قواعد نبوية
قواعد نبوية (1) أحب الأعمال إلى الله -تعالى- الفرائض
قاعدة عظيمة من أهم قواعد الإسلام، وحديث قدسي عظيم قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال الله -تعالى-: «وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه»، إذًا أحب الأعمال إلى الله -تبارك وتعالى- هي الفرائض، وهذا ما نستفيده من هذه القاعدة العظيمة. والفرائض كما هو معروف هي أركان الإسلام، كما جاء في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بُني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» هذه تسمى الفرائض، فالله -تعالى- يحب أن يقام توحيده، وإفراده بالعبادة، وأن يعبد وحده لا شريك له، وألا يعبد معه إله غيره، وهذا الأمر الذي خلقنا الله -تعالى- من أجله، ولأجل إقامة التوحيد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب. قال الله -تعالى-: «ولقد بعثنا في. كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت». إفراد الله بالعبادة نحتاج إلى هذه العبادة -إفراد الله بالعبادة- لما دخل الخلل عند بعض الناس وأصبحوا يعتقدون بغير الله، وينذرون لغير الله، ويخافون من غير الله، ويعتقدون أن هناك أشياء تنفع أو تضر من دون الله -تعالى-، الله جل وعلا له ملكوت السموات والأرض «وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو»، فالله تعالي بيده مقاليد السموات والأرض، هو الذي يجلب النفع، وهو الذي يدفع الضر، فلا يعتقد الإنسان بأشياء أو أحجار وأشجار أو خواتم أو سلاسل وغير ذلك أنها تجلب نفعا أو تدفع ضرا، إذًا الواجب على الإنسان أن يعلق قلبه بالواحد الأحد، أن يعلق قلبه بالفرد الصمد، أن يعلق قلبه بالله الذي بيده ملكوت السموات والأرض، ويعلم علم اليقين أنه ما من خير إلا من الله -تعالى-، ولا يستدفع الشر إلا من الله -تعالى-، فلا تتعلق بأشياء كثير منها خرافات لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا. الصلاة من أهم الفرائض ومن أهم هذه الفرائض ومن أهم هذه الأركان، وثاني هذه الأركان الصلاة؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وبيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فعلى الإنسان أن يحافظ عليها وأن يؤديها كما أداها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يقيمها في الأوقات التي شرعها الله -تعالى-، يقول الله -عز وجل-: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}، بمعنى أنها كتاب مؤقت، له بداية وله نهاية، الفجر من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، ما بين هذين وقت صلاة الفجر، إذا طلعت الشمس انتهى وقت الصلاة، كذلك الظهر والعصر والمغرب والعشاء كل واحدة لها وقت محدد، لا يضيّع الإنسان الصلاة عن وقتها. ومع الأسف هذا خلل وقع فيه بعض الناس إلا من رحم الله؛ لذلك حذرنا ربنا -جل وعلا- فقال: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، يضيّعونها عن أوقاتها التي شرعها الله -تعالى-؛ لذلك يقول الله -تبارك وتعالى-: «وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه»، أهم شيء أن يأتي الإنسان بالفرائض كما أمر الله -تعالى- في الأوقات التي حددها الله، ومن جاء بها كتبت له السعادة والفرح ومغفرة الذنوب والرزق والهداية. من أسباب الرزق بعض الناس اليوم يبذل أسبابا للرزق، إما بالتجارة أو العمل أو الشهادة أو غير ذلك، لكنه ينسى أن أعظم أسباب الرزق إقامة الفرائض، ومن أهمها الصلاة، قال الله -تعالى-: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، والصلاة تحتاج إلى صبر، فالإنسان يتوضأ ويصلي، والمرأة تتوضأ وتلبس حجابها وتصلي، وهذا يحتاج إلى صبر ومصابرة، لكن من يصبّر نفسه على الطاعة، الله يهديه سبيل الخير. إن الله مع المحسنين قال الله -عز وجل-: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}، الله -تعالى- مع المحسنين الذين يبذلون ويجتهدون ويعملون سعيا في رضوان الله -تعالى-، وسعيا في كسب الحسنات والأجور والثواب، فاليوم عمل ولا حساب، وغدا (يوم القيامة) حساب ولا عمل. يحتاج الإنسان دائما أن يربي نفسه على الاجتهاد في الطاعة، والبذل والعمل ولا سيما في الفرائض التي افترضها الله -تعالى- على عباده، تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها عندما تذكر أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته-: كان يقوم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، فإذا أذّن المؤذن خرج كأنه لا يعرفنا. لا يعرفنا؛ لأن المؤذن ناداه بذلك النداء العظيم، حي على الصلاة حي على الفلاح. فإذا سمعت المؤذن قم فأجب وصلِّ؛ لأن الله -تعالى- هو الذي أمرك بهذا الواجب العظيم، وتأكد أن الله يحب هذا العمل؛ لأنه من أهم الفرائض. الزكاة: الركن الثالث ثالث هذه الأركان الزكاة، ثم بعد ذلك الصيام. المال إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول فإنه يزكّيه، وهذه من أحب الأعمال إلى الله -تعالى-؛ لأنها من الفرائض، والزكاة من اسمها نصيب، إنها نماء، تطهر المال مما شابه من الحرام أو الشبهات أو غير ذلك، وهي نماء للمال كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما نقصت صدقة من مال»، إذا أردت البركة في مالك، والبركة في أهلك، والبركة في تجارتك، فأخرج زكاة المال؛ أولا سيكون هذا من أحب الأعمال إلى الله -تعالى- لأنها من الفرائض، ثانيا لأنها زكاة ونماء وبركة وحفظ للمال، بعض الناس قد يكون عنده خير كثير جدا، لكنه منع الزكاة فما تمر أيام أو شهور أو سنوات إلا وتمحق بركة ذلك المال ويكون عليه وبالا. أعرف أحد الأشخاص يقول: كان عندي مال جمعته من طريق حرام، حاولت أن أجمع المال بكل طريقة، لكن سبحان الله! لما جمعت ذلك المال يقول: سرعان ما ذهب ذلك المال كله، وأصبح عليّ دين ضعف المال الذي جمعته، والآن أنا مطلوب القبض عليّ لدى السلطات الأمنية، وغير ذلك من العقوبات التي كانت سببها أن ذلك المال كان مالا حراما. إذًا قاعدتنا «وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه» نخرج منها بأن نحرص على الفرائض، نؤديها في أوقاتها، نؤديها كما أمر الله -تعالى. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (2) أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟
قاعدتنا اليوم قاعدة عظيمة جدا، يحتاجها كل مسلم ومسلمة، وهي سببٌ للتوفيق والهداية والزيادة من الخير والأموال والأرزاق، وهي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»، قالها النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما أشفقت عليه أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنها وأرضاها- قالت له: يا رسول الله، وكان يصلي قيام الليل حتى تورمت قدماه، وفي رواية حتى تفطرت قدماه، تقول له: يا رسول الله تفعل ذلك والله -تعالى- أعطاك الأمر الذي أردت، وهو مغفرة الذنوب والتجاوز عن السيئات وأعطاك الله المقام المحمود، تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال لها: أفلا أكون عبدا شكورا؟ إذا كان الله -تعالى- قد غفر لي -هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الله قد غفر له أفلا تكون هذه العبادة وقيام الليل، والاجتهاد في طاعة الله وفي عبادته شكرا لله على ما أنعم عليه من نِعَم كثيرة؟ نِعَم لا تعد ولا تحصى، يقول ربنا -جل وعلا-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}. كل النِعم التي أعطاها الله لنا، نِعم في الأبدان، ونِعم في الطعام، ونِعم في الشراب، ونِعم في الأمن والأمان، وقبل ذلك كله نعمة الإسلام والتوحيد والإيمان بالله -جل وعلا-، هذه كلها نِعم تحتاج إلى شكر، {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}، ونحتاج أن نذكرها فنشكرها، وأن ننسبها لله -جل وعلا-؛ لأنه هو صاحبها ومسديها، {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}. حقيقة شكر الله -تعالى شكر الله -تعالى- يقوم على ثلاثة أركان رئيسية:
واقع الحياة العملية ونشاهد اليوم في واقع الحياة العملية أن بعض الناس مجتهد، وعنده رأس مال، ويحاول أن يتاجر هنا أو هناك وعنده من الخير، لكن الله -تعالى- ما يسر له سبل الرزق، وكذلك بعض الناس يجتهد في دراسته وأعماله ووظيفته وهكذا، الله -تعالى- مسبب الأسباب، الله هو الذي يسر لك، الله هو الذي أعانك، الله هو الذي تفضل عليك بهذه النعمة، حتى أبسط الأمور وهي الطعام والشراب، الله -تعالى- هو الذي تفضل بها عليك؛ لذلك جاء في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن العبد إذا أكل أو شرب فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة»، مع أنك أنت الذي جئت بالطعام وصنعت الطعام، لكن ليس بحولك وقوتك، إنما بتوفيق وتيسير من العزيز الحكيم، تذكر هذا الأمر، الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، دائما نتذكر هذه العبادة الجليلة، أن نشكر الله في كل أحوالنا، في السراء وفي الضراء أن تقول: الحمد لله. قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض»، تخيلوا من عظمتها وفضلها ومن مكانتها عند الله أنها تملأ ما بين السماء والأرض.
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (2) – الاستثمار الحقيقي بعد الممات
حديث عظيم يمثل قاعدة مهمة جدا لكل إنسان، ويضمن له استمرار الأجر والثواب حتى بعد وفاته، ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، وعلمٍ ينتفعُ به، وولدٍ صالحٍ يدعو له». هذه قاعدة مهمة جدا، لابد للإنسان أن يحرص عليها؛ لأنها الاستثمار الحقيقي بعد الوفاة، بعض الناس اليوم يسعى للاستثمار إما بالأسهم أو بالبيع والشراء أو بالتجارة؛ لأجل أن ينمي ما عنده من أموال ومن خيرات، حتى يستطيع أن يستغني بنفسه عن الآخر في الأمور الدنيوية، ولكن أعظم استثمار عندما تستثمر الأجور والثواب والحسنات، عندما تتاجر مع الله -تعالى-، نعم هي تجارة مع الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الصف:10)، وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}، وقال -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}، وقال -تعالى-: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}، قرض تقدمه لله -جل وعلا-، مع أن الله -تعالى- غني عنا وعن أموالنا وعن أعمالنا وعباداتنا؛ فلذلك هي تجارة مع الله -تعالى. الحياة فرصة عظيمة في هذا الحديث العظيم يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عمل الإنسان ينقطع بالموت؛ لانتقاله إلى دار الجزاء والحساب، ولذلك فإن الحياة فرصة عظيمة للأحياء، في أن يتزودوا بالأعمال الصالحة، وينيبوا إلى الله -تعالى- ويرجعوا إليه، ولذلك فقد نُهِي عن تمني الموت؛ لأنه بالموت تنقطع الأعمال، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يتمنين أحدكم الموت لضرّ نزل به؛ إن المؤمن إذا مات انقطع عمله، وإن المؤمن لن يزيده عمره إلا خيراً». وفي هذا الحديث العظيم يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن أموراً ثلاثة لا تنقطع بالموت، وإنما يجري للإنسان أجرها وثوابها بعد موته، نعم إن الموت تنقطع به الأعمال، لكن هذه الأمور الثلاثة لا تنقطع بالموت.
الآثار الصالحة بعد الممات إن من الناس من يموت ولا يكون له أي آثار من أعمال صالحة، بل تطوى صحيفة حسناته بموته، ومن الناس مَن يوفق فيكون له آثار من أعمال صالحة وهو في عداد الأموات، لكن ثوابها وأجرها يجري له من صدقة جارية أنفذها في حياته، أو علم يُنتفع بها بقيت آثاره بعد مماته، أو دعاء ولد صالح. وكل الناس يتمنون أن يكون لهم آثار من أعمال صالحة يجري ثوابها لهم بعد مماتهم، ولكن بعض الناس يُؤتى من جهة التفريط، وطول الأمل حتى يبغته الموت، فلا يستطيع حينئذ أن يقدم ما كان يتمناه، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: «وما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين له شيء يريد أن يوصي به إلا وصيته مكتوبة عند رأسه».. قال ابن عمر -رضي الله عنها-: «ما بت ليلة إلا وصيتي مكتوبة عند رأسي». من أوضح الواضحات قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: هذا الحديث من أوضح الواضحات، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث، يعني ينقطع عمله الذي يجري عليه بعد الموت إلا من هذه الثلاث: صدقة جارية قد وقفها، مثل: وقف مسجد يصلى فيه، أو عمارة تؤجر، ويتصدق بأجرتها، أو أرض زراعية يتصدق بما يحصل منها، أو ما أشبه ذلك، فهذه صدقة جارية، يجري عليه أجرها بعد وفاته، ما دامت ينتفع بها الناس، أو علم ينتفع به: إما كتب ألفها، وانتفع بها الناس، أو اشتراها، وأوقفها، وانتفع بها الناس من الكتب الإسلامية النافعة، أو نشره بين الناس، وانتفع به المسلمون، وتعلموا منه، وتعلم بقية الناس من تلاميذه، هذا علم ينتفع به، فإن العلم الذي مع تلاميذه، ونشروه في الناس ينفعه الله به، كما ينفعهم أيضًا، وهكذا الولد الصالح الذي يدعو له، تنفعه دعوة ولده الصالح، كما تنفعه دعوة المسلمين أيضًا، وإذا دعا له إخوانه، أو تصدقوا عنه، نفعه ذلك. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (4) إصلاح ذات البين خلق من أخلاق الإسـلام
من أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن قواعده العظيمة وأحاديثه النبوية الكريمة قوله- صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى يا رسولَ الله، قال: إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ؛ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ، لا أقولُ: إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ، ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ». علّمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - خلقا من أخلاق الإسلام، وعملا من أعمال هذه الشريعة العظيمة، وهذا العمل قد رتّب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - منزلة عظيمة ودرجة رفيعة، إنه أعظم من درجة الصلاة والصيام، مع أن الصلاة لها مكانة عظيمة، ولا يخفى على مسلم مكانة الصلاة والصيام، لكن هناك درجة أعظم وأفضل ولا سيما من نوافل الصلاة ونوافل الصيام، وهي درجة إصلاح ذات البين. هذا ما نحتاجه اليوم هذا ما نحتاجه اليوم، أن يكون هناك أناس يسعون في الإصلاح، إصلاح بين الأخوين، بين الزميلين، بين الجارين، بين الأقارب، مع الأسف بعض الناس يسعون للإفساد، قال الله -تعالى- {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، أمر من الله -تعالى- بالإصلاح، لكن -مع الأسف- بعض الناس يفسدون علاقات الناس، يأتي إلى هذا الشخص ويقول: إن فلانا يقول كذا وكذا، ثم يأتي الطرف الآخر وأيضا يتكلم فيه وينقل كلاما بالنميمة بين الآخرين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة نمام». مِن أجلِّ العبادات وأعظمِها إنَّ عبادة الإصلاح بين الناس مِن أجلِّ العبادات وأعظمِها؛ لذا اهتمَّ بها القرآن الكريم، وجاءت الأوامر بالصُّلْح بين المتخاصمين في مواضع شتَّى، قال الله -تعالى-: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: 114)، بل إنَّ العلماء عدوها من الفرائض التي أمَرَ اللهُ بها المؤمنين؛ حيث قال -سبحانه-: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (الأنفال: 1). التعامل بالحسنى مع الناس إنَّ دينَنا الإسلامي علَّمنا التعامل بالحسنى مع الناس قولاً وسلوكًا، قال الله -تعالى-: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} (الإسراء: 53)؛ فالشَّيطان لا يزال بالإنسان حتى يُوقعه في هذه العداوة البغيضة التي تقطع الصلات، وتُفسِد المودَّات، قال رسول الله -[- قال: «إنَّ الشيطان يئس أن يَعبُده المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»، والتحريش هو: التَّحْريض بالشَّرِّ بين الناس حتى يَختصموا ويَقتَتِلوا، والمؤمن الصادق يتعامل مع الناس من مُنطلَق قول ربنا -سبحانه وتعالى-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: 34)، ولأجْل أنَّ هذا التعامل صعب على النفوس الضعيفة والمُندفِعة والمتهورة؛ قال الله -تعالى- في الآية التي تليها: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت: 35). عبادة يحبها الله لذلك علينا أن نتخلق بهذا الخلق، وأن نتعبد لله بهذه العبادة، نعم، إصلاح ذات البين عبادة يحبها الله، بعض الناس يحاول أن يتنصل أو يبتعد عن هذه المسؤولية وعن هذه العبادة! يقول: ليس لي علاقة باثنين متخاصمين، نقول: لا، لك علاقة فالله -تعالى- أمرنا فقال -سبحانه-: {فأصلحوا بينهما}، هذا الكتاب العظيم القرآن الكريم إنما نقرؤه لأجل أن نعمل بما فيه، ليس فقط لأجل أن نقرأه وأن نمر على الآيات دون أن تكون واقعا عمليا في حياتنا. سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته وفي سيرته له أمثلة عظيمة في الصلح بين المختلفين، والمتنازعين، والمتخاصمين، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هناك خلافا بين الأوس والخزرج، فكل واحد منهم ينادي صاحبه بقبيلته يقول: يا للأوس والآخر يقول: يا للخزرج، وارتفعت أصواتهم حتى نُقل ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فماذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ ما انتظر حتى يلبس رداءه، بل جر النبي - صلى الله عليه وسلم - رداءه يلبسه وهو في الطريق في إشارة للاستعجال في إصلاح ذات البين، حتى لبس النبي - صلى الله عليه وسلم - رداءه وهو يمشي في الطريق، ثم جاءهم فنصحهم ووعظهم وذكرهم بالله -تعالى- وقال: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها منتنة». مثيرو الدعوات الطائفية أو القبلية مع الأسف -اليوم- بعض الناس يثيرون هذه الدعوات وتلك النعرات الطائفية أو القبلية أو الفئوية أو غيرها من الدعوات التي تؤدي إلى الاختلاف والقطيعة، وكل واحد يحاول أن يرجع إلى قبيلته أو عائلته أو طائفته حتى يتفرق الناس، هذه الفرقة وهذا النزاع لا خير فيه، قال الله -تعالى-: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، قوة البلد، وقوة الجماعة، وقوة الناس، وقوة أي دولة من الدول بتكاتفها واجتماعها، قال الله -عزوجل-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}. الإصلاح بين الزوجين ومن الإصلاح، الإصلاح بين الزوجين وهذا أعظم أنواع الإصلاح، والله -عزوجل- قال عن الإصلاح بين الزوجين: {أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}، الصلح بين الزوجين فيه خير للزوج وفيه خير للزوجة وفيه خير للأولاد، فإذا تردد أحد الزوجين في الرجوع للآخر فليتذكر دائما قول الله -تعالى-: {أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}، ما أجمل أن يتنازل الإنسان ويتواضع ويعفو، ويسمح ويتسامح، ويتسامى فوق الجراح لأجل أن يطبق هذه الآية الكريمة! بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيّن وأخبر أنه أجاز الكذب لمن أراد أن يصلح بين الاثنين، عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس الكذَّابُ الذي يُصْلِحُ بينَ النَّاسِ فيقولُ خَيرًا، أو يَنْمِي خَيرًا، قالتْ: ولم أسمَعْهُ يُرَخِّصُ في شيءٍ ممَّا يقولُ النَّاسُ مِنَ الكَذِبِ إلَّا في ثلاثٍ: الإصلاحِ بينَ النَّاسِ، وحديثِ الرَّجُلِ امرأتَهُ، وحديثِ المرأةِ زَوْجَها»، ينمي خيرا أي يصلح بين الاثنين، ومع الأسف بعض الناس -اليوم- أصبحوا وسائل إفساد وليسوا وسائل إصلاح. خلق كريم وعبادة عظيمة إننا أمام قاعدة عظيمة وخلق كريم، وعمل جليل، وعبادة من العبادات التي أمر الله -تعالى- بها، عبادة نحتاجها اليوم أن تكون واقعا عمليا في حياتنا، إصلاح ذات البين، التي يَنبغي أن يُمارسها أفراد المجتمع كلما وجدوا أنفسهم في دائرة خلاف أو شِقاق، قد تجرُّهم إلى طريق كله بَغضاء وشحناء، لا يوجد فيه رابح وفائز ومُنتصِر، فالكلُّ في نهايته خاسِر، والخسارة لا يُشترط أن تكون في المادة فحسب، بل إنَّ خسارة الأصحاب والخلان، لهي أعظم الخسارة، كيف لا؟ وهي تهدم المجتمع هدمًا، وتورث العداوة والبغضاء بين أفراده وفئاته. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (5) إن الله كتب الإحسان على كل شيء مقام الإحسان مقام رفيع فهو غاية مراد الطالبين ومنتهى قصد السالكين لأنك تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك علينا أن نتذكر هذه القاعدة عن نبينا صلى الله عليه وسلم ونتخذها منهجا في حياتنا (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) بمعنى أن الله كتب الإتقان على كل شيء من القواعد النبوية العظيمة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» هذه القاعدة يستفيد منها المسلم أن الله -عز وجل- كتب الإحسان، ومعنى الإحسان: الإتقان في كل شيء، في العبادة، وفي طاعة الله -تعالى-، حتى في أعمال الإنسان الدنيوية الله كتب فيها الإحسان، بمعنى أن الله -تعالى- أمر بالإحسان، وأصل هذه القاعدة من حديث نبوي كريم قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحِدّ أحدكم شفرته، وليُرِح ذبيحته»، بمعنى حتى لو أراد الإنسان أن يذبح شيئا من بهيمة الأنعام، فإن الله كتب في ذلك الإحسان، مع أنها دابة أو بهيمة وأنها مذبوحة، لكن مع ذلك الله كتب عليه الإحسان حتى في هذا الأمر اليسير، فما بالكم بما هو أعلى؟! والإحسان ينقسم إلى أقسام عدة، منها: الإحسان في عبادة الله -تعالى-، وأصل الإحسان في عبادة الله هو حديث جبريل، لما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأل رسول الله قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، تخيل لما تتعبد لله -تعالى- في عبادة، الصلاة على سبيل المثال كأن الله -تعالى- يراك، وفي الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا كبّر العبد كان الله تلقاء وجهه»، إذًا كيف ستكون هذه الصلاة؟! لما تعلم أن الله مطلع عليك، وأن الله يرى هذه الصلاة، ويرى حركاتك وسكناتك! لا شك أنك سوف تتقنها إتقانا، بمعنى أنك سوف تحسن فيها. الإحسان في الصدقة ومثلها أيضا الصدقة، عندما يتصدق الإنسان بصدقة، ويعلم أن الله -تعالى- مطلع عليه، والله أمر بالإحسان في الصدقات، سيخرجها أولا لله -تبارك وتعالى-، لا يخرجها لأجل أن تراه الناس، حتى يقال كريم، أو حياءً من الناس، إنما يخرجها لله -تعالى-، ويعلم أن الله سيضاعف له هذه الحسنات، وإذا تصدق فإنه لا يمن بصدقته، {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}، ما هو الأذى الذي يتبع الصدقة؟ عندما يمن الإنسان على ذلك المسكين أو الفقير، فمن الإحسان في الصدقة أن ينفقها لأجل الله ولا يمن فيها. الإحسان في سائر العبادات وهكذا سائر العبادات، الإحسان في عبادة الله، الإحسان في معاملة الوالدين كما قال الله -تعالى- {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}، بمعنى أنك تتذلل وتتقن خدمتك لوالديك وبرك بهما، وهذا من أعظم الأعمال التي قرنها الله -تعالى- مع عبادته، وما قرن الله مع عبادته مثل بر الوالدين، الإحسان بالوالدين يتطلب من الإنسان أن يحسن إليهما بالقول، وأن يحسن إليهما بالفعل، وأن يتذلل لهما، قال الله -تعالى- {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}، يخفض الإنسان جناحه لوالديه يتذلل لهما، وهذا من أعظم العبادات التي أمر الله -تعالى- بها. بعض الأبناء أو البنات اليوم -مع الأسف- إلا من رحم الله تجده يناقش والديه، يرفع صوته عليهما، مجرد النقاش والحوار هذا أمر مطلوب، لكن لابد أن يكون بتقدير، وأن يكون باحترام وتبجيل، فتبجيل الوالدين واحترامهما وتقديرهما، هذا من بر الوالدين. الإحسان للوالدين أن تسمع كلامهما، وأن تنفذ أمرهما، من الإحسان للوالدين والبر بهما الدعاء لهما سواء كانوا أحياءً أم أمواتا؛ ولذلك لما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل: يا رسول الله، هل بقي من بر والدي شيء بعد وفاتهما؟ قال: «نعم، الصدقة عنهما، والدعاء لهما، وصلة رحمهما، وزيارة صديقهما». صلة الأرحام صلة الأرحام - أقارب الأب والأم - هذا من بر الوالدين وهم أحياء، ويتأكد وهم أموات، وأن تحسن إلى صديقات والدتك وأصدقاء والدك بزيارتهم والإهداء لهم، بالاتصال عليهم في بعض المناسبات كبداية رمضان والأعياد، والمشاركة معهم بالأفراح والأتراح، كل ذلك بر بالوالدين؛ لأن والده أو والدته كانوا يحبون هذا الشخص أو هذه العائلة أو كان بينهم علاقة صداقة أو زمالة، فهذا من بر الوالدين، وهذا يرجع للقاعدة الأساسية (إن الله كتب الإحسان على كل شيء). الإحسان في العمل حتى في العمل، إذا كان الإنسان في وظيفة، سواء كانت وظيفة حكومية أم خاصة أم حتى علاقة تجارية، عليك أن تتقن هذا العمل، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه». الإتقان في العمل والإحسان فيه طاعة وقربة لله -جل وعلا. دائما نتذكر هذه القاعدة وهذا القول النبوي الشريف عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ونتخذها منهجا في حياتنا (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) بمعنى أن الله كتب الإتقان على كل شيء. مكانة الإحسان وفضله مقام الإحسان مقام رفيع؛ فهو غاية مراد الطالبين، ومنتهى قصد السالكين، أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. الإحسان خلق جميل، وهو دليل على النبل، واعتراف بالفضل، وعرفان للجميل، وقيام بالواجب، واحترام للمنعم، وينبئ عن الصفاء، وينطق بالوفاء، ويترجم عن السخاء؛ فبالإحسان يشُترى الحب، ويُخطب الودّ، وتكسب النفوس، ويُهيمن على القلوب، وتستعبد الأفئدة؛ فالإحسان عطاء بلا حدود، وبذل بلا تردد، وإنعام دون منٍّ، وإكرام لا يلحقه أذى. فالمحسن لا يؤذي أحدا، فإن آذاه أحد عفا وصبر وصفح وغفر، وإذا عامل الناس عاملهم بالفضل والإحسان، فيعطيهم وإن منعوه، ويَصِلهم وإن قطعوه، ويمنّ عليهم وإن حرَموه، وإنما كان كذلك؛ لأنه كان بالله غنيا، وبه راضياً، ومنه قريباً، ولديه حبيباً. فمَن أحسن مع الله أحسن مع الناس، ووجد في قلبه سهولة الإحسان إليهم، كما قال -تعالى-: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت: 34-35). والإحسان صفة من صفات الله -عز وجل-؛ فهو -سبحانه- المحسنُ في خلقه، المحسن إلى مخلوقاته، بيده الخير كله، وله ينسب الفضل كله، هو الذي خلق الخلق فأحسنه وجمّله وأبدعه على غير مثال سابق؛ قال -سبحانه وتعالى عن نفسه-: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} (السجدة: 6 - 9). وهو -سبحانه- المحسن المنعم على عباده؛ فقد أنعم -سبحانه- على العباد وأحسن إليهم بنعم لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم أنواع الإحسان أن الله -سبحانه- يعفو ويغفر لمن أذنب، ويتوب على من تاب إليه، ويقبل عذر من اعتذر إليه. {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (الشورى: 25). اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (6) أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا قاعدة عظيمة من قواعد النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا»، وهذه جاءت في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -، وهو جندب بن جنادة - رضي الله عنه - وهو صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان من أوائل من أسلم مع رسولنا -صلوات ربي وسلامه عليه. وأول ما جاء وأسلم وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، قال: يا رسول الله، أرسلني إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اذهب إلى قومك فادعهم إلى لا إله إلا الله. لاحظوا معي أنه أسلم للتو، تعلم مبادئ الإسلام، تعلم الشهادتين لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم ذهب إلى قومه وبيّن لهم أنه لا معبود بحق إلا الله -تبارك وتعالى-، وأن محمدا هو رسول الله رب العالمين، أرسله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور. مباشرة قبيلته وهي قبيلة غفار قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليعلنوه الإسلام، ولما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة قد جاءت إليه قال: من هؤلاء؟ قالوا: يا رسول الله، هذه غفار جاءت تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: غفار غفر الله لها، وهذه من بركة أبي ذر الغفاري جندب بن جنادة - رضي الله عنه - على قومه، أنه جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لقومه. وصية عظيمة هذا الصحابي الجليل روى لنا هذه الوصية العظيمة وهي: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ»، وهي وصية عظيمة جدًا؛ لأن الإنسان من طبعه الخطأ والزلل والنقص، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل بني آدم خطاء»؛ فكلنا ذوو خطأ، كلنا ذاك الإنسان الذي يصدر عنه الخطأ والتقصير في الواجب والمعصية واقتراف الذنب. كيف نكفر عن سيئاتنا؟ إذا كانت هذه حالنا وهذه طبيعة بني آدم أنه يذنب ويخطئ ويقصر، كيف يكفر عن سيئاته؟ كيف يمحو الذنوب والأخطاء والمعاصي؟ يمحوها بهذه القاعدة العظيمة الجليلة قال: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها». إذا فعلت معصية فأتبعها بحسنات، صلاة، وذكر لله -تعالى-، أو صدقة، أو بر بالوالدين، وإحسان للفقراء والمساكين، أو قراءة قرآن، ودعاء لله -جل وعلا-، إذا أخطأت خطأ فأتبعه مباشرة بحسنات، فإن هذه المعاصي ستُمحى بفضل الله وكرمه؛ لأنك أتبعتها بحسنات، قال الله -تعالى-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}. فضل وإحسان وكرم من الله -جل وعلا- أن الله يمحو عن الإنسان ذنوبه وخطاياه وسيئاته، بماذا؟ إذا هو عمل الأعمال الصالحة، الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن. نعم، هي طاعات وتسجل في ميزان الحسنات إلا أنها تمحو المعاصي والذنوب والأخطاء. فضل الله وكرمه وإحسانه بل الأعظم من هذا فضل الله وكرمه وإحسانه -تعالى- على عباده المؤمنين، أنه يبدل هذه المعاصي والذنوب إلى حسنات. قال الله -تعالى-: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}، ما أعظم فضل الله! وما أعظم رحمة الله! وما أعظم إحسان الله على عباده! الله -تعالى- رحيم بنا، الله لطيف بعباده، إذا أخطأت فلا تقنط من رحمة الله، لا تيأس من مغفرة الله وإحسانه، بل بادر بالإحسان والعمل الصالح «وأتبع السيئة الحسنة تمحها»، قاعدة عظيمة جدا في تعامل الإنسان مع نفسه وأخطائه. كيف أفعل إذا أذنبت؟ أتبع السيئة الحسنة تمحها. وعندما رُؤي بعض الصحابة أنهم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل في وسط المعركة ويقاتل ويشد على نفسه، قالوا: لماذا أنت تشد على نفسك وتبدأ بالقتال حتى قبل بداية المعركة؟ قال: ذنوب فعلتها قبل إسلامي أريد أن يكفر الله من ذنوبي بفعلي هذا أو بجهادي في سبيل الله. بادر بالعمل الصالح فإذا ما أخطأ الإنسان أو أذنب في حق نفسه أو في حق الله تعالى، بادر بالعمل الصالح، بادر بالحسنات، أقبل على الله تعالى بصلاة أو صيام أو زكاة أو عبادة أو ذكر لله تعالى، الله يمحو عنك سيئات، وهذا مصداق حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القاعدة العظيمة قال: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)، ما أعظم هذه الوصية! وما أشد حاجتنا لها! إذا ما اقترف الإنسان ذنبا أو قصّر في واجب، عليه أن يبادر بالأعمال الصالحة، ونحن في هذا الزمن الفاضل علينا أن نجتهد بالأعمال الصالحة، الله -عزوجل- يرضى عنا، ويكفر عنا الذنوب والخطايا والسيئات. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (7) اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ
من القواعد النبوية العظيمة التي جاءت في حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - الذي قال فيه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ»، والحديث فيه ثلاث قواعد من جوامع كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتحتوي على معان عظيمة، فيها علاقة الإنسان أولا مع الله -تعالى-. ثانيا: علاقة الإنسان مع نفسه. ثالثا: علاقة الإنسان مع الناس من حوله، وأول هذه القواعد وأسها وأساسها -التي تضمن للإنسان السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة- (اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ). قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الوصية العظيمة موصيا جميع المؤمنين أن يتقوا الله -تعالى- أينما كانوا في سفر أو حضر، كانوا بمفردهم أم مع الجماعة، على الإنسان أن يكون متقيا لله -تعالى-، فما معنى تقوى الله؟ ما معنى أن يكون الإنسان متقيا لله -تعالى؟ الإجابة سهلة ويسيرة، أن يعمل بالطاعة ويبتعد عن مخالفة الله -تعالى- والمعصية، يعمل بالطاعة ويحذر من المعصية، وهذا ما أجمع عليه علماء المسلمين، أنّ تقوى الله -تعالى- هي العمل بطاعة الله والبعد عن معاصيه. وصية عظيمة اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، هذه الوصية العظيمة، الوصية بتقوى الله -تعالى- هي وصية الله -جل وعلا- لجميع الناس، قال ربنا -جل وعلا-: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ}، إذًا ليست الوصية بتقوى الله فقط لأمتنا أمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل حتى الأمم الماضية الله -تعالى- أوصاهم بتقواه، ومن اتقى الله فرّج الله عنه كل هم وكل غم وكل مشكلة يقع فيها، ويجعل الله له منها مخرجا، قال ربنا -جل وعلا- {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، الإنسان يقع في مشكلات في الحياة الدنيا في عمل، في وظيفة، في تجارة، في مشكلة اجتماعية، وفي غيرها، وفي بعض الأحيان تكون هذه المشكلة مغلقة ليس لها حل، فمن كان ملازما لتقوى الله، الله -تعالى- يكتب له فرجًا ونجاةً وتيسيرا من طريق لا يشعر به. ولا يظن أن هذا الطريق أو هذا الباب سيأتي منه الفرج، وقول الله -تعالى- حق وصدق {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا }، مشكلة اجتماعية، أو مشكلة أسرية، أو مشكلة مع الأولاد، أو مشكلة في الدوام، أو في التجارة أو في الدراسة أو في غيرها، الله -عز وجل- يجعل لك فرجا ومخرجا ونصرا وفوزا من طريق لا تتوقعه، ممكن تظن أنه سيأتيك الفرج أو التيسير، لكن لم تكن تظن أنه سيأتيك من هذا الباب، {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} أي من حيث لا يظن. وصية جميع الأنبياء والمرسلين وهذه الوصية بتقوى الله -تعالى- هي وصية جميع الأنبياء والمرسلين لأقوامهم؛ لذلك جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوصانا بهذه الوصية (اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ)؛ لأن بعض الناس إذا كان مع الناس ومع الجماعة في الأماكن العامة تجده يحذر ويخاف ومتقيا وملتزما ببعض الأمور إما في العبادة أو غير ذلك. أما إذا كان بمفرده فإنه ينتهك محارم الله -تعالى-؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ»، والله -عز وجل- أوصانا بالتزود من التقوى؛ فقال {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}. فخير ما يتزود به الإنسان، وهو خير من الدنيا وما فيها أن يتزود بتقوى الله. كيف يتزود الإنسان بالتقوى؟ بأن يحافظ على ما أمر الله -تعالى- به، وما أمر الله به يسير والحمد لله؛ فديننا دين يسر وسهولة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بعثت بالحنيفية السمحة»، ديننا دين سهولة ويسر، صل قائما فإن لم تستطع فجالسا، فإن لم تستطع فعلى جنب. الله -تعالى- افترض علينا الصيام، ثم قال الله -تعالى-: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، وهذه من أوضح الدلالات على أن دين الإسلام دين يسر وسهولة وتيسير، ليس دين شدة وتعنت على المؤمنين. لذلك على الإنسان أن يكون حريصا على هذه الوصية العظيمة، وهذه القاعدة النبوية الجليلة (اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ) في إقامته وفي سفره، أمام الناس أو كان بمفرده، بالليل أو بالنهار، على الإنسان أن يتق الله حيثما كان، حتى يكتب الله له تيسيرا وفرجا ونصرا من حيث لا يحتسب. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (8) احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُــكَ أعظم ما ينفع الإنسان هو عبادته لله جل وعلا من الصلاة والصيام والزكاة والحج فعلى الإنسان أن يكون مبادرًا حريصا على طاعة الله عز وجل احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ قاعدة نبوية عظيمة يحتاجها الإنسان في كل عمل من أمور الدنيا وأمور الآخرة قاعدة عظيمة من القواعد التي ذكرها لنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمل من أن نرجع إلى سنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وأن نأخذ منها العظة والعبرة بما ينفعنا في ديننا وفي دنيانا. وفي سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - خير عظيم، قال الله -تعالى-: {وإن تطيعوه تهتدوا}. هذه القاعدة تنفع الإنسان في الدنيا في الأمور المادية والأمور الحياتية، وتنفعه أيضا عندما يقابل الله -تعالى- يوم القيامة. كذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ»، وهذه القاعدة مأخوذة من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه عبدالرحمن بن صخر الدوسي (أبو هريرة) - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ». ما الأمر الذي ينفعك؟ (احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ)، قاعدة نبوية عظيمة يحتاجها الإنسان في كل أمور حياته الدينية والدنيوية.أولا: عبادة الله -عز وجل أعظم ما ينفع الإنسان هو عبادته لله -جل وعلا- من الصلاة والصيام والزكاة والحج، وعلى الإنسان أن يحرص عليها وأن يجتهد فيها، وأن يبادر إليها، وألا يفرط فيها، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}. فعلى الإنسان أن يكون مبادرًا ومسارعًا وحريصًا أشد الحرص على عبادة الله، فإذا أذن المؤذن قام فتوضأ وصلى في الوقت الذي أراده الله -تعالى-؛ لأنه من الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس أنهم يؤجلون الصلوات إلى خارج أوقاتها، وهذا خطر على الإنسان؛ لأن الله -تعالى- قال: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}، يعني وقت محدد، له وقت بداية وله وقت نهاية. فعلى الإنسان أن يحرص الإنسان على الصلاة (احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ)، أعظم ما ينفعك في الدين والدنيا حتى في رزقك، حتى في دراستك، حتى في أمورك الاجتماعية، حتى في وظيفتك، في كل شيء الذي ينفعك عبادة الله -تعالى-؛ لأن الله -عزوجل- يكتب التوفيق والسعادة والهداية لمن حافظ على العبادة، ولا سيما أمر الصلاة، يقول الله -تعالى-: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}. بعض الناس اليوم يبذلون أسبابا في تجارة أو عمل أو وظيفة، وينسون سببا عظيما من أسباب التوفيق في هذا الأمر الذي أقدم عليه، إن كانت دراسة أو تجارة أو زواجا أو غير ذلك، وهو الصلاة. صلاح الإنسان وتوفيقه متوقف على علاقته بالله -تعالى- من خلال الصلاة؛ لذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «احرص على ما ينفعك». وسائر العبادات على هذا المنوال، أن يكون الإنسان حريصا عليها؛ لأن الله -تعالى- سيحاسب الإنسان يوم القيامة عن هذه العبادة. هل عَبَدَ الله -تعالى؟ هل أدى الواجبات أم أنه قصّر فيها؟ ثانيًا: المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ، وفي كلٍ خيرٌ»؛ لذلك فإن الأمر الثاني الذي يحتاج إليه الإنسان في حياته أن يكون حريصًا على ما ينفعه، إن كان في دراسته عليه أن يكون حريصًا على التفوق في دراسته، وأن يبحث عن أفضل المدارس وأفضل المدرسين، وأن يسعى أن يكون في أعلى المراتب، وكذلك في تجارته، احرص على ما ينفعك، فبعض الناس -مع الأسف- عنده كسل. الاستعاذة من العجز والكسل والنبي - صلى الله عليه وسلم - استعاذ بالله من العجز والكسل، بل كان ذلك من أدعية النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصباح وفي المساء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلا حزينا جالسا في ناحية المسجد- قال: ما بك؟ قال: يا رسول الله، ديون وهموم لحقتني، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ألا أعلمك كلمات تقولها إذا أصبحت وإذا أمسيت يذهب الله عنك ما تجد، قلت: بلى يا رسول الله، قال: «قل اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال». هذا الذي استعاذ منه النبي - صلى الله عليه وسلم . حال الشباب اليوم مع الأسف تسأل اليوم بعض الشباب لماذا لا تذاكر؟ لماذا لم تبدأ بتجارة أو عمل؟ لماذا لا تذهب للمسجد فتصلي؟ يقول: أنا كسلان! أو أنا أعجز عن هذا الأمر، وهكذا الكسل يقضي على كثير من الأعمال العظيمة التي ترتقي بالإنسان في مراتب الدين ومراتب الدنيا، فلا يكن الإنسان كسولا ولا عاجزا بل يجتهد، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ وفي كلٍ خيرٌ». الله يحب القوي الذي يجتهد والذي يعمل والذي يبذل، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} يجتهد الإنسان في عبادة الله ولا يكون كسولا، حتى في أموره الدنيوية لا يكون كسولا بل يكسب تجربة من هذا العمل ومن ذاك، ولو زلت قدمه في بعض الأحيان، لم ينجح في دراسة أو خسر في تجارة أو فشل في عمل من الأعمال، إذا سقط لابد أن ينهض ويستيقظ ويبحث عن عمل آخر ويدرس مرة أخرى، المهم أنه لا يتوقف عن العمل. وثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها»، حتى لو كان في ذلك اليوم العظيم وقامت القيامة والناس في هلع وخوف شديد؟! نعم مع ذلك لو كان في يده فسيلة فليحفر وليكمل هذا العمل. المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف. احرص على ما ينفعك ولا تعجز. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (9) احفظ الله يحفظك
من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله -تعالى- آتاه جوامع الكلم، يقول الكلام القليل الذي يحوي المعاني العظيمة، ومن جوامع كلمه، هذه القاعدة العظيمة (احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ)، هذا جزء من وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن عباس ولجميع الأمة؛ لأنه كما تقول القاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن عباس -وكان غلاما صغيرا-: «يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ»، وهذا دليل على أنه كان صغيرا، بعض الناس يقول هذا طفل صغير لا يعقل ولا يفهم! ومع ذلك علّمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لم يتجاوز العشر سنين، قال: «يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ». وصية عظيمة وقاعدة نبوية كريمة «احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ» كلنا نرجو أن يحفظنا الله -تعالى- ويرعانا، مَن أراد أن يحفظه الله -تعالى- ويحوطه ويحرسه ويرعاه فعليه أن يحفظ الله، والجزاء من جنس العمل، فكما أنك حفظت الله -تعالى- فالله -عزوجل- يحفظك. كيف أحفظ الله -تعالى؟ والسؤال، كيف أحفظ الله -تعالى- والله غني عن عباده؟ إذا أردت أن تحفظ الله، احفظ أوامر الله، الله -تعالى- أمرنا بأوامر، ونهانا عن نواه، فإذا حفظنا الله وأطعناه في هذه الأوامر وانتهينا عن هذه النواهي بذلك نكون حفظنا الله -تعالى-، فالله يحفظنا. الإنسان يحتاج إلى معية الله -تعالى-، يرعاه، ويسدده، ويوفقه، ويهديه، فالطالب في دراسته، والتاجر في تجارته وبيعه وشرائه، والمعلم في تعليمه لطلابه وتلاميذه، وأولياء الأمور مع أولادهم، كل واحد يرجو أن يوفقه ويسدده ويهديه في هذا العمل الذي يقوم به. إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ»، احذر أن تدعو غير الله -تعالى-، وهذه من أهم المهمات، أن يفرد الإنسان ربه وخالقه ومولاه بالعبادة. وأعظم العبادات الدعاء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم - : «الدعاء هو العبادة»؛ لذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن عباس ولكل الأمة: لا ترفعوا أيديكم ولا تدعوا غير الله -تعالى-، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، لا تدعو غير الله، إذا سألت فاسأل الله، الله -تعالى- قريب من عباده، كما قال الله -جل وعلا-: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}. ادع الله في كل شؤونك إذا سألت فاسأل الله، كان الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم- يدعون الله في كل أمورهم وشؤونهم، حتى أنهم في بعض الأحيان يدعون الله -تعالى- إذا انقطع نعل أحدهم، مع أنه أمر يسير، ينظر له بعض الناس أنه أمر مُحتقر وأنه ليس بالأمر الشديد، لكن مع ذلك ولشدة حاجتهم إلى الله -تعالى-، أنهم يدعون الله -جل وعلا- حتى إذا انقطع شراك نعل أحدهم. وهذا ما نحتاجه اليوم إلى أن نتعلمه، إلى أن نتعلم الدعاء، وأن ندعو الله -تعالى- في كل أحوالنا في أوقات الإجابة، بين الأذان والإقامة، في ثلث الليل الآخر، في أثناء السجود، وبعد التشهد الأخير، ودعوة الوالد لولده، ودعوة الأم لولدها: فهذه كلها مواطن إجابة. «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» بعض الناس دائما قلبه معلق بالأسباب، ومعلق بالخلق، لا تتعلق بغير الله -تعالى-؛ فهو الذي بيده ملكوت السموات والأرض، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}. كلنا نبحث عن الهداية، كلنا نبحث عن أسباب التوفيق والسداد والنجاح والتميز والتفوق، من أراد ذلك فعليه أن يستعين بالخالق الواحد الأحد، لذلك في سورة الفاتحة في كل صلاة نقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. أي لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (10) الحَياءُ لا يَأْتي إلَّا بخَيْرٍ قال الله -تعالى-: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. أسوة حسنة، أي قدوة في الحياة، نستفيد منه في الأخلاق وفي التعامل، في علاقتنا مع الله -تعالى- وفي عبادتنا في الطريق الموصلة إلى الجنة؛ لأن في طاعته الهداية والسعادة. {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. قاعدة اليوم (الحَياءُ لا يَأْتي إلَّا بخَيْرٍ)، فديننا دين أخلاق، دين تعامل؛ بحيث يكون الإنسان عنده حياء أولا من الله ثم حياء من الناس، هذا الحياء لا يأتي إلا بخير، وأصل هذه القاعدة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما رأى رجلا يعظ أخًا له في الحياء، ودعاه إلى ألا يستحيي، نهاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له: «دعه، فإن الحَياء لا يَأْتي إلَّا بخَيْرٍ»؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - بيّن أن ديننا دين أخلاق، بل من مقاصد بعثته -صلى الله عليه وسلم - إتمام مكارم الأخلاق، قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «إنَّما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ». ولما بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم - شعب الإيمان قال -صلى الله عليه وسلم -: «الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبةً، أعلاها قولُ لا إله إلا اللهُ، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ» من دين الله -تعالى- أن يكون الإنسان حييا أن يكون عند الإنسان حياء من الله -تعالى- ثم حياء من الناس، من أن يقترف أمرا محرما أو أمرا مخلا بالآداب العامة، أو أمرا مخلا بالمروءة؛ فإن هذا من دين الله -تعالى- أن يكون الإنسان حييا، والله -تعالى- حيي ستير، فهي صفة من صفات الله -تعالى-، أن الله -تعالى- يستحيي من عبده. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللَّهَ حيِيٌّ كريمٌ يستحيي إذا رفعَ الرَّجلُ إليْهِ يديْهِ أن يردَّهما صفرًا خائبتينِ»، وهذا من فضل الله ومن كرم الله ومن إحسان الله أن الله لا يرد عبده أبدا، بل يعطيه خيرا في هذا الدعاء. الحياء شعبة من شعب الإيمان إذًا الحياء شعبة من شعب الإيمان، وهو خلق من أخلاق الإسلام، بل بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم - أن من أعظم أخلاق الإسلام الحياء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «لكلِّ دينٍ خُلقٌ وخلقُ الإسلامِ الحياءُ، من لا حياءَ له لا دينَ له»، وكل دين له خلق يميزه، وديننا أعظم ما يتميز به: أن أفراده عندهم هذه الصفة، هي الحياء. الرجل لابد أن يستحيي، والمرأة أيضا لابد أن تستحيي، وكذلك الصغير والكبير ينبغي أن يكون عندهم حياء أولا من الله، من اقتراف المحرمات، فلا يراك الله -تعالى- حيث نهاك، أو أن يفقدك حيث أمرك. قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «استحيوا من اللهِ -تعالى- حقَّ الحياءِ، من اسْتحيا من اللهِ حقَّ الحياءِ فلْيحفظِ الرأسَ وما وعى ، ولْيحفظِ البطنَ وما حوى، ولْيذكرِ الموتَ والبِلا، ومن أراد الآخرةَ ترك زينةَ الحياةِ الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من اللهِ حق الحياءِ». من تذكر هذه الأمور وفعلها فإنه قد استحيا من الله حق الحياء. أمثلة عظيمة في حياء النبي - صلى الله عليه وسلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرب لنا أمثلة عظيمة في حيائه من الله -تعالى- وفي حيائه من الناس، قال عمران بن الحصين - رضي الله عنه -: «كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - أشدَّ حياءً من عذراءَ في خِدْرِها وكان إذا كرِه شيئًا عرَفْناه في وجهِه»، العذراء في خدرها هي البنت الصغيرة التي لم يسبق لها الزواج؛ فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد - أي أكثر - من العذراء في خدرها، يستحيي من الناس إذا طلب منه أحد شيئا أو أن يقترف أمرا محرما. مع الأسف اليوم بعض شبابنا افتقدوا هذه الصفة وهذه الخصلة الجميلة من أخلاق الإسلام؛ فعلينا أن نربي أولادنا، وأن يتصف شبابنا وبناتنا أيضا بهذه الصفة الجميلة وهذا الخلق العظيم من أخلاق الإسلام، أن يكون عندهم حياء من الكلام البذيء، أو فعل ما يستقبح من الأفعال والأمور التي يستنكرها الناس. تقول له: ما المانع أن تفعل هذا الأمر؟ يقول: والله انا أستحيي أن أفعل هذا الأمر أمام الناس. ومع الأسف الشديد تجد اليوم بعض الشباب لهم ملابس قد تكون مخلة بالآداب؛ والسبب أنه ما تعلم هذا الخلق الرفيع وهذا الخلق العظيم، خلق الحياء؛ لأنه هو خلق الإسلام، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لكلِّ دينٍ خُلقٌ وخلقُ الإسلامِ الحياءُ». إننا في أشد الحاجة اليوم إلى أن نرجع إلى سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وإلى أخلاق ديننا؛ فهي من أعظم الأخلاق على الإطلاق، ويجب علينا أن نلتزمها التزمنا بها وجعلناها واقعا عمليا في حياتنا. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (11) الدين النصيحة
النصيحة لأربعة الدين كله متوقف على النصيحة لأربعة:
تَعَمَّدني بِنُصْحِكَ في انْفِرَادِي وجنِّبني النصيحةَ في الجماعهْ فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ من التوبيخِ لا أرضى استماعه لا أحد يرضى أن يُنصح علانية أو أمام الناس، سواء كان من أئمة المسلمين أم من عامتهم؛ فيحتاج الإنسان إلى أن تكون النصيحة في السر، وأن يُخلص الناصح لله -تعالى-، وأن يترفق في نصحه وإرشاده، ويبين للمنصوح أنه يحبه ويريد له الخير. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (12) القرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك
اليوم نحن أحوج ما نكون إلى أن نرجع إلى سنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، ونتعلم سيرته وحديثه وسنته، ونعمل بما جاء فيها، قال الله -تعالى-: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، ومن أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - العظيمة التي تعد قاعدة من القواعد المهمة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «والقرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك». هذا القرآن الذي خاطبنا الله -تعالى- به، وأنزله على رسوله ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، إما أن يكون حجة للإنسان أو حجة عليه، حجة له إذا قرأه وتدبره وعمل بما جاء فيه، وهذه كلها من معاني الإقبال على كتاب الله -تعالى-، قال الله -عزوجل-: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}. القرآن عظيم القرآن عظيم، والقرآن سعادة، والقرآن راحة، قال ربنا -جل وعلا-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، فيحتاج الإنسان إلى أن يتعلم هذه القاعدة، ويعلم أن القرآن -يوم القيامة- يكون شفيعا لنا عند الله -تعالى-، يأتي القرآن شفيعا لأصحابه الذين كانوا يقرؤونه، الذين كانوا يرتلونه ويحفظونه في الدنيا، «يُقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها». القرآن صاحب للإنسان فالقرآن صاحب للإنسان في الدنيا، وصاحبه حتى إذا دخل الجنة، بأن يرتقي أعلى المراتب، والقرآن والصيام يشفعان لصاحبهما يوم القيامة، مع أنه واجب علينا أن نقرأ القرآن، وأن نُقبل على كتاب الله -تعالى-، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بيّن لنا أجورا وفضائل وحسنات لمن قرأ القرآن، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أما إنِّي لا أقولُ لكم: {الم} حرفٌ ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ، ثلاثونَ حسنةً»، بمعنى كل حرف بعشر حسنات، فألف لام ميم ثلاثون حسنة، الله أكبر على هذا الفضل العظيم، وهذا الأجر الكبير، إذا كانت هذه الأحرف بثلاثين حسنة، فما بالكم بمن كل يوم يختم جزءا من القرآن، وهو سهل يسير على من يسره الله -تعالى- عليه. قال الله -عز وجل-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}. القرآن الكريم سهل يسير الإنسان يُقبل على القرآن الكريم بسهولة ويسر، ويتعلم كلام الله -تعالى-، ويتعلم كيف يقرأ كلمات القرآن، يتعلم التجويد، وهذا سهل يسير، اليوم -الحمد لله- حلقات العلم ومراكز تعليم القرآن الكريم، لا تجد منطقة من المناطق في الكويت إلا وبها مركز من مراكز تعليم القرآن الكريم، والحمد لله اليوم مع تطور علم الحديث أصبحت الحلقات الإلكترونية، وأصبح التعليم عن بعد، وأصبحت الفصول الافتراضية، يستطيع الإنسان أن يتواصل مع معلمه ومحفظه، المرأة مع معلمتها ومحفظتها، تسمع عن طريق السماعة وعن طريق الهاتف والحلقة الإلكترونية، يستطيع أن يقرأ ويتلو ويصحح القراءة، المهم أن تقبل على كتاب السعادة، كتاب الفرح، كتاب الانشراح، كتاب البركة. {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}. سعادة زائفة اليوم -مع الأسف- بعض الناس يلجأ إلى بعض الأسباب المادية، يبحثون عن السعادة وعن الراحة والطمأنينة، وما علموا أنها في كتاب الله -تبارك وتعالى-، السعادة والراحة في القرآن الكريم، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحب قراءة القرآن ويحب الاستماع إليه، فكان يوما مارا في طريقه إلى بيته، فاستمع إلى قارئ للقرآن يقرأ داخل المسجد، فتوقف يستمع ويتلذذ بالاستماع إلى كتاب الله -تعالى-، فلما انتهى استماع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بيته، فلما أصبح قال لذلك الصحابي الذي عرفه النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: لقد رأيتني البارحة وأنا أستمع إلى قراءتك، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داوود. هذا الصحابي هو عبدالله بن قيس أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه . النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب القرآن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب قراءة القرآن، ويحب الاستماع للقرآن، ويحب أن يتعلم القرآن، ويحب أن يعلم القرآن؛ ففي رمضان كان ينزل عليه جبريل أمين السماء يعلمه كتاب الله -تعالى-، يقرؤه وهو يردد خلفه - صلى الله عليه وسلم -، إلا في العام الذي توفي فيه قرأ عليه القرآن وراجعه عليه مرتين. قاعدة نبوية عظيمة إذًا هذه القاعدة النبوية العظيمة، وهذا الحديث الشريف، يجعل الإنسان يراجع نفسه، القرآن إما حجة لك أو عليك، ويوم القيامة يشتكيك القرآن ويشتكيك النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الله -تعالى-: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}، يشتكيكم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الله -تعالى-، والسبب أن الإنسان هجر القرآن مع ما فيه من التثبيت والراحة والسعادة والطمأنينة والشفاء. يقول الله -تعالى-: {وَنُنـزلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، هذا القرآن شفاء ورحمة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أصابه ألم أو بأس وضع يده على موضع الألم ثم قرأ عليه آيات من القرآن الكريم تكون فيها الشفاء. فضل القرآن الكريم إن القرآن كلام الله -تعالى-، وهو حبله المتين، وصراطه المستقيم، من تمسك به اهتدى، ومن أعرض عنه ضَلَّ وهَوَى، أثنى الله عليه في مواضعَ كثيرة منه؛ ليبين فضله، ويوضح للناس مكانته ومنزلته، قال -تعالى-: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الزخرف:3 - 4)، وقال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت: 41 - 42). فما من باطل إلا وفي القرآن ما يدمغه، ولا شبهة إلا وفيه بيان بطلانها، قال -تعالى-: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (الفرقان: 33)، وقال -تعالى-: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء: 18). سمَّاه الله نورًا، وجعله للناس شفاءً. قال -تعالى-: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الشورى: 52)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (يونس: 57). أعجب به الجن لما سمعوه، فآمنوا به واتبعوه: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (الجن: 1: 2)، وتكفل الله بحفظه وأعجز الخلق أن يأتوا بمثله، قال -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9)، وقال -تعالى-: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: 88)، وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ). ولهذه الفضائل العظيمة لكتاب الله، أمر الله بتلاوته والعمل به وتدبره، قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (فاطر: 29: 30). اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (13) المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِه
عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه»، هذا حديث عظيم يمثل قاعدة نبوية تجعل الإنسان مرتاحا سعيدا في علاقته مع غيره من الناس. فالمسلم الحق الذي يسعى في رضوان الله -تبارك وتعالى-، هو الذي يسلم المسلمون ويسلم الناس من لسانه ومن يده، فلا يعتدي على أحد بقول ولا بفعل، وهذا غاية ما علمنا إياه النبي - صلى الله عليه وسلم - في العلاقة مع الآخر، ومع الأسف أن بعض الناس اليوم أصبح فاكهة المجالس عنده أن يتكلم في الناس، ويجرح أعراضهم، ويطعن في الذمم، وفي الأنساب، وفي العلاقات، وفي غيرها من الأمور، يتكلم بالغيبة. تذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث النبوي الشريف الذي يمثل هذه القاعدة «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ»؛ فاحذر أخي الكريم، وأختي الكريمة، أن نغتاب الناس أو نمشي بينهم بالنميمة، قال الله -تعالى-: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (الحجرات: 12). فظاعة الغيبة تخيلوا من فظاعة الغيبة، أراد الله -تعالى- أن يبين لنا فظاعتها وشناعتها، وأنها جريمة كبرى في حق الناس، عندما يبدأ المغتاب بالطعن والانتقاص والاحتقان والازدراء والكلام فيما لا يرضي الطرف الآخر، فشبه المغتاب بآكل لحم أخيه الميت، وهو أمر غير مستساغ، وتأباه فطرة البشر. لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتّاتٌ والنميمة كذلك، فعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أنَّهُ بَلَغَهُ أنَّ رَجُلًا يَنِمُّ الحَدِيثَ فقالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ»، وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتّاتٌ» والقتات هو الذي يقتات على لحوم الناس، وعلى أعراض الناس بالكلام والاستهزاء أو التنقص أو يثير القطيعة بين الناس، ينقل الحديث من هذا الطرف إلى الطرف الآخر ومن هذا الشخص إلى الشخص الآخر؛ لأجل أن يفسد العلاقات، وما أكثرهم اليوم إلا من رحم الله! الزملاء في العمل ما شاء الله من أروع ما يكون، علاقتهم محبة ومودة وإهداء وسلام، لكن لما يدخل بينهم هذا النمام يُفَرّق ما بينهم، وهذا موجود مع الأسف، ويشتد الأمر شناعة إذا كان بين الأرحام والأقارب، وبين أبناء العم والخال، وهذا لا شك فيه معصية لله -تعالى-، قال الله -عز وجل-: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}، هؤلاء هم الذين قطّعوا أرحامهم، وهؤلاء هم الذين أفسدوا العلاقات بين الناس وساهموا في الفرقة؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل الجنة، إذًا لابد أن يسلم الناس منك من هذه المعصية، من الغيبة وكذلك النميمة. ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ وبعض الناس -مع الأسف- والناس حاضرون دائما يلعن، ودائما على لسانه السب، ودائما على لسانه فاحش الكلام وبذيء القول، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البذيءِ»، هذا الذي يطعن ويلعن ليس بالمؤمن، حتى لو تعطلت السيارة لعنها. فعن جابر - رضي الله عنه - قال: «سِرْنَا مع رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةِ بَطْنِ بُوَاطٍ، وَهو يَطْلُبُ المَجْدِيَّ بنَ عَمْرٍو الجُهَنِيَّ، وَكانَ النَّاضِحُ يَعْتَقِبُهُ مِنَّا الخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ، فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ علَى نَاضِحٍ له، فأنَاخَهُ فَرَكِبَهُ، ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عليه بَعْضَ التَّلَدُّنِ، فَقالَ له: شَأْ، لَعَنَكَ اللَّهُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَن هذا اللَّاعِنُ بَعِيرَهُ؟ قالَ: أَنَا، يا رَسولَ اللهِ، قالَ: انْزِلْ عنْه، فلا تَصْحَبْنَا بمَلْعُونٍ، لا تَدْعُوا علَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا علَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ» فلا يكن الإنسان لعانا، ولا فاحشا يتكلم بما فحش من القول، بعض الناس كلامه كلام بذيء، يزداد الأمر خطورة عندما تنتقل هذه الصفة إلى الأبناء والبنات، حين يسمعون الوالد أو الوالدة يسبان ويشتمان ويلعنان، لذلك هو أدب نبوي عظيم وقاعدة جليلة (المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِه). أوَ إنا لمؤاخذون بما نتكلم؟ لما سأل معاذ بن جبل النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: يا رسول الله، أوَ إنا لمؤاخذون بما نتكلم؟! قال - صلى الله عليه وسلم -: «يا معاذُ ثَكِلَتْكَ أمُّك، وهل يَكُبُّ الناسَ على مناخرِهم في جهنَّم إلا ما نطَقتْ به ألسنتُهم، فمن كان يؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ فلْيقُلْ خيرًا، أو يسكتْ عن شرٍّ، قولوا خيرًا تَغنَموا، واسكتُوا عن شرٍّ تَسلَموا» فليسلم الناس من ألسنتنا ومن اعتدائنا لا باللسان ولا باليد، وهذا هو المسلم الحقيقي، وديننا دين أخلاق، والأخلاق لها ارتباط وثيق بالإيمان، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أكملُ المؤمنينَ إيمانًا أحاسنُهم أخلاقًا، وإنَّ المرءَ ليكونُ مؤمنًا وفي خُلُقِهِ شيئًا فيُنقصُ ذلكَ من إيمانِه»، وأفضل الأخلاق أن تكف أذاك عن الناس. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (14) (وخالق النـاس بخلـق حسـن)
قاعدة عظيمة من قواعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، من جوامع كلامه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ»، هذه القاعدة العظيمة (وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ) تضمن للإنسان محبة الناس له، وتضمن له الراحة والطمأنينة، وأجورا وحسنات عظيمة، إذا تخلّق المسلم بأخلاق الإسلام، مثل: الصدق، والأمانة، ورعاية العهد، والحذر من الخيانة والكذب وغير ذلك، ويحذر من الأخلاق السيئة والأخلاق الذميمة. ومن أهم ثمرات العمل بهذه القاعدة، أن ينال الإنسان رضى الله -تعالى-، وأن يكون بجانب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ، محاسنُكم أخلاقًا»، وهذا رجاء كلنا يرجوه. منقبة عظيمة وفضل كبير كيف يتحصل الإنسان على هذه المنقبة العظيمة والفضل الكبير؟ أن يكون بجانب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتعرفون أين مكان رسولنا -صلوات ربي وسلامه عليه- في الجنة، في الفردوس الأعلى، المكان الذي تتفجر منه أنهار الجنة، أعلى مراتب الجنة، يتحصل الإنسان على هذه المكانة بالعمل بهذه القاعدة: (وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ)، وهذا يدلنا على أن الأخلاق لها مكانة عظيمة جدا في الإسلام، لا يقول الإنسان أنا أتعبد لله، وأنا إنسان صالح، أو أنا إنسان مصل، أو أنا إنسان على دين، وفي الوقت نفسه بعيد عن الأخلاق. ارتباط الأخلاق بالإسلام ارتباط الأخلاق بالإسلام ارتباط وثيق جدا، قال النبي -[-: «أكملُ المؤمنينَ إيمانًا أحاسنُهم أخلاقًا»؛ فالناس يتفاوتون في الأخلاق، بعضهم على خلق كريم وعلى خلق حسن، وبعضهم بين هذه وبين تلك، وبعضهم على أخلاق سيئة، أكمل الناس بالإيمان هم أحاسن الناس بالأخلاق؛ فكما أن الله -تعالى- أمرنا بالصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر العبادات، الله -تعالى- أيضا أمرنا بالأخلاق الكريمة والأخلاق الحسنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ». الوصايا الثلاث وهذه الوصايا الثلاث: اتق الله حيثما كنت، تضمن نجاة العبد يوم القيامة. وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا، إذا أذنب الإنسان ذنبا يتبعه بحسنات، هذه الحسنات تمحو السيئات، وهذه علاقة الإنسان مع نفسه. وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ، وهذه تكون في علاقة الإنسان بمن حوله من الجيران والأهل والزملاء والأصحاب، بل حتى في الطريق، وفي الأماكن العامة، وفي المسجد. وصية عظيمة وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ، هي وصية عظيمة، نحتاجها اليوم، ولا سيما عندما انسلخ بعض الناس أو ابتعدوا عن أخلاق الإسلام، وأصبح الكذب عند بعض الناس -مع الأسف- من أسهل ما يكون، يكذب ويتحرى الكذب، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا»، مع الأسف أصبحت هذه الخصلة -التي هي من خصال المنافقين- سهلة ويسيرة، يكذب على الناس، ويكذب على نفسه، ويكذب على أولاده، وهذه الخصلة الذميمة من مساوئ الأخلاق، أما الإسلام فقد أمرنا بالصدق، أن يكون الإنسان صادقا في تعامله مع غيره، صادقا حتى ولو كان ذلك على حساب نفسه، أو كان ذلك يسبب له إشكالية. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا»، انظروا إلى هذه المنقبة والفضل العظيم، أنه يكتب عند الله فلان بن فلان هو صديق، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يلقب بالصديق؛ لأنه كان يصدق النبي - صلى الله عليه وسلم . العودة إلى أخلاق الإسلام إننا اليوم أحوج ما نكون إلى أن نعود إلى أخلاق الإسلام، أخلاق نبينا - صلى الله عليه وسلم -، هذه الأخلاق التي تضمن لنا الراحة والطمأنينة والسعادة والأجر والثواب. هل أنا مأجور إذا تخلقت بالأخلاق الحسنة، وتأتيني حسنات والله يكتب لي الثواب؟ نعم، أنت مأجور عندما تحترم الكبير وترحم الصغير، وعندما تعفو وتصفح وتغفر وتتجاوز عن الآخرين، وتتغافل عن أخطاء أسرتك أو عائلتك، نعم، أنت مأجور على هذا العمل، أنت مأجور على التخلق بأخلاق الإسلام، أنت مأجور على الصدق، بل مأجور حتى على أبسط الأخلاق وهي الابتسامة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ صدقةٌ». عظمة ديننا الإسلامي تخيل عظمة هذا الدين العظيم، وأن ديننا دين أخلاق، بل قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مبينا أن من مقاصد بعثته ومن أهدافها قوله: «إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ»، يعني من أهداف إرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يكمل الأخلاق، وقد كان عند العرب في الجاهلية أخلاق، كرم، وأمانة، وشهامة، وغيرها من الأخلاق؛ فجاء الإسلام ليعزز تلك الأخلاق الكريمة، ويحذّر من الأخلاق السيئة. ما نحتاجه اليوم إننا اليوم نحتاج إلى أن نتعلم أخلاق نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ثم نجعل هذه الأخلاق واقعا عمليا في حياتنا، فليس الهدف معرفة الأخلاق معرفة نظرية، بل الهدف أن تكون تلك الأخلاق واقعا عمليا في حياتنا. كيف أعامل الناس بالأخلاق الحسنة؟ معاملة الناس بالأخلاق الحسنة تكون بمعاملتهم بما تحب أن يعاملوك به مما هو مباح شرعا، وبأن تحمل نفسك على معاشرتهم بجميل المعاشرة، من طلاقة الوجه، ولين الجانب، والتلطف في سياستهم، ومقابلة السيئة بالحسنة، ونحو ذلك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ». وخالِقِ النَّاسَ، أمر من المخالقة، مأخوذ من الخلق مع الخلق؛ أي: خالطهم وعاملهم بخلق حسن أي: تكلف معاشرتهم بالمجاملة في المعاملة وغيرها؛ فإن فاعل ذلك يرجى له في الدنيا الفلاح، وفي الآخرة الفوز بالنجاة والنجاح. وقال المناوي في فيض القدير: أي تكلف معاشرتهم بالمجاملة من نحو طلاقة وجه، وحلم، وشفقة وخفض جانب، وعدم ظن السوء بهم، وتودد إلى كل كبير وصغير، وتلطف في سياستهم مع تباين طباعهم. يقال: فلان يتخلق بغير خلقه، أي: يتكلف، وجمع هذا بعضهم في قوله: وأن تفعل معهم ما تحب أن يفعلوه معك، فتجتمع القلوب وتتفق الكلمة، وتنتظم الأحوال وذلك جماع الخير وملاك الأمر. اهـ. وفي شرح الأربعين النووية: وقوله: وخالق الناس بخلق حسن، معناه: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، واعلم أن أثقل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا». وحسن الخلق من صفات النبيين والمرسلين وخيار المؤمنين، لا يجزون بالسيئة السيئة بل يعفون ويصفحون ويحسنون مع الإساءة إليهم. وقال بعض أهل العلم: حسن الخلق كظم الغيظ لله، وإظهار الطلاقة والبشر إلا للمبتدع والفاجر، والعفو عن الزالين إلا تأديبا، وإقامة الحد، وكف الأذى عن كل مسلم ومعاهد، إلا تغيير منكر وأخذا بمظلمة لمظلوم من غير تعد. |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (15) خيركم خيركم لأهله من معاني خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ أنه صلى الله عليه وسلم كان يمازحهن ويضاحكهن وكان يتودد إليهن بأنواع عديدة من المودة في هذا الحديث دليل عظيم على محاسن الإسلام التي جاء بها ومن جملتها أنه جعل الإحسان إلى الزوجة والعيال من أفضل الأعمال والقربات وفاعله من خيرة الناس من قواعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحاديثه العظيمة، قوله - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي»، هذا حديث عظيم يمثل قاعدة عظيمة من قواعد السنة النبوية التي تضمن للإنسان السعادة الأسرية، والسعادة الاجتماعية، تلك السعادة التي يبحث عنها كثير من الناس في بيوتهم وفي مجتمعاتهم، بين أسرهم وبين زوجاتهم. قال الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله-: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي»، في هذا الحديث دليل عظيم على محاسن الإسلام التي جاء بها، ومن جملتها أنه جعل الإحسان إلى الزوجة والعيال من أفضل الأعمال والقربات، وفاعله من خيرة الناس، قال صاحب تحفة الأحوذي -في شرحه لهذا الحديث-: قوله: «خيركم خيركم لأهله»، أي لعياله، وذوي رحمه، وقيل لأزواجه وأقاربه، وذلك لدلالته على حسن الخلق، «وأنا خيركم لأهلي» فأنا خيركم مطلقا، وكان أحسن الناس عشرة لهم، وكان على خلق عظيم. وصية عظيمة فنبينا ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - هو إمام المسلمين، وهو الذي كان يصلي بهم في المسجد، وهو الذي كان ينزل عليه الوحي من السماء، وهو الذي ينقل الوحي من السماء للناس، وهو الذي يعلم الناس كتاب الله، وهو الذي كان يجاهد، وكان يسعى ويسافر، ومع ذلك كان يقول: «خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي». أفضل الناس وأحسنهم والأهل هم أهل البيت من الزوجة والأولاد والوالدين، هؤلاء كلهم أهل بيته، وخير الناس وأفضل الناس وأحسن الناس هو الذين يصل خيره لأهله، بمعنى أنه يراعي الله -تعالى- فيهم فلا يظلمهم، ولا يتعدى عليهم، ويقوم على شؤونهم، ويسعى في رعايتهم، ويوفر ما يحتاجون إليه، ويحاول أن يوازن بين عمله وبين رعاية أهله وأولاده وزوجته، وأن يسعى أيضًا في قضاء كل ما يحتاجون إليه. حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته ولما سُئلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- عن حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته؛ لأن الصحابة كانوا يعرفون ويرون النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشارع، في الطريق، في المسجد، ويرون أحواله وطريقة مشيه وكلامه، لكن داخل البيت أمر مُغيّب عنهم، لذلك لجؤوا إلى زوجته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- يسألونها عن حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته، قالت: كان يقوم في مهنة أهله، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير البشر، أفضل الناس، خير من وطئت قدمه الحصى، كان يقوم في مهنة أهله، الأمر الذي يحتاجون إليه في البيت كان يسعى معهم، يسعى في قضاء حوائج أهله في البيت، يساعدهم في أمور البيت، كان يقوم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، فإذا أذّن المؤذن خرج كأنه لا يعرفنا!. فوائد عظيمة وفي هذا الحديث فوائد عظيمة، أولها- أن الإنسان لابد أن يكون متواضعًا، وأن يعمل في بيته ويساعد في حاجة من الحاجات التي يتقنها، فإن في ذلك أجرا عظيما وفضلا كبيرا، أنه يقوم في مهنة أهله، وهذا أيضا من التودد، أن يتودد الإنسان لأولاده، وهذا أيضا فيه معنى آخر وهو التواضع، أن يتواضع الإنسان لله، بعض الناس يتعالى عن فعل شيء في البيت، كأن يرفع الإناء من مكانه، أو ينظف مكان ما بحجة مكانته أو أن لديه مالا، أو عنده خدم، حتى ولو كان الأمر كذلك. مسؤولية الرعاية والاهتمام مع الأسف اليوم بعض الأزواج، وبعض الآباء تخلوا عن هذه المسؤولية العظيمة، مسؤولية الرعاية والاهتمام بالبيت والأولاد، أصبح أهم شيء عنده الطلعة، أهم شيء عنده الأصدقاء والأصحاب، أهم شيء عنده التجارة، أهم شيء عنده أن يحقق السعادة الشخصية الذاتية إما في سفر أو غير ذلك. لكن لما يقوم الإنسان برعاية أهله فإن هذا مما أوجب الله -تعالى- عليه «فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ»؛ فالله -تعالى- سيحاسب الإنسان على هذه الرعية التي استرعاه إياها ومن المعاني العظيمة من رعاية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهله، أنه كان يبادلهم حبا بحب، هذه المودة وهذه العاطفة مع أنه رسول الله ويتحمل أعباء عظيمة جدا، أعباء الأمة كلها على عاتقه، الرسالة، والوحي، وتبليغ الناس، ومشكلات الناس، وفُتيا الناس، وإمامة المصلين في الصلاة، ومع ذلك ما كان هذا يمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من إبداء محبته وإعجابه بزوجته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها. مَنْ أحب الناس إليك يا رسول الله؟ فعندما سأله عمرو بن العاص -رضي الله عنه وأرضاه- من أحب الناس إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة، فهي أحب الخلق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأيضا كان إذا أهدي أو أعطي للنبي - صلى الله عليه وسلم - إناءً فيه لبن كانت تقدمه، وتجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يشرب أمامها، فيرفض النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول أنت التي تشربين قبلي؛ فتشرب أم المؤمنين، ويأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الإناء ويشرب من المكان الذي شربت منه، أي حب أعظم من هذا الحب؟! المودة والعطف من النبي - صلى الله عليه وسلم انظروا إلى المودة والعطف من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكيف أنه كان يبدي إعجابه وحبه بأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها-، يبدي لها هذه المشاعر الجميلة علانية بكلامه لها، ويبدي لها بالفعل، وحتى بالطعام، فإذا أخذت عظما فيه لحم كان يأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ويأكل من المكان الذي أكلت منه. من معاني خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ ومن معاني خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ، أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يمازحهم ويضاحكهم، كان يحاول أن يتودد لهم بأنواع من المودة، فعن عائشةَ، -رضيَ اللَّهُ عنها-، أنَّها كانَت معَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في سفَرٍ قالت: فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ سابقتُهُ فسبقَني فقالَ: هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ، وهذا يدل على تكرار الأمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يلعب ويسابق ويمارس الرياضة حتى مع أمهات المؤمنين، فتسابقا ثانية فسبقها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: هذه بتلك، نتذكر هذه القاعدة العظيمة «خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي». اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (16) خيركم من تعلم القرآن وعلمه
من القواعد النبوية العظيمة التي تمثل قواعد يسعد بها الإنسان في دنياه وأخراه، قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ»، وهي قاعدة نبوية عظيمة تدلنا على من هم خير الناس، من هم أفضل الناس، هل هم أصحاب الأموال أم أصحاب الجاه، أم أصحاب المناصب، أم أصحاب الجمال، أم أصحاب القصور والدور؟ من هم؟ إنهم الذين الذين يتعلمون كتاب الله -تعالى-، يقرؤونه، يرتلونه آناء الليل وأطراف النهار، ولم يكتفوا بالقراءة فقط، بل إنهم أيضا يسعون لتعليم القرآن، ويبذلون له وقتهم ويسعون ويجتهدون في تدبره وقراءته وتعلمه. القرآن الكريم سهل يسير؛ لأن بعض الناس يظن أن القرآن صعب، وأجزاء القرآن أو كلمات القرآن فيها صعوبة وأجزاءه طويلة، بل والله إنه سهل يسير على من يسره الله، قال ربنا -جل وعلا-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (القمر:22)، أسهل شيء يتعلمه الإنسان كتاب الله -تعالى-، وهذا ما بيّنه ربنا -جل وعلا- فقال -سبحانه-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}. هل من مقبل على كتاب الله -تعالى؟ هل من عامل؟ هل من مقبل على كتاب الله -تعالى- فيتعلمه ويعلمه؟ ونحن نشاهد اليوم في الواقع العملي في حياتنا أطفالا صغارا لم يبلغوا الحلم يحفظون القرآن كاملا، ويستحيل أن تجد أحدًا يحفظ كتابا من بدايته إلى نهايته، مثل ما يحفظ كتاب الله -تعالى- بحركاته وسكناته، وبأحكام التجويد، وهذا يدلنا دلالة واضحة على أن الله -تعالى- يسر لنا حفظ القرآن وقراءته وتلاوته. القرآن يكون صاحبا للإنسان في الدنيا، ويكون صاحبا له حتى في الفردوس الأعلى، أو حتى لما يدخل الجنة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «يقالُ لصاحِبِ القرآنِ اقرَأ وارقَ ورتِّل كما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها»، فمنزلتك في الجنة ترتفع كلما قرأت. القرآن بركة، القرآن رحمة، القرآن خيره كثير، القرآن مبارك، القرآن راحة وطمأنينة، {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، فمن أراد السعادة فعليه بالقرآن، من أراد الراحة والطمأنينة والفرح وانشراح الصدور فعليه بالقرآن. أعظم الأسباب راحة وطمأنينة اليوم -مع الأسف- بعض الناس إذا أراد أن يرتاح، أو أن يطمئن، أو عنده مشكلة معينة، يلجأ إلى كثير من الأسباب، وينسى أعظم هذه الأسباب راحة وطمأنينة، وانشراحا في الصدور، كلام الله -تعالى-، تغشاك السكينة، تنزل عليك ملائكة الرحمة، تستمع إلى قراءتك. ثبت في الحديث الصحيح عن أسيد بن حضير، أنَّ أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ بيْنَما هو لَيْلَةً يَقْرَأُ في مِرْبَدِهِ؛ إذْ جَالَتْ فَرَسُهُ، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أُخْرَى، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، قالَ أُسَيْدٌ: فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، فَقُمْتُ إلَيْهَا، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ في الجَوِّ حتَّى ما أَرَاهَا، قالَ: فَغَدَوْتُ علَى رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، بيْنَما أَنَا البَارِحَةَ مِن جَوْفِ اللَّيْلِ أَقْرَأُ في مِرْبَدِي؛ إذْ جَالَتْ فَرَسِي، فَقالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-: اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ قالَ: فَقَرَأْتُ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ قالَ: فَقَرَأْتُ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ قالَ: فَانْصَرَفْتُ، وَكانَ يَحْيَى قَرِيبًا منها، خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ، فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ في الجَوِّ حتَّى ما أَرَاهَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: تِلكَ المَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، ولو قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ ما تَسْتَتِرُ منهمْ. ولَا يَنْحَصِرُ فَضْلُ القُرْآنِ عَلَى الإِنْسَانِ فَقَطْ بِاِعْتِبَارِهِ قَارِئًا أَوْ مُسْتَمِعًا، بَلْ يَتَعَدَّى هَذَا الفَضْلُ لِيَصِلَ الزَّمَانَ وَالْمَكَانَ، وَلِذَلِكَ حَثَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإِكْثَارِ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ فِي البُيُوتِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقرَةِ»، فالقرآن إذا قرئ في البيت، يبارك الله في أهله وفي جنبات هذا البيت، وهذا من أدلة أن القرآن كتاب مبارك، لذلك علينا أن نقبل على كتاب ربنا، خاصة في هذه الأيام المباركة، الأيام العظيمة، أيام رمضان؛ فإن الله -تعالى- يحب القرآن، ويحب كلامه، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم - يدارس جبريل القرآن في كل عام مرة، إلا في العام الذي توفي فيه دارسه القرآن مرتين. الهدف من المداومة على قراءة القرآن؟ إن الهدف من المداومة على قراءة القرآن هو الوصول إلى فهمه وتدبر آياته والعمل بما فيها من أوامر واجتناب ما فيها من نواه؛ حتى نكون من المهتدين إلى طريق الحق، وقد دلنا الله على صفات من هداهم إليه -تعالى-، فقال: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر: 18). والله -سبحانه- ما أنزل كتابه إلا ليتدبَّره قارئوه، ويفقهه تالُوهُ، قال -تعالى-: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29). والقراءة مع التفهم والتدبر تُحْدِثُ تأثراً في نفس القارئ وخشوعاً في القلب، وخوفاً من الله -عزَّ وجل-، وطمعاً في رحمته، وشوقاً إلى لقائه، وهذه نتيجة التفهم والتدبر حين القراءة والتلاوة. فلقد أنزل الله -سبحانه- القرآن الكريم ليقدم للبشرية جمعاء أحكم الأحكام التشريعية، وأروع الحقائق العلمية، وأوضح الآيات الكونية. ليحققوا في ضوئها دراسات لا مثيل لها، وليبنوا منها ثروة ضخمة من العلم لا تزال، وستبقى المادة الأولى والوحيدة لقيام حضارة عالمية لا مثيل لها، تنعم في ظلها وظلالها البشرية بمستوياتها ومختلف أشكالها وأجناسها، بحياة أفضل وعيش أرغد؛ ولذلك كان فهمه وتطبيقه من الضروريات اللازمة. وقد أمر الله رسوله بتلاوة القرآن في أول نزول القرآن، في قوله -تعالى- لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} (المزمل: 4)، وكل أمر للرسول - صلى الله عليه وسلم- هو أمرٌ لجميع المؤمنين إلى قيام الساعة ما لم يكن أمراً خاصا بالرسول. فتلاوة القرآن وقراءته عبادة يؤجر المسلم عليها مثل سائر العبادات، بل إن أجره يتضاعف أكثر بتلاوته مع التدبر؛ ولذلك حثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تلاوته ودلنا على عظيم أجره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ: {الم} حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ». اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (17) – سبَق المُفرِّدونَ
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سبَق المُفرِّدونَ» قالوا: يا رسولَ اللهِ، ما المُفرِّدونَ؟ قال: «الذَّاكرونَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتُ»، سبق المفردون، قاعدة عظيمة، تعني أن أهل ذكر الله -تعالى- هم أهل المسابقة، هم أهل السبق والمسارعة، هم السابقون الفائزون يوم القيامة، ومن أهل الفردوس الأعلى. هذه الدنيا اليوم هي ميدان للمنافسة، كما قال عمر بن الخطاب: اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، ففي هذه الدنيا يستطيع الإنسان أن يجمع الحسنات، وأن يستكثر من الخير والطاعات وعبادة الله -تعالى-، وأعظم هذه العبادات، التي بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيّن أن من تمسك بها وأن أهلها هم السابقون الأولون، قوله - صلى الله عليه وسلم -: «سبَق المُفرِّدونَ». خير الأعمال وأيسرها ذكر الله -تعالى- هو من خير الأعمال وأيسرها، أن يحرك الإنسان اللسان بسبحان الله، لا إله إلا الله، الحمد لله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم صل وسلم على نبينا محمد، يقرأ القرآن، وهكذا..، عبادة سهلة يحرك الإنسان شفتيه ولسانه بذكر الله -تعالى-، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قال اللهُ -تبارَك وتعالى-: أنا مع عبدِي ما ذكَرني وتحرَّكَتْ بي شَفَتاهُ»، الله أكبر على هذا الفضل العظيم، الله العظيم الجليل الكبير المتعال يكون معك، وما معنى أن الله -تعالى- يكون معك؟ يوفقك ويهديك ويسددك ويصلحك ويكتب لك الخير، ويبارك فيما آتاك من مال أو خير أو ولد بشرط أن تذكر الله -تعالى- «أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه». عظيم وكثير ومتعدد ذِكر الله -تعالى- عظيم وكثير ومتعدد، وهذا من رحمة الله -تعالى- أنه ما جعل لنا عبادة واحدة أو نوعا واحدا من الذكر قد يمل منه الإنسان لو أراد أن يغير أو يجدد، بل ذكر الله كثير: فالصلاة من ذكر الله، وقراءة القرآن من ذكر الله، والدعاء من ذكر الله، وحضور مجالس العلم والذكر وإن كنت ساكتا لا تتكلم من ذكر الله. من أعظم أنواع الذكر ومن أعظم أنواع ذكر الله ما يسميه العلماء بل سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - «الباقيات الصالحات». فما الباقيات الصالحات؟ وما فضلها وأجرها وثوابها؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَحَبُّ الكَلامِ إلى اللهِ أرْبَعٌ: سُبْحانَ اللهِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ، لا يَضُرُّكَ بأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ»، بل قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما عند الإمام مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ»، والشمس طلعت على الدنيا وما فيها، هذه الكلمات الأربع التي هي الباقيات الصالحات كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يحث أصحابه على أن يتمسكوا بها وأن يتشبثوا بها وأن يكثروا من ذكر الله -تعالى- بها، فهي راحة وطمأنينة ورفعة للعبد في الدنيا ودرجات في الآخرة عند الله -تعالى-. وفيها معان عظيمة في حق الله -جل وعلا-؛ لأنها تنزيه وتقديس وتعظيم وتبجيل لرب العزة والجلال. سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر. خُذُوا جُنَّتَكُم كان النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا يوما مع أصحابه فقال لهم: «خُذُوا جُنَّتَكُم. قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قد حَضَرَ؟ قال: لا، جُنَّتُكُم مِنَ النَّارِ، قُولوا: سُبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبرُ»، ومعنى خذوا جُنتكم أي خذوا حمايتكم كقوله - صلى الله عليه وسلم - (الصيام جُنة) أي الصيام وقاية، وقاية للإنسان من الذنوب والمعاصي وما يغضب الله -تعالى. الباقيات الصالحات إذًا ما الذي بيّن لنا أنها الباقيات الصالحات وأنها خير من كثير من الأعمال، عندما يقابل الإنسان ربه وخالقه ومولاه، قال الله -تعالى- في سورة الكهف: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا}، وفي سورة مريم قال: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا}، هذه الباقيات الصالحات هي تلك الكلمات الأربع، قال: فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات، تنجي العبد من عذاب الله -تعالى-. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئُكُم بخيرِ أعمالِكم وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم وخيرٍ لكم من إنفاقِ الذهبِ والورِقِ، وخيرٍ لكم من أنْ تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى قال: ذكرُ اللهِ قال معاذٌ: ما شيءٌ أنجى من عذابِ اللهِ من ذكرِ اللهِ». ذِكر الله راحة وطمأنينة ذِكر الله راحة وطمأنينة، أن يخلو الإنسان مع نفسه في ظلمة الليل أو في وسط النهار أو في أي وقت من الأوقات يذكر الله -تعالى- بهذه الأنواع من ذكر الله، ترفع له الدرجات، وتكفّر عنه الذنوب والخطايا والسيئات، هذه الكلمات لها دور في تكفير الذنوب ومغفرة السيئات، عن أنس بن مالك -]- «أن النبيَّ -[- مَرَّ بشجرةٍ يابسةِ الوَرَقِ فضَرَبَها بعصاه فتناثر الوَرَقُ، فقال إن الحمدَ للهِ، وسبحانَ اللهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، لتُسَاقِطُ من ذنوبِ العبدِ كما تَسَاقَطَ وَرَقُ الشجرةِ هذه»، يا له من فضل عظيم عندما يقول الإنسان: سبحان الله تتساقط الذنوب والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ثقيلة في الميزان بل بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها ثقيلة جدا في الميزان، كل واحد منا سيكون له ميزان، وهذا الميزان ميزان حقيقي له كفتان، توضع الحسنات في كفة وتوضع السيئات في كفة أخرى، فمن ذكر الله -تعالى- وأكثر من هذه الكلمات فإنها تكون ثقيلة جدا في ميزان الحسنات، لدرجة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استغرب منها، قال: «بخٍ بخٍ وأشار بيدِه لخمسٍ ما أثقلَهنَّ في الميزانِ! سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكبرُ والولدُ الصَّالحُ يُتوَفَّى للمرءِ المسلمِ فيحتسِبُه «. الذكر جنة الدنيا قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، تطمئنُّ القلوب بإحساسها بالصلة بالله، والأنس بجواره، والأمن من عذابه، تطمئنُّ من قلق الوحدة وحيرة الطريق، بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، وتطمئنُّ بالشعور بالحماية من كل اعتداء، ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما يشاء، مع الرضا بالابتلاء، والصبر على البلاء، وتطمئنُّ برحمته في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة، ذلك الاطمئنان بذِكر الله في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة، يعرفها الذين خالطت بشاشةُ الإيمان قلوبَهم فاتصلت بالله. فالذِّكر من أفضل القربات وأسمى العبادات، بل هو مصدر سكينة القلوب: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، والذكر لهج باللسان، وخشوع في القلب والجنان، ومناجاة للرحمن؛ ليبقى الإنسان في اتصال دائم بالملأ الأعلى، والقوى العظمى، التي تعينه على الصبر ومواصلة الطريق. ولو علمنا فضل الذِّكر ما ملَّتْ ولا كلَّتْ ألسنتُنا عن ذِكر الملِك، قال -تعالى-: { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ } (النساء: 103)، فالصلاة ذكر، وبعد الانتهاء من الذكر يأمرك ربُّك بأن تبدأ في ذكر جديد لا يحتاج إلى هيئة معينة أو وضع معين، قال ابن عباس: «أي اذكر ربَّك بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، في الغنى وفي الفقر، في الصحة والمرض، في السر والعلانية»، وذمَّ الله -تعالى- المنافقين الذين { لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } (النساء: 142). اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (18) أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم
قاعدة نبوية عظيمة من القواعد التي بينها النبي - صلى الله عليه وسلم -، هذه القاعدة تبين لنا فضيلة عمل من الأعمال الجليلة، عمل هو من أسهل الأعمال للإنسان، لكنه من أعظم الأعمال وخيرها عند الله -تعالى-، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم، فتَضْرِبوا أعناقَهُم، ويَضْرِبوا أعْناقكُم؟!، قالوا: بَلَى، قال: ذِكْرُ اللهِ». نحن في هذه الحياة الدنيا في ميدان سباق ليوم القيامة، لنقابل الله -تبارك وتعالى-، وفي هذه الحياة الدنيا نتاجر مع الله، فمن التجارة من تكون تجارته رابحة، ومنهم نسأل الله العافية والسلامة من تكون تجارته خاسرة، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (الصف: 10-11). التجارة مع الله -تعالى إذًا علاقتنا مع الله علاقة تجارة قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة) (التوبة: 11)، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة: 207)، وهذه التجارة هي ميدان للمنافسة والمسابقة والمسارعة إلى طاعة الله -تعالى-؛ لذلك يأمرنا الله -عز وجل- بالمسارعة في طاعته بقوله: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133)، فعلى الإنسان أن يكون مسارعا ومبادرا ومسابقا إلى طاعة الله -تعالى-، ويكون لسان حاله {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}. كيف أفوز ويكون لي قدم السبق؟ إذًا كيف أفوز ويكون لي قدم السبق والمسابقة، وأن أكون من أوائل الناس عند الله -تعالى- وأنا في هذا الميدان، ميدان المنافسة؟ من أفضل هذه الأعمال ذكر الله -تعالى-؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سبَق المُفرِّدونَ» قالوا: يا رسولَ اللهِ ما المُفرِّدونَ؟ قال: «الذَّاكرونَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتُ»، ولما عدد الله -تعالى- صفات المؤمنين وأعمالهم قال {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب:35)، فمن أبرز صفات المؤمنين أنهم يذكرون الله، ويكثرون من ذكره، والإنسان إذا أحب شيئا أكثر من ذكره. أحب محبوب عندنا ولا شك أن أحب محبوب عندنا هو الله -تعالى- ثم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهذه المحبة سبب من أسباب حلاوة الإيمان، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ»، وذلك لحبه للإسلام ولشريعة الإسلام، ولهذا الدين العظيم. فضل الذكر ذكر الله -تعالى- حياة القلوب، وطمأنينة النفوس، وسبب للتوفيق والهداية والرزق، قال الله -تعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلً}، وهذا الذي يذكر الله -تعالى- إنما هو الحي حياة حقيقية، والذي لا يذكر الله وإن كان في صورة حي إلا أن قلبه ميت، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ». انظروا إلى الفرق بين إنسان مسجّى ميت لا حياة فيه ولا روح، وبين إنسان حي يمشي ويتحرك ويأكل ويشرب ويذهب ويأتي، فرق بين الاثنين، هذا هو الفرق وهذا هو المثال الذي ضربه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نعلم أن هناك فرقا بين الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله. ذكر الله راحة وطمأنينة ذكر الله راحة وطمأنينة، قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، كثير من الناس اليوم يبحثون عن السعادة، وطرقوا أبوابا كثيرة في السفر وفي الأموال وفي أنواع من الملذات والشهوات وغيرها، كل ذلك يبحثون عن لذة السعادة وطعم الطمأنينة، ويريدون أن يشعروا بهذا الطعم وما علموا أنه بهذه العبادة الجليلة ذكر الله -تعالى. مئة فائدة لذكر الله -تعالى وقد ذكر الإمام ابن القيم الجوزي -رحمه الله- أكثر من مئة فائدة لذكر الله -تعالى- منها سعة الرزق، وانشراح الصدور، وطمأنينة القلب، والبركة في الأوقات، والبركة في الأعمال، والإعانة حتى على أعمال الإنسان، فقد روى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنَّ فاطِمَةَ -رضي الله عنها- شَكَتْ ما تَلْقَى في يَدِها مِنَ الرَّحَى، فأتَتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَسْأَلُهُ خادِمًا فَلَمْ تَجِدْهُ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لِعائِشَةَ، فَلَمَّا جاءَ أخْبَرَتْهُ، قالَ: فَجاءَنا وقدْ أخَذْنا مَضاجِعَنا، فَذَهَبْتُ أقُومُ، فقالَ: مَكانَكِ فَجَلَسَ بيْنَنا حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى صَدْرِي، فقالَ: ألا أدُلُّكُما علَى ما هو خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ؟ إذا أوَيْتُما إلى فِراشِكُما، أوْ أخَذْتُما مَضاجِعَكُما، فَكَبِّرا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وسَبِّحا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، واحْمَدا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَهذا خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ وعَنْ شُعْبَةَ، عن خالِدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قالَ: التَّسْبِيحُ أرْبَعٌ وثَلاثُونَ. وقفات مع قوله -تعالى-: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} مما يثير العجب في النفس في قوله -تعالى-: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون} (العنكبوت:45)، ما ذكره العلماء في هذه الآية من أقوال، ومنها:
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (19) لا تحقرن من المعروف شيئا
قاعدة عظيمة من القواعد المهمة التي يحتاجها الإنسان في حياته وفي سيره إلى الله -تبارك وتعالى-، قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ». قاعدة نبوية عظيمة، أن يحذر الإنسان من احتقار المعروف أيًا كان ذلك المعروف، أيا كانت تلك الحسنة، ولو كانت أمرا يسيرًا، ولو تصدق الإنسان بتمرة أو بجزء من التمرة، بل لو تبسم الإنسان في وجه أخيه فهذه صدقة، لا تحتقر هذا العمل؛ لأن هذا عمل يحبه الله -تعالى-، وقد يكون فيه نجاته بسبب هذه الحسنة أو ذلك العمل. إنَّ اللهَ قد أوجَب لها الجنَّةَ ومن المواقف التي حدثت في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ما روته أمنا عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءتني مسكينةٌ تحمِلُ ابنتينِ لها فأطعَمْتُها ثلاثَ تمراتٍ، فأعطتْ كلَّ واحدةٍ منهما تمرةً ورفَعت إلى فيها تمرةً لِتأكُلَها فاستطعَمَتاها ابنتاها، فشقَّتِ التَّمرةَ الَّتي كانت تُريدُ أنْ تأكُلَها بينَهما فأعجَبني حنانُها فذكَرْتُ الَّذي صنَعتْ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إنَّ اللهَ قد أوجَب لها الجنَّةَ وأعتَقها بها مِن النَّارِ». بيت النبي - صلى الله عليه وسلم لم يكن في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك الطعام الكثير أو أنواع الشراب، كان بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بسيطا جدا، لم يوقد في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - نار بالشهر والشهرين والثلاثة، بمعنى أنه لم يطبخ لقلة ذات يده، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يستطيع أن تكون ملذات الدنيا بين يديه، لكنه ما أراد الدنيا، إنما أراد ما عند الله -تبارك و-تعالى--، فأكلت البنتان التمرتين بسرعة. لقد أوجب الله لهذه المرأة الجنة بفعلها ذلك، مع أن هذا في نظرنا أمر بسيط جدا، وهؤلاء بناتها وهي التي ترعاهن، وشيء طبيعي أنها تعطيهم الطعام وأن تقسم التمرة بين البنتين، لكن مع ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله أوجب لها الجنة بهذا الفعل وبهذا العمل. وقال رَسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ»، أقل تقدير إذا ما وجد الإنسان أن يعمل معروفا ولو كان جزءا من التمرة، لم يقل تمرة كاملة! فما بالكم بمن ينفق شيئا أكثر من ذلك، لا شك أن أجره عظيم. قال ربنا -جل وعلا-: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} (الإنسان: 8-12) جزاهم الله بإطعامهم الطعام. لا تحتقر عملاً من الأعمال لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يبين لنا هذه القاعدة العظيمة من خلال هذا الحديث الشريف، أنك لا تحتقر عملا من الأعمال، ولو كان جزءا من التمرة تتصدق بها فإن الله -تعالى- يأجرك على ذلك، قال- صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ»، الكلمة الطيبة أيضا يحبها الله -تعالى-، فهذه الكلمة لها أثر على النفس، وهي نوع من أنواع الصدقات. إطعام الإنسان لدابته ومن الأعمال التي قد نراها صغيرة ونحتقرها، إطعام الإنسان لدابته أو بهيمته، فقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا في حديث عظيم في قصة حدثت في الأمم السابقة، قال رسول الله -[-: «إنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا في يَومٍ حارٍّ يُطِيفُ ببِئْرٍ، قدْ أدْلَعَ لِسانَهُ مِنَ العَطَشِ، فَنَزَعَتْ له بمُوقِها فَغُفِرَ لَها». في كلِّ ذاتِ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ وفي رواية «بينما رجُلٌ يمشي بطريقٍ اشتَدَّ عليه العطشُ، فوجَد بئرًا فنزَل فيها فشرِب ثمَّ خرَج، فإذا كلبٌ يلهَثُ يأكُلُ الثَّرى مِن العطشِ؛ فقال الرَّجلُ: لقد بلَغ هذا الكلبَ مِن العطشِ مِثلُ الَّذي بلَغ بي فنزَل البئرَ فملأ خُفَّه ماءً ثمَّ أمسَكه بفيه حتَّى رقِي فسقى الكلبَ فشكَر اللهُ له فغفَر له» فقالوا: يا رسولَ اللهِ إنَّ لنا في البهائمِ لَأجرًا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «في كلِّ ذاتِ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ». ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وهذا أمر يسير، فالله -تعالى- يسر للإنسان أعمالا يسيرة وبسيطة، لكن يؤجر عليها أجورا عظيمة، من هذه الأعمال الكلمة الطيبة والابتسامة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ صدقةٌ»، بعض الناس -سبحان الله! لا يبتسم لا في البيت ولا مع زملائه ولا في الشارع، دائما مكفهر وغضبان، الابتسامة أجر وثواب لك عند الله -تعالى-، وابتسامتك في وجه أخيك صدقة، نوع من أنواع الصدقات، إذًا الإنسان لا يحتقر أي عمل من الأعمال، كلمة طيبة، ابتسامة، إطعام طعام، إطعام دواب أو البهائم، هذه أعمال لا شك أنها يسيرة، لكنها عظيمة عند الله -تعالى. كثرة ذكر الله من الأعمال اليسيرة والعظيمة عند الله -تعالى- كثرة ذكر الله، التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أربعٌ أفضلُ الكلامِ، لا يضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ؛ سبحانَ اللهُ، والحمدُ للهِ، ولا إلَه إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ»، من أحب الأعمال مع سهولتها ويسرها إلا أن بعض الناس ستجده مقصرا في هذه العبادة، الله -تعالى- يحب عباده الذاكرين {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا}. لذلك هي قاعدة جليلة وعظيمة (لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا)، فإن لم تجد شيئا من المعروف فأقل تقدير ولو بكلمة طيبة؛ فالكلمة الطيبة والسلام والابتسامة والدعاء لله -تعالى- يحبها الله -تعالى-، وهي نوع من أنواع الأجور والحسنات والثواب عند الله -تعالى-، فيجتهد الإنسان ويبذل ولو كان يسيرا. ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سبق درهمٌ مائةَ ألفٍ كان لرجلٍ درهمانِ فتصدَّقَ أجودُهما وانطلق رجلٌ إلى عرضِ مالِه فأخذ منها مائةَ ألفٍ فتصدقَ بها»، درهم واحد يسبق الألف درهم بسبب إخلاص ذلك الذي أنفق الدرهم، فالعبرة ليست بالكثرة، فلا تحقرن من المعروف شيئا. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (20) لا تَغْضَبْ
حديث عظيم يمثل قاعدة يحتاجها كل إنسان اليوم، هذه القاعدة فيها الراحة والطمأنينة، وفيها ذهاب كثير من المشكلات والمنازعات والقطيعة التي تحصل اليوم، هذه المشكلات سببها عدم التزامنا بهذه الوصية العظيمة والقاعدة الجليلة، فعن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر الدوسي - رضي الله عنه - «أنَّ رَجُلًا قالَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أوْصِنِي، قالَ: لا تَغْضَبْ. فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ»، وثبت أنَّ رجلًا قال: يا رسولَ اللهِ، قُلْ لي قولًا وأَقْلِلْ لعلِّي أعِيه، قال: لا تغضبْ، فأعاد عليه مرارًا، كلُّ ذلك يقولُ: لا تغضَبْ. هذه القاعدة العظيمة -لا تَغْضَبْ- هي راحة للإنسان، وانتهاء لكثير من المشكلات التي تحصل اليوم سواء في البيوت بين الأسر، وبين الأرحام والأقارب، بين الجيران، بين الأصحاب، أم في الشوارع والطرقات، أم في أماكن العمل. الغضب شرارة كل مشكلة لو التزمنا هذه الوصية لانتهت مشكلاتنا؛ لأن الغضب هو شرارة أي مشكلة، وغالب مشكلات اليوم أساسها وشرارتها الأولى هو أن الإنسان غضبان، فتجد كثيرا من حالات الطلاق والفراق بين الزوجين سببه الغضب، كلمة من الرجل تقابلها كلمة من المرأة أو العكس ثم يتطور الأمر إلى أن يكون شجارًا أو يكون قطيعة أو يكون طلاقا وفراقا بين الزوجين، وحدّث بعد ذلك عن الإشكاليات والقضايا، ويلجأ بعضهم إلى المحاكم. ثورة الشيطان كثير اليوم من المنازعات أو الخلاف الذي يقع في أسواقنا وطرقاتنا شرارته الأولى الغضب، استَبَّ رجُلانِ عندَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم- ونحنُ عندَه جلوسٌ وأحدُهما يسُبُّ صاحبَه مغضَبًا قد احمَرَّ وجهُه فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-: «إنِّي لَأعلَمُ كلمةً لو قالها لذهَب عنه ما يجِدُ: أعوذ% اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (21) ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ قاعدة من القواعد العظيمة، جاءت في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكل أحاديثه - رضي الله عنه - فيها فائدة للإنسان في دينه ودنياه، هذه القاعدة هي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ». اليوم بعض الناس -مع الأسف- عندما يرى أن مفتول العضلات ولديه قوة وفتوة وشباب، يظن أن هذه هي القوة الحقيقية، وهي أنه يستطيع أن يقاتل الناس ويصرعهم ويعتدي عليهم، ولكن بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذه ليست هي القوة ولا الرجولة الحقيقية، ولكن القوة الحقيقية هي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». اليوم -مع الأسف الشديد- أمثال هؤلاء تصرفاتهم قد تسبب في تخويف الآمنين وترويعهم ، والاعتداء عليهم، بل قد يصل الأمر إلى إصابتهم بعاهة، أو يتطور الأمر إلى القتل، نسأل الله العفو والعافية؛ لذلك بيّن لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن القوة والشدة ليست بحجم العضلات ولا بالتطاول على الناس؛ لأن بعض الناس يمشي متفاخرًا بجسمه وعضلاته، وغاب عنه أنَّ القوة الحقيقية للإنسان هي في أخلاقه، وفي أن يملك نفسه عند الغضب، هذه هي القوة الحقيقية. عن سليمان بن صرد - رضي الله عنه - قال: استَبَّ رجُلانِ عندَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ونحنُ عندَه جلوسٌ، وأحدُهما يسُبُّ صاحبَه مغضَبًا قد احمَرَّ وجهُه! فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنِّي لَأعلَمُ كلمةً لو قالها لذهَب عنه ما يجِدُ: أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ» فقالوا للرَّجُلِ: ألا تسمَعُ ما يقولُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: إنِّي لَسْتُ بمجنونٍ. إذًا كيف تتعامل مع من يغضبك؟ لابد أولاً من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ثم العفو، وهذه من صفات المؤمنين، قال الله -تعالى-:{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}، يغفر ويتجاوز، يمكن ذلك الشخص الذي أخطأ كلما تتعامل معه بالحسنى - سبحان الله - يتغير الأمر. قال الله -تعالى-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، وكم من المواقف التي تمر علينا، عندما يقابل الإنسان فيها السيئة بالحسنة، ولا يقابل السيئة بمثلها، ولا يقابل الخطأ بخطأ مثله، كيف تتغير الأمور. بعضنا يخشى أن يقال عليه ضعيف، المسألة ليست بقول الناس، إنما المسألة في عدد الناس الذين أصيبوا إما عاهات أو اعتداء على المال أو اعتداء على الجسد وبعضهم أُدخل إلى مؤسسة إصلاحية وبعضهم تسبب في تشويه سمعة أسرته بسبب ثورة غضب، لكنه لو عفا وأصلح وتجاوز، لو تمالك نفسه عند الغضب اتباعًا لهذه القاعدة النبوية العظيمة، لتجنبنا كثيرا من الخلافات وكثيرا من المصائب. هذا ما نحتاج أن نُربي أولادنا عليه اليوم، بعض الآباء -مع الأسف- يُكلّم أولاده وينصح أولاده ويظن أن هذه نصيحة صحيحة إذا اعتدى عليك أحد فاعتدِ عليه، وإذا تكلم عليك تكلم عليه، وإذا سبك شخص فرد عليه المسبة بمثلها، أبدا ليس هكذا يُربَى الأولاد، علينا أن نُربي أولادنا على العفو والصفح والتحمل، أما أن يُربى الأولاد سواء في المدارس أم في الطرقات والشوارع أن يرد الكلمة أو السيئة بمثلها فحدّث عن المشكلات ولا حرج، حدّث عن الاعتداء ولا حرج، واسمع بين الفينة والأخرى عن مثل هذه الاعتداءات التي تسبب في نهايتها إلى أمور لا تُحمد عقباها. علينا أنَّ نتذكر هذا الأدب النبوي العظيم وهذه القاعدة النبوية الكريمة: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ»، فالقوة والرجولة والمكانة هي للإنسان الذي يتمالك نفسه عند الغضب، جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ يا رسولَ اللَّهِ، كم نعفو عنِ الخادِمِ؟ فصمتَ ثمَّ أعادَ عليهِ الكلامَ، فصَمَتَ فلمَّا كانتِ الثَّالثةُ قالَ اعفوا عنهُ كلَّ يومٍ سبعينَ مرَّةً. اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (22) الصبر من أعظم العبادات
من القواعد النبوية العظيمة حديث نبوي كريم، يشمل قاعدة يحتاجها الإنسان في أمور الدين وأمور الدنيا، وفي أمور العبادة، وحتى في الأمور المادية في علاقته مع الناس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً هو خيرٌ وأوسَعُ مِنَ الصَّبرِ»، بمعنى أن عطاء الله -تعالى- كثير للناس، منهم من يعطيه الله -تعالى- مالا، ومنهم من يعطيه منصبا، ومنهم من يعطيه نسبا، وغيرها من الخيرات الكثيرة جدا، عطاء الله -تعالى- واسع، لكن ما أُعطي عطاء من الله -تعالى- خيرا وأوسع وأعظم من الصبر. لذلك الصبر من أعظم العبادات، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ومَن يَصبِرْ يُصبِّرْه اللهُ، وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً هو خيرٌ وأوسَعُ مِنَ الصَّبرِ»؛ فالصبر يحتاج إلى أن يتحمل الإنسان، وإلى أن يتصبر، وهذا الذي يتصبر، الله -تعالى- يعينه على الصبر. أعظم ما يعين على الصبر وأعظم ما يعين الإنسان على التصبر والصبر عندما يتذكر الأجر والثواب والحسنات، وما أعده الله -تعالى- لعباده الصابرين. قال الله -تعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، الصلاة لها أجور وثواب عندما يصلي الإنسان في جماعة تفضل عن صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة أو بخمس وعشرين درجة، وهكذا سائر العبادات، أما الصبر فليس له حساب {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. علام يصبر الإنسان؟ والسؤال الذي يطرح نفسه: علام يصبر الإنسان؟ هناك ثلاثة أمور ذكرها العلماء تحتاج إلى صبر وتصبر ومصابرة.
حقيقة الصبر وفضائله
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (23) وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا
نتحدث عن أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا سيما تلك الأحاديث التي تمثل قواعد حياتية، قاعدة في السعادة، قاعدة في الأخلاق، قاعدة في العمل أو العبادة، حتى نأخذ منها العبرة والعظة والفائدة ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، ومعنا اليوم حديث من أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - العظيمة، التي تمثل قاعدة من قواعد التعامل والأخلاق مع الآخرين، حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وما زاد الله بعفو عبدا إلا عزا». عندما يعفو الإنسان عن الآخرين، يزيده الله -تعالى- عزًا ومكانة ورفعة ودرجة عنده وعند الخلق، فلا يظن إنسان أنه عندما يعفو عن مخطئ، أو يتجاوز عن مقصر، أو يسامح في خطأ ارتُكِبَ في حقه، أن هذا يكون سببًا في قلة مكانته أو ضعف إمكاناته، أو أنه لا يستطيع الرد، بل هذا من أخلاق الإسلام ومن عبادة الله -تعالى-؛ لأن ديننا دين أخلاق وتعامل مع الآخرين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائمِ»، الله -تعالى- يجعل هذا الإنسان المتخلق بأخلاق الإسلام بدرجة ذلك الإنسان الذي يصلي طول الليل ويصوم طول النهار لله -تعالى-. هذا الإنسان الذي عنده أخلاق كريمة، أخلاق حسنة، قد يكون أقل منه في العمل، لكن يبلغ إلى درجته ومرتبته ومكانته عند الله؛ والسبب أنه تخلّق بأخلاق كريمة وأخلاق حسنة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ محاسنُكم أخلاقًا». البشر يصيبون ويخطئون «وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا» نحن في تعاملاتنا مع الناس نتعامل مع البشر، ولا شك أن البشر والناس يصيبون ويخطئون، فتتعامل مع الجاهل، ومع المتعلم، ومع الكبير، ومع الصغير، وغيرهم من الأشخاص على اختلاف أنواعهم وأفهامهم ومستوى إدراكهم، فإذا ما أُخطئ في حقك، اعفُ وسامح وتجاوز؛ فمن تجاوز عن خلق الله، يتجاوز الله -تعالى- عنه، «وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا». سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم وإذا نظرنا وتأملنا سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، نرى كيف أنه كان يعفو عن المخطئ، ويتجاوز عن المسيء، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كُنْتُ أَمْشِي مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قدْ أَثَّرَتْ به حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قالَ: مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعَطَاءٍ». ومع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع بإشارة منه أن يؤخذ هذا الأعرابي ويُنتقم منه؛ بسبب أنه اعتدى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بنوعين من الاعتداء: أولا/ أنه دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - باسمه! ولا يجوز مناداة النبي - صلى الله عليه وسلم - باسمه مباشرة، كما قال الله -تعالى- {لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا}، إنما تقول: يا رسول الله، أو يا نبي الله، فهذا تعدٍ بالقول وقال يا محمد. ثانيا/ تعدٍ بالفعل؛ حيث جذب النبي - صلى الله عليه وسلم - جذبة شديدة، حتى أثّر الرداء في رقبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع هذا إلا أن رسول الله صلى الله عليه ما انتقم منه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - هو من علمنا هذه القاعدة الجميلة العظيمة. تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع غيرة السيدة عائشة ولما جيء للنبي - صلى الله عليه وسلم - بإناء فيه طعام، فلما رأته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وقد جاء هذا الطعام من إحدى أمهات المؤمنين، غارت أم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها- فدفعت الإناء حتى سقط وانكسر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع أن يتكلم معها ويعاتبها ويعنفها، لكن ما فعل ذلك رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي علمنا مكارم الأخلاق، التي من بينها العفو والتجاوز والصفح، وأن يسامح الإنسان ولو أخطئ في حقه، مع أن هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويُكسر الإناء بين يديه وقد أهدي إليه هذا الطعام، فماذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ سوغ لها هذا الموقف وهذا الخطأ! وقال: «غارت أمكم، غارت أمكم» أي أنها فعلت ذلك الأمر بسبب الغيرة، ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن تبدل هذا الإناء بإناء آخر مكانه وانتهت المشكلة. انظر كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعامل مع المخطئ، تجاوز عن أم المؤمنين وعن عامة الناس، عن الصغير والكبير، وهكذا ينبغي علينا أن نتعامل بالتجاوز والصفح، وأن يسامح الإنسان من أخطأ في حقه، قال -تعالى-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. فضائل العفو والصفح
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية (24) ما نقصت صدقةٌ من مالٍ
من قواعد النبي - صلى الله عليه وسلم - العظيمة، ومن جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - قوله: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع عبدٌ إلا رفعه اللهُ»، قاعدة عظيمة جدًا يحتاجها الإنسان في إنفاقه، في بذله، في عطائه، في تطوعه لله -تعالى. عندما ينفق الإنسان من المال يظن أنه قد قلّ ماله أو نقص، قال -عليه الصلاة والسلام-: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ»، وهذا فيه إشارة إلى أن الله -تعالى- يبارك في مال المتصدق، وأن الله -تعالى- يبارك في ذرية المتصدق، وهي بركة عظيمة، بل إنَّ الصدقة لتطهر المال وتزكيه وتنميه، فالصدقة كلها خير وبركة؛ لذلك قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ، ومنهم: ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ»، وهذا دليل على الإخلاص في الصدقة، الإخلاص في الإنفاق، الإخلاص في التطوع للفقراء والمساكين والبذل والعطاء لله -جل وعلا-، قال الله -تعالى-: {من ذا الذي يقرض الله مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (البقرة:245). حاجة الإنسان إلى بذل الخير فيحتاج الإنسان إلى أن يكون باذلا للخير، باذلا للمال، متصدقا في أوجه الخير الكثيرة جدا، مثل: الفقراء والمساكين، ونشر الخير بين المسلمين، وبناء المساجد، وحفر الآبار، وغيرها الكثير من أعمال الخير وأوجه الخير، المهم أن يكون الإنسان باذلا منفقا متصدقا، ويتعلم هذه القاعدة النبوية الكريمة (ما نقصت صدقةٌ من مالٍ)، لا تظن في يوم من الأيام أو في وقت من الأوقات أن مالك قد نقص، أو أن رصيدك قد نقص، بل الله -تعالى- يزيدك من الخير، وهذه الزيادة تكون في أمور عدة: أولا البركة في المال الذي بقي عند الإنسان؛ لأن بعض الناس عنده خير كثير، عنده الآلاف بل مئات الآلاف بل أكثر من ذلك، لكن سبحان الله! تجده مالا غير مبارك، قد يسبب له المشكلات، مال قد يورده المهالك، مال قد يكون عليه دينا، مال قد يشتري به ما حرّم الله -تعالى-، مال قد يتنافس عليه حتى الورثة فيتقاطعون؛ لأنه مال غير مبارك. المال المبارك خير على الإنسان أما المال المبارك يكون خيرا على الإنسان، خيرا على بيته، خيرا على أولاده، خيرا على أمواله، قد تكون الزيادة أولا بالبركة، ثانيا قد تكون الزيادة وعدم النقصان بأن الله -تعالى- يفتح على العبد، يفتح على ذلك المتصدق أبوابا لم تخطر له ببال؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القاعدة النبوية: (ما نقصت صدقةٌ من مالٍ). دعوة من النبي - صلى الله عليه وسلم هنا لما بيّن لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القاعدة النبوية العظيمة، وفي هذا الحديث الشريف أن الصدقة لا تُنقص المال، ولو أخذت مئة مئتين، ألف ألفين، أكثر أو أقل، فإنها لا تنقص من المال، بل تبارك فيه، هي دعوة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن ينفق الإنسان النفقات الكثيرة وأن يتطوع، وأن يتصدق حتى يبارك الله له في ماله؛ فإن الصدقة نماء، فإن الصدقة خير، فإن الصدقة بركة على الإنسان وعلى أولاده. الرَّجلُ في ظلِّ صدقتِه يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّجلُ في ظلِّ صدقتِه حتَّى يُقضَى بين النَّاسِ»، إذا تصدق يأتي يوم القيامة والصدقة تظله، وكلنا يعلم أن يوم القيامة تدنو الشمس من الخلائق مقدار ميل، فمن الناس من يكون عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، إلا أهل الصدقة وأهل الإنفاق، وأهل الخير فإنهم يكونون في ظل صدقاتهم يوم لا ظل إلا ظل الله. في ظل هذه الصدقات التي أنفقوها لله -جل وعلا- وأخلصوا فيها العمل لله -جل وعلا. الملائكة تدعو للمتصدق لذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ»، قاعدة نبوية عظيمة، على الإنسان أن يكون متصدقا وأن يكون منفقا، قال -عليه الصلاة والسلام-: «ما من يومٍ يُصبحُ العبادُ فيه إلا وملَكانِ ينزلانِ، فيقولُ أحدُهما: اللهمَّ أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقولُ الآخرُ: اللهمَّ أعطِ مُمْسكًا تَلفًا»، ما نقصت صدقة من مال؛ لأن الملائكة تدعو لذلك المتصدق، الملائكة تدعو لذلك المنفق، لذلك المعطي، لهذا الإنسان الكريم. الشيطان يعدكم الفقر وكل يوم إذا لم يتصدق الإنسان، الملائكة تدعو عليه؛ لأنه لم ينفق، والله أعطاه من الخير الكثير، قال الله -جل وعلا-:{وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}، بعض الناس ينفق ويتبرع ويبدأ بالمن على الله -تعالى! لا تمن على الله؛ لأن الله غني عنا وعن أموالنا وعن صدقاتنا، وعن كل عباداتنا، نحن المحتاجون إلى الله {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، أنفق وتصدق؛ فما نقصت صدقة من مال، قاعدة نبوية عظيمة، وتأكد أن الشيطان سيصدك عن هذا الباب من أبواب الخير؛ لأنه دائما يذكر الإنسان بالفقر {الشيطان يعدكم الفقر}. فضل الصدقة من الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه اللهُ يومَ القيامةِ، ليس بينه وبينه تَرجمانُ، فينظرُ أيْمنَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ أشأَمَ منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ بين يدَيه، فلا يرى إلا النَّارَ تِلقاءَ وجهِه، فاتَّقوا النَّارَ، ولو بشِقِّ تمرةٍ، ولو بكلمةٍ طيِّبةٍ»، ومن فوائد الصدقة ما يلي:
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية في الأخلاق والمعاملات (25) – «وما تواضعَ أحدٌ للَّـهِ إلَّا رفعَهُ اللَّهُ» التواضع خلق كريم من أخلاق المؤمنين ودليل محبة رب العالمين جل وعلا وهو الطريق الذي يوصل إلى مرضاة الله وإلى جنته وهو عنوان سعادة العبد في الدنيا والآخرة من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم - العظيمة التي تعد قاعدة من القواعد العظيمة في الأخلاق وفي التعامل مع الآخرين، وديننا دين معاملة، أن الإنسان يتعامل مع الآخرين بخلق راق، بخلق كريم من أخلاق الإسلام، فإن هذا مما يرفع درجته عند الله -تعالى-، فكما أننا مأمورون بالصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر العبادات، كذلك نحن مأمورون بأن نتعامل مع الآخرين بأخلاق كريمة وأخلاق حسنة، من أعظم هذه الأخلاق هذه القاعدة التي بين أيدينا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وما تواضعَ أحدٌ للَّهِ إلَّا رفعَهُ اللَّهُ»، فمن أراد أن يرفعه الله في الدنيا، وأن تكون له المكانة العظيمة عند الله -تعالى- في الآخرة فعليه بالتواضع، فالتواضع من أخلاق الإسلام العظيمة. وقد حرّم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان مقابل هذا الخلق وهو الكبر والفخر والخيلاء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - محذرا من الكبر والفخر والخيلاء وأن الإنسان يرى نفسه أرفع من الآخرين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبْرِ»، تخيل مثقال ذرة! يعني أمرا بسيطا جدا من الكبر، أنه يرى أنه أفضل من الناس إما بالنسب أو بالشرف أو بالمنصب أو بالمال. وبعض الناس يرى أنه أفضل بسيارته أو مكانته أو ملابسه أو غير ذلك، كل ذلك يكون مدعاة لأن يتكبر الإنسان على الآخرين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبْرِ»؛ فما بالكم بمن كان قلبه مملوءًا كبرا وفخرا وخيلاء، يتكبر على الناس ويترفع على الآخرين، ويرى أنه أفضل من الناس، بل حتى ولو كان في العلم الشرعي أو القرآن الكريم أو غير ذلك، لا يجوز للإنسان أن يترفع على الآخرين مهما كان يرى، أو أنه يتواضع لله -تعالى-، من تواضع لله رفعه. تحريم الكبر والخيلاء تواضع نبينا - صلى الله عليه وسلم وإذا نظرنا في سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد الأولين والآخرين، وهو إمام المرسلين، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو خير من وطئت قدمه الحصى، رسول رب العالمين، أقرب الناس إلى الله -تعالى-، مع ذلك ومع ما كان له من الشرف والنسب والمكانة، فهو من أشرف العرب من قريش، ومن أشرف قريش من بني هاشم، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ما له من هذه المكانة العظيمة واصطفاء الله له واختياره له بأن يكون رسول رب العالمين، مع ذلك كان متواضعا، يمشي مع الكبير والصغير، يمازح الغني والفقير، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم في مهنة أهله في بيته، ومع أنه رسول رب العالمين ومع ذلك لما سئلت أم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها- ما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته؟ قالت: كان يقوم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، أو كما قالت -رضي الله عنها وأرضاها. النبي - صلى الله عليه وسلم - يخصف نعله أي يخيط هذه النعل إذا قطعت وهو رسول رب العالمين. ويمر الشهر والشهران والثلاثة ما يوقد في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - النار. أما ترضى أن تكون لنا الآخرة؟ ولما جاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مضطجعا في بيته أو في المسجد وقد أثّر التراب على جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كسرى وقيصر تتمتع بالقصور والدور والفرش والنعيم، وأنت رسول رب العالمين تنام على الحصير! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ياعمر، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا وتكون لنا الآخرة؟ إذًا هو رسول رب العالمين ومع ذلك ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرى أنه أفضل الخلق، وهو الذي قال عن نفسه - صلى الله عليه وسلم - «أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر»؛ لذلك الإنسان دائما يتواضع لله -تعالى- ولا سيما مع الضعفاء والفقراء والمساكين والمحتاجين، مع العمال وغيرهم. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو الفقراء والمساكين لأن يأكلوا معه، وهذا دليل على تواضعه - صلى الله عليه وسلم . من أراد الرفعة والمكانة، من أراد الدرجات العلا في الجنة، من أراد متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فعليه بهذا الخلق الكريم من أخلاق الإسلام، أن يتواضع في كلامه، بعض الناس إذا تكلم، يتكلم بكبر وفخر وخيلاء، يتواضع في مشيه، «إن الله لا يحب كل مختال فخور». إنها مشيةٌ يبغضُها اللهُ إلا في هذا الموضعِ ولما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا دجانةَ يومَ أحدٍ أعلمَ بعصابةٍ حمراءَ فنظر إليه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهو مختالٌ في مِشيتِه بين الصَّفَّيْنِ فقال: «إنها مشيةٌ يبغضُها اللهُ إلا في هذا الموضعِ»، مشية المتكبر الله -تعالى- يبغضها إلا في حال القتال والغزو حتى يرى الكفار ما عند المسلمين من القوة والمَنَعَة، أما أن يكون في الأمور العادية فهذه المشية، مشية الكبر والخيلاء وأنه أفضل من الناس وأنه أعلى من الناس، هذه المشية يبغضها الله -تبارك وتعالى-، مهما آتاك الله -تعالى- من جاه أو مال أو منصب أو نسب أو سيارة أو غير ذلك من الأمور لا تترفع على خلق الله، تواضع لله؛ فإنه من تواضع لله رفعه. هذه هي أخلاق ديننا هذه هي أخلاق ديننا، هذه شريعتنا، أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع الآخرين، وكيف أنه كان يعلمنا هذه الأخلاق الكريمة، الأخلاق العالية، الأخلاق الرفيعة، التي من بينها التواضع والتنازل، وألا يرى الإنسان أنه أرفع من غيره لا بنسب ولا بشرف ولا بمكانة ولا بمال ولا بغير ذلك من الأمور؛ فالناس عند الله -تعالى- سواسية، «إن أكرمكم عند الله أتقاكم». التواضع في القرآن والسنة قال الله -تعالى-: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (الفرقان: 63)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة: 54)، وقال عزوجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء: 23- 24)، وقال -تعالى-: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء: 215)، وقال -تعالى-: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (الإسراء: 37) وقال -تعالى-: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان: 18). وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد»، وأخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملكٍ، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته وإذا تكبر قيل للملك: دع حكمته». ووصف الله -عز وجل- عباده الذين هداهم للإيمان فقال -سبحانه-: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (المائدة: 54)، قال ابن الحاج رحمه الله: «من أراد الرفعة فليتواضع لله -تعالى-؛ فإن العزة لا تقع إلا بقدرِ النزولِ، ألا ترى أن الماءَ لما نزلَ إلى أصلِ الشجرةِ صعدَ إلى أعلاها فكأن سائلاً سأله: ما صعدَ بِكَ هنا -أعني في رأس الشجرة- وأنت تحت أصلها؟ فكأن لسان حاله يقول: من تواضع لله رفعه». اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية في الأخلاق والمعاملات (26) – من حُسنِ إسلا مِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ
قاعدتنا النبوية اليوم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، هذا الحديث يمثل قاعدة عظيمة من قواعد التعامل التي يجب أن يوليها الإنسان اهتمامه، فالأمر الذي لا يعنيك وليس لك فيه علاقة عليك ألا تتدخل فيه. ومع الأسف اليوم افتقدنا هذا الخلق الكريم وهذا العمل الجليل، فأصبح بعض الناس اليوم يتكلمون فيما يعرفون ومالا يعرفون، فأصبحوا يتكلمون في الدين وفي الشريعة وفي الطب وفي التجارة وفي الأمور المالية وفي الأمور السياسية وفي أمور الدول والعلاقات وغيرها، وهو لا يعلم، ولابد أن نعلم هذه الحقيقة، أنه من كمال إسلام الإنسان ومن كمال دينه ومن كمال إيمانه بالله -جل وعلا-، أن الأمر الذي لا يعنيه لا يتدخل فيه. الدين النصيحة وهناك فرق بينه وبين النصيحة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ لنَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، قالوا: لِمَن يا رسولَ للهِ؟ قال: للهِ، ولكِتابِه، ولنَبيِّهِ، ولأئمَّةِ المؤمِنينَ وعامَّتِهم»، فجعل الدين كله في النصيحة، فإذا ما رأى الإنسان مخطئًا فإنه يبدي له النصيحة على انفراد، ويظهر له الشفقة بآداب النصيحة المعروفة، لكن موضوع حديثنا - من حسن إسلام المرء تركه مالا يعني - أنه في الأمور العامة، الأمور التي لا تعني الإنسان؛ لأنه -مع الأسف- اليوم ولا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي أصبح بعضهم يتكلمون في أمور لا تعنيهم، هم لا يعرفون عواقبها، لا يعرفون مآلاتها، لا يعرفون تفاصيل هذا الموضوع، فينتج عن ذلك الشائعات والأكاذيب واتهام الناس بالباطل، ومنها آراء معينة، ومنها التشويش على الآخرين، فلا تشوش على الناس ولا تقدم نصائح للناس وأنت لا تعلم، ولا تتكلم في أمور لا تعنيك؛ لأن هذا من كمال إيمانك وإسلامك. نقص في دينه وإسلامه فإذا تدخل الإنسان فيما لا يعنيه فإن هذا يعد نقصا في دينه وإسلامه، بقدر ما تدخل في أمور لا تعنيه بقدر ما ينقص، وهذا مفهوم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، من أشد الأمور خطورة التي يتكلم فيها الناس وهم لا يعلمون، أمور الشريعة والدين، يقول هذا الأمر حلال أو إن هذا الأمر حرام، أو إن الأمر مكروه وإن ذاك مستحب، والله -تعالى- نهانا عن ذلك فقال -سبحانه-: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}، لا يفلح ذلك الإنسان الذي يفتري الكذب على الله -تعالى-، أو على رسوله فيقول هذا حلال، والله -تعالى- قد حرّمه، أو يقول هذا حرام والله -تعالى- قد أحله، إذًا الإنسان عليه أن يمسك هذا اللسان، ولا يتكلم إلا بخير، قال الله -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}. سوف تحاسب يوم القيامة الإنسان سوف يحاسب يوم القيامة، يوم لا ولد ولا والد، لا مال ولا قريب، يوم القيامة يحاسب الإنسان على هذا القول الذي قاله وتفوّه به إن كان خيرا فخير، وإن شرا فشر، الأمور التي لا تعنيك لا تتكلم فيها ولا سيما في الأمور الشرعية والأمور الدينية؛ لأن الله -تعالى- قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، فإذا ما علم الإنسان مسألة من المسائل أو قضية من القضايا أو فتوى تهمه في أمور الدين، فعليه أن يرجع إلى أهل العلم، لا يرجع إلى من يتكلمون دون بينة ولا دليل ولا برهان؛ لأن الله -تعالى- سائله عن هذا الأمر. لا تقولوا على الله مالا تعلمون ولما عّدد الله -تعالى- الفواحش» قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون»، تقول أن هذا حرام وهذا حلال وأنت لا تعلم، وأن هذا جائز وهذا غير جائز وأنت لا تعلم، أرجع الأمر إلى أهله، ومثله في سائر الأمور، سواء كانت أمورا سياسية أو اقتصادية أو طبية. إرجاع الأمر إلى أهل الاختصاص وكلنا رأينا الجائحة التي مرت على العالم، وكيف كان الناس يتكلمون فيها وهم لا يعلمون، فبعضهم يقول: إن هذا اللقاح جيد، وهذا غير جيد ومضر بالصحة، فأصبح الناس مُشَوشين؛ لأن غير أصحاب الاختصاص يتكلمون في غير اختصاصهم! «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، على الإنسان أن يرجع الأمر إلى أهله وهذا من معانيه قول الله -تعالى-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، فأهل الذكر في الطب هم الأطباء والاستشاريون المختصون، وأهل الذكر في الأمور المالية هم أهل الاقتصاد والمال وأرباب التجارة، وأهل الذكر في الأمور الشرعية هم العلماء، علماء الشرع والدين، وهكذا في سائر الأمور، لا يُفتي الإنسان دون علم لا في الأمور الشرعية، ولا في الأمور الدنيوية، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، نحتاج إلى هذه القضية اليوم في دواويننا وفي مجالسنا، وفي مواقع التواصل الاجتماعي أن الأمر الذي لا يعنينا لا نتدخل فيه، وأن هذا من تمام الإسلام ومن كمال الإيمان بالله -تعالى. فوائد في التعامل بالقاعدة
كلام السلف وأهل العلم في ترك الإنسان ما لا يعنيه
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية في الأخلاق والمعاملات(27) – من دلائل الإيمان بالله واليوم الآخر لعظم أمانة الكلمة بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها من صفات المسلم الحق فقال صلى الله عليه وسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» الكلمة ذات شأن جليل ولها تبعة دنيوية وأخروية ومسجلة ومكتوبة لن تضيع أبدا قال الله -تعالى-: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، هذه القاعدة تمثل أصلا من أصول الأدب، فعندما يتأدب الإنسان بهذا الأصل العظيم وهذه القاعدة تكتب له السلامة والسعادة في الدنيا والآخرة، وهي اتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم - والاقتداء به، ومن القواعد العظيمة من الهدي النبوي في التعامل قول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». اليوم ومع وجود التواصل الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، أصبح الناس يتكلمون فيما يعرفون وفيما لا يعرفون، يتكلمون في الأمور الصغيرة، وفي عظائم الأمور، في الأمور الخاصة والأمور العامة، لكن علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم - هذا الأدب العظيم وهذه الخصلة التي هي من خصال الإيمان، وعندها نتوقف عندما يأتينا حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم - يمثل قاعدة عظيمة من قواعد الأدب (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ)، هذا يدلنا على أن هذه خصلة من خصال الإيمان، خصلة من خصال الإسلام، الإنسان عندما يحفظ لسانه، لا يتكلم إلا بخير، ولا يقول إلا خيرا، ولا يؤذي أحدا بلسانه، إنما دائما يقول خيرا، وإذا لم يكن لديه خير فإنه يصمت بلسانه ولا يتكلم. فَلْيَقُلْ خَيْرًا «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا» خيرًا كأن يأمر بالمعروف، أو يبين حديثا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو يبين آية كريمة، أو يبين فضل عمل من الأعمال الصالحة، يقول هذا الخير أو إذا ما كان عنده شيء من الخير، أمر بمعروف أو نهى عن منكر، فإنه يصمت ولا يتكلم، هذا دليل على إيمانه، ودليل على خيريته. سؤال يطرح نفسه والسؤال الذي يطرح نفسه، الإنسان عندما يتكلم بالكلام، أو يكتب كلامًا في مواقع التواصل الاجتماعي، أو يصور مقطعا، فهل هو محاسب على هذا الأمر؟ نعم، يحاسب، ولما سأل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أوَ إنا لمآخذون بما نتكلم به يوم القيامة؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مجيبا له عن هذا السؤال قال: «ثكلتك أمك يا معاذ، أولا يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم». احفظ لسانك أيها الإنسان يقول ربنا -جل وعلا-: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، أي قول تتلفظ به فإنه مسجل إما لك أو عليك، فإن كان لك فإنه يسجل في ميزان الحسنات، أمر بمعروف، نهي عن منكر، دلالة لخير، بيان لمعروف، وإما أن تكون عليك إما يكون بالسب أو الشتم أو غير ذلك. لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتل لسانه كانت تهاب لقائه الشجعان الحذر من حصائد الألسن لذلك يحذر الإنسان -أيها الإخوة الكرام- من اللسان ومن حصائد الألسن؛ لأن الإنسان سيحاسب عليها يوم القيامة، إن خيرا فخير، إن قال قولا فيه خير سيكون خيرا له يوم القيامة «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ»، بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم - أن الشر أو باب الشر يكون بكلمة واحدة، بعض الناس يقولون هي كلمة بسيطة، كلمة سهله، معقول اللسان يكون سببا لعذابه أو بعده عن الله بهذه الكلمة؟! نعم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفًا»، يعنى كلمة سهلة مما يقولها الناس، فلان سارق، فلان كذا، فلان لا يفهم، يعنى مما يقوله الناس فيه اتهام لذمم الناس، فيه اتهام لشخصيات معينه، فيه طعن للذمم، فيه طعن في الأشخاص أو في غيرها من الأمور فإنه يحاسب عليها، تخيل سبعين خريفًا تهوى به في النار بسبب ماذا؟ بسبب كلمة واحدة! كَلِمَة لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحْرِ لَمَزَجَتْهُ ولما ذكر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين صفية -رضى الله عنها وأرضاها- قيل له: يا رسول الله، حسبك من صفية أنها كذا ويذكرون أنها قصيرة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقدْ قلتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحْرِ لَمَزَجَتْهُ»، لفظاعتها؛ لأنها معصية لله -تعالى-، ولأن فيها ازدراء واحتقارا واستصغارا لأم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها. أعد لكل كلمة جوابًا فالمسألة ليست كثرة الكلام ولا كثرة النقاش، أو يقولون ما شاء الله فلان مثقف، أو فلان واع، أو فلان عنده طلاقة في لسانه، المسألة ليست هكذا، لكن المسألة أن يعد الإنسان لكل كلمة قالها جوابا عند الله -تعالى-؛ لأنه سيحاسب عليها عند الله -تعالى-، رب كلمة يلقيها العبد من رضوان الله فإن الله -تعالى- يرفعه بها الدرجات العلا، كلمة خير، نصيحة، توجيه، أمر بمعروف، نهي عن منكر، أما إذا كانت بالعكس، تكون سببا للوبال عليه ولخسارته في الدنيا والآخرة ولضياع حسناته. أتَدرونَ ما المُفلِسُ؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أتَدرونَ ما المُفلِسُ؟ إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ، وزكاةٍ، ويأتي وقد شتَم هذا، وقذَفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه، وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ، أُخِذَ من خطاياهم، فطُرِحَتْ عليهِ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ». المسألة خطيرة، فيجب على الإنسان أن يحفظ لسانه من الغيبة والنميمة والبهتان واحتقار الناس وازدرائهم أو التقليل من شأنهم، أو أن ينشر الإنسان أو يكون مساهما لنشر الفساد، {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا}. مع الأسف اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي بعض الناس يسوّق للمعاصي والذنوب وفواحش الذنوب من خلال تصويرها ونشرها، قال الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. فلا يشيع الإنسان مثل هذه الفواحش ولا ينشرها ولا يساهم بنشرها. قيمة الكلمة في الإسلام الكلمة خفيفة على اللسان، سهلة النطق والجريان، ولكن لها قيمة في نظر العقلاء وفي نظر الشارع الحكيم، أما عند العقلاء: فيقول أكثم بن صيفي: «رب قول أشد من صول»، ويقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «من كثر كلامه كثر سقطه» وحسبك به حاكماً ودليلاً - فإننا نجد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة نصوصاً كثيرة تُؤكّد قيمة الكلمة وتُنوّه بشأنها وعظيم خطرها، ومن ذلك قول الله -عز وجل-: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 18)، وقال -تعالى-: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (النور: 24، 25)، والكلمة في الإسلام ليست حركات يؤديها المرء دون شعور يتبعها بل إن الانضباط في الكلمة سمة من سمات المؤمنين الصادقين، وصدق الله -تعالى- إذ يقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (المؤمنون:1-3)، ولعظم أمانة الكلمة بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها من صفات المسلم الحق فقال - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
رد: قواعد نبوية
قواعد نبوية في الأخلاق والمعاملات (28) – فضل الفقه في الدين
من القواعد النبوية العظيمة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ»، بمعنى أن الله -تعالى- إذا أراد بعبد خيرًا أعطاه الفقه في دين الله -تعالى-، ومعنى الفقه أي الفهم في كتاب الله، وفي سنة رسول الله، وفي العبادات. وهل هذا الأمر صعب؟ هل صعب أن أتعلم الدين أو الشريعة؟ لا والله، بل سهل ويسير، يقول ربنا -جل وعلا-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بُعِثْتُ بالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ»، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ هذا الدينَ يسرٌ، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبهُ، فسدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا ويسِّروا واستعينُوا بالغَدوةِ والروحةِ وشيءٍ من الدُّلجةِ». الفقه في الدين سهل يسير إذًا الفقه في الدين، الفقه في القرآن، الفقه في العبادة سهل ويسير أن يتعلم الإنسان دين الله وشريعة الله، والله -عز وجل- أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعوه بالتزود من العلم، كما قال الله -تعالى-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، لم يقل زدني مالا ولا منصبا ولا جاها ولا غير ذلك، بل قال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، أمره الله -تعالى- أن يدعوه بأن يتزود من العلم؛ لأن العلم زكاة النفوس، وبالعلم يتعرف الإنسان على الله -تعالى- {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. أقرب الناس خشية لله -تعالى الذين عرفوا وتعلموا صفات الله وأسمائه الحسنى هؤلاء هم أقرب الناس خشية من الله -تعالى-، وكلما تعلم الإنسان وارتقى في مراتب العلم، ازداد خشية من الله؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القاعدة العظيمة «مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا»، هذا الذي أراد الله به أن يكون من أهل الخير ومن أهل السعادة ومن أهل الفوز ومن أهل الجنة يفقهه في الدين. كيف يتفقه الإنسان ويتعلم؟ كيف يتعلم الإنسان دين الله -تعالى- ويتفقه فيه؟ المسألة ليست بالإلهام ولا بنزول الوحي؛ فقد انقطع الوحي بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل العلم أن يبذل الإنسان في أبواب العلم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، وإِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ»، عندما يريد الإنسان أن يتعلم أمرا من الأمور، عليه أن يبذل وأن يجتهد وأن يطرق أبواب العلم، وأن يجتهد في تعلم هذا الأمر من أمور الشريعة والدين؛ فالذي يريد الله -تعالى- به خيرًا يفقه في الدين. الفقه في الدين على نوعين ذكر العلماء أن الفقه في الدين على نوعين:
الفقه في الدين من آيات السعادة الفقه في الدِّين والعمل به عن إخلاصٍ لربِّ العالمين من آيات السعادة، ومن أسباب نَيْلِ الحسنى والزِّيادة؛ إذ الفقه في الدِّين سببٌ لمعرفة الحكم والأحكام، والتمييز بين الحلال والحرام، وأداء حقِّ الله على وجهٍ صحيح، والتوبة إلى الله من القبيح؛ ولذا امتنَّ الله -تعالى- على سليمان -عليه السلام- بما خصَّه به من الفَهْمِ، وأمر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أنْ يطلب المزيد من العِلم، فكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهم علِّمني ما ينفَعُني، وانفَعني بما علَّمتني، وزِدني عِلمًا». وقال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: تعلَّموا العلم؛ فإنَّ تعلُّمه لله خشية، وطلبَه عبادة، ومُذاكَرته تسبيحٌ، والبحث عنه جِهادٌ، وتعليمه لِمَن لا يعلَمُه صدقة، وبذله لأهله قربة؛ لأنَّه معالم الحلال والحرام، ومَنار سبيل أهل الجنة، وهو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدِّث في الخلوة، والدليل على السرَّاء والضرَّاء، والسِّلاح على الأعداء، والزَّين عند الأخلاَّء، يرفَعُ الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادَةً تُقتَفَى آثارهم، ويُقتَدى بفعالهم، ويُنتَهى إلى رأيهم، وترغَبُ الملائكة في مُجالَستهم، وبأجنحتها تحفُّهم، ويستَغفِر لهم كلُّ رطبٍ ويابس، وحِيتان البحر وهوامه، وسِباع البر وأنعامه؛ لأنَّ العلمَ حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلَغُ العبد بالعلم منازل الأخيار والدَّرجات العلا في الدنيا والآخِرة، التفكُّر فيه يعدل الصيام، ودِراسته تعدل القيام، به تُوصَل الأرحام، وبه يُعرَف الحلال من الحرام، وهو إمام العمل والعمل تابعه، يُلهَمه السُّعَداء، ويُحرَمه الأشقياء. ورُوِي عن أمير المؤمنين عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّه قال: «الناس ثلاثة: فعالِمٌ رباني، ومتعلِّم على سبيل نَجاة، وهمج رعاع أتباع كلِّ ناعق، يَمِيلون مع كلِّ ريح، لم يستَضِيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى رُكنٍ وَثِيقٍ، العلم خيرٌ من المال؛ العلم يحرُسك وأنت تحرُس المال، والعِلم يَزكُو مع الإنفاق والمال تنقصه النَّفَقة، العلم حاكمٌ والمال محكومٌ عليه، ومحبَّة العلم دين يُدان لله بها، والعلم يكسب العالم الطاعة في حَياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، وضيعة المال تزول بزَواله، مات خُزَّان الأموال وهم أحياء، والعُلَماء باقون ما بقي الدَّهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة».اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي |
الساعة الآن : 04:58 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour