شرح متن طالب الأصول
شرح متن طالب الأصول أبو الحسن هشام المحجوبي ويحيى بن زكرياء البصطامي (1) معنى البسملة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه أهل الصلاح والوفا؛ أما بعد:فقد بدأنا متننا هذا بالبسملة؛ اقتداء بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما كتاب الله فنجد جميع سوره تبدأ بالبسملة، وهي آية منفردة عن السورة، باستثناء سورة التوبة، فإن الله تعالى لم يبدأها بالبسملة؛ إشارة إلى تحريم رحمته على المنافقين والمشركين المحاربين يوم القيامة، لأن سورة التوبة يغلُب عليها أحوال وعيد المنافقين والمشركين. وقد دلَّت آية سورة النمل على استحباب البدء بها في الكتابة والمراسلات؛ لأن سيدنا سليمان بدأ بها كتابه الذي أرسله إلى الملكة بلقيس عن طريق الهدهد؛ قال سبحانه حكاية عن مقالة سليمان: ﴿ اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل: 28 - 31]، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدأ مرسلاته للقادة والملوك بالبسملة؛ كما في الحديث الذي رواه البخاري: أنه عليه الصلاة والسلام كتب كتابًا إلى هرقلَ عظيمِ الروم قال فيه صلى الله عليه وسلم: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى؛ أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتِك الله أجرك مرتين، فإن توليتَ فإنما عليك إثمُ الأريسيِّين)). أما معنى البسملة، فهي التبرك والاستعانة باسم الله ورحمته قبل القول أو الفعل. "فالباء" حرف جر ومعناها في هذا السياق التبرك والاستعانة، و"اسم" مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره، والاسم مشتق في اللغة من السمو؛ أي: العلو، وقيل: من السِّمة؛ أي العلامة، وفي الاصطلاح: اللفظ الذي يُوضع للشيء ليكون له علامةً، يميَّز بها عن غيره، وهو مضاف. و"الله" اسم الجلالة مضاف إليه اختياري، مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره، وهو مشتق من مادة "أله يأله إلاهةً"؛ أي: عبد يعبد عبادةً، ومعناه الشرعي: المعبود الذي يتقرب إليه عباده بشتى الطاعات حبًّا وتعظيمًا. "الرحمن" بدلٌ من "الله" تابع له في جره، وقيل: نعت تابع له في جره، ومعناه: صاحب الرحمة الواسعة التي تشمل جميع الخلق، وهو على وزن "فعلان"، وهذا الوزن يفيد السَّعة والامتلاء، نقول: فلان شبعان؛ أي امتلأ طعامًا، وفلان غضبان؛ أي امتلأ غضبًا، وفلان فرحان؛ أي امتلأ فرحًا، فرحمة الرحمن تشمل كل إنسان وحيوان، فلولا رحمته سبحانه وتعالى ما رزق الكافر قطرة ماء؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرَها عن ولدها؛ خشيةَ أن تصيبه)). أما تعريف الرحمة، فهي صفة إلهية جالبة للخيرات والبركات والمنافع، دافعة للمضرات. "الرحيم" بدل من "الله" تابع له في جره، أو نعت تابع له في جره، ومعناه هو: صاحب الرحمة الخاصة بالمؤمنين، بها وُفِّقوا في الدنيا لطاعته، وبها يفوزون يوم القيامة بجنته. والجار والمجرور متعلقان بالفعل المحذوف، تقديره: "أبدأ"، ولفظ الابتداء يشمل جميع الأحوال، أما إن أردت أن تخصصه فتقول هنا: "أكتب" أو "أؤلف". والأصل أن يبدأ الكلام بالفعل: "أبدأ باسم الله الرحمن الرحيم"، لكن الأفضل من الناحية البلاغية أن يؤخَّر: "باسم الله الرحمن الرحيم أبدأ"، لأن تأخير ما حقه التقديم، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والقصر والاختصاص، فيكون المعنى: "لا أبدأ إلا باسم الله الرحمن الرحيم". ويجوز أن يقدَّر المتعلق المحذوف بالجار والمجرور اسمًا، ويكون إعرابه مبتدأ مؤخرًا محذوفًا: "باسم الله الرحمن الرحيم ابتدائي"، مرفوعًا وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الهمزة، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لياء المتكلم، وهو مضاف، و"ياء المتكلم" ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. المراجع: 1- الرسالة للشافعي. 2- المستصفى للغزالي. 3- جمع الجوامع للسبكي. |
الساعة الآن : 03:30 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour