ملتقى الشفاء الإسلامي - حبر ابيض اللهو الخفي

حبر أبيض ... اللهو الخفي

ممكن أكلم رمضان السُكّري لو سمحت؟
أقول له مين يافندم؟
قل له: اللهو الخفي!
دار هذا الحوار التليفوني بين الفنانين سعيد صالح وحسن مصطفى في مسرحية (العيال كبرت) حينما أوهم العيال أباهم حسن مصطفى أن أخاهم يونس شلبي قد اختطفته عصابة زعيمها هو اللهو الخفي الذي اتصل بالأب تليفونيا وطالبه بفدية.
والطريف أنه في الوقت الذي كان فيه حسن مصطفي يضع على أذنه سماعة التليفون لم يكن سعيد صالح يكلم أباه أثناء هذا الاتصال من تليفون وإنما كان يكلمه من خلفه على بعد بضعة أمتار بصوت مسموع.
لم أتوقع أبداً أن أقف موقف أحد طرفي هذا المشهد إلى أن حدث أن التقيت في قاعة تضج بالزحام بأحد الأشخاص الذي سألني بعد أن تعَرّف عليّ عن طريق رقم تليفون أحد أصدقائي فلان الفلاني الذي يعرفه مثلما أعرفه، فأخبرته وأنا مشغول برقم التليفون.
ثم رن بعد ثوان جرس نقالي، فلما أجبته سمعت الطرف الآخر يسأل: فلان الفلاني؟! قلت: لا، قال: هل ترك لك نقاله؟! قلت: لا.. فهذا نقالي.. وأنا اسمي خالد الصيحي، فسمعت من يضحك بجواري وفي نقالي، وشعرت بيد تربت على كتفي فالتفت فرأيت الشخص الذي أخبرته برقم تليفون صديقي يضحك ويقول لي: لقد أعطيتني رقم تليفونك لا رقم تليفون فلان الفلاني.
شعرت أنني كما لو كنت أؤدي دور رمضان السكري في مسرحية العيال كبرت حينما كان يكلمه اللهو الخفي! وضحكت مع من يضحك بجواري على ما بدر مني!
انشغالنا بالعديد من الأشياء يجعلنا نفقد التركيز في بعض الأحيان.. فالحياة في هذه الأيام صارت مثل مهرجان عام يضج بالزحام وتكثر فيه الأصوات وتُرفع فيه الكثير من اللافتات وتُعرض فيه العديد من الفقرات التي ترهق الذهن وتشغل البال وتشبه (اللهو) من حيث أن لا فائدة لها على الإطلاق.
إننا نستطيع أن نوفر من أوقاتنا الكثير لنستغله فيما هو نافع ومفيد، بإهمال الكثير من فقرات هذا المهرجان وغض الطرف عن بعض اللافتات وكف السمع عن بعض الأصوات، وحينئذ سنشعر بصفاء أذهاننا وحسن تفكيرنا بعدما خفت ضغوط كانت داخل رؤوسنا وكادت تفجرها.
أحد أكبر الكُتّاب المصريين كان من أشره المدخنين ثم تاب عليه الله أرحم الراحمين فأقلع عن التدخين فقال: لقد وفر لي الإقلاع عن التدخين من وقتي الثمين ما لا يقل عن ساعتين!
لعلنا نستطيع أن نوفر من أوقاتنا الكثير إن فعلنا مثلما فعل الكاتب الكبير وذلك بتقليل عدد الساعات التي نهدرها في (اللهو الخفي) القادر على أن يلعب بنا مثلما لعب ب (رمضان السُكّري)!