الحلقة الثانية:
بعنوان: بذور الشك وتعب القلب
وضعت منال الكتاب لنسخ الدروس، وبدأ صاحب المركز ينسخ وينظر إليها، وينسخ وينظر إليها، وهي تغض من بصرها وكلما رفعت رأسها لترى أين وصل في النسخ، وجدته ينظر إليها، انتهى النسخ أخيرا وانطلقت إلى بيتها وقد داخلت قلبها حيرة وتساؤلات، ترى لم ينظر إلي؟ ..... لكنها نست الأمر لانشغالها بامتحانات الشطر الأول من العام....
مرت الأيام وقد نست الأمر، وفي يوم من أيام الربيع الجميلة وقد اقترب الصيف ولم يبق الكثير لموعد الامتحانات....ذهبت إلى مركز النسخ الذي لم تحتجه طول هذه المدة نظرا لأنها تنسخ الدروس في مركز الجامعة،
دخلت المحل وسلمت الأوراق لرجل مسن، وهو والد صاحب المحل، الذي نسيت شكله.... وبينما هي واقفة تنتظر إذ ترى شابا وسيما يدخل وينظر إليها ويبتسم ويخرج ثم يدخل ثانية، لم تكن تفهم أنه صاحب المحل الذي عرفها وينتظر أن ترفع رأسها ليلقي عليها التحية كنوع من جذب للزبائن.... وقع ما وقع في قلبها ثانية....
بدأت رجليها تعتاد المكان، هذا درس للنسخ وهذه حاجة لقلم وهذه حاجة لأوراق بيضاء.....
وصاحب المحل يعاملها بشكل مختلف، يبتسم، يطيل النظر، يحترمها جدا، يقدرها ويرفع من قدرها كثيرا، لاسيما وأن مستواه الدراسي رابعة أساسي، ولكن كان طليق اللسان، لبقا، ذكيا ووسيما أيضا، وفوق كل هذا أشعرها بالتميز والاهتمام، وهذا ما ينقصها في بيئة لا تعترف بها وتراها عادية دائما...
نبض قلبها أخيرا، وبدأت الحيرة..
يحبني أم لا يحبني؟ يحبني لالالا يحبني
حكت الموضوع لصديقتها، يذهبان معا، يمران معا من أمام المركز، أصبح هذا الرجل شغلها الشاغل، الامتحانات على الأبواب والشك والحيرة يحرقان قلبها....
تمسك الكتاب بين يديها، لا تركيز، تطير في سماء الخيال والأحلام الوردية وفارسها الهمام.... الذي يستنزف جيبها دون جهد منه، نظرة عين منه كفيلة أن ترفعها إلى السماء أسبوعا، وتصرف عادي أو عابر كفيل أن يقض مضجعها ليال طويلة....
هائمة، ساهية، في كل أحوالها، طائرة في سماء الأحلام، بخيالها كسرت كل الحدود وانطلقت نحو المستقبل تشكل أحداثه كما تريد... والشاب ليس هنا...
إذا غسلت الصحون كسرت إحداها في غفلة منها، وإذا طلب منها أحد شيئا، نست في عدم تركيز منها....
ثلاث سنوات من الوهم، وانتظار على أحر من الجمر أن يتكلم أبو الهول، لم يتكلم وهي لم تتعلم....
رسبت لأول مرة في حياتها سنتين متتاليتين، ظن الجميع أن سحرا قد سحر لها في ليل، أو عين خبطتها أو جني أفسد حياتها...
أخيرا تطوعت صديقتها، وتدخلت بطريقة ذكية، فعرفت أن الشاب خاطب منذ سنوات ولا يفكر في التخلي عن خطيبته وحبيبته...
ندبت حظها، بكت ليلها، تقطع قلبها، ندمت على مالها، كشفت سذاجتها وقررت النسيان....
مضت سنة وهي تجتهد للنسيان، تدعو الله، تستغفره، تؤوب إليه، وأخيرا نست بفضل الله ألما حاكته بنفسها....
مضت الأيام وهي مرتاحة البال، يقظة القلب، تجتهد في حياتها لتحقق أحلامها....
ولكن بعد ستة أشهر، وكأنها لم تتعلم شيئا، بدأت حكاية أخرى من نوع آخر....
يتبع بإذن الله
بقلم: نزهة الفلاح