فضل الحج والترهيب من ترك حج الفريضة
فضل الحج والترهيب من ترك حج الفريضة الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري الحمدُ لله الذي فرَضَ الحجَّ لبيته الحرام، وجعلَ قصدَهُ مُكفِّراً للذنوب والآثام، ولم يَرضَ لمن أكملَهُ وقامَ بحُقوقهِ جزاءً إلاَّ الفوزَ برضوانه في دار السلام، أحمَدُه أنْ جعلَ هذا البيتَ مثابةً للناس وأمناً، وجعلَ أفئدةً من الناسِ تهوي إليه محبةً وشوقاً، فهم يتردَّدون إليه ويزدادون لَهَفَاً عليه وتَوْقَاً، فقُلوبُهم على الدَّوام تَحنُّ إليه، وعاجزُهم يتأسَّفُ لانقطاعه عن الوُصولِ إليه، فسبحان من دَعا عِبادَهُ لحجِّ بيتِه الحَرام، ليُسبِغَ عليهم جزيلَ الإحسانِ وأوفرَ الإنعام، فأقبَلُوا إليه من كلِّ فجٍّ عميقٍ رجالاً ورُكباناً، وتركوا لأجله أولاداً وأهلاً وأوطاناً وأخداناً، وبذلوا نفوسَهُم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، ليشهدوا منافعَ لهم فيها صلاح دينهم ودُنياهُم، ويَحضُروا مشاهدَ يُدركون بها مآربهم ومُناهُم، فتباركَ الذي منَّ عليهم وهَداهُم، وأوفَدَهُم إلى كرامته وحَدَاهُم، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له في أُلوهيَّتِه ورُبوبيَّتِه وصفاتِه وأفعالِه، وهو المنفردُ بأنعامِه على الخلقِ وأفضالِه، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وعلى أصحابه وآله، وعلى التابعين له في أقوالهِ وأفعاله وجميع أحواله. أما بعدُ: فيا أيها الناسُ، اتقوا الله تعالى، وقُوموا بما أوجبَ عليكم مِن حجِّ بيتِهِ وقصدِ حَرَمِه، وارغبُوا فيما يُفيضُه على قُصَّادِ بيتهِ من جُودِه وكَرَمه، ومن الفضائل والمواهب المتنوِّعة والنوافل، ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، وقال صلى الله عليه وسلم: (أيُّها الناسُ قَد فَرَضَ اللهُ عليكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَن حَجَّ للهِ فلم يَرْفُث، ولم يَفْسُق، رَجَعَ كيومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. وسُئل صلى الله عليه وسلم: (أيُّ الأعمالِ أفضَلُ؟ قال: إيمانٌ باللهِ ورسُولِهِ، قيلَ: ثُمَّ ماذا؟ قال: جِهادٌ في سبيلِ اللهِ، قيلَ: ثُمَّ ماذا؟ قالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. أتدرُون ما هو الحجُّ المبرور؟ هو الذي جَمَعَ بين الإخلاصِ لله، والمُتابعةِ لرسوله صلى الله عليه وسلم. أمَّا الإخلاصُ: فأنْ تَقصُد بحجِّك وجهَ ربِّك وطلب رضوانه، والفوز بمغفرته وثوابهِ وجِنانه، فتكون مُحتسباً في همِّك ونصبك ونفقاتك، راجياً للثواب في حلِّك وترحالك وسعيك وخُطواتك، عالماً أنك في عبادةٍ متصلةٍ من خُروجك من وطنكَ بل من شُروعك في استعدادك وجمع حاجاتك، فأنت في عبادةٍ في جميع حركاتك وسكناتك، إلى أن ترجع إلى بيتك حائزاً للسلامة والقبول والغنيمة الرابحة ومُضاعفة حسناتك. وأما المتابعةُ للرسولِ صلى الله عليه وسلم: فأنْ تقتدي به في حجِّك وعُمرتك في أقواله وأفعاله، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: (لتأخُذُوا مَناسِكَكُم، فإني لا أدرِي لعلِّي لا أَحُجُّ بعدَ حَجَّتِي هذهِ) رواه مسلم. أخي الحاج: عندما تأتي إلى الميقات: فلتغتسل وتتنظَّف وتتطيَّب، ثم لتتجرَّد من اللباس المُعتاد وتلبس إزاراً ورداءً أبيضين نظيفين ونعلين، ثمَّ إذا صلَّيت الصلاة الحاضرة: تنوي الإحرام بالعُمرة مُتمتِّعاً بها إلى الحجِّ، فتقولُ على وجه الإخلاص والتعظيم، والخُضوعِ للملكِ العظيم: لبيك عمرة. ثمَّ لتُهلَّ بالتلبية والتوحيد بتلبية النبيِّ صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. ثمَّ اعلم: أن المقصودَ من كشف رأسك ولبسك الإحرام ونزعك المخيط: هو الانكسار والذُّلُّ والإنابة للرَّبِّ المحيط، فليكن الخشوع مُلازماً لك في ظاهرك وباطنك، وفي أقوالك وأفعالك، الإهلالُ بالتلبيةِ شِعارُك، وآثارُ الذُّلِّ من هيئة الإحرام وصفته دِثارُك، والخُشوعُ والخُضوع ملء قلبك، والطَّمَعُ في مغفرة الله ورحمته وأجره غاية مطلوبك. وعند وصولك ودُخولك للمسجد الحرام، تتجه لطواف العمرة خاشعاً، وتستلم الحجر الأسود مُقبلاً قائلاً: الله أكبر، وتجتهد في الإكثار في طوافك وسعيك وسائر المناسك: من ذكر الله وتسبيحه وحمده وتكبيره، فإنما شُرعت جميع المناسك لإقامة ذكر الملِك الكبير. ولتدعُ بما أحببتَ من خيرِ الدنيا والآخرة، فإن الله يُسبغ على عباده في تلك المشاعر والمواقف النِّعمَ الباطنة والظاهرة. فإذا فرغتَ من الطواف فصلِّ ركعتين خلف المقام، ثم تعودُ إلى الحجر الأسود بالاستلام، واخرج إلى السعي من باب الصفا، فإذا دنوتَ من الصفا فاقرأ: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158]، أبدأُ بما بدأ اللهُ به، فَترَقا عليهِ، حتَّى ترى البيتَ فَتستقبلُ القِبلَةَ، فَتوحِّدُ اللهَ وتكَبِّرهُ، وتقول: «لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الْمُلْكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ، أَنجَزَ وَعدَهُ، ونصَرَ عبدَهُ، وهزَمَ الأحزابَ وحدَهُ» ثُمَّ تدعو بينَ ذلكَ، تفعلُ مِثلَ هذا ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثم انزل ماشياً متضرِّعاً، ساعياً بين الميلين الأخضرين بنيِّك صلى الله عليه وسلم مُقتدياً، ثم احلق وقصِّر عند الفراغ والتمام، راجياً من ربِّك القبول والمغفرة وحُسن الختام، وبهذا قد تمَّت عُمرتك، فالبس ثيابك، واحمَدُه تعالى وسلْهُ أن يغفر لك ويُجزل ثوابك. ثم لا تزالُ بحلِّك مستمتعاً، حتى يكونَ يومُ الترويةَ فتخرجُ إلى منىً وعَرَفَاتٍ بالحجِّ مُحرِماً، واقفاً في تلك المشاعرِ داعياً مستغفراً، فأنتَ في كَرَمِ الكريمِ طامعاً، ترجو من ربكَ أن يُعطيكَ ما تُأمِّل، وأن يُعيذك من شرِّ نفسك وسيئاتِ ما كُنتَ تعمل، تنظرُ في عَرَفاتٍ إلى حال ضُيوف الله ووُفوده، وقولِهم في سيِّدهم ومُضيِّفهم يرجون جُودَه، فلو رأيتَهُم في تلكَ المواقف وقد خَضَعت منهم الرِّقابُ، وعَنَت قلوبُهُم ووجوهُهُم لربِّ الأرباب، قد تنوَّعت مآربُهم ومطالبُهم، وتباينت غاياتهم ومشاربُهُم، واللهُ لا يَتبرَّمُ بإلحاح الملحِّين، ولا يُبالي لكثرةِ أسئلةِ السائلين، لا يَشْغَلُه سمعُ صوتٍ مُدنفٍ سقيمٍ عن صوتِ داعٍ وراجٍ لكَرَمِ الكريم، ولا تُغلِطُه المسائلُ على كثرتها، ولا تُكْرِثُه الحوائجُ على عَزَمتها، ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: (ما مِن يومٍ أكثَرَ من أنْ يُعتِقَ اللهُ فيهِ عبداً منَ النارِ، مِن يومِ عَرَفَةَ، وإنهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُباهي بهِمِ الملائكةَ، فيقولُ: ما أرادَ هؤُلاءِ؟) رواه مسلم. قال شيخُ الإسلامُ ابنُ تيمية: (فإنهُ من المعلُومِ أنَّ الحَجِيجَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَنزِلُ على قُلُوبهِم من الإيمانِ والرَّحْمَةِ والنُّورِ والبرَكَةِ ما لا يُمكِنُ التعبيرُ عنهُ) انتهى. قال ابن القيم رحمه الله في ميميَّتهِ: وراحُوا إلى التعريفِ يَرجُونَ رَحمةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومغفرةً مِمَّن يَجودُ ويُكرمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فللهِ ذاكَ الموقفُ الأعظمُ الذي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كموقفِ يومِ العَرضِ بل ذاكَ أعظمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويدنو به الجبَّارُ جلَّ جلالُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يُباهي بهم أملاكَه فهو أكرَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يقولُ عبادي قد أتوني مَحبةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإني بهم برٌّ أجودُ وأُكرمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فأشهدُكم أني غفرتُ ذنوبَهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأعطيتُهم ما أمَّلُوه وأُنعمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فبُشراكُمُ يا أهلَ ذا الموقفِ الذي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif به يَغفرُ اللهُ الذنوبَ ويَرحَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فكم من عتيقٍ فيه كُمِّلَ عِتقُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وآخرَ يُستسعى وربُّكَ أرحمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وراحُوا إلى جمعٍ فباتُوا بمَشعرِ الحرامِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وصَلُّوْا الفجرَ ثمَّ تقدَّمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلى الجمرةِ الكُبرى يُريدون رميها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لوقتِ صلاةِ العيدِ ثمَّ تيمَّمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif منازلَهُم للنحرِ يبغُون فضلَه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإحياءَ نُسْكٍ من أبيهم يُعظَّمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولَما تَقَضَّوا ذلك التَّفَثَ الذي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عليهم وأوفَوا نذرَهم ثمَّ تَممَّوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: فضل الحج والترهيب من ترك حج الفريضة
دَعاهُمْ إلى البيتِ العتيقِ زيارةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فيا مرحباً بالزائرين وأكرَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعادُوا إلى تلك المنازلِ من مِنَى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ونالُوا مُناهُم عندها وتنعَّمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أقامُوا بها يوماً ويوماً وثالثاً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأُذِّنَ فيهم بالرَّحيلِ وأُعلِمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وراحُوا إلى رمي الجِمارِ عشيةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif شعارُهُمُ التكبيرُ واللهُ مَعْهُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولما تَقَضَّوا من منىً كلَّ حاجةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وسالت بهم تِلكَ البطاحُ تَقَدَّمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلى الكعبةِ البيتِ الْحَرامِ عشيةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وطافُوا بها سَبْعَاً وصَلَّوا وسَلَّمُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولَما دَنَا التوديعُ منهم وأيقَنُوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بأنَّ التداني حَبلَهُ مُتصرِّمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولم يبقَ إلا وَقفةً لِمودِّعٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فللهِ أجفانٌ هُناك تُسجَّمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلم ترَ إلا باهتاً مُتحيِّراً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وآخَرُ يُبدي شجوَهُ يَترنَّمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif رحلتُ وأشواقي إليكم مُقيمةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ونارُ الأسى مني تُشبُّ وتُضرَمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وفَّقني الله وإياكم إلى الوُصول إلى حَرَمِه، وأجزل لي ولكم من موائد جُوده وكرمه، آمين. ♦ ♦ ♦ ♦ إِنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّداً عبدُه ورسولُه. أمَّا بعدُ: أيُّها الناسُ، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنَّ من أعظمِ حُقوقِ الإسلامِ: حَجَّ هذا البيتِ العتيقِ، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، وقال تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]، فلا يتمُّ إسلامُ العبدِ حتى يقوم بهذا الفرض العظيم، حيث جعَلَ الله إسلام العبدِ المستطيع مُتوقِّفاً على تكميله والتتميم. قال عمر رضي الله عنه: (مَن أطَاقَ الحَجَّ فلَم يَحُجَّ فسَوَاءٌ عليهِ ماتَ يَهُودِيَّاً أو نصرانيَّاً) رواه أبو بكر الإسماعيلي وصحَّحه ابن كثير. وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ رحمه الله: (لو كانَ لي جارٌ مُوسِرٌ ثُمَّ ماتَ ولم يَحُجَّ، لم أُصَلِّ عليهِ) رواه ابنُ أبي شيبة. قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: (من استطاع السبيلَ فلم يَحُجَّ فإسلامُه وإيمانُه ودينُه في اختلالٍ، وهو أعظمُ جُرْماً من الزاني والسارقِ وشاربِ الخمر والمُختال) انتهى. وقال الإمامُ ابنُ القيِّم رحمه الله: (مَن تَرَك الحَجَّ عَمْداً معَ القُدرَةِ عليهِ حتى ماتَ, أو تَرك الزكاةَ فلم يُخرِجها حتى ماتَ، فإنَّ مُقتَضَى الدليلِ وقَوَاعِد الشرعِ: أنَّ فِعْلَهُما عنهُ بعدَ الموتِ لا يُبَرِّئ ذِمَّتَهُ، ولا يُقبلُ منهُ، والحَقُّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَع) انتهى. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (لو حُجَّ عنه ألفَ مرَّةٍ لم تبرأ ذمَّتَّه) انتهى. وكيف يكون العبد عنده إسلامٌ وإيمانٌ وهو يسمعُ داعي الحجِّ قد أسمعَ القريبَ والبعيد، وتوعَّد التاركين له بالعُقوبات الصوارم وأكَّدَهُ غاية التأكيد، فجعل قصدَهُ مُتمِّماً للإسلامِ مُؤدِّياً لفرضٍ من أعظمِ فُروضِ الإسلام، حاطَّاً للذنوب والأوزار والآثام، مُوجباً لدُخول دار القرار، مُخرجاً للعبدِ من نعتِ الفُجَّارِ إلى صفةِ الأبرار، فالحجُّ ليس له نظيرٌ من العبادات، ولا مُشابهٌ من القُربات، فحسبكم من عبادةٍ مبنيةٍ على الإيمان والإخلاص والتوحيد، مُشتملةٍ على التلبية والخضوع والخشوع والإنابة للوليِّ الحميد، مُحتويةٍ على عقائدَ وإراداتٍ نافعةٍ قلبيةٍ، وعلى أعمالٍ صالحةٍ بدنيةٍ، وعلى أذكارٍ وتضرُّعاتٍ وتلبيةٍ مُتعلِّقةٍ بالقلب واللسان، وعلى نفقاتٍ ماليةٍ وذبحٍ للقُربان، وعلى تركٍ للمألوفات والمحبوبات، التي مَن تركَها لله عوَّضه الله خيراً منها في دار الكرامات، فأنتَ في عبادةٍ من حينِ تخرجُ من بيتك ومقرِّك ومثواك، حتى تصل مُنتهى سيرِكَ ثم تعودُ إلى مُبتداك، فأنتَ في عبادةٍ إن قُمتَ أو قعدتَ أو مشيتَ أو ركبتَ أو استيقظتَ أو نِمْت، أو سرت في سفرك أو أقمت، أو كنت في ذكرٍ أو دُعاءٍ أو صلاةٍ، أو في راحةٍ أو غفلةٍ أو سُباتٍ، ولا فرقَ بين كونك سائراً في الطريق، أو واصلاً إلى البيتِ العتيق، أو في عِشرة الصاحب والملازم والرفيق، فكلُّ ما أنت فيه من جميع أحوالك: فأنت مُتقرِّبٌ به إلى مولاك راجٍ لنواله، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [التوبة: 120]. فانتهزوا أيها المسلمون هذه الفرصة بأداءِ فريضةِ الحجِّ، وتزوَّدُا بالتطوِّعِ به فإنَّ التطوُّع تُكْمَلُ به الفرائضُ يومَ القيامة. وفَّقني الله وإياكم ووالدينا وأهلينا للجِدِّ وحُسن القصدِ في طلب رضوانه، وغَمَرَنا بجُودِه وإحسانه، ورزقنا حجَّةً برَّةً مُتقبَّلةً لا رياءَ فيها ولا سُمعة، اللهُمَّ آمين. |
الساعة الآن : 03:32 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour