ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القصة والعبرة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=32)
-   -   السنن الإلهية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=305897)

ابوالوليد المسلم 13-07-2024 10:33 PM

السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (1)


صاحبي خريج علوم سياسية، ومتابع للمحللين السياسيين في كثير من القنوات العربية والأجنبية، ويقارن، وينتقد، ويبدي آراءه وتوقعاته في القادم من الأحداث. - هل تعلم ما الذي ينقص المتخصصين في العلوم السياسية؟ - كلا، نورنا بما لديك. - ينقصهم العلم الشرعي في السنن الإلهية. استغرب صاحبي.
- وما علاقة السنن الإلهية بالعلوم السياسية؟! - هذا ما أردت بيانه، ذلك أن كثيرا من المسلمين لا يعرف السنن الإلهية ولا يتعلمها، بل ربما يغفل وجودها رغم أن الكون كله، يسير وفق السنن الإلهية، تظهر أمم وتختفي أخرى وفق السنن الإلهية، وربما يسعد الفرد ويشقى، ويعز ويذل، وفق السنن الإلهية.
بقي صاحبي منصتا، كأنه يسمع أحجية غريبة، تابعت حديثي: - كلنا نقرأ كتاب الله -تعالى-: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب:62)، {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} (الإسراء:77)، {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر:44).
وآيات أخرى تبين أن لله -عز وجل- سننا، وهذه السنن، -ولك أن تسميها قوانين، وقواعد، في الأمم والأفراد، والكون- ثابتة مستغرقة، لا تتبدل ولا تتحول ولا تتوقف، وهي بلا شك أثبت من النظريات البشرية في السياسة والاقتصاد. كنت وصاحبي في جلسة هادئة، مساء الأربعاء بعد صلاة العشاء أخذنا مجلسا خارجيا في أحد المقاهي المطلة على البحر. - ولماذا لا يتحدث العلماء عن هذه السنن وينشرونها لعامة الناس حتى يتفقه الناس بها، ويتعلموها، ولاسيما أصحاب الاختصا؟. - أما أصحاب الاختصاص فإنهم يكتفون بالنظريات العلمية التي درسوها والأوراق العلمية التي تنشر، ولا ينظرون للشريعة الإسلامية أنها من الممكن أن تمدهم بشيء في تخصصاتهم السياسية أو الاقتصادية، قصروا الشريعة على العبادة، وأما عامة الناس فينظرون إلى السنن الإلهية إلى أنها من نافلة العلم، ولا يحتاجون إليها في حياتهم اليومية، مع أنها جزء من عقيدة المسلم.
- كيف هي جزء من عقيدة المسلم؟ - إن السنن الإلهية تبين القواعد التي وضعها الله لكل شيء في الكون والأمم والأفراد، تبين عظمة الله -عز وجل-، وحكمة الله -عز وجل- اقتضت وضع هذه القوانين، وكل شيء يحدث وفق هذه القوانين، فهي قوانين إلهية ثابتة منذ خلق الله الكون وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وإذا عرف العبد هذه القوانين، فإنه يطمئن إلى وعد الله، إن كان مظلوما، يعلم أن الله سينصره، وإن كان وقع له كيد سيئ، يعلم أن الكيد سيرجع على أهله، إن كان رزقه حلالا، يعلم أن الله سيزيده، وهكذا في الأفراد، وفي الأمم.
والعالِم يعلم بسنن الله، متى وكيف يأتي نصر الله؟ ومتى تعز الأمة؟ ومتى يتخلف نصر الله؟ ومتى تسقط الأمة؟ ولا يغتر، بما يظهر بأنه خلاف سنة الله، وذلك أن وعد الله حق، والله لا يخلف الميعاد، فالعالم بهذه السنن مع بعض العلوم الدنيوية، في الاقتصاد والسياسة، يستطيع أن يستقرأ المستقبل ويرسم خارطة طريق للأمة حتى تنهض وتستقر وتتمكن في الأرض.
- بصراحة، الكلام جميل، ولكن أشعر أنه نظري، وأقرب إلى الخيال! - لا تقل هذه الكلام، لمجرد أنك لم تطلع على سنن الله ولم تدرس الشريعة، هذه حقائق أثبت من النظريات السياسية والاقتصادية؛ فمشكلة كثير من الناس أنهم لا يؤمنون بهذه السنن؛ لأنهم لا يرونها تقع أمام أعينهم، وذلك أن سنن الله لا تقاس بأعمار البشر، بل بأيام الله -عز وجل-: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (الحج:٤٧)، فمن أراد أن يعرف سنن الله فلينظر على امتداد آلاف السنين؛ لذلك يقول الله -تعالى-: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران:137)، سنن الله ماضية في المؤمنين والكافرين والمكذبين والظالمين، لا تتخلف أبدا، وينبهنا الله -عز وجل- إلى مصير الأمم السابقة، والذي يريد معرفة سنن الله في دمار الحضارات، وازدهارها، ينظر على مدى آلاف السنين، لا عشرات ومئات السنين فحسب، وهذا الأمر، أعني أن سنن الله تقع في فترات زمنية طويلة تجعل الغافل لا ينتبه لها، بل ربما يهملها تماما، إذا لم تكن لديه خلفية في العقيدة.
- استدرك على صاحبي: - نحن نقرأ في كتب التاريخ مثل كتب ابن خلدون وغيره، ولدينا قاعدة (بأن التاريخ يعيد نفسه)، ولم يخطر ببالي فكرة (السنن الإلهية). - مقولة (التاريخ يعيد نفسه) خطأ، والصواب (أن التاريخ يعيده الله)، فهو الأحداث التي تحدث وفق قوانين ثابتة وضعها الله -عز جل- اسمها (السنن الإلهية)، ثابتة لا تتغير، مستغرقة، لا تختلف، دائمة لا تتوقف، شاملة لا تستثني، هذه هي سنن الله -عز وجل-، من عرفها كان علمه حقا ثابتا، ومن غفل عنها، إنما تخبط خبط عشواء في تحليله واستقرائه.



اعداد: د. أمير الحداد





ابوالوليد المسلم 16-07-2024 05:59 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (2)


في زيارة قصيرة إلى الرياض، عاصمة المملكة، استقبلني صاحبي في المطار، وكعادته لم يترك لي المجال أن أنزل إلا في بيته، وهكذا اعتدنا منذ أكثر من خمس عشرة سنة، إذا زار الكويت فمكانه منزلي وإذا زرت الرياض مكاني منزله، وصلت بين صلاة العصر والمغرب، وكنت قد جمعت صلاتي الظهر والعصر قبل الصعود للطائرة. - سوف تتفاجأ وتنبهر لما ستراه من تغير في مدينتنا.
- إيجابا أم سلبا؟ - لا يخلو أمر في الدنيا من هذين، ولكن أظن الإيجابيات أكثر من السلبيات، أخبرني عن آخر مشاريعك الكتابية؟ - انتهيت -بفضل الله- من (أعمال القلوب، والطاعات والذنوب)، وبدأت أكتب عن (السنن الإلهية).
- ما شاء الله! اختيارك للعناوين جميل جدا، يلفت الانتباه، ويشوق القارئ لمعرفة المحتوى، لقد اطلعت على (أعمال القلوب)، من خلال موقعك على الشبكة العنكبوتية، واستمتعت بكثير من المواضيع بل واستفدت كثيرا. وماذا في (السنن الإلهية)؟ - سنن الله -سبحانه وتعالى- وقوانينه الثابتة في الكون، والأمم، والأفراد، قوانين العزة والتمكين، قوانين الهلاك والعذاب، قوانين النذر، قوانين الرزق، وهكذا، كانت الطريق سالكة، بالقرب من المطار، ولكنها أخذت في الازدحام كلما اقتربنا من مركز المدينة، وظهرت مشاريع البناء والطرق والمباني الجديدة.
تابعنا حديثنا بعد التعليق على هذه المشاريع وتفاصيلها. - ولماذا سميتها (سنن إلهية) وليس (سنن ربانية)؟ - الله -سبحانه وتعالى- وصفها بذلك، يقول -تعالى-: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُون َ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب).
ويقول -تعالى-: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الفتح).
ويقول -تعالى-: {وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّون َكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} (الإسراء).
ويقول -عز وجل-: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر). قاطعني (أبو محمد).
- إن لم تخني الذاكرة، كلمة سنة، تكتب في المصحف بتاء مفتوحة وتاء مربوطة، هل من سبب لذلك؟ مع أنها في الإملاء ينبغي أن تكون بتاء مربوطة.
- أحسنت أبا محمد، نعم لقد لفت نظري هذا الأمر منذ فترة، وبحثته في الكتب التي تناولت الرسم العثماني للقرآن، وإن لم تخني الذاكرة هناك ثلاث عشرة كلمة وردت بهذا الشكل، وهي: (رحمة - رحمت) (نعمة - نعمت) (سنة - سنت) (امرأة- امرأت) (ابنة - ابنت) (لعنة - لعنت) (شجرة - شجرت) (جنة - جنت) (معصية - معصيت) (فطرة - فطرت) (قرة - قرت) (بقية -بقيت) (كلمة - كلمت).
والسبب -كما قال أهل الاختصاص-: إن التاء المربوطة تأتي إذا كان الأمر عاما ولا يتعلق بمخصوص، وتأتي بالتاء المفتوحة إذا كانت مرتبطة بشخص أو فئة، أو مكان أو حدث محدد، ودعني أوضح لك بأمثلة.
قوله -تعالى-: {لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه} (الزمر:53)، شاملة عامة لجميع الذين أسرفوا، بل للبشر جميعا، وقوله -تعالى-: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} (هود:73)، جاءت لإبراهيم وزوجه عندما بشر بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب -عليهم السلام-، فهذه خاصة بهم، ولو رجعنا إلى موضوعنا، (سنة الله)، تأتي بالتاء المربوطة، إذا كانت عامة، لا تحدد فئة، كما في قوله -تعالى-: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب)، وتأتي بالتاء المفتوحة إذا كانت في فئة: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر:43)، هذه خاصة بعذاب أهل المكر السيء.
ووردت (سنت) بالتاء المفتوحة خمس مرات في كتاب الله. - أول مرة أعرف هذه المعلومة الدقيقة عن رسم القرآن. - علوم القرآن لا يحيط بها أحد، وإنما يجتهد العلماء في دراستها وفهمها وشرحها، هذا كلام الله -عز وجل-، المعجزة، الحجة على البشر جميعا، بكل ما فيه من أخبار، ووعد، ووعيد، وبيان، وهداية، بعد الرسل وآخرهم رسول الله محمد بن عبدالله -[-، حجة الله على الخلق، كتابه العزيز: {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت:42).



اعداد: د. أمير الحداد

ابوالوليد المسلم 31-07-2024 10:17 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (3) قوانين ثابتة لا تتغير ولا تخطئ


في اجتماعنا المعتاد بعد صلاة الجمعة، سألت صاحبي: - إلى أين وصلت في بحثك عن (السنن الإلهية)؟ اعتدل في جلسته. - الموضوع أهم مما كنت أعتقد، وأعمق مما كنت أظن، السنن الإلهية جزء مهم جدا في العقيدة، وفي معرفة ما يتعلق بالله -عز وجل-، وجزء لم يأخذ حقه عند المسلمين، لا ترى العلماء يلقون المحاضرات العامة في هذا الموضوع، ولا تجد التركيز عليه في خطب الجمعة أو الدورات الإسلامية أو حلقات المساجد، مع أن له ارتباطا مباشرا بمصير الأفراد والأمم، من عزة وذل، ورفعة وتمكين ونصر، ورزق ورغد عيش وأمان، وبقاء وهلاك، وكذلك بالنسبة للأفراد، استغربت حماس صاحبي، وتركيزه في كلامه! - السنن الإلهية تعطي نتائج يقينية أشبه بالمعادلات الرياضية والفيزيائية وربما أدق، فيمكنك معرفة الضرر قبل وقوعه، فتجتنبه، ويمكن معرفة الهزيمة قبل حدوثها، فتتفاداها، ويمكنك معرفة الهلاك قبل تحققه فتمنعه، ذلك أن سسن الله ترتكز على السببية والتعليل والشرط والجزاء. قاطعته: - هذه الجملة الأخيرة تحتاج مزيدا من التفصيل: - السنن الإلهية جعلت لكل شيء سببا، فلا شيء يحدث عبثا أو دون أسباب، وموقف البشر من الأسباب والمسببات يكون شركا، أو عبودية، أو عبثا وإليك التفصيل.
أما المؤمن، فيبذل الأسباب ولا يتعلق بها، وإنما يتعلق قلبه بالله بعد بذل الأسباب، وهذه هي العبودية الصحيحة. والمشرك يتعلق بالأسباب دون النظر إلى المسبب، ويظن أن الأسباب تؤدي إلى النتائج، بصرف النظر فهو لا يؤمن بأن الله هو الذي يأتي بالنتائج. والثالث، يترك الأسباب ويضع الحبل على الغارب وينتظر النتائج، وهذا عبث وقدح في العقل والشرع، ويمكن تلخيص هذه القاعدة بقول النبي -[-: «اعقلها وتوكل»، صحيح الترمذي (اعقلها) بذل الأسباب، و(توكل)، تعلق القلب بالله لا بالأسباب. أعجبني شرح صاحبي! - أحسنت يا أبا عبدالله. ذكر صاحبي وضيفنا بالمكسرات والمرطبات الموجودة أمامهما.
تابع صاحبي حديثه: - ولو تدبرنا كتاب الله، ويجب علينا أن نتدبره، لوجدنا أن الله -تبارك وتعالى- يذكر في آيات كثيرة: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران:137)، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} (النمل:69)، وهذا السير سواء كان حقيقيا أو اعتباريا هدفه النظر في عواقب الأمور، عاقبة المجرمين، عاقبة المكذبين، عاقبة الظالمين، عاقبة المفسدين، أمما كانوا أم أفراد، وذلك أن ما أصاب أؤلئك، سيصيب كل من سار على نهجهم، وارتكب خطأهم، هذه القوانين ثابتة نافذة، لا تحابي أحدا، ولا تتخلف عن أحد.
ويصوغ العلماء ذلك بقولهم: إن الله «لا يفرق بين المتماثلات ولا يساوي بين المختلفات»، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم:35-36). {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (ص:28)، {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} (القمر:43).
{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن:60). {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} (ق:14)، وذلك بعد أن ذكر قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعادا وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع.
أخذ صاحبي رشفة ماء واسترخى قليلا مسندا ظهره. - وهل هذه السنن، أو القوانين، يسير بها الكون، أعني الشمس والقمر، والأجرام السماوية، وغيرها؟ - نعم، وهناك تفصيل في هذا الأمر، سنن الله في الكون قهرية، لا دخل لأحد فيها: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس:40)، ولا يمنع نظامها إلا الله -عز وجل-؛ لإظهار معجزة أو نهاية العالم، فالنار تحرق، هكذا خلقت، أوقف الله هذه السنة لأجل (إبراهيم) -عليه السلام-، فجعلها بردا وسلاما، والشمس تشرق كل يوم من المشرق، وستبقى كذلك إلى أن يشاء الله ليوم القيامة، تطلع من المغرب، والعبد لا يبني حياته على المعجزات، بل على الأسباب والمسببات، هذه السنن الكونية وضعها الله -عز وجل-؛ لتستقيم حياة البشر جميعا، أما السنن والقوانين المتعلقة بالبشر، فإنها متعلقة بالأسباب وإرادة الإنسان، بمعنى افعل كذا، يحصل كذا، وذلك أن البشر لهم إرادة واختيار أما الكون فلا، الشمس والقمر والنجوم مسخرات مأمورات لا إرادة لهن ولا اختيار.
وسنن الله في البشر مبنية على وعده ووعيده وأمره ونهيه -سبحانه وتعالى-، فالعبد المؤمن على يقين بأن الله لا يهلك أمة وأهلها مصلحون. هذه قاعدة وردت في قوله الله -تعالى-: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}(هود:117).
والعبد المؤمن على يقين أن التمكين في الأرض يكون بأسباب، والنصر يكون بأسباب، والعزة تكون بأسباب، وكذلك الخذلان يكون لأسباب، والذلة تكون لأسباب، وهذه الأسباب هي اختيار الأفراد والأمم، وسنن الله تجري على الجميع.
- سؤال أخير، هل هذه الأمة أعني أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - تميزت عن غيرها بشيء؟ - نعم بشيء واحد لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها -أو قال من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا» (مسلم).



اعداد: د. أمير الحداد







ابوالوليد المسلم 31-07-2024 10:21 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (4) في القرآن


صاحبي متخصص في علوم اللغة، أستمتع بحديثه إذا شرح آية من كتاب الله -عز وجل-، قد تستمع إليه لأكثر من خمسين دقيقة وهو يتناول تفسير (سورة الكوثر)، ثلاث آيات فقط! اجتمعنا في المكتبة، الرواد الدائمون للمسجد، بعد صلاة العصر، وكنا صياما، بدأ الدكتور زياد حديثه.
- القرآن كتاب الله -عز وجل-، فيه الهدى والبيان، لكل ما يحتاجه العبد، فصّل ما يحتاج إلى تفصيل، وأوجز ما لا حاجة إلى زيادة بيان، في العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق، والعلاقات البشرية، كتاب كامل لا نقص فيه ولا عيب ولا زيغ، كما قال -تعالى-: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل:89). أخذ المصحف الذي كان أمامه، وقد وضع فيه قصاصات ليصل إلى الآيات التي يريد الاستشهاد بها.
- لو تتبعنا مادة (السنن) في كتاب الله، لوجدناها ترد في سياقين {سنة الأولين} (الأنفال:38 - الحجر:3- الكهف:55- فاطر:43)، و{سنة الله} (الإسراء:77- الأحزاب:62- فاطر:43- الفتح:23)، وكلام التعبيرين مترادفان؛ لأنهما يشيران إلى ما أنزل الله من العذاب بالأمم السابقة، ممن كذبوا أو استهزؤوا بالأنبياء، ولو تتبعنا بدقة كلمة (سنة)، لوجدنا أن هذا اللفظ ورد في ستة عشر موضعا، منها أربعة عشر موضعا بالإفراد، وموضع فيه بالجمع، وبتفصيل آخر، تسعة مواضع مضافة إلى الله -عز وجل- وموضع واحد مضاف إلى الرسل وأربعة مواضع مضافة إلى الأولين، وموضع واحد مضاف إلى (الذين من قبل)، وجاء في موضع واحد نكرة مجردا عن الإضافة بصيغة الجمع.
قطع حديثه الجاد مازحا. - هل تتابعون الأرقام، حتى تتأكدوا أن المجموع ستة عشر أم أن الصيام أتعبكم وتريدون الاستماع دون تركيز؟! أجبته: - بل كنت أجمع الأرقام: (14+2) و(9+1+1+4+1). - كنت أمزح معكم، لنرجع إلى موضوعنا (سنن الله).
- هذه الكلمة توزعت في عشر سور، خمس منها مكية، وهي: (الحجر والإسراء والكهف وفاطر وغافر)، وخمس مدنية، وهي: (آل عمران، والنساء، والأنفال، والأحزاب، والفتح)، وهي الآيات التي وضعت القصاصات عندها في هذا المصحف. ولو أردنا أن نلخص محور هذه الآيات يمكن أن نقول: إنها أخبار عن نهوض الأمم وسقوطها، وربط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائح بطريقة أشبه ما يكون بالمعادلات الرياضية التي تحكم عالم المادة، هذه الآيات تحض المؤمنين على السير في الأرض -سيرا حسيا أو معنويا، للتفكر في أحوال هذه الأمم، وفيها حض للتفكر وإعمال العقل، ليلتفت إلى السنن التي توجه الأحداث. وغاية هذه الآيات الإيمان بالسنن الإلهية والعمل بمقتضاها، أفرادا ومجتمعات وأمما، وإليكم بعض الآيات، وأنصح بقراءة تفسيرها: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} (الأنفال:38).
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} (فاطر). {وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلً} (الإسراء). {مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب).
{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً} (الأحزاب). {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً} (الفتح). {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (آل عمران).
{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء). ومن الآيات التي ذكرت سننا إلهية دون استخدام (سنن): {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران:160). {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7).
{لَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج). {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة:21). وغيرها كثير في كتاب الله فلنتدبرها.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 06-08-2024 07:38 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (5)

كألف سنة مما تعدون



صاحبي من محبي السفر بالمركبة، لدى (صندوق السفر)، يحتوي على كل ما يحتاجه للطريق، متقاعد غير مرتبط بأي شيء، يتخذ قرار السفر آنيا، مجرد أن يجد من يرافقه، وبالطبع لديه المرافق الدائم (أبو أحمد).
- بعد عمرتنا الآخرة، ذهبنا إلى مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم -، صلينا الظهر في مسجد قباء، ثم العصر والمغرب والعشاء والفجر في المسجد النبوي، بعد الإفطار اقترح علي صاحبي، أن نرى مدينة «العلا»، لكثرة ما تذكر هذه الأيام، وبالفعل توكلنا على الله، بعد أن أخذنا الأسباب، وعرفنا المسافة والطريق، المسافة قريبة، ثلاثمائة كيلو مترا، قطعنا بساعتين ونصف الساعة، مدينة فيها الكثير من الآثار والتضاريس الجبلية الجميلة، زرنا متحف مرايا ومجمع الفريد الذهبي، وقررنا المبيت في (باينان ترى العلا)، في اليوم التالي، زرنا السوق الشعبي بالعلا القديمة، وجبل الفيل، ومحطة سكة حديد الحجاز، وبعدها ديار ثمود قوم صالح.
- وماذا رأيتم في ديار ثمود قوم صالح؟ كان صاحبي يحدثني باستمتاع؛ لأنها المرة الأولى التي يرى فيها ديار ثمود، ويظن أنه رأى الجبل الذي خرجت منه الناقة.
- قضينا أربع ساعات نتجول في هذه المناطق، ونرى كيف أصبحت بعد أن كانت مركزا لحضارة عظيمة يوما ما. عقبت على شرح صاحبي المسهب. - يقول الله -تعالى-: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (الحج:45-47).
في تفسير هذه الآيات: {كأين} عدد كبير من القرى الظالمة أهلكها الله، وهذه سنة من سنن الله في خلقه، إهلاك القرى الظالمة، وإبقاء القرى المصلحة.
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود:117)، وهذه السنة الإلهية لا يلتفت إليها الناس؛ لأنها تقع على مدى زمني طويل يمتد لمئات السنين فلا يراها الفرد، ولكن يراها من يتدبر التاريخ الممتد، وقوله -تعالى-: {أفلم يسيروا في الأرض}، أمر بالسير الحسي أو المعنوي، ولكن ينبغي أن يكون سيرا بقلوب تعقل وآذان تسمع، وإلا فإنهم لن يعتبروا بهذا المسير، وذلك أن هذه السنة (إهلاك الأمة الظالمة)، -ولاسيما إذا كان ظلمها الكفر بأنبياء الله- سنة ماضية إلى يوم القيامة، ولذلك ختم الله هذه الآيات بقوله: {ويستعجلونك بالعذاب}، والله -عز وجل- (حليم) لا ينزل عذابه لأجل عناد الظالمين، كما قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال). وبين -سبحانه- أن إهلاكه للأمم إنما يكون بأيام الله، التي هي كألف سنة مما يعد البشر.
- هل هذه سنة دائمة وقانون ثابت لله -عز وجل- في الأمم الظالمة؟ - نعم، دون شك، هذه سنة إلهية لا تتوقف ولا تتبدل ولا تحابي أحدا، المرء قد يرى هلاك الظالمين (الأفراد)، كهلاك فرعون، وقارون، وأبي جهل، ونمرود، فتكون ميتتهم عبرة للظالمين جميعا، وآية لجميع الخلق، حتى لا يتطاول العبد على الله -عز وجل-، فيكون هلاكهم بعد خمسين سنة أو مئة أو أكثر، ولكن الظالم يهلكه الله، والقرية الظالمة يهلكها الله، ولا شك أن أعظم الظلم قتل الأنبياء والشرك بالله برد دعوتهم، كما في الحديث عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -عز وجل- يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}» (متفق عليه).
- بعض المفردات تحتاج إلى مزيد بيان، مثلا (خاوية على عروشها) (بئر معطلة) (قصر مشيد). (بئر معطلة)، نابعة الماء ولا ينتفع بها؛ لأن أهلها هلكوا، وقيل دفنت لهلاك أهلها. (قصر مشيد)، بناء مبني بالحجارة والجص، خلا من سكانه.



اعداد: د. أمير الحداد







ابوالوليد المسلم 16-08-2024 09:59 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (6) سنة الله في الرزق


- في طريق رجوعي إلى البيت، فاجأتني حفرة لم أستطع تفاديها؛ مما أدى إلى إتلاف إطار مركبتي الخلفي، توقفت على جانب الطريق السريع، حمدت الله أن الأمر مر بسلام دون حادث مروري. بحثت في هاتفي وفيه أرقام طوارئ الماء والكهرباء وخدمة الطريق والأعطال الصحية والكهربائية وغيرها، الرقم الأول كان مفصولا عن الخدمة، والثاني لا يرد، والثالث خطأ، شاء الله أن تمر بي الشاحنة التي تنقل المركبات المتعطلة، ونسميها في الكويت (سطحة)، صاحبها يقودها دون تخطيط مسبق، ينتظر إلى أن يرزقه الله بمركبة متعطلة على قارعة الطريق.
بعد أن استوت مركبتي على (السطحة)، وأخذت مكاني بجانب السائق، فتحت معه الحوار: - اتصلت قبل أن تصل بخمس جهات، لم أوفق معها، رد علي: - لقد كان مقدرا لك، أن تكون سببا لرزقي دون غيري، قالها مبتسما، أبو زياد، تابع حديثه: - للتو أنزلت مركبة وكنت في طريقي إلى مركز الانتظار، ورأيتك وسوف أوصلك إلى مكان تغيير الإطارات، ثم أمضي، واليوم هو آخر يوم عمل لي؛ حيث حجزت للسفر غدا لرؤية أبنائي الذين لم أرهم منذ أربع سنوات، لمشكلات إدارية بين الشركة والجهات الحكومية.
- سهل الله لك أمرك، ورزقك وبارك لك. - عملنا فيه من التوكل على الله، ما لم أكن أدركه من قبل، أخرج في الصباح، ولا أعلم كم سأجني، أسعى في الطرقات، أنتظر رنة الهاتف، من الصباح الباكر إلى الساعة العاشرة ليلا، ربما أرتاح ساعة بعد صلاة الظهر، حين تزدحم الطرقات، أحيانا يمضي نصف اليوم دون أن أرزق بدينار واحد، وأحيانا لا أكاد أتوقف عن نقل مركبات متعطلة، وأجني أكثر من مئة دينار، في يوم واحد، أيقنت أن على العبد السعي، وعلى الله الرزق، كما قال -تعالى-: {وفي السماء رزقكم}. لم يكمل أبو زيادة الآية.
- صدقت يحتاج العبد أن يذكر نفسه أن الرزق بيد الله وأن رزقه سيناله لا محالة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم» (صحيح ابن ماجه)، وفي الحديث عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله» (صحيح الجامع). قاطعني أبو زياد.
- سبحان الله، هذه أول مرة أسمع هذا الحديث، فالجميع يعلم أن الأجل آت في موعده دون تقديم أو تأخير، الرزق أشد طلبا للعبد من رزقه؟ سبحان الله. - نعم، هو كذلك. قاطع أبو زياد تعليقه، وهو يناولني ورقة.
- لو سمحت اكتب لي نص هذا الحديث. - فعلت، ووضع الورقة بجانبه.
- سأطبع هذا الحديث وأعلقه أمامي.
وإليك حديث آخر.
عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أن ضيفا نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما لضيفه، فلم يجد عند واحدة منهن شيئا، فقال: «اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يمكلها إلا أنت»، قال: فأهدي إليه شاة مصلية (مشوية)، فقال: «هذه من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة» (السلسلة الصحيحة).
- أحاديث جميلة تريح القلب، مع أن بعض زملائي في هذه المهنة، يتذمرون إذا مر يوم، ولم يجن ما كان يرجو من المال، وأنا أقول لهم دائما {وفي السماء رزقكم}.
- هذه سنة الله في الرزق، أن العبد يبذل ما يستطيع في السعي لنيل الرزق الحلال، ويترك الأمر لله، موقنا بأن الله سيرزقه، فيكون بهذا المبدأ، يؤمن بأن الرزق مكتوب مقدر، قبل خلق السماوات والأرض، وأنه ينزل بأسبابه، فسنة الله قائمة على السببية والتعليل، وأن زيادة الرزق أو نقصانه إنما هو بحكمة الله -عز وجل-، كما قال -تعالى-: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (العنكبوت:62). وتذييل هذه الآية بقوله -سبحانه-: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، تغني العبد عن أي اعتراض.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 27-08-2024 12:24 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (4) في القرآن


صاحبي متخصص في علوم اللغة، أستمتع بحديثه إذا شرح آية من كتاب الله -عز وجل-، قد تستمع إليه لأكثر من خمسين دقيقة وهو يتناول تفسير (سورة الكوثر)، ثلاث آيات فقط! اجتمعنا في المكتبة، الرواد الدائمون للمسجد، بعد صلاة العصر، وكنا صياما، بدأ الدكتور زياد حديثه.
- القرآن كتاب الله -عز وجل-، فيه الهدى والبيان، لكل ما يحتاجه العبد، فصّل ما يحتاج إلى تفصيل، وأوجز ما لا حاجة إلى زيادة بيان، في العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق، والعلاقات البشرية، كتاب كامل لا نقص فيه ولا عيب ولا زيغ، كما قال -تعالى-: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل:89). أخذ المصحف الذي كان أمامه، وقد وضع فيه قصاصات ليصل إلى الآيات التي يريد الاستشهاد بها.
- لو تتبعنا مادة (السنن) في كتاب الله، لوجدناها ترد في سياقين {سنة الأولين} (الأنفال:38 - الحجر:3- الكهف:55- فاطر:43)، و{سنة الله} (الإسراء:77- الأحزاب:62- فاطر:43- الفتح:23)، وكلام التعبيرين مترادفان؛ لأنهما يشيران إلى ما أنزل الله من العذاب بالأمم السابقة، ممن كذبوا أو استهزؤوا بالأنبياء، ولو تتبعنا بدقة كلمة (سنة)، لوجدنا أن هذا اللفظ ورد في ستة عشر موضعا، منها أربعة عشر موضعا بالإفراد، وموضع فيه بالجمع، وبتفصيل آخر، تسعة مواضع مضافة إلى الله -عز وجل- وموضع واحد مضاف إلى الرسل وأربعة مواضع مضافة إلى الأولين، وموضع واحد مضاف إلى (الذين من قبل)، وجاء في موضع واحد نكرة مجردا عن الإضافة بصيغة الجمع.
قطع حديثه الجاد مازحا. - هل تتابعون الأرقام، حتى تتأكدوا أن المجموع ستة عشر أم أن الصيام أتعبكم وتريدون الاستماع دون تركيز؟! أجبته: - بل كنت أجمع الأرقام: (14+2) و(9+1+1+4+1). - كنت أمزح معكم، لنرجع إلى موضوعنا (سنن الله).
- هذه الكلمة توزعت في عشر سور، خمس منها مكية، وهي: (الحجر والإسراء والكهف وفاطر وغافر)، وخمس مدنية، وهي: (آل عمران، والنساء، والأنفال، والأحزاب، والفتح)، وهي الآيات التي وضعت القصاصات عندها في هذا المصحف.
ولو أردنا أن نلخص محور هذه الآيات يمكن أن نقول: إنها أخبار عن نهوض الأمم وسقوطها، وربط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائح بطريقة أشبه ما يكون بالمعادلات الرياضية التي تحكم عالم المادة، هذه الآيات تحض المؤمنين على السير في الأرض -سيرا حسيا أو معنويا، للتفكر في أحوال هذه الأمم، وفيها حض للتفكر وإعمال العقل، ليلتفت إلى السنن التي توجه الأحداث.
وغاية هذه الآيات الإيمان بالسنن الإلهية والعمل بمقتضاها، أفرادا ومجتمعات وأمما، وإليكم بعض الآيات، وأنصح بقراءة تفسيرها: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} (الأنفال:38).
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} (فاطر).
{وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلً} (الإسراء).
{مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب).
{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً} (الأحزاب).
{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلً} (الفتح). {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (آل عمران). {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا} (النساء).
ومن الآيات التي ذكرت سننا إلهية دون استخدام (سنن): {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران:160). {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7).
{لَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج).
{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة:21).
وغيرها كثير في كتاب الله فلنتدبرها.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 27-08-2024 12:27 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (8) سنة التغيير


- يقول -تعالى-: {لهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (الرعد:11)، ويقول -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال:53).
هذه سنة أخرى من سنن الله في الأفراد والمجتمعات، (قانون التغيير)، كان محدثنا أحد طلبة العلم، حديث التخرج من الجامعة الإسلامية في المدينة، حصل على الدكتوراه بأطروحة عنوانها: (سنن الله في كتاب الله)، لم يكن الحضور كثيرا، ربما مئة أو أقل، وذلك أن المحتوى علمي، والحضور من طلبة الشيخ في المعهد.
تابع الشيخ حديثه. - التغيير هو الانتقال من حال إلى حال، وهذا يشمل الأفراد والأمم وآية الرعد وردت في معرض التحذير والتهديد، وذلك يشمل تغيير العز إلى ذل، والتمكين إلى التشريد، والرخاء إلى شقاء، والخوف إلى أمن، والقلق إلى اطمئنان، إذا أراد العبد أن يغير الله حاله، لابد أن يتغير، والآية فيها تهديد للكفار، ألا يسترسلوا في غيهم، ويقولوا: «إذا رأينا العذاب آمنا»؛ فإن عذاب الله إذا جاء (فلا مرد له)، وهذا كقوله -عز وجل-: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (يونس:98)، وهذه الآية حجة على من كان على ضلال، بزعم أن الله لو هداني لاهتديت، كما قال الله -عز وجل- عن المشركين: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} (إبراهيم:21).
فالعبد الذي يريد الهداية يبذل أسبابها، وسيهديه الله، ومن كان على ضلال، يجب أن يغير حاله، حتى يغيره الله، فالبداءة من العبد، والتوفيق بعد ذلك من الله، كما في الحديث: «ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة..» (البخاري)، وهكذا الأمم، إن كانت بعيدة عن الله، فإن الله يتركها على ما هي فيه بعد أن يقيم عليها الحجة، سابقا، بإرسال الرسل، والآن الحجة قائمة، بكتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فالأمة التي تريد أن يتغير حالها من الذل إلى العزة، يجب أن تتغير إلى ما يريد الله -تعالى-، والتي تريد الأمن والاستقرار بعد الخوف والتشرذم، يجب أن تتغير حتى يغير الله حالها، وهكذا هذه سنة كونية نافذة: (من أراد تغيير حاله، يجب أن يبدأ بالتغيير في ذاته).
أما آية سورة الأنفال، فقد وردت في معرض بيان حال النعمة وأتت هذه الآية بعد ذكر مصير آل فرعون والذين من قبلهم، يقول -تعالى-: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (آل عمران:11)، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الآنفال:53)، ثم ذكر آل فرعون: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} (الآنفال:54)؛ فهي آية بين آيتين عن آل فرعون والذين كفروا. في التفسير: «وأن قوم فرعون والذين من قبلهم كانوا من جملة الأقوام الذين أنعم الله عليهم، فتسببوا بأنفسهم في زوال النعمة، كما قال -تعالى-: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص:58)، وهذا إنذار لقريش، يحل بهم ما حل بغيرهم من الأمم الذين بطروا النعمة» (التحرير والتنوير) وفي تفسير السعدي.
{ذلك} العذاب الذي أوقعه الله بالأمم المكذبين، وأزال عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم، بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بأنفسهم، فإن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم من نعم الدين والدنيا، بل يبقيها ويزيدهم منها، إن ازدادوا له شكرا، {حتى يغيروا ما بأنفسهم} من الطاعة إلى المعصية فيكفروا نعمة الله ويبدلوها كفرا، فيسلبهم إياها ويغيرها عليهم كما غيروا ما بأنفسهم.
ولله الحكمة في ذلك والعدل والإحسان إلى عباده؛ حيث لم يعاقبهم إلا بظلمهم؛ وحيث جذب قلوب أوليائه إليه، بما يذيق العباد من النكال إذا خالفوا أمره.
{وأن الله سميع عليم} يسمع جميع ما نطق به الناطقون، سواء من أسر القول ومن جهر به، ويعلم ما تنطوي عليه الضمائر، وتخفيه السرائر، فيجري على عباده من الأقدار ما اقتضاه علمه وجرت به مشيئته.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 05-09-2024 07:52 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (9) الأسباب والمسببات


- نعم، الله قادر على أن يرزقك مليون دينار، وبين يوم وليلة تصبح ثريا واسع الثراء، تملك كل ما يخطر على بالك، ولكن أفعال الله -عز وجل- ليست عشوائية، فهو الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه الصحيح، العليم الذي يفعل كل شيء وفق علم محيط بكل شيء؛ ولذلك جعل لكل أحداث الحياة أسبابا، خلق قانون الأسباب والمسببات، مع تذكيره عباده ألا ينسوا الله، وهم يتعاملون مع هذا القانون. أخي الأصغر (جابر) يحلم بأمور كثيرة، أصفها بأنها مجرد (أماني)، أحلامه تتطلب أمورا كثيرة لا يملكها، ولا يملك الجهد ليبذله من أجل تحصيلها.
- الماديون يؤمنون بالأسباب والمسببات مطلقا، بمعنى تفعل كذا يحصل كذا، وهذه النظرة المادية، يجب أن تكون عند المؤمن، مع إضافة الاستعانة بالله والتوكل عليه لتحقيق الأهداف، مثلا: إذا اجتمعت ظروف معينة، يتكون السحاب في السماء، وإذا أضيفت لها ظروف أخرى، نزل المطر، ولكن وراء كل ذلك، إرادة الله، كما قال -تعالى-: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} (فاطر:9)، ويقول -تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأعراف:57). كان (جابر) ينصت إنصات التلميذ الذي يحاول أن يفهم شرح الدروس من معلمه.
- فالإنسان يتعلم هذه الأسباب حتى يتمكن بتنبؤ الأحوال الجوية، وعلم البشر محدود، مهما تقدموا؛ فالله -عز وجل- يعلم بسقوط كل قطرة ماء، متى وكيف؟ ولله المثل الأعلى، فعلم الأرصاد الجوية ليس من علم الغيب، وإنما من الأسباب والمسببات، وكلما عرف البشر تفاصيل الأسباب كان تنبؤهم أدق.
- دعنا من الظواهر الكونية، نعلم أنها كلها أسباب ومسببات من عند الله، الليل والنهار، الصيف والشتاء، الشمس والقمر، ماذا عن الأمور التي تخص البشر؟ الرزق مثلا.
- الأهم من الرزق، الهداية، وذلك أن كثيرا من الناس يحتج بآيات من كتاب الله بأن الهداية من الله، ولا دخل للإنسان فيها، وهذا خطأ فادح، وذلك: «أن من طلب الهداية بصدق وبذل أسبابها الصحيحة، ينال الهداية»، بتوفيق الله مع بالأسباب.
قاطعني: - ولكن آيات كثيرة، عن كتاب الله ورد فيها: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (البقرة:272). {لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (النور:46).
أخذ صاحبي يبحث في هاتفه، وهذه آيات أخرى: {إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (فاطر:8). {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (المدثر:31).
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (إبراهيم:4). استوقفته.. - هذه الآيات وغيرها التي تذكر مشيئة الله، (من يشاء)، تحمل على مشيئة الله (ليست عشوائية)، وضع عشرة خطوط تحت هذه (ليست عشوائية)، بل بحكمة وعلم ولطف ورحمة، العبد الذي يبذل أسباب الهداية، وهي الإخلاص والصدق واتباع الرسول وتطبيق أوامر الله، يهديه الله، والذي يعرض عن الصلاة والقرآن وأوامر الله، يتركه الله لما اختار، وهذا معنى (يضله الله)، أسباب الهداية، تؤدي للهداية، وأسباب الضلال تؤدي إلى الضلال، وهذه الآيات تشبه الآيات الأخرى التي تذكر مشيئة الله، مثل قوله -تعالى-: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (المائدة:40)، فهل يعذب الله الصالحين، المؤمنين، التائبين، كلا، وهل يغفر للمشركين، كلا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء:48). الله خلق الأسباب والمسببات، أمرنا أن نأخذ بها دون أن ننسى خالق الأسباب والمسببات، هذه هي العقيدة الصحيحة، أما التعلق المادي التام بالأسباب، فإنه إلحاد، وإن كان يؤدي إلى التقدم والرفعة والتمكن في الحياة الدنيا، وإما إلغاء الأسباب والمسببات والتقاعس، فإنه يؤدي إلى الهلاك والضلال والضياع في الدنيا والآخرة، كما قال الله -تعالى- عن المشركين: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}(الأ نعام:148).
وكذلك: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النحل:35). خلاصة الأمر يا (أبا جراح)، أن الله جعل لهذا الكون وللمجتمعات وللأفراد قانونا وسنة إلهية هي الأسباب والمسببات، إذا توفرت الأسباب تحققت النتائج، في الظواهر الكونية، البشر يتعلمونها ليتأهلوا للاستعداد لما سيأتي، وفي المجتمعات والأفراد، ينبغي أن يأخذ المرء بالأسباب حتى يعيش كما يرضى الله، ويموت على ما يرضي الله، إن كان يريد الخير لنفسه ولمجتمعه.



اعداد: د. أمير الحداد

ابوالوليد المسلم 10-09-2024 09:58 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (10) سنة المدافعة


في مجلس خاص جمعني وثلاثة من الأصدقاء القدامى، زملاء الدراسة في المرحلة الجامعية الأولى، طرحت موضوع السنن الإلهية.
- هل تصنفه ضمن مواضيع العقيدة؟ - نعم، ولست أنا الذي يصنف، وإنما هكذا تكلم عنه العلماء المختصون؛ وذلك أنه يتعلق بالله -عز وجل-، سنن الله في الكون والأفراد والمجتمعات.
- لا نسمع كثيرا من يتحدث عنه، ولا نرى كتبا تشرحه كما في أبواب العقيدة الأخرى، مثل التوحيد والشرك والأسماء والصفات والنفاق والتوسل والشفاعة، وغيرها.
- أظنك أصبت يا (أبا فهد)، رغم أهمية الموضوع، من درسه حق دراسته يستطيع أن يستشرف النتائج قبل وقوعها، وإذا عرفها المؤمن يطمئن قلبه ويعلم أن الله -عز وجل- (بالغ أمره)، ويرى حكمة الله وعدله في البشر، دون محاباة، وذلك أن سنة الله ثابتة ومنها: عدم التفرقة بين المتماثلات وعدم التسوية بين المختلفات كما قال -تعالى-: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين}.
كان مضيفنا هو أبو عبدالله (أنور)، وأبو عبدالله (علي) رابعنا، كان الحوار هادئا هادفا مفيدا، كعادتنا في هذه المجموعة. تدخل أبو فهد (عبدالرحمن): - أسمع عن سنة (التدافع)، ولم أبحث أو أقرأ عنها، فهل لك أن تبينها، إن كنت بحثتها؟ - نعم، (سنة التدافع) هي من قول الله -تعالى-: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة:251)، وتسمى (سنة المدافعة)، أو الصراع بين الحق والباطل، وهي سنة ماضية إلى يوم القيامة، تكون بالحجة والكلام والسلاح، وبكل أنواع المدافعة والصراع، يقول الله -تعالى-: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا} (الكهف:56)، وفعل المضارع (يجادل) يدل على الاستمرارية والدوام، ويذكر الله -عز وجل- نتيجة هذه المجادلة في الأمم السابقة في سورة غافر: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} (غافر:5).
وفي سورة الحج يقول -تعالى-: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40).
- دعوني أقرأ لكم ما ظهر لي في الهاتف بعد البحث وأنت تتناقشون. أخذ (أبو عبدالله) يقرأ من هاتفه: - في لسان العرب، الدفع: الإزالة بقوة، وتدافع القوم: دفع بعضهم بعضا، والمدافعة: المزاحمة، والاندفاع: المضي في الأمر، أما في سنن الله، التدافع بين الحق والباطل، لا بد منه لأنهما ضدان، والمقصود التدافع بين أهل الحق وأهل الباطل وذلك أن وجود أحدهما يستلزم إزالة الآخر؛ فلا يتصور أن يعيش أهل الحق وأهل الباطل في سلم من دون غلبة أحدهما على الآخر إلا لعلة، كضعف أصحابهما أو جهلهم أو ضعف تأثير علمهم عليهم.
- كلام جميل! وهنا يجب أن نبين أن للباطل قوة، لذلك لا بد للحق من قوة تحميه وتنصره، كما قال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} (الأنفال:36)، والحق لا ينتصر لمجرد أنه حق، بل يجب أن تكون له قوة مادية، وأسباب دنيوية تنصره على الباطل، فإذا بذل أهل الحق الأسباب، انتصروا وإلا فلا نصر، وقول الله - عز وجل-: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (الإسراء:81)، هذا بعد بذل الأسباب، وليس من فراغ، كما في قوله -تعالى-: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (الأنبياء:18). في تفسير الزمخشري: «ومن سنة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق بكلماته أي بوحيه أو بقضائه».
وفي التحرير والتنوير: معنى الآية: أنه لولا وقوع دفع بعض الناس بعضاً بتكوين الله وإيداعه قوة الدفع وبواعثه في الدافع لفسدت الأرض، أي من على الأرض، واختل نظام ما عليها، ذلك أن الله -تعالى- لما خلق الموجودات التي على الأرض من أجناس وأنواع وأصناف، خلقها قابلة للاضمحلال، وأودع في أفرادها سننا دلت على أن مراد الله بقاؤها إلى أمد أراده، ثم إنه -تعالى- جعل لكل نوع من الأنواع، أو فرد من الأفراد خصائص فيها منافع لغيره ولنفسه ليحرص كل على إبقاء الآخر، فهذا ناموس عام، وجعل الإنسان بما أودعه من العقل هو المهيمن على بقية الأنواع.
وأعظم مظاهر هذا الدفاع هو الحروب؛ فبالحرب الجائرة يطلب المحارب غصب منافع غيره، وبالحرب العادلة ينتصف المحق من المبطل.
والآية مسوقة مساق الامتنان، فلذلك قال -تعالى-: {لفسدت الأرض} لأنا لا نحب فساد الأرض؛ إذ في فسادها بمعنى فساد ما عليها اختلالُ نظامنا وذهاب أسباب سعادتنا، ولذلك عقبه بقوله: {ولكن الله ذو فضل على العالمين}.
وأما قوله -تعالى-: {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ هَدِّمَتْ صوامع وَبِيَعٌ وصلوات ومساجد يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّه مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. اعتراض بين جملة {أذن للذين يقاتلون} (الحج: 39) إلخ، وبين قوله: {الذين إن مكناهم في الأرض} (الحج:41) إلخ، فلما تضمنت جملة: {أذن للذين يقاتلون} (الحج:39) إلخ، الإذن للمسلمين بدفاع المشركين عنهم أتبع ذلك ببيان الحكمة في هذا الإذن بالدفاع ، مع التنويه بهذا الدفاع ، والمتولين له بأنه دفاع عن الحق والدين ينتفع به جميع أهل أديان التوحيد من اليهود والنصارى والمسلمين، وليس هو دفاعاً لنفع المسلمين خاصة.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 21-09-2024 08:14 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (11) سنة الله في المكر والماكرين (قانون المكر)


يصفني صاحبي بـ(البيتوني)، قلما تجدني خارج المنزل بعد صلاة العشاء، إلا لتلبية دعوة زفاف، أو قضاء حاجة ضرورية، أو مع الخواص بين فترة وأخرى.
دعاني للعشاء بمناسبة منزله الجديد، كانت دعوة خاصة مع صديق مشترك بيننا، ورابع لم ألتقه من قبل (أبو وائل)، بعد التعارف والمعتاد من الأحاديث، سألني: - أنا من المتابعين لكتاباتك، وأكثر ما أحببت كلامك عن الأسماء والصفات؛ حيث كنت من المتخوفين من الخوض في هذا الباب؛ لأنه يتعلق بالله -عز وجل-، تعرف الشعور بأنك ترغب أن تتعلم وفي الوقت نفسه تخاف أن تقرأ شيئا وتفهمه بطريقة خطأ، فتوقف؟.. هكذا كان موقفي من هذا الباب، بصراحة.
أعجبني صدق أبى وائل، مع أنني لم ألتقه من قبل، تابع حديثه، بينما كنا أنا وأبو أحمد وأبو سعد نستمع: - مثلا، قوله -تعالى-: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30)، وقوله -تعالى-: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آل عمران:54)، كنت أتوقف عند هاتين الآيتين وأمثالها، و(أخاف) أن أقرأ تفسيرها، فأتركها وأؤمن بها، مع أن في النفس شيئا.
سكت قليلا، ينتظر تعليقنا، كان مضيفنا (أبو أحمد)، أول المعلقين.
- لقد اطلعت على ما قبل في هذه الآية، من سورة الأنفال، وذلك أن أولها: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
في اللغة، المكر تدبر بالخفاء يفضي بالممكور به إلى ما لا يحب؛ فالكفار كانوا يخططون لأسر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قتله أو إخراجه خفية، والله محيط بما يعملون، وفي المقابل يأتي تدبير الله بحفظ نبيه ونجاته ويُسقَط في أيدي من أرادوا المكر به، فنسبة المكر لله، صفة مدح وثناء؛ لأنه يدبر لصالح أوليائه، وضد أعدائه، واستخدم اللفظ ذاته من باب المماثلة، ولا يمكر الله -عز وجل- إلا بمن يستحق ذلك؛ فهي صفة مقيدة بفئة محددة من أعداء الله.
تدخلت هنا. - ولله -عز وجل- سنة نافذة، في المكر والماكرين، بمعنى قانون ثابت لا يتغير ويتعطل ولا يحابي، مجمل هذا القانون، {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} (فاطر:43).
طلب (أبو سعد) تفصيلا، تدخل مضيفنا.
تابعت حديثي: - حتى نفهم الموضوع نبدأ بهاتين الآيتين وتمامهما: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر).
وقوله -تعالى- في سورة الأنعام: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام:123). في هذه الآية يبين الله -عز وجل- أن (أكابر المجرمين) هم الذين يمكرون بالناس؛ وذلك حتى لا يظهر الحق، وحفاظا على رئاستهم ومكانتهم وجاههم وسلطانهم، كما يفعل (الملأ)، من كل قوم، ووردت كلمة (المكر) بتصريفاتها أربعا وأربعين مرة، في كتاب الله، وبتتبع الآيات نجد أن المكر وقع في الماضي، للأنبياء والصالحين، وسوف يقع دائما في المجتمعات، إلى يوم القيامة، ومكر الطغاة والظالمين بأهل الحق، ويرجع عليهم، دائما، وهذا (قانون إلهي)، {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} (النحل:26)، ويغفل هؤلاء الماكرون أن مكرهم مرصود، معلوم، ولكنهم لا يفقهون: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} (يونس:21)، فهو خزي لهم في الدنيا، وعذاب لهم يوم القيامة.
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} (فاطر:10).
قاطعني (أبو سعد): - أفهم من كلامك أن المكر يقوده (الأكابر) و(الملأ)، وعلية القوم الذين لهم القوة والسلطة والسطوة؟! - نعم، وذلك أنهم يريدون أن يخفوا ويغلفوا أذاهم وعذابهم للصالحين والمصالحين وأهل الحق، كما قال -تعالى-: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (النمل:48-52)؛ فالأقوام الذين مكروا بالأنبياء أهلكهم الله، وجعلهم عبرة، وبعد ختام الأنبياء، من يمكر بأهل الحق والمصلحين من الناس، ينال جزاء مكره، (وكل مكر سيء يرجع على أهله) حتى بين عامة الأفراد! {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}! وهذه الآيات تبعث الطمأنينة في قلوب المؤمنين، أن أعداء الله يمكرون بأهل الحق، والله -عز وجل- يمكر بأعداء الحق، وشتان بين مكر الأفراد، ومكر الله، وهذا المحور يثبته الله بقوله: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30)، {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر:43)، فهو قانون ثابت نافذ إلى يوم القيامة، في تفسير المنار، للشيخ محمد رشيد رضا: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (آل عمران).
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ} أي ومكر أولئك الذين أحس عيسى منهم الكفر به، فحاولوا قتله وأبطل الله مكرهم فلم ينجحوا فيه، وعبر عن ذلك بالمكر على طريق المشاكلة، كذا قال الجمهور.
ولكن ورد في سورة الأعراف إضافة المكر إلى الله - تعالى - من غير مقابلة بكر الناس، قال: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، والمكر في الأصل: التدبير الخفي المفضي بالممكور به إلى ما لا يحتسب، ولما كان الغالب أن يكون ذلك في السوء؛ لأن من يدبر للإنسان ما يسره وينفعه لا يكاد يحتاج إلى إخفاء تدبيره، غلب استعمال المكر في التدبير السيئ وإن كان في المكر الحسن والسيء جميعا قال -تعالى-: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، ووجه الحاجة إلى المكر الحسن أن من الناس من إذا علم بما يدبر له من الخير أفسد على الفاعل تدبيره جهله فيحتاج مربيه أو متولي شؤونه إلى أن يحتال عليه ويمكر به ليوصله إلى ما لا يصح أن يعرفه قبل الوصول؛ إذ يوجد في الماكرين الأشرار والأخيار والله خير الماكرين؛ فإن تدبيره الذي يخفى على عباده إنما يكون لإقامة سننه وإتمام حكمه، وكلها خير في نفسها، وإن قصر كثير من الناس في الاستفادة منها بجهلهم وسوء اختيارهم.
فالذين كانوا يمكرون السيئات لمقاومة إصلاح الرسل حرصا على رياستهم وفسقهم وفسادهم لم يكونوا يشعرون بأن عاقبة مكرهم تحيق بهم لجهلهم بسنن الله -تعالى- في خلقه، وهم جديرون بهذا الجهل، وأما قوله -تعالى-: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، فهو بيان حالتهم العامة الدائمة في معاملته - صلى الله عليه وسلم - هو ومن اتبعه من المؤمنين بعد التذكير بشر ما كان منها في مكة، ولذلك لم يقل: (ويمكرون بك) أي: وهكذا دأبهم معك، ومع من اتبعك من المؤمنين، يمكرون بكم ويمكر الله لكم بهم كما فعل من قبل؛ إذ أحبط مكرهم، وأخرج رسوله من بينهم إلى حيث مهد له في دار الهجرة، ووطن السلطان والقوة، {والله خير الماكرين}؛ لأن مكره نصر للحق، وإعزاز لأهله، وخذل للباطل، وإذلال لأهله، وإقامة للسنن، وإتمام للحكم، ومن الدعاء المرفوع: «وامكر لي ولا تمكر علي» (صحيح ابن ماجه).



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 25-09-2024 06:31 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (12) سنة الابتلاء


- هل لابد من ابتلاء المؤمن؟ ونزول المصائب عليه؟ - نعم، لا مفر من ذلك، وهذه سنة إلهية، وردت في كتاب الله -تعالى- وفي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم .
كما قال -تعالى-: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة:214)، وقال -تعالى-: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:142).
وقال -تعالى-: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} (العنكبوت:11)، أي يتحقق علم الله، ويظهر بتمييز المؤمنين عن المنافقين.
وفي الحديث: عن مصعب بن سعد عن أبيه قال:« قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقه، خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة» (السلسلة الصحيحة).
زميلي في العمل، من بلاد الشام، حاصل على الهوية الألمانية، والتحق بالعمل معنا منذ ثلاث سنوات، يناقشني بين فترة وأخرى في العقيدة.
- لا أفهم هذه النقطة، المنطق يقول: إن أتباع الرسل يعيشون حياة طيبة هادئة، مريحة، والكفار ينبغي أن ينالوا الشقاء والتعب، هذا هو المنطق الذي يعيش عليه الغرب عموما.
لم أستغرب منطقه، لطول عيشه في ألمانيا، وقلة علمه بقضايا العقيدة.
- هذه فكرة بشرية، ينشرها بعض الناس لتجيب البشر بالتزام أوامر الله، سواء في النصرانية أو الإسلام، ولكنها فكرة لا تتفق والقوانين والسنن الإلهية التي وضعها الله لخلقه، والابتلاء لا يعني المصائب فحسب، بل يبدأ البلاء بمخالفة دواعي النفس والطبع، كالاستيقاظ لصلاة الفجر، والالتزام بأداء الصلوات في أوقاتها، وكذلك بالمرض، والخوف، كما قال -تعالى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:١٥٥-١٥٧)، والعقيدة أن هذه الدنيا دار ابتلاء.
قاطعني: - نعم دار ابتلاء، بمعنى دار اختبار وامتحان، ولكن ليس (دار مصائب).
ابتسمت لمقولته: - الاختبار يكون بما شاء الله بالخير والشر وما يحب العبد وما يكره: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (الملك:2)، ويقول -تعالى-: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء:35).
بل مما يبتلي الله به عباده ما رزقهم من قدرات ذهنية أو بدنية أو مادية، ليتبين للناس مدى قيامهم بالواجبات فيما رزقهم الله -عز وجل-: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنعام:١٦٥)، والابتلاء يكون للأفراد وللأمة، فالقانون الثابت أنه (لابد من الابتلاء)! يقول الله -تعالى-: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (آل عمران:١٨٦)، ويذكر الله لنا أمثلة كثيرة في كتابه، وفي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أنواع البلاء كما في قصة طالوت وجالوت: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:249).
بقي صاحبي منصتا، ثم علق: - دعني استوضح، هل ابتلاء المؤمنين يكون بالشدة أم بالرخاء؟! - الابتلاء يكون بكليهما، وربما يكون اختبار الرخاء أشد فتنة. كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قدم أبو عبيدة بن الجراح بمال من البحرين؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أبشروا وأملوا ما يسركم! فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم» (متفق عليه).
- ولكن الحديث الأول، حديث أشد الناس بلاء الأنبياء، يوحي بأن البلاء والمصائب والشدة تكون لأهل الدين.
- نعم، هو كذلك، كما في حديث عن عبدالله بن مغفَّل - رضي الله عنه - قال: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله والله إني لأحبك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: انظر ماذا تقول؟ قال: والله إني لأحبك ثلاث مرات فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن البلايا أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه» (السلسلة الصحيحة).
إن المصائب تزيد إيمان العبد وتعلقه بالله وترفع منزلته عند الله وتطهره من الذنوب والخطايا، بافتراض أنه يصبر على هذه المصائب، وهكذا كانت وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه في بداية العدوة عندما اشتكوا له شدة ما يلاقون من كفار قريش، قالوا: «ألا تستنصر لنا؟»، ألا تدعو الله لنا؟ فجلس محمرا وجهه، فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد، ما دون عظمه من لحم وعصب لا يصرفه ذلك عن دينه» (متفق عليه).
وإليك ما جاء في تفسير بعض هذه الآيات من تفسير المنار: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:142)، كأنه يقول: قد خلت من قبلكم أمم أوتوا الكتاب ودعوا إلى الحق فآذاهم الناس في ذلك فصبروا وثبتوا، ألا تصبرون مثلهم على المكاره، وتثبتون ثباتهم على الشدائد؟ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة وتنالوا رضوان الله -تعالى- من غير أن تفتنوا في سبيل الحق فتصبروا على ألم الفتنة وتؤذوا في الله فتصبروا على الإيذاء كما هي سنة الله -تعالى- في أنصار الحق وأهل الهداية في كل زمان؟ وقوله -عز وجل-: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران:140)، الكلام متصل بما قبله، والخطاب فيه لمن شهد وقعة (أحد) من المؤمنين فإنه -تعالى- أرشدهم في الآيات السابقة إلى أنه لا ينبغي لهم أن يضعفوا أو يحزنوا، وبين لهم حكمة ما أصابهم وأنه منطبق على سنته في مداولة الأيام بين الناس وفي تمحيص أهل الحق بالشدائد، وفي ذلك من الهداية والإرشاد والتسلية ما يربي المؤمن على الصفات التي تنال بها الغلبة والسيادة بالحق، ثم بين لهم هذا أن سعادة الآخرة لا تنال أيضا إلا بالجهاد والصبر فهي كسعادة الدنيا بإقامة الحق والسيادة في الأرض فسنة الله فيهما واحدة فقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة:214).



اعداد: د. أمير الحداد





ابوالوليد المسلم 05-10-2024 11:28 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (١٣) سنن الله في الظالمين



  • ما حكم معرفة السنن الإلهية؟
  • السنن الإلهية من فروض الكفاية، ولكن معرفتها تزيد المؤمن تعظيما لله واطمئنانا لوعده ويقينا بوعيده، وتيسر للعبد استشراف الأحداث قبل وقوعها، وذلك أن المقدمات تؤدي إلى نتائج محتومة، الماديون يتنبؤون بالنتائج بناء على معطيات مادية بحتة، أما المؤمن فهو أدق في معرفة الأحداث ونتائجها؛ لأنه أعلم بالقوانين الإلهية الثابتة والمطردة والشاملة لكل زمان ومكان ولكل الأمم والأفراد.
  • صاحبي، كثير الأسئلة، يجب أن يعرف تفاصيل الأشياء، لا يكتفي بالعموميات، يزورني في المسجد مرة كل شهر بين المغرب والعشاء، أحاديثنا لا تخرج عن قضايا العقيدة والأحاديث النبوية، شرحا، وإسنادا.
  • وما هي سنة الله في الظلم والظالمين؟
  • أظنك تعرف الإجابة، ولكن دعني أذكر بعض آيات التي تبين هذه السنة الإلهية، يقول -تعالى-: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام:44-45)، ويقول -سبحانه-: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} (إبراهيم:13)، ويقول -عز وجل-: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود:102)، ويقول -سبحانه-: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} (الحج:45)، ويقول -عز وجل-: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} (الحج:48)؛ فهذه الآيات تبين أن الله يهلك الأمم الظالمة، وربما (يملي لها) أحيانا أي يتركها لفترة، ثم يأخذها أخذا شديدا؛ فسنة الله في الأمم الظالمة، إهلاكها، وإن كانت مسلمة، كما قال ابن تيمية -رحمه الله-: «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة»، أما الأفراد، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيّن أن الظالم ينال جزاءه -في الغالب- في الدنيا قبل الآخرة، كما في الحديث عن أبي بكرة نفيع بن الحارث - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من قطيعة الرحم والبغي» (صحيح أبي داوود)، وكذلك تحذيره - صلى الله عليه وسلم - من دعوة المظلوم، عندما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن، فقال له: «اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» (البخاري).
  • هذه الأحاديث يعرفها الجميع وقليل من يطبقها، وذلك أنهم يرون الظالمين يتمتعون ويمرحون، والمظلومون باقون في قهرهم ومظلمتهم.
  • قاطعته: وهنا يأتي التفاوت في الإيمان واليقين، الناس درجات في إيمانهم بوعد الله ووعيده، منهم من لا يعتريه أدنى شك، أن وعد الله حق، ولا يخلف الله الميعاد، وأنه يهلك الظالم وينتصر للمظلوم، ولو بعد حين، وأن الله يمهل ولا يهمل، هذه العقيدة تضعف أحيانا عند بعض الناس إن لم يرو النتائج أمام أعينهم، أما أصحاب اليقين، فلا يشكون في أي من هذه الأمور؛ لأنها ثبتت في كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما قال -تعالى-: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} (الإسراء:33)، وحرم الله -عز وجل- الظالمين (الفلاح)؛ فقال -عز وجل-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (الأنعام:21)، وقال -تعالى-: {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (القصص:37). دخل المؤذن كعادته قبل الموعد بعشر دقائق، شاركنا المجلس ينتظر أن يحين الوقت.
  • - وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنه الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود:102)، ومن الهدي النبوي، أن المسلم يجب عليه نصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، ومنع وقوع الظلم، كما في الحديث: عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» ( صحيح ابي داوود).
  • وفي تفسير قول الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأنعام:129) نجعل بعضهم أولياء بعض، وجعل الفريقين ظالمين؛ لأنّ الذي يتولّى قوماً يصير منهم ، فإذا جعل الله فريقاً أولياء للظالمين فقد جعلهم ظالمين، قال -تعالى-: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (هود:113)، وقال: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة:51)؛ ولذلك قال المفسرون: يجوز أن يكون معنى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} نجعل بعضهم ولاة على بعض، أي نسلّط بعضهم على بعض، وقد تشمل الآية بطريق الإشارة كل ظالم، فتدل على أنّ الله سلّط على الظالم من يظلمه، ومن أجل ذلك قيل: إن لم يُقلع الظالم عن ظلمه سُلّط عليه ظالم آخر. قال الفخر: إن أراد الرّعيّةُ أن يتخلّصوا من أمير ظالم، فليتركوا الظلم.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 09-10-2024 06:29 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (14) سنن التمييز بين الطيب والخبيث


- من القوانين الإلهية أنه -سبحانه- لا يساوي بين المختلفات، ولا يفرق بين المتماثلات.
- هذه عبارة مجملة، صعبة الفهم، هلاّ ذكرتها بكلمات أسهل، وبأمثلة حتى يفهمها عامة الحضور. كانت هذه مقدمة درس حضرته في إحدى ديوانيات رواد المسجد، يجتمعون كل ثلاثاء بعد صلاة العشاء، ربما يقرؤون كتابا يشرحه أحدهم، أو يدعون شيخا أو متخصصا في مجال الاقتصاد أو الطب أو العلوم السياسية؛ ليلقي لهم الضوء على جونب من تخصصه. الحضور متقاعدون أغلبهم، وبعض طلبة الجامعة.
- من الممكن أن نعطي أمثلة كثيرة من كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه القاعدة، مثل قول الله -تعالى-: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} (السجدة). وقوله -تعالى-: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم).
وقوله -عز وجل-: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأنفال:37)، وقوله -سبحانه-: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت). وقوله -عز من قائل-: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} (العنكبوت:11).
هذه الآيات وغيرها كثير تبين أن سنة الله في البشر أن يميز الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، والصالح من السيء، ومن آمن بصدق وإخلاص ومن أظهر الإيمان وأخفى غيره. وإليكم بعض ما ورد في كتب التفسير في بيان هذه السنة الإلهية والقانون الرباني. لم يجعل الله إيمان النّاس حاصلاً بخوارق العادات، ولا بتبديل خَلْق العقول، بل جعله -سبحانه- باختيار العبد وجعل للإيمان اختبارات ليميز الخبيث من الطيب وهذا هو القانون الذي بينه -سبحانه- بقوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت:3)، وقوله -سبحانه-: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} (العنكبوت:11)، فيكون معنى: {وليعلمن اللهُ} لِيُظْهِرَ عِلْمَهُ لِلنَّاسِ بِظُهُورِ الْمَعْلُومِ لَهُ، أَيْ يَعْلَمُ النَّاسُ ذَلِكَ وَيُميّزُونَهُ. وَجَعَلَ جَهَنَّمَ مَأْوَى لِلْكُفَّارِ وَحْدَهُمْ فِي الآخِرَةِ ; لِأَجْلِ أَنْ يُمَيِّزَ الْكُفْرَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْحَقَّ وَالْعَدْلَ مِنَ الْجُوْرِ وَالطِّغْيَانِ، فَلَنْ يَجْتَمَعَ فِي حِكْمَتِهِ سُبْحَانَهُ الضّدَّانِ، وَلَا يَسْتَوِي فِي جَزَائِهِ النَّقِيضَانِ {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَفْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (المائدة:100) الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ الْمَعْنَوِيَّانِ فِي حُكْمِ الْعُقَلَاءِ وَالْفُضَلَاءِ، كَالْخَبِيثِ وَالطَّيِّبِ الْحِسَيَّيْنِ فِي حُكْمِ سَلِيمِي الْحَوَاسِ.. فَالْخَبِيثُ فِي الدُّنْيَا خَبِيثٌ فِي الْآخِرَةِ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: {وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا} أَيْ وَيَجْعَلُ -سُبْحَانَهُ- الْخَبِيثَ بَعْضَهُ مُنْضَمًّا مُتَرَاكِبًا عَلَى بَعْضٍ بِحَسَبِ سُنَّتِهِ -تَعَالَى- فِي اجْتِمَاعِ الْمُتَشَاكِلَاتِ، وَانْضِمَامِ الْمُتَنَاسِبَاتِ، وائتلاف الْمُتَعَارِفَاتِ، وَاخْتِلَافِ الْمُتَنَاكِرَاتِ، ومن حكمته -سبحانه- ألا يطلع عباده على الغيب الذي يعلمه، فاقتضت حكمته الباهرة أن يبتلي عباده ويفتنهم بما به يتميز الخبيث من الطيب من أنواع الابتلاء والامتحان فأرسل رسله، وأمر بطاعتهم، والانقياد لهم، والإيمان بهم، ووعدهم على الإيمان والتقوى الأجر العظيم.
فانقسم الناس بحسب اتباعهم للرسل قسمين: مطيعين وعاصين، ومؤمنين ومنافقين ومسلمين وكافرين، ليرتب على ذلك الثواب والعقاب وليظهر عدله وفضله، وحكمته لخلقه.
وقوله -سبحانه-: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم). وإنكار جعل الفريقين متشابهين كناية عن إعطاء المسلمين جزاء الخير في الآخرة و حرمان المشركين منه؛ لأن نفي التساوي وارد في معنى التضاد في الخير والشر في القرآن وكلام العرب، قال -تعالى-: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} (السجدة:18)، وقال: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (ص:28)، أفنجعل أيها الناس في كرامتي ونعمتي في الآخرة الذين خضعوا لي بالطاعة، وذلوا لي بالعبودية وخشعوا لأمري ونهيي كالمجرمين الذي اكتسبوا المآثم، وركبوا المعاصي، وخالفوا أمري ونهيي؟ كلا، ما الله بفاعل ذلك. فذلك معنى نفي المشابهة كقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} (الرعد:16)، وقوله -عز وجل-: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (19) عن قتادة قوله: «أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِنَا كَمَنْ كانَ فاسِقا لا يَسْتَوُونَ» قال: لا والله ما استووا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة».



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 19-10-2024 03:44 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (15) سنن الله في المترفين


يحرص كثير من المصلين على أداء صلاة العشاء في مسجدنا وإن لم يكن الأقرب إلى منازلهم، ذلك أن إمامنا لا يطيل الصلاة، فضلا عن حُسن تلاوته، وطيب أخلاقه.
قرأ آيات من سورة الواقعة، بعد الصلاة صحبته واثنين من المصلين.
- لماذا وصف الله (أصحاب الشمال) أول ما وصفهم {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} ثم قال: {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} إلى آخر الآيات؟! - سؤال جميل، نعم يتساءل المرء، وهل (الترف) ذنب يستحق كل هذا العذاب؟! والجواب على ذلك في تقصي آيات الكتاب؛ حيث ورد هذا الوصف، مع الاطلاع على تفسير هذه الآيات.
علق (أبو خالد). - حقيقة، سؤال مستحق؟ هل (الترف) ذنب؟ تابع شيخنا بيانه.
- (الترف) لغة: التنعم، و(الترف) النعمة، و(المترف) هو الذي أبطرته النعمة وسعة العيش عن الإيمان بالله، واتباع الرسول. وهذا المعنى الأخير هو الوارد في كتاب الله، وذلك باستقصاء الآيات التي ورد فيها هذا الوصف، يقول الله -تعالى-: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (الإسراء:١٦).
والمعنى أن سبب هلاك الأمم أننا نرسل المرسلين فيأمرون الناس بمراد الله، فيكون أول من يعصي هذه الأوامر ويعترض عليها (المترفون)، ويتمادون بفسقهم، فيحق عليهم العذاب، فتُدمر تلك الأمة، وهذا كقوله -عز وجل-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (الأنعام:١٢٣).
وهكذا الحال في الآخرة يلوم العامة والضعفاء، السادة والكبراء: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ} (غافر:٤٧).
تدخل (أبو خالد) مرة ثانية: - إذًا (المترفون)، لا تعني (الأغنياء)؛ لأنه خطر في بالي أن من الصحابة من كان عظيم الثروة، ولديه من المال ما يمكن أن يوصف هذه الأيام بالثراء الفاحش. ابتسم إمامنا: - بالتأكيد كلامك صحيح، (الغني) الذي يؤدي حق ماله له مكانته عند الله -عز وجل-، ولو تذاكرنا بعض الآيات الأخرى التي تذكر المترفين. توقفنا عند مراكبنا، قررنا الاستمرار بالحديث، الكل كان مهتما لسماع بقية الشرح. تابع إمامنا: - يقول الله -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (34-36).
ويقول الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} (الزخرف:23).
ويقول -تعالى-: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} (المؤمنون:33).
ففي هذه الآيات يبين الله -عز وجل- أن أهل (الترف) يرون أنهم مميزون عن غيرهم بكثرة المال والجاه والأولاد، فهم عِّلية أقوامهم، والنخبة في مجتمعاتهم، وإليهم يرجع الرأي، وبهم يقتدي عامة الناس، فجعلوا نعمة الله عليهم، من مال وولد، سببا لهم أن الله لن يعذبهم! بهذا (المنطق) الضيق والمحدود، ظنوا أنهم على حق، أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ:36)، ونتيجة خداعهم لأنفسهم، أعطوا الحق لأنفسهم أن يردوا دعوات الرسل، ويتبعوا ما أرادوا- في دينهم، ويفعلوا ما شاؤوا في أموالهم، وهذا حال المترفين في كل أمة، ويمكن أن نسميهم بـ(الملأ)، الذين هم علّية القوم من أصحاب النفوذ المالي والاجتماعي، وهؤلاء مصيرهم الهلاك في الدنيا قبل الآخرة؛ فإن الله يهلك المترفين والمسرفين، في سورة الأنبياء يقول الله -تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} (الأنبياء:11-15).
هذه سنة الله فيمن أترفوا؛ فكان (ترفهم) سببا في رد أمر الله، فاستحقوا الهلاك، هذا قانون إلهي نافذ لا يتبدل ولا يتحول.
وفي سورة هود يقول الله -تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} (هود:116)، هذا حال (المترفين) على العموم الطغيان والظلم ورد الحق والتكبر على دعوة الرسل؛ فكان القانون الإلهي العادل في حقهم، الهلاك في الدنيا، وفي هذه السنة تحذير للمترفين إلى يوم القيامة، وتنبيه للعامة إلى يوم القيامة ألا يتبعوا المترفين؛ لأنهم لن ينفعوهم لا في الدنيا ولا في الآخرة.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 22-10-2024 09:50 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (16) سنة الاستدراج


- لغة، استدرجه، أدناه منه على التدريج فتدرج معه، درجة بعد درجة، وفي (المفردات)، سنستدرجهم، نأخذهم درجة فدرجة، وفي (المفردات)، سنستدرجهم، نأخذهم درجة فدرجة، فلم نباغتهم، بل نجرهم إلى العذاب قليلا قليلا.
يحتاج العبد أن تكون لديه ثوابت، لا يحيد عنها مهما تكالبت عليه المصائب وتغيرت من حوله المعطيات، ثوابت في العقيدة، بتفاصيلها كلها.
- هل لنا بتفصيل أكثر شيخنا الفاضل؟ - في زمننا هذا يفتن كثير من الناس بما لدى الكفار والملحدين، بل والفسقة والفجرة، من متاع الدنيا، مع ما في المسلمين من ضعف، وذلة، وفقر، وتخلف؛ وذلك أن حال المسلمين نتيجة ما كسبت أيديهم، وما لدى الكافرين استدراج من الله -عز وجل-، كانت خاطرة علمية، لأحد أساتذتنا في كلية الشريعة، ألقاها دون سابق ترتيب بعد صلاة المغرب، وعادة شيخنا أنه إذا قدم للصلاة، أن يلقي خاطرة بعدها.
- لو تتبعنا آيات الكتاب التي ذكر الله فيها الاستدراج، نجد أن الله يستدرج الكافرين والعصاة والمكذبين بالرسل، بمعنى أن الله يمهلهم، وربما وسع عليهم من أمور الدنيا، ثم إن تمادوا أخذهم فلم يفلتهم، كما في الحديث، ولنقرأ شيئا من هذه الآيات، يقول -تعالى-: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (الأعراف: 182-183)، ويقول سبحانه-: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي هُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينُ} (القلم).
أي: دعني والمكذبين بالقرآن العظيم فإن علي جزاءهم، ولا تستعجل لهم {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} فنمدهم بالأموال والأولاد، ونمدهم في الأرزاق والأعمال؛ ليغتروا ويستمروا على ما يضرهم فإن هذا من كيد الله لهم، وكيد الله لأعدائه، متين، قوي يبلغ من ضررهم وعذابهم فوق كل مبلغ.
ومعنى {مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} أن استدراجهم المفضي إلى حلول العقاب بهم أحوال وأسباب لا يتفطنون إلى أنها مفضية بهم إلى الهلاك ، وذلك أجلب لقوة حسرتهم عند حلول المصائب بهم.
{وَأُمْلِي لَهُمْ} أي: أُمْهِلُهُم حتى يظنوا أنهم لا يؤخذون ولا يعاقبون، فيزدادون كفرا وطغيانا وشرا إلى شرهم وبذلك تزيد عقوبتهم، ويتضاعف عذابهم، فيضرون أنفسهم من حيث لا يشعرون، ولهذا قال: {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي: قوي بليغ. ويبين الله المراد من توسعة متاع الدنيا على الكفار؛ وذلك لتثبيت المؤمنين وبيان سنة إلهية نافذة فيقول -سبحانه-: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)} (آل عمران)، ويقول -سبحانه- نافيا منطق الكفار بأنهم في سعة من عيشهم لمكانتهم عند الله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا غُلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا تُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (آل عمران : 178)، من جهلهم واغترارهم بمتاع الحياة الدنيا ظنوا أن الآخرة كالدنيا، ينعم عليهم فيها أيضاً بالمال والولد، كما أنعم عليهم في الدنيا - وجاء مبيناً في آيات أخر، كقوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لي وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً وَلَئِن رَجَعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى} {فصلت:50)، وقوله: {أَفَرَأَيْتَ الذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} (مريم: 77)، وقوله: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذِّبِينَ} (سبأ:35)، وفي أحوال الأمم السابقة عبرة لأولي الألباب ولا سيما عندما ردوا دعوة رسلهم وحاربوهم واستهزؤوا بما جاءت به رسلهم يقول -تعالى-: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ(32)} (الرعد).
وقد استهزأ قوم نوح به -عليه السلام-: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} (هود:38)، واستهزأت عاد بهود -عليه السلام-: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (الشعراء : 187) ، واستهزأت ثمود بصالح -عليه السلام- {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (الأعراف: 66) ، واستهزؤوا بِشُعيب -عليه السلام-: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} (هود:87)، واستهزأ فرعون بموسى -عليه السلام-: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الزخرف:43).
كانت الخاطرة سلسلة مترابطة، مركزة، لم يترك أحد من المصلين مكانه حتى انتهى الشيخ من خاطرته، صاحبته، بعد الأذكار وأداء سنة المغرب.
- هذه سنة عظيمة من سنة الله -عز وجل- يغفل عنها الناس.
- بل يغفل عنها من لم تتمكن العقيدة من قلبه، ولم يملأ نور العلم صدره، ذلك أن الناس يرون ظاهر الحياة ويغترون بها، وسنن الله، ولاسيما في الأمم لا يراها الإنسان خلال حياته القصيرة؛ لأنها تحدث على مدى مئات السنين، كما قال -تعالى-: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (الحج:47)؛ فالمؤمن يجزم بما سيحدث في الأفراد والأمم، ولا يشك أن وعد الله حق، وسنته -سبحانه- نافذة، وما تأخر حدوثها إلا لحكمة ولكن الإنسان عجول!



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 30-10-2024 03:50 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (17) لا عذاب.. دون تبليغ


الله -سبحانه وتعالى- له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، لا يظلم أحدا مثقال ذرة، بل يثيب المحسن فوق ما يستحق، ويمهل المقصر، ويحلم عن المسيء، فهو -سبحانه- رحمته سبقت غضبه، وعفوه سبق عقابه، وفي نهاية الأمر، لا يخلد في نار جهنم إلا من أصر على الكفر ومات على الشرك! كنت وصاحبي في رحلة علاج أولية، إلى التشيك، لم أزرها من قبل، صاحبي يتردد عليها لآلام في ظهره، وركبته.
أدينا صلاة الجمعة، توجهنا بعدها للغداء في مطعم عراقي، لا يبعد عن المسجد. وهؤلاء البشر، الذين لا يعرفون دين الله، أعني أهل هذه البلاد وأمثالها، ما مصيرهم يوم القيامة؟ هناك سنة إلهية، وقاعدة ربانية، لا تتبدل ولا تتعطل أبدا، وهي قوله -عز وجل-: {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15).
بدأ حوارنا بعد أن أخذ النادل طلبنا، وكان مهتما أن يستمع لنا؛ فقلت له : - أخشى أن يحاسبك رب العمل! ابتسم: - أنا رب العمل! تابعنا حوارنا: هؤلاء الناس الذين ولدوا في هذه البلاد وغيرها، وعاشوا يهودا أو نصارى أو ملحدين، أو غير ذلك، الله أعلم بهم، هل قامت عليهم الحجة بتوحيد الله أم لا؟ هل بلغتهم رسالة التوحيد أم لا؟ والقاعدة التي ذكرناها: (أنه لا عذاب إلا بعد تبليغ). ومن ذلك قوله -تعالى-:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} (الأنعام:130-131).
وقوله -عز وجل-:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} (القصص:59). وتعلمون أن صيغة الاستثناء بعد النفي، تفيد الحصر، علق (أبو رعد صاحب المطعم).
- أنا لا علم شرعي لدي، ولكني -بفضل الله- لا تفوتني صلاة من وقتها لا أصيلها في المسجد، إلا قليلا، ولكن لا تفوتني، والجماعة لا أفوتها على الإطلاق -بفضل الله- ولكن (هذه السنة الإلهية، متوافقة مع عدل الله ورحمته وفضله)، هل لك أن تفصل فيها. - بيان ذلك في كتب التفسير، ففي التحرير والتنوير لابن عاشور، «والمعنى أن الله -عز وجل- لا يهلك قوما في حال غفلتهم (أي عدم إنذارهم)، بل لا يهلك أحدا إلا بعد الإعذار والإنذار على ألسنة الرسل -عليهم صلوات الله وسلامه- ومن حكمته ورحمته ألا يعذب الأمم بمجرد كفرهم قبل إقامة الحجة عليهم بإرسال الرسل إليهم، والحاصل: أن الله لا يعذب أحدا إلا بظلمه وبعد إقامة الحجة عليه».
- كلام جميل، وهل نقول إن هؤلاء الناس لم تبلغهم الرسالة ولم تقم عليهم الحجة؟ أعني من عاشوا هنا، منذ ولادتهم، وسمعوا عن الإسلام مجرد سماع، ولم يتفقهوا، ولم تبلغهم، تفاصيل الدين.
- الله أعلم بمن أقيمت عليه الحجة ومن لم تقم عليه الحجة، ولا يظلم ربك أحدا مثقال ذرة، وهناك فئة يسمون (أهل الفترة). قال الألوسي: «الفترة عند جميع المفسرين: انقطاع ما بين الرسولين». وأهل الفترة: كل من لم تبلغهم الدعوة، ولم تقم عليهم الحجة، وقال ابن تيمية: «من لم تقم عليه الحجة في الدنيا بالرسالة كالأطفال والمجانين وأهل الفترة، فهؤلاء فيهم أقوال، أظهرها: ما جاءت به الآثار أنهم يمتحنون يوم القيامة؛ فيبعث إليهم من يأمرهم بطاعته، فإن أطاعوه استحقوا الثواب، وإن عصوه استحقوا العذاب»، ولا شك أن اختبارهم يتناسب والمشاهد العظيمة التي تكون يوم القيامة؛ ففي المسند عن الأسود بن سريع أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أربعة يحتجون يوم القيامة، رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام ولم أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في (الفترة) فيقول رب ما أتاني لك رسول؛ فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه؛ فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفسي محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما»، قال شعيب الأرناؤوط حديث حسن، وفي زيادة: «ومن لم يدخلها سحب إليها» صحيح الجامع.
أحضر أحد الفتيان العاملين الطعام، وكان زيادة عما طلبنا؛ ذلك أن رب العمل أوصاهم بإكرامنا وقد شاركنا مائدتنا. ويؤكد الله -عز وجل- هذه السنة الإلهية الثابتة الدائمة النافذة في آيات أخرى كثيرة منها: {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء:165)، وقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (فاطر:24)، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} (النحل:36)، وأشار لها في (القصص) بقوله: {وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (القصص:47)، ومن ذلك أنه -تعالى- صرح بأن جميع أهل النار قطع عذرهم في الدنيا بإنذار الرسل، ولم يكتف في ذلك بنصب الأدلة الكونية والفطرية كقوله -تعالى-: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} (الملك:8-9)، وقوله -تعالى-: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (الزمر:71)، ومعلوم أن لفظة كلما في قوله: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}، صيغة عموم أيضا؛ لأن الموصول يعم كل ما تشمله صلته.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 14-11-2024 04:59 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (18) العاقبة للمتقين


- في تفسير قول الله -تعالى-: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء:105)، سمعت في المذياع أن الزبور هو إشارة إلى الكتب المنزلة دون تحديد كالتوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وزبور داوود، بمعنى الكتب السابقة للقرآن، وأن الذكر هو أم الكتاب، كما في قوله -تعالى-: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (الرعد:39)، وبصراحة استغرب هذا التفسير! - نعم، هذا ما ورد في تفسير ابن عاشور، وكذلك تفسير ابن كثير، قال الأعمش: سألت سعيد بن جبير عن قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ}، فقال الزبور: التوراة والإنجيل والقرآن، وقال مجاهد: الزبور: الكتاب، وقال سعيد بن جبير: الذكر: الذي في السماء، وكذلك في تفسير السعدي: (الزبور) الكتاب المزبور والمراد: الكتب المنزلة كالتوراة ونحوها، (من بعد الذكر)، أي كتبناه في الكتب المنزلة بعدما كتبنا في الكتاب السابق الذي هو اللوح المحفوظ. - سبحان الله! قالها صاحبي مستغربا. - بالفعل (كلما ازددت علما، ازددت علما بجهلي). كنت وصاحبي في طريقنا لاستقبال ضيف من أندونيسيا، أستاذ في كلية العقيدة في جامعة شريف هداية الله الإسلامية في جاكرتا. - وهل هذه سنة من سنن الله -عز وجل-؟ - نعم، وفي معنى (الأرض) ورد قولان: (الجنة)، أو (أرض العدو) في الدنيا، والثاني أقرب، لشواهده كما في قوله -عز وجل-: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} (الأحزاب:27)، وفي تفسير ابن كثير عن ابن عباس: «أخبر الله -تعالى- في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض أن يورث أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - الأرض ويدخلهم الجنة، وهم الصالحون»، وورد أيضا: «يقول الله -تعالى- مخبرا عما حتمه وقضاه (سنة الله) لعباده الصالحين من السعادة في الدنيا والآخرة ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة كقوله -تعالى-: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف:128). وصلنا مواقف المركبات، مع هبوط الطائرة، قررنا الجلوس في أحد المقاهي ريثما ينهي صاحبنا إجراءات السفر، بعد أن تواصلنا معه على الهاتف. - وهناك آيات كثيرة تدل على هذا المعنى، أن الله يمكّن للمؤمنين والمتقين في الأرض، بعد أن يزيل الظالمين والطغاة، وإن استغرق الأمر وقتا، ولكنها سنة الله، ومن ذلك قوله -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55). {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (إبراهيم:13-14). {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (الأعراف:128-129). وقد علم من قوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} أن من يشاء الله أن يورثهم الأرض هم المتقون إذا كان في الناس متقون وغيرهم، وأن تمليك الأرض لعارض ما وجاء بفعل الرجاء (عسى) دون الجزم تأدبا مع الله -تعالى-، وإقصاء للاتكال على أعمالهم ليزدادوا من التقوى والتعرض إلى رضا الله -تعالى- ونصره، فقوله: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} ناظر إلى قوله: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ} (الأعراف:128)، وقوله: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} ناظر إلى قوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف:128). والمراد بالاستخلاف: الاستخلاف عن الله في ملك الأرض، أي جعلهم أحرارا غالبين ومؤسسين ملكا في الأرض المقدسة. ومعنى {فينظر كيف تعملون} التحذير من أن يعملوا ما لا يرضي الله -تعالى-، والتحريض على الاستكثار من الطاعة ليستحقوا وصف المتقين، تذكيرا لهم بأنه عليم بما يعملون. كنا نراقب بوابة خروج المسافرين بانتظار صاحبنا، بعث رسالة بأنه لم ينه إجراءات السفر بعد؛ حيث أشار إليه موظف الجوازات للتوجه إلى غرفة الضابط المسؤول، للتأكد من بصمات الأصابع لوجود تشابه في الأسماء، تحدثنا مع الضابط عبر الهاتف، طمأننا أنه مجرد إجراء احترازي، وأنه انتهى من المطلوب، وتوجه لأخذ حقائبه. تابعنا حديثنا. دعني أقرأ لك ما ذكره الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} (المائدة:20-21). و{الأرض المقدسة} هي فلسطين؛ وإنما كتب الله أرض فلسطين لبني إسرائيل في عهد موسى؛ لأنهم هم عباد الله الصالحون؛ والله -سبحانه تعالى- يقول: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون} (الأنبياء:105)، وقال موسي -عليه السلام- لقومه: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (الأعراف:128)، ثم قال: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، إذا المتقون هم الوارثون للأرض، لكنَّ بني إسرائيل اليوم لا يستحقون هذه الأرض المقدسة؛ لأنهم ليسوا من عباد الله الصالحين؛ أما في وقت موسى فكانوا أولى بها من أهلها، وكانت مكتوبة لهم، وكانوا أحق بها، لكن لما جاء الإسلام الذي بُعث به النبي - صلى الله عليه وسلم - صار أحق الناس بهذه الأرض المسلمون، لا العرب، ففلسطين ليست العرب بوصفهم عربا هم أهلها، بل إن أهلها المسلمون بوصفهم مسلمين، لا غيرو وبوصفهم عبادا لله -عز وجل- صالحين.


اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 21-11-2024 04:18 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (19) سنة الله في الرزق


- أطلعني صاحبي على مقطع مصور على هاتفه الذكي لرجل، يزعم أن من دعا بدعاء معين، وقرأ سورة الواقعة كل ليلة وسورة الصافات كل جمعة، وأخذ من شاربه وأظافره كل جمعة، وصلى صلاة الرزق، رزقه الله حتما، دون شك، وهذا مجرب! - هؤلاء لا يذكرون أدلة من كتاب أو سنة على ما يزعمون، وإنما يلبسون على العامة بقولهم، و(هذا مجرب)، أما ما ورد عند أهل العلم المتبعين لكتاب الله -عز وجل- وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في باب (سنة الله في الرزق)، فإليك مختصرة.
كنت وصاحبي في طريقنا إلى المقبرة لأداء صلاة العشاء وحضور جنازة والد أحد المصلين، وعادة أهل الكويت أن يكون الدفن ليلا، بعد المغرب والعشاء في أشهر الصيف شديدة الحرارة (يونيو ويوليو وأغسطس). - أما سنن الله في الرزق فلها أركان، الركن الأول أن الله -تبارك وتعالى- خلق الخلق وتكفل برزقهم جميعا، فهو ربهم -سبحانه- كما قال في سورة العنكبوت: {وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (العنكبوت:60)، وهذا الرزق مكتوب مقدر قبل خلق البشر، بل قبل خلق السماوات والأرض! ثم تعاد كتابته والإنسان في بطن أمه، كما في حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث ملكا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشفي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح...» (متفق عليه)، هذا هو الركن الأول والركن الثاني، لابد من السعي للحصول على الرزق، لا رزق دون سعي، كما قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك:15)، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» (صحيح الترمذي)، السعي مع التوكل على الله، والركن الثالث اليقين بأن الرزق الذي كتبه الله لك سيصلك، بل رزقك يسعى إليك ويطلبك أكثر من أجلك. استغرب صاحبي مقولتي! - هل هناك حديث بهذا، أعني أن الرزق يطلب الإنسان مثل أجله؟ - أشد من أجله.
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أ ن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله»، وفي رواية: «إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله» (صحيح الترغيب). - سبحانه الله، أول مرة أسمع هذه الرواية الصحيحة.
اقتربنا من مدخل المقبرة، توقفت حركة السير؛ لاكتظاظ المركبات عند المدخل، يبدو أنه كانت أكثر من جنازة، عند المدخل سألنا رجل الأمن عند البوابة، أخبرنا بأن عدد الجنائز أربع. استغفرنا لهم، ودعونا لهم ولموتى المسلمين.
بقينا في مركبتنا بانتظار اقتراب موعد الأذان، تابعنا حديثنا: - وفي صحيح الجامع عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله -تعالى- لا ينال ما عنده إلا بطاعته». قاطعني: - وماذا عن الكفار والملحدين الذين هم أغنى أهل الأرض؟ - توقعتك تسأل هذا السؤال، وكذلك كانوا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أخبر عن كنوز كسرى، وثروات الروم، لقد أخبر الله -عز وجل- أن ثروات الدنيا ليست حكرا على المسلمين الصالحين المتقين، بل يعطي الله المؤمن والكافر: {كُلًّا نُّمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} (الإسراء:20)، المؤمن يعطى بالحلال وينفقه في حلال فيزداد قربة إلى الله، والكافر يعطى نعيمه في الدنيا، وليس له في الآخرة من خلاق، من اجتهد نال من عطاء الله، ما شاء الله: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} (الإسراء:18)، الله -عز وجل-، ينزل الرزق على عباده بعمله وحكمته ولطفه وكرمه، فهو القائل في محكم تنزيله: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} (الشورى:19)، على العبد أن يسعى، وبعد ذلك يرضى، بقلب يملؤه الإيمان واليقين بالله -عز وجل-، بأن الله لم يظلمه ولم يحرمه ما يستحق، بل أعطاه ورزقه وهو أعلم بحاله: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} (الإسراء:30)، فلا اعتراض على بسط الرزق للآخرين وتقديره عليك.
هل هذا يتوافق مع قوله -تعالى-: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} (الفجر:14-16).
-نعم، وهذا في ذم لهذا النوع من البشر الذين «يساومون» الله -عز وجل-، فهو -سبحانه- {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (الأنبياء:23). ترجلنا من المركبة، قبل الأذان بخمس دقائق، لنأخذ مكاننا في الصف الأول، دخلنا المسجد فإذا الصفوف الثلاثة الأولى قد امتلأت! همست لصاحبي، دعني أختم الموضوع بهذا الحديث: - على العبد ألا ينظر إلى ما في يد الآخرين فيدخل قلبه الحسد بل يتجه إلى الله -عز وجل- ويسأله الرزق مباشرة، ويعلم أن الرزق ليس بكثرة المال وحسب، بل العافية رزق، والزوجة الصالحة رزق، والولد البار رزق، بل السمع والبصر والعقل رزق عظيم من الله، فالعبد المؤمن يشكر الله دائما على نعمه، التي ربما لا يشعر بها؛ لأنه اعتادها: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} (المؤمنون:78).



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 21-11-2024 04:21 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (٢٠) بطر العيش


منذ فترة بدأ الألم يتسلل إلى ركبتي اليسرى، دون سبب ظاهر، ولماذا اليسرى دون اليمنى؟! ازداد الألم بعد ثلاثة أشهر؛ بحيث عجزت عن ثني ركبتي في أثناء التشهد، قررت مراجعة استشاري جراحة العظام تخصص الركبتين، أُقدر أنه في منتصف الخمسينيات، من ليبيا، مكث في أوروبا عشرين سنة، ثم قرر الانتقاء إلى بلد مسلم؛ ليتمكن وأسرته من العيش في بيئة إسلامية.
- هذه خشونة واضحة، ولماذا اليسرى دون اليمنى؟ لا سبب طبي أعلمه لذلك، سوف أحقنك بإبرة في الركبة، فيها علاج لفترة ربما ستة أشهر أو سنوات، طلب من الممرض إحضار الحقنة من الصيدلية، بعد أن دفعت ثمنها.
- هذه البلاد في نعمة عظيمة من الله -عز وجل-، حتى بالنسبة لدول الخليج الأخرى، أشعر فيها براحة روحية، وطاقة إيمانية، مع ما فيها من رغد العيش وسعة الرزق. - الحمد لله، هذا فضل من الله، نسأله أن يديمها علينا ويزيدها ولا يسلبنا إياها.
- إن الله لا يسلب نعمة على أمة دون سبب، كما قال -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال:٥٣).
شعرت أن صاحبي لديه علم شرعي جيد، ويحفظ من القرآن والحديث ما يؤهله لذلك، أعطيته المجال أن يتابع حديثه.
- هذه الآية تأتي بعد الآية التي يذكر فيها الله -عز وجل- آل فرعون، والمعنى أن سنة الله جرت أنه لا يسلب نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ذلك بأنفسهم، وأن آل فرعون والذين من قبلهم كانوا من جملة الأقوام الذين أنعم الله عليهم فتسببوا بأنفسهم في زوال النعمة، وهذا إنذار لقريش -بل ولكل أمة حتى يوم القيامة- أن يحل بهم ما حل بغيرهم! كانت ردة فعلي التلقائية: - «اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك» (صحيح الجامع). - اللهم آمين. - صدقت د. هاني، ومصداق ذلك قوله -تعالى- في سورة القصص: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص:58). - أليس (بطر النعمة)، مرادف لـ(كفر النعمة)؟ - ربما البطر، أقل درجة من كفر النعمة، (البطر) أشر أهل الغفلة، قاطعني: - فسرت الماء بالماء؟ وما الأشر؟ ابتسمت ضاحكا! - قيل، الأشر أشد من البطر، يصحبه الفرح والغرور، وقيل هما كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا في المعنى، وإذا تفرقتا اجتمعتا في المعنى، ولا فرق بين (بطر النعمة) و(كفر النعمة)؛ فبطر النعمة يفيد أنه عظمها وبغى فيها، و(كفر النعمة) عظمها، وجحد المنعم، وقيل (بطر النعمة) أساء استخدامها.
انتقلنا إلى غرفة (الضماد)، استلقيت على السرير، ننتظر أن يجهز الممرض الحقنة. - ولفظ (كم)، في قوله -تعالى-: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ}، تدل على الكثرة؛ بحيث يصبح هذا الحال الغالب، لهذه المسألة، قاطعني د. هاني: - حضرتني الآن قصة سبأ، في قوله -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (سبأ:15).
سكت قليلا يستذكر الآيات، نعم، تابع حديثه: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (سبأ:16-17). - أحسنت. - وكذلك قول الله -تعالى-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (النحل:112-113).
- أظن هذه الآية الأخيرة، نزلت في قريش. - نعم. وضع الدكتور كمام الأنف على وجهه وطلب مني أن أثني ركبتي، عقمها جيدا، تحسس المكان الذي يريد أن يدخل الحقنة فيه، تجنبت النظر، أغمضت عيني، وانتهينا من الأمر، وضع لزق طبية مكان الحقنة، تابعنا حديثنا: سألته، لماذا حقنت في هذه النقطة بالذات؟ - الركبة غرفة واحدة، حيثما حقنت يصل الدواء ولكنني أفضل المكان الذي أظن أنه أقل إيلاما! - أحسنت وجزاك الله خيرا.
تابعنا حديثنا. ومثل الله مثلا لمكة التي سكنها أهل الشرك بالله هي القرية التي كانت آمنة مطمئنة، وكان أمنها أن العرب كانت تتعادى، ويقتل بعضها بعضا، ويَسْبي بعضها بعضا، وأهل مكة لا يغار عليهم، ولا يحاربون في بلدهم، فذلك كان أمنها كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر، ولكن يسر الله لها الرزق يأتيها من كل مكان، فجاءهم رسول منهم يعرفون أمانته وصدقه، يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة، فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه، وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (النحل:33).



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 27-11-2024 04:40 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (21)

عند المعاينة… لا توبة!



- من كمال شريعة الإسلام وجمالها (باب التوبة)، هذا الباب الذي جعله الله لجميع خلقه، رغبهم فيه، وحببهم إليه، وأمرهم به، وعندما تقرأ آيات التوبة في كتاب الله، تكاد تجزم ألا مذنب إلا ويرجع إلى الله ويتوب إليه، مهما كان ذنبه كبيرا أو كثيرا. صاحبي من محبي (الرقائق)، دوما مسبحته في يده، وبعد كل صلاة يصاحبني في طريقي إلى المنزل، يتحدث عن الآيات التي يقرؤها الإمام في العشاءين، حتى وإن كانت من قصار السور.
- ما أعظم هذه السورة! {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} الله أكبر، إنه أمر عظيم، ينبغي الإعداد له، {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا} آيات تهز الكيان، وترتعد لها الفرائس، {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}.
كان صاحبي يتحدث متأثرا منفعلا، وبعد أن أنهى آيات الزلزلة، عقب عليها: - كل ما يحتاجه العبد، هو أن يتوب ويؤوب إلى الله، وربنا الغفور الرحيم الرؤوف الودود، يقبل عبده المذنب، بل ويحب عودته، ويمحو سيئاته وكأنه لم يذنب قط! {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53).
وفي الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله -تعالى-: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» (صحيح الترغيب).
توقفنا عند مفترق الطرق؛ حيث منازلنا في ا تجاهين متعاكسين، عقبت على كلامه: - ولكن ينبغي على العبد أن يتوب، وأن يستغفر، حتى لا يغلق عنه باب التوبة! - وهل يغلق باب التوبة قبل يوم القيامة؟! - نعم، من سنة الله أن التوبة لا تنفع عند المعاينة! استغرب صاحبي عبارتي! - ماذا تعني عند المعاينة؟! - اسمع هذه الآيات: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} (غافر:84-85)، وقوله -سبحانه-: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (يونس:90-91)، وقوله: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء:18)، في تفسير هذه الآيات ومثيلاتها بيان لهذه السنة الإلهية، دعني أقرأ لك ما تيسر من تفسير هذه الآيات في هاتفي، وهذا الذي جمعته بتصرف من تفاسير المنار والسعدي والتحرير والتنوير. {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء:18)، وذلك أن التوبة في هذه الحال توبة اضطرار لا تنفع صاحبها، إنما تنفع توبة الاختيار. فيكون المعنى أن من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب، وأناب إلى الله وندم على ذنبه، فإن الله يتوب عليه، بخلاف من استمر على ذنوبه وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفات راسخة، فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة.
والغالب أنه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لأسبابها، كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين وتهاون بنظر الله إليه فإنه سد على نفسه باب الرحمة.
والحكمة في هذا ظاهرة؛ فالإيمان ينفع إذا كان إيمانا بالغيب، وكان اختيارا من العبد فأما إذا وجدت الآيات صار الأمر شهادة، ولم يبق للإيمان فائدة؛ لأنه يشبه الإيمان الضروري، كإيمان الغريق والحريق ونحوهما، ممن إذا رأى الموت، أقلع عما هو فيه كما قال -تعالى-: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}.
ووجه عدم قبول الإيمان عند حلول عذاب الاستئصال؛ لأن عذاب الاستئصال مشارفة للهلاك والخروج من عالم الدنيا، فإيقاع الإيمان عنده لا يحصل المقصد من إيجاب الإيمان؟ وماذا يغني إيمان قوم لم يبق فيهم إلا رمق ضعيف من حياة ؟ فإيمانهم حينئذٍ بمنزلة اعتراف أهل الحشر بذنوبهم وليست ساعة عمل ، قال -تعالى في شأن فرعون-: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (يونس: 90 -91 ) ، أي فلم يبق وقت لاستدراك عصيانه وإفساده.
وقال- تعالى-: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا} (المؤمنون)، هذا الإيمان الاضطراري ليس بإيمان حقيقة ولو صرف عنه العذاب والأمر الذي اضطره إلى الإيمان لرجع إلى الكفران.
وقوله: {إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا} بعدما رأوا العذاب، {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}، فهم مستثنون من العموم السابق، ولا بد لذلك من حكمة لعالم الغيب والشهادة لم تصل إلينا ولم تدركها أفهامنا، قال الله -تعالى-: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} إلى قوله: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} ولعل الحكمة في ذلك أن غيرهم من المهلكين لو رُدوا لعادوا لما نهوا عنه وأما قوم يونس، فإن الله علم أن إيمانهم سيستمر، بل قد استمر فعلا وثبتوا عليه والله أعلم، وقال -تعالى في بيان ذلك-: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} أي يوم يأتي بعض آيات ربك الموجبة للإيمان الاضطراري لا ينفع نفسا لم تكن آمنت من قبل إتيانها إيمانها بعده في ذلك اليوم، ولا نفسا لم تكن كسبت في إيمانها خيرا وعملا صالحا ما عساها تكسب من خيرٍ فيه لبطلان التكليف الذي يترتب عليه ثواب الإيمان والعمل الصالح، فإنه -أي التكليف- مبني على ما وهب الله المكلف من الإرادة والاختيار، بالتمكن من الإيمان والكفر وعمل الخير والشر، وإنما الثواب والعقاب مبني على هذا التكليف.
عقب صاحبي: - نعم، هذا واضح من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -تعالى- يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (صحيح الترمذي).
أي: تصل روحه حلقومه، {حتى إذا بلغت الحلقوم}، وفسر ابن عباس -رضي الله عنهما- ذلك (بالمعاينة)، أي رؤية ملك الموت، وقال غيره: مراده يتقن الموت لا خصوص رؤية ملك المؤت، وقالوا أيضا: هي حالة الاحتضار عموما، وإن طالت، وهل من العقل أن ينتصر العبد حتى يرى الموت ثم يتوب، الحمدلله الذي شرع لنا التوبة، وأمرنا بها ويسرها لنا، وجعلها من هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد قال مبينا لأمته: «إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة» (صحيح الترمذي)، وذلك عندما نزل عليه { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، وفي رواية عن ابن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس توبوا إلى الله؛ فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة» (مسلم).



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 06-12-2024 03:19 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (22) سنة الله في المنافقين


- بعض الأحكام الشرعية تبدو لبعض الناس (غير منطقية)، ولكن المؤمن يعلم يقينا أنها من لدن حكيم عليم، يؤمن بها ويعتقدها ويطبقها وإن لم تظهر له حكمتها، من ذلك زواج المسلم من النصرانية، وتحريم زواج الكافرة، وتحليل البيع وتحريم الربا، وإن كانت بعض المعاملات متشابهة، إباحة أكل طعام أهل الكتاب وتحريم طعام الكفار من الذبائح، وأحكام المنافقين ومعاملتهم بالإسلام رغم أنهم أشد خطرا من الكفار.
- دعنا نتوقف عند هذه الأخيرة. - تعني التعامل مع المنافقين؟ - نعم.
كنت وصاحبي في رحلة قصيرة إلى لبنان، وقد انقطعنا عنه لأكثر من ثلاث سنوات، أراد صاحبي تفقد منزله الصغير في منطقة (حمانا)، غادرنا يوم السبت على أن نرجع يوم الاثنين.
- المنافقون فئة أظهرت الإيمان وأبطنت الكفر، شهد الله على كذبهم وأنزل سورة كاملة فيهم، غير الآيات الكثيرة في بيان أخلاقهم وتصرفاتهم، في سورة البقرة وآل عمران والنساء والتوبة التي تسمى (الفاضحة)؛ لكثرة ما ذكرت من أخلاقهم وتصرفاتهم، بقوله -عز وجل-: ومنهم، ومنهم، ومنهم، ولم تظهر هذه الفئة إلا في المدينة بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم - وما سنة الله فيهم؟ - يقول الله -تعالى-: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب:60-62). قررنا قضاء الليلتين في فندق (وادي -فيو)، تجنبا لعملية تنظيف البيت وتجهيزه.
كان حديثنا بعد وجبة الإفطار، نحتسي القهوة في الشرفة المطلة على الوادي الأخضر.
- هذه الآيات وغيرها تبين أن الله -عز وجل- أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالسكوت عن المنافقين وعدم قتالهم ما داموا لا يؤذون المسلمين علانية، وكان المنافقون يحذرون أن ينزل أمر من الله لرسوله أن يستأصلهم، فكانوا يرتكبون الأخطاء ويعتذرون، ويخطئون ويرجعون، ويقولون ثم ينكرون، هكذا كان ديدنهم، وفي هذه الآيات من سورة الأحزاب، أعطاهم الله إنذارا واضحا، إن لم ينتهوا سيأتي الأمر باستئصالهم وإخراجهم من المدينة، مع استحقاقهم للعنة الله في جميع الأحوال، وفي تفسير هذه الآيات إليك ما ورد.
{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}، أي: مرض شك أو شهوة {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ}، أي: المخوفون المرهبون الأعداء، المحدثون بكثرتهم وقوتهم، وضعف المسلمين.
ولم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه، ليعم ذلك، كل ما توحي به أنفسهم إليهم، وتوسوس به، وتدعو إليه من الشر، من التعريض بسب الإسلام وأهله والإرجاف بالمسلمين وتوهين قواهم، والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة، وغير ذلك من المعاصي الصادرة، من أمثال هؤلاء.

{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أي: نأمرك بعقوبتهم وقتالهم ونسلطك عليهم، ثم إذا فعلنا ذلك، لا طاقة لهم بك، وليس لهم قوة ولا امتناع، ولهذا قال: {ثم لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا} أي: لا يجاورونك في المدينة إلا قليلا بأن تقتلهم أو تنفيهم.
وهذا فيه دليل، لنفي أهل الشر، الذين يتضرر بإقامتهم بين أظهر المسلمين، فإن ذلك أحسم للشر، وأبعد منه، ويكونون {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِلُوا تَقْتِيلا}، أي مبعدين أين وجدوا لا يحصل لهم أمن ولا يقر لهم قرار، يخشون أن يقتلوا، أو يحبسوا، أو يعاقبوا.
{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أن من تمادى في العصيان، وتجرأ على الأذى، ولم ينته منه فإنه يعاقب عقوبة بليغة.
{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا}، أي تغييراً، بل سنته -تعالى- وعادته جارية مع الأسباب المقتضية لأسبابها.
وحرف {في} للظرفية المجازية، شُبهت السنة التي عوملوا بها بشيء في وسطهم، كناية عن تغلغله فيهم وتناوله جميعهم، ولو جاء الكلام على غير المجاز لقيل: سنة الله مع الذين خلوا.
و{الذين خلوا} الذين مَضَوا وتقدموا. والأظهر أن المراد بهم من سبقوا من أعداء النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين أذن الله بقتلهم، مثل الذين قتلوا من المشركين، ومثل الذين قتلوا من يهود قريظة، وهذا أظهر؛ لأن ما أصاب أولئك أوقع في الموعظة؛ إذ كان هذان الفريقان على ذكر من المنافقين وقد شهدوا بعضهم وبلغهم خبر بعض.
ويحتمل أيضاً أن يشمل {الذين خلوا} الأمم السالفة الذين غضب الله عليهم لأذاهم رسلهم؛ فاستأصلهم الله -تعالى- مثل قوم فرعون وأضرابهم.
وذيل بجملة {ولن تجد لسنة الله تبديلاً} لزيادة تحقيق أن العذاب حائق بالمنافقين وأتباعهم إن لم ينتهوا عما هم فيه وأن الله لا يخالف سنته؛ لأنها مقتضى حكمته وعلمه فلا تجري متعلقاتها إلا على سنن واحد.
والمعنى: لن تجد لسنن الله مع الذين خَلَوْا من قبل ولا مع الحاضرين ولا مع الآتين تبديلاً، وبهذا العموم الذي أفاده وقوع النكرة في سياق النفي تأهلت الجملة لأن تكون تذييلاً.
وفي سورة التوبة (الفاضحة) يقول-تعالى-: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (التوبة:64-66).
في هذه الآيات دليل على أن من أسر سريرة خصوصا السريرة التي يمكر فيها بدينه ويستهزئ به وبآياته ورسوله فإن الله -تعالى- يظهرها ويفضح صاحبها، ويعاقبه أشد العقوبة، وأن من استهزأ بشيء من كتاب الله أو سنة رسوله الثابتة عنه أو سخر بذلك أو تنقصه أو استهزأ بالرسول أو تنقصه فإنه كافر بالله العظيم وأن التوبة مقبولة من كل ذنب وإن كان عظيما.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 12-12-2024 08:36 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (23) سُنَّة الله في الهداية والضلال


قبل عام، دعاني زميلي -في العمل من تونس- ليريني الشقة الجديدة التي استأجرها، كان مسرورا بها؛ لكبر مساحتها وإطلالتها الجميلة على البحر، وتوفر الخدمات حولها، كان يجهزها قبل أن تأتي زوجته وابنته إلى الكويت للمرة الأولى.
رافقني بعد صلاة ظهر الثلاثاء الماضي إلى مكتبي، بدأت عليه علامات الضيق، وعدم الارتياح.
- أفكر أن أغير السكن. استغربت رغبته.
- شقتك جميلة، وموقعها مميز، وإطلالتها فاخرة.
- نعم كل ذلك صحيح، ولكن جيراننا -مع الأسف-، مجموعة من الشباب الذين يسهرون كل أسبوع تقريبا، يوم الخميس ليلة الجمعة إلى ساعات الصباح الأولى، ونحن لا ننام تلك الليلة.
- هل تحدثت معهم؟ - في البداية شكوت الأمر إلى (حارس المبنى)، أظهر اهتماما، ولكن يبدو أنهم كسبوه لناحيتهم بالمال! وتحدثت إلى مالك الشقة، ووعدني خيرا ولم يتغير شيء، طرقت الباب ذات مرة عليهم، بعد صلاة العصر، كان واحد منهم فقط في الشقة، تعرفت عليه، تحدثت معه بلطف.
- طلب مني أن نتحدث في بهو مدخل المبنى.
- نحن خمسة من الشباب اثنان منا متزوجان، بعضنا يعمل في القطاع النفطي وبعضنا في القطاع الأمني، عملنا فيه نظام النوبات، نرتب أمورنا ونرفه عن أنفسنا يوم الخميس، ليلة الجمعة.
- ألا تصلون الجمعة؟! - في أغلب الأحيان، لا؛ لأننا نكون نياما «ورفع القلم عن النائم حتى يصحو»! - هذا فهم خطأ للحديث؛ وذلك أن «من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه» (صحيح أبي داود).
- عسى الله أن يهدينا، ونحافظ على الجمعة. أغاظتني ردوده الجاهزة، وعدم مبالاته.
- وماذا فعلت معه؟ تابعت حديثي معه مع علمي أنني لن أصل إلى شيء.
- (الهداية) نعم من الله، ولكن لها أسبابها، الله -سبحانه وتعالى- وضع شروطا للهداية، من استوفى هذه الشروط نال الهداية، ومن لم يأخذ بها تركه الله لما اختاره. قاطعني.
- كما آية في القرآن يقول الله فيها: {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ}.
- نعم آيات كثيرة، ولكن حاشا لله أن يظلم أحدا. وإلا، لماذا يثيب من يهدي، ويعذب من يضل، إذا لم يكن للعبد دور في الهداية والضلال؟ لا ينبغي أن نصف الله بهذه الطريقة، الله -سبحانه وتعالى- يهدي من أراد الهداية وبذل أسبابها، ويضل من ترك أسباب الهداية ولم يردها، فيتركه الله -عز وجل- لما اختار، يقول -تبارك وتعالى-: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (فاطر:8)، بمعنى: الذي يريد العمل السيئ ويمارسه ويرى أنه حسن يتركه الله لما أراد، وكذلك يقول الله -عز وجل-: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (الزمر:3)، هو الذي اختار الكفر فتركه الله لاختياره وإصراره، ويقول -تعالى-: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} (غافر:28)؛ فالذي يختار طريق الضلال، ويسير فيه ويعرض عن طريقة الهداية، يتركه الله، وهذا معنى (يضله الله)، أما من أحب الهداية، وأرادها صادقا، وبذل أسبابها، فإن الله يهديه ويوفقه ويحفظه، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (محمد:17)، يقول -تعالى-: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (المائدة:16).
ويقول -سبحانه-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (يونس:9).
ويقول -عز وجل-: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} (النساء:175).
- أظن أن الإنسان يعلم في أعماق نفسه، أنه إذا أراد الهداية يصل إليها، ولكن من اعتاد الذنوب والبعد عن طاعة الله، تصعب عليه الرجعة، ويزين له الشيطان ما هو فيه، ويلقي في قلبه، أن الهداية بيد الله، لو أراد الله له الهداية ما استطاع أحد أن يضله، فيبقى على ما هو عليه.
قاطعت صاحبي.
- وإلى ماذا انتهى حوارك مع جارك؟ - تبين لي أنه يعلم أن ما يفعله خطأ، وأنه يعصي الله بترك الواجبات، والوقوع في المحرمات، يعلم كل ذلك، وأنه لو أراد أن يتوقف فإنه يستطيع ذلك، ولكنه يريد أن يتمتع بحياته، إلى حين، ثم يرجع إلى الله.
- وما الضمان أنه سيبقى حتى تكون له فرصة الرجوع.
سألته، عن ذلك، قال إذا كان ذلك، فإنه أمر الله لا يرد! - وكيف ختمت حديثك معه.
- ختمته، بطلب مراعاة الجيرة، وحسن التعامل مع الجار، ولكن عقدت العزم على ترك المكان كما في الحديث.
«اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة؛ فإن جار البادية يتحول» (صحيح الترغيب).



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 18-12-2024 10:33 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (24) سنّة الله في (عقوق الوالدين)!


أديت وصاحبي صلاة الجمعة في غير مسجدنا المعتاد، كل مسجد له خصوصية يتفق عليها رواده، فإن لم تكن من أهل المسجد لا تستغرب بعض (الأوضاع) غير الصحيحة. دخل الخطيب، صعد المنبر، سلّم على المصلين، رُفع الأذان، تناول الخطيب أوراقا كتبت فيها الخطبة (الرسمية) لوزارة الأوقاف، وأخذ يقرأ منها، كان موضوعها (بر الوالدين) انتهى من الخطبتين بأقل من ثلاث عشرة دقيقة، خرجت وصاحبي بعد الصلاة، بدأ هو الحوار.
- لا أعلم كيف يكتفي الخطيب بقراءة الخطبة، وكأنه مدرس يريد أن ينهي مادة تعليمية، ثم ينصرف. - هذه وظيفة، وقد أداها كما هو مطلوب منه.
- نعم هي وظيفة، ولكن ما المانع أن يكسب أجر الآخرة أيضا، بأن يضيف لما كتب ويزيد على ما أرسل إليه، ويضع جهدا في إرسال الموضوع ذاته إلى المصلين، ولكن دون أسلوب الإلقاء المدرسي؟ - دعنا من ذلك يا (أبا فيصل)، لكل خطيب أسبابه، ولكن لنتحدث عن الموضوع (بر الوالدين وعقوقهما)، هل تعلم أن الله -عز وجل- له سنة نافذة دائمة فيمن يقع في هذا الذنب العظيم؟ - تعني (عقوق الوالدين)؟ - نعم، هذه كبيرة من الكبائر التي يعجل الله عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، مع ما يدخره لصاحبها في الآخرة من عذاب؛ ففي الحديث عن أبي بكر نقيع بن الحارث - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل ذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة، إلا البغي وعقوق الوالدين (أو قطيعة الرحم)، يعجل لصاحبها في الدنيا قبل الموت» (صحيح الأدب المفرد).
وفي رواية «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله -تعالى- لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم» (صحيح الجامع). - نعوذ بالله من عذاب الله، لا شك أنه ذنب عظيم.
- وفي رواية أنس بن مالك - رضي الله عنه - جزم بهذه السنة الإلهية حديث يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق» (صحيح الجامع).
استدرك صاحبي موضحا: - لا ننسى أن العقوق درجات، وأقسى العقوبة مع أقصى العقوق وذلك أن بعض العلماء، جعل من العقوق أن تأكل مع والدك! وأن تنظر إليه إذا تحدثت معه! وأظن أن مفهوم (العقوق) يختلف مع اختلاف (الأعراف) في المجتمع.
- دعني أبيّن أمرا قبل أن نناقش (درجات العقوق). (العقوق) مشتق من (العق)، وهو القطع والشق، ولعل مقياس العقوق، هو شعور الأب المنصف بأن ابنه (بار به) أو (عاق له)، ولا شك أن هناك درجات لا خلاف على أنها من العقوق مثل ما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه! قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه وأمه» (البخاري)، وكذلك من العقوق الذي لا شك فيه أن يبلغ الغضب في الوالد حتى يدعو على ابنه! ودعوته مستجابة.
كما في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» (الألباني حسن لغيره).
وكما في العقوق درجات، في البر درجات، والعبد يجتهد أن يكون بارا بوالديه، يبتغي رضا الله والجنة. (كما أن تمام الأجر مع تمام العمل، كذلك تمام العذاب مع تمام العقوبة).
- أحسنت يا (أبا أحمد)، العبد مهما اجتهد في بر والديه، هناك درجة أعلى، والسقف عال جدا في بر الوالدين، في حياتهما وبعد موتهما، وكذلك العقوق دركاته كثيرة، أظن أن المطلوب أن يكون الوالدان راضيين، بمعنى أن يشعر الوالدان أن الابن بار بهما، على قدر استطاعته.
- من أبواب الجنة باب لبر الوالدين، كما هناك باب للصلاة وباب للصدقة وباب للصيام، من أبواب الجنة باب (بر الوالدين) في الحديث عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه» (صحيح الترمذي). قاطعني.
والوالدة؟ - لا شك أن شأنها أعظم؛ فهذا من باب الاستشهاد بالأقل على الأعلى، بمعنى إن كان الباب للوالد، فالوالدة أولى بهذا الباب، ومن حفظ حتى الوالد فهو لحق الوالدة أحفظ؛ وذلك أن الوصية بها ثلاثة أضعاف الوصية بالوالد، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المعروف: «قال رجل: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك فأدناك» (صحيح مسلم).
الشاهد أن سنة الله في بر الوالدين الأجر العظيم في الدنيا وسبب لدخول الجنة، وفي عقوق الوالدين العقوبة المعجلة في الدنيا، والحرمان من الجنة إلا بعد المغفرة بمشيئة الله.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 24-12-2024 09:35 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (25) من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه


اقترح علي صاحبي أن نؤدي صلاة الجمعة في مسجد جديد، لم نجمع فيه من قبل.
- معظم المساجد يدخل الخطيب وقت الصلاة، يصعد المنبر، يقرأ من الخطبة التي وضعت له ثم يصلي وينصرف، وإذا اجتهد اجتهد في طريقة الإلقاء، من رفع النبرة وخفضها.
ابتسمت معلقا على ملاحظة صاحبي.
- وماذا في ذلك؟ عادة الخطب الجاهزة تكون مفيدة لجمهور المسلمين وفيها من العلم والموعظة ما ينفع العامة. لم يعقب صاحبي، فسألته: - وماذا عن خطبة اليوم؟ ماذا سيكون موضوعها؟ - خطبة الوزارة الرسمية (كلمة التوحيد).
- موضوع جميل، ومهم، ونافع، ويحتاجه العامة.
- لنر كيف سيلقيها الخطيب.
- بعد الصلاة، وكان موضوع الخطبة مختلفا عن توقع صاحبي، تناول الخطيب (سنة إلهية فيمن يترك شيئا لله).
- ما رأيك بالخطبة؟ - بصراحة، استمتعت بها، على غير العادة، لقد أجاد في كل الجوانب، الموضوع، والأداء، والفائدة، وتخريج الأحاديث، ولاسيما الحديث عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق، حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها» (صحيح الترمذي)؛ فقد يظن المرء أن هذا النص لا يتفق مع قول الله -تعالى-: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (الأعراف:32)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته» (صحيح الجامع).
ولكن الشيخ -جزاه الله خيرا- بين أن ترك اللباس باهظ الثمن، إنما من باب التواضع لله، وإلا فالثياب الحسنة من السنة.
بعد أن خرجنا من الزحمة وسلكنا طريقنا نحو المجمع الذي اتفقنا أن نتناول الغداء فيه، عقبت على مقالته.
- أجمل ما في الخطبة بالنسبة لي، هي بيان سنة إلهية من السنن الثابتة الدائمة، وهي أن «من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا مما ترك».
هذه قاعدة عامة، وقانون دائم، يدفع العبد أن يترك المحرمات أولا، يريد وجه الله، ويترك المباحات يريد وجه الله، وهنا يحضرني حديث معاذ بن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله -سبحانه وتعالى- على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء» (رواه الترمذي وأبو داود - صحيح الترغيب).
وأحسن الخطيب بذكره قصة صهيب الرومي - رضي الله عنه - عندما أراد الهجرة من مكة وتبعه نفر من قريش حتى أدركوه ليرجعوه، فعرض عليهم ماله كله الذي في مكة على أن يتركوه يلحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففعلوا، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له مبشرا: «ربح البيع يا أبا يحيى، ربح البيع يا أبا يحيى» وفيه نزل قول الله -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة:207)، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع لله إلا رفعه -عز وجل-» (مسلم).
وأصرح من ذلك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنك لن تدع شيئا لله -عز وجل- إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه» (السلسلة الصحيحة)، قال ابن القيم -رحمه الله-: «وقوله من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه: حق، والعوض أنواع مختلفة، وأجل ما يعوض به: الأنس بالله ومحبته وطمأنينة القلب به، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه -تعالى-» (الفوائد).
تابعت كلام صاحبي.
- هكذا هو الشيخ ابن القيم -رحمه الله- يتعامل مع القلوب والإيمانيات، ولم يذكر أن العوض يكون أيضا في الدنيا، وقد ذكر هو ذاته أمثلة من العوض في (روضة المحبين)، يقول: «لما عقر سليمان بن داود -عليهما السلام- الخيل التي شغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس، عوضه الله بالريح، تسير به، غدوها شهر ورواحها شهر: (أي يقطع بها في الغداة مسافة ما يقطعه بالخيل شهرا كاملا، وكذلك في العصر!)» ويتابع ابن القيم أمثلته: «ولما ترك المهاجرون ديارهم لله، وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم أعاضهم الله أن يفتح عليهم الدنيا وملكهم شرق الأرض وغربها».
هذه سنة إلهية لا تتبدل ولا تتعطل أبدا.
أدركنا المكان الذي نريد، وذلك أن الطريق كانت سالكة والمسافة قصيرة.
تابعنا حديثنا.
- والظاهر أن معظم العوض يكون في الآخرة كما قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: «فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا، لا يساوي ذرة مما في الجنة» فتح الباري .
ومن الأدلة أن العوض في الآخرة أضمن، حديث أبي هريرة -]- قال رسول الله -[-: «من سره أن يسقيه الله الخمر في الآخرة فليتركها في الدنيا، ومن سره أن يكسوه الله الحرير في الآخرة فليتركها في الدنيا» (صحيح الترغيب)، ومما يذكر في هذا الباب قصة زواج والد عبدالله بن المبارك.. الإمام المعروف: - فقد كان المبارك رقيقا فأعتقه سيده، وعمل أجيرا عند صاحب بستان، وفي يوم خرج صاحب البستان ومعه نفر من أصحابه إلى البستان، وأمر المبارك أن يحضر لهم رمانا حلوا، فجمع لهم فلما ذاقه قال للمبارك: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ فقال المبارك: لم تأذن لي أن أكل حتى أعرف الحلو من الحامض؛ فظن صاحب البستان أن المبارك يخدعه، وقال له: أنت منذ كذا وكذا سنة تحرس البستان وتقول هذا؟ ثم سأل بعض الجيران عنه فشهدوا له بالخير والصلاح وأنهم ما عرفوا أنه أكل رمانة واحدة، فجاءه صاحب البستان وقال له إذا أردت أن أزوج ابنتي فممن أزوجها؟ فقال المبارك : إن اليهود يزوجون على المال، والنصارى يزوجون على الجمال، والمؤمنين يزوجون على التقوى والدين فانظر من أي الناس أنت؟ فقال: وهل أجد لابنتي من هو خير منك؟ وعرضها عليه فقبل المبارك وبنى بها ورزق منها أولادا، كان منهم عبدالله بن المبارك -رحمه الله-.
- ختم صاحبي كلامه.. أنا أقسم بالله وأجزم يقينا دون شك أن «من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه»، على العبد فقط أن يكون صادقا مع الله، ويصلح نيته، وأن يترك هذه المنهيات يريد رضا الله، ورغبة فيما عند الله، وسوف ينال ما يريد، دون أدنى ريب.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 01-01-2025 04:51 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (26)
سنة الله في المكر



صاحبي دقيق في كل شيء، يدهشني -أحيانا- بدقة ملاحظاته، كنا في مكتبتي كعادتنا، بعد صلاة الجمعة، نقضي نصف ساعة تقريبا نتحاور معظم الأحيان حول قضايا شرعية، بدأ حواره: - الكيد، والمكر، والخداع، كلمات وردت في كتاب الله، تتشابه، وتفترق، ليتك تبحث لنا عن معانيها.
أعجبتني ملاحظة صاحبي، جلست خلف الحاسوب، هذا الجهاز الذي سهل علينا حياتنا، أصبحنا ننجز في دقائق معدودة ما كنا نحتاج لأيام من البحث.
إليك يا (أبا عبدالله) ما وجدت في المكر.
وردت كلمة (مكر) ومشتقاتها 43 مرة في القرآن وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: والعرب قد تطلق الكيد على المكر، والعرب قد يسمون المكر كيداً ووردت الكلمتان في كتاب الله فتبين الفرق بينهما، فالمكر إظهار الطيب وإبطان الخبيث، وهو الخديعة، وقد يكون حسنا أو سيئا، وقد بين -جل وعلا- أن المكر السيئ لا يرجع ضرره إلا على فاعله، وهذه سنة إلهية لا تتبدل ولا تتعطل، بل نافذة على الجميع، وذلك في قوله -تعالى-: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلا نُفُوراً استكبارا في الأرض وَمَكْرَ السيء وَلَا يحيق المكر السيء إلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تحويلاً} (فاطر: 43).
قال -تعالى- في بيان معنى المكر وجزائه: {قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بُنْيَاهُمْ مِّنَ القواعد فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العَذَابِ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} (النحل: 26)، وهذا في قصد النمرود، فكان مكرهم بنيان الصرح ليصعد إلى السماء، فكان مكر الله بهم أن تركهم حتى تصاعدوا بالبناء، فأتى الله بنيانهم من القواعد، فهدمه عليهم.
وذكر الله في سورة يوسف: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} (يوسف:102)، وبين -سبحانه- في أول هذه السورة الكريمة أن الذي أجمعوا أمرهم عليه هو جعله في غيابة الجب، وأن مكرهم هو ما فعلوه بابيهم يعقوب وأخيهم يوسف، وذلك في قوله: {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب}.
وذكر -جل وعلا- (المكر) في آيات كثيرة مثل: مكر كفار مكة بقوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُقْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30)، وذكر بعض مكر اليهود بقوله: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)} ( آل عمران).
ومعنى: {والله خير الماكرين} أي أقواهم عند إرادة مقابلة مكرهم بخذلانه إياهم. ويجوز أن يكون معنى خير الماكرين: أنّ الإملاء والاستدراج، الذي يقدّره للفجار والجبابرة والمنافقين، الشبيه بالمكر في أنّه حَسَن الظاهر سَيِّئ العاقبة، هو خير محض لا يترتب عليه إلاّ الصلاح العام، وإن كان يؤذي شخصاً أو أشخاصاً، فهو من هذه الجهة مجرّد عما في المكر من القُبح، وبين بعض مكر قوم صالح بقوله: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} (النمل: 50-51).
وذكر مكر قوم نوح بقوله: {وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً (22) وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آهِتَكُمْ} (نوح: 22-23) الآية. وبين مكر رؤساء الكفار في قوله: {بَلْ مَكْرُ الليل والنهار إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفر بالله} (سبأ: 33) الآية.
وقال -عز وجل-: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)} (الاعراف).
واعلم أن المراد بـ(أمن مكر الله) في هذه الآية هو الأمن الذي من نوع أمن أهل القرى المكذبين، الذي ابتُدئ الحديث عنه من قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} (الأعراف: 94) ثم قوله: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ} الآيات، وهو الأمن الناشئ عن تكذيب خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعن الغرور بأن دين الشرك هو الحق؛ فهو أمن ناشئ عن كفر، والمأمون منه هو وعيد الرسل إياهم وما أطلق عليه أنه مكر الله. وقال -تعالى- في ذم الكافرين: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمَكُرُونَ} (يونس:21).
ومكرهم في آيات الله هو الاستهزاء بها وإنكارها ووصفها بما لا يليق، ولما كان الكلام متضمناً التعريض بإنذارهم، أمر الرسول أن يعظهم بأن الله أسرع مكراً، أي منكم، فجعل مكر الله بهم أسرع من مكرهم بآيات الله، والمعنى أن الله أعجل مكراً بكم منكم بمكركم بآيات الله.
وجملة: {إنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون} خطاب للمشركين مباشرة تهديداً من الله، وتأكيد الجملة لكون المخاطبين يعتقدون خلاف ذلك؛ إذ كانوا يحسبون أنهم يمكرون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأن مكرهم سيمر عليه دون أن يشعر به! فأعلمهم الله بأن الملائكة الموكلين بإحصاء الأعمال يكتبون ذلك، وعبر بالمضارع في {يكتبون} و {يمكرون} للدلالة على التكرر، أي تتكرر كتابتهم كلما يتكرر مكرهم، وقال -تعالى-: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْس وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْيَ الدَّارِ} (الرعد:42).
وفي هذا التشبيه رمز إلى أن عاقبتهم كعاقبة الأمم التي عرفوها؛ فنقص أرض هؤلاء من أطرافها من مكر الله بهم جزاء مكرهم؛ فلذلك أعقب بقوله: {وقد مكر الذين من قبلهم} أي كما مكر هؤلاء.
والمعنى: مكَرَ هؤلاء ومكر الذين من قبلهم، وحل العذاب بالذين من قبلهم؛ فمكر الله بهم وهو يمكر بهؤلاء مكراً عظيماً كما مكر بمن قبلهم، وإنما جعل الله (جميع المكر) بتنزيل مكر غيره منزلة العدم، وتقديم المجرور في قوله: {فلله المكر جميعاً} للاختصاص، أي له -سبحانه- لا لغيره وقال -تعالى-: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (إبراهيم:46).
والعندية إما عندية عِلم، أي وفي علم الله مكرهم، وإما عندية تكوين ما سمي بمكر الله وتقديره في إرادة الله، فيكون وعيداً بالجزاء على مكرهم في كلا الحالين، أي وما كان مكرهم زائلة منه الجبال، وهو استخفاف بهم، أي ليس مكرهم بمتجاوز مكر أمثالهم، وما هو بالذي تزول منه الجبال، وفي هذا تعريض بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين الذين يريد المشركون المكر بهم لا يزعزعهم مكرهم؛ لأنهم كالجبال الرواسي.
انتهيت من قراءة ما جمعت عن (المكر)، قال صاحبي: - وماذا عن (الكيد) ؟ - سوف أجهز لك بحثا آخر -إن شاء الله-.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 17-01-2025 09:13 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (٢٧) {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ}


- هذه الآية من سورة الفتح، يذكر الله -تعالى- أنها إحدى سننه التي لا تتبدل، وقد حيرتني صراحة ؛ وذلك أن معاركنا الأخيرة مع (الكفار)، كانت جيوشنا هي التي تولي الأدبار؟!
لم يخف صاحبي علامات الاستفهام التي كانت واضحة في طريقة حديثه وتعابير وجهه!
ابتسمت!
- هاتان الآيتان هي الثانية والعشرون والثالثة والعشرون من سورة الفتح، يبين الله -عز وجل- موقفا من مواقف المؤمنين مع الكفار، ونص الآيتين: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)} (الفتح)، وحتى تكتمل الصورة نقرأ الآية قبلها.
{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (20) وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} (الفتح)، نزلت هذه الآية في الحديبية وذلك أن جمعا من المشركين أرادوا أخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم - والمسلمين على حين غرة؛ فأوحى الله إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأمره فأسرهم، قيل: كانوا ثلاثين أو خمسين رجلا، ثم أفرج عنهم، فيخبر الله -عز وجل- أنه لو كان هناك قتال بينكم وبين أهل مكة، {لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ}، ولكن الله كف أيدي الكفار، ولم يقع قتال، وعلل ذلك بقوله -عز وجل-، في الآية 25، {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (الفتح:25).
قاطعني:
- أعلم كل هذا، وجميل أن أتيت بسبب النزول، والتفسير لهذه الآيات، لكنَّ إشكالي في قول الله -تعالى-: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الفتح:23)، المعنى الذي يتبادر إلى ذهني، أنه ولو كان قتال بين المؤمنين والكفار، فإن الكفار يولون الأدبار، هذه من سنة الله التي لا تتبدل ولا تتأخر!
كان صاحبي متحمسا بعض الشيء.
- دعني أبيّن لك المعنى حتى يزول الإشكال من ذهنك؛ ذلك أنك يجب أن تطَّلع على المشهد كاملا حتى تعرف المعنى المراد من هذه السنة الإلهية.
في التحرير والتنوير، المعنى: سن الله ذلك سنة، أي: جعله عادة له أن ينصر المؤمنين على الكافرين إذا كانت نية المؤمنين نصر دين الله، كما قال -تعالى-: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحج:40)، أي ضمن الله النصر للمؤمنين بأن تكون عاقبة حروبهم نصرا وإن كانوا يغلبون في بعض المواقع كما وقعة في أحد، وقد قال -تعالى-: {والعاقبة للمتقين} (القصص:13)، وقال: {والعاقبة للتقوى} (طه:132)، وإنما يكون كمال النصر بحسب ضرورة المؤمنين وبحسب الإيمان والتقوى؛ ولذلك كان هذا الوعد غالبا للرسول ومن معه، فيكون النصر تاما في حال الخطر كما كان يوم بدر، ويكون سجالا في حال السعة كما في وقعة أحد، وقد دل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض» (انتهى)، وتفصيل هذه الموقف ورد في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لماّ كان يوم بدر، نظر النبي -صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه وهم ثلاث مئة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - القبلة ثم مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: اللهم أين ما وعدتني؟ اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدأ، فما زال يستغيث ربه -عز وجل- ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر -رضي الله عنه- فأخذ رداءه فرده عليه، ثم قال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك، وأنزل الله -عز وجل-: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (الأنفال:9)، فكانت هزيمة الكفار ونصر المؤمنين.
عقب صاحبي:
-مع الأسف، كثير من الشباب المتحمس يظن أنه ما التقى جيش من المؤمنين بجيش من الكفار إلا كان النصر للمؤمنين! فيلقون بأنفسهم في الهلاك دون اتخاذ الأسباب، ودون علم محيط بأسباب النصر، لفهمهم الخطأ بهذه السنة الإلهية، وأنا شخصيا لم يكن لدي فهم شامل لهذه السنة.
- دعني أكمل لك تفصيل هذه السنة من كتب التفسير.
ويكون لمن بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جيوش المسلمين بحسب تمسكهم بوصايا الرسول -صلى الله عليه وسلم -؛ ففي (صحيح البخاري) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يأتي زمان يغزو فئام من الناس، فيقال: فيكم من صحب النبي؟ فيقال: نعم، فيفتح عليه، ثم يأتي زمان فيُقال: فيكم من صحب أصحاب النبي؟ فيقال: نعم فيفتح ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صَحِب من صَاحَبَ النبي؟ فيقال: نعم فيُفتحُ»، ومعنى {خلت} مضت وسبقت من أقدم عصور اجتلاد الحق والباطل، وفائدة هذا الوصف الدلالة على اطرادها وثباتها.
والمراد: أن ذلك سنة الله مع الرسل قال -تعالى-: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة: 21).
ولما وصف تلك السنة بأنها راسخة فيما مضى، أعقب ذلك بوصفها بالتحقق في المستقبل تعميماً للأزمنة بقوله : {ولن تجد لسنة الله تبديلاً}؛ لأن اطراد ذلك النصر في مختلف الأمم والعصور، وإخبار الله -تعالى- به على لسان رسله وأنبيائه، يدل على أن الله أراد تأييد أحزابه، فيُعلم أنه لا يستطيع كائن أن يحول دون إرادة الله -تعالى-.
وفي تفسير السعدي:
هذه بشارة من الله لعباده المؤمنين بنصرهم على أعدائهم الكافرين، وأنهم لو قابلوهم وقاتلوهم {لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا} يتولى أمرهم، {وَلا نَصِيرًا} ينصرهم ويعينهم على قتالكم بل هم مخذولون مغلوبون وهذه سنة الله في الأمم السابقة، أن جند الله هم الغالبون {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا}.
وفي تفسير الطبري
يقول -تعالى ذكره للمؤمنين به من أهل بيعة الرضوان-: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالله أيها المؤمنون بمكة {لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ}، يقول: لانهزموا عنكم، فولوكم أعجازهم، وكذلك يفعل المنهزم في الحرب {ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}، يقول: ثم لا يجد هؤلاء الكفار المنهزمون عنكم، المولوكم الأدبار، وليا يواليهم على حربكم، ولا نصيرا ينصرهم عليكم؛ لأن الله -تعالى ذكره- معكم، ولن يغلب حزب الله ناصره.
عن قتادة قوله: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبَارَ } يعني كفار قريش، قال الله: {ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا} ينصرهم من الله.
وقوله: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ} لو قاتلكم هؤلاء الكفار من قريش، لخذلهم الله حتى يهزمهم عنكم خذلانه أمثالهم من أهل الكفر به، الذين قاتلوا أولياءه من الأمم الذين مضوا قبلهم.
وقوله: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا}، يقول -جل ثناؤه- لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ولن تجد يا محمد لسنة الله التي سنها في خلقه تغييرا، بل ذلك دائم للإحسان جزاؤه من الإحسان وللإساءة والكفر العقاب والنكال.


اعداد: د. أمير الحداد





ابوالوليد المسلم 26-01-2025 08:08 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (28)

سنة الله في الكيد


- من تفاصيل الأسماء والصفات التي تعلمتها من رحلتنا الأخيرة إلى المدينة المنورة، أن هناك صفات لا تنسب إلى الله إلا مقيدة، مثل قوله -تعالى- في المكر: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30)، وقوله -عز وجل-: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آل عمران:54)، وفي الخداع يقول -تعالى-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء: 142)، وفي النسيان يقول الله -تعالى-: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (التوبة:67)، فهذه الصفات لا تنسب لله -عز وجل- إلا مقيدة كما وردت في مواضعها.
- أحسنت يا (أبا عبدالرحمن)، لقد كانت رحلة ترويحية إيمانية علمية جميلة إلى المدينة وما حولها، رغم ارتفاع درجة الحرارة.
وهذه المسألة تشكل على المبتدئين؛ لذلك يجب التنبيه لها بين فترة وأخرى، ضمن القاعدة العامة : (صفات الله -عز وجل- المطلقة كلها صفات كمال وجلال وعظمة).
كنت وصاحبي في طريق عودتنا من المدينة المنورة، انطلقنا بعد صلاة الفجر على أن نتوقف في الرياض وقت الظهيرة، ثم نتابع إلى الكويت بعد صلاة العصر.
- وماذا عن صفة (الكيد)؟!
- ذكر الكيد (29) مرة في كتاب الله -تعالى-، نسبه الله -عز وجل- إلى ذاته الجليلة: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (الأعراف:183) (القلم:45)، وفي مقابلة كيد الكافرين: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} (الطارق:15-17)، وإلى الشيطان: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (النساء:76)، وإلى السحرة: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (طه:69)، وإلى فرعون: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} (غافر:37)، وإلى الكافرين: {فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} (غافر:25).
قاطعني صاحبي:
- دعنا نبحث عن معنى الكيد في اللغة.
(الكيد)، إيقاع المكروه بالآخر على وجه المكر والخديعة، وهو مكروه في غالب أحواله، ولا يكون ممدوحا إلا إذا كان في باب المقابلة، ويأتي في اللغة على معان عدة: الحيلة، والخديعة، والحرب، والمكر، والاستدراج، وإرادة السوء بالآخر، ويكون بعض ذلك محمودا، مثل قوله -تعالى-: {كذلك كدنا ليوسف}، عن ابن عباس قال: كيد الله: العذاب والنقمة. والاستدراج من كيد الله بالكافرين.
- وما سنة الله في الكيد إن كانت هناك سنة إلهية؟
- نعم، سنة الله ثابتة نافذة دائمة، أنه -سبحانه- {لا يهدي كيد الخائنين} (يوسف:52)، ذلك أن كل خائن لا بد أن تعود خيانته على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره ويتضح عاجلا أم آجلا.
- يبدو أن (كيد) كلمة لها دلالات لغوية عدة بحسب استخدامها.
- نعم هي كذلك، ومن الأمثلة التي تبين دقة معنى هذه الكلمة قول الله -تعالى- حكاية عن إبراهيم: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} (الأنبياء:57)، فقد سمى إبراهيم عزمه على تكسير أصنامهم (كيدا)؛ لاعتقاد المخاطبين أن الأصنام تدفع عن نفسها فلا يستطيع أن يمسها بسوء إلا على سبيل الكيد.
وفي قوله الله -تعالى-:
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (الأعراف:182-183)، فكيد الله بهؤلاء المكذبين، هو الاستدراج والإملاء، بما يفتح عليهم من خيرات الدنيا فيظنون أنهم على حق، ثم يأخذهم -عز وجل- فلا يفلتهم، كما في الحديث عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله -عز وجل- يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}».
وقوله -تعالى-: {يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ} (الطور:46).
بيّن -جل وعلا في هذه الآية- أن كيد الكفار لا يغني عنهم شيئا في الآخرة، كقوله -تعالى-: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} (المرسلات:38-39)، أي فإن كان لكم كيد اليوم كما كان لكم في الدنيا، أي كيد بديني ورسولي فافعلوه، وبين أنه لا ينفعهم في الدنيا أيضا، كقوله -تعالى-: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} (الطور:42)، وقوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا} (الطارق:15-16) إلى غير ذلك من الآيات.
- فالخلاصة أن كيد الخائنين مفضوح، وكيد الشيطان ضعيف، وكيد الكافرين لا قيمة له، وكيد السحرة لا خير فيه، وكيد الله متين قوي، وهو -سبحانه- يكيد لأنبيائه وأوليائه، كيدا فيه الخير والفوز والفلاح، ويكيد -سبحانه- بالكافرين؛ فيبطل كيدهم، ويذرهم في ضلالهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر فلا يفلتهم!


اعداد: د. أمير الحداد





ابوالوليد المسلم 10-02-2025 08:13 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (29) {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}


  • إن المؤمن بالله يعيش حياة مطمئنة، فضلا عن النعيم الدائم يوم القيامة؛ فالعقيدة الصحيحة بالله، ليست سبيلا للفوز بالجنة فحسب، بل السبب الأول لحياة دنيوية مستقرة، مهما اشتدت الظروف، وضاقت الأحوال، ويكفي في ذلك حديث صهيب بن سنان الرومي -رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجبت لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير، وإن أصابه ما يكره صبر فكان له خير، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن» (السلسلة الصحيحة».
  • قليل من يتذكر هذه الحقيقة ويعمل بمقتضاها.
  • كنت وصاحبي في رحلة علاج إلى (بانكوك)، تواصل معهم من الكويت؛ حيث لديهم قسم خاص باللغة العربية، ووفق الموعد كانت المركبة تنتظرنا أمام الفندق قبل الساعة الثامنة صباحا.
  • هؤلاء القوم الذين لا يؤمنون بشيء، أو يعبدون شيئا غير الله -عز وجل- تنهار حياتهم إذا توالت عليهم المصائب، المرض، وضيق العيش، والفيضانات، والزلازل، لا يجدون مصدرا للأمان والطمأنينة، وراحة النفس، أما المؤمن بالله، ينزل به البلاء، تلو البلاء، فلا يزداد إلا إيمانا بالله، ورجوعا إلى الله، وثقة بالله؛ لأنه على علم بسنن الله -عز وجل- و{إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، والله لا يبتلي العبد بغضا فيه، بل ليزيده تقربا وأجرا، والعبد يعلم {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}، و«أن ما أصابه لم يكن ليخطئه»، وأن المصيبة معها الفرج.
أخبرنا السائق أن الوقت الذي نحتاجه للوصول إلى المشفى نصف ساعة تقريبا. سألت صاحبي:
  • ألم يرد حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لن يغلب عسر يسرين»، في شرح قول الله -تعالى-: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}؟
  • لا يثبت هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل هو حديث مرسل ويبدو أنه من كلام الحسن البصري -رحمه الله-.
ولكن في الأثر عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: «لو كان العسر في جحر لتبعه اليسر حتى يدخل فيه فيخرجه ولن يغلب عسر عسرين». وهذه من سنن الله الثابتة النافذة الدائمة، لا يأتي عسر إلا ومعه يسر، وليس بعده، بل معه. يقول -تعالى-: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق:7). عقب صاحبي.
  • دعني أبحث عن كلمة (يسر) في كتاب الله.
أتم بحثه في أقل من نصف دقيقة.
  • وردت كلمة (يسر) بكل صيغها إحدى وأربعين (41) مرة، مثل قول الله -تعالى-: {فسنيسره لليسرى}، وقوله -عز وجل-: {ويسر لي أمري} (طه)، وقوله -سبحانه-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة:185).
واقترن (اليسر) بـ(العسر) في ثلاث آيات: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة:185)، و{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق:7)، و{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح)؛ فاليسر يأتي بمعنى الفرج، والسهولة، والغنى، والتخفيف، والرخاء. عرض علينا السائق عبوتي ماء، أخذناهما، شربت قليلا، واحتفظ صاحبي بها ولم يفتحها.
  • ماذا عن تفسير آيتي الشرح؟
  • من أجمل ما قرأت في شرحهما، وهو شرح خارج المألوف مما ورد في كتب التفسير، ما كتبه ابن عاشور في التحرير والتنوير: «يخاطب الله -عز وجل- نبيه يواسيه، عما قاله كفار قريش حين عرضوا عليه المال، ليكون أغناهم، لا يحزنك قولهم فإن بعد الضيق الذي أنت فيه سيكون لك سعة في الدنيا، وكان ذلك بأن فتح له الفتوح فكان يعطى عطاء من لا يخشى الفقر، ويهب المئين من الإبل، ثم ذكر أن له فضلا آخر في الآخرة، بعد هذه الحياة» انتهى بتصرف؛ فالمعنى أن الأولى للدنيا، والثانية للآخرة، مع أن أغلب المفسرين قالوا: إن الثانية تأكيد للأولى، وأن العسر المذكور في الآية الثانية هو العسر ذاته المذكور في الآية الأولى، لوجود (أل) التعريف، أما اليسر في الآية الثانية فمختلف عن اليسر في الآية الأولى؛ لأنه نكرة!
  • جميل، لنقرأ تفصيل ذلك:
استخرج صاحبي كتاب التنوير في هاتفه وأخذ يقرأ. جملة {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} تكملة للتذييل فإن قوله: {لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها} يناسب مضمون جملة {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} ومعناه: عسى أن يجعل الله بعد عُسركم يُسراً لكم فإن الله يجعل بعد عسر يسراً. وهذا الخبر لا يقتضي إلا أنّ من سنن الله أن يجعل بعد عسر قوم يسراً لهم، فمن كان في عسر رجا أن يكون ممن يشمله فضل الله، فيبدل عسره باليسر. ومن بلاغة القرآن الإتيان بـ(عسر ويسر) نكرتين غير معرفين باللام لئلا يتوهم من التعريف معنى الاستغراق كما في قوله -تعالى-: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ( الشرح: 5). أي إذا علمت هذا وتقرر، تعلَمُ أن اليسر مصاحب للعسر، وإذا كان اليسر نقيض العسر كانت مصاحبة اليسر للعسر مقتضيةً نقض تأثير العسر ومبطلة لعمله، وسياق الكلام وعد للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يُيَسر الله له المصاعب كلَّما عرضت له، فاليسر لا يتخلف عن اللحاق بتلك المصاعب، وذلك من خصائص كلمة {مع} الدالة على المصاحبة. وكلمة {مع} هنا مستعملة في غير حقيقة معناها؛ لأن العسر واليسر نقيضان معاً ؛ فتعين أن المعيّة مستعارة لقرب حصول اليسر عقب حلول اليسر أو ظهور بوادره فمقارنتهما حلول العسر أو ظهور بوادره، بقرينة استحالة المعنى الحقيقي للمعية، وبذلك يندفع التعارض بين هذه الآية وبين قوله -تعالى-: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (سورة الطلاق: 7 )
اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 21-02-2025 11:52 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (31) نولّه ما تولّّى!

- كلما أظهر العبد افتقاره بصدق إلى الله كان دعاؤه أرجى بالإجابة. - ماذا تعني بهذه العبارة؟ كنت وابني معاذ بانتظار أول ولد ذكر له، وزوجته أخلت منذ صلاة الفجر وتجاوزت الساعة العاشرة صباحا، فكان يدعو الله قلقا، أن ييسر الأمر.
- في الحديث عن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دعوات المكروب، الله رحمتك أرجو؛ فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، أصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت» (صحيح الجامع).
فالعبد يذكر نفسه دائما، أن يتولى الله شأنه كله، هدايته، وعافيته، ورزقه، وثباته على الحق، وصلاح ذريته، وطيب عيشه، وحسن خاتمته، فيحقق قوله: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، فلا يكون في قلبه ملجأ غير الله -عز وجل. - هذه حقيقة يغفل عنها الإنسان معظم الوقت، ويتذكر بعضهم في المصيبة والكرب.
- وهنا تختلف مواقف الناس بحسب درجات إيمانهم، ومن أعظم ما يجب أن يوكل العبد إلى الله الهداية والثبات على الحق. يقول -عز وجل-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115)، هذه الآية فيها تحذير شديد أن يبحث المرء عن الهداية في غير الكتاب والسنة بفهم الصحابة -رضي الله عنهم-؛ ذلك أن من يختار غير هذه السبيل، يتركه الله -عز وجل- لاختياره! ومن يتخل الله عنه، يهلك.
كنت أحاول أن أصرف ذهن معاذ عما كان يشغله.


- وهذا معنى قوله -تعالى-: {يُضِلُّ مَن يَشَاءُ}؟ - نعم، فالله -عز وجل- يهدي من سلك سبيل الهداية، ومن أعرض عنها، يتركه لاختياره، وهذا هو الضلال والهلاك، فالعبد هو السبب، يقول الله -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (الصف:5).
قال صاحب المنار، والذي أريد توجيه الأذهان إلى فهمه هو أن هذه الجملة مبينة لسنة الله -تعالى- في عمل الإنسان ومقدارها أعطيه من الإرادة والاستقلال والعمل بالاختيار فالوجهة التي يتولاها في حياته، والغاية التي يقصدها من عمله يوليه الله إياها، ويوجهه إليها، أي: يكون بحسب سنة الله -تعالى- واليا سائرا على طريقها فلا يجد من القدرة الإلهية ما يجبره على ترك اختياره لنفسه، ولو شاء الله -سبحانه- لهدي الناس جميعا بخلقهم على حالة واحدة في الطاعة كالملائكة، ولكنه -سبحانه- شاء أن يخلقهم على ما نراهم عليه من تفاوت في العمل، كل فرد بحسب ما يرى أنه خير له وأنفع في عاجله أو آجله أو فيهما جميعا.
سألني: - وماذا تعني بـ(صاحب المنار)؟ - هو الشيخ (محمد رشيد رضا، ولد في قرية القلمون (لبنان) عام 1865، وهي قرية تبعد عن طرابلس الشام خمسة كيلو مترات، وانتقل إلى مصر عام 1898م، واستقر في القاهرة؛ حيث أصدر مجلة المنار، وتوفي عام 1935م، ويعد من علماء السلف المعاصرين. لنرجع إلى حديثنا، قاطعني. - اسمح لي أن أسأل الممرضة عن وضع (لولوة).
لم ينتظر ردة فعلي، غاب دقيقتين. - تقول: إن الدكتورة معها، وتبدأ عملية الولادة القيصرية. - ستكون الأمور بخير -بإذن الله- فاستعن بالله وأوكل الأمر إليه. - ونعم بالله! تابعت حديثي محاولا إلهاءه.
- فالعبد الذي يختار أن يتولى المنهج العقلي والمنطق يتركه الله لمنهجه، وهذا لا شك أنه على ضلال وهو يحسب أن منهجه أرقى منهج للبشر: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} (النمل:24)، وهذه الآية نزلت في وصف قوم ملكة سبأ، كانوا يعبدون الشمس! ويحسبون أنهم مهتدون، وكذلك من كانوا يعبدون الأصنام، وكذلك من يتبعون الأبراج، ويظنون أن الأبراج تؤثر على شخصية الإنسان، وطبعه، وأخلاقه، وتوافقه مع زوجه، ونجاحه في عمله، هؤلاء تولوا الأبراج والنجوم فتركهم الله لما اختاروا فضلوا عن السبيل. قاطعني: - ولكن أعرف كثيرا ممن يطلعون على هذه الأمور من باب التسلية والفضول. وهذا باب خطر، وسبيل يزينه الشيطان أقله يخدش التوحيد، وربما أنقصه. لم يخف استغرابه من حدة إجابتي.
- اسمع هذه الأحاديث: «عن ابن عباس - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» (صحيح أبي داود).
وفي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما»، هذا إذا سأله دون أن يصدقه! أما إذا صدقه، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه: «من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» (السلسلة الصحيحة). قال ابن تيمية -رحمه الله-: «والمنجّم والعرّاف يدخل في اسم الكاهن»، وعن عمر - رضي الله عنه - قال: «تعلموا من النجوم ما تعرفون به القبلة والطريق ثم أمسكوا»، من تولى الأبراج، تركه الله لهذا العلم، فلم يوفق، ومن تولى علم الطاقة تركه الله لهذا العلم فلم يوفق، ومن تولى علم المنطق والفلسفة، تركه الله لهذا العلم فلم يوفق، الهداية والخير والنجاح والفلاح، أن يتولى المرء كتاب الله -عز وجل-، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بفهم الصحابة -رضي الله عنهم.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 12-03-2025 09:52 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (32) إنكار المنكر ينجي

- وماذا لو لم نتمكن من تغيير المنكر وإيقافه؟ - ليس المطلوب إيقاف المنكر وإنما إنكاره، وفرق كبير بينها. - ألم يرد في الحديث: «من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان».؟ - نعم، الحديث عن أبى سعيد الخدري وهو في صحيح مسلم. - والرسول -[- استعمل كلمة، (فليغيره)، أي يوقفه، ويزيله. كنت وصاحبي نتحاور بين العشاءين، جاء إلى المسجد فجر ذلك اليوم قبل الأذان ورأى مركبتين عند المسجد، اشتبه بأنهما يقومان بأمور منكرة! - ولكنْ (لإنكار المنكر) فقه وأحكام ينبغي أن يعلمها من أراد أن ينكر المنكر، كما في العبادات جميعها ، (العلم قبل العمل). - ولكن يجب على العبد إنكار المنكر، ولو في حده الأدنى إن لم يستطع حتى ينجو من العذاب! - ماذا تعنى بهذه العبارة؟ - من سنن الله -عز وجل-، أن ينجي من ينكر المنكر، وإن وقع العذاب على الجميع. - هذه أيضا عبارة تحتاج إلى تفصيل: - لنبدأ بقول الله -تعالى-: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (الأعراف:164-165). قال الحافظ ابن كثير: «نص على نجاة الناهين»، وقال العلامة السعدي: سنة الله أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وفي قوله -تعالى-: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال:25). قال الحافظ ابن كثير، عن ابن عباس، أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم الله بالعذاب! - تفسير جميل، يؤيد موقفي. - نعم، لابد من إنكار المنكر، كل بحسب سلطته، صاحب السلطان باليد، وصاحب الكلمة المسموعة باللسان، ومن لا سلطة له بالقلب، وذلك أن يكره المنكر، ولا يرضى به، ولا يوجد حيث يقع ويجالس من يفعله. - دعني أبحث من أقوال العلماء في هذا الموضوع. تناول هاتفه الذكي، وكلما فعل هذا الأمر أحدهم أو قمت به، حمدت الله على هذه النعمة العظيمة، نعمة سهولة الوصول إلى العلم ومعرفة أقوال العلماء، في وقائعه، نصل إلى ما كان من قبلنا يحتاج إلى ساعات أو أيام ليصل إليه. اسمع ما وجدت يا (أبا حاتم): قال النووي -رحمه الله- في (شرح صحيح مسلم) (2/23) : «ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس، سقط الحرج عن الباقين. وإذا تركه الجميع : أثم كل من تمكن منه، بلا عذر ولا خوف. ثم إنه قد يتعين أي يصير واجباً على شخص بعينه كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. قال العلماء -رضي الله عنهم-: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين» انتهى. وقال في (مطالب أولي النهى) (1/ 276): «الأمر بالمعروف: لا يجب إلا إذا ظن امتثال المأمور، وهو قول لبعضهم. وقد حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه وصح القول بوجوبه وهذا قول أكثر العلماء وقد قيل لبعض السلف في هذا فقال: يكون لك معذرة، وهذا كما أخبر الله -تعالى- عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، وقد ورد ما يستدل به على سقوط الأمر والنهي عند عدم القبول والانتفاع به. عن عبدالله بن عمرو قال: بينما نحن حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ ذكروا الفتنة أو ذكرت عنده قال: إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه، قال: فقمت إليه فقلت له: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك، قال - صلى الله عليه وسلم -: الزم بيتك وأملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة». (صحيح الترغيب) وفي تفسير قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة:105). عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: إذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعا، وذاق بعضكم بأس بعض، فيأمر الإنسان حينئذ نفسه، حينئذ تأويل هذه الآية. وعن ابن عمر رضي الله عنه - قال: هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم. وهذا كله قد يحمل على أن من عجز عن الأمر بالمعروف، أو خاف الضرر، سقط عنه. وقد ذهب الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- إلى قريب من ذلك. قال -رحمه الله-: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به مَن يكفي سقط عن الناس، وإذا لم يقم به من يكفي : وجب على الناس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، لكن لابد أن يكون بالحكمة، والرفق، واللين . (من لقاءات الباب المفتوح). وفي الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويتقيدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل». (رواه مسلم وغيره). وقال الشيخ ابن باز في تفسير آية الأعراف: دل على أن الناهين عن السوء هم الذين ينجون عند المصائب، وعند العقوبات يُنجي الله مَن يَنْهَى عن السوء؛ فالواجب على المسلمين أن يحذروا عقوبات الله، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يقوموا بهذا الواجب، واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ليس وراء ذلك حبة خردل. ج: يعني فيما يتعلق بالإيمان بالأمر والنهي، وليس معناه أنه كافر، ليس بكافر، الإنكار آخرها القلب، ما بقي شيء بعد القلب(انتهى). ودعني أختم بهذا الحديث: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، إن الله أنزل سطوته بأهل الأرض وفيهم الصالحون فيهلكون بهلاكهم، فقال: يا عائشة إن الله -عز وجل- إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون فيصيرون معهم ثم يبعثون على نياتهم» (صحيح الترغيب). - الشاهد من كل ذلك بيان سنة من السنن الإلهية (أن من ينكر المنكر ينجيه الله من العذاب)، وكل بحسب طاقته، وسلطته.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 18-03-2025 10:19 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (34) إذا عظم المطلوب.. كثرت الموانع

منذ سنة تقريبا أخذ صاحبي يقرأ كتب الإمام ابن القيم -رحمه الله-، ويستمع إلى شروح مؤلفاته حضوريا، أو بواسطة ما انتشر في الوسائل الإلكترونية.
- كلما ازدت قراءة لهذا الإمام -رحمه الله- ازددت حبا له، ذلك أنه يزيدني علما وإيمانا ورقة وموعظة.
- نعم، ابن القيم له الصدارة في الرقاق والموعظة، مع أنه يورد أحيانا عبارات يصعب على المرء فهمها وتتبعها. ابتسم صاحبي: - كأنك تقرأ أفكاري، نعم واجهت بعض ذلك، وكنت سأسأل عن جملة وردت في (طريق الهجرتين): «كلما عظم المطلوب كثرت العوارض والموانع دونه هذه سنة الله في الخلق» (ج1/ص370). كنت وصاحبي في طريقنا لتناول وجبة العشاء مساء الثلاثاء، على أن يلقانا (أبو سعد) هناك. استخرجت الكتاب في هاتفي، وجدت العبارة.
- دعني أكمل لك كلام ابن القيم، ثم نعلق. «كلما عظم المطلوب كثرت العوارض والموانع دونه، هذه سنة الله في الخلق، فانظر إلى الجنة وعظمها وإلى الموانع والقواطع التي حالت دونها، حتى أوجبت أن ذهب من كل ألف رجل واحد إليها، وانظر إلى محبة الله والانقطاع إليه، والإنابة إليه، والتبتل إليه وحده، والأنس به واتخاذه وليا ووكيلا وكافيا وحسيبا، هل يكتسب العبد شيئا أشرف منه؟ وانظر إلى القواطع والموانع الحائلة دونه، حتى قد تعلق كل قوم بما تعلقوا به دونه، والطالبون له منهم الواقف مع عمله والواقف مع علمه، والواقف مع حاله، والواقف مع ذوقه وجمعيته وحظه من ربه، والمطلوب منهم وراء ذلك كله». انتهى.
- بالطبع يقصد بقوله: «من كل ألف رجل واحد إليها»، حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله -تعالى-: يا آدم: فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك، فيقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فعندها يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد..» الحديث (صحيح الجامع)، يقول العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعملي -رحمه الله- سنة الله -عز وجل- في المطالب العالية والدرجات الرفيعة، أن يكون في نيلها مشقة ليتم الابتلاء ويستحق البالغ إلى تلك الدرجة شرفها وثوابها، قال -تعالى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (محمد:31). بلغنا المكان الذي نريد، يبعد عن مسجدنا كيلو مترين، قطعنا في أقل من خمس دقائ،!
تابعت حديثي: الابتلاء بالشدائد سواء كان ذلك من التكاليف التي تشق على كثير منهم كالجهاد والقتال في سبيل الله، أم كان ذلك بما يقع من الهزيمة أو الجراح أو العلل والأوصاب والأمراض أو الفقر، أو غير ذلك مما يتطلب صبرا، فلابد من هذا، فهو القنطرة إلى الجنة، لا يمكن أن يتوصل إلى الجنة إلا بالعبور على هذه القنطرة؛ فإن الجنة حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات. ويحتاج العبد إلى توطين النفس على المكاره وتحملها، والمشقات والقيام بالتكاليف، وما إلى ذلك، أما أن يبقى الإنسان يتمنى وبضاعته الأماني، فإن هذا رأس مال المفاليس فهذا التمني من غير بذل الأسباب هو رأس مال المُفلس، والجنة لا تُدرك بالأماني. {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين} {آل عمران: 178). فيحتاج إلى تثبيت لهذه النفس، وتوطين، وتصبير، وثقة بعد الله -تبارك وتعالى-، وهكذا الصبر على طول الطريق، وما فيه من العقبات، وما تميل إليه النفس من طلب الراحة والدعة والاسترخاء والترك، وهكذا أيضا من يحيطون به، ويحتفون حينما يلقون إليه مثل هذه الدعوات والوساوس؛ ليلحق بركب القاعدين والمتخلفين والناكثين لعهد الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-، فصار الجهاد بالقتل للأعداء، وكذلك الجهاد بجميع أنواعه، ومن ذلك بذل العلم والدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- كل هذا جهاد، وقد يكون في بعض الأوقات أحد هذه الأنواع أولى وأبلغ من الآخر. وقد ذكر الشيخ عبدالرحمن بن سعدي -رحمه الله- - هذا المعنى، وأنه كلما عظم المطلوب عظمت وسيلته، والعمل الموصل إليه، يقول: «فلا يوصل إلى الراحة إلا بترك الراحة، ولا يُدرك النعيم إلا بترك النعيم ولكن مكاره الدنيا التي تصيب العبد في سبيل الله عند توطين النفس لها، وتمرينها عليها، ومعرفة ما تؤول إليه تنقلب عند أرباب البصائر منحا يسرون بها، ولا يبالون بها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. كان أبو سعد بانتظار حجز طاولة مميزة، بعد السلام والتحية: - أرى أنكما كنتما في حوار جاد؟ - نعم كنا نتحدث عن الإمام ابن القيم -رحمه الله- وسنة من سنن الله في خلقه، وهي كثرة العوارض في طريق المطالب. - قاعدة جميلة: وهل هي سنة من سنن الله في خلقه؟ - نعم، هكذا وصفها الإمام ابن القيم -رحمه الله- وغيره من العلماء. - أظن أن شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا لمح إلى ذلك في ذكره لاستشهاد الحسين - رضي الله عنه -. أخرج أبو سعد هاتفه بحث فيه: يقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ج25 ص302: قتل الحسين بن علي -رضي الله عنهما- يوم عاشوراء قتلته الطائفة الظالمة الباغية، وأكرم الله الحسين بالشهادة كما أكرم بها من أكرم من أهل بيته، أكرم بها حمزة وجعفر وأباه عليا وغيرهم، وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته وأعلى درجته فإنه هو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة، والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل أي الناس أشد بلاء فقال: «الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة، زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشى على الأرض وليس عليه خطيئة» (رواه الترمذي وغيره)؛ فكان الحسن والحسين قد سبق لهما من الله -تعالى- ما سبق من المنزلة العالية ولم يكن قد حصل لهما من البلاء ما حصل لسلفهما الطيب؛ فإنهما ولدا في عز الإسلام وتربيا في عز وكرامة، والمسلمون يعظمونهما ويكرمونهما، ومات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يستكملا سن التمييز، فكانت نعمة الله عليهما أن ابتلاهما بما يلحقهما بأهل بيتهما، كما ابتلي من كان أفضل منهما، فإن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أفضل منهما وقد قتل شهيدا.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 26-03-2025 12:25 AM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (35) جزاء الإحسان.. الإحسان!

- أدوات الاستفهام في اللغة كلها أسماء عدا ثلاثة، الهمزة و(هل) و(أم)! كان محاضرنا يتحدث عن الإعجاز اللغوي في القرآن، شعرت أنه تعمق أكثر مما يفهم عامة الحضور؛ وذلك أن الغرض مخاطبة المصلين وليس طلبة علم شرعي أو لغوي. بعد المحاضرة خرجت وصاحبي نتجاور. - أظن من رتب هذا اللقاء لم ينبه الدكتور المحاضر أن الحضور من عامة الناس وليس من أهل الاختصاص. - كانت المحاضرة لطلبة السنة النهائية في المعهد الديني، وهكذا أعلن عنها. - لم أنتبه لذلك، ولكن الفائدة كانت جيدة بالنسبة لي، ولاسيما عندما أسهب في شرح {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن:60). - نعم. دونت بعض الملاحظات هنا، وردت (هل) ثمانين مرة تقريبا في كتاب الله -تعالى-، وحرف (هل) يأتي مع الجملة الفعلية، وأحيانا مع الجملة الإسمية. قاطعني صاحبي. - دعنا من هذا الكلام (الصعب)، ماذا عن قول الله -تعالى-: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن:60)؟ - دعني أبحث لك في مصادر أخرى. - الإحسان، يأتي بمعنى الإتقان، كقوله -تعالى-: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} (السجدة:7). - وورد في الحديث، عندما فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (مسلم). وإذا ورد مطلقا فإنه يعني: «فعل ما هو حسن»، وضده (القبح) وقيل: «الإحسان: هو فعل ما ينبغي فعله من المعروف»، وهو نوعان: الإنعام للآخر، والإحسان في فعله. - والمعنى المراد في الآية من سورة الرحمن؟ - أما الإحسان الأول فهو: (إحسان العبد)، والإحسان الثاني فهو (إحسان الله) -عز وجل- (جزاء من جنس العمل)، ولا شك أن إحسان الله للعبد، أعظم وأجل ولا يقارن به أي إحسان، وهذه سنة من السنن الإلهية، أن جزاء الإحسان، الإحسان. وهل إحسان الله للعبد في الدنيا أم الآخرة؟ - قد يكون في الدنيا والآخرة، أو في الدنيا فقط، أو في الآخرة فقط. أما إحسان الله للعبد في الدنيا، فهو كل ما يسر العبد من نعمة، وفي الآخرة جزاء فعله الحسن في الدنيا، ولا شك أن هذا أعظم من الأول. قال الله -تعالى- : {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الزمر:34-35). - إن للإحسان صورا كثيرة ومتنوعة، تتنوع بحسب أنواع الطاعة والبر التي أمر الله بها، ولكل منها جزاؤه وأجره الذي وعد الله به، ومنها: الإحسان مع الله وهو أعظم الإحسان وأفضله وهو الإيمان بالله، وتوحيده، وطاعته، والإنابة إليه، واتباع شرعه، وأن تعبد الله كأنك تراه، وهو مقام الإحسان الذي أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل -عليه السلام- والإحسان في العبادة درجتان: الأولى: أن يعبد الإنسان ربه بقلب حاضر كأنه يراه، الثانية: إذا لم يعبد ربه كأنه يراه، فليعبده كأنه هو الذي يراه، عبادة الخائف منه، الهارب من عقابه. وأما الاحسان مع الخلق : أولى الناس به الوالدان والأم بالدرجة الأولى؛ حيث قال -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء:23)، ثم الإحسان إلى الأقارب وهذا النوع من الإحسان، هو صلة الرحم الذي أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- - بها، ويكون بحسب حال الواصل والموصول، فتارة تكون بالمال، وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة، وتارة بالسلام، وتارة بطلاقة الوجه، وتارة بالنصح، وتارة برد الظلم، وتارة بالعفو والصفح وغير ذلك من أنواع الصلة بحسب القدرة والحاجة والمصلحة. ومنها الإحسان إلى الجار واليتامى والمساكين والإحسان إلى عامة الناس وفي بذل الإحسان للناس ثواب معجل في الدنيا؛ إحسانا من الله -تعالى- للعبد، غير الثواب المدخر له في الآخرة، دل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه...» (رواه مسلم). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «المعروف إلى الناس يقي صاحبه مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة» (صحيح الجامع)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر» (صحيح الترغيب). ومنها الإحسان في القول وهو قول أنفع الكلام، الكلام اللين، والقول المعروف ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف، والحلم، والعفو والصفح، فجميع هذه الأفعال من القول الحسن؛ حيث أمر الله صراحة بالقول الحسن في قوله -تعالى-: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}. (البقرة:83)، والإحسان في العمل بإتقان العمل وفعله خالصا كاملا لله. وجميع أعمال الإحسان وصوره تصب في الإحسان إلى النفس؛ فالمحسن بوالديه محسن لنفسه ومن يحسن للفقير واليتيم والمحتاج محسن كذلك لنفسه، ومن يحسن بأي وجه من وجوه الإحسان فلنفسه؛ حيث قال الله -تعالى-: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (الاسرا:7). قاطعني صاحبي: - لنرجع إلى الآية من سورة الرحمن في محور حديثنا لأنها تثبت سنة من السنن الإلهية، مع جميع خلقه مؤمنهم وكافرهم. - لك ذلك: قال -تعالى-: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن:60)، هذه الآية جاءت خاتمة للجزاء المعد عند الله -تعالى- للمقربين من عباده المؤمنين، وهم أهل الإحسان الذين يخشونه بالغيب، كما افتتح ذكرهم بقوله -تعالى- {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (الرحمن: 46)، ولكي يكتمل جزاء المحسن عند الله -تعالى- فيجب عليه ألا يرجو على إحسانه مكافأة، ولا ينتظر عليه ثناء، وإنما يرجو به وجه الله -تعالى- والدار الآخرة، والمحسن في إحسانه إما أن يريد الدنيا، كإحسان الكافر والمنافق؛ فهؤلاء ينالون جزاء إحسانهم في الدنيا، وليس لهم في الآخرة نصيب، كما قال الله -تعالى- {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (الشورى:20)، وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: قلت: «يا رسول الله، إن أبي كان يصل الرحم، ويفعل ويفعل، فهل له في ذلك، يعْني منْ أجْرٍ؟ قال: «إنّ أباك طلب أمْرًا فأصابهُ» (رواه أحمد وحسنه الأرناؤوط)، وإذا أراد المحسن بإحسانه رضا الله -تعالى- والدار الآخرة، أحسن الله -تعالى- إليه في الدنيا وفي الآخرة، وقد يكون إحسان الله -تعالى- إليه أسرع مما يظن.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 16-04-2025 04:13 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (36) سنّة الله في شكر النِّعم

- وكيف يمكنني أن أتتبع سنن الله -عز وجل- في القرآن الكريم؟ - إذا قرأت القرآن بتدبر تتبع الآيات التي يرد فيها (تأذن) أو (كتب) أو (حقا علينا)، وبالطبع عندما ترد كلمة (سنة الله) صراحة، أو ذكر مصير الأمم السابقة، مثل قوله -تعالى-: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} (القمر:43)، أو ذكر عذاب (الظالمين أو المجرمين أو المنافقين) في الدنيا، وهناك من كتب في هذا الجانب من العقيدة، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وكتب التفسير، ومن المعاصرين، عبدالكريم زيدان والمنجد وغيرهم. كنت وصاحبي نتحدث عن الآيات التي قرأها إمامنا في صلاة العشاء، وكانت من سورة إبراهيم ولا سيما قوله -تعالى-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7).
- دعني أقرأ لك شيئا مما ورد في تفسير هذه الآية. كان مرجعي هاتفي، ومن تفسير ابن عاشور: - علق الله -سبحانه- على (الشكر) (الزيادة)، وعلى (الصبر) (الجزاء بغير حساب)، وأيضا فإنه أطلق (جزاء الشاكرين)، وقيد (جزاء الصابرين بالإحسان)؛ فقال -سبحانه-: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:96)، قال عطاء: تأذن ربكم، حكم ربكم، أعلمكم ربكم، وقال الشيخ ابن عطاء الله: «من لم يشكر النعم، فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها، فقد قيدها بعقالها».
المسافة بين منازلنا والمسجد نقطعها في أقل من عشر دقائق مشيا معتدلا، فهي لا تزيد عن (ألف خطوة)! - وهل الشكر يكون لنعمة محدثة أم للنعم الدائمة، مثل نعمة العافية والسمع والبصر والمال والعائلة. - كل هذه تستوجب شكر الله، وإذا طرأت نعمة جديدة، سجد شكرا لله! ولو تدبرنا كتاب الله وتتبعنا الآيات التي ورد فيها (الشكر) بتصريفاته، لوجدنا أنها وردت خمسا وسبعين مرة وفي اللغة: (الشكر: الثناء على المحسن بذكر إحسانه).
قال -تعالى-: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (الإنسان)؛ في هذه الآية كأن الناس صنفان، شاكر أو كفور، وفي تفسير السعدي: «فانقسم الناس إلى شاكر لنعمة الله عليه قائم بما حمله الله من حقوقه، وإلى كفور لنعمة الله عليه أنعم الله عليه بالنعم الدينية والدنيوية فردها وكفر بربه، وسلك الطريق الموصولة للهلاك» وقال -تعالى-: عن غاية إبليس مع ابن آدم: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف). وقال -سبحانه-: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} (الأنعام:53). وقد عُلم من قوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} أنه أيضا أعلم بأضدادهم وضد الشكر: الكفر، والشكر يكون بالقلب، إقرارا بالنعم واعترافا، وباللسان، ذكرا وثناء، وبالجوارح، طاعة لله وانقيادا لأمره، واجتنابا لنهيه؛ فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة، وزيادة في النعم المفقودة. قاطع صاحبي قراءتي من الهاتف لينبهني إلى الطريق الذي يجب أن نقطعه لنصل إلى منازلنا، سألني: - هل شكر النعمة يستوجب زيادتها؟ - نعم هذه سنة إلهية وقانون رباني، من أدى شكر النعمة كاملا، زاده الله منها وخير منها، هذه قاعدة لا تتخلف ولا تتبدل كما السنن الإلهية الأخرى. أظن أن مشكلة معظم الناس في عدم تقدير نعم الله عليهم، أنهم اعتادوا هذه النعم، وبعضهم يستقل نعم الله عليه بما يراه عند غيره ممن رزقهم الله أكثر منه.
- صدقت (أبا جراح)، أما الأولى فعلاجها التزام الأذكار التي أرشدنا إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث: «يا شداد بن أوس، إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم؛ إنك أنت علام الغيوب» (الصحيحة).
وكذلك حديث معاذ، في الذكر بعد الصلوات الخمس: عن معاذ بن جبل قال: أخذ بيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إني لأحبك يا معاذ فقلت: وأنا أحبك يا رسول الله، قال: فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة: ربي أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (رواه أحمد وأبو داود والنسائي إلا أن أبا داود لم يذكر: «قال معاذ وأنا أحبك» (صحيح الألباني).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء؟ قولوا اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك» (السلسلة الصحيحة).
هذه الأحاديث، تذكر العبد بواجب (الشكر) لنعم الله، وربما النظر والتفكر في أحوال من فقد النعمة، يبين عظمها، وزيارة المرضى والمقعدين، تذكر بنعمة العافية، ومعرفة أحوال الفقراء والمعوزين، تذكر بنعمة المال، وتدبر أحوال الغافلين والمشركين، تذكر بنعمة الهداية، وهي أعظم نعمة ينبغي على العبد أن يشكر الله عليها.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 23-04-2025 03:50 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (37 ) العاصي.. يُجزى نقيض قصده!

التقيت صاحبي بعد انقطاع أسبوع، قضاها في رحلة عمرة، وعادته أن يذهب برا، يتوقف أحيانا في المدينة، وأحيانا في القصيم، وأحيانا في حفر الباطن.

بعد التحية والأسئلة، تمرا و(كليجة) سعودية، شكرته وعلقت مازحا: - هل تعلم أن (الكليجة) دخلت ضمن قائمة اليونسكو للأكلات الشعبية؟! - معلومة جديدة! كنا نتمشى بين العشاءين، بانتظار الأخيرة.
- في أثناء مكوثي في الحرم المكي، بحثت عن (سنة الله)، في القرآن وجدت أنها وردت بتصريفاتها ستة عشر مرة، ولكن مرة واحدة لم توصف بعدم التبديل ولا التحويل، وهي في قوله -تعالى-: {مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} (الأحزاب:38).
- ملاحظة جيدة، كنت قد قرأت تفسيرها في أثناء بحثي عن السنن الإلهية، والجواب أن هذه الآية نزلت لبيان (إباحة زواج الرجل من زوجة متبناه إذا قضى منها وطرا)، فتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش بعد أن فارقها زيد بن حارثة (وكان يسمى قبل ذلك زيد بن محمد)؛ وحيث إنه لا نبي بعد رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم -، فلم توصف هذه السنة بعدم التبديل ولا التحويل، بل وصفت بقوله -تعالى-: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} - لقد أشفيت غليلي، وأرحت ذهني في هذه المسألة. تابعت حديثي: - ومن السنن الإلهية التي يغفل عنها كثير من الناس (أن العاصي يعامل بعكس مراده، ونقيض قصده).
- هذا لغز آخر، يحتاج إلى بيان. - إليك البيان بإذن الله، في قصة أصحاب الجنة التي وردت في سورة القلم من الآية (17-33)، يقول -تعالى-: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (القلم).
فقد أقسموا، ألا يعطوا مسكينا شيئا من بستانهم الكبير؛ فعقابهم الله -تعالى-، وأصبحت جنتهم كالصريم، احترقت فصارت كالليل الأسود لدرجة أنهم لم يتعرفوا عليها، في بادئ الأمر، وفي الحديث: «عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا» متفق عليه.
- هذا في الدنيا. - نعم وربما يكون العذاب في الآخرة؛ فيتحسر العاصي على عمله، مثل جزاء المتكبر، في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم يقال له (بولس)، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال» (صحيح الترغيب).
- أعوذ بالله من عذاب الله! هكذا كان ردة فعل صاحبي الفورية. - وعكس ذلك ينال المحسن أعظم مما عمل، من جنس إحسانه.
- دعنا نكمل في (جزاء العاصي عكس مراده). - قس على ذلك كل معصية، من يشرب الخمر، ينال من الأذى الصحي والنفسي والاجتماعي، ما لا علاج له، ومن يقع في (الزنا) يناله من الذل والمرض والمهانة، ومن يتعامل بالربا، ومن يمكر بالناس: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}، إن (المعصية مكلفة، متعبة)، ينفق العاصي أمواله، يريد أن يستمتع ولا ينال إلا التعب والمرض والإرهاق، في حياته الدنيا، فضلا عما ينتظره في الآخرة: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه:124)، الضنك: الشدة والضيق والشقاء، هذه سنة إلهية وعلى النقيض من كان في طاعة الله، وإن كان فقيرا، أو مبتلى، فإن الله وصف حياته: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97)، قال ابن عباس: السعادة، والرزق الطيب الحلال، والقناعة، ومن ذلك أن القاتل لا يرث، قال ابن تيمية: «وأما الوارث إذا قتل مورثه عمدا فإنه لا يرث شيئا من ماله باتفاق الأئمة».



اعداد: د. أمير الحداد


ابوالوليد المسلم 30-04-2025 06:18 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (38) من آثر الحق.. أرضاه الله

- كلمة {سنن} بتصريفاتها، وردت في ست صيغ: {سنة الله}، {سنتنا}، {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا}، {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ من قَبْلُ}، {سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ}، {سنن}، فأضفت مرة إلى رب العزة {سُنَّةَ اللَّهِ}، ومرة إلى من جاء بها وهم المرسلون {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا}، ومرة ثالثة إلى من خوطب بها وهم أقوام الرسل أو الأولون {سنن الذين من قبلكم- سنة الأولين}، ووردت في خمسة مواضع بتأكيد أنها لا تبديل لها ولا تحويل.
- تصنيف جميل، وتعلم أن السنة الإلهية يمكن أن تأتي بلفظ {تأذن ربكم}، و{كتب الله}، و{حقا علينا}، {وعاقبة المتقين}، و{عاقبة الظالمين}، وغيرها من الصيغ التي تحتاج إلى تتبع في كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. كنت وصاحبي في طريقنا لتهنئة صديق لنا بمناسبة زواج ابنه.
- آمل ألا نصادف زحاما بشريا كما حصل الأسبوع الفائت في حفل زفاف ابن صديقنا مشاري.
- لنحتسب الأجر، والتيسير من عند الله.
- ماذا عن سنة الله فيمن آثر الحق على الخلق؟! يقول ابن القيم: «لقد جرت سنة الله التي لا تبديل لها، أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاة الحق، أن يسخط عليه من آثر رضاه ويخذله من جهته، ويجعل محنته على يديه؛ فيعود حامده ذاما، ومن آثر مرضاته ساخطاً فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل، ومن آثر رضا الله كفاه الله مؤنة غضب الخلق، وإذا آثر رضاهم لم يكفوه مؤنة غضب الله عليه، مع أن رضا الخلق لا مقدور، ولا مأمور ولا مأثور فهو مستحيل» (مدارج السالكين 2/300).
والمؤثر لرضا الله متصد لمعاداة الخلق وأذاهم وسعيهم في إتلافه ولابد، هذه سنة الله في خلقه، وإلا فما ذنب الأنبياء والرسل والذين يأمرون بالقسط من الناس والقائمين بدين الله الذابين عن كتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عندهم؟ فمن آثر رضا الله فلابد أن يعاديه رذالة العالم وسقطهم وجهالهم وأهل البدع والفجور منهم وأهل الرياسات الباطلة، وكل من يخالف هديه، {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} (التوبة:62).
كتب معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- إلى عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه، ولا تكثري علي، فكتبت عائشة -رضي الله عنها- إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس.
والسلام عليك» {رواه الترمذي وصححه الألباني}، وفي رواية ابن حبان في صحيحه: «من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله -تعالى- عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط اللهُ عليه ، وأسخط عليه الناس».
أدركنا المكان الذي نريد، بدا المكان مزدحما، نظر إلي صاحبي أن نعود. - بل احتسب ولنبارك لصاحبنا.
اضطررنا أن نوقف مركبتنا بعيدا نسبيا لكثرة الحضور، كان هناك طابور طويل من المهنئين، لم نقف معهم، دخلنا القاعة، لمحنا شقيق صاحبنا، فأخذ بيدينا، وتخطى الجموع، لنهنئ صاحبنا، وتناولنا شيئا من المقبلات وعدنا إلى مركبتنا.
- لقد يسر الله لنا، الحمد لله، لنتابع حديثنا: - نعم كثيرا ما يضطر العبد أن يختار بين أمرين، فالواجب أن يختار ما فيه رضا الله -عز وجل-، وإذا كان الأمران مباحين، اختار أيسرهما، كما في الحديث عن عروة عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: « ما خُيِّرَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بيْنَ أمْرَيْنِ إلَّا اخْتارَ أيْسَرَهُما ما لَمْ يَأْثَمْ، فإذا كانَ الإثْمُ كانَ أبْعَدَهُما منه، واللَّهِ ما انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ في شيءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ قَطُّ، حتَّى تُنْتَهَكَ حُرُماتُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ » {متفق عليه وهذا لفظ البخاري}.
- إن إيثار الحق على الخلق، يورث الطمأنينة، والفوز في الدنيا والآخرة، أي شيء أعظم من رضا الله على العبد، ثم بعد ذلك ينال محبة الله، إن كان هذا ديدنه، إيثار الحق على الخلق، ومن نال حب الله أحبه أهل السماوات وأهل الأرض رغما عنهم.
قال ابن القيم: «وسنة الله في خلقه أن يرفع من يقدم الحق على الخلق ويذلهم له، بحسب صبره وتقواه وتوكله وإخلاصه، وإذا كان لا بد من الألم والعذاب، فذلك في الله وفي مرضاته ومتابعة رسله أولى وأنفع منه في الناس ورضائهم وتحصيل مراداتهم، فإذا تصور العبد أجل ذلك البلاء وانقطاعه وأجل لقاء المبتلي -سبحانه- هان عليه ما هو فيه» (شفاء العليل 1-246).
لقد حضرتني للتو الآية من سورة الأحزاب في قصة أم المؤمنين زينب بن جحش الأسدية -رضي الله عنها- ابنة عمة النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} {الأحزاب:36}. يقول ابن عباس - رضي الله عنه -: «انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب على فتاة زيد بن حارثة، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها، قالت: لست بناكحته، فقال - صلى الله عليه وسلم -: فانكحيه، فقالت يا رسول الله أؤمر في نفسي؟ فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: رضيته لي يا رسول الله منكحا! قال: نعم، قالت: إذن لا أعصي رسول الله، قد أنكحته نفسي...»، ومكثت مع زيد سنة واحدة، ولم يتوافقا فطلقها، ثم تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأمر الله، فعوضها الله لطاعتها لأمر الله أن زوجها بخير البشر؛ لتكون أما للمؤمنين، وكانت تفتخر بعد ذلك على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات. (البخاري).
- كلام جميل، والعكس صحيح، اسمع ما يقوله الإمام ابن القيم -رحمه الله-: «ما أكثر ما يقدم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره أو شيخه أو أهله على ما يحبه الله -تعالى-، فهذا لم تتقدم محبة الله -تعالى- في قلبه جميع المحاب، وسنة الله -تعالى- فيمن هذا شأنه أن ينكد عليه محابه وينغصها عليه، فلا ينال شيئاً منها إلا بنكد وتنغيص، جزاء له على إيثاره هواه وهوى من يعظمه من الخلق، أو يحبه على محبة الله -تعالى-، قد قضى الله -عز وجل- قضاء لا يرد ولا يدفع: أن من أحب شيئا سواه عذبه به، ولا بد وأن من خاف غيره سلطه عليه، وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤما عليه، ومن آثر غيره لم يبارك له فيه,، ومن أرضى غيره بسخطه أسخطه عليه». (الوابل الصيب 1-1).



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 06-05-2025 03:17 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية (39) يَغْضَبُ الله.. إذا تفشت الفاحشة

- أعلم أن من أسماء الله الحسنى (الحليم)، وهو الذي يعجل العذاب على من يستحقه، بل يمهل، ويؤخر بحلمه -سبحانه-، وأعلم أيضا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين: «لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه فهو عنده فوق عرشه: إن رحمتي غلبت غضبي» وفي رواية: «إن رحمتي سبقت غضبي»، ولكن قرأت في (الجواب الكافي) لابن القيم: «وقد جرت سنة الله -سبحانه- في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله -سبحانه وتعالى- ويشتد غضبه» (1/114)! مما أدى إلى تساؤلات في ذهني، لماذا الزنا؟ ولماذا لم يقل إذا ظهر الشرك، الذي هو أكبر من الزنا، بل أكبر الكبائر.
هكذا بدأ صاحبي حواره مع صديقنا أبي يوسف (أستاذ العقيدة في كلية الشريعة)، وكنا أربعة نفر. - سؤال جميل، وتساؤل مشروع، ابتداء قولك: إن الشرك أكبر الكبائر حق، وهو الذي يوجب غضب الله -عز وجل- على من يقع فيه، كما في قوله -عز وجل-: {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل:106)، وكذلك من يتول يوم الزحف، كما قال -تعالى-: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (الأنفال:16).
وكذلك من يقتل مؤمنا متعمدا: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء:93).
هذه الآيات ومثيلاتها، تبين عذاب هذه الأصناف في الآخرة، ولكن الشيخ ابن القيم عندما ذكر سنّة من سنن الله أراد أن تفشي الزنا يؤدي إلى ظهور غضب الله في الدنيا، ولذلك تمام الجملة التي ذكرتها هو: «ويشتد غضبه فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة، قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها»، هذا الذي أراده بيانه الشيخ أن هذه الفاحشة يظهر أثرها في الدنيا، ولذلك ورد في مسألة المتلاعنين (الزوج يتهم زوجته بالزنا)، {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (النور:9)، وذلك في الدنيا قبل الآخرة! أعجبني إسهاب صاحبنا أستاذ العقيدة.
تابع حديثه الماتع: - وكلمة (غضب) بتصريفاتها وردت أربعا وعشرين (24) مرة في كتاب الله، ومن غضب عليه الله -عز وجل- هلك، كما قال -سبحانه-: {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} (طه:81)، وذلك في الآخرة وإن عاش عيشة الملوك في الدنيا، وأظهر غضبه على الأمم السابقة لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا فأهلكهم، كما حصل مع عاد وثمود وقوم ولوط وفرعون وهامان وقارون.
وقد أخبر الله عنهم فقال: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} (الأعراف:71)، أي عذاب وغضب.
قاطعني صاحبي: - آسف على المقاطعة (دكتور)، ولكن أليست السنن الإلهية ثابتة، ودائمة، ونافذة، لا تتبدل ولا تتحول؟! - نعم، وأظنك تريد أن تسأل أن هناك دولا ومجتمعات يتفشى فيها الزنا، ولم ينزل عليها غضب الله بالعذاب في الدنيا، أليس كذلك؟ - بلى، كأنك تقرأ أفكاري.
- لا تنس بأن سنن الله لا تقاس بأيامنا وسنيننا، بل من أسباب غفلة الناس عن السنن الإلهية أنها قد تتأخر مئات السنين، كما قال -تعالى-: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (الحج:47).
سأله صاحبي: - ولماذا اختص الله -عز وجل- هذه الكبيرة دون غيرها بأنها تنزل غضبه؟! - أظن أنني بينت جزءا من ذلك ولكن دعني أقرأ لك شيئا مما ذكره ابن القيم جوابا على سؤالك! قال الامام ابن القيم: «ويكفي في قبح الزنا أن الله -سبحانه وتعالى مع كمال رحمته- شرع فيه أفحش القتلات وأصعبها وأفضحها، وأمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله» «وقد جمع -سبحانه- بين الزنا والشرك في قوله: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (النور:3)، وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - عن أبيه قال: إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذنَ الله -عز وجل- بهلاكها؛ ذلك أن مفسدة الزنا مناقضة لصلاح العالم، وفي هذه الكبيرة خراب الدنيا والدين والله لا يحب الفساد.
وخص -سبحانه- حد الزنا من بين الحدود بثلاث خصائص: أحدها: القتل فيه أشنع القتلات، الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه؛ بحيث تمنعهم من إقامة الحدّ عليهم؛ فإنّه -سبحانه- من رأفته ورحمته بهم شرع هذه العقوبة، فهو أرحم منكم ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة، فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره، وهذا وإن كان عاما في سائر الحدود، ولكن ذُكِرَ في حد الزنا خاصةً لشدّة الحاجة إلى ذكره.
فإنّ الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر، وأيضًا فإنّ هذا ذنبٌ غالبُ ما يقع مع التراضي من الجانبين، ولا يقع فيه من العدوان والظلم والاغتصاب ما ينفّر النفوس منه، وفيها شهوة غالبة له، فتُصوّر ذلك لنفسها، فيقوم بها رحمة تمنع إقامة الحد.
الثالث: أنه -سبحانه- أمر أن يكون حدّهما بمشهد من المؤمنين، فلا يكون خلوةً؛ حيث لا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحدّ وحكمة الزجر.
وحد الزاني المحصن مشتق من عقوبة الله -سبحانه- لقوم لوط بالقذف بالحجارة، وذلك لاشتراك الزنا واللواط في الفحش، وفي كلّ منهما فساد يناقض حكمة الله في خلقه وأمره.



اعداد: د. أمير الحداد






ابوالوليد المسلم 16-05-2025 12:19 PM

رد: السنن الإلهية
 
السنن الإلهية ( 40) إجابة الدعاء


عادة إمامنا المكوث في المسجد بين المغرب والعشاء، يبحث مسألة في مكتبة المسجد، يقرأ ورده اليومي، يقضي حاجة أحدهم، يعطي درسا لمجموعة من المصلين.
قررت أن أجالسه بعد صلاة مغرب يوم الأربعاء، وقد بدأ المجلس بسؤال من (أبي راشد).
- كيف نوفق بين قول الله -تعالى-: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} (النمل:٦٢)، وبين حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر؟ قال: الله أكثر» (صحيح الترغيب).
- لا تعارض يا أبا راشد، بين سنن الله -عز وجل- الثابتة أنه يجيب المضطر إذا دعاه؛ ولذلك ذكر الله -عز وجل- هذه السنة ضمن آيات تبين انفراده -سبحانه- بأمور، وذلك في قوله -سبحانه-: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (النمل). في تفسير (ابن عاشور): «جعل الله -سبحانه- إجابة المضطر إذا دعاه من حقه الخاص الذي لا يشاركه فيه أحد، كخلقه السماوات والأرض، وإنزال المطر وإنبات الشجر، وجعل الأرض قرارا، وغيرها من الأمور التي انفرد بها بشهادة الخلق جميعا مؤمنهم وكافرهم» (انتهى بتصرف).
فهذه سنة ماضية، نافذة، وذلك أن المضطر هو الذي انقطعت به الأسباب، حينها يلجأ صادقا إلى الله -عز وجل-، فيستجيب الله -تعالى- له، وذكر الله -عز وجل- ذلك في آيات كثيرة من كتابه، مثل:
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} (الإسراء:67)، وقوله -سبحانه-: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (يونس:22-23).
وفي سورة النعكبوت: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت:65).
{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} (الفلك:32).
لاحظ أنهم في جميع الأحوال {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ}، مع أنهم كانوا على الكفر! فيستجيب الله لهم.
وهذا كان سبب إسلام عكرمة بن أبي جهل، فقد فرّ من مكة بعد أن فتحها النبي - صلى الله عليه وسلم - وركب البحر فأصابتهم ريح عاصف، فنادى عكرمة اللات والعزى، فقال أهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص (توحيد الله)، لا ينجيني في البر غيره، ورجع وأسلم، وللقصة تفصيل.
استفسر أبو راشد:
- هل تعني بأن الله -عز وجل- يجب دعوة المضطر، ويكشف ما فيه من شدة فورا؟!
- نعم، هذا إذا دعا بإخلاص ويقين، أما السنة الإلهية العامة في إجابة الدعاء فهي ما ورد في قوله -تعالى-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(غافر:60)؛ ولذلك ورد عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: «إني لا أحمل هم الإجابة وإنما أحمل هم الدعاء فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه». وقال ابن القيم -رحمه الله- في (عدة الصابرين): «فمن أعطي منشور الدعاء أعطي الإجابة، فإنه لو لم يُرد إجابته لما ألهمه الدعاء».
- وكذلك قول الله -تعالى- بعد أيام الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186).
- أحسنت يا (أبا محمد)، كان رابعنا في المجلس، جاسم وكنيته (أبو محمد).
يقول ابن تيمية -رحمه الله- في اقتضاء الصراط المستقيم: فمن دعاه موقنا أن يجيب دعوة الداعي إذا دعاه أجابه، وقد يكون مشركا وفاسقا فإنه -سبحانه- هو القائل: {إِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (يونس:12)، وهو القائل -سبحانه-: {إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} (الاسراء: 67)، وهو القائل -سبحانه-: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} (الانعام: 40-41).
ولكن هؤلاء الذين يستجاب لهم لإقرارهم بربوبيته وأنه يجيب دعاء المضطر إذا دعاه إذا لم يكونوا مخلصين له الدين في عبادته ولا مطيعين له ولرسوله كان ما يعطيهم بدعائهم متاعا في الحياة الدنيا ومالهم في الآخرة من خلاق.



اعداد: د. أمير الحداد







الساعة الآن : 11:51 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 248.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 247.21 كيلو بايت... تم توفير 1.65 كيلو بايت...بمعدل (0.66%)]