[محمود محمد كحيل]

ثانيا: أسباب ضعف الايمان

1- الابتعاد عن الأجواء الايمانية فترة طويله :
وهذا مدعاة لضعف الايمان في النفس يقول يقول الله عزوجل : ((ألم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وانزل من الحق ولايكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون)) الحديد16 . فدلت الآية الكريمة على ان : طول الوقت في البعد عن الاجواء الايمانية مدعاة لضعف الايمان في القلب.

2- الابتعاد عن القدوة الصالحة: فالشخص الذي يتعلم على يدي رجل صالح يجمع بين العلم النافع والعمل الصالح وقوة الايمان يتعاهده ويحذيه مما عنده من العلم والاخلاق والفضائل لو ابتعد عنه فترة من الزمن فان المتعلم يحس بقسوة في قلبه ، ولذلك لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي التراب قال الصحابه: (فانكرنا قلوبنا) وأصابتهم وحشة لأن المربي والمعلم والقدوة علية الصلاة والسلام قد مات .
3- الابتعاد عن طلب العلم الشرعي : والاتصال بكتب السلف والكتب الايمانية التي تحيي القلب فهنال أنواع من الكتب يحس القارئ بانها تستثير في قلبه الايمان ، وتحرك الدوافع الايمانيه الكامنه في نفسه ، وعلى رأسها كتاب الله تعالى وكتب الحديث ثم كتب العلماء المجدين في الرقائق والوعظ والذين يحسنون عرض العقيدة بطريقة تحيي القلب ، مثل كتب العلامة ابن القيم وابن رجب وغيرهم . وعندما تقرأ في الصحيحين مثلا تشعر انك تعيش في أجواء العصر الأول مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع الصحابة ،وتتعرض لنفحات ايمانية من سيرهم وحياتهم وتلك الأحداث التي جرت في عصرهم :
أهل الحديث هم أهل الرسول وان
لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا

4- وجود الانسان المسلم في وسط يعج بالمعاصي : فهذا يتباهى بمعصية ارتكبها، وآخر يترنم بألحان أغنية وكلماتها ،وثالث يدخن ورابع يبسط مجلة ماجنة ،وخامس لسانه منطلق باللعن والسباب والشتائم وهكذا ، أما القيل والقال ، والغيبة والنميمة وأخبار المباريات فمما لا يحصى كثرة .
وأما البيوت – فحدث ولاحرج – حيث الطامات والأمور والمنكرات ، مما يندى له جبين المسلم وينصدع قلبه ، فالاغاني الماجنة ، والافلام الساقطة ، والاختلاط المحرم وغير ذلك مما تمتلئ به بيوت المسلمين ، فمثل هذه البيئات تصاب فيها القلوب بالمرض وتصبح قاسية لاشك.


5-الاغراق في الاشتغال بالدنيا : حتى يصبح القلب عبدا لها والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ((تعس عبد الدينار وعبد الدرهم)) ويقول صلى الله عليه وسلم : ((انما يكفي أحدكم ماكان في الدنيا مثل الراكب )) . يعنى الشئ اليسير الذي يبلغة المقصود . وهذه الظاهرة واضحة في هذه الايام التي عم فيها الطمع المادي والجشع في الازدياد من حطام الدنيا ، وصار الناس يركضون وراء التجارات والصناعات والمساهمات .

6- الانشغال بالمال والزوجة والاولاد : يقول الله عزوجل : ((واعلموا نما أموالكم وأولادكم فتنة )) الانفال 28 . ويقول الله عزوجل : (( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطره من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ))آل عمران 14 ومعنى هذه الاشياء وفي مقدمتها النساء والبنون اذا كان مقدما على طاعة الله ورسوله ، فانه مستقبح مذموم صاحبه ، أما اذا كان حب ذلك على وجهه الشرعي المعين على طاعة الله ، فهو محمود ممدوح صاحبه .

7- طول الأمل : قال الله تعالى : ((ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون )) الحجر3
وقال على رضي الله عنه : (ان أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل ، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسى الآخرة). ويتولد من طول الأمل الكسل عن الطاعة والتسويف بالتوبة والرغبة في الدنيا ، والنسيان للآخرة ، والقسوة في القلب ، لأن رقته وصفائه إنما يقع بتذكر الموت والقبر والعقاب وأهوال القيامة ، كما قال تعالى : (( فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ))الحديد 16 وقيل: من قصر أمله قل همه وتنور قلبه لأنه اذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة. . .

8- الافراط في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة : فكثرة الأكل تبلد الذهن وتثقل البدن عن طاعة الرحمن وتغذي مجاري الشيطان في الانسان ، وكما قيل : (من أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا وخسر أجرا كبيرا). فالافراط في الكلام يقسي القلب والافراط في مخالطة الناس تحول بين المرء ومحاسبة نفسه والخلوة بها والنظر في تدبير أمرها . وكذلك الوقت الذي لايملأ بطاعة الله تعالى ينتج قلبا صلدا ، لاتنفع فيه زواجر القران ولامواعظ الايمان.

الصفحة القادمة باذنه تعالى .. علاج ضعف الايمان
ونرجو ان نستفيد ونفيد
لاتنسونا من دعوة بظهر الغيب
_________________


لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير

ثالثا : علاج ضعف الايمان
ان كثيرا من الذين يحسون بقسوة قلوبهم يبحثون عن علاجات خارجية يريدون الاعتماد فيها على الاخرين مع ان بمقدورهم لو ارادوا علاج انفسهم بانفسهم وهذا هو الأصل لأن الايمان علاقة بين العبد وربه.

وفيما يلي ذكر عدد من الوسائل الشرعية ...
التي يمكن للمرء المسلم ان يعالج بها ضعف ايمانه بعد الاعتماد على الله عزوجل وتوطينالنفس على المجاهدة ..

1- تدبر القران :
قال تعالى: ((وننزل من القران ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين)) الاسراء 82
أما طريقة العلاج فهي التفكر والتدبر
وقد كان الرسول صلى الله علية وسلم يتدبر كتاب الله ويردده وهو قائم بالليل حتى انه في احدى الليالي قام يردد آيه واحده من كتاب الله وهو يصلي لم يجاوزها حتى أصبح وهو قوله تعالى : ((إن تعذبهم فإنهم عبادكوإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم)) المائدة 118
وكان ابو بكر رجلا أسيفا رقيق القلب اذا صلى بالناس لا يتمالك نفسه من البكاء . ومرض عمر من أثر تلاوة قوله تعالى : (( ان عذاب ربك لواقع * ما له من دافع )) الطور 7-8
وقال عثمان رضي الله عنه لو طهرت قلوبنا ماشبعت من كلام الله وقتل شهيدا مظلوما ودمه على مصحفه
ويلخص ابن القيم رحمه الله ماعلى المسلم ان يفعله لعلاج قسوة قلبه بالقران فيقول : (ملاك ذلك أمران أحدهما : ان تنقل قلبك من وطن الدنيا فتسكنه في وطن الاخره، ثم تقبل به كله على معاني القران واستجلائها وتدبرها وفهم ما يراد منه ومانزل لأجله وأخذ نصيبك من كل آيه وتنزلها على داء قلبك فاذا نزلت هذه الايه على داء القلب بريء القلب باذن الله ) .

2- استشعار عظمة الله عزوجل : ومعرفة أسمائه وصفاته والتدبر فيها وعقل معانيها واستقرار هذا الشعور بالقلب وسريانه الى الجوارح لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب ، فهو سيدها وملكها وهي بمثابة جنوده واتباعه فاذا صلح صلحت واذا فسد فسدت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ))ويتضعضع الفؤاد ويرجف القلب عند تأمل قصة موسى عليه السلام لما قال : ((ربي أرني أنظر إليك )) فقال الله : ((لن تراني ولكن انظر الى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا )) الاعراف 143.
والمقصود ان استشعار عظمة الرب بالتامل من أنفع الاشياء في علاج ضعف الايمان.

3- طلب العلم الشرعي : وهو العلم الذي يؤدي تحصيله الى خشية الله وزيادة الايمان به عزوجل ، كما قال تعالى : ((إنما يخشى الله من عباده العلماء ))فلايستوى في الايمان الذين يعلمون والذين لايعلمون
فلايستوي من يعلم بامور الشريعة ومن هو جاهل بالدين وأحكامة قال تعالى: ((قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ))الزمر 9

4- لزوم حلق الذّكر: وهو يؤدي الى زيادة الايمان لعدة اسباب منها مايحصل فيها من ذكر الله وغشيان الرحمة ونزول السكينة وحف الملائكة للذاكرين وذكر الله لهم في الملأ الأعلى كما جاء في الأحاديث الصحيحة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ((لايقعد قوم يذكرون الله الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت السكينة وذكرهم الله فيمن عنده))

5- الاستكثار من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها:
وهذا من أعظم اسباب العلاج
ويجب على المسلم في الاعمال الصالحة ان يراعي امورا منها :
المسارعة اليها : لقوله تعالى : ((وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض)) آل عمران 133
الاستمرار عليها : يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه في الحديث القدسي : ((ومايزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه ))
فالمداومه على الأعمال الصالحة تقوي الايمان وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الاعمال الى الله قال : ((أدومها وان قل))وكان النبي صلى الله عليه وسلم اذا عمل عملا أثبته.
الاجتهاد فيها : علاج قسوة القلب لايصلح ان يكون علاجا مؤقتا بل ينبغي ان يكون نهوضا متواصلا بالايمان وهذا لايمكن ان يكون الا بالاجتهاد في العبادة .
عدم املال النفس : ليس المقصود بالمداومة ايقلع النفس بالسآمة وتعريضها للملل وانما المقصود عدم الانقطاع عن العبادة .
رجاء القبول مع الخوف من عدم القبول : وبعد الاجتهاد في الطاعات ينبغي الخوف من ردها على صاحبها عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : ((والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ))قالت عائشة : هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : ((لا يابنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون ان لايتقبل منهم أولئك الذين يسارعون بالخيرات))

6- تنويع العبادات : من رحمة الله وحكمه ان نوع علينا العبادات فمنها ما يكون بالبدن كالصلاة ومنها مايكون بالمال كالزكاة ومنها مايكون بهما معا كالحج ومنها ماهو باللسان كالذكر والدعاء وحتى النوع الواحد ينقسم الى فرائض وسنن مستحبه والفرائض تتنوع وكذلك السنن مثل الصلاة فيها رواتب ثنتي عشرة ركعة في اليوم ومنها ماهو اقل منزلة كالاربع قبل العصر وصلاة الضحى ومنها ماهو اعلى كصلاة الليل .........
ويمكن الاستفاده من هذا التنوع في علاج ضعف الايمان والاستكثار من العبادات التي تميل اليها النفس مع المحافظة على الفرائض والواجبات التي امر الله بها

7- الخوف من سوء الخاتمة : لأنه يدفع المسلم الى الطاعة ويجدد الايمان في القلب واما سوء الخاتمة فاسبابها كثيرة منها : ضعف الايمان والانهماك بالمعاصي

8- الاكثار من ذكر الموت : وتذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ومن اعظم مايذكر بالموت زيارة القبور ولذلك امر النبي صلى الله عليه وسلم بزيارتها فقال : (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكره بالآخرة ولاتقولوا هجرا)).

9- تذكر منازل الآخرة :
والقرآن العظيم فيه ذكر كثير لمشاهد اليوم الآخر في سورة ق ، والواقعة والقيامة والمرسلات والنبأ والكطففين والتكوير وكذلك في مصنفات الحديث مذكورة فيها تحت أبواب مثل : القيامة والرقاق والجنة والنار ومن المهم في هذا الجانب قراءة كتب أهل العلم المفردة لهذا الغرض مثل حادي الارواح الى بلاد الافراح لابن القيم ،وتانهاية في الفتن والملاحم لابن كثير والتذكرة في احوال الموتى وامور الاخرة للقرطبي ، والقيامة الكبرى والجنة والنار لعمر الاشقر وغيرها ، والمقصود ان مما يزيد الايمان العلم بمشاهدة القيامة كالبعث والنشور والحشر والشفاعة والحساب والجزاء والقصاص والميزان والحوض والصراط ودار القرار والجنةأو النار .

10-التفاعل مع الآيات الكونية : ان رسول الله صلى الله علية وسلم كان اذا رأى ريحا عرف ذلك في وجهه فقالت عائشة : يارسول الله أرى الناس اذا رأوا الغيم فرحوا رجاء ان يكون فيه المطر ، وأراك اذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية ، قال : ((ياعائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا : ((هذا عارض ممطرنا)) وكان صلى الله عليه وسلم يقوم فزعا اذا رأى الكسوف كما جاء في صحيح البخاري.......
وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما وصلو الحجر : ((لاتدخلوا على هؤلاء المعذبين الا ان تكونوا باكين فان لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لايصيبكم ما أصابهم ))هذا والناس اليوم يذهبون اليها للسياحة والتصوير فتأمل !!



وهنالك بقية ان شاء الله تعالى

لاتنسونا من دعوة بظهر الغيب
....ساعية للجنة بعون ربها.....
_________________


لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير