حقوق الزوجة على زوجها
حقوق الزوجة على زوجها (1) د. أمير بن محمد المدري إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد: حديثنا عن الحقوق الزوجية. لماذا الحديث عن الحقوق الزوجية؟ نتكلم عن الحقوق الزوجية لأنه على قدر صلاح الأسرة يكون صلاح الفرد. نتكلم عن الحقوق الزوجية لأن ما يحدث من مشاكل وكوارث ومصائب في الأسر إنما هو نتيجة عدم علم كل من الزوج والزوجة بالحقوق والواجبات. نتكلم عن الحقوق الزوجية ونحن نرى الكثير من المسلمين من الرجال أو النساء لا يدركون هذه الحقوق، ولا يعرفون هذه الواجبات والمسؤوليات، وكل الذي يفهمونه من الحياة الزوجية أنه لقاء جنسي يقضي الإنسان وطره من زوجته، وتقضي المرأة وطرها من زوجها فقط. نتكلم عن الحقوق الزوجية لأننا نجد كثيراً من البيوت تعيش مشاكل وهموم مستعصية؛ لأنها لا تقوم على المودة والرحمة، بل تقوم على السباب والإهانة والاحتقار والشتم والتسلط والسخرية والكراهية. إن الإسلام قد وضع حقوقاً على الزوجين، وهذه الحقوق منها ما هو مشترك بين الزوجين، ومنها ما هو حق للزوج على زوجته، ومنها ما هو حق للزوجة على زوجها. وإن الزوجين إذا التزما منهج الإسلام الكامل في الحقوق الزوجية عاشا في ظلال الزوجية الوارف سعداء آمنين. لا تعكرهما أحزان المشاكل؛ ولا تقلقهما حادثات الليالي. الحياة الزوجية في نظر الإسلام شركة فيها طرفين: الزوج والزوجة، على الزوج حقوق وواجبات، وعلى الزوجة حقوق وواجبات، وقد جعل الله عز وجل الحياة الزوجية آية من الآيات الدالة عليه فقال جل من قائل: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]. هذه الشركة قائمة على عنصرين الأول: المودة، والثاني: الرحمة، وإذا لم يتوفر هذين العنصرين في الحياة الزوجية تحولت إلى حياة بهيمية، لا علاقة ولا مودة ولا رحمة ولا تقدير ولا احترام، وإنما مشاكل على مشاكل، وكل هذا نتيجة عدم علم كل من المرأة والرجل بالواجب والمسؤولية الملقاة على عاتقهما تجاه بعضهما البعض. حقوق الزوجة على زوجها إن للزوجة حقوقٌ عظيمة على الزوج لأنها أقرب الناس إليه، فهي قرينته والمطلعة على أسراره، وشريكته في فراشه، وأم أبنائه، ورفيقته في درب الحياة، فلابد أن يعرف لها حقوقها ويؤديها على أتم وجه. وإن من الناس - للأسف- من يرى أن زوجته أمَةٌ عنده أو خادمة عنده، فهي طوع أمره ورهن إشارته، ومن الرجال من يخالف زوجته ولو كانت على حق، فمعنى القوامة عنده أنه إذا قالت: شرق. قال: غرب. وإن قالت: شمال. قال: جنوب وإن قالت: نعم. قال: لا. وإن قالت: لا، قال: نعم، فيعاكسها ويخالفها في كل شيء، فإن قلت له لماذا تفعل ذلك؟ قال: لأظهر سلطتي وقدرتي، إني أنا الرجل، إني صاحب القرار، صاحب الكلمة، إنني الأول والأخير في الأسرة، سبحان الله ومن قال لك يا هذا أن هذا هو الإسلام؟ وهكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم. استشارة الزوجة إن أجّل نعمة أنعمها الله على المسلمين هي نعمة الحرية، حُريّة الرأي وحرية الكلمة، فلا يجوز لأحد أن يمنعها مهما كان، ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. أيها الزوج: أنت صاحب القرار، لكن لابد لك من أخذ رأي الرعية، فها هو رسول الله حبيب الله في عمرة الحديبية، دخل مغضباً على زوجه أم سلمة وقال: «هلك قومك»، قالت: لماذا يا رسول الله؟ قال: «آمر فلا أطاع»، قالت: «يا رسول الله أدع بحلاق واحلق شعرك»، فما أعظم عقلها وحكمتها. أيها الرجل: أنت مسؤول عن زوجتك وستُسأل عنها يوم القيامة، فهي أمانة في عنقك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم» [ أخرجه مسلم في: الحج، باب: حجة النبي (1218)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما]. أي أسيرات عندكم، مسكينة زوجتك أيها الرجل، سلمها لك أبوها لتكون في حمايتك ورعايتك وإكرامك، ولا يدري أبوها ماذا تصنع بها؟ ولا تدري أمها ماذا تصنع بها؟ ولا يدري أخوها ولا أقاربها، تعذبها في البيت فلا تخبر أهلها حتى تعيش معك وحتى لا يضيع الأولاد، وتهينها وتسبها لا يدري أهلها عنها، لكن الله يعلم ويرى ويطلع على حالك وحالها. إنها أسيرة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنهن عوان عندكم أخذتموهن بكلمة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» [صحيح، أخرجه مسلم: كتاب الحج - باب حجة النبي، حديث (1218). ]، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»[ صحيح، سنن الترمذي ح (3895) وقال: حسن غريب صحيح، وأخرجه ابن ماجه ح (1977).]. أفضلكم عند الله منزلة من كان أفضلكم وأحسنكم عند أهله، فأهله يحبونه ويحترمونه لمعاملته الحسنة والله يحبه من أجل ذلك، إن الذي ليس فيه خير لأهله ليس فيه خير لنفسه أو للناس خارج الأسرة. من حق الزوجة على زوجها: أولاً: توفية مهرها كاملاً امتثالاً لقوله تعالى:﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ [النساء: 4]. فلا يجوز للزوج ولا لغيره من أب أو أخ أن يأخذ من مهرها شيئاً إلا برضاها. ﴿ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4]. الحق الثاني: الإنفاق عليها: وهذه النفقة تتناول نفقة الطعام والكسوة، والعلاج والسكن لقوله تعالى:﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233]. وللعلم فما من شيء ينفقه الرجل على زوجته أو أولاده، إلا كان له به عند الله أجر وثواب. فقد قال صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله. ودينار أنفقته في رقبة. ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك»[رواه مسلم عن أبي هريرة]. الحق الثالث: وقايتها من النار: امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]. قال علي رضي الله عنه في الآية السابقة: «أدبوهم وعلموهم»، وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132]، وإذا كان الزوج لا يستطيع تعليم امرأته فلييسر لها أسباب التعليم، بدخولها في مراكز تحفيظ القران وغيرها من المراكز الشرعية. لكن المصيبة إذا كان الزوج نفسه واقع في الحرام؛ فهي الطامة الكبرى، لأن الرجل قدوة أهل بيته، والقدوة من أخطر وسائل التربية. عن فضيل بن عياض قال: «رأى مالك بن دينار رجلاً يسيء صلاته، فقال: ما أرحمني بعياله، فقيل له: يا أبا يحيى يسيء هذا صلاته وترحم عياله؟ قال: إنه كبيرهم ومنه يتعلمون». مصيبةٌ عُظمى ومن المصيبة والنقص العظيم أن يُنزل الرجل نفسه في غير منزلتها اللائقة بها، فإن الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء، ومن شأنه أن يكون مطاعاً لا مطيعاً، متبوعاً لا تابعا. وما المرء إلا حيث يجعل نفسه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإن شاء أعلاها وإن شاء سفّلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقد استشرى داء تسلّط المرأة وطغيانها في أوساطنا بسبب التقليد تارة، وبسبب ضعف شخصية الزوج أو التدليل الزائد تارة أخرى. وهو من أخطر الأمور وأكثرها إيذاءً، فالكلمة الأولى والأخيرة بيد المرأة، والزوج مجرد منفذ لهذه الأوامر، ومن هنا ننبه أن بعض الرجال ولا يستحقوا أن نسميهم رجال بعضهم لا يتكلم كلمة ولا يأكل أكلة ولا يفعل فعل إلا بأمر وزير الداخلية (زوجته)بل كم من نساء كُن سبب في دمار الرجال. الحق الرابع: أن يغار عليها في دينها وعرضها، إن الغيرة أخص صفات الرجل الشهم الكريم. وليست الغيرة تعني سوء الظن بالمرأة والتفتيش عنها وراء كل جريمة دون ريبة. فعن جابر بن عتيك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الغيرة غيره يبغضها الله وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة» [رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني في الارواء]. فمن الرجال من لا يغار حين يمشي معه زوجته أو أخته أو ابنته وهي متبرجة ومتعطرة ومتزينة، وتعرض نفسها لأعين الناس. ولا يغار حينما تصافح الرجال الغير محارم لها. ولا يغار إذا تكلمت مع الرجال وضاحكتهم ومازحتهم. ولا يغار حين يراها تخرج من منزلها بالكعب العالي والملابس المثيرة، وتخرج أمام الناس متراقصة كأنها طاووس تختال. ولا يغار بل هو الذي يطلب من زوجته أن لا تتحجب أمام أقاربه زاعماً أن تحجبها سيفرق بينهم. الحجاب يفرق بين الأهل؟!.، ولا يغار ولا يتنبه لما يحضره إليها إلى المنزل من مجلة خليعة، أو موقع انترنت، أو انشغالها بمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من مثل هذه الأمور التي ينبغي على الرجل فيها أن يكون رجلاً. رجلاً حقيقياً فعلاً. كما قال أحد السلف: «ما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب». وما أجمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: «إن الله يغار والمؤمن يغار». ويقول صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء» [رواه الإمام أحمد بسند صحيح]. ومعنى الديوث أي الرجل الذي لا يغار على عرضه والعياذ بالله. تخاصم رجل وزوجته في نفقة، فاحتكما للقاضي، فقال الوكيل للمرأة: قومي، قال الزوج: ولم. قال الوكيل حتى ينظر إليها الشهود وهي مسفرة عن وجهها. فقال الزوج للقاضي: أنا أُشهد القاضي أن لها علي المهر الذي تدعيه، ولا تسفر عن وجهها فأجابت المرأة ـ والمرأة تحترم الرجل الذي يغار عليها ـ قالت: وأنا أُشهد القاضي: أني قد وهبت له هذا المهر، وأبرأته منه في الدنيا والآخرة. هكذا كان مفهوم الغيرة. الحق الخامس: وهو من أعظم حقوقها: المعاشرة بالمعروف. المعاشرة بالمعروف ولذلك أمر الله تعالى بحُسن العشرة فقال:﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، ومن معاني العشرة بالمعروف: • أن تذكر اسم الله حين دخولك لبيتك وتذكر دعاء الدخول إلى المنزل، فإن الشيطان حريص على الدخول معك وعلى أن يشاركك في الطعام والشراب والسكنى وحتى في نكاح زوجتك، ثم توطن نفسك أنك داخل على أم أولادك، أنك داخل على هذه المسكينة التي تتعب في خدمتك وتبقى في المنزل طوال يومها، وهي تنتظر منك كلمة طيبة وبسمة صادقة، وعليك مجاملتها بالكلمة الطيبة فتثني عليها وعلى مظهرها وتشكرها على إعداد الطعام وتمدح طعامها حتى لو كان فيه عيب، امدح ثم انصحها فيما بينك وبينها بأسلوب طيب. • ومن حُسن العشرة أن تسلم على أهلك وتبتسم في وجه زوجتك «فتبسمك في وجه أخيك صدقة»، وهذا من حق إخوانك المسلمين الذين تراهم في الشارع فكيف بزوجتك وأقرب الناس إليك. • ومن حُسْن العشرة السؤال عن زوجتك وعن حالها، ومحادثتها وعدم العبوس في وجهها. • ومن حُسْن العشرة أيضاً تحمّل زوجتك والنظر إلى محاسنها وعدم النظر إلى المساوئ فقط، فإن الكمال في الناس وخاصة النساء غير موجود، «فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فاستمتعوا بهن على عوجهن» كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلموقال في حديث آخر: «فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستمتعوا بهن على عوجهن» [البخاري (3331)، ومسلم (1468)]. ولا تُقم على كل كلمة قضية ومحكمة، فإن من الناس من يُطلّق زوجته من أجل قشة، ويتجاهل جهدها وإحسانها كله. جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يريد أن يشكو طول لسان زوجته عليه، وأنها بذيئة عليه، فلما دخل فإذا زوجة عمر تتكلم من وراء الحجاب بلسان شديد، رغم هيبة عمر ورغم أن الناس تخاف منه حتى الشياطين، قال عمر: «أما يرضيك أنها طبّاخة طعامي ومغسلة ثيابي ومربية ولدي وكانسة بيتي وأقضي منها وطري» كأنه يقوله له: أما أتحملها في بعض الجزئيات البسيطة، فيا أيها الرجل قدّر هذه النعمة أن سخّر لك هذه المرأة لرعايتك وخدمتك رغم أنها أجنبية عنك. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره من خلقاً رضي آخر» [ أخرجه مسلم في: الرضاع، باب: الوصية بالنساء (1469)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه] أي لا يكره. ومن حُسْن العشرة حُسن الخلق معها، فقد روى الطبراني عن أسامة بن شريك مرفوعاً: «أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً» [(الطبراني عن أسامة بن شريك، انظر حديث رقم: 179 في صحيح الجامع)]. ومن حُسن الخلق أن تحترم رأيها وأن لا تهينها سواءً بحضرة أحد أم لا. ومنها استشارتها في أمور البيت وخطبة البنات، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بإشارة أم سلمة رضي الله عنها يوم الحديبية كما أسلفنا سابقا. ومنها: أن يكرمها بما يرضيها، ومن ذلك أن يكرمها في أهلها عن طريق الثناء عليهم بحقٍ أمامها ومبادلتهم الزيارات ودعوتهم في المناسبات. المزاح مع الزوجة ومن المعاشرة بالمعروف أن يمازحها ويلاطفها، ويدع لها فُرَصاً لما يحلو لها من مرح ومزاح، وأن يكون وجهه طلقاً بشوشاً، وإن رآها متزينة له لابسة لباساً جديداً عليه أن يمدحها ويبين لها إعجابه فيها، فإن النساء يُعجبهن المدح. ولهن مثل الذي عليهن ومن جوانب المعاملة الطيبة أن تتهيأ لزوجتك كما تتزين هي لك، فليس من العدل أن تطلب منها أن تتهيأ لك بالزينة ثم تأتيها أنت برائحة العرق ورائحة الدخان والملابس المتسخة، فإنها بشرٌ مثلك تتأذى مما تتأذى أنت منه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ بالسواك إذا دخل بيته حتى لا يُشم منه إلا طيّب، فعن عائشة رضي الله عنها أنه «كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك» [رواه مسلم وأبو داود]. وهذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وهو صاحب الشخصية القوية، والذي كان الشيطان يهرب منه إذا رآه، كان يقول: ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي (يعني في الأنس والبشر والسهولة) فإذا كان في الناس وجِد رجلاً. ولنا في رسول الله أُسوة حسنة فقد ورد أن عائشة رضي الله عنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي جارية، قالت: لم أحمل اللحم ولم أبدن (أي لم أسمن) فقال لأصحابه: «تقدموا فتقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك فسابقته، فسبقته على رجلي. فلما كان بعد، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم وبدنت (أي وسمنت)، فقلت، كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال، قال: لتفعلن، فسابقته، فسبقني. فجعل يضحك ويقول: «هذه بتلك» أي بتلك السبقة [أبو داود والنسائي]. عذرها عند التقصير: ومن جوانب المعاشرة الطيبة أن تعذرها إذا قصَّرت في شيء بسبب كثرة مشاغلها أو لخطأٍ بشري، وقد كان أكمل الناس في هذا، وهو قدوتنا، فمن ذلك تقول عائشة رضي الله عنها فيما رواه البخاري: «ما عاب رسول الله طعاماً قط، إن اشتهى شيئاً أكله، وإلا تركه»، أما عندنا فكم من حالة طلاق كان سببها أن الزوجة تأخرت في إعداد الطعام أو أن الطعام لم يعجب الزوج. فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: «لم يقل لي قط أفٍ ولا قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لا فعلت كذا« [رواه البخاري ومسلم]. ومنها أن يشاركها في خدمة بيتها إن وجد فراغاً. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي يكون في مهنة أهله -يعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة» [رواه البخاري]. |
رد: حقوق الزوجة على زوجها
حقوق الزوجة على زوجها (2) د. أمير بن محمد المدري الحمد لله عظم شأنه ودام سلطانه، أحمده سبحانه وأشكره عم امتنانه وجزل إحسانه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله به علا منار الإسلام وارتفع بنيانه، وبارك عليه وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. و بعد: لا زلنا مع سلسلة الحقوق واليوم مع اللقاء الثاني مع حقوق الزوجة على زوجها نسأل الله أن يحيينا حياة طيبة. تحري الحلال: من حقوق الزوجة على زوجها أن يتحرى الحلال في إنفاقه عليها وعلى أولادها، ومن يعولهم، وإلا محقت البركة، وكان عليه إثم من أطعمهم حراما. ونريد أن ننبه هنا: أن الرجل الكريم هو الذي يكرم أهله وأولاده ولا يتركهم ينظرون إلى ما عند الناس من مال ومتاع. أما البخيل فهو الذي يبخل عليهم وهو قادر على الإنفاق، والغريب أن هناك من يبخل على زوجته وأولاده بالنفقة، بينما هو يجود بماله على نفسه وعلى رفاق السوء وفي الليالي الحمراء وفي السفر وفي كل ما يغضب الله، كما يقع كثيرًا من لا خلاق لهم ولا مروءة. ومما يدمي القلب أن هناك ثُلة من الرجال في ظل حاجة الناس وفقرهم ينامون طوال النهار ونساءهم يعملن ويجمعن المال ومنهن من تتسول لتعول زوجها. أين الغيرة والقوامة عند هؤلاء؟. تُسأل بنت وقعت في الزنا وأُصيبت بالإيدز لماذا دخلت هذا المستنقع؟ فتقول: «والله إن أبي يطردني من البيت ضربا ويقول: لا ترجعي إلا ومعك المال»، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهذا آخر صاحب بقالة يقول لي والدموع في عينيه: جاءتني امرأة كبيرة في السن فيها صرع ترتعش يديها تريد خمسة باكت سيجارة، قال: فقلت مستغربا وما تفعلين بالدخان فقالت والدموع في عينيها: «والله إن أولادي وزوجي سيطردونني من البيت يريدون قيمة الدخان والقات فأخرج لأسأل الناس كي أجمع لهم ما يريدون» ولا حول ولا قوة إلا بالله. ويكفي أمثال هؤلاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول»؛ [حسن، سنن أبي داود: كتاب الزكاة - باب في صلة الرحم، حديث (1692)، وأخرجه أيضًا أحمد (2/ 160)، والطبراني في الكبير (13414)، وصححه ابن حبان (4240)، والحاكم (1/ 415)، وأصله عند مسلم: كتاب الزكاة - باب فضل النفقة على العيال... حديث (996) بلفظ: ((كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته)). وانظر إرواء الغليل للألباني (894)]. لا تضرب زوجتك: ومن الحقوق: أن لا يضرب الزوج زوجته إلا في حالة النشوز كقوله تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34]. ومما أذكر في هذه الآية أن رجلا لديه مشكلة عائلية تتعلق بزوجته، فذهب إلى أحد المشايخ فنصحه بما قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾. فذهب الرجل، فلما جاء من الغد وسأله الشيخ عن حاله؟ قال الرجل: يا شيخ فعلت ما قلت لي، فزادت المشكلة أكثر مما كانت عليه في السابق. فتعجب الشيخ! وقال: ماذا فعلت معها؟ فقال الرجل: قرأت الآية، فرأيت أول ما أبدأ به العض (وليس الوعظ)، فعضضتها، وعضضتها، وعضضتها، حتى صاحت (أو هربت). فزادت المشكلة أكثر من السابق. وما فهم أن الله يريدنا أن نبدأ بالوعظ والكلمة الطيبة وليس بالضرب والعض، وهذه رسالة أن القرآن يحتاج تلقي لتعلمه. والنشوز هو الارتفاع والمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه. فإذا ظهر هذا في المرأة. فليبدأ في وعظها. فإن لم تنفع الموعظة فليهجرها في فراشها، فإن لم يفد ضربها ضربًا لا يسيل دمًا ولا يكسر عظمًا، وأن لا يكون في الوجه. وأن يتجنب الشتم والسب واللعن كما يحدث الآن. فما أن تحصل أي مشكلة حتى تسمع السب والشتم واللعن بين الزوج وزوجته، ثم يتطور الأمر فيقوم الزوج بضرب زوجته على أمر تافه. ثم يأتي ويتحدث بهذا الأمر أمام الناس بكل فخر وخيلاء، وكأنه قد انتصر على بطل من أبطال المصارعة العالمية، لهذا فليتق الله هؤلاء الأزواج ولتكن حياتهم كما قال الله:﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229]. هذا وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضرب خادمًا ولا امرأة قط». [رواه أبو داود] بل إنه عاب على من يضرب امرأته فقال: «يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها آخر يومه»؛ [البخاري، 4942)]. كتمان الأسرار الزوجية: ومن الحقوق على الزوج أن يكتم ما يحدث بينه وبين زوجته في الفراش، لأن بعض الرجال يحبون أن يتفاخروا في الكلام عن هذا الموضوع في المجالس والمنتديات. لأنهم يظنون مع جهلهم ونقص عقولهم أن هذه الصفة هي مفخرة لهم. وللعلم فهذه الأفعال ليست من المروءة في شيء، وليست من شيم الرجال، بل هي من خُلُق الفُسّاق الذين لا يملكون من الحياء شيئًا لذا جاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها». وقال صلى الله عليه وسلم عن أفعال هؤلاء: «هل منكم رجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره واستتر بستر الله، ثم يجلس بعد ذلك ويقول: فعلت كذا وفعلت كذا» ثم قال: «هل تدرون ما مثل ذلك، إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانًا في السكة، فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه»[(صحيح) انظر حديث رقم: 7037 في صحيح الجامع]. فالحذر الحذر من الخوض في هذه الأمور، والكلام موجه للرجال وللنساء جميعًا، ونسأل الله الستر في الدنيا والآخرة. عدم الهجر في غير البيت: ومن الحقوق عدم الهجر في غير البيت هذا هو الأصل في المسألة ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تهجر إلا في البيت » [أخرجه أحمد (4/ 447)، وأبو داود في النكاح، باب: حق المرأة على زوجها، وابن ماجه في النكاح (1850)، والنسائي في الكبرى (9171) من حديث معاوية القشيري رضي الله عنه، وصححه ابن حبان (4175)، والحاكم (2/ 187-188)، والدارقطني كما في التلخيص الحبير (4/ 7)، وصححه الألباني في الإرواء (2033)]. ففي حديث معاوية ابن حيدة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة قال قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال: « أن تطعمها إذ طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ». وأجاز بعض العلماء الهجر في غير البيت لمصلحة راجحة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه هجر أزواجه شهرًا في غير بيوتهن. ففي حديث أم سلمة رضي الله عنها الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف لا يدخلُ على بعض أهله شهرًا، فلما مضى تسعةٌ وعشرون يومًا غدا عليهن أو راح، فقيل له: يا نبي الله حلفت أن لا تدخل عليهن شهرًا، قال: «إن الشهر يكونُ تسعةً وعشرين». ومما ننبه عليه إن من حق الزوجة على زوجها ألا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر، لما روى عبد الرزاق في مصنفه أن عمر رضي الله عنه سأل حفصة: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر. فليس للزوج أن يغيب عن زوجته أكثر من ذلك إلا بإذنها، وهذا من كمال الشريعة، وحرصها على حماية المرأة والرجل، ووقايتهما من الانحراف، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله». [رواه البخاري وغيره]. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب استعجال الرجوع ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة، ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا، ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة. العدل بين الزوجات: ومن الحقوق العدل في القسمة بين أكثر من زوجة، فإذا كان للرجل زوجتان أو أكثر وجب عليه أن يعدل بينها في المبيت وفي النفقة وفي السكن، فإن ظلم إحداهن فلم يبت عندها ليلة أو أكثر وجب عليه أن يقضيها حقها، فذلك دين عليه، إلا أن تتنازل عنه كما فعلت أم المؤمنين سودة رضي الله عنها عندما تنازلت عن ليلتها لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تبتغي بذلك رضا رسول الله. وكذلك أن أعطى واحدة دون الأخرى من ماله فإنه يعتبر ظالمًا سواء كان العطاء نقودًا أو ملابسًا أو حُليًا أو غيرها، ففي مثل هذه الأمور العدل واجب عليه فيه. جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح السنن الأربعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة و شقُه مائل» معنى شقُه مائل: أي أحدى جنبيه و طرفه مائل أي مفلوج، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتُهنَّ خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسمُ لكل امرأةٍ منهن يومها وليلتها، وكان صلى الله عليه وسلم يراعي العدل وهو في مرض موته حتى أذن له زوجاته فكان في بيت عائشة - رضي الله عنها، وكان لمعاذ بن جبل رضي الله عنه امرأتان فإذا كان يوم هذه لم يشرب من بيت الأخرى الماء. تعليم الزوجة أمور دينها ومن الحقوق المهمة: تعليم الزوجة أمور دينها، فعليه أن يعلمها ما لم تتعلمه من الطهارة، والوضوء، والصلاة وأحكام الحيض والنفاس والاستحاضة وغيرها. قال الله تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]. فعن أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى و أيقظ امرأته فصلت فإن أبتْ نضح في وجهها الماء، و رحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت و أيقظت زوجَها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء». وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أيقظ الرجلُ أهله من الليل فصليا ركعتين جميعًا كتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات». وذلك لأن هناك من النساء من يصل عمرها إلى (30 أو 40 أو 50) سنة وهي لا تعرف قراءة الفاتحة، ولا تعرف الوضوء الصحيح أو الصلاة الصحيحة، أو واجبها نحو أهليها وأقاربها، ولا كيف تلبس الملابس الشرعية، أو كيف تجتنب الخلوة بالرجال، أو كيف تخاطبهم إن دعا إلى ذلك داع. وهذا واقع وحاصل بين النساء، والمرأة كما نعلم شديدة التأثر بزوجها وسلوكه فإن رأت منه حرصًا على التعلم والدين والستر والعفة، استجابت، وإن رأت منه تشجيعًا أو سكوتًا على الاستهانة بأوامر الدين واستهزاءً به استجابت أيضًا. وكم وكم سمعنا عن زوجات خرجن من بيوتهن إلى بيوت أزواجهن عفيفات عابدات، فما لبثن غير قليل حتى انحرفن عن ذلك كله بتأثير الزوج وانحرافه وتفريطه في حقوق الله. ومن الحقوق والآداب على الزوج تجاه زوجته أن يتعاهدها بالهدايا التي تجلب المحبة: فالهدية لها أثرٌ بالغ في تحقيق السعادة ودوام المحبة والألفة، إن الهدية تذهب السخيمة، وتزيل البغضاء، ومهما كانت الهدية بسيطة ويسيرة فإن لها من الآثار النفسية ما يصعب حصره وتعدد مزاياها. فتهادوا تحابوا. ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «تهادوا تحابوا». ومن الحقوق ألا يمنعها من زيارة أهلها وأقاربها وجيرانها، وكذلك إذا استأذنته بالخروج إلى صلاة الجماعة وكان خروجها شرعيًا بحيث لا تمس طيبًا ولا تخرج بزينة تفتن بها الرجال فمن السنة أن يأذن لها. وخاصة إذا صاحب الصلاة في المسجد علم شرعي وفقه في الدين وتعلم قرآن كريم. إذًا على الزوج أن لا يمنع زوجته من زيارة أهلها لأن هذا ينافي العشرة بالمعروف إلا إذا خشيَ مفسدةَ، كما لو علم أن أمها تُفسدها عليه فهنا يجوز منعها من ذلك إذا كان يترتب على ذهابها إليهم مفسدة في دينها أو في حق زوجها لأن في منعها من الذهاب في هذه الحالة درءا للمفسدة، وبإمكان المرأة أن تصل أهلها بغير الذهاب إليهم في هذه الحالة بل عن طريق المراسلة أو المكالمة الهاتفية إذا لم يترتب عليها محذورًا لقوله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، والله أعلم. أُم الزوجة: ومن هنا ننبه على أنه يجب على أم الزوجة أن تنصح ابنتها بما فيه مصلحتها، وينبغي أن لا تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في بيت ابنتها.. وما يقال عن أم الزوجة يقال أيضًا عن أم الزوج.. مع الفرق في المنزلة إذ أن أم الزوج لها من الحقوق على ابنها في بيته ما ليس لأم الزوجة في بيت ابنتها. وإنما ذكرنا ذلك لأن هناك بعض الأمهات لا تترك شاردة ولا واردة في بيت ابنها أو ابنتها إلا وتتدخل فيها، بل ربما توغر صدر ابنتها على زوجها، أو توغر صدر ابنها على زوجته، فتتسبب في تشتيت أسرة وتفريق جمعها، وقد تبرأ الرسول صلى الله عليه وسلم ممن سعى للإفساد بين الرجل وزوجته فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: «ليس منا من خبّب امرأة على زوجها» [أخرجه النسائي في ( العشرة ) (332)، واللفظ له، وأبو داود ( 2175)، وأحمد (2 / 397)، والبخاري في ( التاريخ ) (1 / 1 / 396)]. ومن الحقوق المحافظة على مالها وعدم التعرض له إلا بإذنها: فقد يكون لها مال من إرث أو عطية أو راتب شهري تأخذه من عمفلها، فاحذر التعرض له لا تصريحًا ولا تلميحًا ولا وعدًا ولا وعيدًا إلا برضاها، قال الله تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4]، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمينًا على مال زوجته خديجة فلم يأخذ إلا حقه ولم يساومها ولم يظهر الغضب والحنق حتى ترضيه بمالها! قال تعالى محذرًا عن أخذ المهر الذي هو مظنة الطمع وهو من مال الزوج أصلًا:﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20-21]. ومما يجب على الزوج المسلم المؤمن أن لا يسمح لها أن تشتري مجلات خليعة أو تقرأ القصص الفاسقة، وأن لا يسمح لزوجته بالاختلاط بالنساء ذوات السمعة السيئة إذ هو الراعي المسؤول عنها والمكلف بحفظها وصيانتها لقوله تعالى:﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «الرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته». [متفق عليه]. هذه حقوق الزوجة على الزوج. فليعرف الزوج حقوق زوجته جيدًا، وليحذر ظلمها وإيذاءها، فالله يعذب من يؤذي حشرةً أو حيوانًا. وجميعنا يعرف قصة المرأة التي حبست الهرة حتى ماتت فدخلت بها النار. فما بالكم بالذي يُعذّب إنسانًا مثله، فما بالكم بالذي يُعذّب أقرب الناس إليه وهي زوجته وأم أولاده. بل إن كثيرًا من الرجال يكون خلوقًا بشوشًا رقيقًا مع الناس خارج البيت، فإذا دخل البيت انقلب إلى وحشٍ كاسر، ليس لديه إلا الصراخ والأوامر والشجار لأتفه الأسباب، وهذا النوع من شر الناس، لأن أولى الناس بحسن معاملتك وأولى الناس برحابة صدرك ولطف معشرك أهلُك وعلى رأسهم زوجتك، يقول صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» [صحيح، سنن الترمذي ح (3895) وقال: حسن غريب صحيح، وأخرجه ابن ماجه ح (1977)]. اللهم رُدنا إلى دينك وسنة نبيك ردًا جميلًا برحمتك يارب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
الساعة الآن : 10:11 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour