الهادي جلاله وتقدست أسماؤه
الْهادِي جلاله وتقدست أسماؤه الشيخ وحيد عبدالسلام بالي عَنَاصِرُ الموْضُوعِ: أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الهَادِي). ثانيًا: وُرُودُهُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ. ثالثًا: مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى. رابعًا: ثَمَرَاتُ الإيِمَانِ بِهَذَا الاسْمِ. النِّيَّاتُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا الُمحَاضِرُ، قَبْلَ إِلْقَاءِ هَذِهِ الُمحَاضَرَةِ: أولًا: النِّيَّاتُ العَامَّةُ: 1- يَنْوي القيامَ بتبليغِ الناسِ شَيْئًا مِنْ دِينِ الله امْتِثَالًا لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «بلِّغُوا عَني ولَوْ آيةً»؛ رواه البخاري. 2- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ مَجْلِسِ العِلْمِ[1]. 3- رَجَاءَ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ مَجْلِسِه ذلك مَغْفُورًا لَهُ[2]. 4- يَنْوِي تَكْثِيرَ سَوَادِ المسْلِمِينَ والالتقاءَ بِعِبادِ الله المؤْمِنينَ. 5- يَنْوِي الاعْتِكَافَ فِي المسْجِدِ مُدةَ المحاضرة ـ عِنْدَ مَنْ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ مِنَ الفُقَهَاءِ ـ لَأَنَّ الاعْتِكَافَ هو الانْقِطَاعُ مُدَّةً لله في بيتِ الله. 6- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى أَجْرِ الخُطُوَاتِ إلى المسْجِدِ الذي سَيُلْقِي فيه المحَاضَرَةَ[3]. 7- رَجَاءَ الحُصُولِ عَلَى ثَوَابِ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، إذا كانَ سَيُلْقِي مُحَاضَرَتَه مثلًا مِنَ المغْرِبِ إلى العِشَاءِ، أَوْ مِنَ العَصْرِ إِلَى الَمغْرِبِ[4]. 8- رَجَاءَ أَنْ يَهْدِي اللهُ بسببِ مُحَاضَرَتِه رَجُلًا، فَيَأْخُذَ مِثْلَ أَجْرِهِ[5]. 9- يَنْوِي إرْشَادَ السَّائِليِنَ، وتَعْلِيمَ المحْتَاجِينَ، مِنْ خِلَالِ الرَّدِّ عَلَى أَسْئِلَةِ المسْتَفْتِينَ[6]. 10- يَنْوِي القِيَامَ بِوَاجِبِ الأمرِ بالمعروفِ، وَالنهيِ عَنِ الُمنْكَرِ ـ بالحِكْمَةِ والموعظةِ الحسنةِ ـ إِنْ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي ذلك(4). 11- يَنْوِي طَلَبَ النَّضْرَةِ الَمذْكُورَةِ فِي قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا، ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْها»؛ رواه أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (6766). ثُمَّ قَدْ يَفْتَحِ اللهُ عَلَى الُمحَاضِرِ بِنِيَّات صَالِحَةٍ أُخْرَى فَيَتَضَاعَفُ أَجْرُه لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، مُتَّفَقٌ عَلَيه. ثانيًا: النِّيَّاتُ الخَاصَّةُ: 1- تَنْوِي تَعْرِيفَ المُسْلِمِينَ بِمَعْنَى اسْمِ الله (الهَادِي). 2- تَنْوِي حَثَّ المُسْلِمِينَ عَلَى طَلَبِ الهِدَايَةِ مِنَ الله. 3- تَنْوِي حَثَّ المُسْلِمِينَ عَلَى التَّعَبُّدِ لله بِاسْمِهِ (الهَادِي). 4- تَنْوِي لَفْتَ نَظَرِ العِبَادِ إِلَى عَجَائِبِ المَخْلُوقَاتِ وَهِدَايَةِ الله لَهُمْ فِي أُمُورِ مَعَاشِهِم. أولًا: الدِّلاَلاَتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الهَادِي)[7] وَوَرَدَ الهَادِي فِي قَوْلِهِ: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 54]، وَقَوْلِهِ: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 31]، وَرَدَ فِعْلُهُ فِي غَيْرِ مَكَانٍ، وَكَذَلِكَ فِعْلُ المُضِلِّ، وَالآيَاتُ فِي مَعْنَاهُمَا كَثِيرَةٌ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]. وَقَالَ: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 93]، وَقَوْلُهُ: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم: 4]. وَفِي المُوَطَّأ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ هُوَ الهَادِي وَالفَاتِنُ»[8]. وَقَالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: «ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَشْتَقُّونَ الأَفْعَالَ مِنَ الأَسْمَاءِ، وَالأَسْمَاءَ مِنَ الأَفْعَالِ، فَاقْتَدُوا بِهِمْ تُرْشَدُوا، قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُم اللهُ: الهُدَى هُدَيَانِ: هُدَى دَلَالَةٍ وَهُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ الرُّسُلُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]، وَقَالَ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]، فَأَثْبَتَ لَهُمُ الهُدَى الَّذِي مَعْنَاهُ الدَّلَالَةُ وَالدَّعْوَةُ وَالتَّنْبِيهُ. وَتَفَرَّدَ هُوَ سُبْحَانَهُ بِالهُدَى الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْيِيدُ وَالتَّوْفِيقُ وَالعِصْمَةُ، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَقِّ أَبِي طَالِبٍ: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]، فَالهُدَى عَلَى هَذَا يَجِيءُ بِمَعْنَى خَلْقِ الإِيمَانِ فِي القَلْبِ، فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الفِعْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ الحَقُّ: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 5]، لَمْ يَقُلْ: مِنْ أَنْفِسِهِمْ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمِ تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلهِمْ. وَالهُدَى: الاهْتِدَاءُ وَمَعْنَاهَا رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الإِرْشَادِ وَالبَيَانِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ». قَالَ أَبُو المَعَالِي: «وَقَدْ تَرِدُ الِهدَايَةُ وَالمُرَادُ بِهَا إِرْشَادُ المُؤْمِنِينَ إِلَى مَسَالِكِ الجِنَانِ، وَالطُّرُقِ المُفْضِيَةِ إِلَيْهَا. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ المُجَاهِدِينَ: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾ [محمد: 4، 5]. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 23]، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ فِي قِصَّةِ ضِمَادٍ ـ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ» [9]. وَذَكَرَ الحَدِيثَ وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23]. وَقَالَ: ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ﴾ [يس: 66]، يَقُولُ: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَضْلَلْنَاهُمْ عَنِ الهُدَى فَكَيْفَ يَهْتَدُونَ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: أَعْمَيْنَاهُمْ عَنِ الهُدَى، وَعَنْهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 41]، يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللهُ ضَلَالَتَهُ فَلَنْ تُغْنِي عَنْهُ مِنَ الله شَيْئًا». وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرٍو بْنِ مُرَّةٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ المَدَائِنِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]، قَالَ نُورٌ يَقْذِفُهُ فِي الجَوْفِ يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ وَيَنْفَسِحُ. قِيلَ لَهُ: هَلْ لَهُ أَمَارَةٌ يُعْرَفُ بِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ الإِنَابَةُ إِلَى دَارِ الخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ، والاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ مَجِيءِ المَوْتِ وَرُوِيَ هَذَا المَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ غ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ [10] فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي خَلَقَهُ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ فِيهِ الهُدَى بِرَحْمَتِهِ، وَأَضَلَّ مَنْ أَضَلَّ بِعَدْلِهِ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ بِدَوَامِ ذَلِكَ، وَأَنْ يُمِيتَهُ عَلَى الإِسْلَامِ، فَإِنَّ فِي التَّنْزِيلِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24]، وَهَذَا مَوْضِعٌ عَظِيمٌ يَخَافُهُ الرَّجُلُ العَلِيمُ. وَلِذَلِكَ كَانَ يَقُولُ الرَسُولُ صلى الله عليه وسلم: «يَا مُثَبِّتَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ» [11]. ثُمَّ يعْلَمُ أَنَّ لِلأَنْبِيَاءِ وَالعُلَمَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ مَدْخَلًا فِي بَابِ الهِدَايَةِ، وَهُوَ الدُّعَاءُ إِلَى الله تَعَالَى؛ كَمَا قَالَ: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]؛ أَيْ دَلِيلٌ، وَقَالَ: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [فصلت: 17]؛ أَيْ بَيَّنَا لَهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهمْ. وَهَذَا كَمَا فِي الآَيَةِ الأُخْرَى: ﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [هود: 12]، ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المجادلة: 6]، ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ﴾ [الشورى: 48]، فَمَنْ خَلَقَ اللهُ فِي قَلْبِهِ الإِيمَانَ أَجَابَ، وَلَيْسَ يَقْدِرُ رَسُولٌ وَلَا غَيْرُهُ عَلَى هَذَا، قَالَ اللهُ لِنَبِيِّهِ غ فِي حَقِّ أَبِي طَالِبٍ: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]، هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الجَمَاعَةُ مِنْ أَهْلِ المِلَّةِ فَاعْلَمْهُ. فَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]، فَهَذِهِ هِدَايَةٌ عَامَّةُ عَمَّ بِهَا جَمِيعَ الحَيَوَانِ، وَلَوْلَا هِيَ مَا اهْتَدَى الذَّكَرُ لِلْأُنْثَى، وَلَا البَهَائِمُ لِطَلَبِ المَرَاعِي، وَلَا النَّحْلُ لِصَنْعَتِهِ شَكْلَهُ المُسَدَّسَ، وَلَا العَنْكَبُوتُ لِنَسْجِ بَيْتِهِ المُشَبَّكِ، وَتَفْصِيلُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى وَلَيْسَ هُوَ الَمطْلُوبُ فِي شَرْحِ الأَسْمَاءِ [12]. ثانيًا: وُرُودُهُ فِي القُرْآَن ِالكَرِيمِ:[13] وَرَدَ الاسْمُ فِي آَيَتَيْنِ مِنَ الكِتَابِ وَهُمَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 54]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 31]. ثالثًا: مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: «﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾، وَإِنَّ اللَه لَـمُرْشِدُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ إِلَى الحَقِّ القَاصِدِ، وَالحَقِّ الوَاضِحِ[14]. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: وَكَفَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِرَبِّكَ هَادِيًا يِهْدِيَكَ إِلَى الحَقِّ، وَيُبَصِّرُكَ الرُّشْدَ»[15]. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: «(الهَادِي) هُوَ الَّذِي هَدَى خَلْقَهُ إِلَى مِعْرِفَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَهُوَ الَّذِي هَدَى عِبَادَهُ إِلَى صِرَاطِهِ المُسْتَقِيمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25]»[16]. وَقَالَ الزَّجَّاجِيُّ تِلْمِيذُهُ: «اللهُ تعالى (الهَادِي) يَهْدِي عِبَادَهُ إِلَيْهِ، وَيَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ، وَعَلَى سَبِيلِ الخَيْرِ وَالأَعْمَالِ المُقَرِّبَةِ مِنْهُ تعالى»[17]. وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: «(الهَادِي) وَهُوَ الَّذِي مَنَّ بِهُدَاهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ فَخَصَّهُ بِهِدَايَتِهِ، وَأَكْرَمَهُ بِنُورِ تَوْحِيدِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾. وَهُوَ الَّذِي هَدَى سَائِرَ الخَلْقِ مِنَ الحَيَوَانِ إِلَى مَصَالِحهَا، وَأَلْهَمَهَا كَيْفَ تَطْلُبُ الرِّزْقَ، وَكَيْفَ تَتَّقِي المَضَارَّ وَالمَهَالِكَ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]»[18]. وَقَالَ الحُلَيْمِي: «(الهَادِي) وَهُوَ الدَّالُ عَلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ، وَالمُبَيِّنُ لَهَا لِئَلَّا يَزِيغَ العَبْدُ وَيَضِلُّ فَيَقَعُ فِيمَا يُرْدِيهِ وَيُهْلِكُهُ». وَقَالَ البَيْهَقِي: «هُوَ الَّذِي بِهِدَايَتِهِ اهْتَدَى أَهْلُ وَلَايَتِهِ، وَبِهِدَايَتِهِ اهْتَدَى الحَيَوَانُ لِمَا يُصْلِحُهُ، وَاتَّقَى مَا يَضُرُّهُ»[19]. وَقَالَ السَّعْدِيُّ: «(الهَادِي): أَيْ: الَّذِي يَهْدِي وَيُرْشِدُ عِبَادَهُ إِلَى جَمِيعِ المَنَافِعِ وَإِلَى دَفْعِ المَضَارِّ، وَيُعَلِّمُهُمْ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَيَهْدِيهِم لِهدَايَةِ التَّوْفِيقِ والتَّسْدِيدِ، وَيُلْهِمُهُم التَّقْوَى، وَيَجْعَلُ قُلُوبَهُم مُنِيبَةً، إِلَيْهِ مُنْقَادَةً لِأَمْرِهِ»[20]. رابعًا: ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بِهَذَا الاسْمِ: 1- إِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الهَادِي لِعِبَادِهِ، المُبَيِّنُ لَهُمْ طَرِيقَ الحَقِّ وَالإِيمَانِ، بِمَا أَرْسَلَ مِنَ الرُّسُلِ، وَمَا أَنْزَلَ مِنَ الكُتُبِ الَّتِي فِيهَا كَلَامُهُ، وَمَا نَصَبَ مِنَ الدَّلَائِلِ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ. أَمَّا الرُّسُلُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ حُجَجُ الله تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ، اجْتَهَدُوا فِي العَمَلِ عَلَى هِدَايَةِ النَّاسِ لَيْلًا وَنَهَارًا، سِرًّا وَجِهَارًا، بِأَلْطَفِ العِبَارَاتِ، وَأَفْصَحِ الكَلِمَاتِ، وَأَبْلَغِ العِظَاتِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم: 4]. وَكَانَ ذَلِكَ فِي كُلِّ أَمَّةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]. وَقَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ خَاتَمِ المُرْسَلِينَ صلى الله عليه وسلم: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 9]. وَقَالَ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52]، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ المُسْلِمُ مُهْتَدِيًا إِلَّا بِاتِّبَاعِ هَذَا الرَّسُولِ الكَرِيمِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54]. وَاتِّبَاعُ هَدْيِهِ أَحَدُ شَرْطَي قَبُولِ العَمَلِ الصَّالِحِ، وَهُمَا: المُتَابَعَةُ وَالإِخْلَاصُ. وَأَمَّا الكُتُبُ المُنَزَّلَةُ فَقَدْ جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى هِدَايَةً لِلنَّاسِ وَنُورًا، وَفُرْقَانًا تُفَرِّقُ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ وَالخَيْرِ وَالشَّرِّ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]. وَقَالَ عَنْ عِيسَى عليه السلام: ﴿ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 46]. وَقَالَ مُخَاطِبًا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 3، 4]. وَقَالَ تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]. فَهَذِهِ الكُتُبُ هِيَ الدَّلَائِلُ السَّمْعِيَّةُ الهَادِيَةُ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللهُ سُبْحَانَهُ لِهدَايَةِ خَلْقِهِ إِلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ، المُوَصِّلِ إِلَى جَنَّةِ النَّعِيمِ. وَأَمَّا الدَّلَائِلُ الكَوْنِيَّةُ، فَهِيَ مَا خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مِنْ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ شَاهِدَاتٍ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ خَالِقِهَا وَرُبُوبِيَّتِهِ، تَقُودُ المُتَفَكِّرَ فِيهَا لِلْإِيمَانِ، وَتَهْدِيهِ لِلْإِسْلَامِ لِرَبِّ العَالَمِينَ: ﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الجاثية: 3 - 6]. 2- وَاللُه جَلَّ شَأْنُهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ مِنْهَا قَوْلِهِ: ﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 178]. وَقَوْلُهُ: ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ﴾ [الكهف: 17]. وَقَوْلُهُ: ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام: 39]. يتبع |
رد: الهادي جلاله وتقدست أسماؤه
قَالَ الطَّحَاوِي رحمه الله: «يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيَعْصِمُ وَيُعَافِي فَضْلًا، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَخْذِلُ وَيَبْتَلِي عَدْلًا، وَكَلُّهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مَشِيئَتِهِ بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ». وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى المُعْتَزِلَةِ القَائِلِينَ بِوُجُوبِ فِعْلِ الأَصْلَحِ لِلْعَبْدِ عَلَى الله تَعَالَى، وَقَالُوا مَعْنَى الهُدَى مِنَ الله: بَيَانُ طَرِيقِ الصَّوَابِ! وَالإِضْلَالُ: تَسْمِيَةُ العَبْدِ ضَالًّا، وَحُكمُهُ تَعَالَى عَلَى العَبْدِ بِالضَّلَالِ عِنْدَ خَلْقِ العَبْدِ الضَّلَالَ فِي نَفْسِهِ! وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِمُ الفَاسِدِ وَهُوَ: أَنَّ أَفْعَالَ العِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لَهُمْ! لَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَالِقُ العِبَادِ وَأَفْعَالِهمْ، كَمَا هُوَ قُوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الهُدَى مِنَ الله: بَيَانُ طَرِيقِ الصَّوَابِ، لَـمَا نَفَاهُ تَعَالَى عَنْ رَسُولِهِ غ فِي قَوْلِهِ: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]؛ لَأَنَّهُ غ قَدْ بَيَّنَ دَعْوَتَهُ لِمَنْ أَحَبَّ وَأَبْغَضَ. وَمِمَّا يَنْقُضُ قَوْلَهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [السجدة: 13]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [الرعد: 31]. وَقَوْلُهُ: ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام: 39]. وَقَوْلُهُ: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 125]. فَهَذِهِ الآَيَاتُ جَاءَتْ مُقَيَّدَةً بِمَشِيئَةِ الله تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهَا، إِذَا هُوَ لِكُلِّ الخَلْقِ [21]، فَمَنْ هَدَاهُ اللهُ تَعَالَى لِلْإِيمَانِ فَبِفَضْلِهِ وَلَهُ الحَمْدُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ عَنْ أَهْلِ الجَنَّةِ: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43]، وَقَوْلُهُ: ﴿ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ [الصافات: 57]. وَمَنْ أَضَلَّهُ فَبِعَدْلِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]. وَقَالَ: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ﴾ [الزخرف: 76]. وَقَالَ: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: 127]. وَقَالَ: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5]. وَقَالَ: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 3]. وَقَالَ: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر: 28]. 3- وَالِهَدايَةُ أَكْبَرُ نِعْمَةٍ يُنْعِمُ بِهِ (الهَادِي) سُبْحَانَهُ عَلَى عَبْدِهِ، إِذْ كُلُّ نِعْمَةٍ دُونَها زَائِلَةٌ وَمُضْمَحِلَّةٌ، وَبِقَدْرِ هِدَايَتِهِ تَكُونُ سَعَادَتُهُ فِي الدُّنْيَا، وَطِيْبُ عَيْشِهِ وَرَاحَةُ بَالِهِ، وَكَذَا فَوْزُهُ وَدَرَجَتُهُ فِي الآَخِرَةِ. وَالأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِم ـ وَهُمْ أَكْمَلُ النَّاسِ إِيمَانًا وَهِدَايَةً ـ كَانُوا يَسْأَلُونَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَهُمْ، فَهَذَا مُوسَى عليه السلام يَقُولُ: ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [القصص: 22]، وَكَذَا يُوسُفُ عليه السلام قَالَ: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]. وَسُلَيْمَانُ عليه السلام قَالَ: ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19]. وَكَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ رَبَّهُ تَعَالَى الهِدَايَةَ فِي دَعَوَاتِهِ وَصَلاتِهِ، فَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ أَنْتَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» [22]. وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى» [23]. وَقَالَ لِعِلِيٍّ رضي الله عنه: «قُلِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، وَاذْكُرْ بِالهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ سَدادَ السَّهْم» [24]. وَأُمِرَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ بِأَنْ تَسْأَلَ اللهَ تَعَالَى الهِدَايَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاتِهَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7] [25]. وَعَلَّمَ الحَسَنَ بِنْ عَلِيٍّ رضي الله عنهما أَنْ يَقُولَ فِي قُنُوتِ الوَتْرِ «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيتَ...»[26]. اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَعْطَيْتَنَا الإِسْلَامَ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَسْأَلَكَ فَلَا تَحْرِمْنَا الجَنَّةَ وَنَحْنُ نَسْأَلُكَ يَا هَادِي يَا كَرِيمُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. 4- اللهُ ـ هَادٍ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ هَدَى جَمِيعَ الأَحْيَاءِ إِلَى جَلْبِ مَصَالِحهَا وَدَفْعِ مَضَارِّهَا، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]، وَقَالَ: ﴿ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [الأعلى: 3]. فَقَدْ هَدَى كُلَّ مَخْلُوقٍ إِلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي قَضَاءِ حَاجَاتِهِ، فَهَدَى الطِّفْلَ إِلَى الْتِقَامِ الثَّدْيِ عِنْدَ انْفِصَالِهِ، وَالفَرْخَ إِلَى الْتِقَاطِ الحَبِّ وَقْتَ خُرُوجِهِ، وَالنَّحْلَ إِلَى بِنَاءِ بَيْتِهِ عَلَى شَكْلِ التَّسْدِيسِ، لِكَوْنِهِ أَوْفَقَ الأَشْكَالِ لِبَدَنِهِ، وَأَحْوَاهَا وَأَبْعَدَهَا عَلَى أَنْ يَتَخَلَّلَهَا فُرَجٌ ضَائِعَةٌ وَشَرْحُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ»[27]. ======================================== [1] رَوَى مسلمٌ عن أبي هريرةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: «ما اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بيتٍ مِنْ بِيوتِ الله، يَتْلُونَ كِتابَ الله ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلا نزلتْ عَليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُم الملائكةُ، وَذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». [2] َروَى الإمامُ أَحمدُ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في صحيحِ الجامعِ (5507) عن أنسِ بنِ مالكٍ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا اجْتَمَعَ قَومٌ عَلَى ذِكْرٍ، فَتَفَرَّقُوا عنه إلا قِيلَ لَهُمْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُم»، ومَجَالِسُ الذِّكْرِ هِيَ المجالسُ التي تُذَكِّرُ بِالله وبآياتهِ وأحكامِ شرعهِ ونحو ذلك. [3] في الصحيحين عن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ غَدَا إلى المسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللهُ له في الجنةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ». وفي صحيح مُسْلِمٍ عَنْه أيضًا أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَطَهَّرَ في بيتهِ ثُمَّ مَضَى إلى بيتٍ مِنْ بيوتِ الله لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ الله كانتْ خُطُواتُه: إِحدَاها تَحطُّ خَطِيئَةً، والأُخْرَى تَرْفَعُ دَرجةً». [4] رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ في صَلَاةٍ مَا دَامَتِ الصلاةُ تَحْبِسُه، لا يَمْنَعُه أَنْ يَنْقَلِبَ إِلى أهلهِ إلا الصلاةُ». ورَوَى البُخَاريُّ عَنه أنَّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الملائكةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكم مَا دامَ فِي مُصَلَّاهُ الذي صَلَّى فيه، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهُمَّ ارْحَمْه». [5]، (4) رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ عَنْ سَهْل بْنِ سَعْدٍ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لعلي بنِ أبي طالبٍ: «فوالله لأنْ يَهْدِي اللهُ بك رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النِّعَمِ». رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إلى هُدَى كَانَ لَه مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَه، لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهم شيئًا». [6] رَوَى التِّرْمِذِيُّ وصحَّحَه الألبانيُّ عن أبي أمامةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللهَ وملائكتَه، حتى النملةَ فِي جُحْرِها، وحتى الحوتَ في البحرِ لَيُصَلُّون عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخيرَ»، وَصلاةُ الملائكةِ الاسْتِغْفَارُ. [7] أسماء الله الحسنى لابن القيم ـ جمعها ورتبها عماد البارودي (423). [8] أخرجه مالك في الموطأ (1729) بسند صحيح. [9] صحيح: أخرجه مسلم (868) في الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة. [10] الأسنى في شرح الأسماء الحسنى للقرطبي (1/379). [11] صحيح. [12] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/383). [13] النهج الأسمى (2/270-278). [14] جامع البيان (17/134). [15] المصدر السابق (19/8). [16] تفسير الأسماء (ص: 64). [17] اشتقاق الأسماء (ص: 187). [18] شأن الدعاء (ص: 95-96). [19] الاعتقاد (ص: 66). [20] تيسير الكريم الرحمن (5/305). [21] وانظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص: 155-156) ط المكتب الإسلامي. فالهداية إذن هدايتان: هداية إرشاد وبيان: وهي التي يملكها الرسل وأتباعهم والتي ذكرها الله تعالى بقوله: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [فصلت: 17]، وهداية توفيق: وهي التي بيد الله تعالى شأنه. [22] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/534). [23] أخرجه مسلم في الذكر (4/2087) من حديث ابن مسعود ت. [24] أخرجه مسلم في الذكر (4/2090). ومعنى (واذكر بالهدى...) أي: تذكر ذلك في حال دعائك بهذين اللفظين؛ لأن هادي الطريق لا يزيغ عنه، ومسدد السهم يحرص على تقويمه، ولا يستقيم رميه حتى يقومه، وكذا الداعي ينبغي أن يحرص على تسديد علمه وتقويمه ولزومه السنة، وقيل: ليتذكر بهذا لفظ السداد والهدى، لئلا ينساه (نووي). [25] قال العلامة المحقق ابن القيم /: «ولما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجل المطالب، ونيله أشرف المواهب: علم الله عباده كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه وتمجيده، ثم ذكر عبوديتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم: توسل إليه بأسمائه وصفاته، وتوسل إليه بعبوديته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يُرَدُّ معهما الدعاء، ويؤديهما الوسيلتان المذكورتان في حديثي الاسم الأعظم اللذين رواهما ابن حبان في صحيحه والإمام أحمد والترمذي: أحدهما: حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو ويقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال: «والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» فهذا توسل إلى الله بتوحيده، شهادة الداعي له بالوحدانية، وثبوت صفاته المدلول عليها باسم (الصمد) وبنفي التمثيل والتشبيه عنه بقوله: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4]، وهذه ترجمة عقيدة أهل السنة، والتوسل بالإيمان بذلك والشاهدة به هو الاسم الأعظم. والثاني: حديث أنس «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يدعو: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال: «لقد سأل الله باسمه الأعظم» فهذا توسل إليه بأسمائه وصفاته. وقد جمعت الفاتحة الوسيلتين، وهما التوسل بالحمد والثناء عليه وتمجيده، والتوسل إليه بعبوديته وتوحيده، ثم جاء سؤال أهم المطالب، وأنجح الرغائب وهو (الهداية) بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيق بالإجابة» اهـ، مختصرًا من مدارج السالكين (1/23-24). [26] حديث صحيح: أخرجه أحمد (1/199، 200)، وأبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي (3/248)، وابن ماجه (1178)، والدارمي (1/373-374)، وابن الجارود (ص: 142)، والحاكم (3/172)، والبيهقي (2/209) من طرق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء السعدي عن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر ـ وفي رواية: في قنوت الوتر ـ فذكره. قال الترمذي: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي، واسمه: ربيعة بن شيبان. قلت: وهو تابعي ثقة، ووقع اسمه في بعض المصادر: أبو الجوزاء، وهو تصحيف. وبريد ابن أبي مريم ثقة أيضًا. وقول الترمذي: «لا نعرفه إلا من هذا الوجه» هو بحسب ما وقف عليه، وإلا فقد جاء من وجه آخر، فقد أخرجه النسائي (3/248) عن عبد الله بن على بن الحسن مرفوعًا به. وعبد الله بن على: هو ابن الحسين بن على بن أبي طالب لم يدرك الحسن، انظر: التهذيب (5/325). [27] المقصد الأسنى (ص: 93)، وراجع قصصًا في هذا الموضوع في: عجائب خلق الله، انظر حولك، ومهلًا أيها المنكر، في هذه الموسوعة. |
الساعة الآن : 07:51 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour