ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   خطبة الجمعة بعنوان: اليقين (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=276983)

ابوالوليد المسلم 22-05-2022 05:41 PM

خطبة الجمعة بعنوان: اليقين
 
خطبة الجمعة بعنوان: اليقين
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْعِلْمِ وَأَكْمَلِهَا وَأَرْفَعِهَا وَأَقْوَاهَا وَأَثْبَتِهَا دَرَجَةَ الْيَقِينِ؛ لِأَنَّهُ الْعِلْمُ الَّذِي لَا يُحَوَّلُ، وَلَا يَنْقَلِبُ، وَلَا يَتَغَيَّرُ فِي الْقَلْبِ، مَعَ سُكُونِ النَّفْسِ، وَالثِّقَةِ، وَانْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَارْتِيَاحِهِ، فَالْيَقِينُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرُّوحِ مِنَ الْجَسَدِ. يَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ". وقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ: "الصَّبْرُ نَفْسُ الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ، فَبِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ تُنَالُ الْإِمَامَةُ فِي الدِّينِ". وقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ: "وَمِنْ مَنَازِلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ الْيَقِينِ".

عِبَادَ اللَّهِ: وَلَقَدْ خَصَّ اللَّهُ أَهْلَ الْيَقِينِ بِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِالْآيَاتِ فَقَالَ: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20]. فَالْيَقِينُ رُوحُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، وَهُوَ قَرِينُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ؛ لِأَنَّ التَّوَكُّلَ ثَمَرَةُ الْيَقِينِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [النمل: 79]، فَالْحَقُّ هُوَ الْيَقِينُ.

عِبَادَ اللَّهِ: مَتَى مَا وَصَلَ الْيَقِينُ إِلَى الْقَلْبِ امْتَلَأَ نُورًا وَإِشْرَاقًا، وَزَالَ عَنْهُ كُلُّ رَيْبٍ وَشَكٍّ وَهَمٍّ وَغَمٍّ، وَامْتَلَأَ مَحَبَّةً لِلَّهِ، وَخَوْفًا مِنْهُ، وَرِضًا بِهِ، وَشُكْرًا لَهُ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ، وَإِنَابَةً إِلَيْهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «فَلَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ قَطُّ بَعْدَ الْيَقِينِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَافِيَةِ». وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ لَعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

عِبَادَ اللَّهِ: لِلْيَقِينِ عَلَامَاتٌ مِنْ أَهَمِّهَا: الِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَالرُّجُوعُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ، وَالنَّظَرُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالتَّنَزُّهُ عَنْ ذَمِّ النَّاسِ عِنْدَ مَنْعِهِمْ لَهُ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيِكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ لِلْيَقِينِ فِي الْإِسْلَامِ مَكَانَةً كَبِيرَةً؛ فَهُوَ لُبُّ الدِّينِ، وَمَقْصُودُهُ الْأَعْظَمُ، وَيَزِيدُ الْعَبْدَ خُضُوعًا وَاسْتِكَانَةً لِمَوْلَاهُ، وَيُوقِنُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، وَمَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الْأَنَامِ يَقِينًا جَازِمًا لَا يُمَارِي فِي ثُبُوتِهِ، وَلَا يَشُكُّ فِي صِحَّتِهِ

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بَعْدُ...


عِبَادَ اللَّهِ: لَا يُمْكِنُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى الْيَقِينِ إِلَّا بِفِعْلِ الْأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ -بَعْدَ تَوْفِيقِ اللَّهِ- وَالْمُوَصِّلَةِ لِلْيَقِينِ، وَمِنْ أَهَمِّهَا:
أَوَّلًا: الْإِيمَانُ الَّذِي لَا يَتَزَعْزَعُ بِاللَّهِ، وَبِرَسُولِهِ، وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَبِالْمَلَائِكَةِ، وَبِالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالْإِيمَانُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ.

ثَانِيًا: التَّفَكُّرُ وَالتَّدَبُّرُ وَالتَّأَمُّلُ فِي هَذَا الْكَوْكَبِ الْعَظِيمِ، وَمَا أَوْجَدَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ مَخْلُوقَاتٍ تُوَصِّلُ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ وَالْقَلْبَ السَّلِيمَ إِلَى الْيَقِينِ الْجَازِمِ بِرُبُوبِيَّةِ وَأُلُوهِيَّةِ الْخَالِقِ الْعَظِيمِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ وَلِذَا قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ حِينَمَا سَأَلَهُ عَنْ رَبِّهِ: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ [الشعراء: 23، 24]. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: فَآمِنُوا بِخَالِقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِنْسَانًا أَوْ جَانًّا، بَلْ خَالِقُهُمَا هُوَ اللَّهُ الْمُدَبِّرُ الْخَالِقُ الْمُقْتَدِرُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ، فَهُوَ يُرْشِدُهُمْ إِلَى اسْتِخْدَامِ عُقُولِهِمْ الَّتِي مَتَّى اسْتَخْدَمُوهَا اسْتِخْدَامًا سَلِيمًا فَإِنَّهَا سَتُوَصِّلُهُمْ إِلَى النَّتِيجَةِ الْحَتْمِيَّةِ الَّتِي تُورِثُ الطُّمَأْنِينَةَ فِي قُلُوبِهِمْ بِأَنَّ الْخَالِقَ الْمُدَبِّرَ هُوَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَلِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20]. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الأنعام: 75]. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 4]. فَالْقُرْآنُ يُنَبِّهُ عَلَى وُجُوبِ أَنْ يَسْتَيْقِظَ الْعَقْلُ لِلتَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ؛ لِكَيْ يَصِلَ إِلَى الْيَقِينِ وَالْحَقِيقَةِ الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وَلَا رَيْبَ.

ثَالِثًا: تَدَبُّرُ الْقُرْآنِ؛ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 31].

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.




الساعة الآن : 10:01 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 11.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 11.35 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.82%)]