ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   هل الموت نعمة؟! (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=311833)

ابوالوليد المسلم 15-02-2025 01:20 PM

هل الموت نعمة؟!
 
هل الموت نعمة؟!

د. محمد بن علي بن جميل المطري

في سورة النحل التي يسميها بعض العلماء (سورة النِّعم) ذكر الله فيها نِعَمًا كثيرة يُذكِّر بها عباده ليشكروه، وذكر نعمة عجيبة جدًّا في سياق سرد بعض نِعمه على عباده؛ قال الله سبحانه في مقطع من مقاطع السورة: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل: 64]، فذكر نعمة القرآن التي هي أعظم النعم على الإطلاق؛ ثم قال: ﴿ وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ [النحل: 65]، فذكر نعمة الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي؛ ثم قال: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾ [النحل: 66]، ثم ذكر نعمة ثمرات النخيل والأعناب، ثم ذكر نعمة العسل الذي فيه شراب وشفاء للناس؛ ثم قال بعد ذلك: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ﴾ [النحل: 70]، ذكر نعمة الخلق ونعمة الوفاة، فالله العليم القدير أنعم على عباده بالحياة، وأنعم عليهم بالوفاة، ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، فالموت نعمة للعبد المؤمن، يتوفَّاه الله وينقله من الدنيا، وما فيها من تعب ومشقة إلى رحمته، والله أرحم بعباده المؤمنين من آبائهم وأمهاتهم؛ وكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في آخر حياته حين انصرف من الحج: ((اللهم كبِرت سِنِّي، وضعُفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مفرِّط))، فقبضه الله بعد هذا الدعاء بأيام قليلة، تخيل لو أن عمر رضي الله عنه ما زال حيًّا إلى يومنا هذا، فستكون حياته مشقة عظيمة عليه، لكن توفاه الله إلى رحمته، وتخيل لو أن أجدادنا ما زالوا أحياء إلى يومنا هذا، فإن في ذلك مشقة عظيمة عليهم وعلى من حولهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴾ [يس: 68].

فمن النِّعم على العبد المؤمن نعمة الوفاة، ينتقل بالموت من دار العناء والفناء إلى دار النعيم والبقاء، فقد جعل الله الدنيا دار كبَدٍ ومشقة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4]، وقال سبحانه: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾ [الروم: 54]؛ وكما قال الشاعر:
إنَّ الثَّمَانِينَ وَبُلِّغْتَها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قَدْ أَحْوَجَتْ سَمْعِي إِلى تَرْجُمَانِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فالكبير تضعف قواه، ويضعف سمعه وبصره وعقله؛ وقال الشاعر الحكيم زهير بن أبي سُلمى:
سَئِمْتُ تَكَالِيْفَ الحَيَاةِ ومَنْ يَعِشْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ثَمَانِينَ حَوْلًا - لا أَبَا لكَ - يَسْأَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فمن نِعم الله على عباده أنه يتوفَّاهم، وجعل لهم الأرض فِراشًا في حياتهم، وسَترًا بعد موتهم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾ [المرسلات: 25، 26]، وقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ [عبس: 21].

ولا شكَّ أن الموت مصيبةٌ كبيرةٌ للناس في خاصتهم، ويحزن الإنسان لموت أقاربه وأحبابه وأصدقائه، ولكنه رحمة وحكمة بالنسبة لتقدير الله الحكيم، وهو خير للبشرية التي جعلها الله خلائف في الأرض، يخلف بعضهم بعضًا؛ ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، والموت خير للمؤمن الراضي بقضاء الله وقدره: ((مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ))، يقول الله سبحانه: ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 198]، وفي الحديث الصحيح: ((العَبْدُ المؤمِنُ يَسْتريحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيا وأذَاهَا إلى رحمة الله عَزَّ وجَلَّ، وَالعبدُ الفَاجِرُ يَسْتريحُ مِنْهُ العِبَادُ، وَالبِلادُ، والشَّجَرُ، وَالدَّوَابُّ)).

فالحمد لله على نعمة الحياة، والحمد لله على نعمة الوفاة، ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: ((الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ))، وكان يقول: ((بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا))، وآخر ما قال عليه الصلاة والسلام قبل موته: ((فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى))؛ إشارة إلى قول الله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].



الساعة الآن : 03:18 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 9.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 9.40 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.99%)]