رد: مختصر الكلام في الرؤى والأحلام
الرؤى الصالحة : - علم الغيب .لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام: إنني في هذا الدرس أسعى جاهداً أن تكون الموضوعات مما تلبي حاجات الإخوة المؤمنين، فالإنسان حينما يلقي السمع إلى موضوع يعاني منه يكون تأثره وتفاعله واستجابته أشد مما لو لم يكن الموضوع مقترباً من حاجاته اليومية.
ما منا أحد على الإطلاق إلا إذا ألقى رأسه على الوسادة تمنّى أن يرى رؤيا صالحة سارّة، و يستيقظ صبيحة تلك الليلة. ويتساءل ماذا تعني هذه الرؤيا ؟ فمحور الدرس اليوم الرؤيا الصالحة، و قد وردت في القرآن الكريم رؤيا سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، قال تعالى:
﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)﴾
( سورة يوسف )
كما وردت في السورة نفسها ( سورة يوسف ) رؤيا للملك الذي ضم سيدنا يوسف إليه، قال تعالى:
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)﴾
( سورة يوسف )
وقد وردت في الأحاديث الشريفة نصوص كثيرة تتحدث عن الرؤيا، و في الحقيقة أن الرؤيا من خصائص الإنسان، وإذا أردت أن تفهم حكمتها الكبرى فهي دليل على الحياة النفسية التي يحياها الإنسان بعد الموت.
فلو أن رجلاً أو رجلين، أو فتاة أو فتاتين، ناما على سرير واحد، الجو واحد، الفراش واحد، الدفء واحد، الرطوبة واحدة، الموقع واحد، كل الظروف واحدة، قد يرى أحد الشابين رؤيا يشعر أنه قارب السماء من الغبطة والسرور، وقد يرى الثاني رؤيا يكاد ينسحق منها، بينما الظروف المادية واحدة.
إذاً لك حياة نفسية تتجاوز الشروط المادية، و قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ))
النبوة من أخص خصائصها أنها صادقة، صدقُ النبي من أخص خصائصه، وحينما قال النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحديث، المعنى أنها صادقة كصدق النبوة لا كما يفهم بعضهم أن الذي يرى رؤيا صالحة هو على مشارف النبوة، لا، علاقة الحديث بالنبوة أنها صادقة كصدق النبوة.
و لذلك سميت هذه الرؤيا الصالحة بشارة، هي في الحقيقة غيب، يعني إطلالة على الغيب لذلك لا بد من التمهيد لهذا الموضوع بالحديث عن الغيب، حينما ننهي الحديث عن الغيب نصل إلى الرؤيا.
أولاً هناك غيـب أيها الإخوة استأثر الله به، لا يُطْلع عليه أحداً من خلقه كائناً من كان، حتى ولا الأنبياء، أجل: هناك نوع من الغيب استأثر الله به لا يطلع أحداً عليه، من هذا قيام الساعة الكبرى، يعني قيام القيامة، ومن هذا الغيب الذي أستأثر الله به قيام الساعة الصغرى، الساعة الصغرى موت الإنسان، الإنسان له ساعة صغرى يموت فيها، وساعة كبرى يبعث و يحاسب فيها، يوم القيامة ساعة كبرى وموت الإنسان ساعة صغرى، الدليل قال تعالى:
﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)﴾
( سورة النمل )
و هذه الساعة الكبرى، قال تعالى:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)﴾
( سورة الأعراف )
فهذا النوع من الغيب الساعة الكبرى والساعة الصغرى علم استأثر الله به، ما يَطّلع أحد عليه كائن من كان، حتى ولا الأنبياء، آية ثالثة قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)﴾
( سورة لقمان )
الإمام مالك فيما تروي الأخبار، رأى ملك الموت في المنام، قال يا ملك الموت كم بقي لي من عمري، فأشار بيده خمسة، فلما استيقظ قال: أخمس سنوات، أم خمسة أشهر، أم خمسة أيام، أم خمس ساعات، أم خمس دقائق ؟ فلما سأل الإمام ابن سيرين عن تأويل هذه الرؤيا قال: يا إمام يقول لك ملك الموت: إن هذا السؤال من خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله، فهذا هو التأويل، لكن لو بحثنا عن حكمة إخفاء ساعة الموت لوجدنا خيراً كثيراً، فلو أن الله سبحانه وتعالى أطلع إنساناً على ساعة موته، فمثلاً أنت أيها الإنسان تعيش ستاً وسبعين سنة وستة أشهر وسبعة أيام وخمس ساعات وثلاث دقائق وثلاث ثوان، فماذا يكون من هذا الإنسان ؟ يتوقف نشاطه و سعيه و هذه مشكلة كبيرة، لو أن الإنسان عرف أجله لانتهى العمل كله، لأنّ من المستحيل أن يتحرك الإنسان حركة وهو يعلم نتائجها.
أخواننا الكرام أدق ما في الأمر الآية الكريمة:
﴿فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)﴾
( سورة البقرة )
والله آية محيرة، يا رب الموت بيدنا حتى تأمرنا ألّا نموت إلا ونحن مسلمون، الموت بيدك يا رب لا بيدنا، فما معنى هذه الآية ؟ يعني لا يأتيكم الموت إلا وأنتم مسلمون.
ومرة ضُرب مثلٌ مضحك، أن شركة طيران السفر إلى أمريكا و ثمن البطاقة إلى أمريكا خمس مائة ألف، فإن لم تسافر تخسر قيمتها، افتراضاً، والشركة هي التي تأخذك من البيت، ولا تقف على الباب إلا دقيقة واحدة وموعد مجيئها من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساءً، فماذا تفعل ؟ خمسة مائة ألف لن ترد لك، وهم يقفون على الباب دقيقة واحدة، فأنا أعتقد أننا لو عرضنا الأمر على ألف شخص، سيقف الألف شخص وراء الباب مع المحفظة والحقيبة من الساعة الثامنة صباحاً.
هذا معنى قوله تعالى:
﴿فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)﴾
( سورة البقرة )
إذاً فالموت لا تعلم موعده، فيجب أن تكون جاهزاً لاستقباله، جاهزاً بالتوبة والصلح مع الله، وأداء الحقوق، وأداء كل ما عليك من التزامات، حتى إذا جاء ملك الموت تكون جاهزاً للذهاب معه.
العامة تقول: تؤلف ولا تؤلفان، على أنه حديث نبوي، هذا الكلام لا أصل له إطلاقاً كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كذب علي متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار.
هذا الغيب الأول، أما الغيب الثاني فغيب يعلمه الله و يُعلمه لرسوله، هذا شيء آخر تأييداً للأنبياء وتصديقاً لما جاؤوا به، يعني يأتي إنسان و يَدّعي قائلاً: " أنا رسول الله " شيء جميل، فهل نحن ملزمون أن نصدق كل إنسان ادّعى هذا الادعاء ؟ لا. فالذي يقول: أنا رسول الله، لا بد من أن يأتي بشيء لا يستطيع أن يفعله أحد، فإن فعله الرسول كان مؤيداً من الله ولذلك من لوازم الرسول أن تكون معه معجزة، فمن معجزات الرسل أنهم يعلمون الغيب الذي سمح الله لهم به أن يعلموه فقط، يؤخذ هذا من قوله تعالى:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27)﴾
( سورة الجن )
فهذا الغيب أيها الإخوة أنواع ثلاثة، غيب الماضي، وغيب المستقبل بعدان زمانيان وغيب الحاضر بعد مكاني، فمن غيب الماضي مثلاً قال تعالى:
﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)﴾
( سورة آل عمران )
من أين جئت بهذه الأخبار ؟ لولا أنك رسول يوحى إليك لما جئت بهذه الأخبار، هذا غيب الماضي، أما غيب المستقبل قال تعالى:
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (2)﴾
( سورة الروم )
فعلاً بعد سبع سنوات انتصر الروم على الفرس، هذا من غيب المستقبل وهناك آيات كثيرة جداً، وهناك أحاديث كثيرة جداً، والحديث عن علامات الساعة الكبرى من هذا القبيل غيب أطلع الله نبيه عليه، تأييداً له ودعماً له في صدق دعوته، قال تعالى:
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)﴾
( سورة النحل )
الطائرة دخلت في مفهوم الآية، والمركبة الفضائية دخلت في الآية، والمركبة والقطار دخلا كذلك، أما غيب الحاضر بعد مكاني، قال تعالى:
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)﴾
( سورة التوبة )
إنسان كتب إلى قريش أنّ محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، الله عز وجل أطلع النبي عليه، إنسان آخر قال لصفوان بن أمية: يا صفوان والله لولا ديون ركبتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد صغار أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه، قال له صفوان: يا عمير أما ديونك فهي عليّ بلغت ما بلغت، وأما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر، فامضِ لما أردت، وصل عمير إلى المدينة رآه عمر رضي الله عنه وعلى عاتقه سيف، قيده بحمالة سيفه وساقه إلى النبي قال: يا رسول الله هذا عمير عدو الله جاء يريد شراً فقال له النبي: أطلقه يا عمر و ابتعد عنه فأطلقه، و ابتعد عنه، أُدنُ مني يا عمير، ما الذي جاء بك يا عمير ؟ قال: جئت لأفك ابني من الأسر قال: وهذا السيف الذي على عاتقك ؟ قال: قاتلها الله من سيوف وهل نفعتنا يوم بدر، فقال له: ألم تقل لصفوان لولا ديون ركبتني ما أطيق سدادها، ولولا أولاد صغار أخشى عليهم العنت من بعدي لقتلت محمداً وأرحتكم منه فقال لك صفوان كذا وكذا..، وقف وقال: أشهد أنك رسول الله لأن هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه أحد إلا الله.
ومرة أخرى كان النبي عند اليهود في موضوع معين، فائتمروا عليه وهو عندهم أن يصعد أحدهم إلى ظهر البيت الذي يجلس في ظله ويلقي عليه صخرةً ويقتله، فجاءه الوحي وأخبره، فقام النبي وقام أصحابه وفسدت خطتهم.
هناك غيب الحاضر وغيب الماضي وغيب المستقبل، يوجد عندنا غيب آخر يسمى غيباً، مجازاً، يعني في السماء الآن تهب رياح، تستمع إلى النشرة الجوية إلى أن هناك موجة حر آتية من المنطقة الشمالية، ترتفع الحرارة فوق معدلها وتهب رياح حارة، و في الشتاء: رياح باردة، و غداً مثلاً تكون الحرارة دون معدلها فكيف علموا الغيب ؟ هذا مرتفع أو منخفض مرصود في أوربا مثلاً، أوضح من ذلك أخبار المنخفض الجوي، يقولون: منخفض جوي متمركز فوق أوربا سرعته ثلاث مائة كيلو متر في الساعة مثلاً، بيننا وبين أوربا ثلاثة آلاف كيلو متر تحسب المسافة وتقسم على السرعة يقولون بعد ثلاثة أيام سيكون عندنا منخفض جوي، ومعه أمطار غزيرة، هذا العلم يسمى علم غيب مجازاً لكن هناك وسائل تكشفه، كذلك الجنين في بطن الأم، يأخذ الأطباء السائل الأمينوسي و بالتحليل يُعرف الجنين أهو ذكر أو أنثى، أو بالتصوير، فهذا الذي يتوهمه العوام غيباً ليس غيباً، هو حاضر. يقولون: هناك منخفض متمركز فوق أوربا و لديهم اتصالات سريعة جداً، فبحساب المسافة والسرعة والاتجاه نحكم على وجود أمطار بعد أربعة أيام فهذا يسميه الناس غيباً مجازاً وهو ليس بغيب إنما هو غيب الواقع والله سمح به، كل شيء سمح الله به لم يعد غيباً، قال تعالى:
﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾
( سورة البقرة )
إلا أن أكثر الناس المشككين يقولون: ماذا نفعل بقوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)﴾
( سورة لقمان )
وقد علم الإنسان الجنين ما إن كان ذكراً أو أنثى، الجواب بسيط جداً الله جل جلاله لم يقل ويعلم من في الأرحام، يعني ذكراً أو أنثى قال: " يعلم ما " فمن يستطيع أن يعلم أن هذا الجنين عالم، شقي أو سعيد، مديد العمر أو قصير العمر، مصلح كبير أو مجرم خطير، ما لونه ما لون عينيه، ما صفاته، من سيتزوج، كم سينجب، ما رزقه، إلى الآن يوجد حوالي مليون مورث، مليون معلومة مبرمجة متوضعة في خلية الحوين المنوي لم يستطع البشر أن يعرفوا إلا ثمان مائة نقطة منها فهذا ليس علم غيب، علم الغيب أن تعلم شيئاً ليس له وجود الحاضر.
شيء آخر يجب أن نعلمه جميعاً، ما يشيع بين العامة من أَنَّ الجن يعلمون الغيب، كذلك كل ما يفعله الناس ولو كان لعباً، أن غداً سيكون كذا عن طريق البرج، عن طريق الكُهّان، عن طريق السحرة، نقرأ في فنجان القهوة، هذا كله كذب ودجل لا أصل له، ومن يفعله يأثم.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))
الجن لا يعلمون الغيب إطلاقاً، والدليل قال تعالى:
﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)﴾
( سورة سبأ )
سيدنا سليمان كلف الجن بعمل شاق ومات، وما دلهم على موته إلا حينما انكسرت عصاه التي كان متكئاً عليها فوقع.
إذاً أنواع الغيب هي: غيب استأثر الله بعلمه، و هو النوع الأول، وغيب أطْلعَ الله أنبياءه عليه تأييداً لهم و هو أنواع ثلاثة:غيب الماضي و غيب الحاضر و غيب المستقبل و هذا هو النوع الثاني، و غيب يتوهمه الناس غيباً و هو النوع الثالث يسمى غيباً مجازاً، كالتنبؤات الجوية أحياناً، و الأشياء التي لها دلائل، فهذه أيضاً ليست غيباً إلا أن العوام يسمونها غيباً، و أما الجن فلا تعلم الغيب إطلاقاً قال تعالى:
﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)﴾
( سورة سبأ )
هذا التمهيد لموضوع الرؤيا، الآن عندنا غيب يسمى بشارة، و هو ما يراه المؤمن الصالح في منامه ثم يتحقق بعد ذلك و في الحديث الشريف:
((عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ))
في صدقها و في دلالتها: و قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن جرير:
((عن مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي تفسير هَذِهِ الآيَةِ ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ ))
هذا محور الدرس، والتمهيد انتهى، يعني بشكل أو بآخر، الرؤيا إعلام من الله مباشر لهذا المؤمن، الأنبياء يأتيهم الوحي أما المؤمنون فلهم الرؤيا الصالحة يعني طريقة من طرق الاتصال المباشر، الله جل جلاله يوحي لأنبيائه، إن الله يقرئك السلام يا محمد ويقول لك. فهذا اتصال مباشر عن طريق سيدنا جبريل، أما المؤمن، فكيف السبيل إلى أن يكون هناك اتصال مباشر بينه وبين الله ؟ عن طريق الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له.
قال العلماء: أصدق أوقات الرؤيا تكون في أواخر الليل، قبل صلاة الفجر أو بعده، أو بالقيلولة، النوم بعد الظهر. أما النوم بعد العصر فاسمه العيلولة لأنها تسبب علة للإنسان فلا تكون رؤيا بعد العصر، و إنما هو حلم.
و إليكم هذه الطرفة، رجل في وزارة الأوقاف قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي قل لفلان أن يجعلك في وظيفة كذا، فقال له المسؤول: متى رأيت هذه الرؤيا؟ قال له: البارحة الساعة الثانية عشرة، فقال له: أنا رأيت رسول الله فجراً وقال لي: إنه كاذب لا تصدقه.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
|