عرض مشاركة واحدة
  #115  
قديم 18-08-2006, 02:48 PM
الصورة الرمزية قاصرة الطرف
قاصرة الطرف قاصرة الطرف غير متصل
مشرفة ملتقى الأخت المسلمة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: -* واحة زهرات الشفاء *-
الجنس :
المشاركات: 4,853
افتراضي

كان مهيبا ولا يجرؤ أحد على إزعاجه...
لكنني جرؤت حينها ووضعت راحة يدي على بطن قدمه وأريد مداعبته..
عندها استفاق الوالد ونظر من حوله فحين رآني لفحني بالمخدة وقال لي ياشقي!!
ها أنا الآن بعد أكثر من عشرين سنة أحمله جثة هامدة ...

أخرجناه وتوجهنا به للمغسلة.. وكانت على مسافة بعيدة..
دخلت مع عمي للمشاركة في التغسيل ..
كنت أتساءل .. هل أنا أحلم؟؟ ألم أكن بالأمس معه أتحدث !!
ما أرهب الموت وأعظم ترويعه..
كنت اقترب من وجهه ولا أقدر أنظر إليه .. ولكنني أخيرا رأيته..
خاطبته كثيرا وقبلته ودعوت له..
كانوا يقلبونه يمينا وشمالا كدمية !!
وبالأمس لا يجرؤ أحد أن يقاطع حديثه!!
كان سيدا مطاعا في أولاده وعماله وخدامه وزوجاته واليوم هو جثة هامدة!!
كان يستنشق الهواء ويأكل الطعام ويمشي في الأسواق والآن يلف بخرقة !!
شقت السنون والهموم في وجهك ياأبي سنون طويلة..
والآن نم قرير العين مطمئنا ( بإذن الله)
ياأبي لكم تمنيت في تلك اللحظات أن أكون فدائك.. ولم تصب بخدش!!
ارحل فقد تركت في القلوب جروحا لن يمحوها الدهر لفراقك رحمك الله..
يا أبي لو علمت كيف أصبح حالنا من بعدك ..
تشتت حالنا ، وتبدلت القلوب ، وثقل حملنا من دونك
حملناه للحرم الشريف ووضع الوالد بين يدي الشيخ أسامة بن خياط..
فكبر الشيخ ،فكبر خلفه مئات الآلاف من المصلين .. وسيشفعون له إن شاء الله
حينما وصلنا للمقبرة ظننت أن هناك جنازات أخرى غير جنازتنا
فقد هالني الحشد الكبير من الناس..
أناس جاءوا من كل مدن المملكة من أصحابه وأحبابه وأقاربه بل وحتى طلابه..
لقد مكث الوالد في التعليم خمسة وثلاثين سنة.. حتى تقاعده..
صلوا عليه الجنازة مرة أخرى ثم وضعته وإخوتي في قبره الملحد..
حاولت أن أكشف وجهه لأقبله ولكن ضيق القبر حال عن ذلك..
ردمناه بالتراب .. ونفضنا أيدينا .. وانتهى كل شيء..
مرت من تلك اللحظات حتى آخر لقاء معه بالأمس حوالي أربعة وعشرون ساعة..
سبحان الله ما أغرب صروف الحياة..
أسأل الله تعالى أن يجعله
في مقعد صدق عند مليك مقتدر..
اللهم اغفر لأبي زلله وخطأه وتجاوز عن سيئاته واجعل قبره روضة من رياض الجنة..
انتهى الفصل الثالث..

في وداع والدي أبي محمد الفصل الرابع
انتهت أيام العزاء المعروفة...
بالنسبة لمن جاء معزيا فقد أدى الواجب وانتهى كل شيء..
أما لأهل الفقيد فالحال مختلف كليا..
فضريبة الموت غالية جدا.. يدفعها أحبابه وأصحابه ثمنا غاليا من الأسى والحزن العميق
أما أنا فحالي كما قال القائل تكاثرت الظباء على خراش ..
فما يدري خراش ما يصيد!!!
جاء العيد بعد موت الوالد بأسبوع فقط.. ويا للعيد !!
لا والد ولا ولد... فالحمد لله على كل حال..
بعد انتهاء الإجازة الرسمية للموظفين توجهت لجدة قاصدا مقابلة الأمير محمد..
كنت موتورا وبلغ بي الحنق مبلغه..
بلغني الحرس على البوابة بأنه لا يوجد أحد.. والأمير في الرياض..
ذهبت للرياض في اليوم التالي...
ومن المطار توجهت لوزارة الداخلية مباشرة ..
أتيت لمدير مكتب الأمير...
ولم يكن موجودا حينها..
وحين دخل علينا وقفت له وسلمته معروضا أشرح فيه حالي ..
فقال لي : أنت ممنوع من السفر لسنتين!!
قلت له: لماذا؟
قال القوانين !!
قلت له أي قوانين؟؟ وهل تعرفني؟؟ هل أنا متهم؟ هل تعرف قضيتي أصلا!!
قال لا !! ولكن إذا كان جوازك مفقود فأنت ممنوع من السفر سنتين حسب القوانين..
قلت له ياأستاذي الكريم أنا لم أفقد جوازي بل سلمته للجوازات.. ثم لماذا لم تبلغوني..
أليس من الواجب عليكم تبليغي بحالي حتى أتصرف فأنا منذ شهرين لم أتلقى أي رد..
نادى أحد موظفيه وقال له : انظر في معاملة المذكور وليش ما اتصلتم عليه؟
وبعد دقائق جاء برقم المعاملة وادعى أنهم لم يتصلوا علي بسبب عدم وجود رقم تلفوني!
قلت له مستحيل الخطاب موجود عليه الرقم جب المعاملة!!
وفعلا أكد مدير مكتب الأمير على ذلك وطلب المعاملة!!
انتظرت ربع ساعة لكي يحظر لي المعاملة فلم يحظرها..!!
اتصل مدير المكتب عليهم وغمغم معهم بكلمات ثم قال لي:
ما يوجد عليها رقم، ومثل ما قلت لك راجعنا بعد سنتين!!
هكذا إذن سنتين!!
سأعيش سنتين في جحيم القلق والانتظار..
لو كنت فعلت جرما استحق عليه الانتظار لهان الأمر ولكنني مظلوم..
ظلمتني قوانيننا الغامضة، ظلمتني البيروقراطية والتعقيدات السخيفة..
ظلمتني حيلتي الضعيفة ..
ولكنني لم أعدم الحيل!!
فمن ضاقت عليه حيل الناس المعهودة فليطرق كل الأبواب ..
كما قال الشاعر..
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا..
قرعت باب الأمير محمد بن نايف ولكن هذه المرة ليس من باب مكتبه ..
بل عن طريق الساحة السياسية..!!
كتبت في ذلك اليوم مقالا ناريا !!
لم أتشجم فيه العناء..!!
فقد أخذ مني دقائق معدودة..
فقد كنت مهيئا للانهيار...
فقد توالت علي النكبات مما يصلح ذكره ومما لا يصلح ذكره ..
فلا مفر من المكروه ..
وما قصدت الشتيمة والله حينها بل أردت أن ألفت الانتباه..!!
فأنا صاحب مظلمة وقد دخلت في دوامة لا يعلم مداها إلا الله..
ومن خبر متاهات المعاملات الحكومية والتي قد تدور وتدور عقودا من الزمان..
لم يلمني في سلوك درب لا تعلم عواقبه !!
ولا يمكن التنبؤ بخاتمته!!
ولكن خيرا حصل والحمد لله!!
حينما أنزلت المقال في الساحات .. أضفت رقم سجلي المدني ورقم تلفوني الجوال..
وطلبت من الأمير محمد بن نايف أن يسجنني أو أن يجمعني بأهلي وأبنائي!!
هذا هو عنوان المقال..!!
تباينت ردود المشاركين في الحوار فما بين متعاطف ومستاء ، إلى بعض الذين نبهوني..
إلى خطأ الأسلوب ، وأن الواجب طلب ذلك سرا...
إلى الذين صبوا علي جام غضبهم على جرأتي ووقاحتي مع الأمير..
كانت الآراء متفاوتة ومتنوعة ولكنها في نهاية الأمر صبت في مصلحة القضية!!
فقد كنت متيقنا أن التفاعل السلبي أو الإيجابي هو في النهاية سيوصل للمقصود!!!
وهو لفت النظر ، وخاصة نظر الأمير...
اتصل علي مجموعة من الإخوة على الهاتف وراسلني مجموعة برسائل sms
جاءتني مكالمات خارجية .. أذكر واحدة منها جيدا..
هذه المكالمة كادت أن تحور موضوعي لمنحنى خطر ولكن الله سلم..!!
أصبت بخوف شديد !!
خاصة والدولة حينها استنفرت استنفارا كبيرا لمؤتمر الإرهاب في الرياض..
والذي ستحضره ممثليات دول كثيرة ...
فكان ظهور مقالي حينها غير مناسب بالتأكيد..
لمن يفهم ما أعنيه جيدا!!
وحينها جاءتني خاطرة عجيبة !!
لقد عزمت على الهرب!!
نعم الهرب خارج المملكة!!
كيف ؟؟ ولماذا؟
أما كيف فلا أدري فالهارب يسير في الأرض الفسيحة حتى يجد مأوى يؤويه..
أما لماذا ؟؟ فقد خفت .. خفت أن تكون عواقب فعلي كبيرة ..
فالهروب خير لي من الأسر والسجن والعذاب..!!
تركت جوالاتي وحقائبي وسيارتي وجميع ما أملك من متاع ..في مدينة الرياض
واستأجرت سائقا بسيارة خصوصي يوصلني لمدينة جيزان!!
سلكت طريق الوادي فهو أقرب وأقل نقاطا من الطرق الأخرى!!
ولقد صدقت توقعاتي فلقد عمم علي في المنافذ ولكن الله سلم!!
كان رفيقي في الرحلة أو السائق من سكان نجران..
جاء للرياض ليوصل عائلة قريبة له..
لم أكن أعرفه من قبل .. ولكن الرجل كان دمث الأخلاق حسن التعامل ..
وحين سألته عن عمله قال أنا موظف في قطاع الأمن الداخلي!!
جرت الأمور بكل هدوء فلم يظهر علي أي شيء مريب!!
كان الطريق طويلا ومملا ولكن السواليف والقصص التي أمتعني بها أبو حسن ..
آنستنا وأنستني من تعب السفر وعذابه..
كان انطلاقنا حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحا ..
ووصلنا لمدينة خميس مشيط حوالي العاشرة مساء..
لم يفارقني أبو حسن ( وهذه كنيته) حتى تأكد من اتفاقي مع سائق آخر ..
أصر علي أن أزوره في نجران وأن يكرمني بحقي بالضيافة في بيته..

وأعطاني رقم تلفونه وغادرني نحو أولاده..
انطلقت مع سائقي الجديد بسيارة خصوصي أيضا وتوجهنا لمنطقة فيفا..
كان يحمل في وسط جسمه خنجرا مغمودا !!
سألته عن سر هذا الخنجر؟؟
قال هذا شيء ورثته عن أبي وهو من عاداتنا نحن أهل رجال ألمع!!
قال لي ؟
هل سبق ذهبت لمنطقة فيفا ؟
قلت لا..!!
قال هل هناك شخص تعرفه أو قريب ونحو ذلك؟
قلت لا !!
قال ياولدي المنطقة طريقها صعب ونحن سنصل إليها بعد منتصف الليل ..!!
فلماذا لا تبات في الفندق وغدا الصبح تذهب إليها..
قلت له أبدا ، أوصلني لفيفا وأنزلني عند جامعها وسوف أتصرف!!!
أخذت ألهيه بالكلام في أمور جانبيه لأشغله عن الأسئلة المحرجة؟؟؟
كنت أحسب الوقت وأسابق الزمن فإما أن يقبض علي أو أن أفر!!
ولكن أين الفرار وكيف ؟؟ والله لم أكن أدري !!!
فيفا منطقة ساحرة الجمال وهي جبل ضخم تسكنه قبيلة فيفا..
ومنظر هذه المنطقة ليلا أو نهارا منظر بديع للغاية!!
عندما وصلنا قريبا منها شاهدت أضواء متناثرة في ارتفاع شاهق يكاد يغطي الأفق!!
سألت السائق أين نحن متجهون؟؟
قال هذه فيفا !!
تقع المنطقة على الحدود اليمنية ولذلك قصدتها!!!
حينما وصلنا للمفرق المؤدي للجبل رأيت شققا مفروشة..
طمعت في الفراش الوثير فأنا لم أذق طعم النوم منذ حوالي 24 ساعة..
وفعلا غامرت بالنوم في الشقق مع أن ذلك خطأ قد يوقعني فيما فررت منه!!!
نمت كنوم الذئب ..
وفي الصباح توجهت لسوق المنطقة واسمها ( بني مالك) ..
ومنها يظهر جبل فيفا بوضوح خلافا لليلة الماضية..
اشتريت بعض الاحتياجات الضرورية ..
ثم تعاقدت مع سائق يوصلني لجبل فيفا المجاور ..
على أن يجد لي مكانا أسكن فيه هناك...
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.21 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.10%)]