الإسراء والمعراج
في تلك الظروف الصعبة كانتالمواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحادثة الإسراء والمعراج، يقول الله عزوجل: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركناحوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) (الإسراء/ 1).
وفي الصحيحين عنأنس رضي الله عنه قال: "كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فرجسقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهبممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماءالدنيا.."، وفي رواية لمسلم: "أتيت بالبراق - وهو دابة - أبيض طويل ، فوق الحمار،ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قالفربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثمخرجت، فجاءني جبريل -عليه السلام- بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقالجبريل: اخترت الفطرة، قال ثم عرج بنا إلى السماء..".
وقصة الإسراءوالمعراج مبسوطة في الصحاح ، وقد لقي صلى الله عليه وسلم في معراجه الأنبياء آدم،ويوسف، وإدريس، وعيسى، ويحيي، وهارون، وموسى، وإبراهيم، عليهم السلام، وسمع صريفالأقلام، وفرضت عليه الصلاة، ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور فيالسماء السابعة، ورأى نهر الكوثر وأنهار الجنة ورأى جبريل عليه السلام على هيئته،ورأى أقواماً يعذبون على جرائمهم .
ورغم أن حادثة الإسراء والمعراج كانتمواساة وتطميناً للرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنها كانت فتنة لبعض المسلمينوللكافرين ممن لم يصدقوا بها، وجمهور العلماء على أن الإسراء كان يقظة بالروحوبالجسد.
بيعة العقبة الأولى
كان رسول الله صلى اللهعليه وسلم يعرض نفسه في موسم الحج على القبائل، فتعرض لستة نفر من الخزرج سنة 11 منالنبوة، منهم أسعد بن زرارة، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، ودعاهم إلى الإسلاموإلى معاونته في تبليغ رسالة ربه، فآمنوا به وصدقوه ووعدوه المقابلة في الموسمالقابل ، وهذه بداية إسلام الأنصار.
فلما كان الموسم التالي سنة 12 منالنبوة أتوا، ويقول عبادة بن الصامت: "كنا اثني عشر رجلاً في العقبة الأولى،فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بيعة النساء أن لا نشرك بالله شيئاً ولانسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولانعصيه في معروف، فمن وفّى فله الجنة، ومن غش من ذلك شيئاً فأمره إلى الله، إن شاءعذبه وإن شاء غفر له" (رواه البخاري ومسلم).
وعاد الأنصار إلى المدينةومعهم مصعب بن عمير، يعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين ويقرئهمالقرآن.
بيعة العقبة الثانية
قدم وفد الأنصار في موسمالحج في السنة الثالثة عشر من النبوة، واجتمع منهم في الشعب عند العقبة ثلاثةوسبعونرجلاً وامرأتان، وجاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس - وكانلا يزال على دين قومه - وكان العباس هو أول المتكلمين في هذا الاجتماع قال: يا معشرالخزرج إن محمداً منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا من هو على مثل رأينا فيه،فهو في عز من قومه ومنعة بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإنكنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم منذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنهفي عز ومنعة من قومه وبلده.
قال كعب بن مالك الأنصاري: فقلنا له: قد سمعناما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت..، وهذا الجواب من الأنصاريدل على تصميمهم وشجاعتهم وإيمانهم وإخلاصهم في تحمل هذه المسؤولية العظيمة.
وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله ورغبهم في الإسلام،وقال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه وتمتالبيعة، وعاد الأنصار إلى المدينة يترقبون هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أنجعل عليهم اثني عشر نقيباً.
هجرته صلى الله عليه وسلم إلىالمدينة
قوي جانب المسلمين بعد بيعة العقبة الثانية، وأخذالرسول صلى الله عليه وسلم يحث المؤمنين على الهجرة إلى يثرب، ويثرب هي دار الهجرةالتي أريها الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه، وكثر دخول الأوس والخزرج - قبيلتانمن يثرب المدينة - في الإسلام، وبعد إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنينبالهجرة خرج المسلمون أرسالاً - جماعات وفرادى - رغم كل العقبات والصعاب التيوضعتها قريش واعترضت بها المهاجرين.
وكان أول من هاجر من مكة إلى المدينةأبو سلمة بن عبد الأسد، ومن أوائل من هاجروا مصعب بن عمير، وعبد الله بن أم مكتوم،وبلال بن رباح، وسعد بن أبي وقاص، وعمار بن ياسر، وعمر بن الخطاب في عشرين منالصحابة، وتبعهم كبار الصحابة وصغارهم بعد ذلك، ولم يبق بمكة إلا رسول الله صلىالله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، وأبي بكر الصديق، ومن حبسكرهاً.
معالم من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلىالمدينة
اعتزمت قريش قتل النبي صلى الله عليه وسلم، قالالله عز وجل: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك. ويمكرون ويمكرالله، والله خير الماكرين) (الأنفال/30)،
ولكن قريشاً فشلت في عزمها، ففيهذه الساعة الحرجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعي بن أبي طالب: نم علىفراشي، وتسجّ - أي تغطّ - ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيءتكرهه منهم، ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من بينهم - أي من بين الكفار الذيناجتمعوا ببابه وعلى رأسهم أبو جهل - سالماً بإذن الله .
رتب رسول اللهصلى الله عليه وسلم وأبو بكر للهجرة، وأعدّا لها عدتها ووضعا لها خطتها، وانطلقاإلى غار ثور.
علف أبو بكر راحلتين كانتا عنده أربعة أشهر، ودفع بهما إلىالدليل - عبد الله بن أريقط- وكان على دين الكفار، وواعده غار ثور بعد ثلاث ليالبالراحلتين، وأما أسماء بنت أبي بكر - ذات النطاقين - فكانت تأتيهما بالطعام، وكانعبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما ويعو قبيل الصبح، فيصبح مع قريش بمكة كبائت فيها،فيتسمع لهما الأخبار، وأما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر فكان يرعى غنماً يريحهاعليهما ساعة من العشاء، فيأخذان منها حـاجتهما من اللبن، (البخاري، باب هجرة النبيصلى الله عليه وسلم )
انطلق الركب المبارك، رسول الله صلى الله عليهوسلم وأبو بكر والدليل وعامر بن فهيرة، فأخذوا طريق السواحل ، وكانت قريش قد رصدتجائزة لمن يدل على محمد أو يأتي به، فلحقهم سراقة بن مالك بن جُعشم، طمعاً فيالجائزة فلما قرب منهم عثرت فرسه، ثم ساخت يداها في الرض حتى بلغتا الركبتين، ورأىغباراً ساطعاً إلى السماء مثل الدخان، فنادى بالأمان، فقال له الرسول صلى الله عليهوسلم: أخف عنّا، وكتب له كتاباً بالأمان.
ولقيا الزبير بن العوام قافلاً منتجارة بالشام فكساهما الزبير ثياب بياض.
كان المسلمون بالمدينة يغدون كلغداة إلى الحرّة، ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يردّهم حرّ الظهيرة،فرآه ****ي فقال بأعلى صوته: يا معاشر العرب هذا جدّكم الذي تنتظرون، فصار المسلمونإلى السلاح، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل إن عدد الذين استقبلوهخمسمائة من الأنصار، فأحاطوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وبأبي بكر، وأهل المدينةيتنادون: جاء نبي الله، جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، وصعد الرجال والنساء فوقالبيوت، وتفرق الغلمان في الطرق ينادون، يا محمد يا رسول الله، يا محمد يا رسولالله صلى الله عليه وسلم، قال الصحابي البراء بن عازب: ما رأيت أهل المدينة فرحوابشيء فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان وصول رسول الله صلىالله عليه وسلم يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، ولبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرةليلة، وأسس المسجد الذي أُسس على التقوى - مسجد قباء - وصلّى فيه، ثم ركب راحلته،فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقل: هذا إنشاء الله المنزل، ثم بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجداً.