وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (1) د. عبدالسلام حمود غالب القدوم إلى الله رحلة روحانية عميقة، تتطلب صدقَ النية، وصفاء القلب، والتزامًا بأوامر الله واجتناب نواهيه؛ إليك بعض الخطوات التي تُعينك على ذلك: 1.التوبة النصوح: • ابدأ بالتوبة الصادقة عن كل الذنوب والمعاصي، واستشعر الندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليها. • ستغفر الله بقلب خاشع، وأكْثِرْ من الدعاء والتضرع إليه. 2.الإيمان والتوحيد: • رسِّخ إيمانك بالله تعالى، وأخلِص له التوحيد، واجعل محبتك له فوق كل شيء. • تدبر في آيات القرآن الكريم، وتفكر في عظمة خلق الله وقدرته. 3.أداء الفرائض والتقرب بالنوافل: • حافظ على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، وأدِّ الزكاة، وصُم رمضان، وحُجَّ البيت إن استطعت. • تقرب إلى الله بالنوافل؛ كصلاة الليل، وصيام التطوع، والصدقة، وقراءة القرآن. 4.ذكر الله والدعاء: • أكْثِرْ من ذكر الله في كل وقت وحين؛ بالتسبيح والتحميد، والتكبير والتهليل. • ادعُ الله بقلب حاضر، وتضرع إليه في كل أمورك، واطلب منه الهداية والتوفيق. 5.الأخلاق الحسنة: • تحلَّ بالأخلاق الحسنة؛ كالصبر، والصدق، والأمانة، والتواضع، وحسن الخُلُق مع الناس. • تخلَّ عن الأخلاق السيئة؛ كالكذب، والغِيبة، والنميمة، والحقد، والحسد، وغيرها. 6.صحبة الصالحين: • ابحث عن الصحبة الصالحة التي تُعينك على طاعة الله، وتُذكرك به. • ابتعد عن الصحبة السيئة التي تجرُّك إلى المعاصي والذنوب. 7.العلم النافع: • اطلب العلم الشرعي الذي يزيدك معرفة بالله تعالى، ويُعينك على فهم دينه. • اقرأ الكتب النافعة، واستمع إلى الدروس والمحاضرات الدينية. 8.الإخلاص والنية الصادقة: • أخلِص النية لله تعالى في كل أعمالك، واجعلها خالصة لوجهه الكريم. • تجنَّب الرياء والسمعة، واحرص على أن تكون أعمالك خالصة لوجه الله. 9.التوكل على الله: • توكل على الله في كل أمورك، وثِقْ به، واعلم أنه هو المدبِّر لكل شيء. • استعِن بالله في كل أمورك، واطلب منه العون والتوفيق. 10.المحبة والخوف والرجاء: أحِبَّ الله تعالى حبًّا خالصًا، وخَفْ منه خوفًا يجعلك تبتعد عن معصيته، وارْجُه رجاءً يجعلك تطمع في رحمته ومغفرته. القدوم إلى الله رحلة مستمرة، تحتاج إلى صبر ومثابرة، وإلى صدق وإخلاص. أسأل الله أن يُعيننا على هذه الرحلة، وأن يرزقنا القرب منه، وأن يجعلنا من عباده الصالحين. |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (2) د. عبدالسلام حمود غالب القدوم إلى الله هو رحلة إيمانية شاملة، تهدف إلى تحقيق القرب من الله تعالى في الدنيا والآخرة. يقول الإمام الغزالي: "القدوم إلى الله هو السفر من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، وهو سفر القلوب لا الأبدان". ويقول ابن القيم: "القدوم إلى الله هو سلوك طريق العبودية، وهو طريق الأنبياء والصالحين". ويقول الشيخ صالح الفوزان: "القدوم إلى الله هو الاستعداد للقاء الله بالعمل الصالح، والتوبة النصوح". ويقول أحد الدعاة: "إن من أعظم ما يمكن أن يفعله المسلم، وأن يحرص عليه في حياته الدنيا هو الإعداد للقاء الله تعالى بقلب سليم، وعمل صالح، يَكسبه رضا الله سبحانه، ويُدخله الجنة، ويُنجِّيه من النار". ومما يساعد على سهولة القدوم إلى الله محاولةُ الاتصاف بما يلي: التخلية والتحلية: هو مصطلح يشير إلى عملية تطهير القلب من الذنوب، وتزيينه بالأعمال الصالحة؛ استعدادًا للقرب من الله. فالتخلية: تشير إلى إزالة كل ما يعوق القلب عن الاتصال بالله؛ مثل: الذنوب والمعاصي ومخالفة الله ورسوله. الصفات السلبية؛ مثل: الكِبْر، والحسد، والحقد على الآخرين، والأنانية، وغيرها. التعلُّق بالدنيا وشهواتها بشكل مفرط، وجمعها من الحرام والشُّبُهات. فالتخلية: هي عملية تنظيف وتطهير للقلب من كل ما يشوبه؛ ليصفوَ ويستعدَّ؛ لقربه من الله. والتحلية: تشير إلى تزيين القلب وتحليته بالصفات الإيجابية التي تُقرِّب من الله؛ ومنها: الإيمان الحازم والصادق، وتحقيق التقوى قولًا وعملًا. الحب في الله، والخشوع، والإخلاص في العبادة. الرضا والتسليم لكل ما كتب الله، سواء كان خيرًا أو شرًّا. والتحلية: عملية مَلْءِ القلب بما يحبه الله ورسوله، والحرص على ذلك. العلاقة بين التخلية والتحلية: يُقال: إن التخلية تأتي قبل التحلية، فلا يمكن تزيين القلب قبل تنظيفه، وإزالة العوائق والموانع. التخلية والتحلية هما جزء من تزكية النفس، وتطهيرها من الذنوب والمعاصي، كما أنها تنظيف وتطهير للقلوب والعقول من كل ما يُدنسها، ويعطِّل عملها، ويمنع وصول الخير إليها، ومن ثَمَّ تكون التحلية بكل جميل وصالح، أما الثمرة المرجوَّة من ذلك كله فهي عظيمة؛ إنها تزكية النفس، وقربها من بارئها، وقدومها إليه؛ وكذلك تقود إلى: تحقيق القرب من الله بيُسرٍ وسهولة. سَكينة القلب وطمأنينته، وأُنسه بالله في كل وقت. جَعْل الإنسان أكثرَ قدرة على فعل الخير، وتجنُّب الشر. ويمكن القول بأن التخلية والتحلية أساس مهمٌّ للسير إلى الله، وسبيل إلى تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة. |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (3) د. عبدالسلام حمود غالب القدوم إلى الله هو رحلة مستمرة طوال حياة المؤمن، يسعى فيها للتقرب من الله تعالى في كل لحظة، وفي كل عمل. فقه القدوم إلى الله: هو العلم الذي يهتم بدراسة كيفية الاستعداد للقاء الله، وما يتضمنه ذلك من أعمالٍ وأخلاقٍ. ويسعى إلى توضيح كيفية تحقيق الفوز في الحياة الآخرة من خلال العمل الصالح في الدنيا، والعمل بمرضاة الله تعالى، والحرص على ذلك. ومما يسهِّل ويساعد الإنسان للقدوم إلى الله اليقينُ الجازم والصادق. ورحلةُ اليقين بالله هي رحلة مستمرة، تتطلب جهدًا وتفكُّرًا وتجربة، إنها رحلة تزيد من قوة الإيمان والصلة بالله، وتجعل الحياة أكثرَ سعادة وراحة. مفهوم اليقين: • قال ابن سعدي: "اليقين: هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شكٍّ، الموجب للعمل". • قال أبو بكر بن ظاهر: "العلم تعارضه الشكوك، واليقين لا شكَّ فيه". • قال سهل: "اليقين من زيادة الإيمان". • قال ابن خفيف: "هو تحقُّق الأسرار بأحكام المغيبات". • قال ذو النون: "اليقين يدعو إلى قِصر الأمل، وقصر الأمل يدعو إلى الزهد". مراتب اليقين: ذكر العلماء أن لليقين ثلاثَ مراتب: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين. ومثَّلوا ذلك بقولهم: "من أخبرك أن عنده عسلًا وأنت لا تشك في صدقه، ثم أراك إياه فازددتَ يقينًا، ثم ذُقت منه، فالأول علم اليقين، والثاني عين اليقين، والثالث حق اليقين". واليقين بالله هو الإيمان الراسخ، والثقة المطلقة بقدرة الله وعلمه، وحكمته ورحمته، وهو من أعظم الصفات التي يمكن أن يتحلى بها المؤمن، وله فوائدُ جمَّة في الدنيا والآخرة؛ ومن هذه الفوائد: 1. طمأنينة القلب وراحته: اليقين بالله يمنح القلب طمأنينة وراحة لا تضاهيها أي راحة أخرى، فالمؤمن يعلم أن الله معه في كل لحظة، وأن كل ما يحدث له هو بقضاء الله وقدره؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]. 2. قوة التوكل على الله: اليقين بالله يقوِّي التوكل على الله، فالمؤمن يعلم أن الله هو المدبِّر لكل شيء، وأنه لا يحدث شيء في الكون إلا بإذنه. قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]. 3. الثبات على الحق: اليقين بالله يمنح المؤمن الثباتَ على الحق، فلا يزعزعه شيء عن دينه وعقيدته، مهما كانت الظروف والتحديات؛ قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]. 4. حسن الظن بالله: اليقين بالله يدفع المؤمن إلى حسن الظن بالله، فيعلم أن الله لا يقدر له إلا الخير، وأن كل ما يحدث له هو لحكمة بالغة. قال صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني))؛ [متفق عليه]. 5. قوة العزيمة والإرادة: اليقين بالله يمنح المؤمن قوةَ العزيمة والإرادة، فيسعى لتحقيق أهدافه وغاياته، ولا يستسلم لليأس والإحباط. قال تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]. 6. النجاة من الشدائد: اليقين بالله يكون سببًا لنجاة المؤمن من الشدائد والمحن، فالله تعالى ينجِّي عباده المؤمنين من كل سوء؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]. 7. الفوز بالجنة: اليقين بالله هو من أعظم أسباب الفوز بالجنة، فالمؤمن الذي يُوقِن بالله حقَّ اليقين يكون من أهل الجنة. قال صلى الله عليه وسلم: ((من شهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه، دخل الجنة))؛ [رواه مسلم]. اليقين بالله هو كنز عظيم، فمن رزقه الله إياه، فقد رُزق خيرًا كثيرًا، فنسأل الله أن يرزقنا اليقين به، وأن يجعلنا من عباده الموقنين. |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (4) التوكل والقدوم إلى الله د. عبدالسلام حمود غالب القدوم إلى الله هو الطريق إلى الجنة، والنجاة من النار. القدوم إلى الله هو رحلة إيمانية مباركة، يسعى فيها العبد إلى تحقيق رضا ربه، والفوز بقربه وجنته. والتوكل على الله يساعد على تحقيق القدوم إلى الله؛ لأن العبد المتوكل على الله تعالى يثق به في تيسير أموره، وتيسير توبته واستقامته، والقدوم إلى الله يوضح مدى تعلق العبد بربه، وأنه في أمسِّ الحاجة إليه في جميع أمور حياته، وأن الله هو المُسبب لكل الأسباب. مفهوم التوكل: • التوكل ليس مجرد كلمة تُقال، بل هو حالة قلبية راسخة، تدفع المؤمن إلى الاعتماد على الله في كل شؤونه. • هو الثقة الكاملة بقدرة الله وحكمته ورحمته، والإيمان بأن الله هو مُسبب الأسباب، ومُدبِّر الأمور. • هو تفويض الأمر إلى الله تعالى، والرضا بقضائه وقدره، مع بذل الجهد والسعي في تحقيق الأهداف. أقوال العلماء في التوكل: • يقول ابن القيم: "التوكل نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة". • يقول ابن رجب: "هو صدقُ اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح، ودفع المضارِّ من أمور الدنيا والآخرة كلها". • يقول ابن قدامة المقدسي: "التوكل عبارة عن اعتماد القلب على الموكل، ولا يتوكل الإنسان على غيره إلا إذا اعتقد فيه أشياء؛ الشفقة، والقوة، والهداية". • يقول سعيد بن جبير: "التوكل على الله جِماع الإيمان". • يقول ابن عطاء: "أرِحْ نفسك من الهم بعد التدبير، فما تكفل الله لك به، فلا تشغل به نفسك". • يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "متى رضيتَ بالله وكيلًا، وجدت إلى كل خير سبيلًا". • يقول ابن القيم رحمه الله: "التوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه". • قال عبدالله بن عباس: "التوكل هو الثقة بالله، وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله، فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك". الفرق بين التوكل والتواكل: • التوكل هو الاعتماد على الله مع بذل الأسباب، أما التواكل فهو ترك الأسباب والاعتماد على الله فقط. • التوكل هو عمل إيجابي يدفع المؤمن إلى السعي والعمل، أما التواكل فهو عمل سلبي يؤدي إلى الكسل والخمول. شروط التوكل: التوكل على الله هو من أعظم مقامات الإيمان، ولتحقيق التوكل الحق، لا بد من توافر شروط معينة؛ وهي: 1. العلم بالله وصفاته: يجب أن يكون المتوكِّل عالمًا بقدرة الله وعلمه، وحكمته ورحمته، وأن الله هو مُسبب الأسباب، وأن الأمور كلها بيده. 2. الإيمان بالقضاء والقدَر: لا بد من الإيمان بأن كل ما يحدث في الكون هو بقضاء الله وقدره، وأن الله هو الذي يدبِّر الأمور ويُقدرها. 3. بذل الأسباب المشروعة: التوكل لا يعني ترك الأسباب، بل هو الاعتماد على الله، مع بذل الجهد والسعي في تحقيق الأهداف؛ وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يقعُدنَّ أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِم أن السماء لا تُمطر ذهبًا ولا فضة؛ فإن الله عز وجل يقول: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]". 4. الاعتماد على الله وحده: يجب أن يكون الاعتماد على الله تعالى وحده، وألَّا يعتمد على غيره في تحقيق الأهداف. 5. اليقين بحسن تدبير الله: لا بد من اليقين بأن الله تعالى يدبِّر الأمور بأحسن وجه، وأن ما يختاره الله للعبد هو خير له. 6. الرضا بقضاء الله: يجب أن يكون المتوكل راضيًا بقضاء الله وقدره، وأن يُسلم أمره إليه. جزاء المتوكلين على الله: المتوكلون على الله لهم جزاء عظيم في الدنيا والآخرة، وقد وردت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تبيِّن فضل التوكل وثماره؛ ومنها: 1- محبة الله ورضاه: قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، ومحبة الله هي أعظم جزاء يمكن أن يناله العبد. 2- الكفاية والنصر: قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، فالله يكفي المتوكلين عليه، وينصرهم على أعدائهم، ويرد عنهم كيد الكائدين. 3- الرزق والتيسير في كافة الأمور: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لَرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا))؛ [رواه الترمذي]. 4- دخول الجنة: في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صفاتِ مَن يدخلون الجنة بغير حساب، ومن صفاتهم التوكل على الله. 5- الطمأنينة والسَّكِينة: يشعر المتوكل على الله بالراحة والطمأنينة؛ لأنه يعلم أن الله هو مُدبر الأمور، وأنه لن يُصيبه إلا ما كتبه الله له. 6- قوة القلب وثباته: المتوكل على الله لا يخاف من شيء إلا الله، ولا يخشى أحدًا إلا الله، فهو قوي القلب، ثابتُ الجَنان. 7- الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة: المتوكل على الله يسعى في الأرض ويأخذ بالأسباب، ولكنه يعتمد على الله في كافة أموره. صفات المتوكلين على الله: المتوكلون على الله هم الذين يجمعون بين الإيمان والعمل، والثقة بالله والأخذ بالأسباب، إليك بعض صفاتهم: 1- الثقة بالله: يثقون بالله تعالى ثقةً مطلقة، ويعلمون أن الله هو المدبر لكل شيء، وأن كل ما يحدث هو بإرادته. 2- اليقين بقدرة الله: يؤمنون بقدرة الله تعالى على كل شيء، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. 3- الرضا بقضاء الله: يرضون بقضاء الله وقدره، ويعلمون أن كل ما يحدث هو خير لهم، حتى وإن كان ظاهره شرًّا. 4- بذل الأسباب: لا يتواكلون على الله، بل يأخذون بالأسباب المشروعة، ويسعَون في طلب الرزق، ويعملون بجدٍّ واجتهاد. 5- التوكل في جميع الأمور: يتوكلون على الله في جميع أمورهم، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، دنيوية أو أخروية. 6- الاستعانة بالله: يستعينون بالله تعالى في كل شيء، ويدعونه أن يوفِّقهم ويسدِّد خُطاهم. 7- عدم الخوف من المخلوقين: لا يخافون من المخلوقين، بل يخافون من الله تعالى وحده. 8- التفاؤل والأمل: يتفاءلون دائمًا بالخير، ولا ييأسون من رحمة الله تعالى. 9- الصبر على البلاء: يصبرون على البلاء، ويعلمون أن الله تعالى له حكمة في ذلك، فيصبرون ويسلمون الأمر له سبحانه. 10- الشكر في الرخاء: يشكرون الله تعالى على نِعمه في الرخاء، ويعلمون أن كل ما عندهم هو من فضل الله تعالى. |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (5) الدعاء والقدوم إلى الله د. عبدالسلام حمود غالب الدعاء هو مِنحة إلهية عظيمة، فلنحرص عليه، ولنستغل أوقات الإجابة، ولنُكثر من الدعاء في كل وقت وحين. الدعاء هو عبادة عظيمة، وهو صلة بين العبد وربه، وهو من أقوى الأسلحة التي يمكن للمؤمن أن يستعين بها في حياته، وهو دليل على العجز والانكسار أمام الله سبحانه وتعالى. والدعاء هو جوهر العبادة، فيعتبر الدعاء من أهم العبادات في الإسلام، فهو تعبير عن توحيد الله تعالى، والاعتراف بقدرته وعظمته، والتوكل عليه في جميع الأمور. والدعاء هو وسيلة للتواصل مع الله، فيمنح الدعاءُ المؤمنَ فرصةً للتواصل المباشر مع الله تعالى، والتعبير عن حاجاته وأمانيه، والتضرع إليه في السراء والضراء. الدعاء هو جوهر العبادة وروحها، وهو الصلة المباشرة التي تربط العبد بربه، فهو ليس مجرد طلب للحاجات، بل هو تعبير عن العبودية والاعتراف بعظمة الله وقدرته، وهو أيضًا وسيلة للتقرب إلى الله، والشعور بالقرب منه، والقدوم إليه سبحانه. مفهوم الدعاء: الدعاء في اللغة: هو الطلب والسؤال. الدعاء في الاصطلاح: هو التوجُّه إلى الله تعالى بالطلب والسؤال، والتضرع إليه، والتوسُّل بأسمائه وصفاته، وهو عبادة تقرِّب العبد من ربه، وتُظهر حاجته إليه، وفقره بين يديه. أقوال العلماء في الدعاء: قال ابن القيم: "الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب"، وقال أيضًا: "الدعاء هو مفتاح كل خير". قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): "الدعاء هو سلاح المؤمن". قال الإمام النووي في (الأذكار): ذكر حول الدعاء في الصلاة فقال: "الدعاء مستحب ليس بواجب، ويُستحب تطويله، إلا أن يكون إمامًا، وله أن يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، وله أن يدعو بالدعوات المأثورة، وله أن يدعو بدعوات يخترعها، والمأثورة أفضل". فضل الدعاء في القرآن والسنة: • الدعاء عبادة: قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]. • الدعاء سببٌ لتفريج الهموم والكربات: قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]. • الدعاء سبب لنَيل رضا الله ومحبته: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيءٌ أكرمَ على الله عز وجل من الدعاء)). • الدعاء سلاح المؤمن: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء سلاح المؤمن)). آداب الدعاء: قال ابن باز: "الدعاء له آداب؛ وهي: الإقبال على الله، وحضور القلب في الدعاء أن تحضر قلبك في الدعاء، وأن تستقبل القبلة، وأن ترفع يديك، تُلح بالدعاء، وتكرر الدعاء، تبدأ بحمد الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو، كل هذا من آدابه، وإذا كنت على طهارة فهو أكمل". •الإخلاص لله تعالى. • التضرع والخشوع في الدعاء. • اليقين بإجابة الله تعالى لدعائه. • الإلحاح في الدعاء وعدم الاستعجال. • اختيار الأوقات والأماكن الفاضلة للدعاء؛ مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وعند السجود، وفي المساجد. • استقبال القبلة ورفع اليدين. •إطابة المأكل والملبس. أسباب عدم استجابة الدعاء؛ من أهمها: • ضعف الإيمان واليقين بالله. • أكل الحرام: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، إن الله طيِّب لا يقبل إلا طيبًا... ثم ذكر الرجل يُطيل السفر أشعثَ أغبرَ، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟)). • الغفلة عن الله: قد يكون القلب غافلًا عن الله أثناء الدعاء، مشغولًا بالدنيا، مما يمنع وصول الدعاء إلى الله تعالى. • الاستعجال للإجابة: قد يستعجل العبد الإجابةَ، وييأس من رحمة الله تعالى، وهذا ينافي الأدب مع الله تعالى؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يُستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَل، يقول: دعوتُ فلم يُستجَب لي)). • الدعاء بإثمٍ أو قطيعة رحم: لا يستجيب الله تعالى للدعاء الذي يتضمن إثمًا أو قطيعةَ رحمٍ. عدم تحقيق شروط الدعاء: للدعاء شروط وآداب؛ مثل: الإخلاص، وحضور القلب، والتضرع، واليقين بالإجابة، وغيرها ذكرناها سابقًا. قد تتأخر الإجابة لحكمة يعلمها الله: قد يؤخِّر الله تعالى الإجابة لحكمة يعلمها، فقد يكون تأخير الإجابة خيرًا للعبد في دنياه أو آخرته. • تأخر الاستجابة له للآخرة؛ فيرفع الله قدره ومكانته يوم القيامة. • يدفع الله عنه مصيبة وابتلاء قد يُصيبه بذلك الدعاء، فيجب على المؤمن أن يُحسِن الظن بالله تعالى، وأن يوقن بأن الله تعالى يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وأن يسعى لتحقيق شروط الدعاء وآدابه، وألَّا ييأس من رحمة الله تعالى. أوقات إجابة الدعاء، ومن أبرز هذه الأوقات: الثلث الأخير من الليل: وهو وقت النزول الإلهي؛ حيث ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فيقول: ((من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)). • بين الأذان والإقامة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة)). دُبُر الصلوات المكتوبات. عند السجود: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)). ساعة في يوم الجمعة: وقد اختلف العلماء في تحديدها، فقيل: إنها من حين صعود الإمام إلى المنبر حتى تُقضى الصلاة، وقيل: إنها آخر ساعة بعد العصر. عند نزول المطر: فهو وقت رحمة من الله تعالى، والدعاء فيه مستجاب. عند التقاء الصَّفين أثناء الجهاد في سبيل الله. عند شرب ماء زمزم؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ماء زمزم لما شُرِبَ له)). دعوات لا تُرد وهي مستجابة: وردت في السنة النبوية أحاديثُ تدل على أن هناك دعواتٍ لا تُرد، أو أنها أقرب للإجابة من غيرها، وهذه الدعوات تتنوع بتنوع حال الداعي، ومن أبرز هذه الدعوات: دعوة المظلوم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب)). دعوة الصائم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر)). دعوة الإمام العادل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تُرَد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يُفطر، ودعوة المظلوم)). دعوة الوالد لولده: دعوة الوالدين مستجابة، سواء كانت للولد أو عليه. دعوة المسافر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر)). دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه مَلَكٌ مُوكَّل، كلما دعا لأخيه بخير، قال المَلَكُ المُوكَّل به: آمين، ولك بمثل)). |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (6) د. عبدالسلام حمود غالب التفكر والتدبر والقدوم إلى الله التفكُّر والتدبُّر في ملكوت الله هي رحلة عقلية وروحية عميقة، يسعى من خلالها الإنسان إلى فَهم أسرار الكون، وعظمة الخالق، والوصول إلى حكمة الوجود وغايته، إنها ليست مجرد عملية عقلية مجردة، بل هي تفاعل متكامل بين العقل والقلب، يقود إلى معرفة الله والإيمان به، وإلى السعي في طريق الخير والصلاح، والإقبال والقدوم إلى الله تعالى. الكون كتاب مفتوح: يعتبر الكون بما فيه من سماوات وأرض، وكائنات حية وظواهر طبيعية، كتابًا مفتوحًا يمكن للإنسان قراءته والتفكر في آياته. العقل أداة للفهم: العقل هو الأداة التي وهبها الله للإنسان ليتفكر ويتدبر، وليصل إلى الحقائق الكونية والإيمانية. القلب مركز الإيمان: القلب هو مركز الإيمان والخشوع، وهو الذي يتأثر بالتفكر والتدبر، ويزداد خشية وإيمانًا. بعض مجالات التفكر والتدبر: 1. الآيات الكونية: التفكر في خلق السماوات والأرض، وفي حركة الكواكب والنجوم، وفي تنوع الكائنات الحية، يكشف عن عظمة الخالق وقدرته وإبداعه. 2. الآيات القرآنية: التدبر في آيات القرآن الكريم، وفي قصص الأنبياء، وفي الأحكام الشرعية، يزيد من فَهم كلام الله ومعرفة مقاصده. 3. النفس الإنسانية: التفكر في خلق الإنسان، وفي قدراته العقلية والروحية، وفي طبيعته البشرية، يكشف عن عظمة الخالق ورحمته. أهمية التفكر والتدبر: • التفكر والتدبر هما من أعظم العبادات التي تقرب الإنسان إلى ربه. • التفكر والتدبر يزيدان من وعي الإنسان وإدراكه للحقائق الكونية والإيمانية. • التفكر والتدبر يساهمان في بناء شخصية إيمانية متوازنة. • التفكر والتدبر يساهمان في فَهمِ الغاية من الخَلْقِ. فالتفكر والتدبر في ملكوت الله هي دعوة إلى استخدام العقل والقلب في استكشاف أسرار الكون وعظمة الخالق، وفي السعي في طريق الحق والخير والقدوم إلى الله تعالى. التفكر: هو إعمال العقل في آيات الله الكونية والشرعية، والتأمُّل في خلق الله وعظمته وقدرته. والتفكر يزيد الإيمان بالله ومعرفته، ويُورِث الخشية والتقوى، وكذلك يدفع إلى العمل الصالح، ويكشف للإنسان عظمةَ الله في خلقه. التدبُّر: هو التأمل العميق سواء في الكون أو في معاني القرآن الكريم، وفهم مقاصده وأحكامه، والوصول إلى لُبِّ الحقائق. والتدبُّر يساعد في فَهم كلام الله وتطبيقه في الحياة، والوصول إلى اليقين والإيمان العميق، ويساعد في استخراج الهدايات القرآنية والعِبر التي وردت في القرآن، فيزيد الإيمان ويرسخ في القلب. أقوال العلماء في التفكر والتدبر: • يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: "تفكُّرُ ساعةٍ خيرٌ من قيام ليلة". • يقول وهب بن منبه: "ما طالت فكرةُ امرئ قط إلا فَهِم، وما فَهِم إلا عَلِم، وما علِم إلا عمل". • يقول بشر الحافي: "لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى، لَما عصوه". • يقول الحسن البصري: "تفكُّرُ ساعةٍ خيرٌ من قيام ليلة". • يقول سفيان بن عيينة: "إذا المرء كانت له فكرة؛ ففي كل شيء له عِبرة". • يقول أبو سليمان: "عوِّدوا أعينكم البكاءَ، وقلوبكم التفكرَ". • وقيل: "التفكر في الآخرة يُورِث الحكمة، ويحيي القلوب". فالتفكر والتدبر في ملكوت الله لهما أهمية بالغة في حياة المسلم؛ فهما يقودان إلى معرفة الله وعظمته، ويزيدان الإيمان واليقين، ويدفعان إلى العمل الصالح والقدوم إلى الله تعالى. |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (7) د. عبدالسلام حمود غالب محاسبة النفس والقدوم على الله: محاسبة النفس هي من أهم الوسائل التي تقود إلى التقرب من الله عز وجل، والبعد عن معصيته، ومحاسبة النفس هي عملية مستمرة، وليست حدثًا عابرًا، وتتطلب من المسلم أن يكون صادقًا مع نفسه، وأن يسعى جاهدًا إلى إصلاحها وتزكيتها. محاسبة النفس: هي عملية تقييم ومراجعة لأفعال الإنسان وأقواله؛ بهدف الوقوف على مواطن التقصير والخلل، ومحاولة الإصلاح للنفس، وتشتمل محاسبة النفس على التقصير في الفرائض والواجبات، وعلى الأخطاء والذنوب، وعلى النيات السيئة والخواطر. ومحاسبة النفس هي عملية داخلية يقوم بها الفرد لتقييم أفعاله وأقواله ونياته، بهدف تحديد مدى توافقها مع القيم والمبادئ التي يؤمن بها، وحثَّنا عليها التشريع الإسلامي، وهي أيضًا عملية مستمرة تهدف إلى تحسين الذات وتطويرها، وتتضمن العناصر التالية: المراقبة: مراقبة الأفكار والمشاعر والسلوكيات بشكل مستمر، وهل توافق ما جاء به التشريع الإسلامي أم لا؟ التقييم: تقييم الأفعال والأقوال بناءً على معايير أخلاقية ودينية، حثَّنا عليها الدين الإسلامي الحنيف. المساءلة: محاسبة النفس على الأخطاء والتقصير. التصحيح: اتخاذ خطوات عملية لتصحيح الأخطاء، وتحسين السلوك. ومحاسبة النفس باستمرار تساعد على: • اكتشاف العيوب والنقائص في الشخصية. • تعزيز الوعي الذاتي وتحمُّل المسؤولية عما يقوم به الإنسان. • تحسين العلاقات مع الآخرين. • تحقيق السلام الداخلي والرضا عن النفس. • تقريب العبد من ربه بشكل واضحٍ ولافت. محاسبة النفس تقود إلى الأمور التالية: تقود إلى التوبة والاستغفار: محاسبة النفس تدفع الإنسان إلى الاعتراف بأخطائه وذنوبه، والتوبة إلى الله تعالى، والاستغفار هو طلب المغفرة من الله تعالى، وهو من أهم الوسائل التي تقرب العبد من ربه. تُسهم في الإصلاح والتقويم للنفس: محاسبة النفس تساعد الإنسان على إصلاح أخطائه وتقويم سلوكه، ومن خلال المحاسبة، يمكن للإنسان أن يتجنب الوقوع في الأخطاء مرة أخرى، وأن يسعى إلى تحسين نفسه والتقرب إلى الله. تدفع إلى التقرب إلى الله: محاسبة النفس تدفع الإنسان إلى زيادة الطاعات والقربات إلى الله تعالى، فعندما يدرك الإنسان تقصيره في حق الله، فإنه يسعى إلى تعويض ذلك بالعمل الصالح. تزيد من الخشية والتقوى: محاسبة النفس تزيد من خشية الله تعالى وتقواه في قلب الإنسان، فعندما يتذكر الإنسان محاسبةَ الله له يوم القيامة، فإنه يسعى إلى تجنُّب المعاصي والتقرب إلى الله في هذه الدنيا. تساعد على الاستعداد ليوم القيامة: محاسبة النفس في الدنيا هي استعداد للمحاسبة الكبرى يوم القيامة، فمن حاسب نفسه في الدنيا، خفَّ حسابه في الآخرة. أقوال العلماء في محاسبة النفس: يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أنفسكم قبل أن تُوزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر". يقول الحسن البصري: "المؤمن قوَّام على نفسه يحاسب نفسه لله، وإنما خفَّ الحساب يوم القيامة على قومٍ حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقَّ الحساب يوم القيامة على قومٍ أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة". وقيل: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظٌ من نفسه، وكانت المحاسبة من همَّته". يقول مالك بن دينار: "رحِم الله امرأً قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم ذمَّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله، فكان له قائدًا". يقول أبو سليمان الداراني: "أفضل الأعمال خلاف هوى النفس". يقول ابن القيم: "أغبن الناس من دخل النار، وبينه وبين الجنة قنطرة لم يعبرها". يقول ابن الجوزي: "من لم يتعاهد نفسه بالتفقُّد والمحاسبة، أهملها، ومن أهملها أوردها المهالك". الطرق التي يمكن للمسلم أن يحاسِب بها نفسه: • تخصيص وقت محدد كل يوم أو كل أسبوع؛ لمراجعة الأفعال والأقوال خلال تلك الفترة. • أفضل وقت للمحاسبة هو قبل النوم؛ حيث يكون الإنسان أكثر صفاءً وتركيزًا. • تدوين أهم الأخطاء والذنوب التي ارتكبها الإنسان، بهدف تذكُّرها وتجنبها في المستقبل، والاستغفار منها، والتوبة إلى الله تعالى. • وضع خطة عملية لإصلاح الأخطاء، وتقويم السلوك. • الاستعانة بالله تعالى في محاسبة النفس وإصلاحها. • محاسبة النفس على أداء الفرائض والواجبات؛ مثل: الصلاة والصيام والزكاة، وعدم التقصير في ذلك. • التأكد من أداء هذه الفرائض والواجبات على أكمل وجه موافقةً للكتاب والسنة. • محاسبة النفس على النيات الحسنة والخواطر، والتأكد من أنها خالصة لوجه الله تعالى، وليست سمعة ورياء. • تجنب النيات السيئة والخواطر السلبية، والتخلص منها. • محاسبة النفس على العلاقات مع الآخرين، والتأكد من أنها قائمة على الاحترام والمحبة والأخوة الإسلامية. • تجنُّب الظلم والإساءة إلى الآخرين. • محاسبة النفس على إضاعة الوقت، والتأكد من استغلاله في طاعة الله تعالى؛ فالوقت هو أغلى ما يملكه الإنسان. • تجنب إضاعة الوقت في اللهو واللعب وفيما لا فائدة فيه. • محاسبة النفس على النِّعم التي أنعم الله بها عليها، والتأكد من شكرها، واستخدامها في طاعة الله تعالى. • تجنُّب الكفر بالنعم واستخدامها في المعاصي. • الاستعانة بالعلماء والصالحين في محاسبة النفس، والتناصح في ذلك. مراتب محاسبة النفس: محاسبة النفس قبل العمل: • هي أعلى مراتب المحاسبة؛ وتتمثل في التوقف عند أول همٍّ وإرادة، والتفكير في العمل المراد فعله، هل هو موافقٌ لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أم لا؟ • هذه المرتبة تهدف إلى منع النفس من الوقوع في الخطأ قبل ارتكابه. محاسبة النفس بعد العمل: تتضمن هذه المرتبة مراجعة العمل بعد الانتهاء منه، وتقييمه، والوقوف على مواطن التقصير أو الخطأ؛ وتشمل هذه المرتبة الأمور الآتية: • محاسبة النفس على طاعة قصَّرت فيها ومراجعة الطاعات والعبادات، والتأكد من أدائها على الوجه الأمثل. • تشمل هذه المحاسبة تقييم الإخلاص في العمل، ومتابعة السنة النبوية، والخشوع في العبادة. • محاسبة النفس على معصية ارتكبتها؛ فتتضمن الاعتراف بالذنب، والندم عليه، والعزم على عدم العودة إليه، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها. • تشمل هذه المحاسبة التوبة والاستغفار، والعمل على إصلاح ما تم إفساده. • محاسبة النفس على مباحٍ فعلَتْه؛ وتتضمن مراجعة الأعمال المباحة، والتأكد من أنها لم تشغل عن طاعة الله، وأنها لم تؤدِّ إلى الوقوع في المحرمات. • محاسبة النفس على الغفلة؛ وتتضمن مراجعة أوقات الغفلة التي مر بها العبد، بعيدًا عن ذكر الله وطاعته، والعمل على استغلال تلك الأوقات في ذكر الله وطاعته. |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
المراقبة والقدوم إلى الله (8) د. عبدالسلام حمود غالب المراقبة في الإسلام هي حالة من الوعي الدائم بأن الله سبحانه وتعالى يراقب كل أفعالنا وأقوالنا وخواطرنا. إنها شعور داخلي يجعلنا نخشى الله ونستحي منه، ويحفزنا على فعل الخير وتجنب الشر. المراقبة هي مفتاح القرب من الله والوصول إلى رضاه وجنته، وهي طريق السعادة في الدنيا والآخرة. فالشعور بمراقبة الله لنا هو حالة روحية عميقة تجعل الإنسان يستشعر وجود الله في كل لحظة، وأن الله مطلع على كل ما يفعله ويقوله ويفكر فيه، وهذا الشعور له تأثير كبير في سلوك الإنسان وأخلاقه، ويجعله يسعى دائمًا إلى فعل الخير وتجنب الشر. أهمية المراقبة: القرب من الله: المراقبة هي منزلة عظيمة في الدين، وهي طريق للتقرب إلى الله وكسب رضاه. تهذيب النفس: تساعد المراقبة على تهذيب النفس وتزكيتها، وتجعلنا أكثر وعيًا بأخطائنا وسعيًا لتصحيحها. تحقيق الإحسان: المراقبة هي جزء من الإحسان، وهو أعلى مراتب الدين؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)). الوقاية من المعاصي: عندما يكون الإنسان مراقبًا لله، فإنه يخشى أن يراه الله، وهو يفعل ما يغضبه، فيتجنب المعاصي والذنوب. زيادة الإيمان: المراقبة تزيد من إيمان الإنسان وتجعله أكثر خشية لله ومحبة له؛ لعلمه برقابة الله عليه في كل وقت. كيفية تحقيق المراقبة: العلم بأن الله رقيب: يجب أن يكون الإنسان على يقين بأن الله يراه ويسمعه ويعلم كل ما في قلبه. التفكر في أسماء الله وصفاته: التفكر في أسماء الله الحسنى وصفاته العليا؛ مثل: الرقيب والشهيد والعليم والخبير، يزيد من شعور الإنسان بالمراقبة. المحاسبة: محاسبة النفس على الأفعال والأقوال والخواطر، وتصحيح الأخطاء والتوبة إلى الله. ذكر الله: ذكر الله الدائم؛ مثل: التسبيح والتحميد والتكبير والاستغفار، يزيد من شعور الإنسان بالمراقبة. الدعاء: الدعاء إلى الله بأن يرزقنا المراقبة، ويجعلنا من عباده المخلصين. تدبُّر القرآن والسُّنَّة: بتدبر القرآن الكريم والسنة النبوية، يتعرف العبد على عظمة الله وجلاله، وهذا يزيد من شعوره بالمراقبة. الصحبة الصالحة: مصاحبة الأخيار الذين يذكرون الله ويخشونه؛ لأنهم يعينون المرء على طاعة الله ومراقبته. * وردت أقوال كثيرة للعلماء في المراقبة، ومن أبرزها: ابن القيم: "المراقبة: دوام علم العبد، وتيقنه باطِّلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه". "والمراقبة: هي التعبد بأسمائه: الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير. فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة". *الحارث المحاسبي: "المراقبة في ثلاثة أشياء: مراقبة الله في طاعته بالعمل، ومراقبة الله في معصيته بالترك، ومراقبة الله في الهم والخواطر". وقيل: المراقبة "علم القلب بقرب الله تعالى". إبراهيم الخواص: "المراقبة: خلوص السر والعلن لله عز وجل". ذو النون: "علامة المراقبة: إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظم الله، وتصغير ما صغر الله". الجريري: "أمرنا هذا مبني على فصلين: أن تلزم نفسك المراقبة لله، وأن يكون العلم على ظاهرك قائمًا". |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
المراقبة والقدوم إلى الله (9) د. عبدالسلام حمود غالب الخوف والقدوم إلى الله الخوف من الله هو شعور فطريٌّ، ينبع من إدراك عظمة الخالق وجلاله، وقدرته على كل شيء، وهو ليس خوفًا مذمومًا، بل هو خوف محمود يدفع الإنسان إلى فعل الخير، واجتناب الشر. فعندما يخاف الإنسان من الله، فإنه يتحرر من الخوف من المخلوقات، ومن الأهواء والشهوات. الخوف من الله هو شكل من أشكال المعرفة، فهو يكشف للإنسان عن محدوديته وضعفه أمام قوة الله وعظمته. والخوف يدفع الإنسان إلى التواضع والتسليم لإرادة الله، وإلى البحث عن المعنى الحقيقي للحياة. الخوف هنا ليس خوفًا من المجهول، بل هو خوفٌ ناتج عن معرفة عميقة بالله وصفاته، وقدرته وعظمته. ولا ينفصل الخوف عن الرجاء؛ فالمؤمن يخاف من عقاب الله، ولكنه يرجو رحمته ومغفرته، وهذا التوازن بين الخوف والرجاء يحافظ على استقامة الإنسان، وتوازنه الروحي. ويجب أن يكون الخوف من الله دافعًا للعمل الصالح، وليس سببًا لليأس والقنوط. أنواع الخوف من الله: الخوف من التقصير في حق الله: وهو خوف يدفع الإنسان إلى الاجتهاد في الطاعات، والحرص على أداء العبادات على أكمل وجه. الخوف من زوال نعمة الله: وهو خوف يدفع الإنسان إلى شكر الله على نعمه، وعدم التكبر أو الغرور. خوف العظمة والجلال: وهو الخوف الذي ينبع من إدراك عظمة الله وجلاله، وقدرته التي لا حدود لها، وهو خوف يدفع الإنسان إلى تعظيم الله وتقديسه. خوف العقاب: وهو الخوف الذي ينبع من إدراك أن الله قادر على عقاب العاصين والمخالفين لأمره، وأن عقابه شديد، وهو خوف يدفع الإنسان إلى اجتناب المعاصي والذنوب، ويُقبل على الله بالتوبة والاستغفار. خوف الحياء: وهو الخوف الذي ينبع من إدراك أن الله يرى كل شيء، ويعلم كل شيء، حتى ما يُخفيه الإنسان في نفسه، وهو خوف يدفع الإنسان إلى اجتناب المعاصي في السر والعلن. الخوف المحمود: هو الخوف الذي يدفع الإنسان إلى فِعْلِ الخير، واجتناب الشر، وهو الخوف الذي يقرب الإنسان من الله. الخوف المذموم: هو الخوف الذي يدفع الإنسان إلى اليأس والقنوط من رحمة الله، وهو الخوف الذي يبعد الإنسان عن الله. ثمرات الخوف من الله: تحقيق التقوى، فالخوف من الله هو أساس التقوى، فالإنسان الذي يخاف الله يمتثل أوامره، ويجتنب نواهيه. الاستقامة على الطاعة: الخوف من الله يدفع الإنسان إلى الاستقامة على الطاعة، والثبات على الحق إلى أن يلقى الله. الفوز بالجنة: وعد الله تعالى الخائفين من مقامه بالجنة؛ فقال تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46]. زيادة الإيمان: الخوف من الله يزيد الإيمان في قلب الإنسان، ويجعله أكثر قربًا من الله. كيفية تحقيق الخوف من الله: التفكر في عظمة الله وقدرته: فالتفكر في خلق الله وعجائب صنعه، يُورِث الخوف من عظمته وقدرته. التفكر في الآخرة وأهوالها: فتذكُّر الموت والقبر والحساب، والجنة والنار، يدفع الإنسان إلى الخوف من الله. قراءة القرآن الكريم وتدبُّر آياته: فالقرآن الكريم مليء بالآيات التي تُذكِّر بعظمة الله وقدرته، وتُحذِّر من عذابه. أقوال العلماء في الخوف من الله: يقول ابن القيم: "الخوف سوط الله يقوِّم به الشاردين عن بابه". "الخوف ثلاثة أنواع: خوف العقوبة، وخوف الإجلال، وخوف الحياء، فأجلُّها خوف الحياء، وأوسطها خوف الإجلال، وأدناها خوف العقوبة". يقول الإمام أحمد بن حنبل: "الخوف يمنع العبد من معاصي الله، والرجاء يحثه على طاعة الله". يقول ابن باز: "الخوف من الله يقتضي أداء فرائضه، والحذر من محارمه، والوقوف عند حدوده". يقول ابن كثير: "الخوف من الله تعالى واجب على كل أحد، ولا يبلغ أحد مأمنه من الله إلا بالخوف". يقول أبو حامد الغزالي: "الخوف من الله ثمرة العلم بالله، فكلما ازداد علم العبد بربه، ازداد خوفه منه". يقول ابن رجب الحنبلي: "الخوف من الله هو سراج القلب الذي به يُبصر ما فيه من الخير والشر". |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
المراقبة والقدوم إلى الله (10) د. عبدالسلام حمود غالب الرجاء والقدوم إلى الله الرجاء هو: الأمل في رحمة الله تعالى، والطمع في كرمه وجوده، مع بذل الأسباب المشروعة لتحقيق المطلوب. الرجاء هو: الثقة بالله تعالى، وحسن الظن به، وانتظار فرجه ونصره. الرجاء هو: قوة دافعة تدفع الإنسان إلى العمل والاجتهاد، مع الثقة بأن الله تعالى سيُوفِّقه ويُسدِّد خطاه. الرجاء يمنح المؤمن الأمل والتفاؤل في الحياة، ويجعله يتجاوز الصعاب والمحن. الرجاء يدفع المؤمن إلى العمل الصالح، ويحفزه على الاستمرار في الطاعة. الرجاء يُقوِّي صلة المؤمن بالله تعالى، ويجعله يشعر بقربه منه. شروط الرجاء: • أن يكون الرجاء مقرونًا بالعمل الصالح. • أن يكون الرجاء في الله وحده، لا في غيره. • أن يكون الرجاء متوازنًا مع الخوف من الله. فوائد الرجاء: الرجاء عبادة قلبية: الرجاء من أجَلِّ منازل السائرين إلى الله، وهو عبادة قلبية عظيمة؛ إذ يعكس تعَلُّق القلب بالله وحسن الظن به، قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴾ [الإسراء: 57]. الرجاء دافع للعمل: الرجاء يدفع الإنسان إلى العمل والاجتهاد، مع الثقة بأن الله تعالى سيُوفِّقه ويُسدِّد خُطاه. الرجاء علاج لليأس: الرجاء يساعد الإنسان على التغلُّب على الصعاب والتحديات، ويمنحه الأمل في غدٍ أفضل، حتى في أصعب الظروف، والرجاء يُجدِّد الأمل في نفس الإنسان، ويجعله يثابر ويكافح من أجل تحقيق أهدافه. الرجاء يحقق السعادة: يساعد الرجاء الإنسان على الشعور بالسعادة والرضا، ويمنحه الأمل في مستقبل أفضل؛ مما يجعله أكثر تفاؤلًا وإيجابيةً. الرجاء يقوي الصلة بالله: الرجاء يقوي الصلة بالله من خلال حسن الظن بالله في تحقيق الآمال والطموحات. الرجاء يدفع إلى التوبة: الرجاء يدفع الإنسان إلى التوبة والاستغفار، فالراجي يعلم أن الله تعالى هو الغفور الرحيم، وأنه يقبل توبة التائبين، ويغفر ذنوب المستغفرين. أنواع الرجاء: • الرجاء المحمود: وهو الرجاء المقترن بالعمل، وهو الذي يدفع الإنسان إلى الاجتهاد في طاعة الله، والتقرب إليه، مع الثقة بأن الله تعالى سيُوفِّقه ويُسدِّد خُطاه. • الرجاء المذموم: وهو الرجاء الخالي من العمل، وهو الذي يجعل الإنسان يعتمد على الأماني والأحلام، دون أن يبذل أي جهد في سبيل تحقيقها. أقوال العلماء في الرجاء: يقول ابن القيم: "الرجاء حادٍ يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب، وهو الله والدار الآخرة، ويطيب لها السير". وقال أيضًا: "الرجاء روح الأعمال القلبية، وقطب رحى العبادات الإيمانية". يقول ابن تيمية: "مَنْ عبدَ اللهَ بالحبِّ وحده فهو زنديق، ومَنْ عبدَهُ بالخوف وحده فهو حروريٌّ، ومَنْ عَبدَه بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن مُوحِّد". يقول ابن باز: "يجب الرجاء والخوف، والعبد يسير إلى الله بين الرجاء والخوف، كجناحَي الطائر، يخاف الله، ويرجوه". يقول أبو علي الروذباري: "الخوف والرجاء كجناحَي الطائر؛ إذا استويا استوى الطَّيرُ وتَمَّ طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت". كلمات مشرقة عن الرجاء: • "الرجاء هو الحلم الذي لا ينام". • "الرجاء هو نافذة تطل على المستقبل". • "الرجاء يرى ما لا تراه العين، ويشعر بما لا يشعر به الفؤاد". • "الرجاء هو شراع السفينة التي تبحر في بحر الحياة". • "الرجاء هو شعاع النور الذي يضيء لنا طريقنا في الظلام. • "الرجاء هو الوقود الذي يدفعنا إلى الأمام". • "الرجاء هو قوة داخلية تدفعنا إلى تحقيق المستحيل". • "الرجاء هو سلاحنا في مواجهة الصعاب". • "الرجاء هو الأمل الذي يمنحنا القوة للاستمرار في الحياة". |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (11) الإخلاص والقدوم إلى الله د. عبدالسلام حمود غالب الإخلاص: هو تصفية العمل من الشوائب؛ كالرياء والسمعة، وجعل القصد في الأعمال ابتغاء وجه الله تعالى وحده. الإخلاص هو أن يكون الباعث على العمل امتثال أمر الله ورجاء ثوابه، لا طلب مدح الناس أو الحصول على منفعة دنيوية. الإخلاص هو شرط قبول الأعمال عند الله تعالى، فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم. الإخلاص هو جوهرُ العبادة وسرُّ قبول الأعمال عند الله تعالى، ويُنجي من عذاب الله، ويورث محبة الله ورضوانه. الإخلاص يبارك في الأعمال، ويجعلها ذات أثر عظيم في الدنيا والآخرة. الإخلاص هو أساس القدوم إلى الله، فلا يمكن أن يكون القدوم صادقًا إلا إذا كان خالصًا لوجه الله تعالى والقدوم إلى الله هو ثمرة الإخلاص، فمن أخلص لله تعالى، وفَّقه الله للقدوم إليه. الإخلاص وعلاقته بالنية: الإخلاص يركز على نقاء النية؛ أي أن يكون الدافع الوحيد للعمل هو وجه الله، بعيدًا عن أي دوافع دنيوية أو شخصية، وهذا يتطلَّب من الفرد أن يكون صادقًا مع نفسه، وأن يراقب دوافعه باستمرار، وأن يجاهد للتخلُّص من أي شوائب قد تعكر صفاء النية. الإخلاص وعلاقته بالذات: الإخلاص يقود إلى تحقيق التكامل الداخلي، حيث يتوافق الظاهر والباطن، والقول والفعل. فعندما يكون الإنسان مخلصًا، فإنه يعيش حالة من الانسجام مع ذاته؛ مما يمنحه شعورًا بالراحة والطُّمَأْنينة. الإخلاص وعلاقته بالآخرين: الإخلاص هو أساس العلاقات الإنسانية الصادقة، فالمخلص يكون جديرًا بالثقة، ويكون مخلصًا في وعوده والتزاماته. فالإخلاص يدعو إلى حياة قائمة على الصدق والنقاء والتجرد، ويسعى إلى تحقيق التكامل بين الظاهر والباطن، وبين الفرد وذاته، وبين الفرد وخالقه سبحانه وتعالى. كيفية تحقيق الإخلاص: • استحضار نية الإخلاص قبل العمل وأثناءه وبعده. • مجاهدة النفس في التخلص من الرياء والسمعة. • كتمان الأعمال الصالحة قدر الإمكان. • الاستعانة بالله تعالى ودعاؤه أن يرزق الإخلاص. أقوال العلماء في الإخلاص: يقول ابن القيم: "العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملًا يثقله ولا ينفعه". ويقول: "لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار". قال أبو سليمان الداراني: "إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء". يقول مكحول: "ما أخلص عبد قط أربعين يومًا إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه". قال الإمام الجنيد: "الإخلاص سِرٌّ بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله". قال سفيان الثوري: "ما عالجت شيئًا أشد عليَّ من نيتي، فإنها تتقلب عليَّ". قال يوسف بن الحسين الرازي: "أعزُّ شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي فكأنه ينبت على لون آخر". قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7]: "أخلصه وأصوبه، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السُّنَّة". قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أفضل الأعمال: أداء ما افترض الله، والورع عمَّا حرم الله، وصدق النية فيما عند الله". قال ابن المبارك: "رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية". قال سهل التستري رحمه الله تعالى: "ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب". علامات تدل على الإخلاص: • استواء المدح والذم عند العامل. • نسيان رؤية العمل بالكلية. • الخوف من عدم قبول العمل. •كتمان الأعمال الصالحة قدر الإمكان. نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل. قال ذو النون المصري: "ثلاثة من علامات الإخلاص: استواء المدح والذم من العامة، ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال، واقتضاء ثواب العمل في الآخرة". وقال أبو عثمان: "الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق". وقال حذيفة المرعشي: "الإخلاص أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن". |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (12) الورع والقدوم إلى الله د. عبدالسلام حمود غالب الورع: هو الكف عن المحرمات والشُّبهات، وتجنب ما يريب النفس، والاحتياط في أمور الدين. الورع هو ترك ما لا بأس به؛ حذرًا مما به بأس. الورع هو اجتناب الشبهات؛ خوفًا من الوقوع في المحرمات. الورع هو الطريق الممهد للقدوم إلى الله، فمن أراد أن يقترب من الله تعالى، فعليه أن يتورع عن كل ما يبعده عنه. الورع يساعد على تطهير القلب من الشوائب؛ مما يجعله مستعدًّا لاستقبال نور الله تعالى. الورع هو صفة أساسية من صفات المؤمنين الصادقين، وهو طريق موصل إلى القرب من الله تعالى، فمن أراد أن ينال رضا الله، فعليه أن يتورَّع عن كل ما يغضبه، وأن يسعى جاهدًا إلى تحقيق القدوم إلى الله. ويرى العلماء أن الورع ليس مجرد ترك المحرَّمات، بل هو أيضًا ترك الشُّبهات والمكروهات، والاحتياط في الدين، وكذلك فعل الخيرات والقُرُبات والأعمال الصالحات. يُعتبر الورع من أعلى مراتب التقوى، وهو دليل على قوة الإيمان وصدق اليقين، ويساعد الورع على تطهير القلب وتزكية النفس، ويجعل العبد أقربَ إلى الله تعالى. أقوال العلماء في الورع: قال الحسن البصري: "الورع هو الوقوف عند الشبهة". قال يحيى بن معاذ: "الورع اجتناب كل ريبة، وترك كل شبهة". قال ابن القيم: "الورع هو اجتناب ما لا يقطع تحريمه خشية أن يكون حرامًا". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الورع الواجب: فهو اتقاء ما يكون سببًا للذمِّ والعذاب، وهو فعل الواجب وترك المحرم". قال الحسن البصري: "مثقالُ ذرة من الورع خيرٌ من ألف مثقال من الصوم والصلاة". قال سفيان الثوري: "عليك بالورع يخفف الله حسابك، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك". قال الجنيد: "الورع في الكلام أشد منه في الاكتساب". قال حبيب بن أبي ثابت: "لا يعجبكم كثرة صلاة امرئ ولا صيامه، ولكن انظروا إلى ورعه، فإن كان ورعًا مع ما رزقه الله من العبادة فهو عبدٌ لله حقًّا". قال يحيى بن معاذ: "الورع اجتناب كل ريبة، وترك كل شبهة، والوقوف مع الله على حد العلم من غير تأويل". أنواع الورع: • الورع الواجب: وهو ترك المحرمات التي حرمها الله تعالى. • الورع المستحب: وهو ترك الشبهات والمكروهات التي يخشى أن تؤدي إلى المحرمات. ما يساعد على اكتساب الورع: • العلم الشرعي: فمعرفة الحلال والحرام بوضوح يساعد على تجنب الشبهات والقدرة على التمييز بين الأمور المشتبهة. • التقوى ومراقبة الله واستشعار عظمة الله ومراقبته في كل الأوقات. • الخوف من عقاب الله ورجاء ثوابه يحفز على فعل الخيرات واجتناب المحرمات. • اجتناب الشبهات والابتعاد عن الأمور المشكوك فيها حتى لو كانت مباحة في الأصل. • محاسبة النفس ومراجعة الأفعال والأقوال بشكل دوري والاستغفار والتوبة عن أي تقصير أو خطأ. • الدعاء والتضرع إلى الله لتثبيت القلب على الورع والتقوى والدعاء بالهداية والتوفيق. • الصحبة الصالحة: فمصاحبة الأشخاص الورعين الذين يُذكِّرون بالله ويُشجِّعون على فعل الخير يساعد الإنسان على الورع، وكذلك تجنب الأشخاص الذين يتساهلون في الأمور الدينية. |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (13) د. عبدالسلام حمود غالب الاستغفار والقدوم إلى الله الاستغفار هو طلب المغفرة من الله عز وجل، وهو من أعظم العبادات التي تقرب العبد إلى ربه، وهو من أهم وسائل القدوم إلى الله تعالى؛ لما له من فوائد عظيمة في الدنيا والآخرة. الاستغفار هو مفتاح التوبة، فمن خلاله يعترف العبد بذنبه ويطلب المغفرة من الله تعالى. الاستغفار يطهر القلب من الذنوب والمعاصي، ويزيل عنه الهموم والأحزان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن القلب ليصدأ كما يصدأ الحديد"، قيل: يا رسول الله، وما جلاؤه؟ قال: "تلاوة القرآن وذكر الموت". الاستغفار يزيد الإيمان في القلب، ويقوي الصلة بالله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135]. الاستغفار يجلب السعادة والراحة النفسية، ويزيل عن القلب الهموم والأحزان. الاستغفار من أسباب جلب الرزق وتيسير الأمور؛ قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10-12]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هَمٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب". صيغ الاستغفار: أستغفر الله: وهي أبسط صيغ الاستغفار. أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه: وهي صيغة شاملة للاستغفار والتوبة. سيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". أقوال العلماء في الاستغفار: الحسن البصري: "أكثروا من الاستغفار؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة". "استكثروا من الاستغفار، تجدوا الرزق معقودًا على جباهكم، وتأتكم الأرزاق من حيث لا تحتسبون". يقول قتادة: "إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأما دواؤكم فالاستغفار". يقول ابن تيمية: "الاستغفار يمحو الذنوب، ويجلب الرزق، ويفرج الهمَّ، ويزيل الغم". "الاستغفار يفتح الأقفال، ويشرح البال، ويكثر المال، ويصلح الحال". يقول ابن القيم: "الاستغفار يورث المحبة، ويرفع الدرجات، ويكفر السيئات". "الاستغفار يزيل الوحشة التي بين العبد وربِّه، ويفتح له أبواب القرب والرضوان". يقول ابن رجب: "من عجز عن مشاركة المحبين بالجري معهم في ذلك المضمار، فلا أقل من مشاركة المذنبين في الاستغفار". يقول الفضيل بن عياض: "لم أجد غذاء ولا دواء خيرًا من الاستغفار". فالمؤمن مأمور بالاستغفار في جميع الأوقات، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من الاستغفار، وهو سيد ولد آدم، قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه، وما تأخَّر، ومع هذا كان يكثر من الاستغفار". معاني عميقة من الاستغفار: الاستغفار يتجاوز مجرد طلب المغفرة من الله؛ إنها رحلة روحية عميقة تهدف إلى تطهير النفس وتزكيتها، وإعادة الاتصال بالخالق، ومن هذه المعاني مايلي: 1- الاعتراف بالقصور البشري: الاستغفار هو اعتراف صريح بأن الإنسان ليس كاملًا، وأنه يخطئ ويذنب، وهو إقرار بالضعف البشري والحاجة الدائمة إلى رحمة الله ومغفرته، وهذا الاعتراف يكسر غرور النفس ويقود إلى التواضُع. 2- تطهير القلب والنفس: الذنوب والمعاصي تترك آثارًا سلبية على القلب والنفس، وتسبِّب الهمَّ والغمَّ فالاستغفار يعمل على تطهير القلب من هذه الآثار، ويجلب الراحة والطُّمَأْنينة، إنه بمثابة غسل روحي يزيل الأدران والشوائب. 3- تجديد العلاقة مع الله: الذنوب تخلق حاجزًا بين العبد وربه، وتشعر الإنسان بالبعد عن الله والاستغفار يزيل هذا الحاجز، ويعيد الاتصال بالله، ويقوي العلاقة به سبحانه وتعالى، وتعبير عن الرغبة في العودة إلى الله والتوبة إليه. 4- تحقيق السكينة والراحة النفسية: الاستغفار يجلب السكينة والراحة النفسية، ويزيل عن القلب الهموم والأحزان؛ فهو يمنح الإنسان شعورًا بالتصالح مع الذات ومع الله، ويُخفِّف من الشعور بالذنب. 5- الاستغفار ليس مجرد قول باللسان: الاستغفار الحقيقي يتطلب حضور القلب وصدق النية ويتضمن الندم على الذنب، والعزم على عدم العودة إليه، والعمل على إصلاح ما تم إفساده والاستغفار الحقيقي هو توبة نصوح. 6- الاستغفار كونه علاجًا للذنوب: الاستغفار هو دواء فعَّال للذنوب والمعاصي، فهو يزيل آثارها ويمنع تكرارها، فالاستغفار يمنح الإنسان فرصةً جديدةً للبدء من جديد، وتصحيح مساره. أوقات الاستغفار: الاستغفار مشروع في كل وقت وحين، ولكِنْ هناك أوقات يستحب فيها الإكثار من الاستغفار، منها: بعد الصلوات المفروضة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله تعالى ثلاثًا بعد كل صلاة. في الثلث الأخير من الليل: وهو وقت السحر، وهو أفضل أوقات الاستغفار، قال تعالى: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 17]. عند ارتكاب الذنب: يجب على المسلم أن يستغفر الله تعالى فور ارتكاب الذنب. في كل وقت: الاستغفار مشروع في كل وقت وحين، ولا يقتصر على أوقات معينة. |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (14) د. عبدالسلام حمود غالب الذِّكر والقدوم إلى الله الذكر هو من أجلِّ العبادات التي يتقرَّب بها العبد إلى ربه، وهو من أهم وسائل القدوم إلى الله تعالى وأيسرها. ذِكْرُ الله تعالى من أعظم العبادات وأجلِّ القُربات؛ فهو غذاء الروح، ودواء القلب، ومفتاح السعادة، وجالب الخيرات، ودافع البليَّات. الذكر يزيد الإيمان في القلب، ويقوِّي الصلة بالله تعالى، والذكر يطرد الشيطان ويقمعه، ويحصن المسلم من وسوسته. الذكر من أسباب جلب الرزق، وتيسير الأمور، وهو يفرِّج الهموم ويزيل الكروب، ويجلب السعادة والراحة النفسية. الذكر من أحب الأعمال إلى الله تعالى، وهو من أسباب نَيل محبته ورضوانه. الذكر يطهِّر القلب من الذنوب والمعاصي، ويُزيل عنه الهموم والأحزان، والذكر من أعظم الحسنات التي تُثقل الميزان يوم القيامة. أنواع الذكر: ذِكْرُ القلب: وهو استحضار عظمة الله تعالى في القلب، والتفكر في آلائه ونعمه الظاهرة والباطنة. الذكر باللسان: وهو التلفظ بالأذكار والأدعية؛ مثل: التسبيح والتحميد، والتكبير والتهليل، وغيرها. ذكر الجوارح: وهو استخدام كافة الجوارح في طاعة الله تعالى، وليس في معصيته. أوقات الذكر: الذكر مشروع في كل وقت وحين، ولكِنْ هناك أوقات يُستحب فيها الإكثار من الذكر؛ منها: ♦ بعد الصلوات المفروضة. ♦ في الصباح والمساء. ♦ عند النوم والاستيقاظ. ♦ عند دخول المسجد والخروج منه. ♦ عند ارتكاب الذنب. ♦ في كل وقت وحين؛ فقد كان الرسول يذكر الله في كل حين، ولا يمنعه شيء عن ذكر الله، ويوجد غير ما سبق مما يُستحب فيه الذكر لله رب العالمين. أقوال العلماء في الذكر: يقول ابن القيم: "الذكر هو قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وبه تُستجلب النعم، وتُستدفع النقم". "الذكر يُورث المحبة، ويرفع الدرجات، ويكفِّر السيئات" "الذكر يُزيل الوحشة التي بين العبد وربه، ويفتح له أبواب القرب والرضوان". يقول الحسن البصري: "تفقَّدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق". يقول ابن تيمية: "الذكر يطرد الشيطان، ويقمعه، ويحصن المسلم من وسوسته". "الذكر يفتح الأقفال، ويشرح البال، ويُكثر المال، ويصلح الحال". يقول النووي: "أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحْدِث والجنب، والحائض والنفساء، وذلك في التسبيح والتحميد والتكبير، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء، ونحو ذلك". "الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعًا، فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل". قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: "لكل شيء جِلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل". قال مالك بن دينار: "ما تلذَّذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل". ومما قيل في الذكر أيضًا: إنَّ الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط. إنَّ بيوت الجنة تُبنى بالذكر، إذا أمسك الذاكر عن الذكر، أمسكت الملائكة عن البناء. لا خير في صحبة تحجب عن ذكر الله. قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علَّام الغيوب. أروع القلوب قلب يخشى الله، وأجمل الكلام ذكر الله، وأنقى الحبِّ الحبُّ في الله. إنَّ الذكر رأس الشكر، فما شكر الله تعالى من لم يذكره. أهمية الذكر: ذكر الله يورث ذكر الله للعبد: قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]. ذكر الله يورث الطمأنينة: قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]. ذكر الله أفضل الأعمال: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألَا أُنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والورِق، وخير لكم من أن تلقَوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله تعالى))؛ [رواه الترمذي]. ذكر الله ينجي من عذاب القبر: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما عمل آدميٌّ عملًا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله))؛ [رواه أحمد]. آداب الذكر: الإخلاص:يجب أن يكون الذكر خالصًا لوجه الله تعالى. الخشوع والتدبر: يجب أن يكون الذكر مصحوبًا بالخشوع والتدبر في معانيه. الاستمرار: يجب أن يكون الذكر عادةً دائمة للمسلم. الذكر في كل وقت وحين: لا يقتصر الذكر على أوقات معينة، بل يجب أن يذكر المسلم ربه في كل وقت وحين. |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (15) د. عبدالسلام حمود غالب الصبر والقدوم إلى الله الصبر والتقرب إلى الله مرتبطان ارتباطًا وثيقًا؛ حيث يعتبر الصبر وسيلة أساسية للتقرب إلى الله، بينما يعتبر التقرب إلى الله معينًا على الصبر. الصبر هو: الحبس والكف؛ أي: حبس النفس عن الجزع والتسخُّط، وقيل أيضًا: الصبر: حبس النفس على فعل شيء أو تركه؛ ابتغاء وجهَ الله. الصبر ليس مجرد تحمُّل الألم أو الضيق، بل هو مفهوم أعمقُ وأشمل، يتضمن عدة جوانب: • الصبر هو القدرة على تحمُّل المشاقِّ والابتلاءات بوعيٍ وإدراك، دون فقدان الأمل أو الاستسلام لليأس، ومواجهة التحديات بثبات ورجاحة عقل، مع الحفاظ على الهدوء والسَّكينة الداخلية، والتسليم المطلق لقضاء الله وقدره. • يتضمن الصبر قبولَ ما لا يمكن تغييره، والرضا بقضاء الله وقدره، دون تذمُّر أو شكوى، والتسليم بأن لكل شيء حكمة، وأن الصعاب قد تحمل في طيَّاتها فرصًا للنمو والتطور والنجاح. • الصبر ينمي القوة الداخلية والعزيمة، ويجعل الإنسان أكثر قدرة على مواجهة الصعاب والتغلب عليها، والثقة بالنفس والقدرة على التحمل، والإيمان بأن الفَرَجَ قادم لا محالة. • الصبر فرصة للنمو الروحي والتقرب إلى الله؛ حيث يعزز الإيمان واليقين، ويجلب الأجر والثواب، ويعني الاستفادة من المحن لتقوية الصلة بالله، وتنمية الصفات الحميدة؛ مثل: الحِلم والتسامح، والإيثار وحب الخير للآخرين. • الصبر لا يتعارض مع الأمل والتفاؤل، بل هو يدعمهما، فلا شكَّ ولا ريب أن بعد العسر يسرًا، وأن الفرج قادم، حتى في أصعب الظروف. • الصبر هو قوة داخلية تمكِّن الإنسان من مواجهة الحياة بتوازن وثبات، والتعامل مع تحدياتها بحكمة ورضًا بما قسم الله، مع الإيمان بأن الخير كل الخير يكمن في كل ما يقدره الله للإنسان ويختاره. أنواع الصبر: يقول ابن القيم: "الصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة". • الصبر على الطاعات: وهذا يتطلب صبرًا على مشقة العبادة والالتزام بها؛ فالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وغيرها من الطاعات تحتاج إلى صبر ومجاهدة للنفس. • الصبر على اجتناب المعاصي والذنوب، وهذا يتطلب صبرًا على الشهوات والرغبات التي قد تدفع الإنسان إلى ارتكابها والابتعاد عنها. • الصبر على الأقدار والابتلاءات: يبتلي الله عباده بأقدار مختلفة؛ مثل المرض، والفقر، والمصائب، ويتطلب التقرب إلى الله الرضا بقضاء الله وقدره، والصبر على هذه الابتلاءات، فالصبر عاقبته خيرٌ؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له))؛ [رواه مسلم]. الصبر له ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة؛ ومن أهم هذه الثمرات: • نَيل محبة الله: قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]. • معية الله: قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]. • نَيل الأجر العظيم: قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]. • دخول الجنة: قال تعالى: ﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 12]. ثمرات أخرى للصبر: • الصبر يكسب صاحبه قوةَ الإرادة والعزيمة. • الصبر يزيد من حكمة الإنسان ورجاحة عقله. • الصبر يقي الإنسان من الوقوع في اليأس والقنوط. • الصبر يُورث صاحبه الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره. • الصبر يُعين على التغلب على المشاكل النفسية والاجتماعية. فالصبر هو سلاح المؤمن في مواجهة تحديات الحياة، وهو طريق الفوز بالدنيا والآخرة. أقوال العلماء في الصبر: يقول الغزالي: "الصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن المعصية، لأن الطاعة هي المقصودة لذاتها، والمعصية هي المنهيُّ عنها". قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ألَا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قُطع الرأس بار الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبرَ له". قال عمر بن عبدالعزيز: "ما أنعم الله على عبدٍ نعمةً فانتزعها منه، فعاضه مكانها الصبر، إلا كان ما عوضه خيرًا مما انتزعه". يقول ابن القيم: "الصبر يوصل صاحبه إلى أعلى المقامات، وينال به رضا الله ومحبته". يقول السعدي: "الصبر سبب لنَيل الأجر العظيم، والفوز بالجنة، ومعية الله ونصره". يقول ابن القيم: "الصبر هو حبس النفس عن الجزع والتسخط، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب". الحسن البصري: "الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده". يقول سفيان الثوري: "الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله". يقول عمر بن الخطاب: "خير عيشٍ أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريمًا". |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (16) د. عبدالسلام حمود غالب الإحسان والقدوم إلى الله الإحسان هو أعلى مراتب الدين؛ وهو أن يعبد الإنسان ربَّه كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يعلم أن الله يراه؛ كما جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال: ((أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))؛ [رواه البخاري ومسلم]. أما القدوم إلى الله، فهو يعني الرجوع إليه بالقلب والجوارح، والتوبة الصادقة، والسير في طريق مرضاته، فمن أراد القدوم إلى الله بحقٍّ، فعليه أن يسعى للإحسان في كل جوانب حياته. الإحسان كأسلوب للارتقاء الروحي: الإحسان في جوهره هو إدراك لحضور الله في كل لحظة، مما يجعل الإنسان يعيش في حالة وعيٍ دائم برقابة الله له في كل حركاته وسكناته، فيُحسِّن عمله وسلوكه؛ فالإحسان وسيلة لتصفية القلب والارتقاء بالنفس، ليصبح الإنسان أكثر قربًا من الله سبحانه. الإحسان هو قمة الأخلاق: فهو لا يقتصر على العدل، بل يتجاوزه إلى العطاء غير المشروط؛ حيث يتمحور الخير والعطاء حول التصرف وفق أسمى المبادئ والقيم الإسلامية، بغضِّ النظر عن المصلحة الشخصية، والعائد من ذلك التعامل والإحسان. الإحسان كوسيلة لإصلاح المجتمع: فعندما يصبح الإحسان في التعامل مع الآخرين ثقافةً سائدة، يتحول المجتمع إلى بيئة أكثر عدلًا ورحمة. الإحسان ليس مجرد فعل حسنٍ: بل هو حالة قلبية وروحية تدفع المؤمن إلى السعي نحو الكمال في كل ما يقوم به؛ ابتغاءَ مرضاة الله وقربه. الإحسان يشمل كل جوانب حياة المسلم: من علاقته بخالقه إلى علاقته بنفسه والآخرين والعالم من حوله، إنه السعي الدائم نحو الأفضل، مع استشعار رقابة الله وعلمه بكل دقيقة وجليلة. • الإحسان هو الزاد الذي نتزوَّد به في رحلتنا إلى الله، وهو النور الذي يضيء لنا الطريق إليه. • الإحسان هو الوقود الذي يدفعنا في رحلتنا إلى الله، وهو الزاد الذي نتزود به، وهو النور الذي يضيء لنا الطريق، إنه جوهر العبودية الحقة التي تؤهلنا للقاء الله تعالى، ونَيل رضاه وجنته. أقوال العلماء في الإحسان: يقول ابن القيم الجوزية: "الإحسان أن تبذل لله ما يحب، وتحب له ما يبذل لك؛ أي: إن الإحسان هو أن تعطي لله مما تحب، وأن تتقبل عطاياه برضًا". وقال أيضًا: "الإحسان هو فِعل كل ما هو جميل، وترك كل ما هو قبيح". ويقول: "مفتاح حصول الرحمة الإحسانُ في عبادة الخالق، والسعي في نفع عبيده". يقول ابن تيمية: "الإحسان أعلى مراتب الدين، وهو الإخلاص لله في كل عمل والقيام به على وجه الكمال". وقال أيضًا: "كلما زاد إحسان العبد في عمله وقصده، زاد قربه من الله". يقول الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين): "الإحسان هو أن تفعل الخير لوجه الله دون انتظار مقابلٍ، لأنك تعلم أن الله هو المجازي الحقيقي". وقال أيضًا: "الإحسان يكسب القلب نورًا وصفاءً، وهو سبيل الوصول إلى السعادة الحقيقية". يقول النووي: "الإحسان في العمل يكون بإتقانه وإخلاصه، والإحسان إلى الناس يكون بمعاملتهم بالرفق واللين". ويقول في شرحه لحديث جبريل: "هذا الحديث اشتمل على بيان الدين كله، الظاهر والباطن، فقوله الإسلام يتناول الأعمال الظاهرة، وقوله الإيمان يتناول الأعمال الباطنة، وقوله الإحسان يتناول إخلاص السريرة، ومراقبة الله تعالى في الأعمال الظاهرة والباطنة". يقول ابن رجب الحنبلي: "الإحسان هو أن تعامِل الله معاملة الحاضر الناظر، فتعبده كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". يقول ابن عيينة في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]: "العدل: الإنصاف، والإحسان: التفضُّل". قال يونس بن عبيد لرجلٍ: أوصِني، فقال: "أوصيك بتقوى الله والإحسان، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون". قال ابن حبان: "لا سبب لتسكين الإساءة أحسن من الإحسان". من صور الإحسان: يقول ابن عثيمين رحمه الله: "الإحسان نوعان: إحسان في عبادة الله، وإحسان إلى خلق الله، وكلاهما من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة". 1. الإحسان في العبادة والطاعات؛ ويشمل ما يلي: • الإحسان في أداء الفرائض: بإتقانها، والمحافظة على أركانها وشروطها وسننها، مع الخشوع وحضور القلب، واستشعار عظمة الله. • الإحسان في النوافل والطاعات: بالاجتهاد فيها، والإخلاص في أدائها، والرغبة الصادقة في التقرب إلى الله. • الإحسان في الدعاء والذكر: بالإلحاح على الله، وحسن الظن به، والتدبر في معاني الأذكار. • الإحسان في التوبة والاستغفار: بالصدق في الندم، والعزم على عدم العودة إلى الذنب، والإكثار من الاستغفار، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها. 2. الإحسان إلى الخلق في التعامل؛ ويشمل: • الإحسان إلى الوالدين: بالبر بهما، وطاعتهما في المعروف، والإحسان إليهما بالقول والفعل، والمال والدعاء لهم. • الإحسان إلى الأقارب: بصِلَة الرحم، وزيارتهم، وقضاء حوائجهم، والتودد إليهم. • الإحسان إلى الجيران: بكفِّ الأذى عنهم، وحسن الجوار، وقضاء حوائجهم، والمبادرة بالخير لهم. • الإحسان إلى اليتامى والمساكين والفقراء: بكفالتهم، وإطعامهم، وكسوتهم، ومدِّ يد العون لهم والسعي عليهم. • الإحسان إلى الضعفاء والمرضى وكبار السن: بالرحمة بهم، والعناية بهم، وتلبية احتياجاتهم وعدم السخرية منهم. • الإحسان إلى عامة المسلمين: بالنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللين والحكمة، والدعاء لهم. • الإحسان إلى غير المسلمين: بالعدل والإنصاف في التعامل معهم، وعدم ظلمهم أو الاعتداء عليهم، والدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة. • الإحسان إلى الحيوان: بالرفق به، وعدم تعذيبه، وتوفير حاجياته من طعام وشراب ومأوى، فالراحمون يرحمهم الرحمن. • الإحسان إلى البيئة: بالمحافظة عليها، وعدم إفسادها أو تلويثها. 3. الإحسان في العمل وإتقانه: • بأدائه على أكمل وجه، وبذل الجهد فيه، والحرص على جودته، والأمانة والصدق في كافة المعاملات. • والعدل والإنصاف في الأجور والحقوق. • وتطوير الذات والسعي لاكتساب المزيد من العلم والمهارة. 4. الإحسان إلى النفس: • بتزكيتها وتهذيبها، والحرص على الأخلاق الفاضلة، وتجنب الرذائل. • وتغذيتها بالعلم النافع، والعمل الصالح. • والمحافظة عليها بالاعتدال في الطعام والشراب، وتجنُّب ما يضرها. • وعدم إهلاكها أو تعريضها للخطر بلا مبرر. ومما قيل في الإحسان أيضًا: • الإحسان هو أن تجعل عملك أجملَ ما يمكن أن يكون. • الإحسان هو بذل المعروف ابتداءً، وكف الأذى انتهاءً، هذا القول يجمع بين الفعل الإيجابي، والكف عن السلبية، وهما أساس التعامل الحسن. • الإحسان هو أن تعطي أكثر مما يُطلَب منك، وأن تتوقع أقل مما تستحق، ويعكس روح العطاء والتواضع التي تميِّز المحسنين. • الإحسان زينة الأعمال، كما أن الروح زينة الجسد. • الإحسان لا يضيع عند الله، بل ينمو ويثمر خيرًا في الدنيا والآخرة. • أجمل الإحسان هو الإحسان في الخفاء؛ حيث لا يرجو صاحبه مدحًا، ولا يخاف ذمًّا إلا من الله. |
رد: وقفات مع القدوم إلى الله
وقفات مع القدوم إلى الله (17) د. عبدالسلام حمود غالب حسن الظن بالله والقدوم إلى الله حسن الظن بالله هو استشعارُ جميلِ صفات الله الحسنى؛ من كرمه ورحمته وقدرته، وعلمه وحكمته. هو أن يغلُب على قلب المؤمن الرجاءُ في فضل الله تعالى، والأمل في رحمته ومغفرته، وتوقُّع الخير منه في كل الأحوال. حسن الظن بالله يعني أن قلبك متجرد تمامًا من أي شكٍّ أو ريبة في عدل الله وحكمته في تدبير الأمور، حتى عندما تسير الأمور على غير ما تشتهي. عندما تحسن الظن بالله، فإنك تستشعر قوةَ الرجاء والأمل التي تدفعك لتجاوُز الصِّعاب والتحديات، ولتعلم أن الله معك، وأنه لن يخذلك، وأن بعد العسر يسرًا. حسن الظن بالله يفتح لك آفاقًا أوسعَ لفَهم صفات الله الحسنى، وتجلياتها في الكون وفي حياتك؛ فترى رحمته في اللطف الخفيِّ، وكرمه في العطاء الجزيل، وقدرته في تيسير المستعصي، وحكمته في التقدير الدقيق. حسن الظن بالله يحوِّل العبادة من مجرد أداء واجبات روتينية، إلى حالة قلبية راسخة من الثقة واليقين والتوكل. حسن الظن بالله يعلِّمك أن تتجاوز النظرة المادية الضيقة للأسباب والنتائج، ولتعلم أن الأمر كله بيد الله، وهو قادر على كل شيء. عندما تحسن الظن بالله، فإنك تحقق السلام الداخليَّ، والرضا بالقضاء والقدر، ولتعلم أن كلَّ ما قدَّره الله لك هو الخير، حتى وإن بدا لك في ظاهره غير ذلك. حسن الظن بثواب الله وجزائه هو دافع قويٌّ للعمل الصالح، والاجتهاد في الطاعات، فأنت تُقدِم على الخير وأنت واثق بأن الله سيقبله، ويضاعف لك الأجر. من أقوال العلماء في حسن الظن بالله: قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره، ما أُعطي عبد مؤمن شيئًا خيرًا من حسن الظن بالله تعالى، والذي لا إله غيره لا يُحسن عبدٌ بالله عز وجل الظنَّ، إلا أعطاه الله عز وجل ظنَّه ذلك بأن الخير في يده"؛ هذا قول جليل القدر، يُبيِّن عظيمَ فضلِ حسن الظن بالله، وأنه مفتاح لنَيل الخير. قال الحسن البصري رحمه الله: "إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن المنافق أساء الظن بربه فأساء العمل". قال قتادة رحمه الله: "اذكروا الله ذكرًا جميلًا، قيل: وما الذكر الجميل؟ قال: أن تذكروا الله وأنتم تظنون به الخير". قال إبراهيم التيمي رحمه الله: "كانوا يستحبون أن يُلقِّنوا العبد محاسنَ عمله عند موته، لكي يُحسن ظنه بربه"، وهذا يدل على أهمية استحضار الرجاء وحسن الظن بالله في تلك اللحظة الحاسمة. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "لا يزال العبد بخيرٍ ما دام يحسن الظن بالله ويرجوه". قال سفيان الثوري رحمه الله: "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين، قال: أحسنوا بالله الظنَّ"، وهذا يفسِّر الإحسان بأنه إحسان الظن بالله. قال الإمام النووي رحمه الله في شرح حديث: ((أنا عند ظن عبدي بي)): "قال العلماء: معنى حسن الظن بالله تعالى: أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه". قال ابن القيم رحمه الله في (مدارج السالكين): "على قدر حسن ظن العبد بربه ورجائه له، يكون توكله عليه، وقال أيضًا: فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله، يظنون بالله غير الحق ظنَّ السوء؛ فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق، ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله"، وهذا تحذير من الوقوع في سوء الظن بالله. وقال أيضًا: "حسن الظن بالله هو أن يظن العبد بربه كلَّ خير، وأن فضله أوسع من ذنبه، ورحمته سبقت غضبه، وأنه لا يتعاجزه مغفرةُ ذنبِ مَن استغفره، ولا يكِله إلى نفسه إذا توكل عليه، ولا يُخيبه إذا دعاه ورجاه". ثمرات حسن الظن بالله في الدارين: في الدنيا: راحة القلب وطمأنينة النفس: عندما يثق العبد بربه، ويُحسن الظن به، يزول القلق والاضطراب من قلبه، ويحل محلهما سكينةٌ ورضًا، فيعلم أن مدبِّر الأمر هو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين. التفاؤل والأمل في الحياة: حسن الظن بالله يفتح أبوابَ الأمل، ويطرد اليأس، ويصبح المؤمن أكثر إيجابية وتفاؤلًا بمستقبله، وبما سيأتي به القدَر. قوة التوكل على الله: عندما يُحسن العبد الظنَّ بربه، فإنه يعتمد عليه ويثق به في كل أموره، ويسلِم له زمامَ حياته، وهذا يمنحه قوة وثباتًا في مواجهة التحديات. تيسير الأمور وتوفيق الله له: الظن الحسن بالله يجلب توفيقه وتيسيره؛ قال تعالى في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي))، فبقدر ظنِّك الخير، يفتح الله لك أبواب الخير. البركة في الرزق: المؤمن الذي يُحسن الظن بالله، يسعى ويكدح وهو واثق بأن الله سيرزقه، وهذا اليقين يجلِب البركة في سعيه ورزقه. العلاقات الطيبة مع الناس: الشخص الذي يحمل قلبًا سليمًا مملوءًا بحسن الظن بالله، غالبًا ما يكون حسن الظن بالناس أيضًا، مما يجعله محبوبًا وقريبًا من الآخرين. القدرة على تجاوز المحن: في أوقات الشدة والابتلاء، يكون حسن الظن بالله هو السلوى والعزاء، يدفع المؤمن للصبر والاحتساب واليقين بأن بعد العسر يسرًا. النشاط والإقبال على العمل: الرجاء في ثواب الله وحسن الظن بقبوله، يدفع المؤمن للجدِّ والاجتهاد في عمله وعبادته. في الآخرة: المغفرة والرحمة: حسن الظن بمغفرة الله ورحمته عند التوبة والاستغفار هو سبب لنيلها؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله)). استجابة الدعاء: الظن بالإجابة عند الدعاء من علامات حسن الظن بالله، وقد وعد الله بالإجابة لمن دعاه سبحانه. الفوز بالجنة والنجاة من النار: الرجاء في رحمة الله وعفوه وكرمه هو الذي يدخل العباد الجنةَ، ويُنجيهم من النار. رضا الله تعالى عنه: حسن الظن بالله هو من موجبات رضا الله عن عبده، فالله يحب من يرجوه ويثق به. فاجعل - أخي الكريم - حسن الظن بالله رفيقَك الدائم، تنعَم ببركاته وخيراته في الدنيا والآخرة. |
الساعة الآن : 10:04 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour