عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 24-11-2012, 08:42 AM
الصورة الرمزية أم اسراء
أم اسراء أم اسراء غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
مكان الإقامة: اينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 3,066
افتراضي رد: ومتى فقناهم عددا أو عدة؟

مواقف من جيل الصحابة
كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه: أما بعد، فقد جاءني كتابك تذكر ما جمعت الروم من الجموع. وأن الله لم ينصرنا مع نبيه صلى الله عليه وسلم بكثرة عدد ولا بكثرة جنود. وقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معنا إلا فَرَسَان، وإن نحن إلا نتعاقب الإبل. وكنا يوم أُحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معنا إلا فرس واحد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبه، وقد كان يظهرنا ويعيننا على من خالفنا [6].
ومما يروى في ذلك، قول خالد حين قال له رجل: ما أكثر الروم وأقل المسلمين! فقال خالد: ما أكثر المسلمين وأقل الروم، إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، والله لوددت أن الأشقر ( اسم فرس خالد ) براء، وأنهم أضعفوا ( أي: زادوا ) في العدد
[7].
وفي فتوح العراق، كان الفرس قد فروا بكمالهم إلى المدائن، وتحصنوا بها. وقد فروا إليها عن طريق نهر دجلة وأخذوا كل سفنهم معهم. فلما وصل سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين في فتوح العراق إلى شاطئ دجلة لم يجد شيئا من السفن، ورأى دجلة قد زادت زيادة عظيمة وأسود ماؤها.
فوقف سعد يخطب في المسلمين على شاطئ دجلة. فأوضح للمسلمين أن عدوهم قد اعتصم منهم بهذا البحر ... فهم لا يستطيعون الوصول إلى هذا العدو بسببه، بينما هم يستطيعون الوصول إلى المسلمين متى شاءوا.
وأنظر إلى تلك العبارة الرائعة التي قالها لهم في هذا الموقف: وليس وراءكم شيء تخافون أن تُؤتوا منه، وقد رأيت أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل أن تحصدكم الدنيا. ألا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم
[8].
انظر إلى هذه الكلمات الرائعة التي يبثها القائد في جنوده. فالمسلمون لا يهمهم شيء أن يفوتهم إذا ما قورن بالجهاد. فالجهاد هو أفضل الأعمال في الإسلام. والشهادة في سبيل الله هي أسمى ما يتوق المسلم لنيله. والموت قادم لا محالة. فمن لم يمت بالسيف مات بغيره. فالنهاية محتومة. فلماذا لا تكون شهادة ومنزلة رفيعة في الآخرة،
بدلا من حياة ذليلة يعقبها موت أيضا، ولكن في درجة متدنية من الجنة أو في النار نعوذ بالله منها! وقد عزم على خوض البحر إليهم بلا سفن يمتلكها! يمضي في البحر هكذا! بلا إمكانيات! يواجه جيش إمبراطورية فارس بعدتها وعتادها بلا سفن!! لا ...
إنه يواجه ذلك بسلاح أقوى من أي سلاح آخر ... إنه سلاح الإيمان. ولذلك فقد طلب منهم إخلاص نياتهم لله، وقد كان.
ونعود للقصة. فقد وافق الجند على خوض البحر مع سعد رضي الله عنه. فانتدب لذلك كتيبة تسمى في كتب التاريخ بكتيبة الأهوال. وهي كذلك بالفعل. وكانت هذه الكتيبة تتكون من ستين فارس من ذوي البأس، وكان عاصم بن عمرو أميرا عليها. وكانت مهمة هذه الكتيبة عبور البحر إلى العدو وتأمين ثغرة المخاضة من الناحية الأخرى حتى تستطيع بقية الجيش أن تعبر هذه المخاضة وهم آمنين. تأمل هذا الموقف ... العدو واقف على شاطئ النهر، يرصد تحركاتك، ويشهر سلاحه في وجهك، وأنت تقف على الشاطئ الآخر، تريد أن تعبر هذا النهر لكي تصل إلى العدو، وتشتبك معه، وتتحصن في بقعة تكون بمثابة نقطة ارتكاز تُؤّمن من خلالها الطريق لبقية الجيش حتى يعبر ويستقر فيها وينطلق للبدء في عملياته منها. موقف في غاية الصعوبة!
وقد أحجم أفراد الكتيبة في بادئ الأمر عندما فكروا في هذا الأمر بهذه الطريقة المنطقية. إلى أن تقدم رجل من المسلمين وقال لهم: أتخافون من هذه النقطة؟ ثم تلا قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إَِّلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً ﴾ ] آل عمران: 145 [ . ثم أقحم فرسه فيها ومضى. فلما رأى الناس ذلك اقتحموا معه. هنا زالت العقلانية المثبطة، وارتفعت سحائب الإيمان والثقة بالله وبوعده للمؤمنين، فبدأوا في اجتياز المخاضة.
فلما رآهم الفرس يقفون على وجه الماء، قالوا: مجانين! مجانين! ثم قالوا: والله ما تقاتلون إنسا بل تقاتلون جنا! وحاولوا منع هؤلاء المتقدمين نحوهم عن طريق الماء ليمنعوهم من الخروج منه. ولكن المسلمين شرعوا لهم الرماح وتوخوا الأعين، فقلعوا عيون الخيول. فرجعوا أدراجهم من حيث أتوا، وواصل المسلمون تقدمهم. حيلة بسيطة استخدمها المسلمون، وهداهم الله إليها لما رأى شدة تمسكهم به، فأدت إلى السيطرة على النقطة الحصينة التي ستكون محور تحرك الجيش بعد ذلك.
ثم نزلت الكتيبة الثانية فالثالثة. ثم أمر سعد بقية الجيش بالنزول في الماء، وذلك بعد تحصن الجانب الآخر بوجود نقاط الارتكاز الإسلامية فيه. وقد أمر سعد المسلمين عند دخول الماء أن يقولوا: نستعين بالله ونتوكل عليه. حسبنا الله ونعم الوكيل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
[9]. هذه هي مبادئ النصر في الحرب في الإسلام. تفويض مطلق للأمر لله، ثم تضرع وابتهال له بأن ينزل نصره وسكينته على المسلمين.
يقول المؤرخون: وسار الناس في النهر كأنما يسيرون على وجه الأرض، حتى ملؤوا ما بين الجانبين. فلا يرى وجه الماء من الفرسان والرجالة. وجعل الناس يتحدثون على وجه الماء كما يتحدثون على وجه الأرض، وذلك لما حصل لهم من الطمأنينة والأمن، والوثوق بأمر الله ووعده ونصره وتأييده. فكان ذلك معجزة بكل المقاييس.
ثم أكمل المسلمون معاركهم انطلاقا من هذه النقطة وأكملوا بقية فتوحات العراق. فأين هي الإمكانيات التي كانت متاحة للمسلمين في ذلك الوقت. إنها لم تكن إلا بقدر الاستعانة المطلوبة، ولكن جيشان الإيمان في الصدور هو الذي يقف وراء هذه الانتصارات الباهرة.
وكان سعد يقول: والله لينصرن الله وليه، وليظهرن الله دينه، وليهزمن الله عدوه، إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات
[10]. وهكذا يحدد سعد بن أبي وقاص مفاتيح النصر في المعركة. عدم وجود بغي أو ذنوب تغلب الحسنات.
والمتأمل في تاريخ المسلمين يجد الكثير والكثير من المواقف التي وقف فيها المسلمين يواجهون أعتى الظروف، من أسود وفيلة وغيرها، بمجرد إيمانهم القوي المتدفق من صدورهم، ليكتب الله لهم النصر في معاركهم التي خاضوها.
__________________

مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.46%)]