ما أعظم ملك الله وقدرته!
ما أعظم ملك الله وقدرته! ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 120]. د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي تمهيد: إنّ مِن أجلِّ النعم على الإنسان أن يدركَ تمام الإدراك قدرة الله وعَظَمَته، وأنه سبحانه لا إله غيره ولا رب سواه؛ مالك الملك المتصرف في كونه وكل ما فيه علويه، وسفليه، وما بينهما تحت قدرته ومشيئته ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن جلّ جلاله، ومن أنعمَ الله عليه بهذه النعمة ووقرَت في صميم قلبه وأعماق وجدانه، فقد نال خيرًاكثيرًافي الدنيا والآخرة، وكانت سبيلًاومرشدًالعبادة الله تعالى باتباع شرعه والالتزام به أمرًاونهياً. توجد في القرآن الكريم سبع عشرة آية مشابهة للآية موضوع المقال، جاءت في سياقات مختلفة، ومضامين متنوعة، ولتحقيق الفائدة للقارئ الكريم سأعرضها للعلم بها، وهي: الأولى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 107]. الثانية: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 189]. الثالثة: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 17]. الرابعة: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [المائدة: 18]. الخامسة: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 40]. السادسة: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [الأعراف: 158]. السابعة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة: 116]. الثامنة: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ [النور: 42]. التاسعة: ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]. العاشرة: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزمر: 44]. الحادية عشر: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾ [الشورى: 49]. الثانية عشر: ﴿ وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزخرف: 85]. الثالثة عشر: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الجاثية: 27]. الرابعة عشر: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفتح: 14]. الخامسة عشر: ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الحديد: 2]. السادسة عشر:﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [الحديد: 5]. السابعة عشر: ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [البروج: 9]. وهذه الآيات الكريمات في مجملها جاءت مؤكدة لعظمة الله تعالى وقدرته، وأن كل شيء في الكون تحت قهره وسلطانه، لا يَعْزُب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك، وصدق الله العظيم: ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 3]. قال القاسمي رحمه الله: "أي: لا يغيب عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ، وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ؛ أي: فالجميع مندرج تحت علمه، فلا يخفى عليه شيء وإن تناهى في الصغر، فالعظام وأجزاء البدن، وإن تلاشت وتفرّقت وتمزّقت، فهو عالم أين ذهبت وأين تفرّقت، ثم يعيدها كما بدأها أول مرة، لسعة علمه وعظم قدرته، جلّ شأنه"[1]. أقوال العلماء في تفسير الآية موضوع المقال: قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 120] أي: هو الخالق للأشياء، المالك لها، المتصرف فيها القادر عليها، فالجميع ملكه وتحت قهره وقدرته وفي مشيئته، فلا نظير له ولا وزير، ولا عديل، ولا والد ولا ولد ولا صاحبة، فلا إله غيره ولا رب سواه"[2]. وقال الطنطاوي رحمه الله في تفسيره الوسيط: "لله تعالى وحده دون أحد سواه الملك الكامل للسموات وللأرض ولما فيهن من كل كائن، وهو سبحانه على كل شيء قدير لا يعجزه أمر أراده، ومن زعم أن له شريكًاسواء أكان هذا الشريك عيسى، أم أمه، أم غيرهما فقد أعظم الفِرية، وكان مستحقًالخزي الدنيا، وعذاب الآخرة"[3]. الملامح التربوية المستنبطة من الآية موضوع المقال: أولاً: تُنبه الآية الكريمة في مبدأيها إلى تعظيم الله تعالى لنفسه سبحانه: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ﴾ [المائدة: 120]. وهو تعظيم مستحق له عز وجل، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد، القادر المتصرف وحده دون سواه في السماوات والأرض وما بينهما، فلا يعجزه شيء فيها وما بينهما بتاتًاالبتة، فإظهار التعظيم من الخالق لنفسه سبحانه أمر طبيعي ومستحق له كامل الاستحقاق، فالواجب على العبد أن يعتني بتعظيم الله تعالي وتقديره، وإذا كان القرآن الكريم حكى تعظيم شعائر الله، ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، أوليس الذي أوجب هذه الشعائر أولى بالتعظيم والتقدير، بل يكون ذلك من أعظم الأولويات وأوجب الواجبات. ثانياً: لما أظهر الله تعالى لنفسه التعظيم، جاء القرآن الكريم منوهًاإلى غفلة أكثر الناس عنه، قال تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [نوح: 13]. قال البغوي رحمه الله: "قال سعيد بن جبير رحمه الله: مالكم لا تعظمون الله حق عظمته، وقال الحسن البصري رحمه الله: لا تعرفون لله حقًاولا تشكرون لله نعمة"[4]. وقال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]. قال ابن باز رحمه الله: "الآية عامّة، تَعمّ قريشًا وغيرهم، كل مَن قال هذه المقالة: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 91] تَعمّ جميع الكفرة الذين قالوا هذه المقالة من قريشٍ وغيرهم، ما عظَّموا الله حقَّ تعظيمه، وما قدروه حقَّ قدره إذ اتَّهموه بأنَّه أهمل الناس، وترك الناسَ على ضلالهم وعماهم من غير رسلٍ ولا كتبٍ، بل هذا من ظن السّوء"[5]. ثالثاً: إن تعظيمَ الله تعالى من صميم توحيده والإخلاص له، ولكن لا ينسحب هذا التعظيم على المخلوق، فليس للمخلوق أن يعظم نفسه، وقد نهت الشريعة عن ذلك، قال تعالى: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32]. قال الشوكاني رحمه الله: "أي: لا تمدحوها ولا تبرئوها عن الآثام ولا تثنوا عليها، فإنّ ترك تزكية النفس أبعد من الرياء، وأقرب إلى الخشوع"[6]. رابعاً: هناك تفصيل مهم حول تزكية النفس، بين مذموم ومحبوب؛ بينه النووي رحمه الله بقوله: "اعلم أن ذكرَ محاسن النفس ضربان: مذموم؛ ومحبوب، فالمذمومُ؛ أن يذكرَه للافتخار وإظهار الارتفاع والتميّز على الأقران وشبه ذلك، والمحبوبُ؛ أن يكونَ فيه مصلحة دينية، وذلك بأن يكون آمرًابمعروف، أو ناهيًاعن منكر، أو ناصحاً، أو مشيرًابمصلحة، أو معلماً، أو مؤدباً، أو واعظاً، أو مذكِّراً، أو مُصلحًابين اثنين، أو يَدفعُ عن نفسه شرّاً، أو نحو ذلك، فيذكر محاسنَه ناويًابذلك أن يكون هذا أقربَ إلى قَبول قوله واعتماد ما يذكُره"[7]. خامساً: هناك فائدة مهمة نبه إليها ابن عثيمين رحمه الله: وهي: "عدم جواز قول عبارة: "إنه على ما يشاء قدير"، وذلك لعموم قدرة الله عز وجل على كل شيء، لقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 120]. وهذه الصفة مطلقة، وهل هو قدير على ما لا يشاء؟ نعم قدير على ما لا يشاؤه فإذا شاءه وقع، وبهذا نعرف خطأ من يعبر من الناس، يقول: إنه على ما يشاء قدير، لا يجوز هذا؛ لأنك إذا قلت: إنه على ما يشاء، وقدمت أيضًا المعمول خصصت قدرته بما يشاء دون ما لا يشاء، وهذا غلط فهو قادر على ما يشاء وما لا يشاء"[8]. سادساً: تؤكد الآية موضوع المقال، والآيات المشابهة المشار إليها سابقًاعلى ترسيخ مفهوم توحيد الله تعالى، فهو أساس الدين ولب شرائعه، من أجله قامت السماوات والأرض، وأُرسلت الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأُنزلت الكتب، فمن وحّد الله تعالى حق توحيده بالتزام شرعه أمرًاونهياً، فقد عاش حياة آمنة مستقرة في الدنيا والآخرة، وصدق الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]. قال ابن كثير رحمه الله: "هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، ولم يشركوا به شيئًاهم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة"[9]. سابعاً: ينتشر في أوساط بعض الناس، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة الاعتقاد أن لبعض الناس قدرات في معرفة الغيب، وأيضًانجد هذا الاعتقاد مشاع عند بعض المذاهب المنحرفة التي تبالغ في تقديس مشايخهم وعلمائهم، نسأل الله السلامة والعافية، ولا شك أن هذا اعتقاد خاطئ ومخالف لنصوص القرآن الكريم المؤكدة على أن الله تعالى وحده عالم الغيب والشهادة، قال تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ [الجن: 26، 27]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 65]. قال ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى آمرًارسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول معلمًالجميع الخلق: أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب، وقوله: "إِلَّا ٱللَّهُ" استثناء منقطع، أي: لا يعلم أحد ذلك إلا الله عز وجل، فإنه المنفرد بذلك وحده، لا شريك له"[10]. ثامناً: المؤمنُ عندما يتدبر الآية الكريمة موضوع المقال، ويستشعر بعقله ووجدانه وكافة مشاعره أن لله تعالى وحده ملك ومالك السماوات والأرض وما بينهما وهو على كل شيء قدير، فحينها يمتلئ قلبه ثقة بالله وتوكلًاعليه في شؤون حياته كلها، دِقّها وجِلّها حاضرًاومستقبلاً، ولذلك جاءت آيات كثيرة تحض على تدبر القرآن الكريم، منها: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]. قال السعدي رحمه الله: "﴿ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءةَ المشتملة على التدبر أفضلُ من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود، ﴿ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾، أي: أولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب، فدل هذا على أنه بحسب لب الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب"[11]. تاسعاً: هناك تكاملٌ وتوافقٌ بين الآية موضوع المقال وبين التوجيه النبوي الوارد في كُتب السنة النبوية المطهرة، بتأكيد توحيد الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: "مَن قالَ في يومٍ مائةَ مرَّةٍ: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ ولَهُ الحمدُ وَهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ)، كانَ لَهُ عدلُ عشرِ رقابٍ، وَكُتِبَت لَهُ مائةُ حَسنةٍ، ومُحيَ عنهُ مائةُ سيِّئةٍ، وَكُنَّ لَهُ حِرزًا منَ الشَّيطانِ، سائرَ يومِهِ إلى اللَّيلِ، ولم يأتِ أحدٌ بأفضَلَ ممَّا أتى بِهِ، إلَّا من قالَ أَكْثرَ"[12].قال ابن رجب رحمه الله: "تحقيق كلمة التوحيد يوجب عتق الرقاب، وعتق الرقاب يوجب العتق من النار"[13]. وقال ابن عثيمين رحمه الله: "ينبغي للإنسان أن يداوم عليها، وينبغي أن يقولها في أول النهار لتكون حرزًاله من الشيطان"[14]. هذا الذكر المبارك كنز من كنوز السنة النبوية، وهو متاح ويسير لمن يسره الله، فالمسلم الموفق ينبغي أن يحرصَ على الإكثار منه لينال ما ترتب عليه من أجور عظيمة، نسأل الله من فضله. [1] تفسير القاسمي (8/ 133). [2] تفسير ابن كثير (3/ 212). [3] التفسير الوسيط لطنطاوي (4/ 354). [4] تفسر البغوي (8/ 231). [5] انظر بتوسع حول هذا الموضوع؛ مقال: ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى:"وما قدروا الله حق قدره" للكاتب على موقع الألوكة. [6] فتح القدير، (5/ 136). [7] الأذكار، بابُ مدح الإِنسان نفسه وذكر محاسنه، (ص 279). [8] تفسير العثيمين (الفرقان ص: 225). [9] تفسير ابن كثير (3/ 263). [10] تفسير ابن كثير (6/ 187). [11] تفسير السعدي (ص: 712). [12] صحيح البخاري، حديث رقم: (3293)، صحيح مسلم، حديث رقم: (2691). [13] لطائف المعارف، (ص 283). [14] شرح رياض الصالحين، (5/ 488). |
الساعة الآن : 08:08 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour