ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   أيهما أسهل فتح المصحف أم فتح الهاتف؟ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=316148)

ابوالوليد المسلم 20-07-2025 08:50 PM

أيهما أسهل فتح المصحف أم فتح الهاتف؟
 
أيهما أسهل، فتح المصحف أم فتح الهاتف؟

عبدالله بن إبراهيم الحضريتي

الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أنزل الكتاب هدايةً ونورًا، وجعل تلاوته قربةً وأجرًا، نحمده سبحانه ونشكره، ونسأله أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فأوصيكم ونفسي المقصِّرة بتقوى الله، فهي وصية الله للأولين والآخرين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

عباد الله:
سؤال يكشف لك حال القلب دون حجاب، ويعري نواياك في لحظة اختيار: هل تنجذب يدك بلا وعيٍ لما يشبع العادة، أم لما يروي الروح ويُنير الطريق؟

كم مرةً فتحت هاتفك بلا سبب؟ وكم مرةً فتحت المصحف بلا طلب؟ فالأول إلهاء يُغرقك في زحام الحياة، والثاني نور ينتشلك من غفلة الأيام.

فإذا أردت أن تعرف أين يقف قلبك، فانظر إلى أيهما تمتد يدك أولًا.

سؤال يشق السكوت في أعماقنا، ويكشف لنا مسار القلب، وأين يرتحل، فإن كانت الأصابع تتسابق للشاشة قبل الصفحة، فهناك شيء ينبغي إصلاحه في الداخل.

المصحف لا يرسل إشعارًا، ولا يضيء شاشته ليذكرك، ولا ينبهك إذا غفلت، لكنه ينتظرك بصمتٍ، يعلم أنك لن تخرج منه كما دخلت، ويدري أن كل نظرة فيه هي طوق نجاةٍ من غرق الدنيا.

فاختَر أين تضع يدك؛ فإنها تدلك على أين يقودك قلبك.

عباد الله، حديثنا اليوم عن سؤال بسيط في كلماته، عميق في معناه، مؤثر في واقعنا: أيهما أسهل، فتح المصحف أم فتح الهاتف؟

لو تأملنا حالنا اليوم، لَوجدنا أن كثيرًا من الناس أصبح الهاتف رفيقهم الدائم، يفتحونه عند الاستيقاظ، وقبل النوم، وفي أوقات الفراغ، بل حتى أثناء العمل والعبادة، أما المصحف، فهو على الرفِّ مغبرٌّ، أو في تطبيق مهمل، قلما تُفتح صفحاته إلا في رمضان أو عند المصائب!

فلماذا أصبح فتح الهاتف أسهل علينا من فتح المصحف؟ أليس هذا دليلًا على انشغال قلوبنا بالدنيا، وانصرافها عن الآخرة؟ ألم يكن الصحابة والسلف الصالح يُحيون حياتهم مع القرآن، تلاوةً وتدبرًا وعملًا؟
في الآيات مفتاح البرايا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي الأحزان دمع لا يُقال https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفي "طه" و"يس" كل حزن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يزول كالسحاب بلا جدال https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فأقبل لا تبدلها بوهمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يبيع العمر في خطب مُحال https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فليس المال يسعف كل حي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إذا الموت اجتثاه من الظلال https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فكم من منشغلٍ بالهاتف يبكي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يوم الحشر من هول السؤال! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكم من هاجر كتاب ربه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يتمنى لو يعود له الليالي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تؤجلن الوعد يومًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإن الموت يأتي باغتيال https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفز بالقرآن صحبًا وودادًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ففي آياته روح الوصال! https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


عباد الله: القرآن هو كلام الله، نور في الظلمات، شفاء للقلوب، سبب للطمأنينة والسعادة؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

فلنتأمل معًا، كم من الساعات نقضيها يوميًّا على الهاتف؟ وكم من الدقائق نقضيها مع كتاب الله؟! إن كانت أجسادنا تتغذى بالطعام، فإن أرواحنا لا تجد غذاءها إلا في القرآن.
خذ من الآيات زادًا يهديك https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ودعِ الهوى إن كان يلهيك https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فما سيبقى غير ما تتلوه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وغير نور في الدجى يحميك https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


أيها الأحبة، لنبدأ من اليوم عهدًا جديدًا مع القرآن:
اجعل لنفسك وردًا يوميًّا ولو بآيات قليلة.
استبدل ببعض وقت هاتفك وقتًا مع المصحف.
تأمل معاني القرآن وطبِّقها في حياتك.
علِّم أبناءك وأهلَك حبَّ القرآن.

واعلموا أن السعادة الحقيقية ليست في هاتف يربطك بالدنيا، بل في مصحف يوصلك بالآخرة.

نسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضاه عنا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل القرآن هدًى ونورًا، وفتح به للقلوب أبواب الرحمة، وجعله شفاءً لما في الصدور، نحمده سبحانه ونشكره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد عباد الله:
فحديثنا في الخطبة الأولى كان عن المفاضلة بين فتح المصحف وفتح الهاتف، وكيف أن الكثير من الناس أصبحوا يجدون سهولةً في تصفح هواتفهم ساعاتٍ طوالًا، بينما يجدون مشقةً في تخصيص دقائق معدودة للقرآن الكريم.

واليوم، بعد أن أدركنا المشكلة، حان وقت الحلول العملية لنعيد للقرآن مكانته في حياتنا، فكيف نجعل من فتح المصحف عادةً يوميةً كما اعتدنا على فتح الهاتف؟ إليكم بعض الوسائل:
1- تخصيص وقت ثابت يوميًّا لقراءة القرآن: تمامًا كما نبرمج أوقاتنا لاستخدام الهاتف، فلنخصص وقتًا محددًا يوميًّا لقراءة القرآن، وليكن بعد الفجر أو قبل النوم، أو بعد كل صلاة، المهم أن يكون وقتًا ثابتًا لا نحيد عنه.

2- استبدال القرآن ببعض وقت الهاتف: بدلًا من قضاء وقت طويل في تصفح الأخبار ووسائل التواصل، لنخصص بعضًا منه لقراءة القرآن أو الاستماع إليه، خصوصًا عند أوقات الانتظار أو الفراغ.

3- حمل المصحف في كل مكان: كما نحمل هواتفنا في كل مكان، فلنحمل معنا مصحفًا صغيرًا، أو نستخدم تطبيقات المصحف الإلكترونية، ونجعل لنا هدفًا بقراءة ولو آياتٍ قليلة كل يوم.

4- تدبُّر القرآن وليس مجرد قراءته:
لنحرص على فهم معانيه وتدبر آياته، فالقرآن لم ينزل لنقرأه فقط، بل لنعمل به؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].

5- تشجيع الأهل والأبناء على حب القرآن: لنكن قدوةً في بيوتنا، فنقرأ القرآن أمام أهلنا وأبنائنا، ونشجعهم على قراءته وحفظه، فخير ما نورثه لهم هو حب كلام الله.

عباد الله، إن الله سبحانه يسَّر علينا قراءة القرآن، ووعدنا بالأجر العظيم، فمن يقرأ حرفًا واحدًا فله عشر حسنات، فكيف بمن يجعل القرآن رفيقه في حياته؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ [رواه مسلم].

فلنبدأ من الآن، ولنضع المصحف في مقدمة أولوياتنا، قبل الهاتف، قبل الأخبار، قبل وسائل التواصل.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يرزقنا تلاوته وتدبره والعمل به، وأن يجعله شفيعًا لنا يوم نلقاه.
فعُد للكتاب فيه شفاء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ونور عمر به الوجد باق https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ودَعْ سراب الوهم إن طريقًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بغير ذكر الله درب شقاق https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.






الساعة الآن : 08:59 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 15.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.04 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.62%)]