(136) والآن أذكر الصفة الرابعة للخوراج الواردة في صحيح السنة وهي(يقولون من خير قول البرية،يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) فهذه صفتان
(137) وقد وردت في الصحيحين،فأما الصفة الأولى وهي أنهم يقولون من خير قول البرية ،وهذا تحذير نبوي حتى لا تغرنا العبارات والشعارات حتى نرى العمل
(138) فمن صفات الخوارج العبارات الرنانة (تطبيق الشريعة،الجهاد، رفع الظلم،الولاء والبراء) إلى آخر تلك العبارات التي لن تكون أحسن من عبارات سلفهم
(139) التي نادوا بها في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ووجه عثمان وعلي وبقية الصحابة وهي شعارهم إلى اليوم،كلمةحق يراد بها باطلاً كما وصفها علي
(140) وهذه خطابات البغدادي والعدناني وبقية حزبهم ،تسمع فيها من خير قول البرية ،فلما تدعوهم إلى تطبيق تلك الدعاوي فإذا هي علقم على المسلمين
(141) وهذه الصفة الخارجية هي التي غرت كثيراً من الشباب والمتعاطفين معهم،وقد سمعت ذلك من بعضهم مرارا،لأن المسلم بطبيعته يميل لقول الله ورسوله
(142) بل من العجيب أن تجد من المصادفات اللطيفة،بعض العبارات في خطابت الدواعش هي بعينها في خطب الخوارج الأولين، وكذلك البدع تتعانق ولو بلا قصد
(143) فالمطالبة بالعدل، من العبارات التي تأسر النفوس وتدغدغ المشاعر، لكن لا تنس أنها قيلت من سلفهم المارقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم
(144) فهل ستغرك عند ذلك!،وكذلك حين تسمع قول العدناني:فأعدوا للصحوات-وهم من خالفهم-المفخخات والكواتم ووووو ،وهذا ليس في حق النصيري بل المسلمين
(145) فإنك تتذكر قول سلفهم وهم يحمسون بعضهم لقتال خير أهل الأرض ،علي وأصحابه ، قوموا إلى الرواح ،قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض
(146) فهل يغرك بعد ذلك ،قولهم ولو كان من خير قول البرية ،كما أخبر بذلك الصادق المصدوق!؟
إن القول الجميل لا يكفي حتى يتبعه فعل جميل
(147) فهذا القول الجميل من الخوارج والاجتهاد في العبادة لم يمنعهم أن يمرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية ،فلا تخدع أخي بخطاباتهم وخطبهم
(148) ولعل بعضهم أن يقول:وهل نسكت عن القول الخير حتى لا نشابه الخوارج!؟ فأقول إن الذم لم يكن للخوارج على قولهم الجميل ،وإنما على تطبيقهم
(149) فبعد أن قالوا من خير قول البرية ،فعلوا أفعال شر البرية ،فخدعوا الناس بالبيان ،وذبحوهم عند التطبيق وأخرجوهم من دين الله أفواجاً وهذا
(150) وهذا عين ما يفعله الدواعش اليوم ،فخُطب عظيمة ،وخطبهم على المسلمين أعظم، فما من عالم ولا داعية ولا فصيل مجاهد ولا جماعة إلا يشتكي شرهم
(151) فهل حجَزهم كلامهم عن قتل المسلمين والمجاهدين وعن تكفيرهم وتفسيقهم وتخوينهم ،حتى أصبح كل من يخالفهم في أرض الجهاد صحوات وهي مرادفة للردة
(152) فهذه هي الصفة الرابعة والخامسة وهي مقترنتان في الحديث وفي الواقع ،القول الجميل والفعل القبيح ،فالقول يغر السفهاء،والفعل يعتبره العقلاء
(153) ومن هذه الصفة تخرج الصفة السادسة لهم ،وهي ما رواه البخاري عن ابن عمر قال(انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين)
(154) فتسمع الكلام والاستشهاد وذكرهم للنصوص ،فإذا هو من خير قول البرية ،فإذا تأملت مقاصدهم ،فإذا هو إخراج للمسلمين من دين الله أفواجاً
(155) فعندهم هذا مرتد وهذا كافر وهذا منافق وهذا عميل وهذا صحوات ،وكلهم حلال الدم والمال والعرض ،ويخاصمونك بأدلة نزلت في الكفار والمنافقين
(156) فلسنا بحاجة بعد ذلك لنحاقق في مسألة كلامية هل هم يكفرون بالكبيرة أم لا ،بل الواجب النظر في تطبيقهم وليس في تنظيرهم،فهو الذي ورد به النص
(157) فلا تغتر أخي باستشهاداتهم حتى تسمع كلام العلماء في دلالة تلك الأدلة حتى لا يخدعوك بذكر أدلة وحشدها على مسائل لا تدل عليها ،فالعلم العلم
(158) فهذا ما يتعلق بالصفة السادسة الثابته في حق الخوارج الأولين وهي في الدواعش كالشمس في رابعة النهار ،ومن عرفهم وخالطهم لم يخف عليه أمرهم
(159) أم الصفة السابعة فهي ماورد في الحديث الصحيح (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم) لكن النتيجة أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم
(160) فهذه الصفة هي العبادة على جهل حتى يغتر بعبادته وتغرّه نفسه ويحتقر الناس ثم يفسقهم ثم يكفرهم ثم يستحل قتلهم فإذا هو خارجي بامتياز
(161) وهذا والله ما رأيته من بعضهم ،فهو يلتزم اليوم ويتتلمذ غداً ويتمشيخ بعده،ويتوغل في العبادة بما يغر به من حوله، وعبادة الجاهل داء عضال
(162) وسبحان الله كيف ورد التحذير منهم ،مهما ظهر لنا من حالهم في العبادة أو حسن الكلام أو الشجاعة والإقدام حتى لا يغتر به قليل العلم والمعرفة
(163) ومع ذلك لا زال شبابنا ينخدع لأحوالهم ويغتر بأقوالهم وكأنهم لم يسمعوا تلك النصوص الواردة فيهم،وقد كان سلفهم أكثر عبادة،ولم يغتر بهم السلف
(164) وناقشني والله من اغتر بعبادة بعضهم،وقال:كيف تبدعهم وقد جلست معهم أهل عبادة وقرآن وذكر ،فقلت له:ما زدتني فيهم إلا بصيرة،ألا تنظر لفعلهم!
(165) ومن تأمل حالهم وأوصافهم الواردة على لسان الصادق المصدوق ،وجدها شبه متلازمة،فحديث السن إذا تفرد بالأمر وغر من حوله بقوله وعبادته
(166) كانت النتيجة سفه الأحلام ،وذلك بالتجني على كل من يخالفهم وانتهاك حرماتهم ،وتجاهل حقوقهم ،وحتى سفك الدماء ،فأي سفه أشد من هذا السفه!؟
(167) فهل بعد هذا يعترض معترض على وصفهم بأنهم خوراج!
وقد رأيت أخي كيف انطبقت عليهم تلك الأوصاف الواردة في النصوص،ولم نقل فيهم مالم يثبت عليهم
(168) وقد اعترض احدهم البارحة ،بقوله أليس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من حدثاء الأسنان ،وكان هذا من أسباب سخرية الكفار بهم ، فأقول له :
(169) أولاً:ليس وجود حدثاء الأسنان في صفوف المجاهدين أو الدعاة أو طلبة العلم هو الوصف الذي أراده صلى الله عليه وسلم،بل المقصود تفردهم بالأمر
(170) كما تجده عند الخوارج في القديم والحديث، إنما المحذور تفرد هؤلاء الحدثاء وتسفيههم لأهل العلم والرأي والسابقة ،واعتقادهم في أنفسم الكمال
(171) كما نراه منهم جلياً ،إن الحدث إذا كان في سواد الأمة وتحت رأي أهل العلم والفكر والرشد ،كان وقوداً لعزة الأمة وخيرها ،فإن تفرد أفسد
(172) هذا ما يتعلق بهذه الصفة ، ولا زلنا في الشبهة السادسة وسأكملها غداً بإذن الله ، والمعذرة على الإطالة لكن الموضوع يستحق ذلك
وفقكم الله