من جامع في نهار رمضان في قبل أو دبر فعليه القضاء والكفارة
مَنْ جامَعَ فِي نَهارِ رَمَضانَ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضاءُ وَالْكَفَّارَةُ يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف قَالَ الْمُصَنِّفُ –رَحِمَهُ اللهُ-: "وَمَنْ جامَعَ فِي نَهارِ رَمَضانَ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ فَعَلَيْهِ الْقَضاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ جامَعَ دونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ، أَوْ كانَتِ الْمَرْأَةُ مَعْذورَةً، أَوْ جامَعَ مَنْ كانَ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ، أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَة". هَذَا الْفَصْلُ عَقَدَهُ الَمُصَنِّفُ –رَحِمَهُ اللهُ- لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِماعِ فِي نَهارِ رَمَضانَ؛ لِكَوْنِهِ أَعْظَمَ الْمُفَطِّراتِ تَـحْريمًا، وَلِوُجوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ. وَالْجٍماعُ: مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ بِالْكِتابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْماعِ. أَمَّا الْكِتابُ: فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: 187]. وَأَمَّا السُّنَّةُ:فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَلَكْتُ. قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-. فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ، قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: خُذْ هذا فَتَصَدَّقْ بِهِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟. فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ، أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»[1]. وَأَمَّا الْإِجْماعُ: فَقَدْ نَقَلَهُ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ: ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ قُدامَةَ، وَابْنُ تَيْمِيَّةَ[2]. فَائِدَةٌ: إِذَا جامَعَ فِي نَهارِ رَمَضانَ، وَكانَ ذاكِرًا عالِمًا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ خَمْسَةُ أُمورٍ: 1) الْإِثْمُ. 2) فَسادُ الصَّوْمِ. 3) لُزومُ الْإِمْساكِ. 4) لُزومُ الْقَضاءِ. 5) الْكَفَّارَةُ. وَسَيَكونُ الْحَديثُ عَنْ كَلامِ الْمُؤَلِّفِ –رَحِمَهُ اللهُ- فِي فُروعٍ: الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: (وَمَنْ جامَعَ فِي نَهارِ رَمَضانَ فِي قُبُلٍ، أَوْ دُبُرٍ، فَعَلَيْهِ الْقَضاءُ). وَفِي هَذَا الْفَرْعِ مَسائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: حُكْمُ مَنْ جامَعَ عامِدًا فِي نَهارِ رَمَضانَ أَنْزَلَ أَوْ لَا: وَهَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَالْقَضاءُ، وَهَذَا بِإِجْماعِ أَهْلِ الْعِلْمِ[3]. قَالُوا: لِأَنَّهُ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-لَمْ يَسْتَفْصِلِ الْمُجامِعَ فِي نَهارِ رَمَضانَ هَلْ هُوَ نَاسٍ أَوْ مُكْرَهٌ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ مُباشَرَةً. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حُكْمُ مَنْ جامَعَ ناسِيًا فِي نَهارِ رَمَضانَ: اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ مَنْ جامَعَ نَاسِيًا فَيَجِبُعَلَيْهِ الْقَضاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَمِثْلُهُ الْجاهِلُ، وَالْمُكْرَهُ. وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ[4]. قَالُوا: لِأَنَّ الْجِماعَ أَعْظَمُ الْمُفَطِّراتِ، وَلِمَا فِيهِ مِنَ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ الْمُنافِيَةِ لِلصَّوْمِ، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا لا يُتَصَوَّرُ وُقوعِ النِّسْيانِ وَالْإِكْراهِ فِي الْجِماعِ؛ فَإِنَّ شَهْوَتَهُ إِذَا تَحَرَّكَتْ ذَهَبَ مَعْنَى الْإِكْراهِ، وَصارَ مُخْتارًا. الْقَوْلُ الثَّانِي:أَنَّ مَنْ جامَعَ ناسِيًا، أَوْ مُكْرَهًا، فَلَا قَضاءَ عَلَيْهِ، وَلَا كَفَّارَةَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَرِوايَةٌ عَنِ الْإِمامِ أَحْمَدَ[5]، وَاخْتارَهَا شَيْخُ الْإِسْلامِ وَابْنُ الْقَيِّمِ وَالصَّنْعانِيُّ[6]. وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ؛ مِنْهَا: أَوَّلًا:أَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ النَّاسِيَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، يَتِمُّ صَوْمُهُ، وَلَا قَضاءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِثْلُهُ وَفِي مَعْناهُ. ثَانِيًا:الْحَدِيثُ الْوارِدُ فِي حَقِّ الْعامِدِ لَا يَتَنَاوَلُ النَّاسِيَّ، وَالْمُكْرَهَ، وَهُوَ الْعُمْدَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. الْفَرْعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (وَإِنْ جامَعَ دونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ، أَوْ كانَتِ الْمَرْأَةُ مَعْذورَةً، أَوْ جامَعَ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ). وَالْحَديثُ عَنْ هَذَا الْفَرْعِ سَيَكونُ فِي مَسائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:إِنْ جامَعَ دونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ مَنِيًّا[7] فَعَلَيْهِ الْقَضاءُ، دونَ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ –رَحِمَهُ اللهُ-. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضاءَ دونَ الْكَفَّارَةِ -كَمَا سَبَقَ-. وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهورِ الْعُلَمَاءِ[8]؛ لِأَنَّ النَّصَّ فِي الْجِماعِ فِي الْفَرْجِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَراءَةُ الذِّمَّةِ. وَأَمَّا الْقَضاءُ: فَيَجِبُ بِاتِّفاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ[9] -وَاللهُ أَعْلَمُ-. الْقَوْلُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْقَضاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمالِكِيَّةِ[10]. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنْ كانَتِ الْمَرْأَةُ الْمُجامِعَةُ مَعْذورَةٌ بِـجَهْلٍ، أَوْ نِسْيانٍ، أَوْ إِكْراهٍ، فَيَلْزَمُهَا الْقَضاءُ دونَ الْكَفَّارَةِ. وَأَمَّا إِنْ كانَتْ مَطاوِعَةً فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فَي لُزومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهورِ مِنَ: الْحَنابِلَةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالْمالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ -فِي قَوْلٍ-[11]. قَالُوا: لِأَنَّ الْأَحْكامَ الشَّرْعِيَّةَ تَسْتَوِي فِيهَا الْمَرْأَةُ مَعَ الرَّجُلِ ما لَـمْ يَدُلَّ دَليلٌ عَلَى خِلافِهِ، وَالْمَرْأَةُ هَتَكَتْ صَوْمَ رَمَضانَ بِالْجِماعِ فَوَجَبَ عَلَيْهَا الْقَضاءُ وَالْكَفَّارَةُ. الْقَوْلُ الثَّانِي: لَا تَلْزَمُهَا الْكَفَّارَةُ. وَهَذَا الصَّحيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ[12]. قَالُوا: لِأَنَّ النَّبِيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ الْواطِئَ بِالْكَفَّارَةِ، كَمَا مَرَّ فِي حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَشْهورِ، وَلَـمْ يَأْمُرْهُ بِأَنْ يَأْمُرَ زَوْجَتَهُ بِإِخْراجِ الْكَفَّارَةِ، وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ تَأْخيرَ الْبَيانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجوزُ. وَقَوْلُ الْجُمْهورِ هُوَ الصَّحيحُ إِنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى. فَــــائِدَةٌ: الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ فِي الْإِكْراهِ أَنَّ الرَّجُلَ لَهُ نَوْعُ اخْتِيارٍ بِخِلافِهَا. وَأَمَّا النِّسْيانُ، فَقَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ أَنَّ جِهَةَ الرَّجُلِ فِي الْمُجامَعَةِ لَا تَكونُ إِلَّا مِنْهُ غالِبًا بِخِلافِ الْمَرْأَةِ، وَكانَ الزَّجْرُ فِي حَقِّهِ أَقْوَى، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي حَالَةِ النِّسْيانِ دونَهَا[13]. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنْ جامَعَ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ الْمُباحِ فِيهِ الْفِطْرُ، أَوْ فِي مَرَضٍ يُبيحُ الْفِطْرُ: أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ لَا يَلْزَمُ الْمُضِيُّ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ يُفْطِرُ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ؛ فَيَقَعُ الْجِماعُ بَعْدَهُ. [1] أخرجه البخاري (1834)، واللفظ له، ومسلم (1111). [2] انظر: الإشراف، لابن المنذر (3/ 120)، والمغني، لابن قدامة (3/ 134)، ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (25/ 244). [3] تقدم ذكر من نقل الإجماع بداية الكلام عن الفطر بالجماع. [4] انظر: شرح الرسالة (1/ 274)، والإنصاف، للمرداوي (3/ 311). [5] انظر: المبسوط للسرخسي (3/ 65)، والمجموع للنووي (6/ 324)، والإنصاف للمرداوي (3/ 311). [6] انظر: مجموع الفتاوى (25/ 226)، وإعلام الموقعين (2/ 24)، وسبل السلام (1/ 572)، والسيل الجرار (ص285). [7] قال في الروض: "أو مذيًا"، وهذا هو المشهور من المذهب أن خروج المذي مفطر. [8] انظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص (2/ 430)، والمجموع، للنووي (6/ 328)، والإنصاف، للمرداوي (3/ 316). [9] انظر: المبسوط للسرخسي (3/ 66)، وفتح القدير لابن الهمام (2/ 336)، والمدونة (1/ 284)، والكافي لابن عبدالبر (1/ 342)، والمجموع للنووي (6/ 344)، والإنصاف للمرداوي (3/ 221)، وكشاف القناع للبهوتي (2/ 325). [10] انظر: المدونة (1/ 268)، والإنصاف، للمرداوي (3/ 316). [11] انظر: تبيين الحقائق (1/ 327)، والمدونة (1/ 268)، والمجموع، للنووي (6/ 331)، والإنصاف، للمرداوي (3/ 313). ملحوظة: عند الشافعية: أن الذي يدفع الكفارة عن المرأة هو الرجل، وهذا أيضًا قول عند الحنابلة. [12] انظر: المجموع، للنووي (6/ 331). [13] انظر: الأسئلة والأجوبة الفقهية (2/ 155). |
الساعة الآن : 02:12 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour