ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الإنشاء (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=76)
-   -   أسئلة بيانية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=302494)

ابوالوليد المسلم 18-03-2024 11:55 AM

أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (1)

بين التقوى والإحسان

فاضل السامرائي





قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]، وقال في سورة لقمان: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم * هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِين﴾ [سورة لقمان].

السؤال: لماذا زاد الرحمة على الهدى في آية لقمان؟
الجواب:
إن آية البقرة في المتقين، والمتقي هو الذي يحفظ نفسه. وأما آية لقمان ففي المحسنين، والمحسن هو الذي يُحسن إلى نفسه وإلى غيره، قال تعالى: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [القصص: 77]. وقال: ﴿وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: 36]. وقال: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: 7].
جاء في «المفردات» للراغب: «الإحسان على وجهين:
أحدهما: الإنعام على الغير. يقال: أحسِن إلى فلان.
والثاني: إحسان في فعله، وذلك إذا علم علماً حسناً أو عمل عملاً حسناً» [المفردات: (حسن)].
فلما ذكر في آية لقمان أنهم محسنون زاد لهم الرحمة على الهدى، وذلك أنهم زادوا في الوصف على المتقين بأن أحسنوا إلى غيرهم وإلى أنفسهم فزاد الله لهم في الجزاء.
ثم إنَّ الإحسان إلى الآخرين إنما هو من الرحمة فزاد الله تعالى لهم الرحمة لما رحموا الآخرين.
ولم تقتصر هذه الزيادة لهم في الدنيا بل زاد الله تعالى لهم الجزاء في الآخرة أيضاً، قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26].

فكما زادوا في الدنيا من الخير زاد الله تعالى لهم فيه في الدنيا والآخرة، والجزاء من جنس العمل.



ابوالوليد المسلم 18-03-2024 02:15 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (2)
نظرات في آيات التحدي والإعجاز
فاضل السامرائي





قال في سورة البقرة: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين﴾ [سورة البقرة 23-24].
وقال في سورة يونس: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة يونس 38-39].
وقال في سورة هود: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُون﴾ [سورة هود 13-14].
السؤال:
أ – لماذا قال في البقرة: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾ [البقرة: 23]. بذكر ﴿مِنْ﴾ مع المِثْل ولم يذكرها في سورة يونس ولا في هود؟
ب – لماذا قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 23]، وقال في يونس وهود: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ؟.
ج ـ لماذا شدَّد التحذير في سورة البقرة فقال: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 24]. ولم يقل مثل ذلك في يونس ولا في هود؟
الجواب:
أ – إن معنى: (ائتني بشيء من مثله) يختلف عن قولك: (ائتني بشيء مثله)، فإن قولك: (ائتني بشيء من مثله) يعني افتراض أن له مِثْلاً فتقول: ائتني بشيء من هذا المثل.
يقال: إن لهذا الشيء أمثالاً؛ فتقول: ائتني بشيء من مثله أي: من هذه الأمثال.
أما قولك: (ائتني بشيء مثله) فإنك لا تفترضُ أنَّ له مِثلاً فقد يكون أن له مثلاً أو لا يكون فاستحدِثْ أنت مثله. كأن تقول لصاحبك: ائتني بشِعْرٍ مثلِ هذا، أي: بشِعْرٍ مماثل له سواء كان مُستحدثاً أم موجوداً.
وبعد هذه المقدمة في التفريق بين مَعْنَيَيْ (من مثله) و (مثله) نقول:
ب – قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 23] أعم من قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس: 38]، في يونس وهود لأن مظنة الافتراء واحد من أمور الريبة. فالريبة قد تكون من مظنة الافتراء أو غيره، فإنهم قالوا: ساحر أو مجنون أو يعلِّمه بشر وما إلى ذلك.
ج – قوله في البقرة: ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ يحتمل أن يكون من مثل القرآن أو من مثل الرسول أي من شخص أمي لم يتعلم.
وهو أعم مما في الآيتين في يونس وهود فإنهما نص في أن المطلوب أن يأتوا بمثل القرآن.
فناسب العموم العموم، وإن كان المعنى الأول هو الأظهر.
د - حذف مفعولي ﴿تَفْعَلُوا﴾ و ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ مجانسة للإطلاق وإن كان المقصود معلوماً.
هـ - قال في سورتي يونس وهود: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [يونس: 38] فقال: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ [يونس: 38] أو: ﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ أي: افتروا أنتم كما افترى.
و – لا يحسن بعد قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ [البقرة: 23] أن يقال: (فائتوا بسورة من مثله مفتراة) من جهتين:
الأولى: أنهم لم يقولوا: (افتراه) كما في آيتي يونس وهود.
والجهة الأخرى: أنه لا يحسن بعد قوله: ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ أن يقول: (مفتراة) لأنه افترض أن له مثلاً فهو إذن ليس بمفترى.
ح – لا يحسن بعد قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ في يونس وهود أن يقال: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾.
فإنهم قالوا: (افتراه) وإذن ليس له مثل. وقوله: (من مثله) يقتضي أن له مثلاً، وإنما ينبغي أن يقال: (فائتوا بسورة مثله)، أي: افتروا أنتم أيضاً.
ط – لم يقل في سورة البقرة: (وادعوا مَن استطعتم من دون الله) لأنه افترض أن له مثلاً، ومعنى ذلك أن هناك مَن استطاع أن يفعل، إذن فليأتوا بشيء مما فعله المستطيع. فإن الغرض من دعوة من استطاعوا أن يفعلوا مثله وهو قد افترض أن له مثلاً فدعاهم إلى أن يأتوا بشيء مما فعله هؤلاء.
ي – قال: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 23] أي: ادعوا مَن يشهد لكم أن هذا الكلام مثل هذا.
وعلى هذا فالآية تقتضي دعاء مَن استطاعوا ودعاء الشهداء، فالأوّلون دعاهم بقوله: ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ لأنه افترض أن هناك مَن استطاع أن يأتي بمثله. والشهداء دعاهم للشهادة، وهذا أوسع وأعم فناسب العموم العموم.
ك – ذكر بعد آية البقرة أن يتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة لأن الذي لا يؤمن بعد إقامة الحجة عليه ولم يستعمل عقله إنما هو بمنزلة الحجارة فقرن بينهما.
ل – لما قال في أول سورة البقرة: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: 2]، ناسب أن يقول: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ [البقرة: 23].

كما ناسب أن يقطع بعدم الاستطاعة على الفعل بقوله: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة: 24] لأنه ذكر ابتداءً أنه لا ريب فيه.


ابوالوليد المسلم 18-03-2024 02:17 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (3)
قصة فرعون بين سورتي البقرة والأعراف
فاضل السامرائي




قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: 49].
وقال في سورة الأعراف: ﴿وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ [الأعراف: 141].
سؤال:
لماذا قال في آية البقرة: ﴿يُذَبِّحُونَ﴾. وقال في الأعراف: ﴿يُقَتِّلُونَ﴾؟
الجواب:
إنه قال في الأعراف في قصة موسى قبل هذه الآية: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ [الأعراف: 127]، فناسب قولُ فرعون فعلَه فقد قال: ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ فقال: ﴿يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ وهو المناسب فقد فعل ما قاله وهدّد به.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن القتل أعمَّ من الذبح، وأن القصة في الأعراف مبنية على العموم والتفصيل في موقف فرعون من بني إسرائيل فإنه لم يَرِد في سورة البقرة ذكرٌ لفرعون مع بني إسرائيل ولا فتنته لهم إلا هذه الآية.
في حين أن القصة في الأعراف فَصَّلت في ذكر الحوادث قبل موسى وبعده، وذكرت فتنة فرعون لبني إسرائيل وذكرت مجيء موسى إلى فرعون وتبليغه بالدعوة وذكرت موقف فرعون من السحرة وتهديد فرعون لبني إسرائيل بالقتل والإذلال والإيذاء حتى قالوا لموسى: ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ [الأعراف: 129].
وذكر الآيات التي حلّت بفرعون وقومه: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: 130].
وتستمر القصة في ذكر التفاصيل:
فناسب العمومُ في الأعراف العمومَ في اللفظ وهو التقتيل.
ثم إنه لم يرد في البقرة ذكر لهارون في هذه القصة، وأما في الأعراف فقد ورد ذكره في أكثر من موقف منها قول السحرة: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: 121-122].
وورد استخلافه في قومه فقال: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ﴾ [الأعراف: 142].

فناسب ذلك أيضاً ذكر التقتيل، فإن ذكر موسى وهارون أعمُّ من ذكر موسى وحده، فناسب العموم العموم.



ابوالوليد المسلم 18-03-2024 02:19 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (4)
مواعدة موسى ربه
فاضل السامرائي

سؤال:
لماذا قال في البقرة: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [البقرة: 51]، وقال في الأعراف: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: 142]؟.
الجواب:
إن السياق في الأعراف في تفصيل ما حصل في هذه المواعدة، فقد قال: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ. وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ * قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ * وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: 142-145].
في حين أن السياق في البقرة كان مجملاً فإنه لم يتعدّ آية واحدة أو جزءاً من آية وهي قوله: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ [البقرة: 51].

وبعدها قوله: ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ... ﴾ [البقرة: 52-54] بل إن ما يخص المواعدة هو قوله: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [البقرة: 51] وبعده يتعلق باتخاذ العجل كما هو ظاهر؛ فناسب التفصيلُ التفصيلَ والإجمالُ الإجمالَ.


ابوالوليد المسلم 19-03-2024 09:41 AM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (5)
بين نفي النصر ونفي النظر أو الإنظار
فاضل السامرائي

قال تعالى في سورة البقرة: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة: 86].
وقال فيها أيضاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [البقرة: 161-162].
وقال في آل عمران: ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [آل عمران: 87-88].
سؤال:
لماذا قال في الآية السادسة والثمانين: ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾، وقال في الآيتين الأخريين: ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾؟.
الجواب:
إن الآية الأولى إنما هي في سياق القتل والحرب والأسر، والأُسارى إنما هم من أوزار الحرب، ومَن في هذه الحال إنما يبتغي النصر فنفى ذلك عنهم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة: 84-86] فناسب ذلك ذكر النصر.
وأما الآيتان الأخريان فقد ذكرتا أنَّ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وذكر بعد ذلك أنهم خالدون فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.
واللعنة هي الطرد والإبعاد من رحمة الله، والمطرود لا يُنظر إليه لأنه يُبْعد.
والنظر قد يكون معناه التأخير والإمهال، وقد يكون معناه نظر الرحمة. وكلاهما منفي.
أما الأول فلأنه مطرود فكيف يؤخر؟ وكذلك بالنسبة إلى المعنى الآخر. فناسب كل تعبير مكانه.


ابوالوليد المسلم 19-03-2024 09:45 AM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (6)
حول خزي الدنيا والعياذ بالله تعالى
فاضل السامرائي





قال تعالى في سورة البقرة: ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: 114].
وقال في سورة المائدة: ﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33].
وقال في سورة الحج: ﴿لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [الحج: 9].
سؤال:
لماذا قدَّم الخزي على الدنيا في آية المائدة، فقال: ﴿لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا﴾ وأخّره عنها في آيتي البقرة والحج، فقال: ﴿لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾؟.
الجواب:
إن الخزي المذكور في آية المائدة أظهر للعيان مما في آيتي البقرة والحج، وهو ثابت لا يزول، بخلاف ما في آيتي الحج والبقرة فإنه غير ظاهر ذلك الظهور ولا ثابت ذلك الثبات، فقد قال تعالى في آية المائدة: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة: 33]، في حين قال في سورة البقرة: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: 114].
فقد ذكر عن هؤلاء أنهم لا يدخلونها إلا خائفين، أي لا يدخلون المساجد إلا خائفين، فالخوف مقارن للدخول فإذا انتفى الدخول انتفى الخوف، ثم إن الخوف أمر قلبي غير ظاهر للعيان، فالخزي المذكور في آية المائدة أظهر وأشد.
وقال في سورة الحج: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ [الحج: 8-9]، ولم يذكر الخزي الذي سيلحقهم في الدنيا.

فالتقتيل والتصليب وقطع الأيدي والأرجل من خلاف والنفي من الأرض أظهر خزياً وأشد عقوبة في الدنيا مما ذكره في الآيتين الأخريين، فناسب تقديمه في آية المائدة.

ابوالوليد المسلم 19-03-2024 09:49 AM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (7)
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى
فاضل السامرائي

قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120].
سؤال:
لماذا قال: ﴿حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ بإفراد الملة، ولم يقل: حتى تتبع ملتيهما؟
ولماذا جاء بـ (لا) في قوله ﴿وَلَا النَّصَارَى﴾ ولم يقل: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى)؟.
الجواب:
1 – الجواب عن السؤال الأول أنه لو قال: (حتى تتبع ملتيهما) لكان المعنى أن اليهود لا يرضون حتى تتبع الملتين. وأن النصارى لا يرضون حتى تتبع الملتين. وهذا غير مراد ولا يصح.
2 – أما الجواب عن السؤال الثاني فإنه لو قال ذلك من دون (لا) أي: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتيهما) كان المعنى: أنه لن يرضى عنك الجميع حتى تتبع الملتين.
ولو قال: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) احتمل ذلك معنيين:
الأول: أن الجميع لا يرضون حتى تتبع ملتهم.
بمعنى أنك إذا اتبعت ملة اليهود رضيت عنك اليهود والنصارى، وإذا اتبعت ملة النصارى رضيت عنك اليهود والنصارى، وهذا المعنى لا يصح وهو غير مراد.
والآخر: هو احتمال ما نصت عليه الآية أي: لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم، ولن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتهم.
وما جاء في التعبير القرآني نص على المعنى المراد من دون احتمال آخر.


ابوالوليد المسلم 20-03-2024 04:03 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (8)
(ولئن اتبعت أهواءهم)
فاضل السامرائي



قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120].
وقال في سورة الرعد: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾ [الرعد: 37].

سؤال:
1 – لقد قال تعالى في آية البقرة: ﴿بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾، وقال في آية الرعد: ﴿بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾.
2 – قال في آية البقرة: ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾.
وقال في آية الرعد: ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾.
فما سبب هذا الاختلاف؟
الجواب:
1 – نقول أولاً: أن الفرق بين (الذي) و (ما) مع أن كليهما اسم موصول أن (الذي) اسم موصول مختص فهو مختص بالمفرد المذكر.
وأن (ما) اسم موصول مشترك يشترك فيه المذكر والمؤنث المفرد والمثنى والجمع.
وأنه حدد الأهواء في سورة البقرة وعيَّنها بقوله: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120].
ولم يحددها في سورة الرعد بل أطلقها غير أنه قال قبل هذه الآية: ﴿وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [الرعد: 36]، ولم يذكر هذا البعض.
فجاء مع ذكر الأهواء المخصصة بالاسم الموصول المختص وهو (الذي).
وجاء مع ذكر الأهواء العامَّة بالاسم الموصول المشترك وهو (ما).
ثم إن العلم المذكور في كل من الآيتين مرتبط بالسياق الذي ورد فيه، فالمقصود بالعلم في قوله: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ [البقرة: 120] في آية سورة البقرة: العلم بدين الإسلام وهو هدى الله تعالى، وهو ما يقابل ملة اليهود والنصارى وهو معلوم.
وأما العلم المذكور في آية الرعد فلم يعين ولم يحدد وهو ما يقابل: ﴿وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [الرعد: 36]، فلم يذكر الأحزاب ولم يذكر البعض الذي تنكره.
فجاء في العلم المحدد المعلوم بالاسم الموصول المختص وهو (الذي)، وجاء في غير المعيَّن بالاسم الموصول المشترك وهو (ما) فناسب كل تعبير موضعه.
2 – وأما من ناحية الفاصلة في كل من الآيتين فإنه قال في سورة البقرة: ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120].
وقال في سورة الرعد: ﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ﴾ [الرعد: 37]، والواقي أعم من النصير، فالواقي هو الحافظ، و(وقى) معناه: (حفظ).
والواقي يكون عاقلاً أو غيره، فقد يكون من الجمادات أو غيرها، فالسقف واق، والملابس واقية، قال تعالى: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾ [النحل: 81].
وأما النصير فلا يكون إلا عاقلاً قادراً، فجعل العام وهو (الواقي) مع العام وهو عموم الأهواء، والاسم الموصول المشترك (ما)، وجعل الخاص مع الأهواء المحددة، والاسم الموصول المختص وهو (الذي).
3 – إن النصير ينصر صاحبه على الخصم والعدو ويمكِّنه منه، وأما الواقي: فإنه يحفظه منه وقد لا يتمكّن من نصره.
فوجود النصير أتمُّ في النعمة من وجود الواقي؛ لأنه ينصره، وإذا نصره فقد وقاه، وإذا عدم النصير فإنه لا يزال مطلوباً لخصمه أو مهضوماً حقه حتى مع وجود ما يحفظه أو مَن يحفظه، فإن الحافظ قد يخفي مَن يحفظه في مكان لا يعلمه خصمه أو لا يصل إليه.
فجعل نفي النصير – وهو النعمة الأتم – مع الوزر الأعظم وهو ترك ملة الإسلام إلى ملة اليهود أو النصارى، وجعل نفي الواقي الذي هو دون ذلك ما هو أقل وهو إنكار بعض الأحزاب بعض ما أنزل إليه.
وقد تقول: لقد قلتَ في النقطة السابقة إن الواقي أعمَّ من النصير، وإن مدلول الكلام ههنا أن النصير أعم لأنه ينصر صاحبه، وإذا نصره فقد وقاه، فهو واق ونصير؟
والحق أنه لا تناقض بين القولين، فإن النصير لابدَّ أن يكون عاقلاً قادراً والمنصور عليه لابدَّ أن يكون عاقلاً قادراً فهو مختص بذوي العلم والقدرة ناصراً ومنصوراً ومنصوراً عليه، فلا تقول: هو نصيره من العقرب، أو من الحر أو من البرد ونحو ذلك.
وأما الواقي: فهو عام فقد يكون عاقلاً أو غيره، وكذلك ما تقيه منه فقد يكون عاقلاً أو غيره.
وما تقيه قد يكون عاقلاً أو غيره، فإنك قد تقي بضاعة من التلف، وملابس من الوسخ، وماء من القذر ونحو ذلك، فلا الواقي ولا ما تقيه، ولا ما تقيه من يُشترط أن يكون عاقلاً بخلاف النصير، فإن النصرة مختصة بالعقلاء وليست كذلك الوقاية، فاتضح ما قلناه.
4 – ثم إن سياق كل آية يقتضي فاصلتها التي وردت فيها من جهة أخرى، فقد قال في آية البقرة: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120]. فإذا اتبع ملتهم كان منهم، وأهل الملة ينصرون أتباعهم على غيرهم من أصحاب الملل الأخرى، فنفى النصير عنه.
وأما آية الرعد فلم يذكر فيها ذلك وإنما قال: ﴿وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ﴾ [الرعد: 36]. فإذا اتبع أهواءهم في ذلك البعض فإنه قد لا يقتضي النصرة ومحاربة أعدائه من أجل ذلك البعض الذي قد يكون هيِّناً، ولكن ربما يحفظونه إذا وقع في شدة أو أَمْر مما هو دون الدخول في مجابهة عدوه فنفى الواقي، فناسب كل تعبير موضعه كما هو ظاهر.
5 – هذا ومن الطريف أن نذكر أن كلمة (نصير) وردت في سورة البقرة مرتين: مرة في هذه الآية، ومرة في الآية السابعة بعد المائة، ولم ترد في سورة الرعد، وأن كلمة (واق) وردت في سورة الرعد مرتين، مرة في هذه الآية ومرة في الآية الرابعة والثلاثين، ولم ترد في البقرة، فناسب ذلك من جهة أخرى.
6 – هذا علاوة على تناسب فواصل الآيات في كل سورة، فآية سورة البقرة تناسب فاصلتها فواصل الآيات التي وردت في سياقها مثل {الْجَحِيم}، و{الْخَاسِرُون}، و{العَالَمِين}، وفاصلة آية الرعد تناسب فواصل الآيات التي وردت في سياقها من مثل: {مَئَاب} و: {الْكِتَابِ} و: {الْحِسَابِ} فناسب كل تعبير موضعه الذي ورد فيه من كل جهة، والله أعلم.

ابوالوليد المسلم 20-03-2024 04:05 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (9) بين قوله: {هدى الله} وقوله: {هداهم الله}
فاضل السامرائي



قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: 143].
وقال في سورة الأنعام: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 89-90].
وقال في سورة الزمر: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 17-18].
سؤال:
لماذا قال في آية البقرة: ﴿إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه﴾، فحذف العائد على (الذين) من الفعل (هدى).
وكذلك في آية الأنعام فقد قال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾، ولم يقل: (هداهم الله).
في حين قال في آية الزمر: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾ فذكر العائد وهو الضمير (هم) المتصل بالفعل (هدى)؟
الجواب:
إن هذا النوع من الحذف إنما هو من الحذف الكثير في اللغة، والفرق بين الذكر والحذف أن الذكر يفيد التوكيد كما هو معلوم، ومعنى ذلك أن قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾ آكد من قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ لأنه صرح بذكر الضمير.
أما الفرق بين آية سورة البقرة، وآية الزمر فإن آية الزمر تقتضي التوكيد أكثر من آية سورة البقرة، وذلك أن آية سورة البقرة إنما هي في تحويل القبلة.
وأما آية الزمر فإنها فيمن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وهؤلاء على درجة كبيرة من الهدى فإنهم لا يكتفون باتِّباع الحسن، وإنما يتَّبعون الأحسن، ثم إنه جاء معهم بالفاء فقال: ﴿فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ ولم يأتِ بـ (ثم)، والفاء تدل على الترتيب والتعقيب فإنهم بمجرد سماع القول يتَّبعون الأحسن.
وقال: (يتَّبعون) مضارع (اتّبع) بتضعيف التاء وهو على وزن (افتعل) الدالّ على المبالغة في الاتباع، ولم يقل (يتْبعون) بالتخفيف، وهذه مرتبة عظيمة أعلى من مجرد اتباع القبلة لأن اتباع القبلة إنما هو من استماع القول واتباعه فهو واحد من الأمور المطلوبة.
فهداية المذكورين في الزمر أعلى وآكد؛ لأنها تشمل ما ذكره في آية سورة البقرة وغيره مما يريده الله تعالى. ولذا كان التوكيد في الزمر هو المناسب.
وأما آية سورة الأنعام، فهي في جمع من رسل الله وأنبيائه وفيهم أولو العزم، ولا شك أن هؤلاء أعلى من المذكورين في آية سورة الزمر.
قد تقول: ولماذا إذن لم يذكر الضمير مع فعل الهداية مع أنهم أولى بالتوكيد من غيرهم؟
والجواب: إن ربنا جلَّ وعلا ذكر كلَّ أحوال الهداية مع هؤلاء الذين ذكرهم في سياق آية سورة الأنعام، واستعمل كل أنواع التعدية لفعل الهداية.
فقد عدَّى الفعل إلى المفعول مباشرة بأسمائهم الظاهرة فقال: ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ﴾ [الأنعام: 84]. الخ.
فعطف هؤلاء الأنبياء والرسل على نوح الذي هو مفعول (هدينا) أي: ومن ذريته هدينا سليمان وأيوب ويوسف... الخ.
ثم عدى الفعل إلى ضميرهم أيضاً فقال: ﴿وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: 87] فقال: ﴿َهَدَيْنَاهُمْ﴾ فعدّى الفعل إلى ضميرهم كما قال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾ وزاد على ذلك الاجتباء.
ولم يكتفِ بذاك بل قال أيضاً: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾، فحذف مفعول (هدى) وهو الضمير العائد على الرسل فجعل الكلام على صورة المطلق فأطلق المعنى، إذ يحتمل هذا التعبير معنيين:
الأول: أولئك الذين هداهم الله وهو الأظهر.
والثاني: أولئك الذين هدى الله بهم.
فصار المعنى: أولئك الذين هداهم الله وهدى بهم، ولو ذكر الضمير لدل على معنى واحد، فاتسع المعنى بالحذف. ولا شك أن هذا المعنى أوسع من ذكر الضمير وأمدح لهم.
فزاد على ما ذكره في الزمر بالتعدية إلى المفعول المباشر وهو الاسم الظاهر، وبالحذف للدلالة على الإطلاق واتساع المعنى. ثم إنه ذكر من الهداية ما لم يذكره في الآيتين.
فقد ذكر الهداية العامَّة، وهو قوله: ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ...﴾ الخ، ولم يخصص الهداية بأمر معيَّن.
ثم ذكر أنه هداهم إلى صراط مستقيم؛ فقال: ﴿وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، وهذه هداية أخرى.
ثم أفاد بالحذف أنه هداهم وهدى بهم.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه أسند فعل الهداية مع رسل الله تعالى مرة إلى ضمير التعظيم، فقال: ﴿وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ...﴾ الخ، وقال: ﴿وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
وأسنده مرة أخرى إلى اسمه الجليل وهو اسمه العَلَم فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه﴾.
في حين أسنده في الآيتين الأخريين إلى اسمه العلم، فزاد الإسناد مع الرسل على ما في الآيتين الأخريين.
هذا علاوة على ما ذكره من التعظيم لأنبيائه ما لم يذكره مع الآخرين من نحو قوله: ﴿وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 86].
وقوله: ﴿وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأنعام: 87]، فزاد الاجتباء على الهداية.
وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ [الأنعام: 89].
وقوله: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: 90]، فناسب كل تعبير موضعه.
وقد تقول: ألا يحتمل الحذف في آية سورة البقرة وهي قوله: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: 143] ما ذكرته في قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ فيكون المعنى: إلا على الذين هداهم الله وهدى بهم، فيتّسع المعنى، فيكون مَن ذكرهم في سورة البقرة أعلى ممن ذكرهم في الزمر نظير ما ذكرته في آية الأنعام؟
والجواب: إن السياق يأبى ذلك، فإن هذه الآية في تحويل القبلة إلى الكعبة بعد أن كانت إلى بيت المقدس، ويكفي في ذلك أن يتجه المسلم إلى الكعبة في صلاته، وأن يهديه الله تعالى للرضا بذلك سواء كان يهدي الآخرين أم لا، وسواء كان عالماً أم لا.
فمن رضي بذلك واتجه إلى القبلة، شملته الآية، أيَّاً كان فلا يصح تقدير ما ذكرت.
وقد تقول: ولِمَ لَم يحذف الضمير في آية سورة الزمر فيقول: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ ليشمل الذين هداهم الله وهدى بهم، فيكون أمدح لهؤلاء كما فعل في آية الأنعام؟

والجواب: إن ذكر الضمير ههنا من رحمة الله بنا، ولو حذفه لكانت البشرى لا تنال إلا مَن هداه الله وهدى به، فيكون ممن جمع بين الأمرين، ولا تَنال من هداه الله ولم يَهدِ به، فذكر الضمير أفاد نصاً أن البشرى تنال مَن هداه الله، وأن ذلك كافٍ لأن تناله بشرى ربنا سبحانه. وهذا من رحمته سبحانه بعباده، والحمد لله رب العالمين.


ابوالوليد المسلم 20-03-2024 04:15 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (10) التعبير باللعنة بالفعل تارة وبالجملة الاسمية تارة أخرى


فاضل السامرائي



قال تعالى في سورة البقرة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 159-160].
وقال فيهم أيضاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [البقرة: 161-162].
فقال في الآية الأولى: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ بصيغة الفعل.
وقال في الآية الثانية: ﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [آل عمران: 87]. بالصيغة الاسمية فَلِمَ ذاك؟
والجواب:
إن الآية الأولى قيلت فيمن كان لا يزال في الحياة الدنيا فجاء بالفعل (يكتمون) مضارعاً، وجاء بفعل اللعنة مضارعاً أيضاً، فما داموا يكتمون ما أنزل الله تعالى تصيبهم اللعنة، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيَّنوا، فأولئك يتوب الله عليهم.
وهذا هو المناسب لفعلهم؛ فاللعنة تستمر مادام الكتمان مستمرّاً.

وأما الآية الثانية: فنزلت في الذين ماتوا على الكفر، وقد انقطعت أعمالهم وثبتوا على حالة واحدة لا يرجى لهم تبديل ولا تغيير فجاء باللعنة بالصيغة الاسمية للدلالة على الثبوت، فناسب كل تعبير مكانه الذي ورد فيه.


ابوالوليد المسلم 21-03-2024 03:19 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (11) بين شكر الله وشكر نعمة الله
فاضل السامرائي



قال الله تعالى في سورة البقرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: 172].
وقال تعالى في سورة النحل: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [النحل: 114].
سؤال:

لماذا قال في آية سورة البقرة: ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ فأمر بالشكر لله، وقال في آية النحل: ﴿وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ فأمر بشكر النعمة؟
الجواب:

إن السياق الذي وردت فيه آية سورة البقرة إنما هو في الكلام على الله تعالى، والسياق الذي جاءت فيه آية النحل في الكلام على النعم.
فقد قال تعالى في سياق آية البقرة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ [البقرة: 165].
وقال قبل الآية: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 171].
فالكلام كما ترى على الله وعلى ما يدعوه الكفار من الآلهة، فناسب الأمر بشكر الله تعالى.
وأما آية سورة النحل فهي في سياق النعم، فقد قال قبل الآية: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112].
فذكر القرية التي كفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، فناسب الأمر بشكر النعمة لئلا يصيبهم ما أصاب مَن قبلهم.
هذا إضافة إلى أنَّ كلمة (النعمة) وردت في سورة النحل أكثر مما وردت في سورة البقرة، فقد وردت في سورة البقرة ست مرات، ووردت في النحل تسع مرات، فناسب كل تعبير مكانه من جهة أخرى.



ابوالوليد المسلم 21-03-2024 03:32 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (12) (وعلى المولود له رزقهن)
فاضل السامرائي



قال الله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233].
سؤال:

1 – لماذا قال: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ، ولم يقل: (وعلى الوالد)؟
2 – ولماذا قال: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ ولم يقل: (وعلى الوالدات أن يرضعن) كما قال في الوالد؟
الجواب:

1 – بالنسبة إلى السؤال الأول فإنه قال: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُدون الوالد «للدلالة على أن الأولاد للآباء لا للأمهات ولهذا يُنسبون إليهم دونهن كأنهم إنما ولدن لهم فقط» [فتح القدير (1/245].
2 – وأما بالنسبة إلى السؤال الثاني فإنه عبَّر بـ (الوالدات) على صيغة الجمع دون المولود له للكثرة النسبية، فإن الوالدات أكثر من الآباء لأن الأب قد تكون له أكثر من زوجة وكلهن يلدن والوالد واحد.
3 – وأما بالنسبة إلى السؤال الثالث، فإنه قال: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّولم يقل: (وعلى الوالدات أن يرضعن) لأن الزوج مكلَّف بالرزق والكسوة للزوجات، أما الزوجة فلا يجب عليها أن ترضع أولادها وهي غير مكلَّفة بذلك، بل لها أن تمتنع عن إرضاع ولدها فيبحث له والده عن مُرضعة كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ [الطلاق: 6].
ولهذا لم يقل: (وعلى الوالدات أن يرضعن) كما لم يقل: (والوالدات ليرضعن) بلام الأمر وإنما قال: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ.







ابوالوليد المسلم 22-03-2024 11:14 AM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (13) (حافظوا على الصلوات)
فاضل السامرائي



قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 238-239].
سؤال:

لماذا وسّط ربنا تعالى هذه الآية بين أحداث الطلاق والوفاة، فإن قبلها: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ * وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة: 236-237].
وبعدها: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [البقرة: 240]؟.
الجواب:

1 – إن المشكلات بين الزوجين قد تؤدي إلى أن يحيب أحدهما على الآخر، وينتصر لنفسه فيظلم الآخر.
وإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال ربنا: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45] فأمرهم بذلك ليرتدعوا ولئلا يبغي بعضهم على بعض.
2 – ثم إنه تعالى أمرهم بالمحافظة على الصلاة لئلا تشغلهم المشكلات العائليَّة عنها فيتركوها أو يتهاونوا في أدائها.
وقد أمرهم بالمحافظة عليها في الوقت الذي هو أشدُّ من ذلك، وذلك عند الخوف فقال: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: 239]. فكيف فيما هو دون ذلك؟
وهذا يدل على عِظم هذه الفريضة وأنه ينبغي ألا يشغلهم عنها شاغل مهما عظم.









ابوالوليد المسلم 22-03-2024 11:19 AM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (14) (ومن لم يطعمه فإنه مني)
فاضل السامرائي



قال الله تعالى في سورة البقرة:﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ [البقرة: 249].
سؤال:

لماذا قال: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ﴾، ولم يقل: (ومن لم يشربْه) مع أنَّ الكلام على الماء؟
الجواب:

يقال: (طعم) إذا أكل أو ذاق، والطعم الذوق وهو يكون في الطعام والشراب.
يقال: طعمه مُرٌّ أو حُلو أو غير ذلك، ويكون ذلك في كل شيء مما يؤكل أو يُشرب. [انظر لسان العرب (طعم)].
ثم إنَّ الماء قد يُطعم إذا كان مع شيء يمضغ.
ولو قال: (ومن لم يشربه) لكان يقتضي أن يجوز تناوله إذا كان في طعام.
فلما قال: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ﴾ تبيَّن أنه لا يجوز تناوله على كل حال إلا قدر المستثنى وهو الغَرْفَةُ باليَدِ» [المفردات: (طعم)].








ابوالوليد المسلم 23-03-2024 09:33 AM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (15) حول بشارتي زكريا ومريم
فاضل السامرائي



قال الله تعالى في سورة آل عمران على لسان زكريا عليه السلام حين بشَّرته الملائكة بيحيى عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: 40].
وقال على لسان مريم حين بشَّرتها الملائكة بالمسيح عليه السلام:﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 47].
سؤال:

1 – لماذا قال زكريا عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ.
وقالت مريم عليها السلام: ﴿قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٞ.
فذكر زكريا عليه السلام الغلام، وذكرت مريم عليها السلام الولد؟
2 – لماذا قال الله تعالى مخاطباً زكريا عليه السلام: ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾.
وقال مخاطباً مريم: عليها السلام: ﴿قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾.
فاستعمل (الفعل) مع زكريا، و(الخلق) مع مريم؟
الجواب:

1- أما بالنسبة إلى استعمال الغلام مع زكريا فهو المناسب؛ لأن الله تعالى بشَّره بيحيى، قال تعالى: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: 39]. ويحيى غلام.
أما بالنسبة إلى استعمال الولد مع مريم عليها السلام فهو المناسب أيضاً ذلك أن الله تعالى بشَّرها بكلمة منه اسمه المسيح، قال تعالى:﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: 45]. و(الكلمة) أعمّ من الغلام فهي تصح لكل ما أراد الله تعالى أن يكون، قال تعالى:﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: 82].
والولد أعمُّ من الغلام، فالولد يُقال للذكر والأنثى، والمفرد والجمع، قال تعالى: ﴿إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ﴾ [الكهف: 39-40].
فلما بشَّرها (بالكلمة) وهي عامَّة، سألت بما هو أعمّ من الغلام وهو الولد، فناسب العمومُ العمومَ، والخصوصُ الخصوصَ.
ألا ترى في سورة مريم حين بشَّرها رسولُ ربِّها بالغلام قائلاً: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ [مريم: 19].
قالت: ﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ [مريم: 20]، فناسب كل تعبير مكانه.
2 – وأما قوله تعالى مخاطباً زكريا عليه السلام: ﴿قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: 40]، وقوله مخاطباً مريم عليها السلام: ﴿قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: 47]، فهو المناسب أيضاً.
ذلك أن الفعل أيسر من الخلق، فالفعل عام، إلا ترى أنَّه قد يقول لك قائل: لِمَ فعلت كذا؟، ولِمَ فعلت كذا؟ فتقول: أنا أفعل ما أشاء.
ولا يصحُّ أن تقول: (أنا أخلقُ ما أشاء) فإنك لا تستطيع ذلك.
هذا وإن إيجاد الذرية من أبوين مهما كان شأنهما أيسر من إيجادها من أم بلا أب.
فناسب ذكر الفعل الذي هو أيسر من الخلق مع زكريا عليه السلام.

وناسب ذكر الخلق مع مريم عليها السلام التي لم يمْسَسها بشرٌ.







ابوالوليد المسلم 23-03-2024 09:41 AM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (16) بين عذاب الكافرين وإكرام المؤمنين
فاضل السامرائي



قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 56-57].
سؤال:

لماذا قال في الآية الأولى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ﴾ فإسناد التعذيب إلى ضمير المتكلم، وقال في الآية الثانية: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ بإسناد توفية الأجور إلى الغائب ولم يقل: (فأوفيهم أجورهم) فيكون الكلام على نسق واحد؟
الجواب:

إنَّ الآية الأولى في سياق كلام الله سبحانه عن نفسه قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [آل عمران: 55-56].
فناسب إسناد التعذيب إلى نفسه جرياً مع سياق الحديث عن النفس.
وأما الآية الثانية فهي مقام الالتفات إلى الغائب وذلك ليكون مدخلاً إلى قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾، فإنَّه لو لم يلتفت لقال: (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فأوفيهم أجورهم وأنا لا أحب الظالمين).
ولم يرد فعل الحب من الله تعالى في القرآن إثباتاً أو نفياً مسنداً إلى ضمير المتكلم، أي: إن الله سبحانه وتعالى لم يقلْ في جميع القرآن مخبرا ًعن نفسه بنحو: (وأنا لا أحب الظالمين أو المعتدين) أو: (وأنا أحب الصابرين أو المحسنين)، بل يسند ذلك إلى لفظ الجلالة في الأغلب أو ضميره كأن يقول: (إنَّه لا يحبُّ المسرفين) أو: (إنه لا يحب المعتدين).

فالمناسب هو الالتفات وليس الاستمرار بالحديث عن النفس.







ابوالوليد المسلم 23-03-2024 09:49 AM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (17) حذف الباء في الفعل: (شَهِدَ)
فاضل السامرائي



قال الله تعالى في سورة آل عمران: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64].

وقال في سورة هود: ﴿قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ﴾ [هود: 54-55].
سؤال:

لماذا قال في آية سورة عمران: ﴿اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾، فجاء بالباء مع (أنَّا) ولم يذكرها في قوله: ﴿وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ، والمصدر المؤول منصوب على نزع الخافض؛ لأنَّ (شهد) بهذا المعنى يتعدى بالباء، وذلك نحو قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ [الزخرف: 86]، وقوله:﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا﴾ [يوسف: 81].
ومعلوم أن الذكر أقوى وآكد من الحذف، فقوله: ﴿اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، أقوى وآكد من قوله: ﴿وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.
وسياق كل من الآيتين يوضح ذلك.
قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64].
وقال في سورة هود: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾ [هود: 54-55].
ومن النظر في كل من الموضعين يتَّضح أن ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سورة آل عمران أكثر مما قاله نبي الله هود عليه السلام في سورة هود.
فقد قال في آل عمران:
1 – ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ
2 - ﴿وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا
3 - ﴿وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ.
وأما في سورة هود فقد ذكر البراءة من الشرك فقط فقال: ﴿أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ﴾، وهو واحد مما جاء في سورة آل عمران.
ثم لو نظرنا فيما جاء عن الشرك في كل الموضعين لوجدنا أنَّ ما في سورة آل عمران أقوى وأعمّ فقد قال فيها: ﴿وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا أي: أيّ شيء كان، وهذا تعبير يحتمل معنيين: لا نشرك به شيئاً من الشرك؛ ولا نشرك به شيئاً من الأشياء.
في حين قال في سورة هود: ﴿أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ، فإنَّه ذكر البراءة مما يشرك قومه. فكان ما في سورة آل عمران أعمّ وأشمل لأنَّه نفى كل أنواع الشرك ويدخل فيهما ذكره في سورة هود.
فكان ما في سورة آل عمران أقوى وآكد وأعمّ فناسب ذكر الباء فيه، ولمّا كان ما في سورة هود جزءاً مما ذكره في آل عمران ناسب الحذف، والحذف في نحو هذا قياس كما هو معلوم.










ابوالوليد المسلم 24-03-2024 02:02 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (18) بين قوله تعالى: (يقولون بأفواههم)، و (يقولون بألسنتهم)
فاضل السامرائي


قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 167]، وقال سبحانه في سورة الفتح: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [الفتح: 11].
سؤال:

لماذا قال تعالى في آية سورة عمران: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ، وقال في سورة الفتح: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ؟.
الجواب:

إن الأفواه أعمّ وأشمل من الألسنة، فإنَّ اللسان جزء من الفم، والمناسب أنه إذا كان القول كبيراً عظيماً ذُكرت الأفواه، وإذا كان أقل ذُكرت الألسنة مناسبة لكل حالة.
وعلى هذا فقوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ، يدل على أنَّ القول أعظم وأكبر، والأمر كذلك.
فإن السياق في آل عمران إنما هو في المتخلِّفين عن القتال في أُحد، فقد دُعوا إلى القتال أو الدفع عن المدينة فامتنعوا قائلين: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ [آل عمران: 167] قال تعالى:﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: 167-168].
ومما قيل في معنى قوله: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ، إننا لا نُحسن القتال، ولو كُنا نحسن القتال لاتبعناكم.
وأما المذكورون في سورة الفتح فهم المتخلفون عن عُمرة الحُديبية فهم لم يذهبوا إلى العُمرة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مُعتلِّين بالشُّغل، قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [الفتح: 11].
ومن النظر في السياقين يتبيَّن ما يأتي:
1 – أنَّ الموقف في آية سورة آل عمران إنما هو في قتال المشركين الذين جاؤوا إلى المدينة.
وأما الموقف في آية سورة الفتح فهو في الذهاب إلى العمرة، وليس إلى قتال، فالموقف في أُحد أشد والخطر أظهر.
2 – أنَّ القول في آيات سورة آل عمران أعظم وأكبر مما في سورة الفتح فإنهم قالوا: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ [آل عمران: 167]، فهم كانوا مُصرين على عدم المشاركة في القتال، راضين بقعودهم، ولم يكتفوا بذلك بل كانوا يخذّلون غيرهم ويُزينون لهم القعود، فقد قال عنهم سبحانه إنهم قالوا لإخوانهم: ﴿لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ فهم لم يندموا بل كانوا يرون ذلك من بُعد النظر.
وأما المُخلَّفون الذين ذُكروا في سورة الفتح فإنهم قالوا: ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ [الفتح: 11].
فاعتذروا عن عدم الذهاب إلى العُمرة بالشغل، وأنهم طلبوا الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهم أظهروا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنَّهم مُقصِّرون وأنهم مذنبون فطلبوا الاستغفار وأنه كان لهم عذر.
ولم يظهر الأولون ذلك بل كانوا راضين بما فعلوا مُخذلين لغيرهم غير نادمين ولا طالبين لمغفرة.
فقول أصحاب أُحد أكبر وأعظم وموقفهم أخطر وأكبر، فناسب أن يُذكر فيهما ما هو أكبر وهو الأفواه، وناسب ذكر الألسنة في آية الفتح.


ابوالوليد المسلم 24-03-2024 02:06 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (19) التقديم والتأخير في ذكر الأشقياء والسعداء
فاضل السامرائي



قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران: 106-107].

سؤال:

لماذا قدَّم أولاً مَنْ تبيضُّ وجوههم على مَن تَسودُّ فقال: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾، ثم قدَّم بعده مَنْ تسودُّ وجوهُهم على من تبيضُّ، فقال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ، وقال بعده: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ.
وكان المظنون أن يكون التفصيل على نسق ما بدأ، فيقول أولاً:(فأما الذين ابيضَّت وجوههم)، ويقول بعده: (وأما الذين اسودَّت وجوههم)، نظير قوله تعالى في سورة هود: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [هود: 105-108].
فإنه لما قال: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فقدّم الشقي كان التفصيل على نسق ذلك، فقال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فقدّم الذين شقوا على الذين سعدوا فما الفرق؟
الجواب:

إنَّ التقديم والتأخير في آل عمران جرى بحسب القرب والبعد، فمَن كان قريباً قدّم القول فيه، ومَن كان بعيداً أخَّر القول فيه.
وإيضاح ذلك أنَّ الكلام كان على صنفين من الناس أحدهما مُخاطب والآخر غائب، ولا شك أنَّ المخاطب أقرب من الغائب فقدَّم ما يتعلق بالمخاطب وأخَّر ما يتعلق بالغائب.
وبيان ذلك أنَّ السياق في آل عمران إنما هو في خطاب المؤمنين فقد خاطبهم بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 100]..
ويستمر الكلام في خطابهم فيقول: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: 101-106]، فالمؤمنون هم المُخَاطَبون وهم الذين تَبيضُّ وجوههم.
والذين تفرَّقوا واختلفوا هم الذين تسودُّ وجوههم وهم في السياق غائبون، ألا ترى إلى قوله: ﴿وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ فأخبر عنهم بضمير الغيبة؟.
فقدّم القول في المخاطبين كما ذكرنا فقال:﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ .
وأما الكلام بعد ذلك فإنَّ الذين اسودَّت وجوههم هم المخاطبون فيه، وأما الذين ابيضَّت وجوههم فهم غائبون.
فقد قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ [آل عمران: 106].
فقد خاطبهم بقوله: ﴿أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾، ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.
وأما الذين ابيضّت وجوههم فهم هنا غائبون فقد قال سبحانه فيهم: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [آل عمران: 107].
فأخبر سبحانه عنهم بضمير الغيبة.
فقدّم القول في المُخَاطبين كما فعل أولاً، فجرى الكلام على نسق واحد في التقديم والتأخير.
وأما التقديم والتأخير في سورة هود فقد جرى على نهج واضح أيضاً، فإنَّ السياق فيها في ذكر الأمم الكافرة الذين عَصَوا رسلَهم وأنزل بهم العقوبات، ثم عقّب بعد ذلك بقوله: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ [هود: 100-101]، فالسياق في الأشقياء من الناس فقدَّم الأشقياء فقال: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: 105].
وأما التفصيل فيما بعد فقد جرى على نسق ما ذكر؛ لأنَّهم كلهم غائبون فهم بمنزلة واحدة، فقد قال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ [هود: 106].
وقال تعالى بعدها: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [هود: 108]، بخلاف ما عليه السياق في آل عمران فإنَّ منهم مخاطباً ومنهم غائب، فجرى التفصيل في هود على ما أجمل، فلما قال: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فقدَّم الأشقياء فصّل الكلام على نسق ذلك، فقال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا....وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا...﴾ فكانكل تعبير مناسباً في سياقه الذي ورد فيه.









ابوالوليد المسلم 24-03-2024 02:08 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (20) حول آية فرضية الحج

فاضل السامرائي


قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97].



سؤال:

مِن المعلوم أن الحج عبادة مأمور بها المسلمون وهي ركن من أركان الإسلام، فلماذا قال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ، فقال: (على الناس)، والناس فيهم الكافر والمسلم، ولم يقلْ: (على المسلمين) أو (على المؤمنين)، كما قال تعالى في الصيام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: 183]، وكما قال في الصلاة: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، فذكر المؤمنين؟
الجواب:

1 – قال تعالى قبل هذه الآية: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96]، فذكر أن هذا البيت إنما وضع للناس فناسب أن يدعو الناس إلى حجِّه.
وقال: ﴿مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، فذكر العالمين فناسب ذلك أيضاً أن يدعو العالمين إلى حجِّه.
وقال: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]، فذكر العالمين أيضاً فناسب ذلك من جهةٍ أخرى أن يدعو العالمين إلى حجِّه.
2 – إن هذه الفريضة تختلف عن بقية الفرائض من صلاة وصيام وزكاة، فإنَّ هذه الفرائض مأمورٌ بها الأنبياء السابقون وأتباعهم.
فقد قال في الصيام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: 183].
فذكر أن الصيام كتب علينا كما كتب على الذين من قبلنا، فلو قال: (لله على الناس أن يصوموا) لقال أصحاب الديانات الأخرى أو كثير منهم: نحن نصوم فنحن قائمون بما أمر الله تعالى به.
ولو قال: (ولله على الناس إقامة الصلاة) لقال كثير من أهل الملل من أهل الكتاب وغيره: نحن نقيم الصلاة، فإنَّ الصلاة عبادة مأمور بها الأنبياء وأتباعهم.
قال تعالى في سيدنا موسى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [يونس: 87].
وقال تعالى على لسان سيدنا إبراهيم: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [إبراهيم: 37].







ابوالوليد المسلم 26-03-2024 02:13 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (21) البيان والهداية والتوبة
فاضل السامرائي



قال تعالى في سورة النساء: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء: 26-27].

سؤال:

1 – لماذا رتَّب الآية السادسة والعشرين على هذا النحو، أي قدَّم البيان ثم الهداية ثم التوبة؟
2 – لماذا قدّم لفظ الجلالة على الفعل (يريد) في الآية السابعة والعشرين؟
3 – لماذا عدّى فعل الإرادة باللام في الآية السادسة والعشرين، وعدّاه بنفسه في الآية التي بعدها؟
الجواب:

1 – بالنسبة إلى التقديم والتأخير في الآية الأولى فإنَّ هذا هو الترتيب الطبيعي، فإنه قدّم البيان على هداية السنن؛ لأنَّ البيان مقدّم على الهداية، فالهداية تكون بعد البيان، وإلا فإلى أي شيء يهديه؟
وأما التوبة فهي بعد البيان والهداية، فإنها تكون بعد التقصير في الاتِّباع، وارتكاب الذنوب والمعاصي.
2 – قدَّم لفظ الجلالة على الفعل (يريد) في الآية السابعة والعشرين لأكثر من سبب.
منها: أنها بمقابل ما يُريده الذين يتَّبعون الشهوات.
ومنها: أن هذا التقديم يُفيد الاهتمام والتوكيد والمبالغة في إرادة التوبة من الله تعالى [انظر تفسير البيضاوي (109)، روح المعاني (5/12)].
ومن جهة أخرى أنَّ هذا التقديم يُفيد الحصر إضافة إلى ما تقدم، فإنَّ التوبة مُختصة بالله تعالى حصراً، فلا يتوب غيره سبحانه على العبد ولا يمكنه ذلك.
قد تقول: ولِمَ كان هذا الموضع موضع تأكيد ومبالغة؟
فنقول: إن ذلك لأكثر من سبب:
منها: أن التوبة من الله تعالى أهم شيء بالنسبة إلى العبد ولا يقوم شيء مقامها، فإنَّه إذا لم يتب الله تعالى على العبد هلك.
ثم إنَّ السياق يدل على ذلك، فقد كرَّر إرادة التوبة، فقال: ﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ ثم قال: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾.
وقال إضافة إلى ذلك: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ [النساء: 28]. والتوبة من الله تعالى تخفيف عن العبد.
ومما يدلُّ على ذلك أيضاً أنه قال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ [النساء: 28] بمقابل ما ذكره من إرادة الفجَّار، فقد قال:﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء: 27].
وكان المظنون بمقابل ذلك أن يقول: (والله يريد أن تستقيموا) مثلاً، أو أن تطيعوه، فإنَّ الاستقامة تُقابل الميل، ولكنه لم يقلْ ذلك، وإنما قال: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ فذكر ما هو أخف، ولا شك أن ذكر هذه الإرادة بمقابل ما يريده الذين يتبعون الشهوات رحمة وتخفيف.
ثم ذكر أنَّ الإنسان خُلق ضعيفاً، والضعيف به حاجة إلى التخفيف والتوبة من التخفيف.
ثم إنَّ السياق قبل هذه الآيات في ذكر التوبة، فقد قال: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا * إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء: 16-18].
فاتَّضح أن سياق الآيات وما قبلها إنما هو في التوبة، فاقتضى ذلك الاهتمام والمبالغة في إرادة التوبة.
واقتضى تقديم لفظ الجلالة من كل وجه.
قد تقول: لقد اتضح سبب تقديم لفظ الجلالة في قوله: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ فلِمَ لم يُقدم الذين يتَّبعون الشهوات فيقول: (والذين يتبعون الشهوات يريدون أن تميلوا ميلاً عظيماً) حتى يكون التعبيران على نسق واحد؟
فنقول: إن الذين يتبعون الشهوات ليسوا وحدهم الذين يريدون للمسلمين أن يميلوا ميلاً عظيماً، بل هناك غيرهم ممن يريد ذلك من المنافقين وأهل الكتاب والمشركين وغيرهم ممن يأكل قلبه الحسد والحقد أو لغير ذلك كما قال تعالى:﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة: 109] وقال سبحانه: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ [المائدة: 82] وقال جل وعلا:﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا [المائدة: 68].
وقال تعالى في المنافقين: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء: 88-89].
فذكر أنَّ الذين يتَّبعون الشهوات يريدون أن تميلوا ميلاً عظيماً ولم يَقصر ذلك عليهم فلا يُناسب التقديم.
3 – وأما تعدية فعل الإرادة باللام مرة وبنفسه مرة أخرى فإنَّ التعدية باللام تحتمل أمرين:
الأول: أن تكون اللام مزيدة للتوكيد، وهذا كثير في أفعال الإرادة وذلك نحو قوله تعالى:﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب: 33]، وقوله سبحانه:﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ [الصف: 8]، والآخر: أن تكون اللام للتعليل [انظر تفسير البيضاوي (109)] أي إرادته لهذا الغرض.
وكلاهما يدل على المبالغة والقوة وهو آكد وأقوى من التعدية بنفسه [انظر كتابنا (معاني النحو 3/67) وما بعدها]، فالتعبير (يريد الله ليتوب عليكم) آكد من: (يريد الله أن يتوب عليكم).
وقد ذكر الله سبحانه الأمرين فإن قوله:﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ في الآية الأولى أي في قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ.......وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ معطوف على إرادة اللام.
وفي الثانية مفعول به للفعل (يريد).
فتكون إرادة الله تعالى للتوبة مطلوبة مؤكدة على كل حال، وهذا يدل على عظيم رحمة الله بخلقه.
ولما كانت الآية الأولى ذكرت أموراً في غاية الأهمية منها البيان لما يريده الله وهداية الخلق لما يريد ومنها التوبة جاء بفعل الإرادة معدى باللام.
ولما كانت الآية التي تليها مندرجة في مطلوب الآية السابقة وهي إرادة التوبة وليس فيها ما في الآية التي قبلها لم تحتج إلى اللام.
وقد تقول: ولِمَ لَم يقدم لفظ الجلالة في الآية الأولى فيقول:(الله يريد ليبين لكم)؟.
فنقول: إن هذا الموطن لا يقتضي التقديم لأنه لم يذكر أن جهة أخرى تُريد غير ذلك، ولا هو موطن تعريض بجهة أخرى تريد غير هذا الأمر وإنما هو إخبار عن إرادة الله سبحانه لذلك، بخلاف الآية التي تليها فإنه ذكر جهة أخرى تريد غير ما يريده الله للمؤمنين.
فلا يناسب التقديم في الآية الأولى، والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 26-03-2024 02:14 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (22) ماذا يقترن مع التوبة؟
فاضل السامرائي



قال تعالى في سورة النساء: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ [النساء: 92].

وقال سبحانه في سورة التوبة: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ [التوبة: 104].
وقال تعالى في سورة الشورى:﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى: 25].
سؤال:

لماذا جاء مع التوبة بـ (من) في آية النساء، وجاء معها بـ (عن) في آيتي التوبة والشورى؟
الجواب:

لقد ذكر (من) مع التوبة ليُبين الجهة التي تقْبل التوبة، وهو: (الله).
وذكر معها (عن) ليُبين طالب التوبة وهم: العباد.
فقوله:﴿تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ [النساء: 92]. يعني: أن التوبة قبِلها الله تعالى وهو يتوب على مَن يفعل ذلك.
وقوله سبحانه:﴿يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [الشورى: 25] يعني أنه يقبل التوبة التي تصدر عن عباده طالبين لها.

وقيل: إن معناه أنه يتجاوز عنهم ويعفو عن ذنوبهم التي تابوا منها، جاء في «روح المعاني»: «وتعدية القبول بـ (عن) لتضمنه معنى التجاوز والعفو أي: يقبل ذلك متجاوزاً عن ذنوبهم التي تابوا عنها» [روح المعاني (11/15)].







ابوالوليد المسلم 28-03-2024 03:01 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (23) خصوصية مقيمي الصلاة
فاضل السامرائي



قال تعالى في سورة النساء: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا[النساء: 162].

سؤال:

لماذا قال: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾، بنصب ﴿الْمُقِيمِينَ﴾ مع أنه معطوف على ﴿الرَّاسِخُونَ﴾ وهو مرفوع؟
الجواب:

إن هذا مما يسمى في علم النحو بالقطع وهو يكثر في المدح والذم والترحم، ويكون ذلك لأهمية المعطوف [انظر (معاني النحو 3/187) وما بعدها].
والقطع هنا للمدح وهو مفعول به لفعل محذوف تقديره (أمدح) أو (أخص).
وحسّن القطع أنه ذكر عبادتين ظاهرتين وهما: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصلاة أهم من إيتاء الزكاة لأنها فرض عين على كل مكلف سواء كان غنياً أم فقيراً، صحيحاً أم سقيماً، وهي أهم ركن في الإسلام، ولا تسقط في حال من الأحوال، ولذا قطعها للدلالة على فضلها على الزكاة، أما الصفات الأخرى فهي أمور باطنة وقلبية.
ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[البقرة: 177].
فقطع الصابرين لفضلهم، وذلك أنهم صابرون في الفقر وفي المرض وفي القتال، والبأساء هي البؤس والفقر، والضراء السقم والوجع، وحين البأس أي وقت القتال وجهاد العدو [انظر روح المعاني 2/48، البحر المحيط (2/7)].
جاء في «البحر المحيط»: «انتصب (والصابرين)على المدح.
ولما كان الصبر مبدأ الفضائل – ومن وجه – جامعاً للفضائل إذ لا فضيلة إلا وللصبر فيها أثر بليغ غيّر إعرابه تنبيهاً على هذا المقصد» [البحر المحيط 2/7].
وجاء في «روح المعاني»: « ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ[البقرة: 177] نصب على المدح بتقدير أخص أو أمدح.
وغيَّر سبكه عمَّا قبله تنبيهاً على فضيلة الصبر ومزيته على سار الأعمال حتى كأنه ليس من جنس الأول» [روح المعاني 2/47].







ابوالوليد المسلم 28-03-2024 03:02 PM

رد: أسئلة بيانية
 
(24) سبب خصوصية سيدنا داود بقوله تعالى: (وآتينا داوود زبورا)
فاضل السامرائي



قال تعالى في سورة النساء:﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا[النساء: 163-164].

سؤال:

لماذا خصَّ داود عليه السلام بقوله:﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾؟.
والجواب:

إن أهل الكتاب سألوا سيدنا محمداً أن يُنزل عليهم كتاباً من السماء، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً[النساء: 153].
فأجابهم ربُّ العِزَّة سبحانه أنَّ محمداً أوتي مثلما أوتي رسلُ الله الذين تؤمنون بهم وتُقرون بنبوتهم، فقال تعالى:﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ[النساء: 163]، ومن ذكرهم من الأنبياء الآخرين.
وآتيناه كما آتينا داود زبوراً، وقد نزل الكتابُ على داود مُنجَّماً [انظر روح المعاني 6/26] وكذلك نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فإنَّ مَن ذكرهم من الأنبياء الذين سبق ذكرهم ذكر داود اشتركوا في الوحي، ولم يؤتهم كلهم كتباً فإنَّ قسماً منهم لم ينزل عليهم كتباً فاشترك معهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الوحي، وأوتي كتاباً كما أوتي داود عليه السلام الذي تؤمنون به، وأرسله كما أرسل رسلاً آخرين قصَّهم عليه وآخرين لم يقصصهم عليه.
وقد تقول: ولِمَ قال: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ[النساء: 164]؟.
والجواب:

إنَّ قسماً ممن ذكرهم في صدر الأنبياء وليسوا رسلاً مثل إسحاق ويعقوب، فقد أوتي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مثلما أوتي أنبياء الله ورسله جميعاً.
1- فقد أوحي إليه صلى الله عليه وآله وسلم كالنبيين.
2 – وأوتي صلى الله عليه وآله وسلم كما أوتي داود عليه السلام.
3 – وأُرسل كما أُرسل رسل الله ممن قصهم عليه، ومَن لم يقصصهم عليه.
4 – ذكر سبحانه أنَّ الله كلَّم موسى تكليماً، وهذه خصوصيَّة لموسى عليه السلام.
وأوتي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما هو أعظم من ذلك فإنَّ موسى كلَّمه الله تعالى على الطور، وأما محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد عرَج به إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى.
ثم إنَّ موسى عليه السلام خرَّ صعقاً.
وأما محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال ربه تعالى فيه: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى[النجم: 17]، فأحرى بكم أن تؤمنوا به، وقد أوتي مثلما أوتي رسُل الله.
جاء في «روح المعاني» في تحقيق المماثلة بين شأنه صلى الله عليه وآله وسلم «وبين شؤون مَن يعترفون بنبوته من الأنبياء عليه السلام في مطلق الإيحاء ثم في إيتاء الكتاب، ثم في الإرسال، فإنَّ قوله سبحانه:﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ منتظم لمعنى (آتيناك) و (أرسلناك) فكأنه قيل: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى فلان وفلان، وآتيناك مثلما آتينا فلاناً، وأرسلناك مثلما أرسلنا الرسل الذين قصصناهم وغيرهم، ولا تفاوت بينك وبينهم في حقيقة الإيحاء والإرسال، فما للكفرة يسألونك شيئاً لم يُعْطَه أحدٌ من هؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام» [روح المعاني 6/26].










ابوالوليد المسلم 28-03-2024 03:04 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (25) السر في التعبير القرآني (أن تعتدوا) وقوله: (ألا تعدلوا)
فاضل السامرائي

– قال تعالى في سورة المائدة:﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا[المائدة: 2].

وقال سبحانه في السورة نفسِها أيضاً:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[المائدة: 8].
فقال في الآية الأولى:﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ.... أَنْ تَعْتَدُوا﴾، والتقدير: (على أن تعتدوا) فحذف (على)، وقال في الآية الثانية:﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا﴾فذكر (على) فما السبب؟
الجواب:

إنَّ الذكر يفيد التوكيد فذكر (على) في الآية الثانية لأنَّها آكد، ذلك أنَّ الآية الأولى في حالة وقعت ومضت وهي حالة عارضة، وذلك في قوم صدوهم عن المسجد الحرام وهي في أهل مكة وذلك عام الحديبية.
أما الآية الثانية فهي نهي عن حالة مُستديمة إلى يوم القيامة وهي النهي عن عدم العدل.
ثم إنَّ الاعتداء يدخل في عدم العدل؛ لأنَّه اعتداء فدخلت الآية الأولى في الثانية.

فالثانية آكدُ وأعمُّ وأشمل فجاء فيها بـ (على) وحذفها من الأخرى.







ابوالوليد المسلم 29-03-2024 01:06 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (26) المتعاطفات في آية الوضوء
فاضل السامرائي



– قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ[المائدة: 6].

سؤال:

هل يصح في اللغة عطف الأرجل على الوجوه في الغسل مع أنه قد فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بأجنبي عن الغَسْل وهو المسح بالرؤوس؟ ثم لماذا فعل ذاك؟
الجواب:

لا شكَّ في صِحَّة هذا العطف في اللغة، وهو كثير في القرآن وغيره، قال تعالى:﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ[الروم: 17-18].
فقد عطف:﴿حِينَ تُظْهِرُونَ﴾ على:﴿حِينَ تُمْسُونَ﴾ وبينهما متعاطفات فقوله:﴿وَلَهُ الْحَمْدُ﴾ معطوف على قوله:﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾، و ﴿الْأَرْضِ﴾ معطوفة على ﴿السَّمَاوَاتِ﴾.
ونحو ذلك آية الكرسي، فإنَّ قوله: ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا[البقرة: 255] معطوف على قوله في أول الآية:﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ وبينهما مُتعاطفات مختلفة وهي:﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، وبينهما متعاطفات مختلفة وهي:﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، وقوله:﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾، وقوله:﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، ونحو ذلك قوله تعالى:﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ[البقرة: 177]، فعطف:﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ﴾ على ﴿آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ أي (ومَن أقام الصلاة) على ما بينهما من متعاطفات.
وقال تعالى في سورة الجن:﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا[الجن: 16]، فعطف هذه الآية على قوله: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا[الجن: 1] وهي الآية الأولى.
فعطف الآية السادسة عشرة على الآية الأولى.
وفي سورة الأعراف عطف قوله: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا[الأعراف: 85]. على قوله:﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾[الأعراف: 59].
على ما بينهما من بُعد، وذكر قصصاً مُتعددة ومُتعاطفات كثيرة، فإنَّ بينهما ستاً وعشرين آية، فلا خلاف في صِحَّة نحو هذا.
تقول في الكلام: (ذهبت إلى السوق فاشتريتُ من البقَّال فاكهة وخضروات وبيضاً، ومن البزاز قماشاً وقميصاً، ومن المكتبة كتابين ودفتراً ثم عُدت)، فتعطف الفعل (عدت) على (ذهبت) في أول العبارة على ما بينهما من مُتعاطفات مُتعددة مختلفة.

أما لماذا فعل ذلك في آية الوضوء، فإنَّ الغرض إرادة الترتيب في الوضوء، فإنَّه يجب أن تكونَ أعمالُ الوضوء مُرتَّبة بحسب ما ذكره القرآن الكريم.







ابوالوليد المسلم 29-03-2024 01:08 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (27) اختلاف وصف القوم في آيتَي: (فلا تأسَ على القوم)
فاضل السامرائي

لماذا قال تعالى في سورة المائدة:﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[المائدة: 26]. وقال في السورة نفسها: ﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[المائدة: 68].

الجواب:

إنَّ الآية الأولى قالها ربنا جل وعلا في قوم موسى عليه السلام الذين نكلوا عن قتال الجبَّارين، وقالوا: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[المائدة: 24-26].
وقوم موسى عليه السلام ليسوا كافرين، وإنما هم فاسقون لمخالفة أمر الله تعالى في القتال، ثم إن هذا الوصف مجانس لما وصفهم به موسى عليه السلام بقوله:﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[المائدة: 25]، فقال له ربه:﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[المائدة: 26].
وأما الآية الثانية فهي خطاب لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخصوص أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا به، قال تعالى:﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[المائدة: 68].
وهؤلاء كافرون فإنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال الله تعالى في هذه الآية:﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا[المائدة: 64]، فذكر أنه يزيدهم ما أُنزل إليه طغياناً وكفراً، فقال فيهم:﴿فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[المائدة: 26].










ابوالوليد المسلم 30-03-2024 10:31 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (28) تعدية الفعل: تقبَّل تارة بـ (من) وأخرى بـ (عن)
فاضل السامرائي





قال تعالى في سورة المائدة: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[المائدة: 27].

وقال سبحانه في سورة الأحقاف: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ[الأحقاف: 16].
سؤال:

عدّى الفعل (تقبَّل) في آية المائدة بـ (من) فقال: ﴿فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ....قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾، وعدّى الفعل في آية الأحقاف بـ (عن) فقال: ﴿نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ[الأحقاف: 16]، فما السبب؟
الجواب:

إنَّ تعدية الفعل (تقبَّل) بـ (من) تدل على الاهتمام أو العناية بالذات أو الجهة التي يُتقبَّل منها.
وتعديته بـ (عن) تدل على الاهتمام والعناية بتقبل العمل الصادر عنها، فإذا كانت العناية والاهتمام بالذات أو الجهة التي يتقبل منها عدّاه بـ (من) وذلك نحو قوله: ﴿فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ[المائدة: 27]، وقوله:﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[البقرة: 127]، وقوله: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي[آل عمران: 35].
أما إذا كان محطَّ العناية والاهتمام على العمل وقبوله فإنه يعدِّيه بـ (عن) وذلك نحو قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ﴾ أي: نتقبل العمل الصادر عنهم.
وحيث عدّي الفعل (تقبل) بـ (من) لم يذكر له مفعولاً أو هو يبنيه للمجهول مما يدل على الاهتمام بالذات أو الجهة التي يتقبل منها.
فإذا عدّاه بـ (عن) ذكر العمل كما في الآية المذكورة وهي الآية الوحيدة في القرآن الكريم.

فدلّ على أن مناط الاهتمام بالعمل مع تعدية الفعل بـ (عن)، ومناط الاهتمام بالذات أو الجهة مع تعديته بـ (من)، والله أعلم.







ابوالوليد المسلم 30-03-2024 10:32 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (29) حول التعقيب في آيتَي: {وإن يمسسك الله بضر}
فاضل السامرائي


قال تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[الأنعام: 17].

وقال سبحانه في سورة يونس: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ[يونس: 107].
سؤال:

لماذا اختلف التعقيب في الآيتين فقال في آية الأنعام:﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وقال في آية سورة يونس:﴿فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾؟.
الجواب:

إنَّ آية الأنعام في افتراض مسِّ الخير، فقد قال:﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ﴾، وأما آية سورة يونس فهي في افتراض إرادة الخير وليس المسّ، فقد قال:﴿وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ[يونس: 107]، والإرادة من غير الله تعالى قد لا تتحقق لأنَّه قد يحول بينها وبين وقوعها حائل، وأما إرادته سبحانه فلا رادّ لها.
فاختلف التعقيبان بحسب ما يقتضيه المقام.

ألا ترى أنه لما اتفق الافتراضان في مس الضر اتفق الجوابان، فقد قال في كل منهما:﴿فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾؟ ولما اختلف الافتراضان كان الجواب بحسب ما يقتضيه كل افتراض.










ابوالوليد المسلم 30-03-2024 10:34 PM

رد: أسئلة بيانية
 
أسئلة بيانية (30) حول قوله تعالى: {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} ونُظرائها
مقالات شرعية فاضل السامرائي



قال تعالى في سورة الأنعام:﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ[الأنعام: 51].

وقال سبحانه في سورة الأنعام أيضاً: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ[الأنعام: 70].
وقال تعالى في سورة السجدة: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ[السجدة: 3-4].
سؤال:

لماذا قال تعالى في آيتي الأنعام:﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾ و: ﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾فنفى بـ (ليس).
وقال في آية السجدة:﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾فنفى بـ (ما) وجاء معها بـ (من)؟
الجواب:

إن النفي في آية سورة السجدة أقوى منه في آيتي الأنعام ذلك أن آيتي الأنعام من الجمل الفعلية، فهي مبدوءة بـ (ليس)، و (ليس) فعل.
وأما آية سورة السجدة فهي جملة اسمية منفية بـ (ما)، ومعلوم أن الجمل الاسمية أقوى من الفعلية، و (ما) أقوى من (ليس) [انظر معاني النحو 1/272 وما بعدها].
هذا علاوة على المجيء مع ذلك بـ (من) الاستغراقيَّة التي تُفيد نفي الجنس وتُفيد التوكيد مع ذلك، فهي تُفيد نفي الولي والشفيع على سبيل الاستغراق.
وأما سبب ذلك – والله أعلم – فإن الكلام في آيتي الأنعام على أصناف خاصَّة من الناس.
فإنَّ الإنذار في الآية الأولى للذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم على هذه الحالة، وهناك غيرهم كثير من غير هذا الصنف، فإنَّ هناك مَن لا يؤمن أصلاً باليوم الآخر، ولا يخاف الحشر، وهناك أصناف آخرون غير هؤلاء.
وأما الآية الثانية فإنَّ التذكير فيها لنفي مخافة أن تؤخذ بجريرتها وتُسلم بذنبها وتفضح به، وذكر من حالة هذا الصنف بقوله:﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ[الأنعام: 70].
وأما آية سورة السجدة فالخطاب لعموم مَن يصح خطابه من الثقلين لا يخص صنفاً دون صنف ولا واحداً دون آخر، وإنما هو خطاب عام يعم الجميع فقد قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ[السجدة: 4]. فلم يذكر صفة معيَّنة ولا صنفاً خاصَّاً.
فلما عمَّ ذلك الجميع احتاج إلى التوكيد ولا شك، فإنه جارٍ في العادة أن يكون للشخص وليٌّ واحد، أو أن يكون لمجموعة من الناس ولي واحد، أما ألاَّ يكون للخلق جميعاً إلا ولي واحد وليس لأحد منهم ولي غيره فهذا يحتاج إلى التوكيد فأكَّده بالجملة الاسمية و (من) الاستغراقيَّة.
هذا أمر...
والأمر الآخر: أنه سبحانه لم يذكر في آيتي سورة الأنعام شيئاً من صفات الله تعالى، وإنما ذكر اسمه العلم في آية فقال:﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾ وأعاد الضمير على الرب تعالى في الآية الأخرى، فقال:﴿لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ[الأنعام: 51].
وأما في آية سورة السجدة فذكر له صفات عظيمة، فقال:﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[السجدة: 4].
وقال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ[السجدة: 5].
وقال سبحانه: ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ[السجدة: 6-7].
ويستمر في ذكر صفاته العظيمة وقدرته التي لا تُحد.
فناسب ذلك أن يؤكد أنه ليس للخلق من دونه ولي ولا من دون رضاه شفيع، وإنما هو الولي الأوحد للخلق أجمعين.
قد تقول: ولكنه ذكر من صفات المعصية والضلال في آيتي سورة الأنعام ما لم يذكره في آية سورة السجدة، أفلا يقتضي ذلك توكيد نفي الولي والشفيع؟
والجواب:

أن ليس الأمر كما توهمت بل لقد ذكر في سياق آية سورة السجدة من المعصية والكفر ما لم يذكر في آيتي سورة الأنعام.
فقد قال تعالى في آية سورة الأنعام: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ[الأنعام: 51].
فلم يذكر لهم معصية وإنما قال عنهم إنهم يخافون أن يحشروا إلى ربهم في هذه الحال، ومعنى ذلك أنهم مقرِّون بالحشر معترفون به يخافون ربهم ويخافون أن يحشروا، وليس لهممن دون الله ولي ولا شفيع، وهذا ليس معصية ولا ذنباً.
وأما آية سورة الأنعام الأخرى فإنه قال فيها: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا[الأنعام: 70] أي: اتركهم، وذكّرْ به: أي بالقرآن مخافة أن تؤخذ نفس بجريرتها وتجزى بكسبها، ولم يذكر لها ذنباً، وأما الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً فأمر بتركهم.
وأما آية سورة السجدة فإنها في سياق من يَنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكذب وافتراء القرآن وفيمن ينكر الحشر والمعاد، فقال:﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ[السجدة: 3]. فنسبوا إليه صلى الله عليه وآله وسلم افتراء القرآن أي: كذبه على الله تعالى، وقال عنهم: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ[السجدة: 10].

فهم كذبوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنكروا الحشر والمعاد، ولا شك أن هذا أكبر مما ذُكر في آيتي سورة الأنعام، فاقتضى السياق توكيد نفي الولي والشفيع من دون الله وطاعته ورضاه تعالى من هذه الجهة أيضاً، فاقتضى توكيد ذلك في آية سورة السجدة من كل وجه، والله أعلم.








الساعة الآن : 01:09 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 145.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 144.06 كيلو بايت... تم توفير 1.31 كيلو بايت...بمعدل (0.90%)]