الموضوع: ايها الليل
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-06-2006, 07:58 PM
الصورة الرمزية الورده الحمراء
الورده الحمراء الورده الحمراء غير متصل
مشرفة ملتقى الشعر والخواطر
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
مكان الإقامة: بُيــنٌ ذكٌريــاُتـــيِ ...
الجنس :
المشاركات: 3,765
075 ايها الليل

أيها الليل ..


ياليل العشاق والشعراء والمنشدين .
ياليل الأرواح والأشباح والأخيلة .
ياليل الشوق والصبابة والتذكار .
أيها الجبار الواقف بين أقزام غيوم المغرب وعرائس الفجر , المتقلد سيف الرهبة , المتوج بالقمر , المتشح بثوب السكوت , الناظر بألف عين إلى أعماق الحياة , المصغي بألف أذن إلى أنة الموت والعدم .

أنت هدوء يبيح بصمته خفايا الأرواح المستيقظة السائرة في الفضاء العلوي , والنهار ضجيج يثير بعوامله نفوس المنطرحين بين سنابك المقاصد والغرائب .

أنت عادل يجمع بين جنحي الكرى أحلام الضعفاء بأماني الأقوياء, وأنت شفوق يغمض بأصابعه الخفية أجفان التعساء ويحمل قلوبهم إلى عالم أقل قسوة من هذا العالم .
بين طيات أثوابك الزرقاء يسكب المحبون أنفاسهم , وعلى قدميك المغلفتين بقطر الندى يعرق المستوحشون قطرات دموعهم , وفي راحتيك المعطرتين بطيب الأودية يضيع الغرباء تنهدات شوقهم وحنينهم . فأنت نديم المحبين وأنيس المستوحشين , ورفيق الغرباء .


عندما ...عندما ملت نفسي البشر وتعبت أجفاني من النظر إلى وجه النهار سرت إلى تلك الحقول البعيدة حيث تهجع أشباح الأزمنة الغابرة .
هنالك وقفت أمام كائن أصم جامد مرتعش سائر بألف قدم فوق لسهول والجبال والأودية .

هنالك حدقت شاخصا بعيون الدجى , مصغيا لحفيف الأجنحة غير المنظورة شاعرا بملامس ملابس السكوت , مستبسلا أمام مخاوف الظلام .

هنالك رأيتك أيها الليل شبحا هائلا جميلا منصبا بين الأرض والسماء , متشحا بالسحاب , ممنطقا بالضباب , ضاحكا من الشمس , ساخرا بالنهار ,ساحقا بقدميك صغار النفوس .

هنالك رأيتك أيها الليل ورأيتني , فكنت بهولك لي أبا وكنت بأحلامي لك ابنا , فأزيحت من ستائر الأشكال وتمزق عن وجهينا نقاب الظن والتخمين , فأبحت لي أسرارك ونياتك , وأبنت أماني وآمالي , حتى إذا تحولت أهوالك إلى أنغام أعذب من همس الأزهار , وتبدلت مخاوفي بأنس أطيب من طمأنينة العصافير , رفعتني إليك , وأجلستني على منكبيك .

لقد صحبتك أيها الليل حتى صرت شبيها بك , وألفتك حتى تمازجت ميولي بميولك , وأحببتك حتى تحول وجداني إلى صورة مصغرة لوجودك .

ففي نفسي المظلمة كواكب ملتمعة ينثرها الوجد عند المساء وتلتقطها الهواجس في الصباح .
وفي قلبي الرقيب فمر يسعى تارة في فضاء متلبد بالغيوم وطورا في خلاء مفعم بمواكب الأحلام .
وفي روحي الساهرة سكينة تبيح بمفاعيلها سرائر المحبين وترجع خلاياها صدى صلوات المتعبدين . وحول رأسي غلاف من السحر تمزقه حشرجة المنازعين .

أنا مثلك أيها الليل , وهل يحسبني الناس مفاخرا إا ماتشبهت بك وهم إذا ما تفاخروا يتشبهون بالنار !!

أنا مثلك وكلانا متهم بما ليس فيه

أنا مثلك بميولي وأحلامي وخلقي وأخلاقي .

أنا مثلك وإن لم يتوجني المساء بغيومه الذهبية .

أنا مثلك وإن لم يرصّع الصباح أذيالي بأشعته الوردية .


أنا مثلك وإن لم أكن ممنطقا بالمجرة

أنا ليل مسترسل منبيط هادئ مضطرب وليس لظلمتي بدء وليس لأعماقي نهاية , فإذا ماانتصبت الأرواح متباهية بنور أفراحها تتعالى روحي متجمدة بظلام كآبتها .

أنا مثلك أيها الليل ولن يأتي صباحي حتى ينتهي أجلي .




__________________
بَدَأت الشّمْعَه تَنْطَفِـئ ,,
وسَيَبقَى أثَرُهـا لِمن سَيَتَذكّرُهـا
/ ,,/
الْحَمـْـدُ لِلَّه
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يَلِيقُ بِـ/جَـلالِ وَجْهِـهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِـه

التعديل الأخير تم بواسطة الورده الحمراء ; 24-06-2006 الساعة 08:02 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.24 كيلو بايت... تم توفير 0.67 كيلو بايت...بمعدل (3.93%)]