بسم الله الرحمن الرحيم
دميتي فلسطين
كان عمري وقتها سبع سنين ، عندما اشترت لي أمي دمية جميلة شعرها أشقر ناعم وعيناها زرقاوان ..
أهدتني أمي تلك الدمية بمناسبة تفوقي في عامي الدراسي ، كدت أطير من الفرحة ، أخذتها ورحت إلى غرفتي مسرورة ، فهذه ضيفتي الجديدة التي ستقاسمني الفراش ، حتى دولاب ملابسي خصصت فيه ركنا صغيرا لها ..
ولكن دميتي لم يكن لديها ملابس سوى فستانا أحمرا تلبسه ، أخذت أفكر ماذا سأفعل فهل يعقل أن أتركها تنام في فستان الخروج ؟
جاءتني فكرة ، ابتسمت وأسرعت إلى الخياط الذي يقع محله مقابل بيتنا ، طلبت منه أن يعطيني قطعا من القماش وأخبرته بأني أريد أن أخيط لدميتي ملابس جديدة ، لم يتردد في إعطائي ما طلبت ..
عدت للبيت مسرعة ودخلت غرفتي وبدأت أحاول أن أخيط ثوبا لدميتي الجميلة ، أذكر أني قضيت نهاري كله وأنا أصنع لها ثوبها الأول حتى جن الليل علي وتعبت من صعوبة المحاولة ، ولكن مرة بعد مرة صرت خياطة ماهرة ..
والآن كل شيء على مايرام ، فراش دميتي .. ملابسها .. خزانتها ..لقد ملأت وقتي كله ..
ولكن بقي شيء واحد لم أفعله ، أن أسميها ، أليس لي اسم أعتز به ؟ فكرت وفكرت وأخيرا وجدته
سأسميها فلسطين
ضحك كل من حولي علي وأخبروني أن فلسطين بلد وليس دمية ، ولكني لم آبه لأحد وصرت أناديها فلسطين .
تعلقت بدميتي كثيرا حتى تمنيت لو ترافقني لمدرستي ، أودعها كل صباح لأعود في الظهيرة مسرعة إلى غرفتي لأطمئن عليها .
إنها فلسطين أغلى ما أملك..
مرت السنوات وكبرت وزاد تعلقي بدميتي أكثر وأكثر ، لقد أصبحت جزءا مني .
لما صار عمري اثني عشر عاما ، بدأت أمي تتضايق من ابنتها التي لا تريد أن تكبر وتتخلى عن تلك الدمية المهترئة ، حاولت أن تقنعني بأني كبرت ويجب علي أن أتخلص من دميتي، فهي لا تليق بفتاة ودعت مرحلة الطفولة .
بكيت يومها بكاءا شديدا ، حاولت أن أقنعهم بأن تلك الدمية قطعة مني إنها فلسطين ، ولكن تركتني أمي نائمة لترمي بها ..
لقد حزنت على فراقها حزنا شديدا حتى أني مرضت لأيام ، قد يظن قارئ سطوري بأني كنت بحاجة لطبيب نفساني ولكن لم أكن كذلك ، لست أدري كيف سأوصف لكم شعوري
هل ستنصفوني ؟
إذا اسمعوني ..
لقد كانت دميتي وطنا كلما شعرت بمرارة الغربة ، أرحل إليها لما أشتاق إليه.
لم أكن أراها دمية عادية ، بل مجموعة مشاعر مكبوتة في صدر طفلة لا تعرف كيف يكون التعبير عن الانتماء والحب والحنين للوطن المسلوب..
لقد كانت وطني الذي حلمت كثيرا أن أراه ، جبلت على حبه مذ خلقت فلسطينية تربت في بلاد الشتات
لعلكم تتساءلون ماالذي علمني حب وطن لم أره يوما ؟
ولكن حب الوطن ، حب فطري يولد مع الإنسان طفلا ليكبر ويكبر حتى يشيخ ..و لا تسطيع أي قوة اقتلاعه أو تغييره.
لم أنس دميتي يوما، ولن أنساها
لأن اسمها فلسطين
واليوم كلما ساقني الحنين إلى وطني، مع يقيني بطول المسافات ، وسوء الحال ، وما وصلنا إليه من تشتت وتمزق وهوان .
تمنيت لو أعود طفلة تصنع من أشواقها دمية ..تهدهدها .. وتحضنها .. وتسميها فلسطين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته