عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-09-2011, 10:03 AM
الصورة الرمزية أم اسراء
أم اسراء أم اسراء غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
مكان الإقامة: اينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 3,066
افتراضي رد: آداب التعامل مع الرؤى

حقيقة الرؤى
ثم إن الناجين من هذه الظاهرة قد لا يسلمون من تطلعٍ آخر يحملهم عليه الشغف وروم معرفة الحال اللاحقة، والتي يظنون أن لها ارتباطاً وثيقاً باستقرار مستقبلهم من عدمه؛ فاشرأبت نفوسهم إلى الوقوف على ذلك في مناماتهم من خلال ما يعتريهم من رؤى وأحلام، ولذا فإن أحدنا قد يلاقي أخاً له أو صديقاً فيراه عبوساً متجهماً، أو فرحاً؛ مسروراً فيزول عنه العجب حينما يعلم أن سبب هذا الفرح أو الحزن رؤياً مؤنسة، أو أخرى مقلقة.

وهذا الأمر -عباد الله- ليس قاصراً على أفراد الناس وعامتهم فحسب، بل يشركهم فيه العظماء والكبراء، فكم أقضت الرؤيا عظيماً من مضجعه، وكم بشرت الرؤيا أفراداً بمستقبلهم، وكم شغلت شعباً كبيراً برٌمَّته، وما رؤيا يوسف عليه السلام بغائبة عنا، ولا رؤيا ملك مصر بخافية علينا، فقد اجتمع فيها تبشيرٌ وتحذيرٌ في آن واحد، إذ بشارتها هي في السعة عليهم في الرزق سبع سنين، ونذارتها هي في الجدب والقحط سبعاً مثلها.

عباد الله: إن الرؤى لها أهميتها الكبرى في واقع الناس قبل الإسلام وبعد الإسلام، لكنها من خلال نظرات المتعلمين المثقفين قد تتفاوت تفاوتاً كبيراً باختلاف المرجعية من قِبَل كل طائفة، فقد أنكرها الفلاسفة ونسبوا جميع الرؤى إلى الأخلاط التي في الجسد، فرأوا أنها هي التي تُحدِث انعكاساً مباشراً على نفس الرائي بقدر هيجان الأخلاط التي في جسده، ولبعض علماء النفس موقفٌ سلبيٌ تجاه هذه الرؤى -أيضاً- قاربوا فيه قول الفلاسفة ، فجعلوها خليطاً من الأمزجة والرواسب التي تكمن في ذاكرة الإنسان فيهيجها المنام، حتى قصروا أمرها في قالب مادي بيولوجي صرف كما زعموا.......


الرؤيا من المبشرات

وأما شريعة الإسلام فإن علماءها وأئمتها قد ساروا على منهاج النبوة، ووقفوا من الرؤى بما نص عليه الكتاب والسنة، فذهبوا إلى أن الرؤيا المنامية الصالحة الصادقة إنما هي حق من عند الله، فمنها المبشرة ومنها المنذرة، لما روى مالك في الموطأ وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ذهبت النبوة وبقيت المبشرات قيل: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له } وأصل هذا الحديث في البخاري .


والتبشير هنا يحتمل التبشير بالخير والتبشير بالشر، كما قال الله تعالى عن الكفار:فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[الانشقاق:24].


وهذه الرؤيا -عباد الله- هي التي قال عنها الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه: {إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المؤمن جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة } رواه البخاري و مسلم .






الهدي النبوي في التعامل مع الرؤى
عباد الله! لقد تكالبت همم كثيرٍ من الناس في هذا العصر بسبب الخواء الروحي الذي يتبعه الجزع والفرق ونأي النفس عن تعلقها بالله، وإيمانها بقضائه وقدره، وبما كان ويكون، وأن شيئاً لن يحدث إلا بأمر الله ومشيئته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، حتى لقد تعلقت نفوسهم بالرؤى والمنامات تعلقاً خالفوا فيه من تقدمهم في الزمن الأول من السلف الصالح ، ثم توسعوا فيها وفي الحديث عنها والاعتماد عليها؛ إلى أن أصبحت شغلهم الشاغل عبر المجالس والمنتديات والمجامع بل والقنوات الفضائية إلى أن طغت على الفتاوى الشرعية، فأصبح السؤال عن الرؤى أكثر بأضعافٍ من السؤال في أمور الدين، وما يجب على العبد وما لا يجب .. كل ذلك إبَّان غفلة وسِنة عما ينبغي أن يقفه المؤمن تجاه هذه الرؤى.

وإن هناك هدياً نبوياً للتعامل معها، ينبغي ألا يتجاوزه المرء فيطغى، ولا يتجاهله فيعيا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء، فأغنانا في الحديث عنها عن إتعاب النفس في التعلق بها والسعي الدءوب في معرفة تأويلها، بَلْه التعلق بها والاعتماد عليها، وما تهافُتُ الناس بالسؤال عنها بهذه الصورة المفْرِطة إلا لونٌ من ألوان الخروج عن الإطار المرسوم، والتوازن المتكامل، فتجد أحدنا يرى الرؤيا أياً كانت، فتضطرب لها حواسه، وترتعد منها فرائصه، وتحبس أنفاسه، فلا يطفئ ذلك إلا البحث بنهمٍ عن معبر لها ليعبرها حتى يظهر له أشرٌ هي أم خير، ولو وقف كل واحدٍ منا عند الهدي النبوي مع الرؤى، لما رأينا مثل هذه الجلبة ولا مثل هذا التعلق الشاغل الذي استثمرته بعض المجامع والمنتديات، فضلاً عن الفضائيات التي جعلته وسيلة جلبٍ واستقطابٍ لمشاهديها من خلال هذا الطُعم المهوع.......
__________________

مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.99 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.40%)]