الموضوع: كن مطمئنا
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 15-09-2010, 06:30 PM
الصورة الرمزية اخت الاسلام
اخت الاسلام اخت الاسلام غير متصل
مشرفة الملتقى الاسلامي
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
مكان الإقامة: ارض الله
الجنس :
المشاركات: 6,045
الدولة : Morocco
افتراضي كن مطمئنا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عندما تسأل كثيرًا من الناس اليوم عن حالهم ووضعهم النفسي فإن إجابة الكثير من هؤلاء هي أن هذا قلِق، وهذا محتار، وذاك مضطرب، بل حتى لو سألت بعض الصغار نجد نفس الجواب، القلق متجذّر في الدواخل، والاضطراب متمكن من الأنفس، وعندما تسأل أمثال هؤلاء عن سبب مشاعرهم هذه فإن الإجابة أنهم لا يعرفون.
في ظلّ هذا الوضع فكرتُ أن أعطي إشراقه أمل في أن أدعوَ نفسي وإياكم إلى الاطمئنان فنقول: إن عوامل الاطمئنان والحمد لله قائمة في ديننا حاضرةً في قرآننا واضحة في سنة نبينا محمد ، فلماذا لا نطمئن؟! ولماذا لا نستقر؟! ولماذا لا تهدأ دواخلنا؟!
أولاً: إن من عوامل الاطمئنان والقضاء على القلق والاضطراب والحيرة والتردّد أن تؤمن بالله على كل حال، وأن تسعد به في كل الأحوال، إن غضبَ ربّك فلا تهرب منه، إن أذنبتَ وأخطأت فالله ربك، وهو الذي يستقبلك إن كنت عاصيًا أو طائعًا، المهم أن يستقرّ في داخلك أن الله معك، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40]، وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [الحديد: 4]. وأن تقول دائمًا: يا رب ليس لي سواك في كل الأحوال، إن عصيتك فأنت ربي، وإن أطعتك فأنت ربي، أستعينك قبل الطاعة، وأستغفرك بعد المعصية يا رب.

إن كـان لا يرجوك إلا مُحسن فبمن يلـوذُُ ويستجيرُ المجـرمُ


أدعـوك ربي كما أمرتَ تضرعا فإذا رددتَ يدي فمن ذا يرحمُ


مـا لِي سواك وسيلةً إلا الرجا وجميـلُ عفـوك ثم أني مُسلمُ

الجأ إلى ربك، إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أُنسك بالله، وإذا تعرفوا إلى حكامهم وكبرائهم وتقرّبوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله وتودّد إليه؛ تجد بذلك غاية العز والرفعة، وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود: 90]؛ لأن الله يقول: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8].
قرأت موقفًا أعجبني عن أعرابي ربما كان خطّاءً، وقف في ظلّ الكعبة ودعا ربه وقال بكل بساطة: اللهم إنك تجد من تعذّبُه غيري، لكني لا أجدُ من يرحمُني سواك.
نعم، الله سبحانه وتعالى رحيم بنا جميعًا، يرحم ويعطي، ويسامح ويعفو ويحب، هو يحبك ولولا أنه يحبك ما جعلك مسلمًا، نعم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54]. اختارك الله لتكون مسلمًا لأنه يحبك، فاطمئن ولا تضيّع هذه النعمة العظيمة، لماذا؟ لأن كل من تحبه من الخلق ويحبك إنما يريدك لنفسه ولغرضه منك، والله تعالى يريدك لك، وكلّ من تعامله من الخلق إن لم يربح عليك لم يعاملك، ولا بد له من نوع من أنواع الربح، والربّ تعالى إنما يعاملك لتربح أنت أعظم الربح وأعلاه، والدرهم بعشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بواحدة وهي أسرع شيء محوًا، أفلا يبعث ذلك في نفسك استقرارًا وطمأنينةً وثقةً بالله عز وجل؟!
من عوامل الاطمئنان ثانيًا: محبّة الرسول ، اتخاذه أسوةً وقدوة. حينما يصادق الإنسان منا شخصية كبيرة فهو يشعر بأمان واطمئنان، وقد تسأله: من قدوتك؟ فيقول: فلان الشخصية الكبيرة، وهذا يطمئنك، إذًا فاطمئنّ فأنت تقتدي بسيد البشر على الإطلاق، فأنت تابع من أتباعه، ورسول الله يُعنى بك ويهتمّ لأمرك ومحبُّك حتى ولو لم يرك، ألم يقل : ((وددت أنا قد رأينا إخواننا))، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: ((أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد))، فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: ((أرأيت لو أن رجلا له خيلٌ غرّ محجلةٌ بين ظهري خيلٍ دُهم بُهم، ألا يعرف خيله؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإنهم يأتون غرًا محجَّلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض)) رواه مسلم عن أبي هريرة (367). إنه يقول لكم: وددت أني رأيتكم. انظروا إلى هذا الشعور الأخوي الإيماني المليء بالحب والشوق والحنين رغم بُعد الزمان والمكان.
وتستمرّ هذه العلاقة بينكم وبين رسولكم العظيم حتى بعد موته، فعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن لله تعالى مَلَكًا أعطاهُ سمعَ العبادِ، فليس من أحدٍ يصلي عليَّ إلا أبلغنيها، وإني سألتُ ربي أن لا يصليَ عليَّ عبدٌ صلاة إلا صلى عليه عشرَ أمثالها)) صحيح الجامع (2175). إن سلمت على أمير أو وزير أو مسؤول ووصل السلام إليهم وقالوا بأن سلامك وصلنا اطمأننت، فما بالك وسلامك يصل إلى رسول الله في كل وقت؟! لذا أقول لك: حتى تطمئن أشبِع عاطفتك بمحبة النبي ، أشبع عقلك بالاقتداء به، أشبع فكرك بقراءة وعمل ما قاله النبيّ عليه الصلاة والسلام، عطر لسانك بالصلاة عليه تكن مطمئنًا.
من عوامل الاطمئنان ثالثًا: التفاؤل بالنجاح في الدنيا، والتفاؤل بالمصير في الآخرة، أي: في الدنيا فإنَّ توقع الخير والتفكير فيه يدفعان المرء للعمل لتحقيق هذا التفاؤل؛ لذا كان رسول الله يقول: ((يعجبني الفأل الصالح)) رواه البخاري ومسلم عن أنس، وكان يعجبه الفأل الحسن ويكره الطيرة، وفي الأثر: "تفاءلوا بالخير تجدوه". فالمتفائل يقول: نصف الكأس مليء، أما المتشائم فيقول: نصف الكأس فارغ. ولو سافر متفائل في رحلة لأسعد وقته بالاستمتاع بالمشاهد والمناظر من حوله، أما المتشائم يقضي الرحلةً كئيبًا تعيسًا بسبب تفكيره بمخاطر الرحلة والحوادث التي يمكن أن تقع خلالها؛ لذا كن متفائلاً في الدنيا، وكن متفائلا بمصيرك في الآخرة، ولا تستمع لمن يملأ قلبك باليأس والقنوط، اعمل وكن متفائلاً وكن مُؤمّلاً، كن صاحب عمل وأمل، ولا تكن صاحب أمل دون عمل، ولا تكن صاحبَ عمل دون أمَل، كن كذلك وإلا فلا قيمةَ لوجودك، من ماذا تخاف؟! قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: (إذا هِبت أمرًا فقع فيه؛ فإن شدة توقّيه أصعبُ من الوقوع فيه). كن قويًا أمام ما سيحدث، فسيحدث ما سيحدث شئتَ أم أبيت، فاستقبل القدَر مسرورًا فرحًا، وتوجه إلى ربك بوجه مشرق، وقل: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه: 84].
إن الملاحظ على كثير من الناس في هذه الأيام هو كثرة التضجّر والتشاؤم، حتى أصبح البعض يكره أن يلتقي بعض الناس؛ لأنهم يكاد أن يكون الضجر أضحى عنوانهم، والشكوى أصبحت ديدنهم، من ماذا يشكون؟ من احتلال القدس؟! لا، بل يشكو أحدهم من أمر صغير ألمّ بهِ من حرارةٍ زائدة، من طبخة لم تَرُق له؛ لأن حلمه أضحى ضعيفًا ينصبّ على طبخة وأكلةٍ وشربة ولقاء وسهرة، فإذا لقيته بعد الطعام أو بعد السهرة حدثك وهو ضجر؛ لأن الحياة لم تمرّ كما يريد حسب رأيه المزعوم. سبحان الله! لِمَ تفعل ذلك بنفسك؟! ألا تعرف قدرك؟! ألا تعرف أن المؤمن أعظم حرمة عند الله من الكعبة؟! ألا تعرف أن ربك خلق ما في السموات والأرض من أجلك؟! أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ [لقمان: 20]، إذًا اطمئنّ إلى المصير وتفاءَل، واعمل وأمّل، وستصل بإذن الله إلى النجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة.
رابعًا: تقبّل نفسك بلا شروط، وقد يقول قائل: وهل هناك أحد لا يقبل نفسه؟! ونقول: نعم، فبعض الناس يضيق بنفسه وشكله وعيشه وهيئته وفاقته ومكانته، شاعرًا بالقلق والتوتر في كل يوم، بل في كل لحظة، متسائلاً: لماذا أنا بهذا اللون من البشرة؟! ولماذا أنا بهذه القامة القصيرة؟! أو: لماذا أنفي بهذا الشكل؟! أو: لماذا أنا بهذا الجسم المريض؟! أو: لماذا أنا بهذه النفس المهمومة؟! أو: لماذا وضعي العائلي مزري؟! وهكذا، ولا يختلف اثنان أن تعامل الإنسان مع نفسه بهذا الشكل ورفضه لحالها الحسّي والمعنوي غيرُ مفيد أو مُجدِ، لا من قريب ولا من بعيد، والسبب أنك ـ أيها الإنسان ـ لم تكن في يوم من الأيام سببًا مباشرًا فيما صرت إليه؛ لأن الذي خلقك هو الله سبحانه القائل: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْويْمٍ [التين: 4]، وعندما يقول الله سبحانه وتعالى: فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ فليس المقصود بذلك أن تكون أوسم الناس وأجملهم منظرًا حتى تكون في أحسن تقويم، بل أنت في أحسن تقويم وأنت بهذه الصورة التي أنت عليها، بغض النظر عن الشكل والجسم واللون والهيئة، ((إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم)) رواه مسلم عن أبي هريرة (2564)، وعندما التقى نبينا بالصحابي الجليل زاهر الأسود اللون احتضنه قائلاً له مازحًا: ((من يشتري هذا العبد؟)) فقال زاهر: إذًا والله تجدني كاسدًا، فقال له : ((لكنك عند الله لست بكاسد)) حديث صحيح، وعندما ضحك بعض الصحابة من دقة ساقي عبد الله بن مسعود قال لهم: ((أتضحكون من دقة ساقي ابن أم عبد؟! والله، إنهما في الميزان يوم القيامة لأثقل من جبل أحد)) صحيح رواه البخاري.
والواقع يؤيّد ذلك، فكم من فقير عاش كريمًا لأنه كان عفيفًا! وكم من فقير تزوّج بثرية رأت فيه ما لم تر في الأثرياء! وكم من رجل دميم الخلقة تزوج بامرأة غاية في الجمال ورضيت به وفضّلته على الجميلين والوسيمين! وكم من رجل وسيم تزوج بامرأة غير جميلة وفضّلها على الجميلات! وكل هؤلاء عاشوا بسعادةٍ وهناء ورضا؛ لأنّ ثقتهم بأنفسهم كانت كبيرة، فمتى تطور نفسك إلى الأفضل وترى منها ما يُعجبك ويسرك ويوصلك إلى برّ الأمان والسعادة، هي لا تريد منك إلا أن تقبل بها وتثق بقدراتها وترضى عنها في داخلك، وستجد عندها في عالم الواقع كلّ تفاعل وتجاوب لتنفيذ الخطوة التالية، وهي السير في خط التغيير الذي تأمله والتقدّم العملي الذي ترجوه، فابدأ وسترى منها ما يسرك بإذن الله، وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 105].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطيب * صالح بن محمد الجبري*
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.34 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]