الموضوع: الم الندم
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 16-08-2006, 02:56 PM
الصورة الرمزية سامي
سامي سامي غير متصل
مشرف الملتقى الإسلامي
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
مكان الإقامة: فلسـطيــن
الجنس :
المشاركات: 9,499
الدولة : Palestine
افتراضي

دخل ( خالد ) إلى القرية بعد أربع ساعات متواصلة من السفر .. ليدور ‏بين منازلها مسترجعاً كل ذكرى جميلة عاشها بتلك القرية… أحس ‏بسعادة لم يشعر بها من قبل في داخله وهو ينعطف يميناً مع آخر شارع ‏ليكشف بيت أهل زوجته .. ولكنه توقف فجأة لتتعلق عينيه بمنظر خفق له ‏قلبه بشدة مما جعل الخوف يزحف إليه ولسانه يردد بصوت منخفض ‏بالكاد تسمعه خلايا عقله ‏
‏- لماذا هذا الحشد من الناس أمام منزلهم .. ما الذي يحدث يا ترى ؟ ‏
قبضت تساؤلاته على قلبه مما جعله يزيد من سرعة سيارته ليقف أمام ‏أحد الأطفال ليسأله بتردد وكأنه يخشى سماع الجواب ‏
‏- ما الذي يحدث هنا يا صغيري ؟ ‏
لم يكد يلقي السؤال حتى بادره الصغير بإجابة سريعة ‏
‏- لقد توفيت أبنتهم ..‏
وقع الجواب كالسيف على رأس ( خالد ) .. لتسود الدنيا أمامه حتى انه لم ‏يعد يشعر بشيء من حوله.. لقد كانت ( رهام ) البنت الوحيدة لهذه ‏العائلة.. ما إن جال هذا الشعور في داخله حتى انسابت الدموع على ‏وجنتيه .. وذاكرته ترسم صورة لأجمل حب عاشه معها .. لقد نسجت ‏ذاكرته شريطاُ لحياته التي قضاها بجوارها.. لقد كانت بالنسبة له روحاً ‏وهو الجسد .. كانت الأمل الذي يدفعه في هذه الحياة الكئيبة .. ولكن ‏سرعان ما تلاشت تلك الذكريات الجميلة ليحل محلها الندم الذي أخذ ‏ينهش في مشاعره .. كم كره كبريائه في تلك اللحظة .. كم تمنى أن يكون ‏العناد رجلاً حتى يقتله .. قبضة باردة تعتصر قلبه ألماً وندماً .. ‏
‏- ماذا بك يا عـم ؟ ‏
قال الولد كلماته ليوقظ ( خالد ) من شروده ليجفف هذا الأخير دموعه ‏وهو ينظر إلى الولد ليقول له بحزنٍ جارف . ‏
‏- اذهب إلى أمك يا بني فقد تكون قلقة عليك . ‏
قال كلماته وهو يطفأ محرك السيارة لينزل بخطوات متثاقلة متجهاً إلى ‏بيت أهل ( رهام ) .. وبينما هو يمشي وقع بصرة على والدها ليحث ‏الخطى متجهاً إليه .. لم تمضي ثواني معدودة حتى وصل إليه ليقف أمامه ‏وهو يقول له ‏
‏- عظم الله أجرك .. ‏
لم يستطع ( خالد ) أن يسيطر على أحزانه بل أجهش ببكاء حتى رق له ‏قلب والد ( رهام ) ليحتويه وهو يقول بتعجب ‏
‏- ماذا بك يا بني .. لما تبكي هكذا وكأنك فقدت شخصاً عزيزاً عليك ؟ ‏
تطلع ( خالد ) إليه قائلاً ‏
‏- ما الذي تقوله يا خالي .. مهما كان الذي حصل بيننا فأنا مازلت أحبها ‏من أعماق قلبي . ‏
عقد والد رهام حاجبيه ليزداد تعجبه من كلمات ( خالد ) ليقول له بنفاذ ‏صبر ‏
‏- عن من تتحدث يا ( خالد ) ؟ ‏
رفع ( خالد) رأسه إليه ليقول بصوت منخفض كمن يخشى أن يسمعه أحد ‏
‏- عن المرحومة ( رهام ) ..‏
تطلع إليه والد رهام للحظات حتى كسر حاجز الصمت ليقول ببرود جاف ‏
‏- ومن قال لك بأن ( رهام ) قد توفيت . ‏
جحظت عينا ( خالد ) وهو يتطلع إلى والدها ليقول بصوت متلعثم ‏
‏- أنا لم أعد أفهم ما يدور من حولي . ‏
ابتسم والد رهام وهو يقول له ‏
‏- تقصد ذلك العزاء الذي في بيتي .‏
أومأ ( خالد ) برأسه موافقاً على سؤاله كي يحثه على الاستمرار .. ما إن ‏أستقبل والد رهام إمائه رأسه حتى أستطرد قائلاً ‏
‏- إنه عزاء ابنة جارنا . ‏
فرج ( خالد ) شفتيه ليسأل ولكن والد رهام أوقفه بكلمات سريعة ‏
‏- لا تتعجل سوف أخبرك بكل شيء .. ‏
‏- تفضل يا خالي . ‏
‏- عندما توفيت ابنة جارنا شرعنا في دفنها .. وحينما انتهينا توجهنا إلى ‏منزل جارنا فوجدنا بأن منزله صغير على استقبال الضيوف فما كان مني ‏إلا أن اقترحت على جاري بأن يضع العزاء في بيتي فوافقني على ‏اقتراحي .. وهذه هي القصة كلها يا ( خالد )‏
ما إن أنهى كلماته حتى علت الابتسامة وجه ( خالد ) والفرحة تملأ كيانه ‏ليقول بتردد خالطه خجل قد بان على وجنتيه ‏
‏- خالي تمنيت أن أكلمك في ظروف أفضل .. ولكنني لا أستطيع أن أصبر ‏أكثر من ذلك .‏
‏- أعرف ماذا تريد يا بني .. تريد إرجاع ( رهام ) .‏
‏- أجل يا خالي . ‏
صمت والد رهام لثواني معدودة أحس ( خالد ) بأن صمته دام لسنوات ‏ليقول بعد هذا الصمت المهيب ‏
‏- أسمع يا ( خالد ) ، إن كنت تريد ( رهام ) من كل قلبك .. فرهام تبلغك ‏موافقتها على الرجوع إليك . ‏
شعر ( خالد ) بسعادة وبتعجب داخل نفسه ولكن التعجب طغى على ‏سعادته ليتحول إلى سؤال وجهه نحو خاله ‏
‏- كيف علِمتَ بأنني سأرجعها وأنت لم تسألها . ‏
‏- لقد اتصلت والدتك وأخبرتنا بقدومك .. فاستعدينا لاستقبالك ... فتفضل ‏ودخل إلى منزلك الثاني يا ( خالد ) . ‏
لم يكد ينهي والد رهام كلماته حتى شرع ( خالد ) بالدخول وهو يتنفس ‏الصعداء فرحاً بأن ( رهام ) ستعود إليه وإلى أبنته .. ليس ذلك فحسب بل ‏لأن ( رهام ) ما زالت تبادله نفس الشعور .. شعور العاشق الذي لا ‏يستطيع أن يهجر محبوبته لو لثواني معدودة .. وإن هجرها فإن الألم ‏يعتريه حتى يعود إليها .. هذا هو شعور الحب الخالد الذي يتملك الروح ‏ويدفعها لافتداء المحبوب . ‏
__________________
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.96%)]