وقد يكون في القلب أنواعٌ من الأمراض المزمنة؛ التي لا يشعُر بها العبد؛
فيقضي عليه اللطيف الخبير بذنبٍ ظاهرٍ؛ فيجد ألمَ مرضه
فيبحث عن دواء نافعٍ له فيشربه فيزول داؤه؛
ولا علاجَ أنفعَ للذنوب والمعاصي من التوبة النصوح؛ التي تفتح لصاحبها بعد ذلك أبواب الرجاء والعمل .
ومن آثار الذنوب أنَّ العبد إذا وقع فيها أذاقه ألم الحجابِ والبعدِ عنه بارتكابه الذنب؛
فإذا أراد الله أن يتمَّ على عبده نعمتَه وفرحَه وسرورَه؛ وفقه للإقبال إليه بقلبه؛
وجمعه عليه وأقامَه على طاعته؛ فتكون لذته في ذلك بعد أن صدر منه ما صدر؛
بمنزلةِ التذاذ الظمآنِ بالماء العذب الزُّلال؛ والشديدِ الخوف بالأمن؛ والمحبِّ الطويلِ الهجر بوصل محبوبه؛
وإنَّ لُطفَ اللهِ وبرَّه وإحسانَه ليبلغ بعبده أكثر من هذا؛ فيا بؤس من أعرض عن معرفةِ ربِّه ومحبتِه .
وإنَّ العبدَ إذا أذنب سُلِب حلاوةَ الطاعة والقرب ووقع في الوحشة؛ فإن كان ممن يصلح؛
اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة؛ فحنَّت وتضرعت واستعانت بربها ليردها إلى ما عوَّدها من برِّه ولطفِه؛
وإن ركنَت واستمر إعراضُها ولم تحن إلى ما تعوّدته من الطاعات؛ ولم تحس بحاجتها وفقرها إلى مراجعةِ قُرْبِها مِن ربّها؛
عُلِم أنها لا تصلح لله سبحانه؛ فبقيت تتخبط في أودية المهالك .