد لله: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} (يونس: 58)، أما السودان فيعلم الله آثار سياستهم فيه: {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف: 21). خامس عشر: ومن مكرهم سعيهم لبذر الشقاق بين المسلمين أنفسهم من حيث اللغة، وهو ما نشاهده في شمال أفريقيا بين العرب والبربر، وفي السودان بين العرب والأفارقة (دارفور)، وشمال العراق عرب وأكراد، واللوم علينا، فالقرآن كان ولا يزال يمثل شرعة المسلمين ومنهج حياتهم، جعله الله مع اللغة العربية أداتين فاعلتين من أدوات العالم المجتهد، وليزيلا معا الفوارق بين البشر، فما كانت العربية يوما حكرا على العرب، وما كان الدين الإسلامي يوما مما اختص به العرب، فالعربية لسان من تكلم بها فهو عربي، ففي الأثر: أيها الناس، إن الرب واحد، والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب أو أم، وإنما هي اللسان؛ فمن تكلم العربية فهو عربي، والعربية وعاء الإسلام المختار والله تعالى يقول: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} (الأنعام: 124)؛ فجعل رسالته في العربية، وليس من عجب أن ترى دهاقنة العربية وأساطين علوم الدين من غير العرب، وذلك دلالة عظمى على شمولية الإسلام وعالمية لغته، التي كانت في زمان لغة الحضارة والفكر ولا تزال بإذن الله، وسيعود ما غاب من مجدها {... ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} (الأنفال: 7 - 8). وقد امتدح الله العربية، فلا تخالفوه، فهي لسان العقل {إنا أنزلناه قراءنا عربيا لعلكم تعقلون} (يوسف: 2)، وهي لسان الأحكام {وكذلك أنزلناه حكما عربياً} (الرعد: 37)، وهي لسان العلم {كتاب فصلت آياته قراءنا عربيا لقوم يعلمون} (فصلت: 3).. إلخ. إن الحفاظ على اللغة العربية من مستلزمات الحفاظ على الذكر (القرآن) وقد تكفل الله بذلك في قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر: 9)، فهل يكون لنا الشرف بأن نكون أدوات في ذلك؟ أما من عادى العربية من المسلمين فقد عادى الإسلام، وأما الأعداء ومن نحا نحوهم: {فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} (البقرة: 137)، فقد جمعوا للمسلمين والله تعالى يقول: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران: 173). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (27) التعريف بإنكار نعمة الله بعد معرفتها يقول الله تعالى: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون} (النحل: 82) وهنا وقفات لابد لنا منها: - أولا: النعمة هي الخير والفضل، وأصل النعيم كل حال ناعمة من النعومة والليونة ضد الخشونة واليبوسة والشدائد، وهي الحالة التي يستلذ بها الإنسان، والأصل فيها عموم رحمة الله، وهي ما آتاهم الله من الصحة، والأمن، والكفاية. ووصف الله عباده الصالحين بإنعامه عليهم: {صراط الذين أنعمت عليهم} (الفاتحة: 7)، ووصف جناته بالنعيم: {ولأدخلناهم جنات النعيم} (المائدة: 65). - ثانيا: وإنكار النعمة هو ترك القيام بما وجب عليهم من العلم بمعرفتها، يقول الله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور} (المائدة: 7). قال ابن قتيبة: يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا، اهـ. وحينما أنعم الله على قارون أنكر نعمة الله عليه: {قال إنما أوتيته على علم عندي} (القصص: 78). وقال قتادة: على علم مني بوجوه المكاسب اهـ. فمن أعلمه بوجوه المكاسب؟ وقول الله تعالى: {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة} (فصلت: 50). قال مجاهد: هذا بعملي وأنا محقوق به، وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل. وقال عون ابن عبدالله: يقولون: لولا فلان لم يكن كذا.- ثالثا: قول الله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} (الواقعة: 82) ففي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى لنا رسول الله [ صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليلة، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال إصبح من عبادي مؤمن وكافر فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب» وإنما أضافوا نزول المطر إلى نوء كذا وكذا، فمن وقت لنزوله وأنزله؟ ولو شاء الله لمنعه! فهذا كفر بالنعمة التي يجب أن تضاف إلى المنعم بشكره، وفي الحديث القدسي: «إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري». - رابعا: أما المؤمن فمتمثل لقوله تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث}، لقوله تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل: 53). وقوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} (إبراهيم: 34)؛ رجاء لقوله تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} وخوفا من تمام الآية: {ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} (إبراهيم: 7) والله أعلم. عدم القول في الدين ما ليس لنا به علم يقول الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء: 36) وذلك بسوء التأويل والاستنتاج الخاطئ. ومثاله عندما سُئل أحد الغلاة عند ترويجه لدعاء الأموات مع الله ما هو دليله؟ قال: لقاء نبينا محمد بموسى صلى الله عليهما وسلم، مشيرا إلى حديث المعراج، يقول الله تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} (هود: 18). تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. ولبيان ذلك نقول وبالله التوفيق: - أولا: لم يذهب رسول الله [ إلى ضريح موسى عليهما السلام، بل عُرج به إلى ربه ومعبوده الحي القيوم تشريفا له، وكرامة لأمته ولفرض أعظم أركان التوحيد بعد الشهادتين، ألا وهو الصلاة. - ثانيا: وقف رسول الله [ بين يدي الله تعالى، وليس في حاجة لأحد من خلق الله. - ثالثا: لقاء النبي [ لم يكن خاصا بموسى \ بل مر في طريقه بجمع من الأنبياء كما ورد في الحديث، من آدم إلى عيسى عليهم أفضل الصلاة والسلام. - رابعا: لم يطلب نبينا محمد [ من موسى \ الشفاعة ولم يقصده للبركة، ولم يعده موسى بذلك. بل موسى \ بادره بسؤاله فقال: «ماذا فرض ربك على أمتك»؟ قال [: «قلت: فرض عليهم خمسين صلاة». فكان موقف موسى \ موقف الموحد لربه، فذكره بما يجب على كل مؤمن موحد أن يعمله قال له: «فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك» ولم يقل ارجع إلى سواه، كما سنرى في الحديث. - خامسا: انظر كيف يجعلون قمة التوحيدة قاعدة للشرك، وصدق الله حيث يقول: {إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون} (الأعراف: 27-29)، ولم يقل عند كل ضريح أو ولي. ويستحسن بنا استعراض الحديث المشار إليه: ففي الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك قال: كان أبوذر يحدث أن رسول الله [ قال: «فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل [ ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل \ لخازن السماء الدنيا افتح، قال: من هذا؟ قال هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال نعم معي محمد [، قال: فأُرسل إليه؟ قال: نعم. ففتح قال فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة، وعن يساره أسودة قال فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، قال فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح قال قلت: يا جبريل من هذا؟ قال هذا آدم [ وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار؛ فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، قال: ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها افتح قال فقال له خازنها، مثل ما قال: خازن السماء الدنيا ففتح. فقال أنس بن مالك: فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه قد وجد آدم \ في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة، قال: فلما مر جبريل ورسول الله [ بإدريس صلوات الله عليه قال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قال فقلت من هذا؟ فقال هذا إدريس قال ثمر مررت بموسى \ فقا لمرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قال قلت من هذا؟ قال هذا موسى قال ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت: من هذا قال هذا عيسى ابن مريم قال ثم مررت بإبراهيم \ فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قال: قلت من هذا قال هذا إبراهيم. قال ابن شهاب وأخبرني بن حزم أن بن عباس وأبا حبة الأنصار يكانا يقولان قال رسول الله [: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، قال بن حزم وأنس بن مالك قال رسول الله [: ففرض الله على أمتي خمسين صلاة قال فرجعت بذلك حتى أمر بموسى فقال موسى \: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قال: قلت فرض عليهم خمسين صلاة قال لي موسى \: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال فراجعت ربي فوضع شطرها، قال فرجعت إلى موسى \ فأخبرته قال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك قال: فراجعت ربي فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي قال فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك، فقلت: قد استحييت من ربي، قال: ثم انطلق بي جبريل حتى نأتي سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال: ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك»، انتهى. 1- فهذا خازن السماء \ ملك عظيم كلف بأمر عظيم لم يعلم أن جبريل هو الذي يطلب منه الفتح ولم يعلم أن معه أحدا ولم يعلم أن محمدا [ أُرسل إليه. حتى سأل جبريل فأجابه.. وكذا خازن السماء الثانية لم يعلم حتى سأل. 2- وهذا نبينا محمد [ لم يعلم أن هذا آدم \ ولا هذا موسى ولا هؤلاء الأنبياء حتى أخبره جبريل، والنبي [ مر بموسى ولم يكن يقصده. 3- وهذا موسى \ لم يعلم ما فرض الله على أمة محمد [ حتى سأله فأخبره، ولم يشفع موسى لنبينا عليهما الصلاة والسلام في أمر الصلاة ولا غيرها، بل أمره أن يرجع إلى ربه ولم يسأله نبينا الوساطة أو الشفاعة وهذا هو التوحيد؛ ولهذا بعث الله الرسل لعباده. 4- فهؤلاء عظماء خلق الله لا يعلمون الغيب فمن دونهم أولى بعدم علم الغيب، فالأموات لا يسمعون دعاء الداعين ولا ينفعونهم، وصدق الله حيث يقول: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} (الإسراء: 56). - الخلاصة: قول الله تعالى: {والذين يدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} (فاطر: 13 - 14) وقال الله تعالى: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون} (النمل: 59). اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
رد: وقفات فقهية
وقفات فقهية (الحلقة الأخيرة) التعريف بنصرة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (محمد: 7). - أولا: النصرة هنا هي الموالاة لله ولرسوله ودينه، ولمن والى ذلك، بمعرفة الحق والإيمان به وقوله والعمل بمقتضاه، يقول الله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسوله بالغيب إن الله قوي عزيز} (الحديد: 25) ويقول الله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (الحج: 40) أي إنما المراد من نصرة الله نصرة دينه، وعن أبي داود، قال رسول الله [: «وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته». - ثانيا: النصرة لها ثمن عظيم، يقول الله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (النور: 55) وهذا وعد الله شرطه النصرة: {يعبدونني لا يشركون بي شيئا}.- ثالثا: يتساءل كثير من المسلمين عن تفوق كثير من الأمم علينا، وتأخر النصر عنا، أنى هذا الهوان والخذلان ونحن مسلمون؟ يقول الله تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير} (آل عمران: 165) هو من عند أنفسنا ففي الأثر: «اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم ينكشف إلا بتوبة»، ومر بنا في الصحيحين عن ابن مسعود ] قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: إن ذلك لعظيم». وتلك مصيبة العالم الإسلامي، فهذه الأضرحة التي انتشرت في ديار المسلمين بل في كثير من مساجدهم هي الذنب العظيم الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه والكف عنه، ومما يؤسف له أن عدد زوار تلك الأضرحة قد يفوق عدد حجاج بيت الله الحرام، والسؤال هنا: ما الفرق بين من يدعو أصحاب الأضرحة، وبين من يرجو الصليب أو المسيح عليه السلام، أو راما معبود الهندوس، أو بوذا معبود البوذية فالكل يدعو غير الله {أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون} (الطور: 43). ونصر الله مشروط بنصرتنا لله، يقول الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (محمد: 7) بتوحيده {يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} (النور: 55). - رابعا: من أراد النصرة والتمكين لا بد له أن يعود لما كان عليه السلف الصالح: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم} (الأنفال: 53) فلابد للتغيير من تغيّر فقد كانت الدنيا للمسلمين فأين الأندلس، وما حال المسجد الأقصى، وما مصير الصومال وجنوب السودان والعراق وأفغانستان وأين ما نُزع من بلاد المسلمين، وما الذي أسقط الخلافة الإسلامية؟ أليس منه كثرة القباب فوق الأضرحة، وتعدد الطرق ومشايخها، والهرولة خلف الدراويش والمجذوبين؟ فكيف يُجمع لنا بين ذلك، وبين النصر على الأعداء والعزة والتمكين في العالمين؟ فيا أصحاب الأضرحة اتقوا الله في توحيد الله فلا معبود بحق إلا الله تعالى: {وأن المساجد لله؛ فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجن: 18)؛ ويا أصحاب الطرق اتقوا الله فلا طريقة إلا طريقة محمد رسول الله [ وما عداها هو الضلال المبين، يقول الله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام: 153) فهل أنتم منتهون؟ - خامسا: لا ينبغي لمؤمن أو مؤمنة أن يحقر نفسه، في نصرة الله ولو لم ينصره الناس؛ فلإن الله معه وله نصيب من قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} (التوبة: 40)، فنصرة الرسول [ هي نصرة لدينه الذي جاء به، فإذا قام بذلك المؤمن كما أمر الله فالله مع ما جاء به، الرسول ومع ذلك القائم به. وفي نصرة الرسول [ يقول الله تعالى: {من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ} (الحج: 15). - الخلاصة: لعلنا ندرك أن من وصية الله تعالى لنبيه وحبيبه محمد [ حقيقة النصرة، يقول الله تعالى: {وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم قل يأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين} (يونس 105-109) فهل نحن ملتزمون؟ يقول الله تعالى: {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون} (الجاثية: 6)، والله أعلم. التعريف بالفرار إلى الله تعالى يقول الله تعالى: {ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين} (الذاريات: 51) في البخاري «ففروا إلى الله، أي: من الله إليه» انتهى. ويكون ذلك بالتوبة: من الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الإسراف إلى الزهد بمجاهدة النفس، وأعظمها من الشرك إلى التوحيد؛ فالتوبة هي الرجوع من الباطل إلى الحق، وللتوضيح: - أولا: إن الله يغفر الذنوب جميعا: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} (الزمر: 53). ويقول تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} (النساء: 110) ويأمر الله بالاستغفار ويدعو إليه، يقول الله تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} (هود: 3). وما من نبي إلا دعا ربه بالاستغفار والتوبة إليه، فآدم وزوجه عليهما السلام{قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (الأعراف: 23)، ونوح عليه السلام قال: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات} (نوح: 28)؛ ولهذا كان سيد ولد آدم وإمام المتقين محمد [ يستغفر في جميع الأحوال ففي البخاري (5948): «والله إني لأستغفر الله وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة». - ثانيا: وللتوبة والاستغفار فوائد عظيمة في الدنيا والآخرة، يغفر الله بها الذنوب، وللكفار كفرهم: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين} (الأنفال: 38)، وبالتوبة يغفر الله الشرك وعظائم الذنوب بل يبدل الله السيئات حسنات: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} (الفرقان: 70) ولابن ماجه وغيره «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» ومنها قول الله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} (نوح: 10-12) وقوله تعالى: {ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} (هود: 52). - ثالثا: وللتوبة شروط، قال العلماء رحمهم الله: التوبة واجبة من الذنوب، بالإخلاص لله عز وجل، ووقتها، قبل الغرغرة، فما كان بين العبد وربه تعالى فشروطها ثلاثة: 1- الإقلاع عنها 2- والندم عليها 3- والعزم ألا يعود إليها أبدا، فإن فقد أحدها لم تصح توبته. وإن كانت تتعلق بحق آدمي، فمع هذه الثلاثة، رابعة وهي: أن يبرأ من حق صاحبها، فالمال أو نحوه يرده إليه، وحد القذف ونحوه يمكنه منه، أو يطلب عفوه، والغيبة يستحله منها، فترد المظالم وتتدارك في عالم الدنيا ما أمكن، يقول الله تعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} (طه: 82) والله أعلم. اعداد: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ |
الساعة الآن : 02:11 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour