ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   إن الشرك لظلم عظيم (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=213910)

ابوالوليد المسلم 08-10-2019 12:43 PM

إن الشرك لظلم عظيم
 
إن الشرك لظلم عظيم




د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم





إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا ﴾ [الأحزاب: 70].

أيها المؤمنون!
إدراك المخاطر من أقوى سبل توقيّها، وذاك من سمات استواء العقل ونضجه؛ إذ دفع الخطر أهون من رفعه، والعاقل من توقّى الشر قبل حلوله.
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيّه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن لا يعرف الشر من الشر يقع فيه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


قال حذيفة - رضي الله عنه -: " كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي " رواه البخاري ومسلم. ويقول عمر - رضي الله عنه -: " إنما تنقض عرى الإسلام عروةً عروةً، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية "، وقال شيخ الإسلام: " مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا الْخَيْرَ فَقَدْ يَأْتِيهِ الشَّرُّ فَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ شَرٌّ، فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُنْكِرَهُ كَمَا أَنْكَرَهُ الَّذِي عَرَفَهُ "، وقال ابن القيم مبيناً فضل الصحابة - رضي الله عنهم - وحسن فهمهم للدين: " فَإِنَّهُم نشأوا في سَبِيل الظلال وَالْكفْر والشرك والسبل الموصلة إِلَى الْهَلَاك وعرفوها مفصّلة، ثمَّ جَاءَهُم الرَّسُول فَأخْرجهُمْ من تِلْكَ الظُّلُمَات إِلَى سَبِيل الْهدى وصراط الله الْمُسْتَقيم؛ فَخَرجُوا من الظلمَة الشَّدِيدَة إِلَى النُّور التَّام، وَمن الشّرك إِلَى التَّوْحِيد، وَمن الْجَهْل إِلَى الْعلم، وَمن الغي إِلَى الرشاد وَمن الظُّلم إِلَى الْعدْل، وَمن الْحيرَة والعمى إِلَى الْهدى والبصائر؛ فعرفوا مِقْدَار مَا نالوه وظفروا بِهِ، وَمِقْدَار مَا كَانُوا فِيهِ؛ فَإِن الضِّدّ يظْهر حسنه الضِّدّ، وَإِنَّمَا تتبين الْأَشْيَاء بأضدادها؛ فازدادوا رَغْبَة ومحبة فِيمَا انتقلوا إِلَيْهِ، ونفرةً وبغضاً لما انتقلوا عَنهُ، وَكَانُوا أحب النَّاس فِي التَّوْحِيد وَالْإِيمَان وَالْإِسْلَام، وَأبْغض النَّاس فِي ضِدّه عَالمين بالسبيل على التَّفْصِيل. وَأما من جَاءَ بعد الصَّحَابَة: فَمنهمْ من نَشأ فِي الْإِسْلَام غير عَالم تَفْصِيل ضِدّه؛ فَالْتبسَ عَلَيْهِ بعض تفاصيل سَبِيل الْمُؤمنِينَ بسبيل الْمُجْرمين؛ فَإِن اللّبْس إِنَّمَا يَقع إِذا ضعف الْعلم بالسبيلين أَو أَحدهمَا ". وتزداد أهمية العلم بالخطر بازدياد درجة خطره؛ فمن الأخطار ما يؤذي، ومنها ما يهلك. فإن سألت عن أخطر خطر في الوجود؛ مما يوبق دنيا العبد وآخرته، ويُحِط نزلَه دون نُزل البهائم الراتعة؛ فذاك هو الشرك بالله الذي فيه صرف العبادة كالدعاء والذبح والحكم لغير الله - تعالى - أو يُشرَك فيها معه غيرُه، يقول أبو الدرداء – رضي الله عنه -: " الشرك قتل، والمعاصي جراحات ".

أيها المسلمون!
إن الشرك شؤم يفتك لظاهه بالفرد والمجتمع؛ فهو أعظم ذنب عصي الله به، فقد سأل عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وقد خلقك " رواه البخاري. والشرك ذنب لا يغفر، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾؛ فهو مانع من الجنة وموجب لخلود النار، ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾ [المائدة: 72]. والشرك أعظم المظالم، ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]. والشرك ضلال بعيد، ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116]. والشرك افتراء مبين، ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾. والشرك محبط للعمل وموجب لخسار صاحبه كائناً من كان، ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]. والشرك سبب لتخلي المولى عن العبد وإسلامه لعدوٍ لا يرحمه، ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31]. والشرك نجاسة تدنّس من تلطخ بوضرها، ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة: 28]. والشرك سبب لاختلال التصور واستجلاب الخرافة وارتعاب القلب، قال الله - تعالى -: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾ [آل عمران: 151]. وانتشار الشرك مؤذن بالخراب، قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللهُ، اللهُ " رواه مسلم.

ويزيد في خطر الشرك دقة المسارب المفضية إليه، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل " رواه أحمد وحسنه الألباني لغيره. ومما يزيد خطرَه كثرة الواقعين فيه، كما قال الخليل - عليه السلام -: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ﴾ [إبراهيم: 36]. وذاك ما جلب خوف الراسخين؛ فهذا خليل الرحمن يسأل ربه النجاءَ له ولبنيه من عبادة الأصنام، ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، قال إبراهيم التيمي: " ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم "، وقال: " مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا "، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: " أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ "، وقال الحَسَنُ عن النفاق: " مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ "، وبوّب البخاري في صحيحه: " بَابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ ".

عباد الله!
لِمَ كان هذا التشديد في شأن الشرك والفظاعة في عقباه؟ إنما كان ذلك؛ لاشتمال الشرك على أقبح القبائح وأظلم المظالم؛ فالشرك تنقّص لرب العالمين، وصرف خالص حقه لغيره، وعدول به بالمخلوق الضعيف، كما أنه مناقض لمقصود الخلق؛ فحقيقته معاندة للخالق، واستكبار عن طاعته والذل له والانقياد لأمره، وتشبيه للمخلوق بالخالق في خصائص الألوهية: من مُلك الضر والنفع، والعطاء والمنع؛ فجَعَل من لا يملك ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً شبيهاً بمن له الحمد كله والخلق كله والملك كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله.


الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أيها الإخوة في الله!
إن أحق ما أولاه المرء همته تبصّرُ سبل الوقاية من براثن الشرك وحبائله، ومن أجل سبل تلك الوقاية: الخوف منه والحذر؛ فمن خاف سلم، وقد كان هذا منهج الأنبياء وأهل العلم الراسخين؛ فلعمر الله! إن ذلك الخوف أوجب على المرء من خوف الضعيف الأعزل سَبُعاً ضامراً مجموعاً معه في قفصٍ محكمِ الغلق؛ إذ فناء الدنيا غاية فتك ذاك السبع، وبفتك الشرك خراب الدنيا والآخرة. ومن يأمن الشرك بعد إمام الحنفاء؟! وذلك الخوف موجب لتعلم التوحيد وتعاهد معاقده في معترك الحياة بحلوها ومرِّها؛ فالتوحيد نور يبدد حنادس الشرك وشبهه، كما قال الله - تعالى -: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122]. ونشر التوحيد وبيان نواقضه ونواقصه في حياة الناس والتنويع في عرض ذلك باختيار الوسيلة الأسهل فهماً والأجذب تابعاً من أجلّ سبل سلامة المجتمع من الشرك. والدعاء بالسلامة من الشرك من جوادّ العافية منه، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: "يَا أَبَا بَكْرٍ، لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلِ الشِّرْكُ إِلَّا مَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ؟ "، قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ" رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

عباد الله!
ومن أهم سبل الوقاية من الشرك معرفة وسائله المفضية إليه؛ لتجتنب، سواء كانت أقوالاً أم أفعالاً، كالحلف بغير الله من غير تعظيم، وعطف مشيئته على مشيئة المخلوق، والبناء على القبور والكتابة عليها، وتعليق التمائم والحروز، والتشاؤم، وقراءة الأبراج، ومشاهدة قنوات السحر والشعوذة وإن لم تُصدَّق، ويسير الرياء، والغلو في الصالحين. وعادة الأنام المطردة: أن الشيء كلما ازداد أهمية حسن الازدياد في حرزه والتوقي في وسائل هتكه، وهل ثمّ شيء أنفس من توحيد الله؟!

والبراءة من المشركين من أعظم أسباب التنائي عن الشرك؛ لبراءة الله ورسوله منهم كما أعلم بقوله: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3]، وأصل البراءة البغض، كما أبداه الخليل وأتباعه المؤمنون لقومهم المشركين إذ قالوا: ﴿ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الممتحنة: 4]. ومن لوازم تلك البراءة عدم مناصرتهم على المسلمين، وتركُ التشبه بهم فيما هو من خصائصهم وإن كان لباساً أو عادة، وحرمةُ الإقامة في دارهم إن كان المسلم عاجزاً عن إظهار شعائر دينه وقدر على الهجرة. وإنما كانت البراءة؛ لئلا يذوب توحيد المسلم؛ إذ بكثرة الإمساس بَلَدُ الإحساس، وبالمخالطة تقلُّ النفرة. غير أن ذلك لا يعني الاعتداء والظلم؛ فالذي أوجب البراءة من المشركين هو الذي أمر بالعدل معهم وحرّم ظلمهم. وبتلك السبل ينجو المؤمن سالماً من حبائل الشرك وفخاخه وذرائعه.




الساعة الآن : 11:44 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 14.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.76 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.63%)]