الرثاء في الشعر العربي
الرثاء في الشعر العربي أ. د. السيد عبدالحليم محمد حسين نظريات في الدراسة الأدبية (2) الرثاء في الشعر العربي الرثاء: أحد فنون الشعر العربي البارزة، بل إِنه ليتصدرها من حيث صدق التجربة وحرارة التعبير ودقة التصوير. ويحتفظ أدبنا العربي بتراث ضخم من المراثي منذ الجاهلية إِلى يومنا الحاضر. وينقسم هذا التراث إِلى ثلاثة ألوان هي: الندب، والتأبين، والعزاء. أما الندب: فهو: بكاء النفس ساعة الاحتضار وبكاء الأهل والأقارب، وكل من ينزل منزلة النفس والأهل من الأحباء وأخوة الفكر والاتجاه والمشرب، بل يمتد إِلى رثاء العشيرة والوطن والدولة حين تدول أو تصاب بمحنة من المحن القاصمة المحزنة. وأما التأبين: فليس بنواح ولا نشيج كالندب، بل هو أقرب إِلى تعداد الخصال وإِزجاء الثناء. إِنه تنويه وإِشادة بشخصية لامعة، أو عزيز ذي منزلة في عشيرته أو مجتمعه، وهو تعبير عن حزن الجماعة على الفقيد أكثر منه تعبيرًا فرديًا عن ذلك. والعزاء: هو في مرتبة عقلية فوق مرتبة التأبين. إِذ هو نفاذ إِلى ما وراء ظاهرة الموت وانتقال الراحل، وتأمل فكري في حقيقة الحياة والموت. تأمل ينطلق إِلى آفاق فلسفية عميقة في معاني الوجود والعدم والخلود. هذه الألوان الثلاثة من فن الرثاء لا تفصلها حدود فاصلة، ولا يقوم منها لون دون الاستناد إِلى الآخر والاتسام ببعض خصائصه. ولكن إِذا غلب منها لون أعطى العمل الفني طابعه العام، ووسمه بميسمه الخاص. على أن كثيرًا ما تتداخل تلك الألوان ضمن عمل أدبي واحد، لاسيما في رثاء قواعد الملك والدول الزاهرة والعهود المجيدة من تواريخ الأمة. إِن ما انتهى إِلينا من تراث المراثي كثير جدًا يمثل مختلف العصور الأدبية ومختلف الألوان والاتجاهات الفكرية. وإِن أقدم تلك المراثي مما أبدعت قرائح الجاهليين، وصلتنا ناضجة محكمة، قد تجاوزت طفولتها ومراحل محاولاتها البدائية، وصارت ذات قوالب وصيغ محددة، وأساليب وصور معروفة. ثم لما تطورت مختلف فنون الشعر نتيجة مجيء الإِسلام وما تفرع عنه خلال الأجيال الطويلة المتعاقبة من تيارات فكرية ومذهبية وسياسية وأدبية... تطورت صور الرثاء ونماذجه وتعددت دواعيه وبواعثه. فإِذا جئنا نوازن بين عناصر المرثية في نماذج تمثل تدرج الزمن ونمو العقل وتعقد الحياة، خرجنا بحقائق يمكن رصدها في رسم بياني، بدايته في العصر الجاهلي ونهايته في عصرنا الحاضر، وبين الطرفين خط يأخذ في الارتفاع التدريجي فيكون أعلاه عندنا اليوم. غير أن هذا الرسم نسبي إِلى حد كبير، ولابد من وجود تذبذبات ومنعرجات فيه.. أي أن في كل عصر كثيرًا من النماذج التي لا تمثل عصرها، بل تتخلف عنه أحيانًا قرونًا إِلى الخلف. ففي عصرنا اليوم بعض من الشعراء وقوافل من النظّامين لا يزالون يصوغون قصائدهم بأسلوب عباسي، بل بأسلوب أقدم من ذلك في بعض الأحيان. وطبيعي أن يتفوق النساء على أكثر - إِن لم يكن كل - الرجال في أشعار المراثي، تفوقًا لا نجده في فن آخر غير هذا الفن؛ ذلك أن المرأة بتكوينها النفسي والعاطفي والاجتماعي هي أكثر استعدادًا، فعاطفتها أسرع انبعاثًا وأعمق شعورًا، وقدرتها على البكاء وبعث مكامن الشجى واللوعة لا تدانيها قدرة الرجال. وقد جمع لويس شيخو الأديب اللبناني الراحل كتابًا ضمنه ما فاضت به قرائح كثيرات في هذا المجال، وسماه ((مراثي شواعر العرب)). ونقصر حديثنا هنا عن اللون الأول وهو: الندب: الندب هو النواح والبكاء على الميت بالعبارات المشجية والألفاظ المحزنة التي تهز القلوب وترسل الدموع وتبعث العبرات والزفرات. ويبدو أنه أقدم صور الرثاء، وكانت بدايته أرجازًا وقطعًا تؤلفها النسوة حين يندبن القتلى، ثم تطوورت القطع إِلى قصائد. ويشمل هذا اللون من الرثاء ندب النفس ساعة دنو الأجل، وندب الأزواج والأبناء والإِخوة والأخوات ومختلف ذوي الأرحام والأقرباء والأعزاء من الأصدقاء، وكذلك يشمل بكاء الشعراء شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وخلفاءه وأهل بيته، كما يشمل رثاء الحواضر والدول والأوطان. أما بكاء الشاعر نفسه، فيقال إِن أقدم من فعل ذلك شاعر جاهلي هو يزيد بن خذَّاق. يقول من قصيدة له: هل للفتى من بنات الدهر من واق https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أم هل له من حِمَام الموت من راق[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قد رجَّلوني وما بالشَّعْر من شَعَثٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وألبسوني ثيابًا غير أخلاق[2] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأرسلوا فتية من خيرهم حَسَبًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ليسندوا في ضريح القبر أطباقي[3] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif • وتعظم المصيبة على الشاعر الذي يموت غريبًا عن أهله ووطنه: ومن أروع من صوَّر هذا المعنى وما يتصل به الشاعر المجاهد مالك بن الريب الذي كان يغزو في خراسان، فلما حضرته الوفاة ناح على نفسه بألم وفجيعة. يقول من قصيدة طويلة: ألا ليت شعري هل أبيتَنَّ ليلة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بجنب الغَضَا أُزْجِى القِلاص النَّواجيا[4] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لقد كان في أهل الغَضَا، لو دنا الغضا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مزارٌ، ولكن الغضا ليس دانيا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تفقدتُ من يبكي عليَّ فلم أَجِدْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سوى السيف والرمح الرُّدَينى باكِيًا[5] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وبالرَّمْل منا نسوة لو شهدْنني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بَكيْن وفدّيْن الطبيب المداويا[6] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يقولون لا تبعد وَهُم يدفنونني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأين مكان البعد إِلا مكانيا! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهي مرثية طويلة، أبرز ما فيها هذه الخواطر الممزقة بين الحنين إِلى أهله بمنطقة الغضا والرمل، وبين سكرات الموت وفزع صاحبيه من حوله ومخاطبته إِياهما تارة والذهول عنهما تارة أخرى. وأعجب ما في هذه المرثية أنها لا تفيدك أن صاحبها كان غازيًا في سبيل الله من بين الفاتحين لتلك الآفاق، إِذ لا ذكر في القصيدة لأي معنى إِسلامي يذكر!. وهي لذلك لم تخرج في أسلوبها وروحها وصورها النفسية عن أي قصيدة جاهلية أخرى. • وأما رثاء الزوج فنماذجه كثيرة: لاسيما في العصر الجاهلي، ومن أجود المراثي في الأزواج، شعر جليلة بنت مرة في كليب زوجها، حين قتله أخوها جساس. فقد كان موقفها حساسًا لوقوعها بين نارين: نار زوجها القتيل ونار أخيها القاتل.. تقول في ذلك: يا قتيلا قَوَّضَ[7] الدهر به https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سقف بيتي جميعًا مِنْ عَلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ورماني فقدُه من كَثَبٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif رَمْيَةَ المصمى به المستأْصَلِ[8] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هدم البيت الذي استحدثه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وسعى في هدم بيتي الأولِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مسَّني فَقْدُ كُلَيْبٍ بلظى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مِنْ ورائي ولظى مستقبِلي[9] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: الرثاء في الشعر العربي
ليس مَنْ يبكي ليومَيْه كمن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إِنما يبكي ليوم ينجلي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يَشْتَفِي المُدْرِك بِالثأْر وفي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif دَرْكِي ثأْري ثكُلْ المُثْكَلِ[10] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إِنني قاتلة مقتولة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلعلَّ الله أن يرتاح لي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يقول ابن رشيق: ((فانظر... ما أشجى لفظها، وأظهر الفجيعة فيه!! وكيف يثير الأشجان، ويقدح شرر النيران)). وحدث الأصمعي أنه رأى بالبادية امرأة ألصقت خدها بقبر زوجها وهي تبكي وتقول: خدي تقيك خشونة اللحد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقليلة لك سيدي خدي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يا ساكن القبر الذي بوفاته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عميت علي مسالك الرشد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif اسمع أبثك علتي فلعلني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أطفي بذلك حرقة الوجد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif • أما ندب الإِخوة والأخوات: وهو كثير، فأشهر من بكت واستبكت ولاسيما في العصر الجاهلي الخنساء وهي تماضر بنت عمرو السلمية التي خلدت ذكرى أخويها معاوية وصخر، فأعولت بقصائد في رثاء ثانيهما وهو صخر بما لم تبكه أخت تقريبًا في تاريخ الرثاء. ومما قالته فيه قولها: قذًى بعينك أم بالعين عوار https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أم ذرَّفت أن خلت من أهلها الدار[11] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كأن عيني لذكراه إِذا خطرت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فيض يسيل على الخدين مدرار[12] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فالعين تبكي على صخر وحق لها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ودونه من جديد الأرض أستار[13] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تبكي خناس وما تنفك ما عمرت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لها عليه رنين وهي مقتار[14] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بكاء والهة ضلت أليفتها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لها حنينان: إِصغار وإِكبار[15] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ترعى إِذا نسيت حتى إِذا ادكرت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإِنما هي إِقبال وإِدبار https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: الرثاء في الشعر العربي
وإِن صخرًا لتأتم الهداة به https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كأنه علم في رأسه نار https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهي قصيدة طويلة، كلها لوعة وحرقة وصدق. ومن الشعراء الرجال الذين ندبوا أشقاءهم جماعة كبيرة منهم متمم ابن نويرة الشاعر المخضرم الذي تقطعت كبده على أخيه أسى وحرقة، وله فيه شعر رائع، منه قوله: فإِن تكن الأيام فَرَّقْن بيننا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فقد بان[16] محمودًا أخي حين ودّعا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكنا كَنُدْماني جذيمةَ حقْبةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif من الدهر حتى قبل لن يتصدعا[17] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلما تَفَرَّقنا كأني ومالكًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لِطول اجتماع لم نَبِتْ ليلة معًا[18] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومنهم دريد بن الصمة الجاهلي من قبيلة غَزيَّة، الذي خلَّد ذكر أخيه عبدالله في قصيدة رائعة ذات خصائص فنية راقية.. منها قوله يصف مصرع أخيه: .. دعاني أخي، والخيل بيني وبينه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلما دعاني لم يجدني بقعْدُد[19] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أخ أرضعتني أمه من لبانها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بثدي صفاء بيننا لم يجدد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فجئت إِليه، والرماح تنوشه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كوقع الصياصي في النسيج الممددِ[20] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكنت كذات البَوِّ ريعت فأقبلت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إِلى قطع مِنْ جلْدِ بَوٍّ مُجَلَّدِ[21] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فطاعنْتُ عنه الخيل حتى تنهنهتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وحتى علاني حالك اللون أَسْوَدِ[22] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قتال امرئ آسى[23] أخاه بنفسه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويعلم أن المرء غير مُخَلَّدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تنادوا فقالوا: أَرْدَتْ الخيل[24] فارسًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فقلت: أعبد اللهِ ذلكُمُ الرَّدِى؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإِن يك عبد الله خلَّى مكانه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فما كان وقافًا[25] ولا طائِشَ اليدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومضى دريد معددًا خصال أخيه عبدالله في نفس طويل ولوعة حارة وتصوير دقيق وأداة متمكنة. يتبع |
رد: الرثاء في الشعر العربي
• وننتقل إِلى صورة أخرى من صور بكاء الأهل هي رثاء الأبناء. وفي أدبنا العربي مراث كثيرة فيهم، من أقدمها رائعة أبي ذويب الهذلي التي بكى فيها أبناءه الخمسة الذين اختطفهم الموت من بين يديه. يقول فيها: أودى بَنيَّ وأعقبوني حسرةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بعد الرُّقاد وعبرة ما تُقْلعُ[26] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سبقوا هَوِىَّ وأعنقوا لهواهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فتُخُرِّمُوا، ولكل جنب مصرَعُ[27] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فبقيت بعدهُمُ بعيش ناصبٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإِخال أني لاحقٌ مستتبَعُ[28] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولقد حرصْتُ بأن أدافع عنهمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإِذا المنية أقبلت لا تُدْفَعُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإِذا المنية أنشبتْ أظفارها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ألفيْت كلَّ تميمة لا تنفع[29] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فالعين بعدهم كأن حِدَاقَها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سُمِلت بشوك فهي عُورٌ تدمع[30] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حتى كأني للحوادث مروة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بِصَفَا المشرَّق كل يوم تُقرع[31] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولئن بهم فَجَعَ الزمان ورَيْبُهُ[32] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إِني بأهل مودتي لمفجَّعُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهي صيحات ألم وحسرات حَرّىَ صادرة عن سويداء فؤاد ملتاعٍ بفقد أطفاله جميعًا وإِطباق الأسى والظلام على أقطار نفسه. ونجتاز عشرات من النماذج ومن الشعراء والشواعر الذين أبدعوا في رثاء الأبناء، على تفاوت في التصوير والرؤية الفنية والقدرة على توجيه العاطفة في حال الفجيعة ونزول القضاء. ونلتقي بشاعر فنان هو ابن الرومي في رثائه لابنه الأوسط محمد الذي مات منزوفًا بين يديه. يقول من قصيدة دامية دامعة: توخى حمام الموت أَوْسَط صبيتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلِلَّه، كيف اختار واسطة العِقْدِ[33] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لقد قلَّ بين المهد واللحد لَبْثُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلم ينس عهد المهد إِذْ ضُمَّ في اللحد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ألحَّ عليه النَّزْف حتى أحاله https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إِلى صُفْرَة الجادى عن حمرة الوَرْدِ[34] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وظل على الأيدي تساقط نفسه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويذوى كما يذوى القضيب من الرَّنْدِ[35] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: الرثاء في الشعر العربي
فيالك من نفس تساقطُ أنفسًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تساقط دُرٍّ من نظام بلا عِقْدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أريحانة العينين والأنف والحشا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ألا ليت شعري هل تغيَّرت عن عهدي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كأني ما استمتعتُ منك بِضَمَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا شمة في ملعب لك أو مهد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أُلامُ لِمَا أُبْدِى عليك من الأسى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإِني لأُخفي منك أضعاف ما أُبدي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هذه النفثات الصادقة، والأدمع المنظومة نجدها عند كثيرين لا يمكننا حتى حصر أسمائهم لكثرتهم، ولعل من ابرزهم أبا تمام، وإِبراهيم ابن خليفة المهدي، والتهامي، وأبا الوليد الباجي الأندلسي، وأبا الحسن علي الكفيف القيرواني الذي صنع في بكاء ابنه مراثي على حروف المعجم، ألف منها ديوانًا سماه ((اقتراح القريح واجتراح الجريح)). • أما بكاء الرجال زوجاتهم: فله أيضًا نماذج حية كثيرة في ديوان الرثاء العربي. ومن أروع ما رُثي به الزوجات وأشجاه قول محمد بن عبدالملك الزيات في زوجته وقد تركت له وليدًا يجدد جراحه ويطيل برحاءه: ألا مَنْ رأى الطفل المفارِقُ أُمَّهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بُعَيْدَ الكرى[36] عيناه تبتدرانِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif رأى كلَّ أُمٍ وابنها غير أُمّهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يبيتان تحت الليل ينتجيان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وبات وحيدًا في الفراش تحثهُ[37] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بلابل[38] قلب دائم الخفقان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلا تلْحيان[39] إِن بكيت فإِنما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أداوي بهذا الدمع ما تريان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإِن مكانًا في الثرى خُطَّ لحده https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لمن كان في قلبي بكل مكان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أحق مكان بالزيارة والهوى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فهل أنتما إِن عِجْتُ[40] منتظران https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إِنها لوعة زوج وامق، عظمت مصيبته واشتدت حسراته. وممن ندب جاريته طويلاً، وخلدها بشعره، المُعلَّى الطائي المصري، وكانت تسمى ((وصْفًا))، وفيها يقول: يا موت ما بقيت لي أحدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لما زففْت إِلى البلى وصْفا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أسكنتها في قعر مظلمة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بيتًا يصافح تُرْبُهُ السَّقْفا يتبع |
رد: الرثاء في الشعر العربي
بيْتًا إِذا ما زاره أحدٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عصفت به أيدي البِلَى عَصْفا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يا قَبْرُ أبق على محاسنها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلقد حَوْيتَ النورَ والظرْفا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا ننسى في هذه العجالة الشاعر الشامي ديك الجن الذي عاش مأساة عميقة حين قتل بدافع الغيرة زوجته ثم ندم عليها أشد الندم وبكاها مرَّ البكاء. فإِذا وصلنا العصر الحديث، وجدنا عشرات من النماذج الرائعة لكل من البارودي الذي بلغه نعي زوجته وهو في منفاه في سرنديب، وعزيز أباظة وعبدالرحمن صدقي اللذين تحولت دموعهما إِلى قصائد، فكان للأول: ديوان بعنوان ((أنات حائرة)) وللثاني: ديوان بعنوان ((من وحي المرأة)). ونكتفي هنا بنموذج يمثل مراثي هذه المرحلة الحديثة، وهو لعبدالرحمن صدقي، وقد قصد قبر زوجته حاملاً إِليها باقة من الزهر: أيا زهرتي في الترب بين المقابرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إِليك حمَلْتُ الزهر، شاهت[41] أزاهيري https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حملتُ إِليك الزهر ترويه أدمعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتذويه أنفاسي وحر زوافري https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قدمت عليك اليوم أسوأ مقدم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سواد بأثوابي، سواد بخاطري https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وخاتم عرسي لا يزين إِصبعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولمحة وجهي غيرها في التزاور https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif على قبرك المرموق أبكي وأرتمي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأجأر بالشكوى تشق مرائري[42] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويطول بنا الحديث إِذا مضينا في هذا العرض، وما قدمناه مما بكى به الشعراء والشواعر أفراد أسرهم وأقرباءهم لا يمثل إِلا نماذج لبضعة آلاف من القصائد التي تغص بها دواوين الشعر والموسوعات الأدبية على امتداد التاريخ الشعري لهذه الأمة. ندب الرسول عليه الصلاة والسلام وأهل بيته الكرام: كان لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم هزة عنيفة في المجتمع الإِسلامي آنذاك، وتحولت بيوت الصحابة ومجتمعاتهم إِلى مآتم تضج بالندب والبكاء، فالتاعت القلوب وتقرحت المآقي، وانطلقت القرائح تندب فقيد الإِنسانية ومعلمها الأكبر ورسولها الأشرف ودليلها الهادي. ومن أجود ما قيل في ذلك عقب وفاته عليه الصلاة والسلام قصيدة حسان بن ثابت التي جاء فيها: .. وبكى رسول الله يا عين عبرة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وجودي عليه بالدموع وأعولي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وما فقد الماضون مثل محمد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا مثله حتى القيامة يفقد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ودارت بالأمة المسلمة دورات من الزمن، وغمرتهم أمواج رهيبة مؤسفة من الفتن والصراع السياسي والعسكري، فصاروا طوائف وشيعا، لكل منها شعراؤها الذين ينافحون عنها ويرثون قتلاها ويحمسونها للثأر. وأصبح التشيع لأهل بيت الرسول وهم أبناء علي بن أبي طالب وأحفاده وخلفهم، عقيدة ثابتة في نفوس الذين والوهم وتحزبوا لهم. وقد أكثر الشعراء من نظم المراثي فيهم. ومن أبرز من نصب نفسه لهذه الغاية في العصر الأموي الكميت شاعر زيد بن علي بن الحسين، وله ديوان يسمى الهاشميات. كما اشتهر بذلك غيره مثل دِعبل الخزاعي، والسيد الحِمْيَري، وكُثَيِّر، وأبي عدي العبْلي، وابن الرومي، والمفلَّج البصري، والشريف الرضي، ومهيار الديلمي وابن هانئ الأندلسي. ونقتطف شيئًا من قصيدة دعبل التي مطلعها: مدارس آيات خلت من تلاوة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومنزل وحي مقفر العرصات[43] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومنها: فآل رسول الله نُحْفٌ جسومهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وآل زياد حُفَّل القصرات[44] يتبع |
رد: الرثاء في الشعر العربي
بنات زياد في القصور مصونة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وآل رسول الله في الفلوات[45] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إِذا وُتِروا[46] مدوا إِلى أهلَ وتْرِهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أكفًا عن الأوتار منقبضات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif .. أحاول نقل الشمس من مستقرها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأسمع أحجارًا من الصلدات[47] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فمن عارف لم ينتفع ومعاند https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يميل مع الأهواء والشبهات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قصاراى منهم أن أموت بغصة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تردد[48] بين الصدر واللهوات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كأنك بالأضلاع قد ضاق رحبها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لما ضُمنت من شدة الزفرات https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقد اعتاد الشيعة منذ قرون بعيدة إِحياء ذكرى مصرع الحسين بن علي وأهله في وقعة كربلاء على يد الأمويين، وهو يوم عاشوراء أو العاشر من شهر المحرم من كل عام. ولو أحصى ما جادت به قرائح شعرائهم في رثاء أهل البيت على مدى القرون، لبلغ ذلك مجلدات ضخمة تضارع أكبر موسوعة أدبية. ومثلما رأينا عند الشيعة، نجد سائر الطوائف والأحزاب الأخرى التي عاصرتها أوجدّت بعدها، ذات تراث خصب من مراثي قتلاها، مما لا سبيل لعرضه لضيق المجال هنا. ندب الدول والأوطان: كانت أول دولة بكاها الشعراء العرب بعد الإِسلام هي دولة بني أمية التي سقطت سنة 132هـ. وأهم شاعر بكاء سقوطها هو أبو العباس الأعمى، وله في ملوكها أشعار ومراثٍ كثيرة، كلها تفيض بالعاطفة الصادقة. ومن النكبات التي هزت القصور العباسية، نكبة البرامكة[49] على يد هارون الرشيد. فقد استولى البرامكة أيام حكمه على مرافق الدولة وعظم سلطانهم، وأغدقوا العطايا على الشعراء، فلما نُكبوا بكاهم كثير من الشعراء والشواعر بكاء مرًا. يقول فيهم الشاعر أشجع السلمي: كأنما أيامهم كلها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كانت لأهل الأرض أعيادًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويقول سَلَمُ الخاسر: هوت أنجم الجدوى وشلت يد الندى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وغاضت بحور الجود بعد البرامك[50] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هوت أنجم كانت لأبناء برمك https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بها يعرف الحادي[51] طريق المسالك https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ثم كانت مأساة المتوكل الخليفة العباسي الذي قتله ولي عهده بمساعدة طائفة من الترك الذين لم يلبثوا أن سيطروا على الدولة. وقد رثاه البحتري بقصيدة تعتبر من روائع الشعر العربي الأصيل، ومنها قوله: ولم أنس وحش القصر إِذ ريع سربه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإِذ ذعرت أطلاؤه وجآذره[52] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإِذ صيح فيه بالرحيل فهُتكت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif على عجل أستاره وستائره https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ووحشته حتى كأن لم يقم فيه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أنيس ولم تحسن لعين مناظره https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: الرثاء في الشعر العربي
وينتقل إِلى الخليفة المقتول: صريع تقاضاه السيوف حشاشة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يجود بهاء والموت حمر أظافره[53] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أدافع عنه باليدين، ولم يكن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ليثنى الأعادي أعزل الليل حاسره[54] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif .. حرام عليّ الراح بعدك أن أرى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif دمًا بدم يجري على الأرض مائره[55] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهل أرتجي أن يطلب الدم واتر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يد الدهر، والموتور[56] بالدم واتره https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أكان ولي العهد أضمر غدرة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فمن عجب أن ولى العهد غادره[57] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلا مُلِّي الباقي[58] تراث الذي مضى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا حُمّلت ذاك الدعاء منابره https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتوالت نكبات ومحن كثيرة على المجتمع الإِسلامي، كان أسوأها وأشنعها ما حل بالعالم الإِسلامي من ويلات المغول الذين ساحوا من الشرق كإِعصار عنيف بشع، هدم المدن وحرق المزارع وأباد النساء والأطفال وأتلف المكتبات والقصور. وكانت مأساة بغداد على يد هولاكو مأساة من أشنع ما عرفته البشرية في تاريخها. فبكاها الشعراء من أعماقهم ودبجوا فيها مراثي يضيق المجال عن ذكرها. ومما قيل في ذلك: بكت عيني على بغداد لما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فقدت غضارة[59] العيش الأنيق https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أصابتها من الحساد عين https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فأفنت أهلها بالمنجنيق[60] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فقوم أُحرقوا بالنار قسرًا[61] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ونائحة تنوح على غريق https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وصائحة تنادي واصِحابي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقائلة تقول أيا شقيقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومغترب بعيد الدار ملقى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بلا رأس بقارعة الطريق https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا ولد يعوج على أبيه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقد هرب الصديق عن الصديق https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومن الدول التي أكثر الشعراء من بكائها وأطالوا رثاءها دول ملوك الطوائف بالأندلس، ومدن الشام التي كانت تتساقط بين أيدي الصليبيين وخراب البصرة على أيدي الزنج، وخراب القيروان على أيدي بني سليم وبني هلال بتدبير الفاطميين. يتبع |
رد: الرثاء في الشعر العربي
الرثاء في الشعر العربي أ. د. السيد عبدالحليم محمد حسين ومن عيون المراثي في بكاء حواضر الأندلس، رائية ابن عبدون في بكاء دولة بني الأفطس ببطليوس[62]: الدهر يفجع بعد العين بالأثر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فما البكاء على الأشباح والصور https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ما لليالي؟ أقال الله عثرتنا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif من الليالي، وخانتها يد الغير[63] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ودالية ابن اللبانة في رثاء بني عباد في أشبيلية، ومطلعها: تبكي السماء بمزن رائح غاد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif على البهاليل من أبناء عباد[64] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومن أروع ما بُكيت به أشبيلية أيضًا، قصيدة أبي البقاء الرندي التي مطلعها: لكل شيء إِذا ما تم نقصان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلا يُغر بطيب العيش إِنسان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومنها قوله: أعندكم نبأ من أهل الأندلس https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فقد سرى بحديث القوم ركبان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يا من لذلة قوم بعد عزهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أحال[65] حالهم كفر وطغيان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بالأمس كانوا ملوكًا في منازلهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif واليومَ هُم في بلاد الكفر عبدان[66] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولو تراهم حيارى لا دليل لهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عليهم من ثياب الذل ألوان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولو رأيت بكاهم عند بيعهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لهالك[67] الأمر واستهوتك أحزان https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لقد كانت دموعًا حرى، شيع بها ذلك الفردوس الحالم بعد أن أفتكه النصارى من أيدي المسلمين نتيجة قعودهم عن الجهاد وحبهم للدنيا وللسلطان والملاهي والإِخلاد للراحة، وتفشي المظالم، وتفرق الكلمة، والصراع على الإِمارة، والاستعانة بالأعداء لضرب الأشقاء. ومع مطالع القرن العشرين الميلادي تساقطت مناطق البلقان التي فتحها المسلمون الأتراك، واهتز الشعراء يومئذ لتلك الكارثة. وتآمرت بريطانيا مع الصهيونية فمزقت الخلافة الإِسلامية، ثم عملت مع فرنسا وإِيطاليا على تقسيم الوطن العربي إِلى دويلات وصنعت هذه الحدود القائمة اليوم بين أبناء الأمة الواحدة. واكب الشعراء تلك الأحداث المحزنة المؤسفة، وبكوا الكرامة المهانة والأعراض المستباحة وقوافل الشهداء. وهنا فوق هذا الجزء من أرض العروبة، صالت إِيطاليا وجالت، فحرقت وحطمت، ودمرت وشنقت، فاهتز لذلك شعراء كثيرون، من بينهم الشاعر الكبير أحمد شوقي الذي خلد حادثة إِعدام الشيخ عمر المختار، باعتباره رمزًا لجهاد هذا الشعب المسلم.. ذلك الجهاد الذي كان مبعثه العقيدة أولاً، ونداء الأرض والعرض ثانيًا. يقول شوقي في ذلك: ركزوا رفاتك[68] في الرمال لواء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يستنهض الوادي صباح مساء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يا ويحهم، نصبوا منارًا من دم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يوحي إِلى جيل الغد البغضاء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif جرح يصيح على المدى، وضحية https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تتلمس الحرية الحمراء يتبع |
الساعة الآن : 02:13 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour