اعرف نفسك بنفسك
اعرف نفسك بنفسك زكرياء خالد من مقولات الفيلسوف اليونانيِّ "سقراط": "اعرِفْ نفسَك بنفسِك". وهي مقولة تشكِّل شعارَ كلِّ أديب يقتحم أهوالَ وغى الحياة، التي هي كتابٌ مفتوح بعلاماته التي تختزن في بواطنها أسرارًا أنطولوجيةً لا نهاية لها، تتطلب فارسًا جريئًا، يتجشَّم عناء السفر الأبديِّ؛ في سبيل البحث عن الذات، في امتدادها، ولانهائيتها، وتنوُّع تشكلاتها اللامحدودة عبر التاريخ. إنَّ الكتابة بمنظورها الأوسع - سواء أكانت كتابةً أدبية، أم كتابة المتلقين - هي "قراءة واعية"، تتسلَّحُ بمختلفِ الآلياتِ المنهجية، وتتزوَّد بالزاد الثقافيِّ المتعدد المشاربِ، في سبيل خوضِ مغامرةِ البحثِ عن الحقائق المطلقة المشتَّتة على أوجه مخلوقاتِ الطبيعة، المغمورةِ في أقاصي الذات، بمعنى أنَّ الكتابة الإبداعية تقوم أساسًا على لعبة "التحطيم والبناء"؛ أي: إنها تحطِّم العلاقاتِ السطحيةَ المألوفة القائمة بين الأشياء، وتقيم علاقاتٍ جديدات؛ لاستكناه "سر الستور" المخبوء وراءها، والذي يقدِّمُ تفسيرًا جديدًا، لامتوقِّفًا لهذا العالم الذي يرتدي أشكالًا لا حدود لها، بحاجة إلى مزيد من الهدم، وإعادة البناء الذاتي؛ لاكتشاف الدفينِ الذي يعوَّل عليه في عملية إعادة بناء مملكة الوجودِ، ما دام أن لكلِّ مبدع عالَمَه الخاص الذي يتولَّد من عالَمنا المشترَك؛ لذا يمكن القول: إنَّ العوالم الإنسانية لا نهاية لها بلا نهاية المبدعين أنفسهم، فهناك عوالمُ إنسانية عددُها عددُ المبدعين ذاتهم الذين يقومون بعملية "تذويتِ العالم". ويفهم من مصطلح "تذويت العالم" أنَّ الذات المبدعة هي مركز الوجود؛ بوعيها المنهجي الموسوعيِّ الذي لا يقف من الوجود موقفَ استكانة، ووصف سلبي؛ بل يقفُ منه موقفَ الكشف، والخلق، والتأسيس المعرفيِّ، وإعادة التشكيل، والإبداع، ما دام أنَّ هذه الحياة ليست بدار بقاء، ولا واحة للراحة؛ بل هي قلعة عناء، ومحطة سفر، يمرُّ بها الإنسانُ؛ من أجل تقديم قراءةٍ عميقة لا متوقِّفة حول نظامها، إدراكًا لانهائيًّا للعلاقة القائمة بين العالم والذات التي تشكِّل المنطلقَ والمنتهى، عن طريق ذلك الحوار الاختلافيِّ التعايشي مع الذات والعالم واللغة، التي لم تعُد مجردَ وسيلةِ تعبير؛ بل صارت أداةَ تفكيرٍ وبحث، وأداة تواصل بين الذات وهذا العالم الداخليِّ والخارجي، فلولا اللغةُ لبقي هذا العالم موحشًا، ولبقيتِ الذات أسيرةَ بهيميَّتِها. وإذا كان الإنسانُ مركز الوجود، بتساؤلاته الأنطولوجية اللامتوقفة، فإنَّه ما كان له ليكون كذلك لولا اللغةُ التي تشكِّل عماد ذاته في هذا الوجودِ، الذي نحطمه بمعاول اللغة، ونبنيه بلبنات اللغة، التي تشكِّل لنا "بيت الوجودِ"، الذي هو نتاج حوار لغويٍّ خالد مع نسق الذات، ونظام الكون. |
الساعة الآن : 06:44 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour