ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   فتاوى وأحكام منوعة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=109)
-   -   بَابُ: ذِكْرِ شُرُوطِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=247305)

ابوالوليد المسلم 05-12-2020 09:09 PM

بَابُ: ذِكْرِ شُرُوطِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى
 
بَابُ: ذِكْرِ شُرُوطِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى



محمد طه شعبان

قال الخطيب البغدادي: "بَابُ ذِكْرِ شُرُوطِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى"([1]).
ثم قال رحمه الله:
"1- أَوَّلُ أَوْصَافِ الْمُفْتِي الَّذِي يَلْزَمُ قَبُولُ فَتْوَاهُ: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا، لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ.
2- ثُمَّ يَكُونُ عاقلاً؛ لأَنَّ القَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنِ المَجْنُونِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ.
3- ثُمَّ يَكُونُ عَدْلًا ثِقَةً، لِأَنَّ عُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْفَاسِقَ غَيْرُ مَقْبُولِ الْفَتْوَى فِي أَحْكَامِ الدِّينِ، وَإِنْ كَانَ بَصِيرًا بِهَا، وَسَوَاءً كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْفَتْوَى.
4- ثُمَّ يَكُونُ عَالِمًا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَعِلْمُهُ بِهَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِأُصُولِهَا وَارْتِيَاضٍ بِفُرُوعِهَا.
وَأُصُولُ الْأَحْكَامِ فِي الشَّرْعِ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: الْعِلْمُ بِكِتَابِ اللَّهِ، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ مَعْرِفَةُ مَا تَضَمَّنَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ: مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا، وَعُمُومًا وَخُصُوصًا، وَمُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا، وَنَاسِخًا وَمَنْسُوخًا.
وَالثَّانِي: الْعِلْمُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الثَّابِتَةِ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَطُرُقِ مَجِيئِهَا فِي التَّوَاتُرِ وَالْآحَادِ، وَالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا عَلَى سَبَبٍ أَوْ إِطْلَاقٍ.
وَالثَّالِثُ: الْعِلْمُ بِأَقَاوِيلِ السَّلَفِ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، لِيَتَّبِعِ الْإِجْمَاعَ، وَيَجْتَهِدْ فِي الرَّأْيِ مَعَ الِاخْتِلَافِ.
وَالرَّابِعُ: الْعِلْمُ بِالْقِيَاسِ الْمُوجِبِ، لِرَدِّ الْفُرُوعِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا إِلَى الْأُصُولِ الْمَنْطُوقِ بِهَا، وَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، حَتَّى يَجِدَ الْمُفْتِي طَرِيقًا إِلَى الْعِلْمِ بِأَحْكَامِ النَّوَازِلِ، وَتَمْيِيزِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، فَهَذَا مَا لَا مَنْدُوحَةُ لَلْمُفْتِي عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِخْلَالُ بِشَيْءٍ مِنْهُ"([2]).
ثم ذكر الخطيب رحمه الله بعض الآثار عن السلف رحمهم الله تدل على ذلك؛ فقال رحمه الله:
عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: "لَا يُفْتِي النَّاسَ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ قَدْ عَرَفَ نَاسِخَ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخَهُ، أَوْ أَمِيرٌ لَا يَجِدُ بُدًّا، أَوْ أَحْمَقُ مُتَكَلِّفٌ.
وقَالَ الشَّافِعِيُّ: "لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُفْتِي فِي دِينِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلًا عَارِفًا بِكِتَابِ اللَّهِ: بِنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَبِمُحْكَمِهِ وَمُتَشَابِهِهِ ، وَتَأْوِيلِهِ وَتَنْزِيلِهِ، وَمَكِّيِّهِ وَمَدَنِيِّهِ، وَمَا أُرِيدَ بِهِ، وَفِيمَا أُنْزِلَ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ بَصِيرًا بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ، وَيَعْرِفُ مِنَ الْحَدِيثِ مِثْلَ مَا عَرَفَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَكُونُ بَصِيرًا بِاللُّغَةِ، بَصِيرًا بِالشِّعْرِ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ، وَيَسْتَعْمِلُ مَعَ هَذَا الْإِنْصَافَ، وَقِلَّةَ الْكَلَامِ، وَيَكُونُ بَعْدَ هَذَا مُشْرِفًا عَلَى اخْتِلَافِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَيَكُونُ لَهُ قَرِيحَةٌ بَعْدَ هَذَا، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَلَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَيُفْتِيَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَكَذَا فَلَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الْعِلْمِ وَلَا يُفْتِي.
قال صَالِحٌ -يَعْنِي ابْنَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ- لِأَبِيهِ: مَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ فَيُجِيبُ بِمَا فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ بِعَالِمٍ بِالْفُتْيَا؟ قَالَ: يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إِذَا حَمَلَ نَفْسَهُ عَلَى الْفُتْيَا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالسُّنَنِ، عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقُرْآنِ، عَالِمًا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ، وَإِنَّمَا جَاءَ خِلَافُ مَنْ خَالَفَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّنَّةِ، وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِصَحِيحِهَا مِنْ سَقِيمِهَا.
وعَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ: قِيلَ لَهُ: مَتَى يُفْتِي الرَّجُلُ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْأَثَرِ، بَصِيرًا بِالرَّأْيِ.
وعن يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ سُئِلَ: مَتَى تُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفْتِيَ قَالَ: إِذَا كَانَ بَصِيرًا بِالرَّأْيِ، بَصِيرًا بِالْأَثَرِ"([3]).
ثم قال الخطيب رحمه الله: "قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ: قَوِيَّ الِاسْتِنْبَاطِ جَيِّدَ الْمُلَاحَظَةِ، رَصِينَ الْفِكْرِ، صَحِيحَ الِاعْتِبَارِ، صَاحِبَ أَنَاةٍ وَتُؤَدَةٍ، وَأَخا اسْتَثْبَاتٍ، وَتَرْكِ عَجَلَةٍ، بَصِيرًا بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، مَسْتَوْقِفًا بِالْمُشَاوَرَة ِ، حَافِظًا لِدِينِهِ، مُشْفِقًا عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ، مُوَاظِبًا عَلَى مُرُوءَتِهِ، حَرِيصًا عَلَى اسْتِطَابَةِ مَأْكَلِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَوَّلُ أَسْبَابِ التَّوْفِيقِ، مُتَوَرِّعًا عَنِ الشُّبُهَاتِ، صَادِفًا عَنْ فَاسِدِ التَّأْوِيلَاتِ ، صَلِيبًا فِي الْحَقِّ، دَائِمُ الِاشْتِغَالِ بِمَعَادِنِ الْفَتْوَى، وَطُرُقِ الِاجْتِهَادِ، وَلَا يَكُونُ مِمَّنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ، وَاعْتَوَرَهُ دَوَامُ السَّهَرِ، وَلَا مَوْصُوفًا بِقِلَّةِ الضَّبْطِ، مَنْعُوتًا بِنَقْصِ الْفَهْمِ، مَعْرُوفًا بِالِاخْتِلَالِ ، يُجِيبُ بِمَا لَا يَسْنَحُ لَهُ، وَيُفْتِي بِمَا يَخْفَى عَلَيْهِ..."
ثم قال رحمه الله: "وَفِي مَعْرِفَةِ مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يُفْتِيَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَنْ لَا تَجُوزُ فَتْوَاهُ"([4]).
ثم قال رحمه الله: "فَمِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي النَّظَرُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَنْ يُدْرِكَ ذَلِكَ إِلَّا بِمُلَاقَاةِ الرِّجَالِ، وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ أَهْلِ النِّحَلِ وَالْمَقَالَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَمُسَاءَلَتِهِ مْ، وَكَثْرَةِ الْمُذَاكَرَةِ لَهُمْ، وَجَمْعِ الْكُتُبِ، وَدَرْسِهَا، وَدَوَامِ مُطَالَعَتِهَا"([5]).

([1]) ((الفقيه والمتفقه)) 2/330.

([2]) السابق: 2/330-331.

([3]) السابق: 2/331-333.

([4]) السابق.

([5]) السابق: 2/334.





الساعة الآن : 08:26 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 8.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 8.88 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.04%)]