وسادة من نار
وسادة من نار مروة سعيد علي دقَّت طبول الفراق بعد زواج لم يدم غير بضعة أعوام، أنذرتُها كثيرًا فظنَّت أنني غير جاد، اتَّهمتني بأنني أحطِّم حياة طفلتي وهي لا تعلم أنها هي مَن حطَّم كل أحلامي، تعرَّفت عليها بالعمل، كانت متألِّقةً جذَّابة تهفو لها قلوب كلِّ الشباب، وبدت لي مُفعَمة بالإحساس، تركتُ من أجلها ابنة عمي التي خطبها لي أبي منذ الصِّبا؛ لأنها أكثرُ جرأةً وقدرةً على التعبير عن مشاعرها، كانت تعرف جيِّدًا كيف تحرِّك وِجداني، أما ابنة عمي فكانت شديدةَ الحياء، كنت أنا البادئَ دائمًا. تقدَّمت لخِطبتها، وتحمَّلت من أجلها عجرفة والدها، وتسلُّطَ أمِّها، وإصرارَهما على إذلالي، كان نحيبها في الهاتف يمحو من قلبي وَخَزات الكبرياء، وبعد الزواج بأيام قليلة ادّعت الإعياء وعادت إلى بيت أهلها؛ بدعوى أنها بحاجة للراحة، ومن يومها بدأتُ أصحو من أحلامي، أحلام السعادة والفرح والمرح معها بعد الزواج، كنت أحسب أن بيتي سيكون روضةً لا تفارقها الضحكات، أصبح كهفًا مظلمًا مملوءًا بالأتربة لا يعلو فيه غير الصياح، فزوجتي دائمة النفور، ترفض أن تمنحني حقوقي إلا بعد خضوعي لشروطها، وتختلق الخلاف مع أهلي، وتحارب ذهابي لزيارتهم بكل سلاح، وليتها كانت تجذبني للمكوث معها بالدلال. ومع الوقت مُحيت من صوتها النبرات التي كنت أسمعها سابقًا، وأصبحت نبراتها أشبه برئيس في العمل يأمر ويريد دومًا أن يطاع، حاورتها لأعرف السبب، فلم أجد غير تسلُّط أمها أمامي، نعم إنها بعد أن كانت تشكو منها أصبحت تقتدي بها، تريد أن تجعل مني خاتمًا في إصبعها ترتديه وتخلعه وقتما تشاء. وفاض ألمي فصفعتُها بعد ليلة قضيتها على وسادة من نار، كانت رغبتي فيها فوق الاحتمال، وهي ممدَّدة إلى جواري تدَّعي أن برأسها آلامًا، كنت في الماضي أصدِّق حُجَجها وأعطف عليها، فأجد أن آلامها تنتهي عندما أنصرف عنها برغباتي، أما الآن فلم أعد أصدِّق خداعها، ولم أعد أحتمل؛ فلي زوجة تنام ولا تبالي، وفجأة تملَّكني نفور منها، وأصبح كل ما أريد معرفته كيف تحتمل الهجر؟ ومن أين أتى كل هذا الجفاء؟ أخذتْ طفلتي ومتاعها بعد ضربي لها وذهبتْ إلى بيت أهلها وهي تحسبني سأهرول خلفها، "انتهى أمركِ" هذا ما ردَّده قلبي وهي تغلق خلفها الأبواب، طلَّقتُها وأنا لا أعرف هل كل النساء مثلها؟ وبعد عدَّة أشهر من الطلاق، قابلت ابنة عمي صدفة، نظرتْ إليَّ ثم أبعدت عينها عني فطلبت منها السماح، كنت أشعر أن ما فعلتْه زوجتي عقاب السماء على هجري لها، طلبت أن ألقاها مجدَّدًا وقلبي لا يجيب على سؤالي: "هل أريد استعادة ما كان بيني وبينها من إحساس؟ أم أريد تهيئتها لتعيش مستقبلها بلا إحساس بالنقص، وأعيش أنا بلا ذنب يؤرِّق فؤادي؟"، وعلمت أنها ما زالت على عهدي بها، تهيم بي عشقًا ولا ترى في الكون غيري من الرجال، وشعر قلبي بحنين عندما فتحتُ ورقة مطويَّة كتبتْها مسبقًا تبوح فيها بما في قلبها من رجاء، كتبتِ الورقة يوم فراقي لها، كانت تحلم بعودتي وتسطِّر الكلمات. • انتظرتُك وأنا واثقة أنك ستأتي، أراك وأنت تبتعد ويقيني بعودتك لا تزحزحه طول الساعات، أعلم أنك أخطأت حين تركتني، وأعلم أنني سأسامحك عندما يعاودك الحنين، فأنت الروح التي تحرِّك جسدي، ومن أجلها يتناغم إيقاع أنفاسي، أنت الحبيب الذي لا يعرف حبُّه في قلبي معنى كلمة فراق. يا لقسوة قلبي! كيف تخلَّيت عنها وجرحت قلبًا مثل قلبها.. فتزوَّجتها لأطفئ نار وسادتي، وأشعر بالسعادة مع امرأة لا تريد من الدنيا غير إرضائي. |
الساعة الآن : 06:39 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour