ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   فتاوى وأحكام منوعة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=109)
-   -   الإجارة الموصوفة في الذمة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=249280)

ابوالوليد المسلم 29-12-2020 08:13 PM

الإجارة الموصوفة في الذمة
 
الإجارة الموصوفة في الذمة
د. مرضي بن مشوح العنزي





المطلب الأول: تعريف الإجارة الموصوفة في الذمة:
قبل تعريف مصطلح الإجارة الموصوفة في الذمة، لا بد من تعريف الإجارة، والوصف، والذمة الكلمات التي يتركب منها هذا المصطلح.

فالإجارة في اللغة مشتقة من الأجر، وهو الجزاء على العمل[1]، قال ابن منظور:"الأجر: الجزاء على العمل، والجمع أجور. والإجارة: من أَجَرَ يَأْجِرُ، وهو ما أعطيت من أجر في عمل"[2].

والإجارة في الاصطلاح هي: عقد على منفعة مباحة معلومة، مدة معلومة، بعوض معلوم[3].
وتعريفات الإجارة في المذاهب الفقهية قريبة من هذا التعريف، وإن اختلفت في اللفظ قليلًا[4].

والوصف: يراد به تبيين الشيء، وتحليته، وتجليته[5]، قال ابن فارس: "الواو والصاد والفاء: أصل واحد، هو تحلية الشيء"[6]، والتحلية هنا بمعنى التجلية.

والذمة: العهد؛ لأن الإنسان يذم على إضاعته منه[7]، "ومنهم من جعلها وصفًا فعرفها بأنها وصف يصير الشخص به أهلًا للإيجاب له وعليه، ومنهم من جعلها ذاتًا، فعرفها بأنها نفس لها عهد"[8].

وأما الإجارة الموصوفة في الذمة فلم يفرد لها الفقهاء المتقدمون تعريفًا مستقلًا؛ بل يكتفون بتعريف الإجارة ثم يذكرونها في أقسامها؛ حيث تنقسم الإجارة إلى إجارة عين معينة، أو موصوفة في الذمة[9]، والإجارة الموصوفة في الذمة تختص في كون العين التي يراد الانتفاع بها غير معينة، بل موصوفة في ذمة المؤجر، ويمكن أن تعرف بأنها: عقد على منفعة مباحة، متعلقة بذمة المؤجر، مدة معلومة، بعوض معلوم.

المطلب الثاني: حكم الإجارة الموصوفة في الذمة، وتأجيل الأجرة فيها:
الفرع الأول: حكم الإجارة الموصوفة في الذمة:
اختلف الفقهاء في حكم الإجارة الموصوفة في الذمة على قولين:
القول الأول: إن الإجارة الموصوفة في الذمة جائزة. وهو مذهب المالكية[10]، والشافعية[11]، والحنابلة[12].
القول الثاني: إن الإجارة الموصوفة في الذمة محرمة. وهو مذهب الحنفية[13].

دليل القول الأول: أنه كما يجوز أن يبيع البائع سلعة موصوفة في الذمة، يجوز أن يؤجر منفعة عين موصوفة في الذمة[14].

دليل القول الثاني: أن المنافع لا تعد أموالًا[15]، وما ليس بمال لا يثبت في الذمة، فيشترط لصحة الإجارة أن تكون العين المؤجرة معينة[16].

نوقش: بأنه لا يسلم بأن المنافع لا تعد أموالًا، بل هي أموال[17]؛ لأنه "يصح تمليكها في حال الحياة، وبعد الموت، وتضمن باليد والإتلاف، ويكون عوضها عينًا ودينًا"[18].

الترجيح: بعد عرض القولين، ودليل كل قول، ومناقشة ما احتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الأول القائل بجواز الإجارة الموصوفة في الذمة؛ وذلك لقوة ما استدلوا به، مقابل ضعف دليل القول الثاني أمام ما ورد عليه من مناقشة.

الفرع الثاني: حكم تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة:
اختلف الفقهاء في حكم تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: إن تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة لا يجوز، وهو مذهب المالكية[19]، والأصح عند الشافعية[20].

القول الثاني: إن تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة لا يجوز إذا كان بلفظ السلم، ويجوز إذا كان بغير لفظ السلم. وهو وجه عند الشافعية[21]، ومذهب الحنابلة[22].

القول الثالث: إن تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة يجوز مطلقًا. وهو وجه عند الحنابلة[23].

دليل القول الأول: أن الإجارة الموصوفة في الذمة سلم في المنافع، فيشترط فيها تعجيل الأجرة كالسلم في الأعيان يشترط فيه تعجيل الثمن[24].

يناقش: بالفرق بين بيع الأعيان وبيع المنافع؛ فالأول يشترط فيه تسليم أحد العوضين، أما المنافع فلا يشترط لها ذلك، ويجوز فيها تأجيل الأجرة والمنفعة في إجارة العين المعينة، والموصوفة في الذمة مثلها، فيجوز تأجيل الأجرة فيها إلى استيفاء المنفعة.

دليل القول الثاني: أن الإجارة الموصوفة في الذمة إذا كانت بلفظ السلم تأخذ حكم السلم في وجوب تعجيل الأجرة في مجلس العقد، فاللفظ له تأثير على الحكم[25].

يناقش: بعدم التسليم؛ فبيع المنافع يسمى إجارة وله أحكامه الخاصة به، ولا يأخذ أحكام السلم وإن جرى بلفظه، كما أنه لو باع موصوفًا في الذمة بلفظ الإجارة لا تجري عليه أحكام الإجارة، بل أحكام السلم، فالعبرة في العقود بالمعاني، لا بالألفاظ والمباني.

دليل القول الثالث: أن الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة عوض في إجارة، فجاز تأجيله، كما لو كان الإجارة على عين معينة[26].

نوقش: بـ"أنه قياس مع الفارق، فالإجارة في الأعيان تكون العين حاضرة، يتم استيفاء المنفعة منها حال سريان العقد، وهي أحد العوضين، فجاز تأخير العوض الثاني وهي الأجرة، وهذا بخلاف إجارة الذمة، فاستيفاء المنفعة فيها مؤجل"[27].

يجاب: بعدم التسليم أن استيفاء المنفعة في العين الحاضرة يكون حال سريان العقد، بل يجوز تأجيل العوضين في إجارة العين الحاضرة وهما المنفعة والأجرة، فكما يجوز تأجيل العوضين في العين الحاضرة يجوز في الإجارة الموصوفة في الذمة، والأجرة مقابل المنفعة، يجوز تأجيلها حتى يستوفي المنفعة.

الترجيح: بعد عرض الأقوال، ودليل كل قول، ومناقشة ما يحتاج منها إلى مناقشة، تبين لي-والله أعلم- أن الراجح هو القول الثالث القائل بجواز تأجيل الأجرة في الإجارة الموصوفة في الذمة؛ وذلك لأن لبيع المنافع أحكامًا خاصة بها، وتسمى إجارة، ومنها جواز تأجيل البدلين، ولا تقاس على بيع الأعيان لاختلافها عنها.


[1] انظر: العين، للفراهيدي 6/ 173، معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 1/ 62، لسان العرب، لابن منظور 4/ 10.

[2] لسان العرب، لابن منظور 4/ 10.

[3] منتهى الإرادات، لابن النجار 1/ 339.

[4] انظر: بداية المبتدي، للمرغيناني، ص186، مواهب الجليل، للحطاب 5/ 389، أسنى المطالب، للأنصاري 2/ 403، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي2/ 241.

[5] انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 6/ 115، لسان العرب، لابن منظور 9/ 356.

[6] معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 6/ 115.

[7] انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 2/ 346، لسان العرب، لابن منظور 12/ 221، التعريفات، للجرجاني، ص107.

[8] التعريفات، للجرجاني، ص107.

[9] انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 167، الحاوي، للماوردي 4/ 258، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي2/ 241.

[10] انظر: التلقين، للبغدادي2/ 159، المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 167.

[11] انظر: نهاية المطلب، للجويني 8/ 71، روضة الطالبين، للنووي 5/ 173.

[12] انظر: الكافي، لابن قدامة 2/ 172، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 546.

[13] انظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 121، درر الحكام، لملا خسرو 2/ 231، مجلة الأحكام العدلية، ص86.

[14] انظر: روضة الطالبين، للنووي 5/ 174، الفروع، لابن مفلح 7/ 160.

[15] انظر: المبسوط، للسرخسي11/ 79، حاشية ابن عابدين 4/ 502.

[16] انظر: مجلة الأحكام العدلية، ص86.

[17] انظر: الحاوي الكبير، للماوردي 7/ 392.

[18] المغني، لابن قدامة 5/ 322.

[19] انظر: التاج والإكليل، للمواق 7/ 500، مواهب الجليل، للحطاب 5/ 394.

[20] انظر: روضة الطالبين، للنووي 5/ 174، تحفة المحتاج، للهيتمي 6/ 125.

[21] انظر: المهذب، للشيرازي 2/ 252، مغني المحتاج، للشربيني 3/ 443.

[22] انظر: شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 252، كشاف القناع، للبهوتي 3/ 564.

[23] انظر: الكافي، لابن قدامة 2/ 175، النكت، لابن مفلح 1/ 273.

[24] انظر: المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 236، جواهر العقود، للأسيوطي 1/ 209.

[25] انظر: شرح منتهى الإرادات، للبهوتي 2/ 252، مطالب أولي النهى، للرحيباني 3/ 613.

[26] انظر: الكافي، لابن قدامة 2/ 175، النكت، لابن مفلح 1/ 273.

[27] أحكام التمويل المصرفي، لآل فريان 1/ 360.




الساعة الآن : 04:46 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 20.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.54 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.45%)]