أثر العربية في نهضة الأمة
أثر العربية في نهضة الأمة (1) كتبه/ ساري مراجع الصنقري فقد رأيتُ أن أكون في مقالاتي هذه منصفًا، غير متعصب لرأي أو فكرة، حتى إن كنت مدافعًا عن العربية، متحمسًا لها. وأحببتُ أن يكون حوارًا مشتركًا بين جميع أبناء الأمة: أولًا: المهتمون بقضايا اللغة العربية، من: أساتذة، ونقاد، وأدباء، ومفكرين، ومثقفين، وغيرهم. ثانيًا: القائمون على اتخاذ القرار في بلادنا العربية. ثالثًا: الجيل الناشئ، وهو جيل يقع بين المطرقة والسندان، فهناك من يناديه بضرورة أن تكون العربية أصلًا في ثقافته وتفكيره، وهناك مَن يعزم على أن يتخذ القرار بأن يجعلها في هامش دراسته ومنهج حياته. رابعًا: القائمون في بلادنا العربية على وسائل الإعلام، وكتابة الجرائد والمجلات، والكتابة في المواقع الإخبارية، وغيرها، بشتى أنواعها. خامسًا: عامة الخاصة، أو أنصاف المثقفين، وهم فريقان: فريق يعترف بعدم نضج ثقافته وفكره، وأنه في حاجة دائمة إلى البحث والقراءة والتعلم حتى يصل إلى أوج النضج الثقافي والمعرفي، مع قناعته واعتقاده بأنه لا بد له من أن يكون مع المحبرة إلى المقبرة، وهذا فريق ممدوح. وفريق آخر يوهم نفسه والآخرين بأنه وصل إلى أوج النضج الثقافي والمعرفي مع أنه لا يزال يحبو في أول الطريق، فيظل يحبو حتى يأخذ نصف العلم ويترك النصف الآخر، ومن ثم يكتفي بما قرأ وبحث وتعلم، وبعد ذلك يتعالم ويدعي المعرفة الناضجة، وهذا فريق مذموم. سادسًا: عامة الناس ودهماؤهم. وكي نضع أيدينا على الجرح، ونتلمس له الشفاء، ولا شافي إلا الله -سبحانه-، ينبغي على الجميع -وذكرنا أنه حوار مشترك- أن يجيبوا عن الأسئلة الآتية: السؤال الأول: هل يدرك الجميع مدى أهمية اللغة العربية الفصحى في دراسة ماضينا، ومعايشة حاضرنا، ونهضة مستقبلنا؟ السؤال الثاني: هل من بيننا من عنده الوعي الكافي بأهمية الفصحى، كي يداوي الجروح، ويبث فينا الروح؟ السؤال الثالث: هل يتفق الجميع على ضرورة وضع العربية الفصحى في مكانها المناسب لها؛ لتحقيق الغاية المأمولة منها في نهضة الأمة، وجمع شتاتها، وإحياء رفاتها؟ السؤال الرابع: هل تمثل العربية -في نظرنا- الحبل المتين، الذي يصل بين أبناء الأمة العربية، مهما اختلفت أماكنهم ومذاهبهم؟ السؤال الخامس: هل احتاجت الأمة العربية إلى العربية الفصحى كي يستمر التواصل اللغوي بين أبنائها، من القديم إلى الحديث؟ السؤال السادس: هل هذا الثبات اللغوي للغة العربية الفصحى بين لغات العالم -والذي يستعصي على قانون تطور جميع اللغات- بمثابة علامة فارقة لها، أو هو سوء يعتريها؟ السؤال السابع: إن كان ثباتها يميزها عن سائر اللغات، فهل يليق بنا أن نتنازل عنها؟ السؤال الثامن: هل دخولنا اللغة العربية يستلزم خروجنا من اللغات الأخرى، وإيماننا بها يوجب الكفر بغيرها، فكأنه لا يستقيم لنا الجمع بين لغتين وأدبين؟ السؤال التاسع: هل اللغة العربية في خطر في ظل تأثير متغيرات الحداثة والعولمة، وبناءً عليه يجب حمايتها وتعريب الحياة الفكرية والثقافية في العالم العربي؟ السؤال العاشر: ما مظاهر ضعف اللغة العربية بين أبنائها، وما الأسباب التي أدت بهم إلى هذا العجز، وما علاج هذا الوهن؟ فلا شك أن الجواب عن هذه الأسئلة، بإنصاف وصدق، يؤدي بنا إلى استكشاف الموضوع من جميع زواياه، واستدراجه من مكامنه، وإظهار معضلاته وخباياه، مما يصل بنا إلى نتائج مقنعة، تعيننا على إيجاد الحلول الوافية، واتخاذ الأدوية الشافية. وإلى اللقاء في المقال القادم -إن شاء الله-. ونسأل الله -جل في علاه- أن يلهمنا الرشد والصواب. |
رد: أثر العربية في نهضة الأمة
أثر العربية في نهضة الأمة (2) كتبه/ ساري مراجع الصنقري فقد اتفقنا -في المقال السابق- على أننا كي نضعَ أيديَنا على الجرح، ونتلمَّسَ له الشفاء ينبغي على الجميع أن يجيبوا عن عشرةِ أسئلةٍ ذكرناها في المقال الماضي، وذكرنا أن الجواب عن هذه الأسئلة -بإنصافٍ وصدقٍ- يؤدي بنا إلى استكشاف الموضوع مِن جميع زواياه، واستدراجه مِن مكامنه، وإظهار معضلاته وخباياه، ممّا يصل بنا إلى نتائجَ مُقنِعةٍ، تعيننا على إيجاد الحلول الوافية، واتخاذ الأدوية الشافية. ولَن نَفتأَ نؤكد على الحوار المشترك، والمسؤولية المشتركة، فنحن في زمنٍ لَم يَعُدْ للعمل الفردي فيه مكان. وقد يظن الكثيرون أيضًا: أنّ مسؤولية النُّهُوض بحال الأمة، وإيقاظها مِن سُباتها، وتجديد حيويتها، من خلال تفعيل أثر العربية فيها، هي مسؤوليَّةٌ مَنوطةٌ بالمتخصصين فقط! فهذا ظَنٌّ خاطِئٌ، إذْ أنّ المَسؤوليَّةَ مُشتركةٌ، مسؤوليَّةُ أُممٍ، مسؤوليَّةُ دُولٍ، مسؤوليَّةُ مُجتمعاتٍ، مسؤوليَّةُ هَيئاتٍ ومُؤسَّساتٍ، مسؤوليَّةُ أفرادٍ؛ فهي ماكينةٌ لو تعطَّل تُرْسٌ مِن تُروسِها عن أداء وظيفته لَتعطَّلَت الماكينةُ عن العمل. وفي الوقت نَفْسِه نلومُ على كثيرٍ من المتخصصين: الذين لا يزالون يعيشون في كُهوفٍ ضيِّقةٍ، لا يتعاملون فيها إلا مع عِلمَي النَّحو والصَّرف، فحصروا القضية في هذين العِلمَين فقط، حتى اعتقد أكثرُنا أنهم لو عالجوا مُشكِلَتي النحو والصرف لَصارت لُغتُنا الفصحى في الأمان، ولَأصبحنا قادرين بها على النُّهُوض، ولَأخذنا مكان الصَّدارة بين ثقافات الْأُمَم! فينبغي لك أن تَعْلَمَ -أيُّها العزيزُ الكريمُ- أنّ اللُّغةَ العربيَّةَ لُغةُ حياةٍ، لُغةٌ شاملةٌ، لُغةُ اقتصادٍ، لُغةُ سياسةٍ، لُغةُ اجتماعٍ، لُغةُ تاريخٍ، لُغةُ طِبٍّ، لُغةُ هندسةٍ، وغيرها من فروع المعرفة، فنستطيعُ أن نقولَ: إنّ أثرَ اللُّغةِ العربيَّةِ أثرٌ جوهريٌّ جدًّا في تحقيق ثقافة التَّكامُل المَعرفي. فقرارُ التَّمسُّك باللغة والعمل على تفعيل أثرها في نهضات الأمم قرارٌ يتلازمُ تلازمًا وُجُودِيًّا مع دراسة ماضيها، ومُعايشة حاضرها، واستشراف مستقبلها. وهذا ما رأيناه مِن اليابانيِّين لمّا هُزموا في الحرب العالمية الثانية، فقد استكانوا للشروط التي فرضها عليهم الأمريكيُّون؛ مِثل: تغيير الدُّستور، وحلّ الجيش، ونزع السلاح، ولكنهم تمسَّكوا بلُغتِهم القومية ورفضوا التَّخلِّي عنها، وجعلوها لُغتَهم في حياتهم العِلْميَّة والعَمَليَّة. وكذلك فعل اليابانيُّون أَنْفُسُهم مع الكُوريِّين لمّا وقعت كوريا تحت احتلال اليابان، فقد فرض اليابانيُّون لُغتَهم على الكوريِّين، ولكن لمّا تَحرَّر الكوريُّون مِن احتلال اليابانيِّين -بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية- جعلوا لُغتَهم هي اللغة الرَّسمية لهم، وصارت أساسًا في تنمية بلادهم. ونَلتقي في المقال القادم -بإذن الله-. واللهُ المُستعان. |
رد: أثر العربية في نهضة الأمة
أثر العربية في نهضة الأمة (3) كتبه/ ساري مراجع الصنقري فما أُحِبُّ أن تكونَ مقالاتي في هذا الشّأنِ بمثابةِ الضَّربِ في حديدٍ باردٍ، فتمر همساتي وصرخاتي على سمعِ كثيرٍ مِن القُرّاءِ مُرورَ الكِرَام، وتجد أحسنَهم حالًا هو مَن يكتفي بأن يُمصمِصَ شفتَيه تأسُّفًا على حالِ أُمَّةٍ لا تَعرفُ قدرَ لُغتِها، ولا تُبالِي بأمرِها! مع أنّ تَقدُّمَ الأُممِ وتَخلُّفَها، ونهضتَها وانحدارَها، يُقاسُ بمستوى ثقافتِها، الذي يُقاسُ بمستوى لُغتِها بين أبنائِها، ومدى تأثيرِها في ثقافاتِ الأُممِ الأخرى. فاللُّغةُ ظاهرةٌ صوتيَّةٌ لا تَحيا إلا بالاستعمال، ولا تُؤخَذُ إلا سَماعًا، فلا نستطيعُ أن نتعلَّمَها مِن الرُّمُوزِ الكتابيَّةِ من غير أن ننطقَها ونُفعِّلَ أثرَها في مجالات الحياة. وهذا ما فعله الكيانُ اللَّقِيطُ، الذي تمكَّن من إحياء لُغتِه العِبريَّة؛ التي كان لا يستعملها إلا الحاخاماتُ في معابدِهم، والمُتخصِّصون في معاهدِهم، وقد خالفوا في ذلك معطيات علوم اللِّسانيّات، التي يؤمن أصحابُها بأنّ اللُّغاتِ الأُمَّ كاللاتينية والسّامية لا يمكن إعادتها إلى الحياة. فأعَدُّوا لِلُغتِهم ما استطاعوا مِن سُبُلِ الحياة، وحرَّمُوا التَّدريسَ بغير العِبريَّةِ في جامعاتِهم ومعاهدِهم العِلْميَّة، مع إقامة المراكز البحثية، وتوفير الدَّعم اللازم للباحثين والدّارسين، بما يضمن لهم صياغة القواميس والمعاجم اللُّغويَّة، التي تُحقِّقُ لهم تَمايُزَ هُوِيَّتِهم اللِّسانيَّة، وتُؤرِّخُ لهم وُجُودَهم في التّاريخ القديم. وأيضًا لا يخفى على أحدٍ كم مارست الدول الاستعمارية مِن ضُغُوطٍ على الدول العربية: لِمنعِ تعريبِ العُلُوم، ولِنشرِ اللُّغاتِ الأجنبيَّةِ وتدريسِها في المدارس، ولِإنشاءِ مدارسَ أجنبيَّةٍ خالصةٍ تُدرَّسُ فيها جميعُ العُلُومِ باللُّغاتِ الأجنبيَّة. وذلك لِتحقيقِ هدفَين: الأوَّل: الإبقاء على لُغاتِها وثقافاتِها حيَّةً في بلادِنا العربيَّة. والثّاني: أن تظل الدول العربية ضعيفةً مُشَتَّتَةً، وسُوقًا لِمُنتجاتِها، ومَورِدًا لِمَوادِّها الأوَّليَّة. قال الوزير الأوَّل التُّونسي الأسبق محمد مزالي (1925م - 2010م)، الذي عُزِلَ مِن مَنصبِه بسبب إقدامِه على تعريبِ التَّعليمِ الابتدائيِّ والإعداديّ، وقد عاتبه الرَّئيسُ التُّونسي الرّاحل الحبيب بورقيبة (1903م - 2000م) يومَ عزلِه قائلًا: (لماذا عرَّبتَ التَّعليمَ يا سي محمد، أَلَمْ أَقُلْ لك لا تُعرِّب؟!). قال محمد مزالي في دراستِه "في التَّعريبِ وإشكالاتِه"، وانظر كتابَه "نصيبي مِن الحقيقة": (إنّ قضيَّةَ التَّعريبِ تبقى مُرتبطةً بمصيرنا جميعًا كَأُمَّةٍ تُريدُ أن يكونَ لها وزنُها بين الأُمَمِ في خِضَمِّ هذه العَولَمةِ الكاسحة. وإذا لَم نَجزِمْ أمرَنا ونُوحِّدْ مناهجَنا، وتَقِفْ مُؤسَّساتُنا التَّربويَّةُ والثَّقافيَّةُ مَوقِفًا واضحًا مِن قضيَّةِ التَّعريبِ، بحيث تَحُلُّ لُغتُنا المَحَلَّ الأوفى في جميع مجالاتِ نشاطِنا، أُسْوَةً بجميع دول العالم التي تُدرِّسُ كُلَّ العُلُومِ بِلُغاتِها القوميَّة؛ مثل: اليابان والبلدان الإسكندنافيَّة، على تواضع حجمها، وغيرها مِن الأُمَمِ التي أصبحت في المقدمة صناعيًّا وتكنولوجيًّا، فإنِّي أخشى أن نبقى دائمًا في آخر القافلة) (انتهى). وإلى اللِّقاءِ في المقالِ القادمِ -إذا أراد الله-. واللهُ المُوفِّق. |
الساعة الآن : 09:41 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour