ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=105)
-   -   تحرر من القيود (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=303424)

ابوالوليد المسلم 19-04-2024 04:29 PM

تحرر من القيود
 
تحرر من القيود



وضعت ضفدعة في إناء ماء ساخن جدًا، وعندما وضعت في الماء قفزت إلى الخارج فورًا؛ لأنها شعرت بالتغيير المفاجئ، فأحضروا قليلًا من الماء الساخن ووضعوا فيه تلك الضفدعة وأغلقوا الإناء الزجاجي الذي وضعوها فيه، فحاولت أن تقفز مرة أخرى، ولكنها لم تستطع الخروج؛ لأن الإناء مغلق بإحكام.
حاولت مرات عدة، ولكنها فشلت، فاستقرت في الماء، فزادوا كمية الماء، ثم وضعوا الماء على نار هادئة، فبدأت درجة حرارة الماء ترتفع تدريجيًّا، وأخذت الضفدعة تتعود على درجة الحرارة، فرفعوا درجة الحرارة وتعودت الضفدعة على هذه الحرارة مرة أخرى، وظلوا يزيدون من درجة الحرارة ولكن الضفدعة خرجت من الماء مسلوقة ومهترئة، (أيقظ قدراتك واصنع مستقبلك)، د.إبراهيم الفقي، ص 35.
وهكذا كثير من الناس قد اعتادوا على مجموعة من السلوكيات التي تضرهم ولكن لم يبذلوا مجهودًا لتغييرها، ولربما تأتي هذه السلوكيات فتقضي عليهم، وهذا ما نسميه بالعادة.
فالعادة هي سلوك متكرر يصدر من الشخص بصورة لا إرادية؛ نتيجة قناعة ترسخت في عقله الباطن عبر السنين.



خطورة العادات:
وتنبع خطورة العادات من أنها تتحكم تمامًا في سلوكيات الإنسان، وبالتالي تتدخل في كل لحظة من لحظات حياته، فالإنسان في الحقيقة ما هو إلا مجموعة من العادات، كما تقول الحكمة القديمة: «اغرس فكرة احصد فعلًا، اغرس فعلًا احصد عادة، اغرس عادة احصد شخصية، اغرس شخصية احصد مصيرًا» (العادات السبع لأكثر الناس فاعلية)، ستيفين كوفي، ص 63.
فالعادات في النهاية هي التي تحدد مصير الإنسان -بإرادة الله تعالى- في الحياة سواءً أكان النجاح أم الفشل.
مثال: إنسان لديه عادة التسويف والكسل، كيف تكونت لديه هذه العادة؟
1- شبَّ منذ صغره فرأى أباه أو أمه يكسلان عن واجباتهما، ويُسوِّفان أعمالهما (فكرة).
2- بدأ يمارس هذه الأفعال نفسها التي رآها من والديه (فعل).
3- بتكرار الفعل ومع مرور السنين تكوَّن لديه سلوك الكسل (عادة).
ما رأيك في إنسان عنده عادة التسويف والكسل، وإيثار الدعة والراحة على العمل الجاد الدؤوب، فكيف سيكون ذلك مؤثرًا على حياته؟ لا شك أنه سيحصد شخصية كسولة تقوده إلى مصير الفشل الذريع.
وعلى العكس من ذلك إنسان لديه عادة الجدية والالتزام، ومع الممارسة لأفعال الجدية وحب النشاط والعمل، ترسخت في نفسه تلك العادة، فحصد شخصية جادة نشيطة منضبطة، لا بد أن تقوده في النهاية إلى مصير النجاح بعون الله تعالى.
إذًا فنجاح الإنسان وخروجه من نفق الفشل مرتبط بعاداته، فللنجاح عادات كما أن للفشل عادات.
هل من الممكن تغيير العادات؟
عادات الإنسان لها قوة جذب هائلة؛ لأن القناعات التي نتجت عنها قد استقرت في أعماق العقل الباطن عبر السنين، ولكن مع ذلك يمكن تغييرها بالجهد والمتابعة، ومع أن ذلك يستغرق جهدًا جبارًا في أول الأمر، لكننا بعد ذلك يخف الأمر علينا بعد أن نشعر بالتخلص من أسر هذه العادات، وما لها من آثار سلبية على حياتنا.
والرائع في الأمر أننا عندما نستبدل عادات الفشل بعادات النجاح، فإن عادات النجاح أيضًا تكون لها تلك الجاذبية القوية نفسها، بمعنى أننا لن نستطيع التخلي عنها بسهولة، مما يحتم علينا أن ننجح ولو رغمًا عنَّا؛ فالعادات إذًا لها قوة جذب هائلة وبإمكانك أن تُسخِّر تلك القوة لتعمل لصالحك، أو تُسخِّرك هي لنفسها لتعمل ضد نفسك، فالعادات يمكن تغييرها جزمًا، وهذا مقتضى قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11).
يقول الإمام الغزالي رحمه الله: لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «حسنوا أخلاقكم»، وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن؛ إذ ينقل الصقر من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك، والفرس من الجماح إلى سلاسة الانقياد؟! وكل ذلك تغيير للأخلاق (إحياء علوم الدين) الغزالي، 2/255.
الرياضة وتغيير العادات:
ولا نعني هنا ممارسة الرياضة البدنية من كرة وألعاب قوى وغير ذلك، وإنما الرياضة هو المصطلح الذي أطلقه علماء التربية المسلمون على الممارسات التربوية التي يمكن من خلالها تغيير الأخلاق والعادات السيئة، واستبدالها بأخرى حسنة.
ويشرح لنا الغزالي -رحمه الله تعالى- معنى الرياضة، فيقول: وهي حمل النفس على الأعمال الجالبة للخلق المطلوب، فمن أراد تحصيل خلق الجود فليتكلف فعل الجواد من البذل؛ ليصير ذلك طبعًا له، وكذلك من أراد التواضع تكلف أفعال المتواضعين، وكذلك جميع الأخلاق المحمودة؛ فإن للعادة أثرًا في ذلك، كما أن من أراد أن يكون كاتبًا تعاطى فعل الكتابة، أو فقيهًا تعاطى فعل الفقهاء من التكرار حتى تنعطف على قلبه صفة الفقه، إلا أنه لا ينبغي أن يطلب تأثير ذلك في يومين أو ثلاثة، وإنما يؤثر مع الدوام، كما لا يطلب في النحو علو القامة في يومين أو ثلاثة، فللدوام أثر عظيم (مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة، 3/10).
بهذا النص التربوي الثمين يقرر لك الإمام الغزالي رحمه الله القاعدة الذهبية في تحويل العادات السلبية إلى أخرى إيجابية، وهي قاعدة وضعها من قبله سيد المربين محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال: «إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحرَّ الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه» رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
فطريق التخلص من عادات الفشل، وأن يستبدل بها عادات النجاح، إنما يكون بتكلف عادات النجاح وأفعالها وسلوكياتها لفترة طويلة، يبذل فيها طالب النهوض جهدًا كبيرًا حتى تصير عادات النجاح له طبعًا متأصلًا فيه، بحيث تصدر عنه سلوكيات الناجحين بلا تكلف ولا حرج.
وتبعًا لذلك فإن العامل الحاسم في تغيير العادات هو مدى صبر الإنسان على مقاومة جذب العادات القديمة له، وتحمل الضغط الناشئ من تكلف العادات الجديدة.



اعداد: مصطفى كريم






الساعة الآن : 01:41 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 9.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 9.66 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.96%)]