نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (1) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فتحقيق العبودية هي الغاية الكبرى التي خلق الله -عز وجل- الخلق من أجلها كما قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، والعبودية المنشودة التي خلقنا الله من أجلها هي الرسالة الأم التي من أجلها يجب أن يعيش كل مؤمن صادق يسعى في نجاة نفسه وأهله والناس من حوله من عذاب الله، والفوز برضوانه ونعيمه الدائم؛ فرسالة الحياة باختصار هي: "تحقيق العبودية"، هكذا بكل وضوح شرعي، وفهم عقلي، وبذل حركي لذلك. هذه الرسالة بشمولها تحتاج في تحقيقها إلى رؤية هادفة يُبنى على أساسها مسار إستراتيجي واضح يتبعه خطوات تنفيذية دافعة لإنجاح هذا المسار. هذه الرؤية الهادفة ترتسم معالمها في مواجهة طبائع تلك النفوس البشرية التي وصفها الله -تعالى- في كتابه قائلًا: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف: 53)، والتي تغرق بطبيعتها في حب الشهوات والبعد عن التزامات العبودية، وإيثار حب الدنيا العاجلة على الآخرة الباقية، كما قال -تعالى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران: 14). لذلك تُبنى تلك الرؤية دائمًا عند أصحاب الهمم الصادقة على حمل مشاعل التغيير للنفس أولًا ثم التغيير في باقي دوائر التأثير المحيطة، وذلك بالسعي الدؤوب للعمل على إيجاد الشخصية المسلمة، وبناء الطائفة المؤمنة التي تعمل على تغيير المجتمع لتحقيق العبودية الجماعية المنشودة، أو بمعنى أوضح على رؤية الصلاح والإصلاح؛ فالرؤية ليست قاصرة على إصلاح النفس فقط، بل تتعدى إلى إصلاح الغير أيضا ليكون غالب المجموع محققًا لعبوديته -تعالى-، وهذا يستلزم بذل الجهد والطاقة والعمل ليلًا ونهارًا لإحداث هذا التغيير الإيجابي المنشود؛ لأن القاعدة الثابتة التي قررها الرب -تعالى- هي: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11)، وعلى هذه القاعدة كان مسار الأنبياء والمصلحين عبر الزمان والمكان كما بين الله -تعالى- على لسان نوح -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا. وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا . ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا . ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) (نوح: 5-9). وكما وصف الله -سبحانه وتعالى- حال نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف: 6)، (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء: 3)، وكما بين الله -تعالى- في كتابه ذلك على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108). فجاءت البصيرة التي نوهت إليها الآية لتمثل في جوهرها ذلك المسار الإستراتيجي اللازم للدعاة والمصلحين في أي مكان وزمان، والضروري لتحقيق تلك الرؤية الهادفة التي تخدم الرسالة الأم -أقصد تلك العبودية- التي من أجلها خُلقنا كما أشار لذلك الألوسي -رحمه الله- في تفسيره لتلك الآية حين قال: "وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغي للداعي إلى الله -تعالى- أن يكون عارفًا بطريق الإيصال إليه -سبحانه-، عالمًا بما يجب له -تعالى-". وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (2) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فيجب الانتباه إلى أن رؤية التغيير ليست مقصودة لذاتها، بل مقصودة لغيرها؛ أعني بذلك أن الرؤية المقصودة الهادفة، هي: تلك الرؤية المبنية على بصيرة أو مسار واضح له مقومات رئيسة تدفع في زيادة تحقيق العبودية في المجتمع بجميع مكوناته لله رب العالمين، وإلا فكل تغيير لا يؤدي إلى ذلك، لا يصح أن يطلق عليه رؤية هادفة. كما أنه من البدهي: إدراك أن عدم التحرك على مسار إستراتيجي واضح المعالم يحقق تلك الرؤية الهادفة والرسالة الشاملة، أو عدم وضوح هذا المسار بتفاصيل محاوره الرئيسية ومقوماته اللازمة عند الأفراد والكيانات التي تنشد الإصلاح، يتسبب بلا شك في تبديد الجهود وضياع الأعمار، واضطراب الأحوال، وتنازع الأفراد، والانحراف عن تحقيق الغايات. كما أنه من البدهي أيضًا أن نعترف: أن هناك الكثير ممن قد يتفق على الرؤية والرسالة قد يختلفون فيما بينهم في تحديد المسار المناسب طبقًا للأيدولوجيات أو القناعات العقلية، والتي تؤدي إلى التفرق والبعد عن تحقيق الغايات. فالنظر للمسار الإصلاحي المناسب ضروري جدًّا لتنفيذ رؤية التغيير الهادف الناجح واللازم لتحقيق رسالة العبودية التي هي الغاية الكبرى للحياة الدنيوية، وهو ما يحتاج منا إلى بسط وبيان للطريقة المناسبة للقيام بالمهمة المنوطة بنا في تحقيق العبودية على أتم صورة، تساعد في إيجاد مجتمع صالح يرضي رب البرية، ويحقق السعادة البشرية. ولهذا فسنستعرض معًا -بإذن الله- هنا في هذه الضوابط والتوجيهات الإصلاحية المحاور الآتية: - بيان أنواع الأعمال الإصلاحية الموجودة حاليًا على الساحة من حيث طبيعة كل نوع. - تعريف العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي المراد لتحقيق الإصلاح المنشود، وأسباب الحاجة إليه (شرعًا وعقلًا) في واقعنا الحالي. - الرد على الشبهات التي تُلقى بين حين وآخر في وجه العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي المنشود من أجل تنفير المصلحين منه. - مرتكزات وعوامل نجاح أي عمل تعاوني مؤسسي إصلاحي. أولًا: أنواع الأعمال الإصلاحية: تنقسم الأعمال الإصلاحية الدعوية طبقًا للواقع الحالي إلى ثلاثة أنواع: 1- عمل إصلاحي فردي. 2-عمل إصلاحي عبر ما يسمى بالمجموعات الوسيطة. 3- عمل إصلاحي تعاوني جماعي مؤسسي عبر كيان. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (3) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ من أنواع الأعمال الإصلاحية: أ- العمل الإصلاحي الفردي: نموذج من نماذج الأعمال الإصلاحية الذي قد يرفع عن صاحبه العذر في دفعه للفساد من حوله، فصاحبه يبذل فيه جهده الذي يتاح له في دائرته الضيقة، والذي يتوقف أثره الناتج على قدرات الشخص الفردية ومدى توفيقه في عمله، ولكن يا للأسف: فإن هذا العمل الإصلاحي الفردي له سلبيات عديدة تجعله ليس هو النموذج الأمثل المطلوب لتحقيق الإصلاح المنشود. فمن هذه السلبيات المعروفة والمشاهدة في الواقع الحالي: 1- سهولة الانقطاع والتوقف؛ فالعمل متوقف على الحالة النفسية أو الصحية أو الحياتية للشخص؛ فيفتر بفتوره ويمرض بمرضه، ويتوقف بسفره أو حتى ينحرف بانحرافه. 2- تحديد الأولويات الإصلاحية المطلوبة للمجتمع تتوقف على الرؤى الشخصية للفرد، والتي قد تتغافل مصالح الأمة الحقيقية وحاجاتها. 3- ضعف الأثر الإصلاحي الشمولي للعمل الفردي في المجتمع، حيث يتم الاقتصار على جانب واحد من الجوانب طبقًا لاهتمام القائم على العمل الفردي وإمكاناته. 4- العمل الفردي بيئة غير مهيئة لاكتشاف الكفاءات المختلفة في المجالات المتنوعة؛ نظرًا للاقتصار على نوع معين من الأعمال والأنشطة عند القائمين على هذا العمل الفردي، والذي يا للأسف ينبني عليه التقييم للأفراد من حيث الكفاءة أو القرب والبعد. 5- كثرة التنازع بين رؤوس العمل الفردي وأتباعهم والتراشق المستمر بينهم تحت دعوى من أحق بالصدارة بين الناس والإذعان لرأيه وطريقته، مما يتسبب في نفرة الكثيرين من المستهدفين بالإصلاح من هذه النماذج الإصلاحية المتراشقة فيما بينها. 6- يسهل وقوع التأثير الإيديولوجي أو الانحراف الفكري لصاحب العمل الفردي طبقًا لقوة الضغط عليه من الاتجاهات الفكرية المنحرفة المحيطة به وقدرتهم على استغلال نقاط ضعفه أو فهمهم لمفاتيح شخصيته. 7- سهولة محاصرة العمل الفردي والتضييق عليه ومنعه. ب- العمل الإصلاحي عبر المجموعات الوسيطة: المجموعات الوسيطة هي نموذج جديد ما بين العمل الفردي والعمل المؤسسي الشامل أو إن شئنا لقلنا هي فكرة أُوجدت لجذب الأفراد والانتقال بهم من العمل المؤسسي الإصلاحي الشمولي المؤثر إلى العمل الفردي ضعيف التأثير تحت شعار التخصصية عبر مجموعة وسيطة -مع العلم أن البعض ممن يمارس العمل فيها قد يدعي العكس من أنها محاولة للانتقال بالأفراد من الرؤية الفردية إلى المؤسسية، إلا أن النوايا وحدها لا تكفي مع ما ظهر بوضوح واقعيا-؛ ففكرة المجموعات الوسيطة تعتمد على اجتماع مجموعة من أصحاب الفن أو التخصص الواحد أو المتفقين على فكرة ما في مجال ما، معا في تجمع واحد حتى لو اختلفت مشاربهم الفكرية أو رؤيتهم الإصلاحية بغرض خدمة هذا الفن والتخصص أو تحقيق هذه الفكرة الجزئية. وهذا النموذج قد ينجذب إليه عدد كبير من الشباب والفتيات تحت دعوى البحث عن التميز والتخصص؛ إلا أن سلبياته كبيرة جدًّا؛ حيث إنه يؤدي إلى: 1- التعصب للتخصص أو الفكرة الجامعة للمجموعة وتحقير كل المجهودات المبذولة من أي أحد خارج هذا الإطار، بل ومهاجمته وتسفيهه. 2- التنازع الفردي الذي يحدث بين رموز التخصص الواحد المختلفين فيما بينهم في أمور عدة أخرى والتنافس فيما بينهم على مقدار التأثير فيمن حولهم أو فيمن منهم أحق بالصدارة في هذا التخصص مما يزكي الحالة التنازعية أو التنافسية التراشقية داخل تلك المجموعة الوسيطة مع مرور الزمن مما يسهل هدمها. 3- الجمع بين رموز تيارات فكرية مختلفة كثيرة جدًّا داخل المجموعة الواحدة مما جمعهم التخصص أو الفكرة الجزئية يؤثر بشدة على تشوش الرؤية الإصلاحية عند الأفراد والشباب المتأثرين برموز هذه المجموعات، حيث إن الإعجاب بالحالة التخصصية يؤدي إلى الانبهار والتأثر ثم المتابعة والموالاة لتلك الرموز باختلاف مشاربهم الفكرية والتي تظهر آثارها بوضوح عند وقوع الفتن والمدلهمات في المجتمع؛ مما يؤدي إلى تحويل المجموعة الوسيطة إلى قنبلة موقوته أفرادها متنازعين فيما بينهم يتبع بعضهم رمز ما برؤيته الفكرية المختلفة، ويتبع آخرين رمز آخر برؤيته الأخرى المتباينة، ومن ثم يؤول الأمر إلى نموذج الفردية لكن بعد فترة من الزمن. والجدير بالذكر هنا: أن ننبه على أن فكرة التخصصية هي فكرة رائعة -بلا شك- نافعة للأمة تُسد بها الثغور المطلوبة بلا شك، لكنها لا تحقق غرضها الكامل المراد إلا في إطار من الاصلاح المؤسسي المتكامل المبني على وضوح الرؤية الأيديولوجية الإصلاحية المتفق عليها عند الجميع، بعيدًا عن الفردية. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (4) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمن أنواع الأعمال الإصلاحية: ج- العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي في كيان: ونقصد بمصطلح (العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي)؛ تلك التعبيرات الشمولية التي تشمل معنى العمل في كيان تطوعي منظم يعمل بطريقة مؤسسية بغرض تحقيق الإصلاح الشامل في المجتمع، أيًّا كان التعبير الشائع في الاستخدام طبقًا للواقع الزماني والمكاني؛ سواء كان المسمى لهذا الكيان مسمى خيري اجتماعي خدمي أو حزبي إصلاحي تشريعي. المحور الثاني: العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي: نتعرف معًا -بإذن الله- في هذا المحور على: - تعريف العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي المراد لتحقيق الإصلاح المنشود. - أسباب الحاجة إليه (شرعًا وعقلًا) في واقعنا الحالي. - حكم العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي. - الشبهات التي تُلقى بين حين وآخر في وجه العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي المنشود من أجل تنفير المصلحين منه، والرد عليها. - بعض الآفات التي تقع في هذا النوع من العمل الإصلاحي. أولًا: تعريف العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي: تعريف عام: هو تعاون مجموعة من الأفراد لتحقيق أهداف إصلاحية مشروعة لا يمكن للفرد تحقيقها بمفردِه، طبقًا لرؤية ومنهجية صحيحة واضحة. تعريف اصطلاحي: هو تعاون مجموعة من المسلمين فيما بينهم على القيام بما يستطيعون من فروض الكفايات اللازمة لتحقيق الإصلاح المنشود حال شغور الزمان عن الإمام أو حال تقصير الإمام عن القيام بفروض الكفايات، بل أيضًا في حال وجود الإمام وكفاءته وعدم تقصيره ما دام أن هذا التعاون يؤدي إلى تحقيق مصالح، ولا يؤدي إلى مفاسد -كما حدث ذلك في عصر الخلافة الراشدة من تصدي الصحابة رضوان الله عليهم لفروض الكفاية دون إذن ودون أن يأمرهم أحد-، مع الأخذ في الاعتبار أنه هذه الصورة الثالثة قد يُنهي عنها إذا أدي ذلك إلي وجود مفسدة. ثانيًا: لماذا يجب علينا أن نعمل عملًا إصلاحيًّا مؤسسيًّا جماعيًّا؟ هذا ما نتناوله في المقال القادم -بإذن الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (5) كتبه/ سامح بسيوني ثانيًا: لماذا يجب علينا أن نعمل عملًا إصلاحيًّا مؤسسيًّا جماعيًّا؟ فلا شك أنه طبقًا لما ذكر -في المقالات السابقة- من آفات ومخاطر للعمل الإصلاحي الفردي، وكذلك العمل عبر المجموعات الوسيطة، فإن العمل الإصلاحي المؤسسي التعاوني عبر كيان يأخذ أهمية قصوى في خضم تلك الظروف والأحوال الإسلامية العالمية، وذلك لأسباب عقلية ظاهرة وشرعية موجبة: أولًا: من الأسباب الشرعية: 1- العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو استجابة لأمر الله -سبحانه وتعالى-؛ فقد وجَّه الله -تعالى- عباده المؤمنين في كتابه لذلك في غير موضع، ومن ذلك قوله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2). قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: "أي: ليعن بعضكم بعضًا على البر، وهو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله وحقوق الآدميين" (تفسير السعدي). والعمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي هو في حقيقته نوع من أنواع التعاون على البر والتقوى. وقوله -تعالى- أيضًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج: 77)، والخطاب هنا للأمة وعموم المسلمين -وهو واجب شرعي- ليس مُعلقًا على الإمام كشخص، وإنما كنائب عن الأمة؛ لأن الإمامة شُرعت لإقامة الدين وسياسة الدنيا به، فإذا كثرت فروض الكفايات أو غابت، فالناس يجب عليهم أن يقوموا بها، والواجبات لا تُقام إلا بالتعاون ولا يتم التعاون والاجتماع إلا بقيادة وترتيب وجماعية، وهذا ما نسميه: العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي. ونحن بلا شك لا ننكر إمكانية القيام ببعض هذه الصور بدون مؤسسية أو ترتيب جماعي: كتغسيل ميت وتكفينه، ولكن هل يتصور إقامة الفروض والواجبات الكفائية الكبرى -كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس، ومدافعة أهل البدع والضلال، إلخ- بدون ذلك؟! وقد حث الله -عز وجل- المسلمين بالعمل ضمن طائفة متعاونة تعمل على نشر الخير وتحقيق المعروف، وتنهى عن المنكر كما في قوله -تعالى-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104). قال الآلوسي في تفسيره: "والأمة: الجماعة والطائفة". وقال الطبري في تفسيره: "يعني بذلك جل ثناؤه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ) أيها المؤمنون (أُمَّةٌ) يقول: جماعة". وقال السعدي في تفسير هذه الآية: "وهذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه... كما تدل عليه الآية الكريمة في قوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) أي: لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في تحقيق فروض الكفايات، ومن المعلوم المتقرر أن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به، فكل ما يتوقف تحقيق فروض الكفايات عليه فهو مأمور به" (انتهى). ولا شك أن هذه الأمور لا توجد في الأمة بين يوم وليلة، بل هي من أشق الأمور التي لا بد من السير على مبادئها للوصول إلى غاياتها. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (6) كتبه/ سامح بسيوني فمن الأسباب الشرعية الداعية لإقامة العمل الجماعي: 2- العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو استجابة لأمر النبي --صلى الله عليه وسلم--؛ فقد وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لذلك كما في حديث: (إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وقد استدل شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا الحديث، وكذلك الإمام الشوكاني على أن إمارة العشرات أو المئات أو الآلاف من الدعاة المجتمعين على عمل دعوي أولى وأعظم شأنًا من إمارة ثلاثة في سفر؛ فهذا الحديث في أقل جمع لمصالحهم الخاصة، فمصالح الأمة المتعددة الأفراد أولى وأولى. كما أن الأمر هنا أوسع أيضـًا من مجرد التأمير، بل هو توجيه للترتيب والتنظيم والتطاوع اللازم لتحقيق المصالح، ويشهد لذلك خطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- لما أرسلهما لليمن لدعوة الناس -وهما أقل من ثلاثة- حيث قال لهما: (تَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا) (متفق عليه). 3- العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو اقتداء بفعل الأنبياء؛ فقد طلب موسى -عليه السلام- وهو من أولى العزم من الرسل من ربه أن يدعمه بأخيه هارون كما جاء ذلك في كتاب الله: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي . كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا . وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا) (طه: 29-34). 4- أن العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو سلوك الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فقد كان هذا مرتكزًا في حسهم وديدنهم لحفظ مصالح الأمة، كما حدث ذلك منهم في غزوة مؤتة، وهي من أوضح الأدلة على مشروعية هذا الأمر، فالصورة في هذه الغزوة: جماعة من المسلمين يقومون بفرض من فروض الكفايات، وهو قتال العدو، والاتصال بينهم وبين الإمام العام منقطع، وقد قُتِل القادة الثلاثة؛ فهذه الحالة كحالة غياب الإمام، فماذا فعلوا؟ اصطلحوا على أن يؤمروا عليهم أحدهم، ويتعاملوا مع هذا الموقف بصورة مؤسسية، فأمروا خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، وقام خالد بتنظيمهم ليتمكن من مدافعة الروم والانسحاب بما تبقى من المسلمين حفاظًا عليهم، ولم يقوموا بالقتال أو الانسحاب فرادى بعد موت القادة الثلاثة، وقد أقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، بل وسمَّى ذلك فتحًا. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (7) كتبه/ سامح بسيوني فمن الأسباب الشرعية الداعية لإقامة العمل الجماعي: 5- العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني هو سلوك أهل الصلاح والإصلاح عبر القرون والأزمنة، مهما تميزت القدرات أو تفاوتت الإمكانات، كـما جاء ذلك في بيان قصة ذي القرنين عند بنائه للسد حين أراد أن يمنع فساد يأجوج ومأجوج عن الناس إصلاحًا منه في الأرض، وقصدًا منه للخير، ولقد سجل القرآن له هذه الكلمات التي قالها؛ لما في هذا الموقف من تأصيل للعمل الإصلاحي الجماعي اللازم لتحقيق الإصلاح المنشود ودفع الظلم والفساد الموجود، حيث قال الله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا . قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا . قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا . آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا . فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) (الكهف: 93-97). فقد جاءت تلك الكلمات: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) على لسان ذي القرنين؛ وهو مَن هو في قدرته وقوته وتمكنه من النفوذ في أقطار الأرض وقيادة الناس، كما قال الله -تعالى- واصفًا إياه: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) (الكهف: 84)، أي: أنه قد حاز كلَّ أسباب القدرة والقوة الفردية لبسط نفوذه وسلطانه وامتداد تأثيره فيمن حوله، كما بيَّن ذلك السعدي في تفسيره: "مكَّنه من النفوذ في أقطار الأرض، وانقيادهم له، وأعطاه الله من الأسباب الموصلة له لما وصل إليه، ما به يستعين على قهر البلدان، وسهولة الوصول إلى أقاصي العمران"، لكنه مع كل هذا قد أصَّل لقاعدة تأسيسية في أهمية العمل الإصلاحي الجماعي بطلبه التعاون مع قوم أقل منه بكثير في القدرات والمهارات والإمكانيات كما وصفهم الله -تعالى- بقوله: (قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا) أي: استعجمت ألسنتهم وأذهانهم وقلوبهم. فجاءت هذه الكلمة لتتحدى وتواجه بعض مَن يتبنون المنهج الفردي في الإصلاح، بل ويدعون غيرهم إليه! متعللين في ذلك بالمحافظة على التميز للشخص في مجال من المجالات التي يعمل بها، لا سيما مع وجود تفاوتٍ في القدرات بينه وبين غيره من الأفراد، وظنه أن المحافظة على التميز لا بد فيها من الانفرادية وعدم الارتباط بكيان جماعي يقيد حركته، أو مع شعوره -كما يظن هو- أنه لا يوجد في أفراد هذا الكيان من يتميز عنه في هذا المجال أو يستطيع أن يحل محله، أو اعتقادًا منه أن انفراديته تتيح له مساحات عمل أكبر تحقق نتائج أعلى من كونه مرتبطًا بكيان إصلاحي جماعي، مما يُكوِّن عنده قناعة غير صحيحة ومبررًا واهيًا للانسلاخ من العمل الإصلاحي الجماعي. والحقيقة: أننا لو تأملنا الآية -كما بيناها عاليه-؛ لوجدنا أنها تدحض هذه الشبهة من أصلها؛ فها هو ذو القرنين -والذي أوتي من كل شيء سببًا ومُكِّن له في الأرض- يضع قدراته ومهاراته وما أوتي من أسباب جنبًا إلى جنب مع قدرات من هم أقل منه شأنًا وفهمًا وقدرة ليحدثوا ذلك التكامل المنشود في بناء السد، بغرض إحداث الإصلاح المنشود، ومنع الفساد المحظور من يأجوج ومأجوج. فهم: يجمعون قِطَعَ الحديد، وهو: يساويها. هم: يوقدون النار وينفخون عليها، وهو: يفرغ النحاس على الحديد ليصنع السبيكة. وهكذا في مشهد تعاوني إصلاحي جماعي رائع مستغلًا لهذه القدرات المتفاوتة، محقِّقًا للهدف المنشود بنتيجة أعلى مما كان يتصور صاحبها حين سعى لبناء هذا السد؛ حيث منع هذا البناء -بفضل الله- ثم ببركة هذا العمل الجماعي الإصلاحي الرائع فساد قوم يأجوج ومأجوج عن البشرية جمعاء، وسيظل كذلك حتى يأذن الله -تعالى- في خروجهم مرة أخرى كعلامة من علامات الساعة. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (8) كتبه/ سامح بسيوني ثانيًا: الأسباب العقلية: سيجد المتأمل أن جلَّ سلبيات العمل الفردي أو العمل عبر المجموعات الوسيطة، يعالجها العمل المؤسسي الإصلاحي الجماعي، فالعمل المؤسسي من أهم مميزاته أنه: 1- أدعى لاستمرارية الأعمال التطوعية الكفائية؛ لأن العمل وقتها لا يتوقف على فرد؛ فيموت بموته، أو يمرض بمرض، أو يسافر بسفره. 2- العمل المؤسسي يمكننا من القيام بأعمال لا يستطيع الفرد وحده أن يقوم بها (كإقامة صلوات الجمع والأعياد، وجمع الصدقات وتوزيعها على الفقراء، وتعليم الصبيان والشباب والنساء، والمدافعة التشريعية عبر العمل البرلماني، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحمل هموم الناس في تحسين الأحوال المعيشية، إلخ). 3- العمل المؤسسي يفجر الطاقات ويوجه إلى حسن استغلال الإمكانيات؛ لأنه يتطلب تأثيرًا في مساحات متعددة، فيجد كل واحد له دور يخدم فيه دينه ووطنه وأمته. 4- العمل المؤسسي يهذب سلوك الأفراد ويعلمهم التنازل عن آرائهم لرأي المجموع. 5- العمل المؤسسي يتيح للفرد فرصة التعامل مع أنماط مختلفة من الشخصيات داخل فِرَق العمل المختلفة مما يكسبك القدرة على التعامل مع أنماط المجتمع المختلفة، والتأثير الإيجابي في أصناف كثيرة من الناس، فتزيد دائرة التأثير الإصلاحي المطلوب. 6- العمل المؤسسي يعين الفرد على اكتساب صحبة الخير، ويحميه من الفتور والإحباط و الانتكاس. ثالثًا: حكم العمل المؤسسي الإصلاحي التعاوني: بناءً على ما سبق ذكره من الأدلة العقلية والشرعية، فحكم العمل المؤسسي الإصلاحي الجماعي أنه مشروع، ودرجة المشروعية هي طبقًا للتفصيل الآتي: - إذا كان الأمر واجبًا، ومتى تُرك التعاون على إقامته ضاع؛ فالتعاون عليه واجب. - متى كان مستحبًا فالتعاون عليه مستحب؛ إلا إذا كان في ضياع هذا المستحب ضياع لواجب آخر، فيكون التعاون عليه واجب (كأن يتسبب القائمين على المسجد في ترك الناس لصلاة العشاء -مثلًا- في رمضان؛ لعدم تعاونهم في ضبط صلاة التراويح). - بل قال بعض أهل العلم بوجوب العمل المؤسسي الجماعي انطلاقًا من القاعدة الفقهية: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وقالوا: رقعة العالم الاسلامي قد اتسعت، والواجبات الكفائية قد كثرت (كنشر العلم ودحض الشبهات، ومعالجة الأمراض والبدع التي أُصيبت بها الأمة، والعمل على مدافعة الأعداء والماكرين بالأمة بكلِّ صور الممانعة العلمية والمجتمعية، والتشريعية والسياسية المتاحة، إلخ)، وكل هذه الأغراض والواجبات لا يقدر -ولن يقدر- على القيام بها فرد أو مجموعة أفراد متناثرة، أو حتى الحكام المسلمين بوضع البلاد الإسلامية الحالية، وبالموازنات السياسية العديدة التي يتم مراعاتها طبقًا للضغوطات الدولية؛ لذلك لا بد أن يجتمع الدعاة والعلماء في كيان واحد إصلاحي أو كيانات إصلاحية متعددة تقوم على سد تلك الثغور، والقيام بتلك الواجبات. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (9) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ رابعًا: شبهات وردود حول مشروعية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني: العجيب أنه بالرغم مما ذكرناه من الأدلة العقلية والشرعية على مشروعية وأهمية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني؛ إلا أننا نجد البعض ممن يريد أن يصرف العاملين في الحقل الإصلاحي عن هذا المسار المؤسسي الذي قد يتعارض مع ميوله أو توجهاته أو قناعاته يطرح العديد من الشبهات الشرعية التي قد تؤثر في قناعات المتحمسين لهذا المسار الإصلاحي المؤثر. ومن هذه الشبهات التي تحتاج إلى رد: الشبهة الأولى: استدلالهم بظاهر النصوص التي تنهى عن الفُرقة، كقول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء) (الأنعام: 159)، وقوله -تعالى-: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (الروم: 31، 32)، وقوله -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) (آل عمران: 103). ولبيان الرد على هذه الشبهة نقول: بالرجوع إلى كتب التفاسير المعتمدة لن نجد أحدًا من المفسرين قال: إن هذه الآيات تنهى عن اجتماع بعض المسلمين، وتعاونهم على طاعة من الطاعات: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تعلم العلم أو قضاء حوائج المسلمين، إلخ، وإنما نزلت هذه الآيات في التحذير من الابتداع في الدين أو التعاون على البدع والمنكرات مما يفرق المسلمين ويجعلهم شيعًا وأحزابًا كاليهود والنصارى أو كالروافض والقدرية والخوارج، وغيرهم من الفرق الضالة. قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) (الأنعام: 159)، فقال بعضهم: عني بذلك اليهود والنصارى. وقال آخرون: عني بذلك أهلَ البدع من هذه الأمة، الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه" (تفسير الطبري). وقال الإمام الطبري أيضًا: "وقوله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا) ولا تكونوا من المشركين الذين بدّلوا دينهم، وخالفوه ففارقوه، (وكانوا شِيَعًا) يقول: وكانوا أحزابًا فرقًا كاليهود والنصارى" (تفسير الطبري). وقال أيضًا في قوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا): "(وَلا تَفَرَّقُوا) أي: ولا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه، من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والانتهاء إلى أمره" (تفسير الطبري). وقال الإمام ابن كثير في تفسيره لقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء): "والظاهر: أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفًا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه (وَكَانُوا شِيَعًا) أي: فرقا كأهل الملل والنحل -وهي الأهواء والضلالات-، فالله قد برأ رسوله مما هم فيه". وقال ابن كثير أيضًا: "وقوله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) أي: لا تكونوا من المشركين الذين قد فرَّقوا دينهم؛ أي: بدلوه وغيروه، وآمنوا ببعض وكفروا ببعض، وقرأ بعضهم: "فَارَقُوا دِينَهُم"؛ أي: تركوه وراء ظهورهم، وهؤلاء كاليهود والنصارى، والمجوس، وعبدة الأوثان، وسائر أهل الأديان الباطلة، مما عدا أهل الإسلام". وقال الشيخ جمال الدين القاسمي في تفسيره: "(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) أي: اختلفوا فيه، مع وحدته في نفسه، فجعلوه أهواء متفرقة (وَكانُوا شِيَعًا) أي: فرقا تشيع كل فرقة إمامًا لها بحسب غلبة تلك الأهواء، فلم يتعبدوا إلا بعادات وبدع، ولم ينقادوا إلا لأهواء وخدع". وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: "(الذين فرقوا دينهم) أي: شتتوه وتفرقوا فيه، وكلٌّ أخذ لنفسه نصيبًا من الأسماء التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئًا، كاليهودية والنصرانية والمجوسية، أو لا يكمل بها إيمانه، بأن يأخذ من الشريعة شيئًا ويجعله دينه، ويدع مثله، أو ما هو أولى منه، كما هو حال أهل الفرقة من أهل البدع والضلال والمفرقين للأمة". فهذا هو فهم السلف الصالح لهذه النصوص، ونحن مأمورون بفهم القرآن والسنة كما فهمه سلف الأمة؛ فأين هؤلاء الملقون لهذه الشبهة الواهية من فهم السلف الصالح لهذه النصوص؟! وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (10) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمن الشبهات المثارة حول مشروعية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني: الشبهة الثانية: استدلال المخالفين بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا حِلْفَ فِي الإسلام) (رواه مسلم)، وقالوا: لا يجوز الانتماء لأي كيانات أو جماعات في الإسلام؛ لأن الحديث ينهى عن أي حلف. ولبيان الرد على هذه الشبهة نقول: يجب أولًا توضيح الحلف المقصود في الحديث؟ فالمراد بالحلف في الحديث: هو ما كان يتحالف عليه أهل الجاهلية من إيصال الحقوق لأصحابها، حيث كان المتحالفون في الجاهلية تجمعهم الأخوة في الحلف، ويترتب على ذلك الحلف بعض الحقوق: كالميراث والقرابة، والزواج، وبعض الالتزامات مما اختصتها شريعة الإسلام بأحوال خاصة بالقربى والنسب، كما جاء بيان ذلك في شروحات الحديث المختلفة: فقد جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر -رحمه الله- في شرح الحديث: "والمعنى أنهم لا يتعاهدون في الإسلام على الأشياء التي كانوا يتعاهدون عليها في الجاهلية"، وقال أيضا -رحمه الله-: "وقد جاء الإسلام فمنع الميراث ولم يُبقِ إلا النصر والرفادة والنصيحة والوصية بعد الميراث كما قال ابن عباس -رضي الله عنه-" (فتح الباري). ويدل على ذلك: ما رواه الشيخان عن عاصم بن سليمان الأحول قال: قُلْتُ لِأَنَسٍ -رضي الله عنه-: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ)؟ فَقَالَ: "قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي" (متفق عليه). فقد فهم عاصم -رحمه الله- أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ) بمعنى: أن كل حلف في الإسلام منهي عنه؛ فصحح له أنس بن مالك -رضي الله عنه- فهم القضية قائلًا: "قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي". وعلى هذا؛ فالنهي عن الحلف لم يكن من أجل أنه حلف؛ بل من أجل المحرمات التي قد تنتج عن هذا الحلف، فإذا اجتُنبت هذه المحرمات رجع الحلف إلى الأصل وهو الجواز، والذي يدل عليه حديث جبير بن مطعم -رضي الله عنه- حيث قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً) (رواه مسلم). فهذا الحديث ورد فيه نفي الحلف وإثباته، والجمع بينهما كما قال الإمام النووي -رحمه الله- في بيان ذلك: "والمنفي حلف التوارث وما يمنع منه الشرع، وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم، والمؤاخاة في الله -تعالى-؛ فهو أمر مرغَّب فيه". وقال أيضًا -رحمه الله-: "وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ)، فالمراد به حلف التوارث، والحلف على ما منع الشرع منه. والله أعلم" (شرح مسلم للنووي). وقال الإمام السيوطي في شرح الحديث: "لا حلف في الإسلام؛ أراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه" (الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج). وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الأدب في ذلك بابًا بعنوان: "الإخاء والحلف"؛ فهذا هو فهم الصحابة والسلف للحديث؛ فأين هؤلاء الملقون لهذه الشبهة من فهم الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم لهذه النصوص؟! وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (11) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمن الشبهات المثارة حول مشروعية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني: الشبهة الثالثة: البعض ينهى عن العمل داخل الكيانات الإصلاحية؛ بدعوى أنه لا يجوز التسمي باسم غير اسم الإسلام، وأن العمل في كيانات يستلزم التسمي والانتساب؛ واستدلوا بقول الله -تعالى-: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) (الحج: 78). وللرد على هذه الشبهة نقول: أولًا: إطلاق الأسماء ابتداءً على أي حقيقة أو كيان لا ضرر منه مطلقًا؛ سواء في الشرعيات أو المباحات، والاسم ما دام لا يشتمل على باطل فليس ممنوعًا شرعًا، وقد سمَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض المسلمين بالمهاجرين -من أجل الهجرة-، وسمَّى البعض الأخر بالأنصار -من أجل النصرة-، وسُمي مَن جاء بعدهم بالتابعين -لاتباعهم مَن سبقهم من المهاجرين والأنصار-، بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخص بعضهم بخطاب لهم -وهو موجَّه لكل المسلمين- فيقول: "يا معشر المهاجرين"، وما زال المسلمون يتخذون الأسماء والألقاب التي تميِّز منهجهم أو مذهبهم على مرِّ العصور: كالأحناف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، وغيرها. فما الضير إذًا في تسمي أي كيان باسم مميز له ما دام الاسم لا يحتوي على مخالفة شرعية؟! ثانيًا: التسمية لأي كيان ليس معناها التعصب لاسم الكيان، أو أن تكون الموالاة والمعادة على مجرد الانضمام للكيان أو المفارقة له، بل الأصل أن كل مسلم يشهد الشهادتين ويعمل حسب استطاعته بمقتضاهما يجب أن يُحَب ويُعَان على طاعته، ويُوالَى على حبِّه لله ورسوله، ولا ينصر من انتمي لكيان ما إن كان مبطلًا ولو كان عدوه كافرًا، ولا يوالى المنتمي لكيان ما في الظلم مهما كان، فالمولاة تكون لكل مسلم حسب دينه واعتقاده وإيمانه، وحسب قربه وبعده مما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وليس على مجرد الاسم الذى ينتسب إليه. ومع هذا فلا بد أن نعي أن التعصب الذي قد يقع من البعض على الأسماء وارد جدًّا، وقد وقع ذلك بين الصحابة من التعصب لتلك الأسماء التي تنادوا بها: "يا للمهاجرين - يا للأنصار"، ما كادوا أن يقتتلوا عليه، ومع هذا لم ينههم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التسمي بتلك الأسماء، بل نهاهم عن التعصب لها فقط؛ فقال: (مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟! دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ) (متفق عليه). وقد وقع أيضًا من التعصب بين طلبة المدارس الفقهية لمذاهبهم عبر الزمان ما لا يكاد العقل أن يصدقه؛ فهل نهى أهل العلم عن التسمي بهذه الأسماء المذهبية أم أن النهي كان واقعًا على التعصب لها؟! والإجابة الواضحة: أنه لم ينهَ أهل العلم قطعًا عن التسمي بأسماء المدارس الفقهية، لكن النهي كان واقعًا على التعصب. ونكمل في المقال القادم -بإذن الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (12) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمن الشبهات المثارة حول مشروعية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني: الشبهة الرابعة: قالوا: أهل الإسلام ينبغي أن يكونوا حزبًا واحدًا، وليسوا أحزابًا متعددة، واستدلوا بقول الله -تعالى-: (أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة: 22)، فالله ذكر حزبًا واحدًا ولم يذكر احزابًا أو كيانات متعددة؛ فلماذا نعدد الكيانات والأحزاب؟! وللرد على هذه الشبهة نقول: لقد قال الله عن اهل الكفر: (أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المجادلة: 19)، فهل معنى ذلك أن الشيطان له حزب واحد؟! و ها نحن نرى اختلاف أهل الكفر فرقًا وأحزابًا كثيرة، كاليهود والنصارى والمجوس، وعبدة البقر، والملحدين، والبهائيين، وغيرهم من الأحزاب التي يُكفر بعضها بعضًا، لكنهم جميعًا داخلون تحت مسمَّى: حزب الشيطان؛ لأنهم اشتركوا في الصفة الجامعة لأصل الحزب، وهي طاعة الشيطان والكفر بالرحمن؛ كذلك نقول في الكيانات الدعوية الإصلاحية التي تعمل وَفْق منهج واحد -منهج أهل السنة والجماعة-، وتحت راية واحدة، وهي راية الإسلام. فهم جميعًا داخلون تحت مسمى حزب الله؛ لأنهم اشتركوا في الصفة الجامعة لأصل هذا الحزب وهي طاعة الرحمن والكفر بالشيطان. الشبهة الخامسة: قالوا: تعدد الكيانات الإصلاحية سبب في التعصب والتباغض، ودفع المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة. وللرد على هذه الشبهة نقول: وهل الحل أن نلغي هذه الكيانات الإصلاحية بأكملها، ونحرم الأمة من الخيرات العظيمة والفوائد الكبيرة الناتجة عن وجود هذ الكيانات الإصلاحية التي يظهر لكل منصف أن فوائدها أكبر بكثير من مفاسدها أم أن الحل هو أن نُعلِّم أفراد هذه الكيانات الإصلاحية فقه الخلاف، وأدب الحوار، ونعلمهم أن الولاء والبراء يكون على الكتاب والسنة، وأن الحب والبغض لا يكون إلا في الله؟! وهل العقل والممارسة الحياتية التي نمارسها تستلزم منا أن لا نتعامل إلا إن وجد النموذج الكامل أم أن الواقع والعقل والشرع دائمًا يفرِّق بين الممكن والمتاح، وبين المرجو والمأمول، ويوازن بين خير الخيرين وشر الشرين. فعلى سبيل المثال: الجميع يعلم فضل صلة الأرحام؛ فلو فرضنا أن هناك خلافًا بين بعض العائلات أو القبائل الكبيرة التي بينها صلات نسب، وأن هذا الخلاف أدى إلى تباغض بعض أفراد هذه العائلات تعصبًا للعائلة أو القبيلة؛ فهل نقول لهم: إن صلة الارحام والنسب بالنسبة لكم حرام؟! أم نقول بإلغاء هذه القبائل والعائلات ونفتي بحرمة الانتساب إليها؟! أم ننهاهم عن التعصب والتباغض ونذكِّرهم بفضل صلة الرحم مع بقاء الانتساب للعائلة والقبيلة؟! لا شك أن الأخير هو الواجب. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (13) كتبه/ سامح بسيوني فمن الشبهات المثارة حول مشروعية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني: الشبهة السادسة: قالوا: لم تكن هذه الجماعات موجودة على أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضوان الله عليهم-؟ وللرد على هذه الشبهة نقول: القاعدة: أن "الأصل في الأشياء الإباحة"، فإذا لم يرد دليل على تحريم الاجتماع على الأعمال الدعوية؛ وطالما أنه ثبت مشروعيتها بالكتاب والسنة -كما تقدم-؛ فلا يضر أنها لم تكن موجودة على أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- أو الصحابة، بل تعد من جنس المصالح المرسلة التي تحقق مقاصد الشريعة؛ كما جمع الصحابة القرآن في المصحف، ولم يكن ذلك موجودًا على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكما جمع التابعون السنة في الكتب ولم يكن ذلك موجودًا على أيام الصحابة! والعجيب في هذه الشبهة: أنك ترى مَن يطرح تلك الشبهة يتناقض مع نفسه، ومع قوله هذا؛ كونه يتعامل ويقر بمشروعية أمور كثيرة تحقق مقاصد الشريعة لم تكن موجودة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو عهد الصحابة: كالجامعات والمدارس، والفضائيات الدعوية، والأكاديميات العلمية، والبرامج الفضائية، والجمعيات الدعوية! ومن المناسب هنا أن نوضح: أنه لا يوجد فرق جوهري بين طريقة عمل الجمعيات الدعوية -التي ينغمس في العمل فيها الكثير من مانعي العمل الجماعي الدعوي-، وطريقة عمل الكيان الدعوي أو الحزبي الذي يلقون الشبهات في وجه مشروعيته. مقارنة بين الجمعية الدعوية الخيرية والكيان الإصلاحي المؤسسي: من العجائب: أن الذين قالوا بحرمة العمل الإصلاحي الجماعي المؤسسي -سواء الدعوي أو الحزبي-؛ أجازوا تأسيس الجمعيات الدعوية، مع أنه لا يوجد فرق جوهري بين طريقة عمل الجمعيات الدعوية وطريقة عمل الكيان الدعوي أو الحزبي! فالجمعية: لها اسم، ولها رئيس، ولها مجلس إدارة، ولها فروع، ولها منهج أيديولوجي تحمله، وعندها وسائل تأثيرية متعددة، كالكيان الدعوي أو الحزبي تمامًا. لكنهم قد يقولون: الجمعية يدعى إليها كل الناس. فنقول: وكذلك الكيان الدعوي أو الحزبي الإصلاحي يدعى إليه كل الناس بشرط أن يتم الالتزام بشروطه؛ كالجمعية تمامًا، وهل يتصور أحدٌ أن تقبل الجمعية بفرد لا يلتزم بشروط العضوية التي وضعتها الجمعية؟! ويقولون: الجمعية تعمل بعد حصولها على ترخيص من السلطات. فنقول: إذًا الحاكم ابتداءً ليس شرطًا في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع هذا فإن عامة الكيانات الدعوية الإصلاحية والأحزاب السياسية تعمل الآن تحت سمع وبصر السلطات، وتحصل على موافقات منها بذلك؛ فهل بعد هذا سيجيز الطارحون لهذه الشبهات إقامة هذه الكيانات المؤسسية الإصلاحية للقيام بالأعمال الإصلاحية المطلوبة أم سيظلون على مسارهم التابع لأهوائهم أو أهواء مَن يؤثرون عليهم؟! وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (14) كتبه/ سامح بسيوني فما زلنا مع الشبهات المثارة حول مشروعية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني، والرد على شبهة: أن الجماعات السلفية الإصلاحية لم تكن موجودة على أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضوان الله عليهم-. خامسًا: قالوا: بعض الآفات قد تظهر في العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي. فنقول: العمل الجماعي المؤسسي التعاوني تجمع بشري ينتابه بلا شك بعض الآفات التي تنتاب أي عمل بشري، ومن هذه الآفات التي يجب الانتباه إليها لعلاجها وضبط البوصلة فيها: 1- من أعظم الآفات التي قد تكون سبب في هلاك المجتمعين في أي كيان: انحراف الفكر، أو ضلال المنهج الذي يجتمع عليه الأفراد. 2- التفلت من الالتزام الجماعي عند البعض، وعدم تحمل مسئولية وتبعات القرارات الجماعية المؤسسية طبقًا للرؤى الشخصية أو النزعات العاطفية؛ مما يضعف أثر العمل المؤسسي. 3- التنافس المذموم والتطلع إلى المكانة بين الأفراد العاملين داخل فرق العمل العاملة في الكيان المؤسسي. 4- قد يظهر نوع من التكاسل والتواكل والاعتماد على الآخرين؛ بسبب عدم وضوح المهام وعدم وجود توصيف وظيفي واضح. 5- قد يظهر نوع من التعصب والتحزب الممقوت للكيان، أو النظر إلى من هو خارج الكيان بعين العداوة والانتقاص. 6- قد يحدث تقوقع وتحوصل داخلي من أفراد الكيان والانكفاء على أنفسهم؛ مما يتسبب في حدوث عزلة سلبية عن البيئة المحيطة. 7- قد يحدث تماهي مع البيئة المحيطة، والتأثر بضغط الواقع؛ مما يؤثر على تميز الكيان الإصلاحي وفقده للبوصلة المميزة له. 8- قد يهمل الفرد نفسه فيقصر في بنائها ويهمل الجانب التعبدي أو العلمي؛ اعتمادًا على التكامل داخل فرق عمل الكيان. 9- قد يحدث نوع من الاستعلاء والنظر لأعمال الآخرين بشيء من الاستهانة والتحقير. 10- قد يستبطئ البعض النتائج المرجوة؛ فيصاب بالإحباط؛ نظرًا لأن العمل المؤسسي الإصلاحي يحتاج إلى وقت لتحقيق نتائج ملموسة، عكس العمل الفردي والذي قد تكون نتائجه أسرع. وبناءً على هذه الآفات التي يتوقع حدوثها بحكم بشرية الأفراد واختلاف الطبائع بينهم داخل أي كيان إصلاحي، فإنه لا بد من بيان المرتكزات والضوابط اللازمة كعوامل لعلاج الآفات، وضمان النجاح في أي عمل تعاوني مؤسسي إصلاحي، وذلك حتى يعي الجميع الواجبات التي عليه ويحرص الجميع على علاج الآفات، واستكمال مرتكزات النجاح في الكيان ليتحقق الإصلاح المنشود بنجاح، وهذا ما سنفرد له المحور الثالث في المقال القادم -بإذن الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (15) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ المحور الثالث: مرتكزات وعوامل نجاح أي عمل تعاوني مؤسسي إصلاحي: تتمثل منظومة النجاح في العمل المؤسسي على وجود مثلث الإصلاح الذي ترتكز قاعدته على (صحة المنهج)، ويقوم ضلعاه الباقيان على (الثقافة التنظيمية) وعلى (منظومة العلاقات البشرية). هذه المنظومة الثلاثية تتمثل في: أولًا: صحة المنهج الذي يتبناه الكيان الإصلاحي أو المؤسسة؛ أي ما يسمى بـ"الأيدولوجية". ثانيًا: الثقافة والضوابط التنظيمية اللازمة للعمل داخل الكيان أو المؤسسة. ثالثًا: ضوابط العلاقات البشرية (الداخلية بين الأفراد داخل الكيان أو المؤسسة، والخارجية بين الكيان أو المؤسسة وبين المجتمع من حوله). أولًا: صحة المنهج الذي يتبناه الكيان الإصلاحي أو المؤسسة (الأيدلوجية): إن من قواعد الحكم على أي كيان مؤسسي دعوي يدعي أنه إصلاحي أن يتم النظر إلى منهجه الفكري وأيدولوجيته التي يتبناها، فهناك كيانات تنظيمية كثيرة جدًّا تتبنى العمل المؤسسي، ويلتزم أفرادها بضوابطه وتدعي الإصلاح، وهي أبعد ما تكون عن ذلك؛ نظرًا لانحرافها الفكري؛ فهناك العديد من التنظيمات التكفيرية التي تتبنى المواجهات المسلحة مع عموم المخالفين لها من عموم المسلمين الذين لا ينتمون لها أو مع الحكومات الإسلامية التي يتواجدون تحت حكمها تحت دعوى التكفير لهم بلا بينات، ومن ثم يتم استحلال الدماء المحرمة وتدمير المجتمع وهدمه؛ وهذا في حقيقته عمل مؤسسي تدميري وليس إصلاحيًّا. وهناك أيضًا العديد من التنظيمات التي تتبنى الأفكار العالمانية أو الروحية الخرافية التي تهدم أصول التوحيد والعقيدة، وتميع الدين، وتدفع الناس في المجتمع الى التحلل من كل واجبات الشريعة؛ بما يحقق لأعداء الدين الفرص الذهبية للسيطرة على عقول أبناء الأمة، وبما يساهم في احتلال الأوطان والبلدان الإسلامية فكريًّا، ثم بعد ذلك واقعيًّا؛ طبقًا لصراع الحضارات المحرك للمنظومة العالمية. لذلك فالحكم على تجمع دعوي مؤسسي معين بأنه تجمع إصلاحي لا بد فيه من مراعاة الأمور الآتية: 1- مدى التزامه العقدي والفكري بمنهج أهل السنة والجماعة المبني على اتباع فهم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وطريقتهم في العلم والعمل والدعوة إلى الله، ومَن تبعهم بإحسان مِن السلف الكرام عبر العصور والعقود المتتابعة. 2- وضوح أهدافه الإصلاحية التي يعمل عليها، والتي تُخدم على منهجية التغيير الاصلاحية اللازمة لتحقق العبودية المنشودة، والتي تتمثل على سبيل المثال في: - حفظ الهوية والمرجعية الإسلامية في المجتمعات، والسعي في تفعيلها، ونشر مفاهيم العبودية الخالصة لله بين الناس. - حفظ استقرار الأوطان، وتحقيق التماسك المجتمعي بين أفراده بإعلاء مفاهيم الشريعة والقيم والأخلاق والسلوكيات الحميدة. - التعبد إلى الله بالإحسان إلى الناس، وحمل همومهم الحياتية وتيسيرها عليهم قدر المستطاع؛ لأن الله يحب المحسنين، ورحمة الله قريب من المحسنين. 3- الاهتمام بمعالم البناء المنهجي المتكامل داخل الكيان، واستكمال سمات الشخصية المسلمة المتكاملة للأفراد فيه من خلال (البناء الايماني التعبدي - البناء السلوكي الأخلاقي - البناء العقدي الفكري - البناء العلمي المعرفي). 4- نبذ نعرات التعصب داخل الكيان إلا للحق، والحرص على الالتزام فيه بالتعاون على البر والتقوى مع أي أحد، ولو كان ليس من أفراد الكيان طالما سيؤدي الأمر إلى إرضاء الله وتحقيق الصالح العام، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا) (رواه البخاري)؛ وهذا كان مع المشركين؛ فما بال أهل الإسلام؟! فهم أولى بذلك قطعًا، وكذلك عدم التعاون على الإثم والعدوان مع أي أحد؛ ولو كان من رؤوس كيانه، وذلك كما أمر الله -عز وجل- في قوله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب) (المائدة: 2). 5- مراعاته للمصالح العامة للأمة وحرصه على دفع المفسدة التي تضر بالأمة، مع تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة؛ فالكيانات الإسلامية الإصلاحية المعاصرة ليست خلافة في ذاتها، وكذلك ليست كلها فرقًا نارية، وإنما هي مرحلة متوسطة تهدف إلي إقامة مصالح جماعة المسلمين عن طريق القيام بما تقدر عليه من فروض الكفاية. 6- الحرص في أدبيات الكيان على الموازنة الدائمة بين خير الخيرين، وشر الشرين طبقًا لقواعد المصالح والمفاسد الشرعية. 7- الإيجابية والمرونة المنضبطة في التعامل مع الممكن من صور الخير المتاحة؛ للوصول إلى المرجو والمأمول من الصورة التامة، وعدم تبني المعادلات الصفرية المحبطة أو المدمرة. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (16) كتبه/ سامح بسيوني فما زال حديثنا موصولًا حول صحة المنهج الذي يتبناه الكيان الإصلاحي أو المؤسسة (الأيدلوجية)؛ إذ يعد الانضباط الفكري والعقدي عند الكيانات أحد أعظم عوامل صلاحها ونجاحها الإصلاحي، وبالعكس؛ فأي انحراف فكري أو عقدي يعد من أعظم أسباب ضياع الكيانات وتشتتها وفشلها في الدنيا، واستحقاقها للوعيد ودخول النار في الآخرة، بل يعد هذا المرتكز ركنًا رئيسًا في الحكم على أي كيان كونه إصلاحيًّا أم لا -مهما بُذل من جهد في استكمال باقي المرتكزات-. وليس أوضح من ذلك مما نبَّه عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر الخوارج حين قال في وصفهم: (يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ الرَّامِي فِي الْنَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ هَلْ عَلِقَ بِهِ مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ) (متفق عليه)، وما هذا إلا بسبب الخلل الحادث في البناء الفكري والعقدي لهم، والذي جرأهم على تكفير أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-. لذلك فإننا نجد أن الله -عز وجل- قد نبَّه على ضرورة انضباط أي تجمع بالضابط الفكري والعقدي؛ كما جاء في سورة أل عمران -قبل أن يأمر بإيجاد الطائفة من المسلمين التي تقوم بواجب الإصلاح من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104) -كما تقدم-؛ فقد قال -سبحانه وتعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103)، أي: تمسكوا بدين الله وَكتابه؛ كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-. وقال أيضًا -عز وجل- بعد ذات الآية في سورة آل عمران: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (آل عمران: 105-107). أي: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة؛ قاله ابن عباس -رضي الله عنهما-. قال ابن عاشور -رحمه الله-: "وَقَوْلُهُ: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ)، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ -قَبْلُ-: (وَلا تَفَرَّقُوا)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْثِيلِ حَالِ التَّفَرُّقِ فِي أَبْشَعِ صُوَرِهِ الْمَعْرُوفَةِ لَدَيْهِمْ من مطالعة أَحْوَال الْيَهُودِ... وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَذْمُومَ وَالَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الِافْتِرَاقِ؛ وَهُوَ: الِاخْتِلَافُ فِي أُصُولِ الدِّيَانَةِ الَّذِي يُفْضِي إِلَى تَكْفِيرِ بَعْضِ الْأُمَّةِ بَعْضًا، أَوْ تَفْسِيقِهِ، دُونَ الِاخْتِلَافِ فِي الْفُرُوعِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافِ مَصَالِحِ الْأُمَّةِ فِي الْأَقْطَارِ والإعصار، وَهُوَ الْمُعَبِّرُ عَنْهُ بِالِاجْتِهَادِ. وَنَحْنُ إِذَا تَقَصَّيْنَا تَارِيخَ الْمَذَاهِبِ الْإِسْلَامِيَّةِ لَا نَجِدُ افْتِرَاقًا نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا عَنِ اخْتِلَافٍ فِي الْعَقَائِدِ وَالْأُصُولِ، دُونَ الِاخْتِلَافِ فِي الِاجْتِهَادِ فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ" (التحرير والتنوير). لذلك فمن أخطر ما قد يتسبب في انحراف الكيانات الإصلاحية منهجيًّا، المداهنة في الأمور العقدية تحت مزاعم: (النظام العالمي الجديد، والتعايش، وقبول الآخر، والتنوير- إلخ)؛ فقد حذَّر الله -عز وجل- من ذلك. ونكمل الحديث عن ذلك في المقال القادم -بإذن الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (17) كتبه/ سامح بسيوني فنستكمل في هذا المقال حديثنا عن أخطر ما قد يتسبب في انحراف الكيانات الإصلاحية منهجيًّا، وهي المداهنة في الأمور العقدية تحت مزاعم: (النظام العالمي الجديد، والتعايش، وقبول الآخر، والتنوير، إلخ). والله -تبارك وتعالى- قد حذَّر من ذلك؛ فقال -عز وجل-: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم: 9)؛ فهذه العبارات -التي يضغط بها الغرب- علينا أفرادًا وجماعات ودول ومؤسسات؛ ما هي إلا عبارات زائفة حيث يزعمون أن التمسك بالأصول العقدية الإسلامية الثابتة يخالفها ويؤدي إلى توتر العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع الواحد، وكذبوا في ذلك! فالحقيقة أن الوضوح في أمر العقيدة لا يخالِف المعاملة الحسنة التي أمر الله بها لغير المسلمين، كما قال -سبحانه وتعالى-: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8). فالإحسان إلى غير المسلمين والبر بهم لا يتعارض مع تمسك المسلم بعقيدته، والجمع بين إقرار صحة عقيدة المسلمين والتمسك بها والمنافحة عنها، وبين إحسان المعاملة مع غير المسلمين من المسالمين، هو منهج واضح عملي للنبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام وجموع المسلمين من بعده عبر أربعة عشر قرنًا مِن الزمان؛ بخلاف تلك المناهج المشوِّهة والمضيعة للإسلام. أعني بها: - تلك المناهج التكفيرية التي لا تراعي حقوق المسلمين بحجة عدم موالاتهم لهم، أو حقوق غير المسلمين بحجة كفرهم، بل تظلمهم وتستحل دماءهم جميعًا (مسلمين وغير مسلمين) بغير حق! - وتلك المناهج الليبرالية والعالمانية التي تريد أن ينسلخ المسلمون من عقيدتهم بحجة التعايش المجتمعي وقبول الآخر. - وتلك المناهج الفلسفية الخرافية التي تدعو إلى وحدة الأديان تحت مسميات الدين الإبراهيمي المزعوم. وقد حسم الإسلام الأمر بين هذا وذاك، وبيَّن أسس التعايش بين المسلمين، وبيْن غيرهم بوضوح جلى وإلزام شرعي، طبقًا لما فرضه الله -عز وجل- على المسلمين من حقوقٍ لغيرهم، وطبقًا لما طبقه النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم- عبر العصور مع غير المسلمين تبعًا لأنواع العهود والعقود المختلفة التي جاءت بها الشريعة مراعاة لأحوال المسلمين وأحوال غير المسلمين حولهم وفي بلادهم؛ مثل: (العقد الدائم، والعقد المطلق، والعقد المؤقت، وعقد الأمان). لهذا يجب أن نعي تمامًا أن هذ المنهج النبوي الوسطي العقدي؛ أعني منهج اهل السنة والجماعة، هو أصل في صحة الوجود عند أي تجمع أو كيان إصلاحي، ويجب أن نحذر من الانحراف عنه يمنة أو يسره تحت ضغط الواقع أو الانبهار بالحضارة الغربية أو الخرافات والشطحات أو الجهل بتطبيق قواعد السياسة الشرعية. وفي ختام هذا المرتكز الرئيس: يجب أن ننتبه إلى مكر أعداء هذه الأمة بأصحاب المناهج الإصلاحية، حيث يعملون ليل نهار إلى إبعادهم عن مصدر قوتهم الذي يتمثل في (ثباتهم المنهجي مع مرونتهم الحركية ودوام إحسانهم المجتمعي)، كما قال أحدهم يومًا واصفًا مشكلة الغرب في تعامله مع التيارات السلفية الإصلاحية في وصف إنجليزي مختصر: They are as a box; rigid outside, flexible inside, This is a big problem with him. كون أن هذا النموذج يستطيع التعايش والتعامل مع الواقع العالمي المحيط، وتحسين صورة الإسلام بين المجتمعات غير المسلمة (مرونة تعامل)، وفي ذات الوقت لا يفرط في ثوابت الإسلام ولا يميع شعائره (ثبات عقدي)، وهذا عين ما لا يريده الغرب؛ فالغرب يركز في أعماله الإعلامية والسياسية، بل والعسكرية إلى دفع أبناء هذه الكيانات الإصلاحية إما إلى الانحراف عنها يمنة أو يسرة، وإما بالوصول إلى تميع الدين المضيع لكينونته أو إلى الصدام المشوه له، وذلك عبر دفعهم إما إلى: - المسار الليبرالي بخطوات هادئة بداية من الليبروسلفية أو الصوفية الفلسفية، وصولًا إلى المفاهيم الليبرالية والعلمانية، والتي تهدم أصول الدين تمامًا. - أو المسار الثوري الصدامي، وذلك عبر دعم التيارات التكفيرية -ولو بدا الأمر ظاهريًّا غير هذا؛ بعلم هذه التيارات أم لا- سواء منها التيارات الممهدة لذلك المسار فكريًّا عن طريق تكفير المجتمعات والحكام، أو التوقف في الحكم على المسلمين، أو تكفيرهم بترك جنس الأعمال الصالحة (أو) التيارات المباشرة لهذا المسار بالقتال كداعش، وغيرها، والتي تستخدم لتفتيت الأوطان الإسلامية وتدميرها وتشويه الإسلام كله عند المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية. - أو بإفساح المجال الإسلامي للمناهج الخرافية كالشيعة والصوفية الفلسفية الخرافية، عبر دعمهم وفرض تواجدهم المجتمعي والمؤسسي تحت غطاء ومبررات من العواطف والروحانيات والمسارات العلمية، حتى يتم استغلال هذه المناهج بعد ذلك في توجيه المجتمعات الإسلامية للخضوع التام للمفاهيم الغربية الكاملة، بل والعمل على تطبيقها بأسماء إسلامية. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (18) كتبه/ سامح بسيوني ثانيًا: الثقافة والضوابط التنظيمية اللازمة للعمل داخل الكيان أو المؤسسة: تعد الثقافة التنظيمية والضوابط الحاكمة للعمل داخل الكيانات الإصلاحية أحد أهم عوامل نجاح تلك الكيانات في تحقيق الإصلاح المنشود، وتتمثل بعض هذه الضوابط في عدة عناصر مهمة؛ منها: 1- استشعار النعمة والتحلي بالمسئولية الإصلاحية عند الأفراد العاملين. 2- وضوح آلية اتخاذ القرار داخل المؤسسة، والحرص على أخذها بطريقة صحيحة. 3- ضبط علاقة الفرد بالمجموع في العمل الجماعي المؤسسي. 4- التوازن بين المسارات البنائية والانتشارية. 5- تحقيق الشمولية والحرص على التكاملية. 6- ضمان الاستمرارية. العنصر الأول: استشعار النعمة والتحلي بالمسئولية الإصلاحية: أولًا: استشعار النعمة: المسئولية الإصلاحية أمانة عظيمة، ومِنَّة مِن الله يمنُّ بها على مَن يشاء مِن عباده الذين اصطفاهم لحمل ميثاق العبودية، ونشره بين الخلق؛ فهي من أَجَلِّ النِّعَم التي تستوجب الشكر لله؛ لذلك لما أمر -تعالى- عباده المؤمنين بالوفاء بعهده وميثاقه الذي أخذه عليهم على لسان عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأمرهم بالقيام بالحق والشهادة بالعدل، وذكَّرهم نعَمَه عليهم الظاهرة والباطنة فيما هداهم له من الحق والهدى، وقد أخذ عليهم العهد في ذلك والميثاق على متابعة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ومناصرته، ومؤازرته، والقيام بدينه وإبلاغه عنه، كما جاء ذكر ذلك في أوائل سورة المائدة في قوله -تعالى-: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (المائدة: 7)، شرع يبيِّن لهم كيف أخذ العهود والمواثيق على مَن كان قبلهم مِن أهل الكتابين -اليهود والنصارى- في حمل هذا الميثاق حيث قال تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا) (المائدة: 12). يعني بجعل عُرَفاء منهم -أي: أمناء ضامنون على القوم، مسئولون عن حمل الأمر لمن خلفهم- على قبائلهم بالسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه، بما يتضمن تحقيق ميثاق العبودية في الخلق. وعلى هذا فاستشعار النعمة بالتواجد في العمل الإصلاحي المحقق لميثاق العبودية، وتحمل تلك المسئولية الإصلاحية من كافة الأفراد في الكيان الإصلاحي يعد من أول مبادئ الثقافة الإصلاحية، وهو حجر الأساس في تحقيق النجاح المنشود للفرد والمجموع. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (19) كتبه/ سامح بسيوني الفرق بين الصالح والمصلح: نعمة أن يكون العبد صالحًا مصلحًا يعمل في جماعية إصلاحية؛ هي نعمة كبيرة يترتب عليها أجور عظيمة للعبد في آخرته، وتضبط له تصوراته وترشد له أفعاله في حياته، والفرق بين الصالح فقط وبين المصلح فرق كبير في الأجر، وفي طريقة التعامل مع الناس وفي رد الفعل عند التعامل مع الأخطاء التي قد تقع منهم، وفي حسن استثمار أفعالهم لاستخراج الخير منهم ودعمهم في تحقيق العبودية. فالصالح: لا يهتم غالبًا بغيره وإن كان حريصًا على نفع نفسه، فلا يتعدى خيره لغيره. بينما المصلح: حريص على صلاح نفسه، عاملا على إصلاح غيره؛ فخيره متعدٍّ لغيره. الصالح: أجره يتوقف على ما يفعله هو بذاته من خير. والمصلح: أجره ممتد لأبعد من أفعاله الذاتية؛ فلا يتوقف أجره فقط على جهده الذاتي، بل يُضاف إليه أجور أفعال من دلهم على الخير، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) (رواه مسلم). الصالح: غالبًا ما يُقَيم أفعال الناس أو يحكم عليهم طبقًا لحاله هو، أو لمعاير أفعاله الصالحة في نفسه، وقد يقع بذلك في تنفير الناس أو تأييسهم من أنفسهم. بينما المصلح: غالبًا ما ينظر إلى بذور الخير فيمن حوله وإلى الواقع المحيط به، ويحاول أن ينميها ويستثمرها في إصلاحه، وبث الأمل فيه ليقربه من تحقيق العبودية التي ترضي ربه ويزداد بها خيره. ولننظر في ذلك -مثلًا- إلى حديث قصة القاتل مائة نفس، كيف تعامل معه العابد الصالح وكيف تعامل معه العالم المصلح، وكيف تباينت النتيجة بين هذا وذاك، فعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدْرِي -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً. ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ) (رواه مسلم). لذلك فلا عجب من هذا الفرق الرهيب بين أجر العابد الصالح، وبين أجر العالم المصلح الذي بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي الحديث عن أبي أُمَامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: عَابِدٌ، وَالْآخَرُ: عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ). ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). لذلك نجد دائمًا أن مَن استشعر نعمة العمل الإصلاحي هو أكثر الناس تحملًا للمسؤولية، وهو أكثر الناس حرصًا على استكمال مقومات تلك المسؤولية. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (20) كتبه/ سامح بسيوني ثانيًا: المسئولية الإصلاحية: 1- تعريف المسئولية الإصلاحية: من التعريفات اللغوية التي وردت لكلمة "المسئولية" أنها: "ما يكون به الإنسان مسؤولًا ومطالبًا عن أمور أو أفعال أتاها". - أو هي: "أن يتحمل الإنسان نتائج الأفعال التي يأتيها مختارًا، وهو مدرك لمعانيها ونتائجها". - أو هي: "شعور الإنسان بالتزامه أخلاقيًا بنتائج أعماله الإدارية فيحاسب عليها، إن خيرًا وإن شرًّا". - أو هي: "تحمل الشخص نتيجة التزاماته وقراراته واختياراته العملية من الناحية الإيجابية والسلبية، أمام الله في الدرجة الأولى، وأمام ضميره في الدرجة الثانية، وأمام المجتمع في الدرجة الثالثة". - أو هي: "حالة يكون فيها الإنسان صالحًا للمؤاخذة على أعماله وملزَمًا بتبعاتها المختلفة". وعلى ما سبق من تعريفات، فإننا نستطيع أن نعرّف *المسئولية الإصلاحية بأنها: "الحرص على تأدية الأعمال الإصلاحية والتكليفات التي يكون الإنسان مطالبًا بتأديتها على الوجه الأمثل؛ سواء كانت هذه الأعمال قد انتدب هو نفسه لها أو أُلزم بها من غيره مع تحمل تبعات هذا الأداء". أو هي: "القدرة على الأداء والوفاء؛ الأداء للأعمال والأنشطة الإصلاحية المرادة والمكلَّف بها من المؤسسة، والوفاء بالتزاماته نحو تحقيق النتائج المرجوة من هذه الأعمال وتلك الأنشطة، واللازمة لنشر العبودية في المجتمع". وهذان التعريفان يمكن أن يتلخصا في قول ابنة الرجل الصالح: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص: 26)، أي بمعنى: الأخذ بأسباب القوة في الأداء، مع التحلي بمقومات الأمانة وأسباب التوفيق المؤثرة في الوفاء. وعليه؛ فإن من المسئولية علينا أن نفصّل في المتطلبات اللازمة للنجاح في تحمل المسئولية أداءً ووفاءً. 2- متطلبات تحمل المسئولية: هناك متطلبات شخصية لازمة في الأفراد لتحقيق التوفيق، وهناك متطلبات مهارية لازمة لتنفيذ الأعمال طبقًا للمهام. أولًا: المتطلبات الشخصية: أ- الحرص على تحصيل أسباب التوفيق: يحتاج أي مسؤول إلى جلب أسباب التوفيق له من ربه في كل يوم من أيام حياته، فكل مجهود مبذول بدون تحصيل توفيق الرب -سبحانه وتعالى- هو مجهود مهدور، والله -عز وجل- قد رتَّب تحصيل ثمرة حمل مسؤولية ميثاق العبودية من النقباء -الأمناء الضامنون على قومهم، المسؤولون عن حمل الأمر لمن خلفهم- على معيته -سبحانه وتعالى- لهم، كما بيَّن -عز وجل- ذلك في سورة المائدة: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (المائدة: 12). فمن سلك طريق المسئولية، وصدق في حرصه على النجاح في مهمته، فلا بد له أن يكون مستصحبًا معية الله وقدرته؛ فبها يطمئن قلبه، وتقوى عزيمته، ويصير موفَّقًا في أعماله وقراراته؛ فهي معية من السميع البصير، القوي العزيز، المدبر القادر، القابض الباسط. فهي معية محبة وتوفيق وبصيرة، حفظ وحماية، سكينة وطمأنينة، معية رضا ونصر وتأييد؛ من حازها فقد أوى إلى ركن شديد؛ فمعية الله -وأكرِمْ بها مِن معية- يصير العبد بها كالجبال الراسية التي لا تتزعزع؛ ففيها كل التوفيق والدعم والطمأنينة المطلوبة لاستمرار المسير. معيةٌ إن حظي بها المسؤولون والعاملون، ما ضرهم صعوبة التكليفات، أو كثرة العقبات، أو كيد الكائدين، أو مكر الماكرين؛ لأن المعين لهم هو رب العالمين. فأنعم بها من معية. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (21) كتبه/ سامح بسيوني مقومات التوفيق والمعية: المعية لها مقومات وأسباب يستوجب على كل مسئول أن يحصلها إن كان يريد أن يكون من أهل التوفيق والسداد، وقد ذكرها الله -عز وجل- في كتابه، وبيَّنها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ قال الله -عز وجل-: (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) (المائدة: 12). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) (رواه البخاري). فتحقيق الولاية بصحة البناء الإيماني التعبدي والسلوكي والعلمي هي أعظم أسباب تحصيل المحبة والمعية من الله للعبد، وهذا مفتاح التوفيق له في كل شيء -كما سيأتي تفصيل ذلك-. المقومات الرئيسة اللازمة للولاية والمعية المحصلة للتوفيق: 1- الإخلاص لله -تعالى-: الإخلاص هو خير ما يصعد من العبد إلى السماء، والتوفيق هو خير ما ينزل على العبد من السماء، واستيفاء العبد لمعالم الإخلاص في قوله وعمله هو أساس حصوله على التوفيق؛ فسره عجيب، وأثره بالغ، وهو أساس القبول والتأييد والسداد، ومعه تتنزل البركات، وتقال العثرات، وتتحقق الفتوحات، وتعم الخيرات. والإخلاص هو طريق الخلاص وهو أصل قبول الأعمال، وبدونه يفقد العمل خشوعه وروحه ويتحول إلى عمل روتيني لا روح فيه ولا ثمرة مرجوة منه، وكما قال ابن الجوزي: "والصدق في الطلب منار أين وجد يدل على الجادة، وإنما يتعثر من لم يُخلص" (صيد الخاطر). وقد بيَّن الله -عز وجل- أن الإخلاص هو الأصل الأول في جميع الأعمال؛ فقال -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) (البينة: 5)، وقال أيضًا: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) (الزمر: 2). وبيَّن رسول -صلى الله عليه وسلم-: أن التوفيق موقوف على النية الصالحة والصدق فيها؛ كما في الحديث: (مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). وكما في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال للرجل الذي خرج معه في غزوة ذات الرقاع: (إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ) (رواه النسائي، وصححه الألباني). وتحقيق الإخلاص لا شك أنه أمر ليس باليسير، بل صعب يحتاج إلى مجاهدة مستمرة ومعرفة بدروب النفس البشرية، والعمل على علاج أمراضها أولًا بأول، وتصحيح مسارها كلما ظهرت بوادر وأعراض تنبئ عن ظهور بعض الأمراض القاتلة للإخلاص؛ وهذا ليس أمرًا مستحيلًا، فالله -عز وجل- لا يكلِّف بالمستحيل، كما قال -سبحانه وتعالى-: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: 286)، وإنما يحتاج إلى صدق ومجاهدة؛ كما قال -تعالى-: (?وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت: 69). ويحتاج الأمر كذلك إلى دربة وخبرة وتنبُّه سريع عند ظهور الأعراض قبل أن يستفحل المرض؛ ولذلك نقول ونكرر: "معرفة الظواهر تنبئ عن الجواهر، وفهم الأعراض يرشد عن الأمراض". وبناءً على ذلك: فمن الأهمية أن نستعرض معًا بعض المظاهر في العمل الإصلاحي المؤسسي التي قد تدل على الإخلاص ليحرص على التحلي بها الفرد المسئول في الكيان الإصلاحي المؤسسي، وكذلك بعض الأعراض التي قد تدل على وجود مرض وخلل في القصد والإخلاص. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (22) كتبه/ سامح بسيوني مظاهر الإخلاص في العمل المؤسسي: 1- تأدية الدور المنوط بالفرد على الوجه الأكمل دون النظر لنوع العمل المكلف من حيث كونه في صدارة الأعمال أم لا، ودون النظر إلى موقع الفرد من العمل هل هو في الصدارة أم لا؛ فقد مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- من كان هذا ديدنه، وبيَّن عظيم جزائه ونفعه، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ) (رواه البخاري). وهذا المظهر يحتاج إلى دِقَّة من الإنسان في ملاحظته لنفسه وإدراكه لمكنونها؛ فمن الأعراض التي قد تدل على وجود خلل في هذا المظهر من مظاهر الإخلاص: أن يجد الفرد العامل نفسه متحمسًا بشدة إلى الأعمال التي يكون فيها دوره ظاهرًا أو مقدَّمًا، ويكون حريصًا على إتمامها على أكمل وجه، بينما يجد نفسه أقل حماسًا أو أقل اهتمامًا في ذات العمل إن كان دوره فيها ليس ظاهرًا أو لم يكن فيه مصدرًا. 2- عدم الحرص على الرئاسة والتصدر في الأعمال، مع تمام الاهتمام بسد الفجوات التي يحتاج إليها الكيان الإصلاحي؛ فالحرص على الرئاسة والوجاهة والتصدر أمر ليس بالبعيد عن أي إنسان بحكم بشريته كما قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "ما رأيت زهدًا في شيءٍ أقل منه في الرئاسة، ترى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب فإن نوزع الرئاسة تحامى عليها وعادى". وقال يوسف بن أسباط: "الزهد في الرئاسة أشد من الزهد في الدنيا". وكتب سفيان إلى صاحبه عباد بن عباد رسالةً فيها: "إياك وحب الرئاسة، فإن الرجل تكون الرياسة أحب إليه من الذهب والفضة"؛ فهو مرض عضال يفسد الدِّين كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ والشرف لدينِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). لذلك فمن مظاهر الإخلاص الواضحة في الأعمال الإصلاحية في هذا الباب: أن يكون الحرص في العمل على سدِّ الفجوات أولى بكثير عند الفرد العامل من المنافسة على البارز المتاح من المساحات، كما أنه لا يطلب الرئاسة والتصدر فإن جاءته وكلف به رغمًا عنه، استعان بالله على أدائها على أكمل وجه، وهذا امتثالًا لوصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن سمرة حينما أوصاه قائلًا: (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا) (متفق عليه). وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (23) كتبه/ سامح بسيوني فمن الأعراض التي قد تدل على وجود خلل في الإخلاص في العمل المؤسسي عند الفرد العامل: - الحرص على الوجود في المساحات الإعلامية البارزة مع عدم الاهتمام بسدِّ الفجوات الضرورية المتاحة واللازمة. - لا يعمل إلا إذا صدر للمسئولية والرئاسة، مع الحسرة والغضب إذا أُخذت منه المسئولية والرئاسة وأوكلت لغيره. - إذا عمل في فريق صُدر فيه غيره، فإنه لا يساعد غيره ممن صدر على نجاحه، بل قد يمتنع عن نصيحته ليظهر فشله. - قد يتدثر بثوب النصيحة لمن تصدر للمسئولية عبر قيامه بنشر أوجه القصور والنقائص والعيوب التي يقع فيها غيره ممن كلِّف بالمسئولية ليظهر كماله هو؛ وذلك بأن ينشر ويتكلم بتلك النقائص بين الأعضاء العاملين، دون أن يقوم بواجب النصيحة الحقيقي بأن يبلغ ما يراه من تقصير للمسئول مباشرة كحق من حقوق الإخوة والإعانة، أو يبلغ من هو في المستوى الأعلى للمسئول في حال عدم قبولها منه؛ لذلك كان الإمام أحمد يقول: "من أحب الرئاسة طلب عيوب الناس أو عاب الناس". - يحجب الفضائل التي يعلمها من الآخرين حتى لا يتعلق الناس بهم ويقدمونهم عليه. - الحرص على عدم تقدم أحد من فريق عمله عليه ليظل هو الشيخ المقدم أو المسئول المبرز؛ مبررًا فعله هذا بالسٌنة الإبليسية: "أنا خير منه"؛ منابذًا بذلك طريقة المصلحين المخلصين عبر الزمان والمكان: "أي بني أنت اليوم خير مني". والملمح الظاهر لهذا العرض في بعض أماكن العمل المؤسسي: أننا قد نجد المسئول دائمًا متشبثًا بالمنصب الذي هو فيه، ولا يؤهل من تحته ليحل محله في يوم ما، ولا يسعى لإكساب من وراءه الخبرة والمهارة التي اكتسبها هو. - الحرص على العلوم التجريبية والأعمال التنفيذية التي تساعد على الترؤس والصدارة -وهذا ليس ممنوعًا ولا مستقبحًا في ذاته- مع عدم الاهتمام والحرص على تحصيل العلوم والقيام بالأعمال التي تصلح قلبه وتزيد علمه الشرعي وتحقق النافع له. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (24) كتبه/ سامح بسيوني من المقومات الرئيسة اللازمة للولاية والمعية المحصِّلة للتوفيق: 2- الحرص على الترقي في البناء الإيماني التعبدي للمسئول: بيَّن الله -عز وجل- أن معية توفيقه مشروطه لمن أقام الصلاة وآتى الزكاة؛ كما جاء في الآية المذكورة عاليه: (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ...) (المائدة: 12)، وهذا تنبيه بالأعلى على ما سواه من عبادات. وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن استجلاب محبة الله هي أعظم السبل للتوفيق والسداد في كل الأعمال، وبيَّن الله -عز وجل- في الحديث القدسي أن من أعظم الأسباب الجالبة لمحبة الله: الحرص على الفرائض، والإكثار من النوافل كما جاء في الحديث القدسي: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) (رواه البخاري). لذلك يعد حرص المسئول على الفرائض والإكثار من نوافل الصلاة، وتعاهد نفسه بقراءة القرآن، والأوراد من الأذكار وقيام الليل، وصيام النفل، والصدقة من ضروريات توفيقه في المسئولية الإصلاحية، وكلما ثقلت المسئولية والأعمال الإصلاحية كلما احتاج المسئول إلى زيادة جرعة عباداته لا العكس كما يفهم أو يتصور البعض. والمتأمل في حال النبي -صلى الله عليه وسلم- سيجد أنه القدوة العظمى في ذلك: فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، وكان يصل الصيام، وكان أجود من الريح المرسلة، وقد هيئه ربُّه -سبحانه وتعالى- قبل بعثته بالعبادة والتحنث في غار حراء ليستطيع القيام بتلك المسئولية الإصلاحية الكبرى كما قال -سبحانه وتعالى- في سورة المزمل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا . نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا . إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) (المزمل: 1-5). وكذلك كان حال المصلحين عبر الزمان والمكان؛ فهذا شيخ الإسلام ابن تيميه -طيَّب الله ثراه- كما ذكر عنه تلميذه الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وحَضَرتُه مرَّةً، صلَّى الفَجرَ ثم جلَسَ يذكُرُ اللهَ تعالى إلى قريبٍ مِنَ انتِصافِ النهارِ، ثم التَفتَ إليَّ، وقال: هذه غَدْوتي، ولو لم أتغَدَّ الغَداءَ، سقَطَتْ قُوَّتي. أو كلامًا قريبًا مِن هذا". 3- الحرص على استمرارية البناء العلمي الشرعي الضابط للمسارات التنفيذية: الجهل بالدين ومقاصد الشرع الحكيم هو طريق الفشل وعدو الإصلاح، والعلم بعلوم الشرع ومقاصد الدين على الوجه الصحيح هو سبيل التوفيق وتحصيل الخيرية للأفراد، والنجاح في نشر الخير في المجتمعات إرضاء لرب الأرض والسماوات، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) (متفق عليه)، فالعلماء ورثة الأنبياء؛ وكلما بعد الإنسان عن إرث الأنبياء كان فساده أقرب من صلاحه؛ لذلك فاستمرارية التعلُّم الشرعي للمسئول الإصلاحي واجب حتمي عليه مهما كثرت مسئولياته، أو ضاقت أوقاته. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (25) كتبه/ سامح بسيوني فإن الإنسان كلما علت رتبته الإدارية الإصلاحية كان مقصدًا للناس للسؤال والاستفسار، وهذا مما يتطلب منه الحرص على بناء نفسه علميًّا باستمرار؛ حتى لا يُفتي أو يوجِّه غيره بغير علم؛ فيكون سببًا في إضلال الناس، وفساد المجتمعات، لا سيما أن الإنسان كلما علت مرتبته الإدارية دخل عليه الشيطان من باب الحرج أن يقول: "لا أدري"؛ خوفًا على مكانته بين الناس، وقد جاء التنبيه على مثل ذلك في صحيح البخاري (باب الاغتباط في العلم والحكمة): "وقال عمر تفقهوا قبل أن تسودوا. قال أبو عبد الله - أي: البخاري - وبعد أن تسودوا. وقد تعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في كبر سنهم". قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "قوله: (وَقَالَ عُمَرُ: تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا) أي: تُجْعَلوا سادة. زاد الكشميهني في روايته: قال أبو عبد الله - أي: البخاري -: (وَبَعْدَ أَنْ تُسَوَّدُوا)، وإنما عقبه البخاري بقوله: (وَبَعْدَ أَنْ تُسَوَّدُوا)؛ ليبيِّن أن لا مفهوم له؛ خشية أن يفهم أحدٌ من ذلك أن السيادة مانعة من التفقه، وإنما أراد عمر أنها قد تكون سببًا للمنع؛ لأن الرئيس قد يمنعه الكبر والاحتشام أن يجلس مجلس المتعلمين" (فتح الباري شرح صحيح البخاري). لذلك فليحذر كلُّ مسئول إصلاحي من أن يقع في ذلك؛ وليتَّقِ الله عز وجل في نفسه وفي الأمانة التي بين يديه، وليواظب على بناء نفسه علميًّا مهما علت رتبته الإدارية حتى لا يقع - ولو جزئيًّا - فيمَن ذمهم الله عز وجل بقوله: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف: 103، 104). وقد حَذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجود الرؤوس الجهال، وأثر ذلك على ضياع وإضلال الناس؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) (متفق عليه). وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (26) كتبه/ سامح بسيوني تحقيق التوازن بين المسئوليات الدعوية والواجبات الحياتية: العمل الإصلاحي التطوعي عمل له تبعاته من حيث الانشغال الوقتي والذهني، بل والبذل المالي الذي يتطلبه العمل الإصلاحي، وهذا - بلا شك - يتعرَّض له جميع الأعضاء العاملين، والأفراد المسئولين عن العمل دائمًا هم في القلب من هذا، بل هم أكثر من يتعرض لهذا؛ نظرًا لمسئوليتهم عمن خلفهم وعن تحقيق المستهدفات الإصلاحية المراد تفعيلها في المجتمع. وفي هذا الصدد لا بد أن نؤكد على أن هذا الانشغال الذي يقوم على الاحتساب لا بد معه من مراعاة الواجبات الشرعية والحياتية اللازمة في حياة المسئول؛ بحكم بشريته، وبحكم مسئوليته عن أهله وعن أسرته؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه). والحقيقة المهمة في هذا الصدد: أن يدرك كل مسئول إصلاحي أن عمله التطوعي الإصلاحي بأهميته الكبرى هذه يحتاج إلى دعم حقيقي من كلِّ الدوائر المحيطة به، وأولها وأولاها: دائرة الأسرة وذوي القربى؛ وقد بدأ الله عز وجل في الأمر لنبيه صلى الله عليه وسلم بالبلاغ بالاهتمام بهذه الدائرة؛ فقال -عز وجل-: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214). وقد رتَّب الله -عز وجل- أولويات الإحسان المطلوبة للخلق، فقدَّم الوالدين وذوي القربي على غيرهم؛ حيث قال تبارك وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (النساء: 36). لذلك فاهتمام المسئول بدائرة أسرته أولًا بدءًا من والديه، ثم زوجته وأولاده أمرٌ في غاية الأهمية للمسئول؛ فهم أول دوائر الدعم الحقيقي التي تساعده في نجاحه في مسئوليته الإصلاحية، ومن المعلوم من صحيح السيرة النبوية: أن السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها زوج النبي صلى الله عليه وسلم هي أول من أعانت النبي صلى الله عليه وسلم وعملت على تثبيته، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين: لما نزل الوحيُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء لأول مرة، رجع إلى خديجةَ رضي الله عنها فأخبَرَها الخبر وقال: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي)، فقالت له رضي الله عنها: "كَلَّا! أَبْشِرْ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، فَوَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ" (متفق عليه). قال ابن حجر -رحمه الله-: "وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه في هذه القصة: "وَتُؤَدِّي الْأَمَانَةَ" (فتح الباري). ولذا؛ فنجد دائمًا أنه كلما كانت الأسرة داعمة للمسئول؛ فإن هذا مما يهون عليه كثيرًا ما يجده من عقبات ومصاعب في مسيرته الإصلاحية، والعكس بالعكس؛ فكلما كانت الأسرة غير متعاونة مع المسئول الإصلاحي زادت الصعوبات عليه، وصارت تمثِّل في ذاتها جهة ضغط عليه قد تتسبب -إن لم يوفِّقه الله لحسن التعامل مع الأمر- في انقطاعه والتخلي عن مسئولياته. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (27) كتبه/ سامح بسيوني إجراءات مهمة داعمة داخل دائرة الأسرة: فهذه الدائرة من الأهمية بمكان، وتحتاج من المسئول عِدَّة إجراءات مهمة تساعده في الوصول بهذه الدائرة إلى مسارات الدعم له، ومن ذلك: 1- إشعار المسئول الأسرة بأهمية مسئولياته الدعوية، وعظم أجر ذلك، وحاجة الأسرة ككل للعمل لخدمة الغاية الكبرى التي من أجلها خُلِقنا، وهي تحقيق العبودية. 2- أهمية كفاية الأسرة بضروريات حياتهم، وحاجياتهم اللازمة لتسهيل أمور معيشتهم؛ فيحتاج المسئول الدعوي أن يؤمِّن لأسرته الضروريات والحاجيات اللازمة لمعيشته، فكفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع مَن يعول، وحتى يستطيع أن يكون ذهنه مفرَّغًا في باقي وقته للعمل الإصلاحي والمسئولية الملقاة على عاتقه في ذلك؛ فالنَّفْس إذا حازت رزقها اطمأنت، لكن لا بد أن يكون ذلك مع الانتباه الشديد للتفريق بين (الضروريات - الحاجيات - التحسينيات)؛ فدائرة التحسينيات دائرة مهلكة للفرد مهما كانت ظروفه جيدة؛ فهي لا تنتهي عبر الزمان والمكان، وهي دائرة مشتتة لأي إنسان، والانشغال بهذه الدائرة -أعني: دائرة التحسينيات- لا يصلح غالبًا مع مَن اصطفاه الله لتلك المسئوليات الإصلاحية اللازمة لتحقيق العبودية، وأراد أن يؤديها بحقها. 3- ضرورة التعاهد الدوري للوالدين، والاهتمام بتلبية احتياجاتهم كأهمية كبرى في ترتيب جدول أعمال المسئول مهما كانت المسئوليات. 4- التعاهد المستمر للزوجة والأبناء، مع عمل جلسة -ولو أسبوعية على الأقل- معهم، والسماع منهم، والتحدث معهم في مشاكلهم وفي هموم الدعوة العامة ومستجداتها، والأوضاع المجتمعية ومخاطرها، فما يكون عند المصلح المحتك من إدراك للواقع لا يلزم معه أن يكون عند أبنائه وزوجته، ولا يمكن أن ينتقل لهم -عبر الأثير مثلًا- بدون مثل تلك الجلسات التعاهدية والتوجيهية. ضبط دوائر العلاقات المجتمعية: من أهمِّ العوامل والسمات الشخصية التي تؤثر في نجاح المسئول الإصلاحي هو حسن سمته الأخلاقي، وحسن تعاملاته السلوكية مع الدوائر الاجتماعية المحيطة به، والتي يتعامل معها بشكل دوري ويؤثر فيها. ومن تلك الدوائر المهمة: دائرة الأفراد المتعاونين معه تحت نطاق مسئوليته أو في نطاق عمله الإصلاحي: تحتاج هذه الدائرة إلى توطيد العلاقات الأخوية الإنسانية؛ لا سيما وأن العمل الإصلاحي عمل تطوعي وليس إلزاميًّا -بمعنى أنه ليس وظيفة يُؤخذ عليها أجر مادي-، وذلك بأن يحرص المسئول على تأدية حقوق الأخوة الإيمانية تجاه إخوانه من فريق عمله، مع الاهتمام والحرص على التفقد لهم ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، وعدم الاكتفاء بالجلسات الإدارية الرسمية الدورية، بل يحتاج المسئول -ولو على فترات- إلى عقد جلسات ودية -فردية أو جماعية- مع فريق عمله؛ لبثِّ الهموم الحياتية أو الشخصية، مع تبادل النصائح اللازمة لتخفيف الهموم وإيجاد الحلول، مع بثِّ الأمل وجبر الخواطر. وهذا النوع من الاهتمام الذي يجب أن يحرص عليه المسئول يساعده -بلا شك- في إدارة فريق عمله بحب وتناغم -كنوع إدارة يمكن أن نسميه بـ(الإدارة بالحب)-، ويكسبه ذلك -بلا شك- الدعم المعنوي، والاستقرار النفسي القوي اللازم للاستمرارية في تحقيق النتائج الإصلاحية المرجوة. وفي هذا الصدد؛ يجب أن يحذر المسئول من أن يصيبه داء المَنِّ على إخوانه، أو أن يكون متشوفًا في نفسه إلى طلب التبجيل والوجاهة منهم مقابل ما يبذله لهم أو معهم، أو يكون ممن يتصف بداء البخل مع إخوانه، أو ممَّن يستغلهم في تحقيق مصالحه الشخصية؛ فإن هذا من أعظم ما ينفِّر الفرد من مسئوله؛ والله -عز وجل- قد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مَن هو -صلى الله عليه وسلم- من ذلك؛ فقال -سبحانه وتعالى- له في وصايا سورة المدثر التي جاءت كبيان لصفات القائم بالبلاغ اللازم لنشر العبودية: (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (المدثر: 6). وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (28) كتبه/ سامح بسيوني فمن أهمِّ العوامل والسمات الشخصية التي تؤثر في نجاح المسئول الإصلاحي هو حسن سمته الأخلاقي، وحسن تعاملاته السلوكية مع الدوائر الاجتماعية المحيطة به، والتي يتعامل معها بشكل دوري ويؤثر فيها. ومن تلك الدوائر المهمة: - دائرة الأفراد المحيطة به في محيط سكنه أو عمله؛ مِن: الزملاء والجيران وأهل الحي؛ هذه الدائرة المكانية القريبة من المسئول الإصلاحي هي المؤشر الأول في نجاحه الدعوي وقبوله المجتمعي، وهذه الدائرة تحتاج من الفرد الصادق في تحقيق العبودية إلى حسن التفاعل المجتمعي من حيث التواجد الخدمي، والإصلاح بين الناس، والتعليم والتعلم، والمواساة في المدلهمات والأحزان، والمشاركة في المناسبات والأفراح. وهذا التفاعل المجتمعي لا بد أن يُبنى على قاعدة الإحسان لا على قاعدة المقابلة، وعلى التعامل مع الناس بالفضل لا بالعدل. فالإحسان الذي هو أن تعبد الله كأنك تراه؛ سيكون في باب المعاملات هنا بمعنى: أن لا تكون معاملاته من باب المقابلة وأداء الواجب فقط؛ فيكرم من يكرمه، ويصل من وصله، ويعطي من أعطاه، ويبذل لمن بذل له، بل ستكون من باب العطاء والبذل من أجل رضا الله وحده، وتحبيب الناس في دين الله؛ فـيصل مَن قطعه، ويعطي مَن حرمه، ويبذل المعروف لمن أساء إليه، مستشعرًا في ذلك لذة العطاء -ولو كان بلا عوض-، مستشعرًا في ذلك استجلاب محبة الله كما قال -تعالى-: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة: 195). فمحبة الله -عز وجل- هي أولى الغايات، وأعظم الواجبات، وهي خيرٌ مِن أي عطاء دنيوي أو عوض بشري، وهي سبب للنجاح في المسار الإصلاحي المحقِّق للسعادة والهناء الأبدي. ثانيًا: المتطلبات المهارية اللازمة للمسئول الإصلاحي: المسئولية -كما أوضحنا في التعريفات السابقة-: هي حالة يكون فيها الإنسان صالحًا لأداء أعماله والمؤاخذة عليها، وملزمًا بتبعاتها المختلفة؛ لذلك فالمسئول الإصلاحي يحتاج إلى زيادة نموه المهاري المستمر بالقراءة والتعلُّم الدائم في مجالات الأعمال الدعوية، والإدارية والفنية المنوطة بعمله الإصلاحي، مع فاعلية التدريب الدائم واللازم في مجالات عمله ومسئولياته. فالمسئولية الإصلاحية الناجحة ليس من مقوماتها ابتداءً مراعاة الأقدمية دون نظر إلى المهارات والسمات الشخصية، ولا يمكن أن تستمر بالذكريات التاريخية، بل تستمر وتنمو وتزداد بزيادة البناء المهاري الفني المستمر مع التحلي بالسمات الشخصية اللازمة للاستمرارية، حيث يعد ذلك من أكبر وسائل جذب والتفاف الناس حول المسئول؛ فكما قيل: "مَن لا ينمو يضمحل". والمسئولية ليست تشريفًا نظريًّا، بل هي تكليف عملي يحتاج صاحبها أن يحرص على تحصيل مقومات نجاحه في مهامه وواجباته. لذا يحتاج المسئول الإصلاحي إلى عِدَّة مهارات؛ منها: أ- الإلمام بالوظائف الإدارية الأساسية والحرص على نشرها وتفعيلها: من الأمور التي قد تهدِّد استمرارية وفاعلية أي كيان إصلاحي هو عدم إدراك الأفراد العاملين فيه -لا سيما القادة والمسئولين- للوظائف الأساسية للعمليات الإدارية التي تمارس بغرض تحقيق نتائج إصلاحية إيجابية أو الاكتفاء بتلك المعرفة للبعض دون الآخر؛ مما يتسبب في وجود تفاوتات في أداء الأفراد والمسئولين داخل الهياكل الإدارية العاملة، بل قد تظهر في بعض الأحيان مقاومة عنيفة من البعض في الاستجابة لتنفيذ تلك الوظائف الإدارية المطلوبة مما يؤدي إلى حدوث اختلافات حركية بين الأفراد في ذات الكيان أو الهيكل الإداري العام تتشتت معها الجهود وتُهدر معها الأوقات وتضعف بسببها النتائج. لذا فإن من المهارات اللازمة للمسئول الإصلاحي الناجح أن يكون هو في نفسه عنده مؤهلات معرفية وعملية قوية بوظائف الإدارة؛ ليس ذلك فحسب، بل يحتاج إلى العمل على نشر تلك الثقافة الخاصة بوظائف العمليات الإدارية عند جميع المدراء والعاملين معه سواء بسواء حتى يتعاون الجميع كلٌّ في دوره في منظومة متناسقة مثمرة. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (29) كتبه/ سامح بسيوني فمن المهارات والوظائف الإدارية الأساسية التي يحتاجها المسئول الإصلاحي: التخطيط: وهي عملية رفع الواقع، ووضع الأهداف، وتحديد آليات تحقيقها وكيفيتها؛ فالتخطيط في أبسط تعاريفه: هو النشاط الذي يساعدك على الانتقال من وضعك الحالي إلى ما تطمح بالوصول إليه. ويشتمل هذا النشاط أو تلك العملية على عدة مراحل: رفع الواقع: وذلك بما فيه عن طريق عمل الآتي: 1- حصر الموارد البشرية المتواجدة (الأفراد) والمتاحة للعمل. 2- حصر مساحات التأثير المجتمعية المتاحة 3- ملء لنموذج تحليل الواقع swat كأحد نماذج تحليل الواقع المنتشرة من حيث (نقاط القوة - نقاط الضعف - الفرص المتاحة - التحديات الموجودة). وفي ذلك كله يجب أن ننتبه إلى الآتي: - أن يكون هذا الواقع المرفوع واضحًا حقيقيًّا غير مضلل أو مُجَمَّل؛ طلبًا لراحة النفس، وعدم وغز الضمير؛ حتى ولو كان مؤلمًا؛ فـألم الحقيـقة الأنيــة أخـف ضـــررًا على الجميــع من آلام المستقبل الناتجة عن النظرات الخادعة. - رفع الواقع يجب أن يكون مفصلًا يتيح للمخطط تحديد الأهداف اللازمة للانتقال من نقطة حالية معلومة محددة إلى نقطة أخرى مستقبلية مستهدفة؛ فالأزمة الكبرى ليست في وجود واقع ضعيف أو مؤلم، بل الأزمة الحقيقية تتمثل في استمرار هذا الواقع الضعيف المؤلم أو ازدياده بعد مرور سنوات وسنوات بدون عمل، أو بعمل مُجَمَّل خادع. ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حريصًا على ترسيخ أهمية رفع الواقع في مفاهيم أصحابه -رضي الله عنهم أجمعين- كما جاء في الحديث عن حذيفة بين اليمان -رضي الله عنهما- قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: (أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الْإِسْلَامَ؟)، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ؟ قَالَ: (إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا)، قَالَ: فَابْتُلِينَا حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لَا يُصَلِّي إِلَّا سِرًّا. (متفق عليه). وقد بوَّب الإمام البخاري -رحمه الله- على هذا الحديث بقوله: "باب كتابة الإمام الناس"، وفيه تأصيل شرعي لأهمية الحصر والإحصاء للواقع على ما هو عليه، وما يترتب عليه من أمور مهمة في استشراف المستقبل. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (30) كتبه/ سامح بسيوني فمن المهارات والوظائف الإدارية الأساسية التي يحتاجها المسئول الإصلاحي، تحديد الأهداف طبقًا للواقع المرفوع والإمكانات المتاحة، ويجب الانتباه هنا إلى أن الأهداف الموضوعة يجب أن تتميز بالآتي: - الواقعية: فيجب أن تكون الأهداف الموضوعة يمكن تحقيقها في الواقع المحيط؛ لا أن تكون حالمة تصيب العاملين بالإحباط؛ نتيجة عدم القدرة على تحقيقها. - الوضوح المبدد للعمومية والقابل في ذات الوقت للتعديل والقياس: والذي يساعد على اختيار الآليات، والوسائل الملائمة والمناسبة لتحقيق إنجاز ملموس يساهم في تحقيق التحفيز المطلوب للأفراد على استمرارية العمل. - الزمنية: بمعنى أنه يجب تحديد مدة زمنية مناسبة لتحقيق الهدف طبقًا للواقع المرصود مسبقًا. تحديد الآليات اللازمة لتحقيق الأهداف ووضع البرنامج الزمني للتنفيذ: نعني بذلك تحديد الأنشطة والوسائل اللازمة لتحقيق الأهداف الموضوعة في إطار زمني تفصيلي، وهذا الأمر -في الحقيقة- يحتاج إلى خبرات متراكمة، وقدرة على تحديد تلك الوسائل والأنشطة المتاحة -النمطية وغير النمطية- التي تصلح في التخديم على الأهداف المطلوبة بطريقة سهلة ومباشرة قدر المستطاع، مع وضع برمجة زمنية تفصيلية لتلك الأنشطة والوسائل على طول مدة الخطة. ولذلك فقد يحتاج الأمر في بعض الأحيان إلى وجود دليل تشغيلي تراكمي شامل لكل الآليات والأنشطة المتاحة، وكيفية تنفيذها؛ مما يساعد الإدارة التنفيذية المباشرة على القيام بمهمة التنفيذ على الوجه المراد. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (31) كتبه/ سامح بسيوني فمن المهارات والوظائف الإدارية الأساسية التي يحتاجها المسئول الإصلاحي: التنظيم والتوجيه والقيادة: وهي خطوة إدارية تنفيذية تهدف إلى تنظيم العاملين في إطار منظَّم، وهيكل متكامل محدد المسئوليات، وموزع الوظائف وَفْقًا لمهارات وإمكانيات الأعضاء العاملين مع التحفيز الدائم حتى يسهل القيام بالأعمال والأنشطة المطلوبة بكفاءة وَفْقًا لما خطط له في الزمن المحدد. وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بالدروس العملية لهذه الخطوة الإدارية التنظيمية الضرورية؛ مثل: ما كان في حادث الهجرة النبوية، وما كان فيها من تحديد للوظائف والمسئوليات وَفْقًا للمهارات والإمكانيات المتاحة؛ فعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يبيت في سريره -صلى الله عليه وسلم- لتضليل المشركين، ريثما يكون قد غادر هو وأبو بكر مكة إلى غار ثور. - وأسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- تمدهما بما يلزمهما من طعامٍ وشراب. - وعبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- ينقل لهما ما يجري في مكة من أخبار ليكونا على اطلاعٍ بما يجري حولهما. - وعامر بن فهيرة -رضي الله عنه- يكلف بأن يمر بغنمه مساء عليهما ليأخذا حظهما من اللبن، ولتطمس الأغنام بحوافرها آثار الأقدام التي تتردد على الغار. وهذه الخطوة الإدارية تحتاج -بلا شك- إلى حسن قيادة وتوجيه؛ للقيام بواجب التنسيق والإشراف والإلزام، والاتصال الفعَّال، والتحفيز الناجح؛ لا سيما أن مرحلة التنفيذ هي خاصرة العقد في دائرة الإدارة، فبدونها يصير الأمر مجرد تأصيل في الفراغ، وتلك حقيقة لا بد أن نعيها. فما أسهل التنظير وأصعب التنفيذ! فـالتخطيط بدون تنفيذ سراب خادع لا تجد بعده شيئًا، تضيع معه الحياة هباءً ويضمحل بسببه الأمل تباعًا، وتتأقلم معه النفوس على الواقع المرير، فتتوه العقول والقلوب في عجلة الحياة الملهية، وتسمع ضجيجًا بلا طحين. وقديمًا قالوا -وصدقوا-: "الحكمة: أن تعرف ما الذي تفعله، والمهارة: أن تعرف كيف تفعله، والنجاح: هو أن تفعله!". لذلك؛ فإن مرحلة التنفيذ تحتاج حتمًا إلى مسئولين على درجة عالية من الوعي والمهارة؛ عندهم فهم للمطلوب وحسن قيادة للأفراد، وإدراك لمعنى المسئولية؛ لا سيما في مثل هذه الأعمال التطوعية الإصلاحية، والتي لا يكون الحافز فيها ماديًّا، والتي هي مِنَّة من الله، واستعمال لتحقيق رضاه. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (32) كتبه/ سامح بسيوني فمن المهارات والوظائف الإدارية الأساسية التي يحتاجها المسئول الإصلاحي: المتابعة الإدارية والرقابة: والمتابعة: "هي عملية مستمرة لإيصال المستهدفات وجمع وتحليل المعلومات والبيانات الخاصة بالبرامج، لتحديد مدى توافق سير الأنشطة مع الخطة الموضوعة والنتائج مع المستهدفات مع بيان الوضع الحالي، ومدى التقدم طبقًا لمؤشرات الأداء؛ مما يتيح سرعة التدخل لعلاج الخلل الظاهر خلال التنفيذ " . وهي خطوة إدارية مهمة لا بد منها؛ فعامة الناس لا يفعلون غالبًا ما ترجوه منهم، بل يهتمون دائمًا بفعل ما تتابعهم فيه. وغياب المتابعة ومِن ثَمَّ تقويم الأداء أثناء التنفيذ يعني زيادة الانحراف في النتائج عن المستهدف؛ لذا تعد هذه الخطوة الإدارية من النصيحة الواجبة بين الأفراد المتعاونين على نشر العبودية اللازمة بين الخلق؛ فالكل بشر ينتابه النقص والفتور والخلل ويحتاج إلى من يتابعه ويذكره بالمهام والواجبات التي عليه ويصحح له مساره التنفيذي، لا سيما وأن فكرة المتابعة والرقابة في العمل التطوعي الدعوي قد تكون شاقة على بعض النفوس من باب أن هذه الخطوة قد تُظهر بعض العيوب والتقصير، فيظن المُتَابَع أن هذا سيقلل من شأنه أمام الإدارة، أو على الناحية الأخرى يصور الشيطان للبعض أن إظهار الأعمال للمُتَابِع في صورة جيدة قد يقدح في الإخلاص، فتحدث مقاومة لتنفيذ هذه الخطوة الإدارية المهمة عند البعض، بالرغم من أن المواقف النبوية المتعددة تشير إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جعل للمتابعة أهمية خاصة، وصحح من خلالها بعض الأخطاء التي وقع فيها بعض أصحابه -رضوان الله عليهم- مع فضلهم وسبقهم كما حدث في عدة مواقف: - فعن عروة بن الزبير عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى: ابْنَ الْأُتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا)، ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا، وَاللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ ، إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ)، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ؟) بَصُرَ عَيْنِي، وَسَمِعَ أُذُنِي. (متفق عليه). - وفي قصة (كعب بن مالك) وتخلفه عن غزوة تبوك؛ قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟) (متفق عليه)؛ فكان -صلى الله عليه وسلم- يتابع ويَسأل ويُقوم. - وكان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من بعده كذلك؛ فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول لأصحابه يومًا: "أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمر بالعدل أقضيت ما علي؟ قالوا: نعم! قال: لا حتى أنظر في عمله أعمِل بما أمرته أم لا؟". ومِن ثَمَّ فالمتابعة مهمة وضرورية في العمل المؤسسي التطوعي من باب النصيحة والتفقد، وليس التسلط؛ فالمتابع ليس مفتشًا دوره إثبات الخلل، بل دوره الأساسي ضمان صحة تنفيذ العمل، وغياب المتابعة أو تقصير المتابع يعني عدم وصول المعلومات الدقيقة عن أنشطة الخطة في الوقت المناسب للإدارة، والتي تحتاجها للمساعدة في اتخاذ القرارات التصحيحية في الوقت المناسب حتى لا يحدث انحراف عن المستهدف. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (33) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فتتمثل وظائف عملية المتابعة والرقابة في: 1- التأكد من وصول الخطة إلى كلِّ مستويات تنفيذها. 2- توثيق مراحل تنفيذ الخطة. عمل تغذية عكسية للإدارة أثناء تنفيذ الخطة لسرعة اتخاذ القرارات التصحيحية الآتية: - اكتشاف أوجه القصور المهددة للكيان أو المضيعة للأهداف. - التقييم النهائي طبقًا لمؤشرات الأداء، والنتائج النهائية لاتخاذ القرار السليم المنوط به تثبيت أو تعديل الرؤى والأهداف المرحلية. - حصر الإيجابيات والسلبيات، واكتشاف الطاقات وجمع الخبرات المكتسبة للمساعدة في وضع الخطط المستقبلية. التقييم والتقويم: في هذه الخطوة، يقيس المسئولون الأداء ويحدِّدون إن كان يتناسب مع المعايير المحدّدة الموضوعة؛ فإذا كانت نتائج المقارنة أو القياسات مقبولة -خلال الحدود المفترضة- فلا حاجة لاتخاذ أي إجراء، أما إن كانت النتائج بعيدة عما هو متوقع أو غير مقبولة، فيجب اتخاذ الإجراء اللازم للتصحيح، وهذا التصحيح -الذي نعني به تصحيح الانحرافات عن المعايير عبر تحديد الإجراء الصحيح الواجب اتخاذه- يعتمد على ثلاثة أشياء: - المعيار الموضوع: ويجب أن يكون موافقًا للشرع متماشيًا مع منهج الكيان الإصلاحي، مراعيًا للوقع الذي يتم فيه العمل. - دقّة القياسات التي بيّنت وجود الانحراف، وذلك عن طريق المعلومات والأرقام والحقائق، لا عن طريق التحليلات والظنون والعواطف. - تحليل أداء الشخص المؤدي للعمل لمعرفة سبب الانحراف الحقيقي. هذا مع الأخذ في الاعتبار في تلك المعايير الموضوعة للتقييم أنها في إطار عمل إصلاحي تعاوني، فيجب ألا تكون صارمة جدًّا أو مرخاة جدًّا؛ حتى لا نحكم على الأفراد العاملين أو الأعمال بأحكام رديئة قاسية تدفع القائمين على الأعمال إلى عدم الاستمرار، أو تؤدي إلى عدم جودة الإجراءات التّقويميّة الواجب اتخاذها. وأخيرًا: فبعد انتهاء مرحلة التقييم والتقويم يتم إعادة النظر في الواقع الجديد، وبهذا تكون الدورة الإدارية قد أدَّت وظائفها وتحققت مبادئها، ومن ثم تبدأ دورة إدارية الجديدة بمراحلها الأربعة من جديد: (تخطيط، وتنظيم وتوجيه، ومتابعة ورقابة، ثم تقييم وتقويم)، وهكذا حتى يتم الوصول إلى الأهداف الإصلاحية المرجوة بمسارات واضحة ثابتة، وخطوات تدريجية مناسبة، وبما يتوافق مع مبدأ الإحسان والإتقان المهاري المطلوب من المسؤول الإصلاحي. الإلمام باللوائح المنظمة للعمل مع فهم للتوصيف الوظيفي المنوط به: لا شك أن أي كيان إصلاحي ناجح لا بد أن تكون له لائحة عمل تنظيمية واضحة يتم نشرها على جميع أعضائه، وأولى الناس بالإلمام بهذه اللائحة هم القادة والمسئولون الإصلاحيون؛ ليكون المسئول على دراية واضحة بحدود مسئولياته طبقًا لتوصيفه الوظيفي هو أولًا، وليكون عنده القدرة عند تكليف من وراءه أن يوضِّح لهم حدود مسئولياتهم وحدود وظائفهم، وذلك حتى يحدث التناغم التكاملي في العمل بين الإدارات المختلفة داخل الكيان أو المؤسسة، وحتى لا يقصر أحد فيما يجب عليه، أو لا ينشغل أحد بما ليس إليه، فيؤثر على ما سواه مِن واجبات عليه. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (34) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فنستكمل في هذا المقال حديثنا عن وظائف عملية المتابعة والرقابة. حسن ترتيب الأولويات والتفويض في التكليفات: شك أن من أعظم عوامل النجاح لأي مسؤول -لا سيما متعدد المهام منهم- هو حسن ترتيبه للأعمال الواجبة عليه، مع حسن ترتيب أولويات اهتماماته ببعض الأعمال دون الآخر؛ فهناك أعمال ثابتة ذاتية، وهذه الأعمال تتمثل في منظومة أعمال دائمة ولازمة بطريقة دورية؛ مثل: (العبادات والأوراد الثابتة في اليوم والليلة التي لابد من تحصيلها - الأعمال التنفيذية الإدارية اليومية - المسارات العلمية التحصيلية المستمرة - الواجبات الأسرية والمجتمعية - الاجتماعات والمتابعات الإدارية الثابتة يوميًّا أو أسبوعيًّا - إلخ)، وهذه تحتاج إلى وضوح في الجدول اليومي أو الأسبوعي مع المحافظة على ثباته -قدر المستطاع- عليها، والاهتمام بضبط الأوقات بطريقة تضمن عدم الملل أو الانقطاع عن طريق مراعاة التنوع مع حسن استغلال الأوقات البينية. وهناك أعمال طارئة: هذه الأعمال تحتاج إلى حسن قرار من المسؤول عن طريق تقدير أهميتها ومدى تأثيرها في غيرها؛ فقد تحتاج هذه الأعمال للوجود الشخصي والتنفيذ المباشر، أو يمكن التفويض فيها، أو يمكن التخطيط لها مع التوجيه فيها عن بعد، أو يتم العمل فيها بطريقة متوازية مع الأعمال الثابتة المطلوبة، أو يمكن إهمالها بالكلية وعدم الالتفات لها أصلًا، وهذا الأمر يحتاج من المسؤول إلى إدراك جيد لما يسمى بمربع ترتيب الأولويات: (مهم وعاجل - تنفيذ مهم وغير عاجل - تخطيط غير مهم وعاجل - تفويض غير مهم وغير عاجل - حذف وإهمال). وللأسف الشديد: فإننا قد نجد بعض المسؤولين يجيد في التعامل النمطي، لكنه لا يستطيع التعامل مع الأعمال الطارئة التي يتعرض إليها؛ فيؤدي ذلك إلى خلل شديد في إنتاجيته المنوطة به. وهذا يرجع غالبا إلى أمرين: 1- عدم إجادته لفنِّ التفويض، أو عدم استخدامه له؛ بسبب التمحور حول الذات أو فقدانه للثقة فيمن حوله من فريق عمله، فيؤدي ذلك استهلاك نفسه فيما لا يجب عليه، فيضعف تركيزه، وتقل إنتاجيته على المدى، ويفقد كذلك فاعلية وحماسة فريق عمله. 2- التوتر والاضطراب وعدم القدرة على تحمل الضغوط التي قد تصيبه كمسؤول -خاصة المسؤول في الإدارة الوسطى-؛ بسبب ما يتعرض له مما يسمَّى بتحدي تعدد الأدوار، وهذا التحدي الذي قد يتعرض له بعض المسؤولين يحتاج -بلا شك- إلى حنكة في التعامل مع المهام وذلك عن طريق: 1- تقسيم تلك المهام بوضوح إلى أساسي وفرعي (فرض ونفل)، ومعرفة المطلوب في كل دور بوضوح ومناقشة ذلك بوضوح مع الإدارة العليا حتى يمكن ترتيب الأوقات والتغلب على التعارضات بما لا يضر بالأساسي (الفرض)، وبما لا يحدث معه إهمال في الدور الفرعي (النفل). 2- المحافظة على المرونة اللازمة في التعامل مع تلك المهام المتعددة مع حسن تقسيم الأوقات في متابعة الأعمال المطلوبة عن طريق الوزن النسبي لكل تكليف أو دور مطلوب منك. 3- العمل على إنشاء فريق عمل داعم له في كل مهمة مع بذل الجهد في الفترات الأولى لتنمية مهارات هذا الفريق ليخفف عنه بعد ذلك في مباشرة الأعمال. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (35) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فنستكمل في هذا المقال حديثنا عن وظائف عملية المتابعة والرقابة. كلمات في معاني المسؤولية: المسؤولية تعني إدارة الواقع الذي يقع تحت نطاق المسؤول وتم ائتمانه عليه؛ للوصول به نحو الأفضل والتحرك به للأمام ولو ببطءٍ؛ لا أن يظل أحدهم "محلك سِرْ" لسنواتٍ وسنواتٍ، ثم يظل متمسكًا بموقعه. المسؤولية تعني: الإدراك الجيد للواقع ومشكلاته الموجودة مع معرفة تفصيلية بنقاط القوة والضعف والفرص والتحديات التي حولك، ليتم التحرك بآليات مناسبة للإمكانيات. المسؤولية تعني: طول نفس وصبر متتابع، ومواجهة للواقع بتفاصيله المؤلمة لا الهروب منه، مع الإصرار على حل المشكلات المزمنة القديمة برؤية متأنية عاقلة، وكذلك مواجهة المشكلات الحادثة الجديدة أولًا بأول، مع عدم وضع الرأس في الرمال كالنعام وتجنب التعامل مع ذلك الواقع إيثارًا لراحة النفس أو خوفا من ضيق الصدر. المسؤولية تعني: المحافظة على تماسك فريق العمل والحرص على سلامة أفراده ومتابعة أحوالهم والعمل في حركة دؤوبة على حل مشاكلهم الذاتية أو الحياتية المؤثرة عليهم، فإن لم يكن بصورة كلية فبصورة جزئية قدر المستطاع مع متابعة معنوية تقويمية احتوائية دائمة، فهم حجر الأساس وجيش المشاة المنفذ واللازم لتحقيق المستهدفات المطلوبة المسؤولية لا تعني: الديكتاتورية، بل على العكس فهي تُلزم صاحبها بمناقشة جميع الآراء المطروحة عليه لتطوير عمله مع الاستماع الجيد لها -الآراء المخالفة لرأي القيادة منها قبْل الموافقة لها- ووضع هذا كله على طاولة اتخاذ القرارات التطويرية. المسؤولية تعني: إتاحة الفرص للكفاءات في فريقك لتحمل مسؤولية الأعمال أمامك مع الحرص على تقويتهم وتقويمهم أولًا بأول؛ لا إحباطهم وإبعادهم خوفًا على موقعك. المسؤولية تعني: أن يكون التقديم والتأخير للأفراد داخل فريقك بناء على مُقومات الكفاءة والقوة والأمانة، لا على درجات المطاوعة والانصياع والراحة النفسية فقط. المسؤولية تعني: الحرص على صناعة الكوادر الجديدة المتخصصة داخل الفريق، والعمل على تطويرهم وترقيتهم لاستمرار العمل مِن بعدك. المسؤولية تعني: أن تكون قدوة صالحة عملية لمرؤوسيك قبْل أن تكون مصدرًا لإلقاء الأوامر عليهم فقط. المسؤولية تعني: أن تترك موقعك وأنتَ مطمئن على صحة ودوام المسير بعدك. المسؤولية تعني: تكليف لا تشريف.. أمانة لا وجاهة، الغُنم دائمًا فيها بالغرم؛ كما أن معادلة الفشل في المسؤولية = عمل بلا تخطيط + عدم ترتيب للأولويات + تكليف بلا متابعة، ومن أعظم الأسباب التي تفشل أي مسؤول وتهدم أي عمل قائم؛ هو عدم إدراك المسؤول المكلف بإدارة أمر ما -أيًّا كان موقعه- لمتطلبات مسؤوليته أو تكاسله عن أدائها على الوجه الذي ينبغي عليه. لذلك تحتاج المسؤولية دائما إلى: إخلاص وتجرد - قوة ومهارة - سلامة صدر وجرأة - مع قوة شخصية وحسن إدارة. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (36) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ وضوح آلية اتخاذ القرار داخل المؤسسة والحرص على أخذها بطريقة صحيحة: من أعظم أسباب قوة الكيانات الإصلاحية: القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، فمعادلة التأثير الناجح تتمثل في: (قرار صحيح + توقيت صحيح + آلية وأسلوب طرح صحيح = تأثير ناجح). وأي اختلال في أي حدٍّ من حدود تلك المعالة يؤدي إلى خلل في النتائج؛ لذلك فإن عدم إدراك القيادة بأسس اتخاذ القرار الصائب داخل أي كيان أو عدم معرفة الأتباع بتلك الأسس التي يتم اتخاذ القرار بها من القيادة يؤدي إلى سوء القرار المتخذ أو إلى ضعف التأثير المنشود بعد اتخاذ القرار المناسب، وقد يؤدي إلى حدوث خلافات داخلية مؤثرة على التزام الأعضاء بتنفيذ القرار، ومن ثم على استقرار الكيان. وقد جاء قول الله -عز وجل- في سورة الكهف ما يشير إلى مثل هذا المعنى؛ حيث قال الله -سبحانه وتعالى- على لسان الخضر -عليه السلام-: (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ به خُبْرًا) (الكهف: 68)، فمعرفة الأتباع والأعضاء بحيثيات القرارات وأسس الأعمال هو من أعظم الأسباب في صبرهم على ما يجدونه من آثار للقرارات، وفي ثقتهم في قيادتهم، ومن ثم في نجاح واستمرار قوة الكيان الإصلاحي. والقرار لغةً: مشتق من القر أي: "التمكن"، فيقال: قرَّ في المكان؛ أي: "استقر به وتمكن منه". واصطلاحًا: القطع أو الفصل؛ فالقرار هو قطع أو وقف لعملية التفكير، والنظر في الاحتمالات المتعددة والاستقرار على البديل المناسب. ويعرف أيضًا بأنه: "اختيار من بين بدائل مختلفة" بمعنى اختيار بديل من بين بدائل متعددة للوصول إلى هدف مرغوب. اتخاذ القرار: هو نشاط أو عملية محددة مطلوبة لحسم الحيرة التي تنتاب متخذي القرار تجاه مشكلة ما يجب التعامل معها، مع وجود البدائل المتعددة والنتائج المختلفة المترتبة على كل بديل. عملية صنع القرار: سلسلة من الخطوات المترتبة المؤدية إلى اتخاذ القرار المناسب طبقًا لنوع القرار، مع العمل على تنفيذه ومتابعة تحقيق نتائجه. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (37) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ ثانيًا: مراحل اتخاذ القرار: أولًا: التنبه: يعني وجود أمر ما أو حادث ما منبِّه ودافع للدخول في عملية اتخاذ القرار. بعض الأمثلة التوضيحية: 1- موت النبي -صلى الله عليه وسلم-: كان دافعًا لضرورة العمل على اختيار مَن بعده. 2- غياب الناس عن المساجد: عَرَض لوجود خللٍ ديني مجتمعي يحتاج إلى إجراءات دعوية تصحيحية. 3- امتناع الزوجة عن تأدية حقوق زوجها: منبِّه لضرورة تصحيح بعض الأمور الأسرية. 4- ارتفاع درجة حرارة الجسم: يحتاج الأمر معه لتدخل طبيب؛ للنظر في نوع المرض والعلاج. 5- الإعلان عن مواعيد إجراء انتخابات سياسية: منبه لضرورة الإسراع في الاستعدادات اللازمة. 6- وجود تراجع في المبيعات: مؤشر مهم يدفع لإجراءات وقرارات تصحيحية في الشركة. ثانيًا: الإدراك: إدراك السبب الحقيقي للمشكلة الواقعة للدخول في عملية اتخاذ القرار بطريقة صحيحة؛ بمعنى (تحديد السبب الحقيقي الذي يحتاج إلى اتخاذ قرار بشأنه). ففيما يتعلق بالأمثلة المذكورة في الخطوة الأولى (خطوة التنبيه)، فإن خطوة الإدراك تتمثل -مثلًا- في الآتي: 1- اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة منهم، كان سببًا مباشرًا في سرعة توجه أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- لهم؛ لحسم الأمر. 2- أسباب نفور الناس من المسجد: (تعامل الملتزمين مع الناس - الانهيار الإيماني - إلخ). 3- سبب امتناع الزوجة عن تأدية الحقوق: (سوء التعامل من الزوج - البخل - الغزو النسوي - إلخ). 4- سبب السخونية: (التهاب حلق - مرض تيفودي - إلخ). 5- الاستعداد للانتخابات بسبب: أهمية الوجود الإصلاحي المؤثر في هذه المساحة، وأثر ذلك على المجتمع. 6- تراجع المبيعات بسبب: (وجود منافس في السوق - سوء الجودة - ضعف التسويق - إلخ). ثالثًا: ترتيب مسارات وخطوات اتخاذ القرار: 1- تحديد مصادر المعلومات اللازمة للقرار. 2- تحديد الأفراد الذي يجب استشارتهم عند اتخاذ القرار. 3- تحديد مَن له الحق في اتخاذ القرار أو مَن يجب عليه اتخاذ القرار. 4- تحديد المسؤول عن تبليغ القرار وتسويقه. 5- التحديد الواضح للمسؤول عن تنفيذ القرار والمدة الزمنية المناسبة للتنفيذ. البند الثالث: محددات اتخاذ القرار: أولًا: المنطلقات الحاكمة: هذه المنطلقات تختلف من كيان لكيان، ومن فرد لآخر، والكيان الإصلاحي الصادق والمتبع للنهج الصحيح يجب أن تتمثل منطلقاته في تحقيق الأصل الذي خلق من أجله الخلق؛ وهو: "تحقيق العبودية"، وهذا الأصل يرتكز على عدة مرتكزات مهمة، يجب أن تكون راسخة في عقلية متخذ القرار. 1- التفريق بين عقلية الصالح وعقليه المصلح من حيث النظر إلى المسئولية الواقعة عليه تجاه من حوله عند اتخاذ القرار. 2- إدراك أن هناك فرقًا بين الممكن المتاح وبين الأحلام والآمال. 3- الموازنة الدائمة بين خير الخيرين وشر الشرين. 4- ضبط مساحات الرفض ومساحات التفاوض عند اتخاذ القرار. ونقصد بـ"مساحات الرفض": تلك النقاط المرفوضة، والخطوط الحمراء غير المقبولة والتي تعتبر خارج النظر والقبول، وهي تمثل في الغالب المبادئ الشرعية والأيدلوجية والأصول المنهجية التي يتبناها الكيان والتي سبق أن بيناها في مرتكز المنهج؛ مثل: (المرجعية والهوية - استقرار الوطن - نفع الناس وحمل همومهم وعدم الإضرار بهم إضرارًا معتبر شرعًا). ونقصد بـ"مساحات التفاوض": تلك النقاط القابلة للتمدد والانكماش، والاجتهاد والنظر فيها للحصول على أكبر مكاسب وأقل مفاسد، وهي كل ما لا يطلق عليها "بينات وثوابت شرعية" . وبالجملة؛ فضبط تلك المنطلقات الحاكمة يحتاج إلى: 1- فهم عميق للمبادئ والقواعد الكلية والأصول المنهجية للكيان. 2- إدراك الواقع الحقيقي واستصحابه. 3- عدم الغرق في الماضي أو المأمول. 4- ثبات المبادئ مع مرونة المواقع. 5- جودة ضبط قواعد المصالح والمفاسد. 6- النظر في المضمون المطلوب تحقيقه دون الجمود على الوسيلة المحققة له، بشرط عدم مخالفة الوسيلة لقواعد الشرع "فالوسائل لها حكم المقاصد". وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (38) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ عملية اتخاذ القرار: طبقًا لتحديد نوع القرار المطلوب يتم تحديد مراحل عملية اتخاذ القرار -كما سيأتي بيانه لكل نوع-. البند الأول: النوع الأول من القرارات (القرارات النمطية التنفيذية)، وهذه القرارات التنفيذية تحتاج غالبًا إلى مراحل قليلة ومباشرة: أولًا: تحديد الهدف: ونقصد بها تحديد الغرض الرئيس المطلوب تحقيقه من القرار بعد مرحلة التنبه والإدراك السابق ذكرها. ثانيًا: توضيح الإمكانات المتاحة: ونقصد بذلك المعرفة الواضحة للإمكانات البشرية والمادية التي تتيح لمتخذ القرار التفكير في البدائل المختلفة الممكنة لتحقيق الهدف المراد. ثالثا: تدوير البدائل المطروحة: مرحلة التدوير للآراء هذه يجب أن تمر بالمراحل الثلاثة الآتية مع نوعية القرارات النمطية التنفيذية: 1- مرحلة الطرح (مرحلة ما قبل الشورى): في هذه المرحلة يكون لكل فرد في المجموعة المعنية باتخاذ القرار أو في أهل الشورى المعنيين بالقرار رأي شخصي طبقًا للمعطيات المتاحة له، وطبقًا لدرجته العلمية وفهمه واجتهاده وإدراكه للواقع المحيط وتحليله له، ويجب أن يكون بعد بذل الجهد في القراءة الصحيحة للواقع مع اجتهاد حقيقي في تحصيل المعلومات من الأفراد، وفي هذه المرحلة تختلف آراء الأفراد وتكون الآراء هنا (آراء فردية). 2- مرحلة الخلط (مرحلة الشورى): في هذه المرحلة تُمزج الأقوال والآراء، وتفند وتناقش، وتصهر في بوتقة العقل الجمعي؛ لينتج في النهاية رأي المجموع حيث تُعرض كل الآراء الفردية المختلفة بعد تجميعها ومناقشة أصحابها مع عرض وجهة نظر الجميع في الرأي المطروح من حيث إيجابياته وسلبياته ودوافعه، ومن ثم توضع مصفوفة للآراء المطروحة مع جمع كل الإيجابيات والسلبيات المتوقعة لكل رأي على حِدَة من جميع الأعضاء، ليصير كل رأي مذكور معه خلطة جماعية بمجموع الإيجابيات والسلبيات الخاصة بالجميع، وليست خاصة بوجهة نظر فردية لصاحب الرأي المطروح كما كان الأمر في المرحلة الأولى، ومن ثم يتحول الأمر هنا إلى مصفوفة آراء جماعية. تنبيه مهم: لا بد أن ننتبه إلى أن هذه المرحلة مرحلة في غاية الأهمية؛ لأنها تقضي على النزعة الفردية والتعصب للرأي الفردي المطروح من أي عضو، وتحول الروح إلى روح إيجابية جماعية وتنسب الرأي إلى المجموع عند النظر في أي رأي من الآراء المطروحة. 3- مرحلة الحسم (مرحلة ما بعد الشورى): في هذه المرحلة تنتهي الآراء الفردية ويبقى القرار الجماعي عن طريق حسم الاختيار بالآلية المتفق عليه مسبقًا (كالتصويت مثلًا)، حيث يبذل كل فرد جهده في النظر في مجموع الإيجابيات والسلبيات لكل رأي مطروح تم جمعه في المرحلة السابقة، ثم يقوم بطرح اختياره ليتم الحسم للرأي المختار، وهناك يتحول الرأي المختار إلى قرار للكيان، وليس رأي لفرد، ويجب حينئذٍ على كل عضو من متخذي القرار إذا سُئل عن رأيه ألا يبادر بالإجابة إلا بالتوجيه والقرار النهائي (رأي الكيان)، بل ويجب عليه بذل كل جهده في دعم القرار، حتى ولو كان رأيه ابتداءً مخالف للقرار الجماعي النهائي للكيان؛ حيث تنتهي هنا فردية الآراء وتذوب جميعها في دعم القرار الجماعي للكيان. تنبيه: مرحلة الحسم هذه قد تكون هي المرحلة الأخيرة في اتخاذ القرار والتي يتبعها مرحلة التنفيذ؛ وهنا تسمى: (مرحلة الحسم التنفيذي). وقد تكون هي المرحلة قبل الأخيرة إن كان القرار لا بد من اعتماده من الإدارة الأعلى التي لها صلاحية التعديل أو الإقرار، ويكون هذا القرار الصادر حينئذ من الإدارة الأدنى هو قرار إرشادي مرفوع للإدارة الأعلى للبت فيه أو لوضعه في منظومة الآراء المرفوعة من إدارات أخرى في ذات المستوى لأخذ قرار استراتيجي أو تنفيذي عام جديد ملزم لجميع الإدارات الأدنى؛ وهنا تسمى هذه المرحلة (مرحلة الحسم المؤقت أو المعلق). رابعًا: التنفيذ: وهذه الخطوة هي التي يتم فيها جني ثمرة القرار المتخذ؛ وبدونها فلا طائل من استهلاك الأوقات في تدوير البدائل؛ ويتم فيها: أ- تحديد مستويات التنفيذ وآلياته ومسئولية الأفراد. ب- متابعة العمل والنتائج بتحديد مسؤول المتابعة والتقييم. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (39) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ النوع الثاني من القرارات (القرارات الإستراتيجية الحرجة ذات الآثار المتعددة): هذه القرارات الاستراتيجية الحرجة تحتاج إلى عملية تسلسلية مكونة من سبع خطوات متتابعة؛ كالتالي: أولًا: التحديد: في هذه الخطوة يتم تحديد بديل محدد للتنفيذ من كل البدائل المطروحة أمام متخذي القرار طبقًا للرؤية الإستراتيجية، والأهداف المحددة الحاكمة على القرار: Deterring one of The proposed alternative. ثانيًا: (الحصر - الجرد): في هذه الخطوة يتم حصر كل الآثار السلبية -أو المخاوف- التي يتوقع حدوثها في حالة تنفيذ هذا البديل المطروح (حصر المخاوف): Identify of Fears - Fears identify. ثالثًا: التجنب: في هذه الخطوة يتم تحديد الإجراءات اللازم اتخاذها؛ لتجنب حدوث الآثار السلبية (تجنب حدوث المخاوف) قبل اتخاذ القرار: Avoid negative effects- Avoid pears. رابعًا: الإنقاذ: في هذه الخطوة يتم إعداد خطة إنقاذ بإجراءات سريعة في حالة حدوث تنفيذ مفاجئ لهذا البديل المطروح قبل اتخاذ الإجراءات التي تم تحديدها في الخطوة الثالثة لتخفيف الآثار السلبية أو تقليل المخاوف: Sudden Rescue plan. خامسًا: تبعات العدم: في هذه الخطوة يتم طرح السؤال: ماذا سيحدث في حالة عدم اتخاذ القرار باختيار هذا البديل المطروح؟ وما الإجراءات التي يجب فعلها حينئذٍ للتكيف والتعامل مع الوضع القائم؟ Consequences of non-decision making. سادسًا: تبديل الاختيار والمقارنة: طرح باقي البدائل الأخرى مع وضع جدول لنتائج الخطوات السابقة (الحصر - التجنب - الإنقاذ - تبعات العدم)، لكل بديل في مصفوفة مجمعة ثم المقارنة بينها تمهيدًا لحسم الاختيار:Toggle selection and Compare. سابعًا: (الحسم - التنفيذ): حسم القرار بالآلية المتفق عليها، واتخاذ إجراءات التنفيذ مع مراعاة الإجراءات التي تم تحديدها في الخطوة الثالثة (التجنب)، والخطوة الرابعة (الإنقاذ): Decision and Implement. مع ضرورة إدراك أن مرحلة التنفيذ هنا تحتاج -علاوة على ما ذكرناه سابقًا في النوع الأول من القرارات- إلى تحديد: - نوع التواصلات المطلوبة. - التسويق الإعلامي والتهيئة الجماهيرية أو الداخلية. - تحديد المسؤوليات في التنفيذ والمسارات المتوازية المطلوبة. وللحديث بقية -إن شاء الله-. |
رد: نصائح وضوابط إصلاحية
نصائح وضوابط إصلاحية (40) كتبه/ سامح بسيوني الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ تنبيهات مهمة عند اتخاذ القرار: هناك أمور مهمة يجب إدراكها والانتباه إليها، والحرص على تفعيلها أثناء عملية اتخاذ القرار وبعد اتخاذ القرار؛ منها: أولًا: أهمية التنفيذ: لا بد أن ندرك أنه بدون التنفيذ للقرار المتخذ لا معنى لكل الخطوات السابقة عليه، ولا ثمرة من هذه المجهودات المبذولة، ولا فائدة من هذه الأوقات المستنفذة سواء في اتخاذ القرارات النمطية أو في القرارات الحرجة، ولا أهمية كذلك لتلك القرارات؛ ولن يعدو الأمر حينئذٍ إلا مجرد تأصيل في الفراغ؛ فالحكمة كما قيل: "أن تعرف ما الذي تفعله، والمهارة: أن تعرف كيف تفعله، والنجاح: هو أن تفعله". ثانيًا: التعامل مع النتائج غير المرضية الناتجة عن القرار: قد تكون نتيجة القرار النهائية غير مرضية، بل قد تكون عاقبة القرار المتخذ على غير المتوقع، أو قد ينتج عنه ما قد يسوء (إما لخطأ في القرار ذاته، أو لخطأ منفصل عن القرار كخطأ في التنفيذ). وهنا يجب الانتباه للآتي: 1- يجب الحذر من التصرفات التي قد تشعل الصراع وتقطع الأوصال بين أعضاء فريق العمل المسؤول؛ بأن يتسرع مَن كان رأيه قبل الشورى بخلاف ما تم الاتفاق عليه بعد الشورى ويبادر بتبكيت إخوانه والشماتة فيهم بقوله: "ألم أقل لكم: إن قولي هو الصواب؟! - قد نصحت وبينت ولكنكم لم تسمعوا لكلامي - ..."؛ بل الواجب عليه أن ينسى أنه كان له رأي مخالف لرأي المجموع يومًا ما؛ فقد ذاب قلبًا وقالبًا في كيان المجموع حتى أصبح نجاحهم نجاحه، وخطؤهم خطؤه. 2- يجب أن ينصرف الجهد من الجميع إلى البحث عن السبب الحقيقي في هذه النتيجة السلبية، مع سرعة معالجة الآثار السلبية الناتجة عن هذا القرار، وتقليل الخسائر قدر المستطاع، طالما تم استفراغ الوسع في إصابة الحق، واتخاذ القرار بآلية سليمة منضبطة شرعًا؛ لأن عين إصابة الحق في كل قرار غير متصورة على الدوام، والأمر يدور حينئذٍ بين الأجر والأجرين؛ كما جاء في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ) (متفق عليه). |
الساعة الآن : 02:33 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour