ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير قوله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين...} (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=315038)

ابوالوليد المسلم 07-06-2025 11:15 AM

تفسير قوله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين...}
 
تفسير قوله تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ... ﴾

سعيد مصطفى دياب

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ139، 140].

هَذَا الكلامُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَعْزِيَةٌ لرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم عَلَى مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، يقول لهم: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾؛ يعني: لَا تَضْعُفُوا، وَالْوَهَنُ: الضَّعْفُ، وَلَا تَحْزَنُوا فَتَجْزَعُوا عَلَى الْهَزِيمَةِ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ.

ثم بشَّرهم بالظَّفَرِ والنَّصْرِ على أعدائهم إذا ثبتوا عَلَى الْإِيمَانِ، حتى لا يضْعُفَ يَقِينُهُم ولا تفت الهزيمة في عضدهم؛ فقال: ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.

وعلَّق الله تعالى النصر والغلبة على اشتراط الإيمان مع علمه بإيمانهم، لينفي عنهم الجزع، ويثير غيرتهم على الدين.

﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ﴾: يُسلي الله تعالى المؤمنين عَمَّا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْهَزِيمَةِ بِأَنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ، فإِنْ يَقْتُلُوا مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَدْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وشبَّه الله تعالى الْهَزِيمَةَ التي أصابتهم بِالْقَرْحِ الذي يُصِيبُ الْبدنَ، لأنَّ الْهَزِيمَةَ ثُلْمَةٌ في بدن الأمة يشعر بألمها ومرارتها كل مسلم.

﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾: إِشَارَةٌ إِلَى أَيَّامِ الْوَقَائِعِ التي بين أهل الإيمان والكفر، تَكُونُ لهؤلاء تارة، وعَلَى هؤلاء أخرى وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، فيَنْصُرُ اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ تَارَةً، وَيَنْصُرُ الْكَافِرِينَ أُخْرَى، لحكمته البالغة.

وَالْمُدَاوَلَةُ نَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى آخَرَ، يُقَالُ: تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي إِذَا تَنَاقَلَتْهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ﴾ [الْحَشْرِ: 7]؛ أَي: يَتَدَاوَلُونَهَا بينهم وَلَا يَجْعَلُونَ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهَا نَصِيبًا.

﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾؛ أَي: لِيَظْهَرَ فِي الْوُجُودِ إِيمَانُ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْكَافِرِ، وَيتمَيَّزَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَأَسْنَدَ ذَلِكَ إِلَى نَفْسِهِ تشريفًا للْمُؤْمِنِينَ.

﴿ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾: يعني: لما نالهم من الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهِ، فَيُكْرِمُهُمْ بِالشَّهَادَةِ، أَوْ يجعلهم شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾؛ أي: الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ رَبَّهُمْ، قال ابْنُ إِسْحَاقَ: أَيِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمُ الطَّاعَةَ وَقُلُوبُهُمْ مُصِرَّةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.

الأساليب البلاغية:
من الأساليب البلاغية في الآية: الطِّبَاقُ فِي: ﴿ وَلَا تَهِنُوا ﴾، و﴿ الْأَعْلَوْنَ ﴾؛ لأَنَّ الْوَهَنَ وَالْعُلُوَّ ضِدَّانِ، وفي: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، و﴿ الظَّالِمِينَ ﴾؛ لِأَنَّ المرادَ بالظَّالِمِينَ هُنَا الْكُفارُ.

والالتفاتُ مِنَ الحضورِ إلى الغيبةِ في قولِهِ: ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، وقبلها: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾، وفائدته: التنويه بفضل الجهاد وعظيم منزلته عن الله تعالى.

وَالتخصيصُ فِي قولِهِ: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾، تنفيرًا للناس عن الظلم.

ووضعُ الظاهرِ موضعَ المضْمَرِ في قول: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾، لما للفظ الجلالة من الهيبة في النفوس.









الساعة الآن : 05:31 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 8.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 8.41 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.10%)]