ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   حُقُوقُ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=298152)

ابوالوليد المسلم 06-10-2023 03:20 AM

حُقُوقُ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ
 
خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – حُقُوقُ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ

الفرقان


جاءت خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع: 9 من صفر 1445هـ الموافق: 25 أغسطس 2023م بعنوان: (حُقُوقُ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ)؛ حيث بينت الخطبة أنّ الله -تعالى- خَلَقَ آدَمَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، وَأَمَدَّ ذُرِّيَّتَهُ بِمَا تَنْتَظِمُ بِهِ حَيَاتُهُمْ، وَتَقُومُ بِهِ مَعَايِشُهُمْ، وَتُحْفَظُ بِهِ حُقُوقُهُمْ، وَتُؤَدَّى وَاجِبَاتُهُمْ. وَإِنَّكَ لَتَجِدُ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ النُّظُمِ وَالْمَبَادِئِ وَالْأَحْكَامِ مَا لَا تَجِدُهُ فِي أَيِّ دِينٍ آخَرَ؛ سَمَاوِيّاً كَانَ ذَاكَ الدِّينُ أَمْ أَرْضِيًّا؛ إِذِ الْإِسْلَامُ هِدَايَةٌ لِلنَّاسِ كَافَّةً، وَمِنْهَاجٌ لِحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ عَامَّةً، فَلَيْسَ تَشْرِيعاً لِجِنْسٍ خَاصٍّ مِنَ الْبَشَرِ، أَوْ لِإِقْلِيمٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْأَرْضِ.
إِنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللهُ دِيناً لِلْعَالَمِينَ، وَالَّذِي مَنْ لَقِيَهُ بِدِينٍ غَيْرِهِ كَانَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ: قَدْ حَقَّ الْحُقُوقَ، وَشَرَعَ الْوَاجِبَاتِ، وَشَيَّدَ النُّظُمَ وَالْأَحْكَامَ؛ مِنْ أَجْلِ حَيَاةٍ فُضْلَى لِلْأَنَامِ، وَإِسْعَادِ الْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ.
مِمَّا شَرَعَهُ الْإِسْلَامُ مِنَ الْحُقُوقِ
أَلَا وَإِنَّ مِمَّا شَرَعَهُ الْإِسْلَامُ مِنَ الْحُقُوقِ:
  • حَقّ الْحَيَاة
وهُوَ يَعْنِي: حِفْظَ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ وَالْأَعْضَاءِ الْإِنْسَانِيَّةِ مِنَ التَّعَدِّي أَوِ الْإِتْلَافِ، وَهُوَ حَقٌّ مَحْفُوظٌ لِلْإِنْسَانِ مُنْذُ أَنْ تُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ، قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتعالى-: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة:32). قَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ: «عَظُمَ وَاللَّهِ أَجْرُهَا، وَعَظُمَ وَاللَّهِ وِزْرُهَا»، وَاعْتَبَرَ قَاتِلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا خَالِدًا فِي النَّارِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ؛ قَالَ -تعالى-: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء:93)، وَلَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ بَلْ حَرَّمَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمَا يُؤْذِيهَا، وَمِنْ أَعْظَمِ ذَلِكَ: أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ مُنْتَحِرًا.
  • حَقُّ الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ
وَمِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي قَرَّرَهَا الْإِسْلَامُ: حَقُّ الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ الْحُقُوقِ الْأَسَاسِيَّةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَلَقَدْ خَلَقَ اللهُ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَكَرَّمَهُ وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ خَيْرَ تَكْرِيمٍ، قَالَ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء:70). وَمِنْ أَعْظَمِ دَلَائِلِ تَكْرِيمِ اللهِ لِلْإِنْسَانِ: أَنْ سَخَّرَ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ؛ قَالَ -تَبَارَكَ وَتعالى-: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان:20).
  • حَقُّ الْحُرِّيَّةِ
وَمِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي قَرَّرَهَا الْإِسْلَامُ لِلْإِنْسَانِ: حَقُّ الْحُرِّيَّةِ، فَالْحُرِّيَّةُ حَقٌّ أَصِيلٌ لَهُ، وَمَبْدَأٌ مِنْ مَبَادِئِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَهِيَ قِيمَةٌ مِنَ الْقِيَمِ الْكُبْرَى؛ حَيْثُ تَسْمُو بِالْإِنْسَانِ مَادِّيًّا وَرُوحِيًّا، وَهِيَ مُحْكَمَةٌ بِضَوَابِطَ وَقَوَاعِدَ، وَلَيْسَتِ انْفِلَاتًا مِنَ الضَّوَابِطِ، وَلَا خُرُوجاً عَلَى الْأُصُولِ، فَلَا حُرِّيَّةَ لِأَحَدٍ فِي نَشْرِ الْفَسَادِ أَوِ الرَّذِيلَةِ أَوِ الْفِتْنَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ؛ وَلَا تُبِيحُ الْحُرِّيَّةُ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُؤْذِيَ غَيْرَهُ، أَوْ يُعَرِّضَ الْمُجْتَمَعَ لِلْخَطَرِ وَالِانْحِلَالِ، وَيَضُرَّ بِالْآخَرِينَ بِاسْمِ الْحُرِّيَّةِ، فَإِنَّهَا بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَرْضَى بِهَا الْعُقَلَاءُ مِنَ النَّاسِ. وَيَكْفِي الْإِسْلَامُ فَخْرًا وَسُمُوًّا: أَنَّهُ حَرَّرَ الْإِنْسَانَ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ لِغَيْرِ اللهِ -تعالى-، وَهُوَ حُرٌّ فِي التَّمَلُّكِ، وَالتَّعَلُّمِ، وَالْعَمَلِ، وَالتَّعْبِيرِ، وَالتَّفْكِيرِ، وَالِاعْتِقَادِ؛ بِمَعْنَى أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُرْغِمُ أَحَدًا عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ؛ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ وُجُودُ أَصْحَابِ الدِّيَانَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ؛ قَالَ -تعالى-: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (البقرة:256). وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (يونس:99).
  • حَقُّ الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ
وَمِنْ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْإِسْلَامِ: حَقُّ الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ؛ فَقَدْ أَرْسَى الْإِسْلَامُ دَعَائِمَ الْعَدَالَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالْمُسَاوَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ؛ إِذِ النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْقَضَائِيَّةِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ، وَلَا فَضْلَ لِأَحَدٍ عَلَى آخَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ قَالَ اللهُ -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} (النحل:90)، وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ: أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى..» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ). وَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي ذَلِكَ.
  • حَقُّ التَّعَلُّمِ
وَمَا زَالَتْ حُقُوقُ الْإِنْسَانِ فِي الْإِسْلَامِ تَتَوَالَى، فَمِنْهَا: حَقُّ التَّعَلُّمِ، حَيْثُ رَفَعَ الْإِسْلَامُ قَدْرَ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، وَوَهَبَهُ حَقًّا لِكُلِّ مُسْلِمٍ، بَلْ جَعَلَهُ فَرِيضَةً عَلَيْهِ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» (أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ).
  • حَقُّ الْعَمَلِ
وَكَذَا حَقُّ الْعَمَلِ، فَلِكُلِّ إِنْسَانٍ حَقٌّ فِي الْعَمَلِ وَالْكَسْبِ الْمَشْرُوعَيْنِ، وَيُعْطِي الْإِسْلَامُ لِلْعَمَلِ أَهَمِّيَّةً لَائِقَةً بِجَانِبَيْهِ الْأُخْرَوِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ؛ إِذْ بِهِ نَجَاحُ الدُّنْيَا وَفَلَاحُ الْآخِرَةِ؛ قَالَ اللهُ -تعالى-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك:15)، وَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكرِبَ الزُّبَيْدِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا كَسَبَ الرَّجُلُ كَسْبًا أَطْيَبَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَمَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ» (أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ). وَأَوْجَبَ الشَّرْعُ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يُتْقِنَ عَمَلَهُ، وَعَلَى رَبِّ الْعَمَلِ أَوِ الدَّوْلَةِ أَنْ تُؤَدِّيَ لَهُ حَقَّهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ، كَمَا رَغَّبَ الدَّوْلَةَ بِتَهْيِئَةِ مَجَالَاتٍ لِلْعَمَلِ، وَأَنْ تَرْعَى الْعَامِلَ فِي حَالِ الْقُدْرَةِ، وَتَكْفُلَهُ فِي حَالِ الْعَجْزِ وَتَكْفُلَ أُسْرَتَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ وَلِيَ لَنَا عَمَلًا وَلَيْسَ لَهُ مَنْزِلٌ: فَلْيَتَّخِذْ مَنْزِلًا، أَوْ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ: فَلْيَتَزَوَّجْ، أَوْ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ: فَلْيَتَّخِذْ خَادِمًا، أَوْ لَيْسَتْ لَهُ دَابَّةٌ: فَلْيَتَّخِذْ دَابَّةً، وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ» (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ تَرَكَ عِيَالًا لَا نَفَقَةَ لَهُمْ، أَوْ دَيْناً لَا وَفَاءَ لَهُ؛ فَإِلَيْنَا يَرْجِعُ أَمْرُهُ وَالْقِيَامُ بِهِ.
  • حَقُّ التَّمَلُّكِ
وَمِنَ الْحُقُوقِ أَيْضاً: حَقُّ التَّمَلُّكِ؛ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ وَالذِّمَمِ الْمَالِيَّةِ، لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحَقِّ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ إِذْ شَرَعَهُ الْإِسْلَامُ مُرَاعَاةً لِفِطْرَةِ الْإِنْسَانِ فِي حُبِّ التَّمَلُّكِ، فَهُوَ وَسَطٌ بَيْنَ الرَّأْسِمَالِيَّةِ الَّتِي تُقَدِّسُ الْمَالَ وَتُكَدِّسُهُ، وَالشُّيُوعِيَّةِ الَّتِي تَحْرِمُ الْفَرْدَ مِنْ أَهَمِّ حُقُوقِهِ وَتَعْتَسِفُهُ، وَنَصَّ الْإِسْلَامُ عَلَى حُرْمَةِ الْمِلْكِيَّةِ الْخَاصَّةِ، وَتَجْرِيمِ مَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهَا، وَشَرَعَ حَدَّ السَّرِقَةِ لِلْحَفِاظِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَحِمَايَتِهَا، وَوَفَّقَ بَيْنَ حَقِّ الْمِلْكِيَّةِ الْخَاصَّةِ وَحَقِّ الْمُجْتَمَعِ فِي الِانْتِفَاعِ، وَشَرَعَ التَّمَلُّكَ بِشَتَّى أَنْوَاعِهِ مَا دَامَ مُبَاحاً؛ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ). وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
  • حُرِّيَّةُ التَّفْكِيرِ وَالتَّعْبِيرِ
وَمِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي قَرَّرَهَا الْإِسْلَامُ: حُرِّيَّةُ التَّفْكِيرِ وَالتَّعْبِيرِ؛ مَا دَامَ ذَلِكَ فِي نِطَاقِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْفَضِيلَةِ، وَتَقْوِيمِ الِانْحِرَافِ وَمُحَارَبَةِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ وَالرَّذِيلَةِ، وَحَثَّ عَلَى إِعْمَالِ الْفِكْرِ وَالْعَقْلِ، وَأَثَارَ مَكَامِنَ الْإِبْدَاعِ وَحَفَّزَ عَلَى الْإِنْتَاجِ بِأَشْكَالِهِ الْمُخْتَلِفَةِ؛ قَالَ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (يونس:101)، وَكَثِيرًا مَا كَانَتْ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ تُخْتَمُ بِـ: {أَفَلَا تَسْمَعُونَ} (القصص:71) أَوْ {أَفَلَا يَعْقِلُونَ} (يس:68) أَوْ {أَفَلَا يَنْظُرُونَ} (الغاشية:17) الَّتِي تَدْعُو إِلَى التَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ.
  • حقوق أَهْلِ الْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ
وَمِنْ مَفَاخِرِ الْإِسْلَامِ الْعُظْمَى: أَنَّهُ جَعَلَ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَالذِّمَّةِ حُقُوقاً مُحْتَرَمَةً لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهَا وَلَنْ يُلْحَقَ فِيهَا، وَأَوْجَبَ صَوْنَهَا، وَحَرَّمَ انْتِهَاكَهَا؛ فَعَنْ أَبِي صَخْرٍ الْمَدِينِيِّ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ: فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ).
الْعَدْل وَالْمُسَاوَاة وَنَبْذ الْأَنَانِيَّةِ
وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ شَرَعَ الْحُقُوقَ الَّتِي تَقُومُ عَلَى مَبَادِئِ الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ وَنَبْذِ الْأَنَانِيَّةِ، وَمُرَاعَاةِ الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَالْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَهُوَ تَشْرِيعٌ لَمْ يُسْبَقْ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَلَمْ يُلْحَقْ بِهِ؛ إِذْ إِنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ فِيهِ جَاءَتْ هِبَةً مِنَ اللهِ -تعالى-، بَيْنَمَا فِي غَيْرِهِ مِنَ التَّشْرِيعَاتِ إِنَّمَا انْتُزِعَتِ انْتِزَاعاً بَعْدَ ثَوْرَاتٍ عَارِمَةٍ وَمَعَارِكَ دَامِيَةٍ، عَلَى مَا فِي تِلْكَ التَّشْرِيعَاتِ الَّتِي أَعْقَبَتِ الثَّوْرَاتِ: مِنْ إِغْمَاضٍ عَنِ الْفَضَائِلِ، وَتَغَافُلٍ عَنِ الْأَخْلَاقِ، وَفَوْضًى فِي التَّطْبِيقِ. فَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا وَآخِرًا، بَاطِنًا وَظَاهِرًا.



الساعة الآن : 08:20 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 16.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.25 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.57%)]