وسطية أهل السنة في نصوص الوعد والوعيد
وسطية أهل السنة في نصوص الوعد والوعيد الشيخ صلاح نجيب الدق أهل السنَّة وسَط في التعامل مع نصوص الوعد والوعيد؛ فهم وسَط بين المرجئة والوعيدية. جاء في كتاب الله عز وجل وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم كثير من الآيات والأحاديث التي تدل على وعد الله عز وجل للمؤمنين والمطيعين بالثواب الجزيل، وأنه أعد لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، ووعدهم بألوان من الأجر والجزاء، ومغفرة الذنوب فيما دون الشرك، وتكفير السيئات، وإبدالها حسنات، ونحو ذلك. ومِن هذه النصوص: قوله سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]. روى مسلم عن أبي ذرٍّ الغِفاريِّ رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم عليه ثوب أبيض، ثم أتيته فإذا هو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فجلستُ إليه، فقال: ((ما من عبدٍ قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق))، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: ((وإن زنى وإن سرق)) ثلاثًا، ثم قال في الرابعة: ((على رَغم أنفِ أبي ذر))، قال: فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنفُ أبي ذر؛ (مسلم حديث: 94). وهذه يقال لها: نصوصُ الوَعد. وجاء كذلك في الكتاب والسنَّة آيات وأحاديث كثيرة، تتضمن الوعيدَ الشديد بالعذاب الأليم، والخلود في النار لأهل الفسق والمعاصي، وأصحاب الكبائر، ووصفهم بالكفر والفِسق والضلال ونحو ذلك. ومِن هذه النصوص: قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]. روى البخاري عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سِبابُ المسلم فسوق، وقتاله كفر))؛ (البخاري حديث: 7076). وهذه تسمى نصوص الوعيد. • فالمرجئة أخذوا بنصوص الوعد، وتركوا نصوص الوعيد، وقالوا: كل ذنبٍ سوى الشرك فهو مغفور؛ فالإيمان لا تضرُّ معه معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وإنما ضلُّوا في هذا الباب بسبب عبادتهم اللهَ تعالى بالرجاء وحده، وإهمال جانب الخوف. • والوعيدية (من الخوارج والمعتزلة) أخذوا بنصوص الوعد والوعيد، وغلَوْا في نصوص الوعيد، وقالوا: لا بد أن ينجز الله وعده ووعيده، ولا يصح أن يُخلِفَ أيًّا منهما، وسبب ضلالهم في هذا الباب: عبادتهم اللهَ بالخوف وحده، وإهمال جانب الرجاء. وأهل السنَّة في هذا الباب وسط بين غلاة المرجئة وبين الوعيدية (من الخوارج والمعتزلة)، وهم يأخذون بنصوص الوعد والوعيد؛ فيجمَعون بين الخوف والرجاء، ولا يفرِّطون في نصوص الوعيد كالمرجئة الخالصة الذين قالوا: لا يضرُّ مع الإيمان ذنب، ولا يغلون غلوَّ الخوارج والمعتزلة في نصوص الوعيد. ويقولون في الوعيد: يجوز أن يعفوَ الله عن المذنب، وأن يُخرِجَ أهل الكبائر من النار، فلا يخلِّد فيها أحدًا من أهل التوحيد، ويقولون في الوعد: إن الله لا يخلف وعده، فإذا وعد عباده بشيء، كان وقوعه واجبًا بحُكم وعده؛ فإنه الصادقُ في خبره، الذي لا يخلف الميعاد. |
الساعة الآن : 05:12 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour