ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   فتاوى وأحكام منوعة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=109)
-   -   أهداف العمل الخيري ومقاصده الشرعية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=315986)

ابوالوليد المسلم 16-07-2025 08:13 PM

أهداف العمل الخيري ومقاصده الشرعية
 
أهداف العمل الخيري ومقاصده الشرعية (١) حفظ الضرورات الخمس


  • يستهدف العمل الخيري تحقيق مجموعة من المقاصد الشرعية من أبرزها حفظ الضرورات الخمس التي اتفقت عليها الشرائع السماوية وهي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال
  • عمل الخير يعدُّ مقصدًا من مقاصد الشريعة الإسلامية وذلك بدلالة كثرة الأمر به والحض عليه ومدح فاعليه في كثير من آيات الكتاب العزيز وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم
  • يسهم العمل الخيري في حفظ المال بالمحافظة عليه من الإتلاف وإخراج حقه بالزكاة والصدقة ومنع استخدامه فيما يضر وتنميته بالطرائق الشرعية
  • لا يقتصر العمل الخيري على تقديم المساعدات المادية وإنما يتعدى ذلك إلى تقديم البرامج الثقافية والدعوية لإقامة المصالح المعتبرة شرعا ابتغاء الأجر والثواب في الآخرة
  • العمل الخيري هو أحد المسائل التي تستهدف تحقيق الصلاح للإنسان وهو بهذا المعنى يدخل ضمن المصالح التي تدخل في مقاصد الشريعة
يستهدف العمل الخيري تحقيق مجموعة من الأهداف النبيلة والمقاصد الشرعية، من أبرزها حفظ الضرورات الخمس التي اتفقت عليها الشرائع السماوية، وهي حفظ: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، هذه الضروريات تمثل الأسس التي يقوم عليها المجتمع الإنساني، ويستهدف العمل الخيري حمايتها وتوفيرها للأفراد والمجتمعات، كما يستهدف العمل الخيري سد حاجة الفقراء والمحتاجين، ورعاية المرضى، ومساعدة الفئات الضعيفة، وتعزيز التكافل الاجتماعي، وبناء مجتمعات قوية ومتماسكة، كما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة من خلال دعم التعليم والرعاية الصحية والإسكان، وغيرها من المجالات التي تخدم المجتمع.
عمل الخير مقصد من مقاصد الشريعة
العمل الخيري هو النفع المادي أو المعنوي الذي يقدمه الإنسان لغيره دون أن يأخذ عليه مقابلا، ولكنه يحقق هدفا أكبر من المقابل المادي، مثل أعمال البر وصنائع المعروف، ولا يقتصر العمل الخيري على تقديم المساعدات المادية، وإنما يتعدى ذلك إلى تقديم البرامج الثقافية والدعوية لإقامة المصالح المعتبرة شرعا؛ ابتغاء الأجر والثواب في الآخرة، فعمل الخير يعد مقصدًا من مقاصد الشريعة الإسلامية، وذلك بدلالة كثرة الأمر به والحض عليه ومدح فاعليه، في كثير من آيات الكتاب العزيز، وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فعل الخير في القرآن الكريم
جاءت كثير من الآيات القرآنية تحض على فعل الخير منها قوله -تعالى-: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (الحج: ۷۷)، وقوله -تعالى-: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ (آل عمران: ١١٥)، ومن الآيات ما يأمر بالدعوة للخير مثل قوله -تعالى-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}، ومن الآيات ما يحث على المسارعة في عمل الخير قوله -تعالى-: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا}، ومن الآيات ما يثني على الذين يسارعون في عمل الخيرات، مثل قوله -تعالى-: {يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}، وفي وصف أهل الخشية من ربهم: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} وللحض على المنافسة والسبق في الأعمال المفيدة قال -تعالى-: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}، وقوله: {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ}، وفي سياق الحديث عن الإنفاق قال -تعالى-: {مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السبيل}.
فعل الخير في السنة النبوية
في السنَّة النبوية، أحاديث كثيرة تحثّ المسلمين على فعل الخير ترغيبا وترهيبا، بعضها من قبيل الواجب، وبعضها من قبيل المستحب، وكلُّها مما يحبُّه الله ويرضاه. ففي الحث على إطعام الجائع ما ورد عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما-: أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الإسلام خير؟ قال: «تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على مَن عرَفت ومَن لم تعرف»، وعنه، أن النبي -[- قال: «اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تدخلوا الجنة بسلام». وحث - صلى الله عليه وسلم - على كسوة المحتاج فقال: «ما من مسلم كسا مسلما ثوبا إلا كان في حفظ من الله ما دام منه عليه خِرقة». وحث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فعل الخيرات فقال: «إن ممَّا يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما علَّمه ونشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورَّثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحَّته وحياته، يلحقه من بعد موته». وحث - صلى الله عليه وسلم - على كفالة اليتيم، فقال الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبَّابة والوسطى وفرَّج بينهما شيئا». وجاء الحث على رعاية الأرملة في السنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله». وأحسبه قال: «كالقائم لا يفتُر وكالصائم لا يفطر». كما حث - صلى الله عليه وسلم - على إغاثة الملهوفين وتفريج كُربِ المكروبين والمنكوبين، فقال - صلى الله عليه وسلم -: « من نفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ في الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ في الدُّنيا والآخرةِ، ومن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ، واللَّهُ في عونِ العَبدِ، ما كانَ العَبدُ في عونِ أخيهِ».
(1) دور العمل الخيري في حفظ الدين
وحفظ الدين على ثلاث مراتب: الضروري منه مثل بناء المساجد، ومنه الحاجي مثل إصلاح المساجد وتعيين المؤذنين وغيرهم، وأما التحسيني مثل تزيين المساجد وفرشها وطلاء جدرانها، ويسهم العمل الخيري في حفظ الدين وإقامته وإرساء قواعده بما يلي:
  • بناء المساجد في المناطق التي لا يوجد فيها مسجد، ومدها بالأئمة ومن يقوم على خدمتها، وتعدّ المساجد من أهم الأشياء لحفظ الدين.
  • إقامة المراكز الدعوية وتأهيل الدعاة لمواجهة الفكر المنحرف.
  • إقامة مراكز تحفيظ القرآن ورعاية القائمين عليها.
  • طبع الكتب والنشرات وإنشاء القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية والفضائية بهدف نشر الإسلام والتصدي للأفكار الهدامة.
  • إنشاء المدارس والجامعات الإسلامية التي تخرج العلماء المتخصصين في الشريعة الذين يقع على عاتقهم نشر الدين.
وقد حافظت هذه الأعمال الخيرية على نشر الدين، وإبقائه على سبيل الدوام، وتعدّ الأوقاف من الأعمال الخيرية التي حبست لبناء المساجد وإنشائها، ومن أهم العوامل التي حافظت على حفظ الدين ونشره.
(2) دور العمل الخيري في حفظ النفس
يعدّ العمل الخيري من أهم الأدوات التي شرعها الإسلام للمشاركة في حفظ النفس، وقد ساهم العمل الخيري في حفظ النفس بما يلي:
  • توفير كفاية النفس بما تحتاجه من طعام وشراب ولباس ومسكن، ووقاية من الأمراض وغيرها من الوسائل التي لا يتم حفظ النفس إلا بها، وتأخذ حكم المقصد الضروري.
  • تقديم نفقات العلاج ماديا أو من خلال إنشاء المستشفيات الخيرية وتخصيصها للمحتاجين.
  • المساهمة في إغاثة المنكوبين والمتضررين من الكوارث.
  • إقامة دور الرعاية الصحية التي تعنى بحفظ حياة الأطفال الذين فقدوا ذويهم في الحرب أو الحوادث وغيرها، وكذلك رعاية اللقطاء الذين فقدوا نعمة الأب الشرعي.
(3) دور العمل الخيري في حفظ العقل
لم يغفل الإسلام الاهتمام بالعقل وذلك بالمحافظة عليه عما يضره في مادته وجوهره، وما يذهب بوظيفته جزئيا أو كليا، واستخدامه فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه، وللعمل الخيري إسهامات واضحة في حفظ العقل بوسائل منها:
  • إنشاء المكتبات ودور العلم؛ حيث إن الكتاب هو الأساس في بناء الشخصية العلمية وتربية الأجيال الناشئة.
  • بناء المدارس والمعاهد ومراكز الدعوة والإرشاد، والإنفاق على مستلزماتها والقائمين عليها من أساتذة ومدرسين، ولا شك أن المؤسسات التعليمية كان لها الأثر في حفظ العقل من الجهل؛ بتعليم الإنسان كل ما يلزمه ويلزم أمته، من: فقه وحديث ولغة ونحو وطب وإدارة، وشمل التعليم الرجال والنساء والأطفال، وكثير من العلماء والفقهاء الذين خدموا الدين تلقوا تعليمهم وثقافتهم من خلال هذه المدارس والمكتبات.
(4) دور العمل الخيري في حفظ النسل
حفظ النسل من الركائز الأساسية لعمارة الأرض، وهو عنصر مهم للجهاد الذي يحفظ الدين والنفس، وكلها من الضروريات الخمس، والإسلام حث على التناسل، وعمل على حمايته بوسائل عدة منها: تخصيص الأموال للمقبلين على الزواج ومساعدتهم، ووجد كذلك الوقف على أصحاب العوائل ممن كثر عياله وقل رزقه.
(5) دور العمل الخيري في حفظ المال
ينظر الإسلام إلى المال على أنه وسيلة لتحقيق مقاصد شرعية ودنيوية وأخروية فردية واجتماعية، فلا يستطيع المرء أن يحافظ على حياته المادية إلا بالمال، فبه يأكل وبه يشرب، وبه يلبس وبه يبني مسكنه وبه يصنع سلاحه الذي يدافع به عن نفسه وحرماته، وبه يطور نفسه ويرقيها، والمال في الإسلام هو مال الله -عزّوجل-، والإنسان مستخلف عليه، ويسهم العمل الخيري في حفظ المال بالمحافظة عليه من الإتلاف وإخراج حقه بالزكاة والصدقة، ومنع استخدامه فيما يضر، وتنميته بالطرائق الشرعية.
العمل الخيري وحفظ المقاصد الحاجية
تتناول المقاصد الحاجية حفظ الكليات الخمس ولكن بمرتبة أقل من الضرورية، فتحفظ المقاصد الحاجية هذه الخمس بما يجلب التيسير والرفق للمكلفين، والتوسعة ورفع الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة، وبما أن ظروف الحياة المتجددة والمتغيرة تنشأ دائماً عن حاجات لا حصر لها، فتتنوع صور العمل الخيري بتنوع هذه الحاجات التي يطلب تلبيتها؛ حيث إن هذه الحاجات لا غنى للإنسان عنها، وبوجودها يرفع الحرج والمشقة عن الأفراد والأمة، وتجلب التيسير والرفق، ويسهم العمل الخيري في حفظ المصالح الحاجية من خلال:
  • إنشاء مراكز رعاية المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة وتزويدها بالأجهزة والمستلزمات الطبية والكوادر البشرية.
  • إنشاء دور المسنين للذين فقدوا من يعولهم.
  • تمليك المساكن للمحتاجين، أو توفير سكن لائق لهم، أو ترميم مساكنهم القديمة وإصلاحها وتزويدها بالمرافق الصحية.



اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان






ابوالوليد المسلم 23-07-2025 05:27 PM

رد: أهداف العمل الخيري ومقاصده الشرعية
 
أهداف العمل الخيري ومقاصده الشرعية (٢)

سدّ حاجة الفقراء وتحقيق التنمية المستدامة


  • تحقيق العبودية لله تعالى وتنفيذ أوامره بعمل الخير هو بمثابة المقصد الأعلى والجامع لكل ما يليه من المقاصد والغايات والأهداف وهو مقصد يسعى إليه كل مسلم متعبد لربه ومطيع له وملتزم بتوجيه دينه وأحكامه
  • إذا نظرنا إلى الأعمال الخيرية العظيمة في عالمنا الإسلامي لوجدنا لها دورا عظيما في التعمير من خلال بناء الجوامع والمساجد والمدارس والجامعات والمستشفيات وحفر الآبار والمشروعات الخيرية المتنوعة من شق الطرق وبناء الجسور والقناطر
  • الأعمال الخيرية تؤدي بلا شك إلى تنمية شاملة للأفراد والمجتمع والأمة فالعمل الخيري ليس مقتصرا على جانب واحد من جوانب الحياة ولكنه يشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وكل ما يحتاجه الفرد والمجتمع
  • الوقف والهبة ونحوهما مما يدخل في العمل الخيري يعمل على تحقيق العبودية لله تعالى فالعبودية لا تتحقق بتنفيذ العبادات البدنية فقط وإنما تتحقق أيضا عندما تكون حياة المسلم لله تعالى {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
  • العمل الخيري الإسلامي يقوم أساسًا على مقصد الإحسان بمفهومه العام فيشمل الإحسان إلى المسلم وغيره وإلى الصغير والكبير والذكر والأنثى
ذكرنا في الحلقة الماضية أن العمل الخيري يسعى لتحقيق مجموعة من الأهداف النبيلة، ومن أبرزها حفظ الضرورات الخمس التي اتفقت عليها الشرائع السماوية، وهذه الضرورات تمثل الأسس التي يقوم عليها المجتمع الإنساني؛ كما يسعى العمل الخيري إلى سدّ حاجة الفقراء والمحتاجين، ورعاية المرضى، ومساعدة الفئات الضعيفة، وتعزيز التكافل الاجتماعي، وبناء مجتمعات قوية ومتماسكة، كما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة من خلال دعم التعليم والرعاية الصحية والإسكان، وغيرها من المجالات التي تخدم المجتمع، ثم بيّنا أن عمل الخير مقصد من مقاصد الشريعة، وذكرنا فعل الخير في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية.
المقاصد الخاصة بالعمل الخيري
المقاصد الخاصة وهي المقاصد التي تتعلق بباب معين من أبواب المعاملات، وللعمل الخيري مقاصد خاصة يحققها للفرد المسلم ولمجتمعه ومن تلك المقاصد:
تحقيق العبودية لله -تعالى-
تحقيق العبودية لله -تعالى- وتنفيذ أوامره في الأمر بعمل الخير، وهذا المقصد هو بمثابة المقصد الأعلى والجامع لكل ما يليه من المقاصد والغايات والأهداف، وهو مقصد يسعى إليه كل مسلم متعبد لربه ومطيع له وملتزم بتوجيه دينه وأحكامه، فالوقف والهبة ونحوهما مما يدخل في العمل الخيري، يعمل على تحقيق العبودية لله -تعالى-؛ فالعبودية لا تتحقق بتنفيذ العبادات البدنية فقط، وإنما تتحقق أيضا عندما تكون حياة المسلم لله -تعالى- {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
تحقيق رسالة الاستخلاف في الأرض
تحقيق رسالة الإنسان العليا التي كلفه الله -تعالى- بها، وهي رسالة الاستخلاف في الأرض {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، وإذا نظرنا إلى الأعمال الخيرية العظيمة في عالمنا الإسلامي لوجدنا لها دورا عظيما في التعمير من خلال بناء الجوامع والمساجد والمدارس والجامعات والمستشفيات، وحفر الآبار، والمشروعات الخيرية المتنوعة من شق الطرق، وبناء الجسور والقناطر.
تحقيق التنمية الشاملة
تحقيق التنمية الشاملة للإنسان والمجتمع والأمة من خلال الموارد المالية التي تنفق على المدارس والجوامع، والمستشفيات، وكذلك على العلماء، وطلبة العلم، والفقراء والمساكين والأرامل والغارمين وغيرهم، فهذه الأعمال الخيرية تؤدي بلا شك إلى تنمية شاملة للأفراد والمجتمع والأمة، فالعمل الخيري ليس مقتصرا على جانب واحد من جوانب الحياة، ولكنه يشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، والتعليمية وكل ما يحتاجه الفرد والمجتمع، فلكل إنسان حاجة تختلف عن حاجة غيره، فعمل الخير يعد حجر الأساس للتنمية الشاملة للمجتمعات الإسلامية، ويعطي بعداً آخر في قدرة المجتمع المسلم على التخطيط المبكر لمتطلبات الحياة وظروفها المستقبلية المتقلبة. وقد أثبتت التجربة أن العمل الخيري يشمل مختلف مجالات الحياة، فهو أحد مظاهر رعاية التشريع الإسلامي للمجتمع، والقيام به يربي المجتمع على حب الخير للجميع، والارتفاع عن النظرة المادية المغرقة، وتقديم الدعم لكل من له حاجة للدعم والاهتمام، وهو كذلك يحفظ تماسك المجتمع، ويحقق الأخوة؛ مما يضمن له السلم الاجتماعي؛ ولذا جاءت النصوص الشرعية حاثة عليه آمرة به؛ قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وهي آية جامعة للعمل الخيري مع فرائض الدين اللازمة في سياق واحد.
الدور الاجتماعي والاقتصادي
ومن الأدوار الأساسية للعمل الخيري الدور الاجتماعي والاقتصادي؛ فكل مجتمع وكل فترة تمر بالمسلمين تحتاج إلى مورد مستمر يحقق منافع كثيرة في أشكال متعددة، وصور مختلفة بما يجعل المجتمع المسلم في حال مستقرة في معيشته وأموره المادية، وهذا الاستقرار يعود بالنفع على المسلمين من ناحية قدرتهم على الاستقلال عن التبعية لغيرهم، ويؤدي إلى تقوية مجتمعهم وتحصينه ضد الأمراض الاجتماعية التي تنتج من الفقر والعوز، وتحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع المسلم يعين الفرد المسلم على تفريغ قلبه من هموم العيش وتكاليف الحياة، وهذا يعينه على تحقيق الغايات السامية في حياته، وهي عبادة الله -تعالى-، فهذا إبراهيم -عليه السلام- يطلب من ربه -تعالى- أن يحقق الأمن الاجتماعي والاقتصادي لأهل بلده حتى يتمكنوا من عبادته -تعالى- على أكمل وجه، قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ}، وتحقيق هذا الهدف في حد ذاته مدعاة إلى اليقين بأهمية العمل الخيري في المجتمع المسلم وضرورة التوعية بأهميته بين جميع أفراد المجتمع.
تأمين مورد مالي ثابت للأمة
كذلك فإن تأمين مورد مالي ثابت لمستقبل الأمة الإسلامية يعد من المقاصد الأساسية للعمل الخيري، وهذا المقصد واضح في تشريع الأوقاف الإسلامية، حتى يكون للدولة الإسلامية مورد ثابت، ويكون للأمة في حاضرها ومستقبلها بأجيالها المتعاقبة دخل يعينها في نوائبها، ويحقق لها التقدم والازدهار، وقد ساهمت الأعمال الخيرية في توفير موارد ثابتة للعلماء، أو المدرسين، أو الأطباء، أو المؤسسات، فكان لها دور عظيم في توفير متطلبات الحياة لهم على مر عصورها، ولا سيما عصورها الزاهرة.
تحقيق مبدأ التكافل الإسلامي
إن مفهوم التكافل في الإسلام يشتمل على معاني البر والإحسان والوقوف بجانب أهل الفقر والعوز، وأن يكون الأفراد في كفالة مجتمعهم، وأن يكون كل قادر كفيلا في مجتمعه يمده بالخير، ويدفع عنه الأضرار، أو أن يتضامن أبناء المجتمع ويتساندوا فيما بينهم، وهذا التكافل ينبع من أصل العقيدة الإسلامية؛ ليعيش الفرد في كفالة الجماعة، وتعيش الجماعة بمؤازرة الفرد؛ حيث يتعاون الجميع ويتضامنون لإيجاد المجتمع الأفضل، ودفع الضرر عن أفراده، وقد تضافرت الآيات والأحاديث على أن المؤمنين أمة واحدة، وأنهم إخوة، وأن هذه الأخوة ليست مجرد شعار يُرفع، أو كلمة تقال، وإنما لابد أن تكون لها حقيقتها وأثرها في الواقع، يقول الله -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، وإن المتأمل في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المطهرة ليدرك من خلالها أنها تدعو لفعل الخير والوقوف بجانب أهل الفقر والعوز من المسلمين، وفي ذلك دلالة على التكافل الاجتماعي، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن أعتكِفَ في هذا المسجدِ - يعني: مسجدَ المدينةِ- شهرًا،»، وأيضا: «خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ» وهذا فيه ما يكفي لفعل الخير وعلو مكانة فاعله، وفيه أيضا حث على ضرورة القيام بمعاونة الناس جميعا، وأن يتخذ العون كل أشكاله، يقول الله -تعالى-: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ؟ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}.
تحقيق مبدأ الإيثار في الأمة
من مقاصد العمل الخيري وأهدافه تحقيق مبدأ الإيثار في الأمة وتربيتها على ذلك، فمن يقومون بالعمل الخيري يقومون به لأنهم يؤثرون على أنفسهم على الرغم من حاجتهم إليها، فهذا أبو طلحة حينما وقف بستانه بيرحاء كان أحب أمواله إليه، وكان محتاجًا إليه؛ لأنه كان يعيش فيه، ولكنه آثر رضا الله -تعالى- ونيل الأجر العظيم في الآخرة؛ حيث ذكرت الروايات أنه بعدما وقفه عاد إلى أهله الذين كانوا يعيشون في البستان فأخرجهم منه، وكذلك كانت الأرض التي بني عليها مسجد رسول الله - لبني النجار الذين رفضوا بيعها وإنما جعلوها وقفاً على الرغم من حاجتهم، وكذلك زيد بن حارثة وقف فرسه التي كان يحبها ولم تكن لديه فرس أخرى حتى لابنه أسامة، وأثر هذا المقصد يظهر في تحقيق القدوة والتربية والحث على الإيثار، وتعويد الأمة على ذلك؛ لأن الأمة لا تتحقق لها قوتها وتماسكها وعزتها إلا إذا كانت مستعدة للإيثار.
إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج
إغاثة الملهوف، وإعانة المحتاج، يقول الله -تعالى-: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وقال الله -عزوجل-: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، وقال الله في وصف أهل الجنة: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (الإنسان)، ويقول الله -تعالى-: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} (البلد)، وقالت الصحابية الجليلة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- في وصف النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق». إن العمل الخيري الإسلامي يقوم من أساسه على مقصد الإحسان بمفهومه العام، فيشمل الإحسان إلى المسلم وغيره، وإلى الصغير والكبير، والذكر والأنثى، ومن وجوه الإحسان إغاثة الملهوف، وإعانة المحتاج، وكسب المعدوم، وتفريج الكرب، وفك الأسير، وإطعام الجائع، ورعاية اليتيم وإمداد المتضرر بالكوارث بالطعام والشراب والفراش والخيام واللباس وبالطب والهندسة والآلات، وذلك مقصد شرعي لكثير من الأعمال الخيرية، وهو يدل على الإحسان والرحمة التي يمتاز بها الإسلام، ويقصد إليها.
محاربة الفقر
محاربة الفقر من مقاصد العمل الخيري، وهذه تصحبها علل أخرى كثيرة مثل: الجهل والمرض والبطالة، وهي علل ذات آثار سلبية، تدمر قدرات المجتمع. والعمل الخيري بمختلف أنواعه هو أحد الأشياء التي تستهدف القضاء على الفقر، وتسعى دائما لتجفيف منابعه، وإخراج من يدخل في دائرته وإعادة إدماجه في دورة العمل والإنتاج؛ كي يصبح معتمدا على ذاته، مساهما في بناء مجتمعه وفي مساعدة غيره، ولا سيما أن علة الفقر تصحبها علل أخرى كثيرة مثل: الجهل والمرض والبطالة والجريمة، وهي علل ذات آثار سلبية، تدمر قدرات المجتمع، وتعوقه عن التطور والنمو. ويسعى النظام الإسلامي عامة إلى القضاء على الفقر من المجتمع بوسائل متعددة، وكلما نبتت بوادر جديدة للفقر أسرع إلى محاصرته ومعالجة أسبابه. ولذلك كان أول مصرف للزكاة المفروضة هم الفقراء والمساكين بنص قوله -تعالى-: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}. وإلى جانب الزكاة المفروضة جاءت شريعة الإسلام على المبادرة بالأعمال الخيرية للإسهام في مواجهة مشكلة الفقر، ومن أهم أنواع هذه الأعمال الخيرية: الصدقة والوقف والهبة والانتفاع بفائض رؤوس الأموال والقرض الحسن، ومن ذلك كله عرفنا أن محاربة الفقر مقصد أساسي من مقاصد العمل الخيري. وللفقر صلة وثيقة بالقهر وليس فقط بالجهل وبالمرض؛ ولهذا كان التصدي له في مقدمة أولويات العمل الخيري، وتجلى ذلك بأوضح ما يكون في نظام الوقف الإسلامي.
خلاصة القول
في ختام هذا الملف يمكن القول: إن العمل الخيري هو النفع المادي أو المعنوي الذي يقدمه الإنسان لغيره دون مقابل، مثل أعمال البر وصنائع المعروف، ولا يقتصر هذا العمل على المساعدات المادية، وإنما يتعدى ذلك إلى البرامج الثقافية والدعوية لإقامة المصالح المعتبرة؛ ابتغاء الأجر في الآخرة. وأن الخير مقصد عام وثابت من المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وله مقاصد أخرى تستهدف كلها منفعة الإنسان في كل زمان ومكان، كما أنه يعمل على تحقيق مقاصد الشريعة الثلاث.
من وسائل محاربة الفقر في العمل الخيري
  • المساعدات النقدية التي تقدم للفقراء في الأعياد والمناسبات الدينية، أو تقدم لهم في أوقات حاجتهم إلها.
  • المساعدات العينية التي تشمل الطعام والكساء والدواء والمأوى أحيانا، وهي تقدم للفقراء والمعوزين موسميا أيضا أو في أوقات حاجتهم إلها؛ شأن المساعدات النقدية.
  • المساعدات المؤسسية؛ ونقصد بها تلك المساهمات التي يقوم بها فاعلو الخير من أجل دعم مؤسسات تقدم خدمات عامة أو تمويلها أو إنشائها، مثل: المساجد والمدارس والمستشفيات ومستوصفات العلاج ودور الرعاية الاجتماعية، التي تقدم خدماتها للأيتام والعجزة والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة.
  • المساعدات الفنية وتشمل ما يتطوع به فاعلو الخير من خبرات واستشارات ومشاركات يقدمونها دون أجر مادي، ويسهمون بها في تدريب الراغبين في العمل من غير القادرين وتأهيلهم على تحمل نفقات التأهيل المهني اللازم لدخولهم سوق العمل.
أهم النتائج والتوصيات
  • العمل الخيري يشمل البذل المادي والمعنوي لإقامة المصالح الشرعية ابتغاء الأجر والثواب من الله.
  • يعد العمل الخيري مقصدا من مقاصد الشريعة، وذلك بدلالة كثرة الأمر به والحض عليه ومدح فاعليه، والتحذير من مناوئيه في كثير من آيات الكتاب العزيز، وأحاديث النبي الكريم.
  • يحقق العمل الخيري مقاصد الشريعة في حفظ الكليات الخمس، وبحفظه لهذه الأصول فهو مصلحة مقصودة للشرع، مثل بناء المساجد ومراكز تحفيظ القرآن وطباعة المصاحف والكتب والمدارس والمستشفيات.
  • يحقق العمل الخيري مقاصد الشريعة الحاجية؛ إذ يوسع على الأمة ويرفع الضيق، وينشئ مراكز رعاية المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، ودور المسنين للذين فقدوا من يعولهم، وكذلك المكتبات العامة.
  • يحقق العمل الخيري مقاصد الشريعة التحسينية، فيكمّل الحياة ويزينها ويحسنها، مثل التطوع في حملات النظافة للأحياء الفقيرة والحدائق العامة المساهمة في تزيين المساجد والشوارع والطرقات، والمساهمة في توعية السجناء وإصلاحهم وتعليمهم النافع من الأعمال، ومساعدة من يعجز عن أداء فريضة الحج.
  • العمل الخيري أحد الأسباب الرئيسة في المحافظة على الأموال وتنميتها، وزيادتها، و دوامها وبقاء أصلها، وحمايتها من أي عامل يسعى إلى إهلاكها أو إفسادها.



اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان







الساعة الآن : 10:41 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 32.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.36 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.42%)]