عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18-08-2006, 02:45 PM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي

فقد خطف الموت الوالد في اليوم الثالث من ذي الحجة
حيث تحول عيدنا ميتما حزينا كئيبا والله المستعان...
بعد انتهاء العيد وعودة الناس لأعمالهم
قدمت للرياض لمقابلة الأمير محمد مرة أخرى..
أتيت لصاحبنا المقدم فتكرم مشكورا ببعثي فورا للمراسم لتسجيلي..
دخلت على الأمير ووقفت أمامه وقلت له بالحرف الواحد:
ياأبا نايف إني عاجز عن الكلام..
لمح الشاب الأمير في عيني الحزن وفي نبرة صوتي اليأس فأمسك بيدي وقبضها !!
وأخذ يقرأ في الخطاب المكتوب.. ثم نظر إلي وقال:
وين تريد تروح ؟؟
قلت لأهلي وعملي..
قال أين؟؟

قلت للبلد الفلاني.. وذكرته..
احتار الأمير ما يقول لي فما عساه يقول !!
ربت على كتفي وقال سأهتم بالموضوع!!
حصلت في تلك الفترة قضايا عملية السيارة المفخخة التي فجرت عند الداخلية..
علمت أن القوم لن يتفرغوا لقضية شخص مثلي فلديهم من المسئوليات ما هو أهم..
زاد همي وإحباطي وضاقت علي أموري المادية سؤا حتى أصبحت أعيش على الديون..
انتهى الفصل الثاني

في وداع والدي أبي محمد الفصل الثالث..
خطرت لي فكرة استحسنتها ولم أشاور فيها أحدا..
وكان فيها نوع من التحدي والانفعال ...
فقد كتبت مقالة في موقع الساحات..
سخرت بما يشيع في دوائرنا الحكومية من فوضى إدارية ..
ومنها الإدارة العامة للجوازات..
ووضعت رقم هاتفي بعد أن حددت مشكلتي بشكل عام دون تفاصيل..
أقفلت جهازي ونمت..!!
وكان الوقت ضحى..
لا شك أنني كنت قلقا ... وتوقعت أن لا يؤذن ظهر ذلك اليوم حتى
تحيط بمنزلنا قوات الشرط و المباحث كما يحيط السور بالمعصم...
استيقظت من النوم فوجدت رقم هاتف غريب.. على جوالي..!!
اتصلت عليه فرد علي صوت أجش ..
قال هل أنت فلان؟؟
خفت وهممت أن أغلق السماعة ،قلت : نعم من يبغاه؟؟
قال أنا من سكان المدينة وذكر اسمه وقبيلته..
أخذ يدعو لي بالفرج ولم ينس الدعاء على من ظلمني..
وأبدى استعداده لخدمتي ومخاطبة المسئولين ...الخ
شكرته وأثنيت على موقفه وطلبت منه أن يترقب ولا يستعجل شيء..
أقفلت السماعة بعد انتهاء المحادثة..
انتظرت للعصر فلم يتصل أحد..
انتظرت اليوم الأول و الثاني و الثالث حتى نسي الموضوع...!!
حينها حكمت على الفكرة بالفشل على ضوء ما حدث..
أما التجاوب في موقع الساحات فكان متواضعا بل شبه معدوم..
وحسب علمي فإنه لم يسبق أن تعود الأخوة على مثل هذه المواضيع الشخصية..
فقضايا الصالح العام لها جمهورها العريض...
بينما القضايا الشخصية تعني صاحبها أولا وآخرا...
بعثت عددا من البرقيات ، حوالي ست برقيات..
ولم يتجاوب معي أحد..
والظاهر أن السبب هو غموض القضية وعدم وضوح معالمها !!
مسكين والله من لا حيلة له مثلي..
لم يمر علي في حياتي أبدا ضيق وحرج كما حالي في تلك الأيام...
شعرت بآلام مرض النقرس التي عادت لي بعد غياب طويل..
راجعت المستشفيات وأشغلت بنفسي..
قال لي الطبيب : الكلى لديك فيها ضعف في نشاطاتها..
وأنت قاب قوسين أو أدنى من الفشل الكلوي..
إنا لله وإنا إليه راجعون..
طيب مالذي سأفعله؟؟
في خضم هذه المشاكل ...
حدثت الفاجعة الكبرى...
والصاعقة القاتلة لما تبقى في من رمق حياة وأمل..!!
دعوني أروي القصة كاملة..
حصل أن طلبت من والدي أن يهبني عقارا لكي أرهنه فأحصل على سيولة مالية..
وقد دخلت في مشروع إعلامي ..أعتبره قفزة في دنيا الإعلام الإسلامي لو تم..!!!
وافق الوالد مشكورا على ذلك ..
وفي اليوم الثالث من ذي الحجة ..
اجتمعت بالوالد أنا وكل العائلة ..
سوى من سافر لماليزيا للسياحة .. قبل عدة أيام...
كانت الوالدة وأختي الكبرى أم شهد وأنا نتناقش مع الوالد حول موضوع الرهن..
وحول المشاريع التي دخلتها ..
لا شك أن الوالد سيقلق علي من غوائل الزمان وما أكثرها..
أذكر جيدا جلسة الوالد ذلك اليوم ..
كانت الجلسة حميمية وعاطفية للغاية ..
وأذكر أن آخر كلمة قلتها له ( إذا تم الموضوع فأنت والدي ولو رفضت فأنت والدي)
لم يكن الوالد راغبا في سفر الوالدة للباحة برفقتي للقيام بتقييم قيمة الأرض..
ولكن بعد إلحاح وترج وافق على ذلك بشرط أن نرجع للبيت ..قبل ظهر اليوم التالي..
نزلت لبيتي في الدور الأول وأحضرت إحدى الكاميرات الجديدة لمشروعي القادم..
عرضتها عليه فحرك رأسه سرورا بما يرى..
جلست الوالدة أمامه بعد أن لبست عبايتها وخمارها ..
ووضعت يديها على ركبتي والدي ..
لم اذكر أبدا أنني شاهدت الوالدة تفعل ذلك من قبل..
داعبت لحيته بيدها وقالت له : أتأذن لي حقا بالذهاب؟؟
والله ما ذهبت وأنت متكدر وغير راض إلا كان ذهابي مشقة وعنتا.. أو نحو هذا الكلام..
كانت تلك هي نظرة الوداع..الأخيرة ..
كانت آخر ابتسامة وآخرة نظرة بين الاثنين..
ودعت الوالد وانصرفت عنه ..
إنني أكتب هذه العبارات وكأني أنظر لكل شيء أمامي..
نزلت للسيارة ..
وانتظرت الوالدة .. فلم تتأخر ..
وتوجهنا صوب مدينة الباحة ..
كان ذلك قبل صلاة المغرب بنصف ساعة..
عزمنا على تأخير الصلاة للعشاء جمع تأخير..
الوالدة حفظها الله امرأة خمسينية ذربة اللسان..
تطوف بك في السواليف والحكايات شرقا وغربا..
وبما أننا ذاهبون لتقييم العقار فكان الحديث عن الإرث الذي ورثه ...
والدي من جدتي مناسبا ..
حدثتني والدتي عن مرض جدتي أم الوالد التي توفيت فيه وأنا عمري ثلاثة شهور..
حيث اتصلت العمة بوالدي الذي كان مديرا لمدرسة في الطائف..
ويسكن في داخل هذه المدرسة حينها هو وعائلته!!
ولا تستغربوا أيها القراء الكرام فهذه حقيقة..
وقد أخبرتني الوالدة بأنني ولدت بهذه المدرسة..
حينما بلغ الوالد بمرض الجده توجه فورا لمدينة الباحة لقرية اسمها الكرا..
وتقع شمال شرق الباحة على يسار الذاهب لمطار الباحة الإقليمي..
عرف الوالد بصعوبة وضع أمه ..
فقرر نقلها لمستشفى الملك فيصل في الطائف ..
كانت في شبه غيبوبة وتأن تحت ثقل المرض ..
وصلوا للطائف برفقة أمه وأخته الشقيقة وكانت أمي بانتظارهم بالطائف..
حينما استيقظت الجدة من غيبوبتها ..
سألت عن والدي !!
فجاء من فوره..
قالت اتجه الآن ياولدي للباحة وأحضر صكوك العقارات !!
وأصرت وألحت بأن ينطلق من فوره ..!!
فقد كانت تخشى أن تسرق أو أن تؤخذ من البيت بغير علم أبي..
كانت الجدة امرأة حازمة ووالدي لا يعصي لها أمرا أبدا..
توجه الوالد للباحة وأحضر ما طلبته أمه ووصل في الليل متأخرا متعبا..
حينما عاد أعدت الوالدة الشاي للوالد ليتنشط به من السفر..
ولكن حارس العنبر طلب من الوالد الخروج لانتهاء فترة الزيارة ..
بقيت الوالدة مع الجدة وكنت أنا ثالثهما أما رابعنا فهو ضيف كريم..!!
إنه ملك الموت عليه السلام!!
طلبت الجدة من أمي أن تفرق لها شعرها فرقتين وتدهن رأسها..
لأنها تشعر بصداع شديد وما كانت تعلم بأن ذلك من عوارض الموت..
تمددت جدتي واتكأت بظهرها على أمي وأخذت أمي تمشطها..
صمتت جدتي برهة من الزمان ، وسقطت يداها على الأرض..
صاحت بها الوالدة .. يافلانه يافلانه..
لم ترد عليها..
وفجأة فتحت الجدة عينيها و قالت جدتي بعد أن مدت يديها كأنها ترى أحدا..
تعال يابني تعال ياصالح..تعال ياحبيبي!!
وصالح هذا أحد أبناءها الذين توفو في عمر السبع سنوات تقريبا..
ثم رفعت اصبعها وهزته برفق تريد التشهد، وتشهدت ثم فاضت روحها..
هذا ملخص ما حدثتني به الوالدة ..
وأما والدي فإنه حين مغادرتي مع الوالدة للباحة ..
خرج بعدنا بدقائق وتوجه مع أختي الصغيرة رباب..
تحدثني رباب تقول:
كان الوالد يمازحها ويضاحكها طوال الطريق ..
وكنت أريد أحدثه في أمور كثيرة تعنيني..
ولكنني حينما رأيته مسرورا يمزح كرهت أن أبدل مزاجه الطيب..
لم تكن تعلم المسكينة سر هذا المزاج الطيب ..!!
حينما وصلا لجبل الهدى توقف والدي في الصندقة المعدة للصلاة التي في أعلى الجبل ..
وتأكد من مصلى النساء فنزلا للصلاة ..
وقال لها : صلي المغرب والعشاء فربما لا نعيش يابنتي!!!
سبحان الله !! هل يعلم الميت بدنو أجله..
هل يبلغ بشيء الله أعلم.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.91 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.32%)]