عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-11-2012, 08:28 AM
الصورة الرمزية أم اسراء
أم اسراء أم اسراء غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
مكان الإقامة: اينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 3,066
افتراضي ومتى فقناهم عددا أو عدة؟

ومتى فقناهم عددا أو عدة؟


بقلم: محمد حسن يوسف

يعتري الكثير من الناس حالة من الإحباط واليأس من جراء ما يحدث للمسلمين في كل مكان من العالم الآن، حيث ينطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ثوبان، أنه قال: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل! ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت
[1].
ويتساءلون: هل بعد كل هذه النكبات من وثبة أخرى للمارد؟! هل يستطيع المسلمون الخروج من قمقم الهزائم التي مُنيت بهم وتوالت عليهم، حتى أصبحت صفة ملازمة لهم؟! ومتى سيكون ذلك؟! أم أن على المسلمين الاستسلام لتلك الضربات المتوالية التي تلحق بهم، وفي كل مكان من العالم، لكي تستأصل شأفتهم وتزيل دولهم، ومن ثم وجودهم من على خريطة العالم؟!!
وفي الواقع فإن المتبصر بأمر الدين لا يعتريه مثل هذا الشعور المحبط، بل على العكس تجده واثقا في قدرة الله. فكل ما يحدث للمسلم هو خير له.
وحسبك تلك النازلة العظيمة التي حدثت ببيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وما قيل في عرضه، وما اُتهمت به أعز زوجاته إليه وأحبهن إلى قلبه من حادثة الإفك. فإذا بالوحي يتنزل قائلا بأن كل ذلك إنما هو في حد ذاته خير للمسلمين وليس شرا، حيث قال تعالى: ﴿ َلا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ ] النور: 11 [ .
إذن ما يحدث للمسلمين في جميع أنحاء العالم من حولنا إنما هو في حقيقة الأمر قَدَر رباني يجري وفقا لسنن الله الكونية التي يستحيل تغييرها إلا إذا تغير مضمونها. فإذا أردنا الخروج من الأزمة التي ألمت بنا حاليا، فعلينا العمل من أجل تغيير الواقع من حولنا حتى نسمح لسنن الله التي تساند المسلمين من العمل مرة أخرى.


ونوضح هذا الأمر فيما يلي:

مفاهيم ينبغي ترسيخها في النفس
هل يريد المسلمون حقا تحقيق النصر؟!!

هذا سؤال هام لابد لكل منا أن يسأله لنفسه ويحدد إجابته عليه. إن نصر الله يتنزل وفقا لسنن ربانية لابد من تحققها. وحين يريد المسلمون أن يتحقق ذلك النصر في أرض الواقع فلابد من عدة أمور تستقر في عقيدتهم تكون محركا ودافعا لهم على الانطلاق، حتى يستفيدوا من " معية الله " في المعركة إلى جانبهم:

◘ التخلي عن المعاصي واللجوء إلى الله: فلن يتم النصر إلا بذلك، فالإيمان أقوى سلاح لتحقيق النصر.


ولنستعرض في ذلك ما كتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ومن معه من الأجناد حينما أرسله في أحد فتوح العراق: أما بعد، فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب.
وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم.

وإنما يُنصَرُ المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم. فإذا استوينا في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا نُنْصَرْ عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا.
واعلموا أن عليكم في مسيركم حَفَظَةً من الله يعلمون ما تفعلون، فاستَحْيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله،

ولا تقولوا إن عدوّنا شرٌ منا فلن يُسلَّط علينا وإن أسأنا، فرُبّ قوم سُلّط عليهم شرٌ منهم، كما سُلّط على بني إسرائيل – لما عملوا بمساخط الله – كُفّارُ المجوس ﴿ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً ﴾ ] الإسراء: 5 [
. واسألوا الله العونَ على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوّكم. اسأل الله ذلك لنا ولكم
[2].

وانظر إلى هذا القول الملهم: وإنما يُنصَرُ المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم. فهنا يتجلى سر نصر المؤمنين في معاركهم.
فمتى تحقق هذا الشرط، جاء النصر بإذن الله ولا ريب.
وإلا فقل لي بربك كيف ينصر الله قوما يخذلون نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ويكرهون تطبيق سنته المطهرة، ولا يجدون في وقتهم متسعا لقراءة القرآن، ويبارزون الله بالمعاصي جهارا نهارا؟!!
فالنصر لن يتحقق إلا بعد التمحيص، أي تنقية المسلمين وإفراز القلة المتمسكة بدين الله. قال تعالى: ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ ] آل عمران: 141 [ .
قال القرطبي في تفسيره: فيه ثلاثة أقوال: يمحص: يختبر. الثاني: يطهر; أي من ذنوبهم ... والمعنى: وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا ... الثالث: يمحص: يخلص ... فالمعنى ليبتلي المؤمنين ليثيبهم ويخلصهم من ذنوبهم. " ويمحق الكافرين ": أي يستأصلهم بالهلاك. أ. هـ.
فلابد للأمة من الإقلاع عن الذنوب التي يرتكبها أفرادها ليل نهار، سرا وجهرا.
والأمثلة كثيرة: الإقلاع عن التدخين، التخلي عن الكذب، عدم النميمة والغيبة، ترك النفاق ... الخ. فقد أصبحت تلك المعاصي متفشية كالسرطان الخبيث في جسد الأمة.

ولابد أن تتيقن أنك أنت - بذنبك الذي تصر عليه – من يؤخر النصر عن الأمة.
فابدأ بنفسك وأعلنها توبة شاملة لله لعل نصر الله يتنزل على الأمة بسببك.

◘ جهاد النفس في مرضاة الله: ذلك أن نصر يتحقق بعد العمل بتشريعه والكف عن مناهيه، قبل أن يتحقق الجهاد في ميدان القتال. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ ] العنكبوت: 69 [. قال القرطبي في تفسيره: أي جاهدوا الكفار في الله، أي في طلب مرضاة الله ... وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعملون بما يعلمون ... وقال عمر بن عبد العزيز: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا، تقصيرنا في العمل بما علمنا. ولو عملنا ببعض ما علمنا، لأُورثنا علما لا تقوم به أبداننا. قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ ﴾ ] البقرة: 282 [.

وقال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط، بل هو نصر الدين والرد علي المبطلين; وقمع الظالمين; وتعظيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله، وهو الجهاد الأكبر.

وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول: " لنهدينهم ".
والجهاد في عمل الطاعات يستلزم إرغام النفس على الاستيقاظ لأداء صلاة الفجر في جماعة، وقيام الليل، وقراءة جزء من القرآن على الأقل يوميا، وأداء جميع الصلوات في جماعة، وإخراج جزء من مالك للفقراء من حولك، ومساعدة المشردين من المسلمين في أنحاء العالم. كل هذه أمثلة على الجهاد في سبيل مرضاة الله.

◘ تحقيق التربية الإيمانية المطلوبة لأفراد الأمة:

فلابد من سلوك طريق الأنبياء وهو تعبيد الناس لرب العالمين حتى يتحقق النصر من عند الله. إذن لابد من طريق الدعوة إلى الله عز وجل، والارتفاع بقلوب الناس وعقولهم إلى المستوى الإيماني المطلوب، وتبيين حقائق الإسلام، والدعوة إلى توحيد الملك العلام. قال تعالى: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ] الروم: 47 [ . فلابد أن يكون الجميع متشوق لرؤية نواة المجتمع المسلم تتحقق على أرض الواقع.

أما البيئة التي تطرد من كيانها امرأة لأنها ارتدت النقاب، أو تنظر بعين الشك إلى رجل أطلق لحيته فما زالت بعيدة عن نيل رضا الله بله نصره.

◘ انفراد الله تعالى وحده بالقدرة: وأن ما في العالم من غلبة وغيرها إنما هي منه وبإرادته وقدرته. فقال عز من قائل: ﴿ قُلْ إِنَّ اْلأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾ ] آل عمران: 154 [ ، ﴿ بَلْ لِلَّهِ اْلأَمْرُ جَمِيعًا ﴾ ] الرعد: 31 [ ، ﴿ لِلَّهِ اْلأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾ ] الروم: 4 [. أي النصر بيد الله ينصر من يشاء ويخذل من يشاء. أي هو المالك لجميع الأمور, الفاعل لما يشاء منها, فكل ما تلتمسونه إنما يكون بأمر الله. وهذا دحض للنظرية التي مفادها أن " 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا ". بل جميع مقدرات الأمر بيد الله، ولا تملك لا أمريكا ولا غيرها أياً من مقدرات الأمور، ولا حتى نصف بالمائة! فالله سبحانه ينصر من يشاء، ويخذل من يشاء، ويرفع من يشاء، ويذل من يشاء. تلك العقيدة يجب أن تستقر في النفوس، وتكون هي الموجه الأول والأخير لنا في كل تحركاتنا.

◘ ترسيخ مفهوم الاستطاعة: وهو أن المطلوب منا إعداد ما في الطاقة، وليس كل شيء. قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ ] الأنفال: 60 [. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ولم يقل كل القوة. إذن ما استطعتم أي ما في أيديكم. وقوله تعالى: " من قوة ": أي من كل ما يتقوى به في الحرب من عددها. وهذه القوة تتحقق بما يتحقق به معناها، وهو القدرة على تنفيذ إرادة صاحبها. فقد يكون تحقيقها بإعداد السلاح للجند، وتدريبهم على فنون القتال، وتربيتهم على معاني الإيمان التي تهيئهم للقتال في سبيل الله والرغبة في الشهادة في سبيله
[3]. إذن توافر اليقين مع القوة المؤمنة هو المحك الأصلي للجهاد وليس العدة أو العدد. قال القرطبي في تفسيره: " وأعدوا لهم " أمر الله سبحانه المؤمنين بإعداد القوة للأعداء بعد أن أكد تقدمة التقوى. فإن الله سبحانه لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم وبحفنة من تراب, كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه النافذ. ولذلك فإن السيف الخشب الذي أخذه عكاشة بن محصن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر قتل به الكفار، لأنه كان يضرب بإذن الله. فقد شهد عكاشة بن محصن بدرا وأبلى فيها بلاء حسنا، وانكسر في يده سيف، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عُرْجُونا – أو عودا – فعاد في يده سيفا يومئذ شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم لم يزل يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قُتل في الردة وهو عنده، وكان ذلك السيف يسمى العَوْن [4].

◘ إرجاع النصر لله: بمعنى أنه حتى مع تحقق العدة الكافية في أيدي الفئة المؤمنة، وحين يتحقق النصر لهذه الفئة، فإن هذه الفئة يجب أن تُرجع هذا النصر لله، وألا تنسب تحقيق هذا النصر لنفسها. وذلك مصداقا لقوله تعالى: ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾ ] الأنفال: 17 [. فما يتحقق من نصر فمرجعه الله وحده، وليس كثرة العدد أو تطور الإمكانيات.

◘ التخلص من حب الدنيا ونعيمها: انظر إلى سؤال الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت. هذا هو الداء.
أننا أصبحنا الآن نتعلق بالدنيا ونتمسك بها، وكأنها أصبحت هي دار القرار بالنسبة لنا. مع أن المسلمين على مدار تاريخهم كانوا ينظرون إلى الدنيا باستهانة، وأنها ليست إلا ممر لدار مقر. انظر إلى قول خالد بن الوليد، حينما سار إلى الحيرة بعد فراغه من أمر اليمامة، فخرج إليه أشرافهم مع أميرهم الذي عيّنه عليها كسرى. فقال له خالد ولأصحابه: أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين، لكم ما لهم وعليكم ما عليهم، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم الجزية فقد أتيكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة، جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا و بينكم
[5]. فهذه هي ثقافة الإسلام، أو ثقافة الدار الآخرة التي يحملها الإسلام. الحرص فيها على الآخرة يكون مثل حرص غير المسلمين على دنياهم، التي هي جنتهم. إن أهم شيء في حياة المسلم هو نظرته إلى الدار الآخرة، حتى وإن كان ثمن ذلك حياته.

◘ تغيير ما بأنفسنا: فلابد أن يستشعر كل فرد منا بفداحة الوضع الذي أصبحنا عليه الآن. فالأمر ليس هزلا. ولابد لكل فرد أن يتغير، وأن يستشعر هذا التغيير في كل مفردات حياته. فما لم يحدث ذلك، فلن يُنزل الله نصره علينا. قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ َلا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ ] الرعد: 11 [. إن نصر الله لا يتنزل على قوم إلا إذا كانوا قد اتخذوا منهج الله شريعة لهم تحكمهم ويتمسكون بتطبيقها مستقبلا بعد تحقق نصر الله لهم. فهل ينزل نصر الله علينا الآن، ونحن لم نتغير بعد، حتى إذا انتهت المعركة، عدنا لإدارة حياتنا بالطريقة التي كان أعداؤنا يديرون بها حياتهم؟! كلا! لن يحدث هذا. قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي اْلأَرْضِ أَقَامُوا الصََّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ ﴾ ] الحج: 41 [.







__________________

مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]